صلاحية المفسر - تفسیر والمفسرون فی ثوبه القشیب جلد 1

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسیر والمفسرون فی ثوبه القشیب - جلد 1

محمد هادی معرفت

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

صلاحية المفسر

قال الراغب : اختلف الناس في تفسير القرآن , هل يجوز لكل ذي علم الخوض فيه ؟ فبعض تشدد في ذلـك , وقـال : لايـجـوز لاحد تفسير شي من القرآن , و ان كان عالما اديبا, متسعا في معرفة الادلة
والفقه و النحو والاخباروالاثار و انما له ان ينتهي الى ما روي عن النبى (ص ), و عن الذين شهدوا
الـتنزيل من الصحابة , و الذين اخذواعنهم من التابعين و احتجوا في ذلك بما روي عنه (ع ): ((من
فسر القرآن برايه فليتبوا مقعده من النار)), و قوله :((من فسر القرآن برايه فاصاب فقد اخطا))
و في خبر: ((من قال في القرآن برايه فقد كفر)).

قـال : و ذكر آخرون ان من كان ذا ادب وسيع , فموسع له ان يفسره , فالعقلا الادبا فوضى فضا في
مـعـرفـة الاغـراض و احـتـجوا في ذلك بقوله تعالى : (كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا آياته و
ليتذكراولوا الا لباب ) ((109)) .

و ذكـر بعض المحققين ان المذهبين هما: الغلو و التقصير, فمن اقتصر على المنقول اليه فقد ترك
كثيرا مما يحتاج اليه , و من اجاز لكل احد الخوض فيه فقد عرضه للتخليط, و لم يعتبر حقيقة قوله
تعالى : (ليدبروا آياته وليتذكر اولوا الا لباب ).

قـال : و الـواجـب ان يـبـيـن اولا ما ينطوي عليه القرآن , و ما يحتاج اليه من العلوم , فنقول و باللّه
التوفيق :.

ان جـمـيـع شـرائط الايـمان و الاسلام التي دعينا اليها و اشتمل القرآن عليها ضربان :علم غايته
الاعـتقاد, و هو الايمان باللّه و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الاخر و علم غايته العمل , و هو
معرفة احكام الدين و العمل بها.

و العلم مبدا, و العمل تمام و لا يتم العلم من دون عمل , و لا يخلص العمل دون العلم , و لذلك لم يفرد
تعالى احدهما من الاخر في عامة القرآن , نحو قوله : (ومن يؤمن باللّه و يعمل صالحا)
((110)) , (و
من عمل صالحا من ذكر او انثى و هو مومن )
((111)) (الذين آمنوا و عملوا الصالحات طوبى لهم و
حسن مب )
((112)) .

و لا يمكن تحصيل هذين (العلم و العمل ) الا بعلوم لفظية , وعقلية , و موهبية :.

فالاول : معرفة الالفاظ, و هو علم اللغة .

والثاني : مناسبة بعض الالفاظ الى بعض , و هو علم الاشتقاق .

والثالث : معرفة احكام ما يعرض الالفاظ من الابنية و التصاريف و الاعراب , و هو النحو.

والرابع : ما يتعلق بذات التنزيل , و هو معرفة القراات .

والخامس : ما يتعلق بالاسباب التي نزلت عندها الايات , و شرح الاقاصيص التي تنطوي عليها السور,
من ذكر الانبيا(ع ) و القرون الماضية , و هو علم الاثار و الاخبار.

والـسـادس : ذكر السنن المنقولة عن النبى (ص )و عمن شهد الوحي , و ما اتفقوا عليه و ما اختلفوا
فيه , مما هوبيان لمجمل , او تفسير لمبهم المنبا عنه بقوله تعالى : (و انزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما
نزل اليهم )
((113)) و بقوله : (اولئك الذين هدى اللّه فبهداهم اقتده ) ((114)) , و ذلك علم السنن .

والـسابع : معرفة الناسخ و المنسوخ , و العموم و الخصوص , و الاجماع و الاختلاف ,و المجمل و
الـمـفـسـر, و الـقياسات الشرعية , و المواضع التي يصح فيها القياس , و التي لا يصح , و هو علم
اصول الفقه .

والثامن : احكام الدين و آدابه , و آداب السياسات الثلاث التي هي سياسة النفس والاقارب و الرعية ,
مع التمسك بالعدالة فيها, و هو علم الفقه و الزهد.

والتاسع : معرفة الادلة العقلية , و البراهين الحقيقية , و التقسيم و التحديد, و الفرق بين المعقولات
والمظنونات و غير ذلك , و هو علم الكلام .

و العاشر: و هو علم الموهبة , و ذلك علم يورثه اللّه من عمل بما علم قال امير المؤمنين (ع ): قالت
الحكمة :من ارادني فليعمل باحسن ما علم , ثم تلا (الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه )
((115))
و روي عنه (ع ) حيث سئل : هل عندك علم عن النبي لم يقع الى غيرك ؟ قال : ((لا, الا كتاب اللّه , و
ما في صحيفتي , و فهم يؤتيه اللّه من يشا)).

و هذا هو التذكر الذي رجانا اللّه تعالى ادراكه بفعل الصالحات , حيث قال : (ان اللّه يامر بالعدل والا
حـسـان و ايتا ذي القربى ـ الى قوله ـ لعلكم تذكرون )
((116)) , و هو الهداية المزيدة للمهتدي
فـي قـوله : (والذين اهتدوا زادهم هدى )
((117)) , و هو الطيب من القول المذكور: (و هدوا الى
الطيب من القول , و هدوا الى صراط الحميد)
((118)) .

فـجـمـلـة الـعلوم التي هي كالالة للمفسر, و لاتتم صناعته الا بها, هي هذه العشرة : علم اللغة , و
الاشتقاق , و النحو,و القراات , و السير, و الحديث , و اصول الفقه , و علم الاحكام , و علم الكلام , و
علم الموهبة .

فمن تكاملت فيه هذه العشرة و استعملها, خرج عن كونه مفسرا للقرآن برايه و من نقص عن بعض
ذلك مماليس بواجب معرفته في تفسير القرآن , و احس من نفسه في ذلك بنقصه , و استعان باربابه , و
اقتبس منهم , واستضا باقوالهم , لم يكن ـ ان شا اللّه ـ من المفسرين برايهم .

و اخيرا قال : و من حق من تصدى للتفسير ان يكون مستشعرا لتقوى اللّه , مستعيذا من شرور نفسه
و الاعـجاب بها, فالاعجاب اس كل فساد و ان يكون اتهامه لفهمه اكثر من اتهامه لفهم اسلافه الذين
عاشروا الرسول وشاهدوا التنزيل و باللّه التوفيق
((119)) .

و لقد احسن و اجاد فيما افاد, وادى الكلام حقه في بيان الشرائط التي يجب توفرها في كل مفسر,
حتى يخرج عن كونه مفسرا برايه , و بشرط ان يراعي تقوى اللّه , فلا يقول في شي بغير علم و لا
كتاب منير.

قال جلال الدين السيوطي : و لعلك تستشكل علم الموهبة , و تقول : هذا شي ليس في قدرة الانسان و
لـيس كما ظننت من الاشكال , و الطريق في تحصيله ارتكاب الاسباب الموجبة له من العمل و الزهد
قال الامام بدرالدين الزركشي : اعلم انه لا يحصل للناظر فهم معاني الوحي , و لا يظهر له اسراره ,
و فـي قلبه بدعة او كبر اوهوى او حب الدنيا, او هو مصر على ذنب , او غير متحقق بالايمان , او
ضـعيف التحقيق , او يعتمد على قول مفسر ليس عنده علم , او راجع الى معقوله و هذه كلها حجب و
مـوانع بعضها آكد من البعض قال السيوطي : و في هذا المعنى قوله تعالى : (ساصرف عن آياتي الذين
يـتـكـبـرون فـي الا رض بغير الحق )
((120)) قال سفيان بن عيينة : يقول تعالى : انزع عنهم فهم
القرآن
((121)) .

قـلـت : و هـكـذا قـولـه تـعـالـى : (انـه لـقـرآن كـريـم , فـي كـتـاب مـكـنـون , لا يـمـسه
الاالمطهرون )
((122)) فلا تتجلى حقائق القرآن و معارفه الرشيدة الا لمن خلص باطنه و زكت
نفسه عن الادناس و الارجاس .

قـال الامام امير المؤمنين (ع ) ـ في خطبة خطبها بذي قار ـ : ((ان علم القرآن ليس يعلم ما هو الا
من ذاق طعمه ,فعلم بالعلم جهله , و بصر به عماه , و سمع به صممه , و ادرك به علم ما فات , وحيي
به بعد اذ مات , و اثبت به عنداللّه الحسنات , و محا به السيئات , و ادرك به رضوانا من اللّه تبارك و
تعالى , فاطلبوا ذلك من عند اهله خاصة ))
((123)) .

و قـال ـ فـي حـديث آخر ـ : ((ان اللّه قسم كلامه ثلاثة اقسام , فجعل قسما منه يعرفه العالم و
الـجـاهـل , و قـسما لايعرفه الا من صفا ذهنه و لطف حسه و صح تمييزه , ممن شرح اللّه صدره
للاسلام , و قسما لايعلمه الا اللّه وامناؤه و الراسخون في العلم ))
((124)) .

قـال تـعـالـى : (يا ايها الذين آمنوا ان تتقوا اللّه يجعل لكم فرقانا) ((125)) , و قال : (و اتقوا اللّه
ويعلمكم اللّه )
((126)) .

اوجه التفسير

اخـرج الـطـبـري بـعد ة اسانيد الى ابن عباس , قال : التفسير اربعة اوجه : وجه تعرفه العرب من كـلامـهـا, و تـفـسـيـر لايـعـذر احد بجهالته , و تفسير يعلمه العلما, و تفسير لا يعلمه الا اللّه
تعالى ((127)) .

قال الزركشي ـ في شرح هذا الكلام ـ : و هذا تقسيم صحيح :.

فاما الذي تعرفه العرب , فهو الذي يرجع فيه الى لسانهم , و ذلك شان اللغة و الاعراب .

فـامـا الـلـغـة , فعلى المفسر معرفة معانيها, و مسميات اسمائها, و لايلزم ذلك القارئ ثم ان كان ما
تـتـضـمـنه الفاظهايوجب العمل دون العلم , كفى فيه خبر الواحد و الاثنين , و الاستشهاد بالبيت و
الـبيتين و ان كان مما يوجب العلم , لم يكف ذلك , بل لا بد ان يستفيض ذلك اللفظ, و تكثر شواهده من
الشعر.

و امـا الاعـراب , فـمـا كـان اختلافه محيلا للمعنى ,وجب على المفسر و القارئ تعلمه , ليتوصل
الـمـفـسر الى معرفة الحكم و ليسلم القارئ من اللحن و ان لم يكن محيلا للمعنى , وجب تعلمه على
القارئ ليسلم من اللحن , و لايجب على المفسر, لوصوله الى المقصود دونه , على ان جهله نقص في
حق الجميع .

اذا تقرر ذلك , فما كان من التفسير راجعا الى هذا القسم , فسبيل المفسر التوقف فيه على ما ورد في
لسان العرب , و ليس لغير العالم بحقائق اللغة و مفاهيمها تفسير شي من الكتاب العزيز, و لا يكفي في
حقه تعلم اليسير منها, فقد يكون اللفظ مشتركا, و هو يعلم احد المعنيين .

الثاني : ما لا يعذر احد بجهله , و هو ما تتبادر الافهام الى معرفة معناه من النصوص المتضمنة شرائع
الاحكام ودلائل التوحيد و كل لفظ افاد معنى واحدا جليا لا سواه , يعلم انه مراد اللّه تعالى .

فـهـذا الـقسم لا يختلف حكمه , و لا يلتبس تاويله , اذ كل احد يدرك معنى التوحيد,من قوله تعالى :
(فـاعـلـم انـه لا الـه الا اللّه )
((128)) و انـه لا شريك له في الهيته , و ان لم يعلم ان ((لا))
مـوضـوعـة فـي الـلغة للنفي و ((الا)) للاثبات , و ان مقتضى هذه الكلمة الحصر و يعلم كل احد
بـالـضـرورة ان مـقـتـضى قوله تعالى : (و اقيموا الصلاة و آتوا الزكاة )
((129)) و نحوها من
الاوامـر, طـلـب ادخـال مـاهـية المامور به في الوجود, و ان لم يعلم ان صيغة ((افعل )) مقتضاها
الـتـرجـيـح وجوبا او ندبا فما كان من هذا القسم لا يقدر احد ان يدعي الجهل بمعاني الفاظه , لانها
معلومة لكل احد بالضرورة .

الـثـالث : ما لا يعلمه الا اللّه تعالى , فهو يجري مجرى الغيوب , نحو الاي المتضمنة قيام الساعة , و
نزول الغيث , وما في الارحام , و تفسير الروح , و الحروف المقطعة .

و كـل مـتـشابه في القرآن عند اهل الحق , فلا مساغ للاجتهاد في تفسيره , و لاطريق الى ذلك الا
بالتوقيف , من احد ثلاثة اوجه :.

اما نص من التنزيل , او بيان من النبى (ص ), او اجماع الامة على تاويله .

فاذا لم يرد فيه توقيف من هذه الجهات , علمنا انه مما استاثر اللّه تعالى بعلمه .

قـلـت : و هذا انما يصدق بشان الحروف المقطعة , فانها رموز بين اللّه و رسوله , لا يعلم تاويلها الا
اللّه و الرسول ,و من علمه الرسول بالخصوص .

والرابع : ما يرجع الى اجتهاد العلما, و هو الذي يغلب عليه اطلاق التاويل , و هو صرف اللفظ الى ما
يـؤول اليه فالمفسر ناقل , و المؤول مستنبط, و ذلك استنباط الاحكام , و بيان المجمل , و تخصيص
العموم .

و كـل لفظ احتمل معنيين فصاعدا, فهو الذي لايجوز لغير العلما الاجتهاد فيه , وعلى العلما اعتماد
الشواهد و الدلائل , و ليس لهم ان يعتمدوا مجرد رايهم فيه .

ثم اخذ في بيان كيفية الاجتهاد و استنباط الاحكام من ظواهر القرآن , عند اختلاف اللفظ او تعارض
ظـاهرين , بحمل الظاهر على الاظهر, و ترجيح احد معنيي المشترك , و ما الى ذلك مما يرجع الى
قواعد (علم الاصول ).

ثم قال : فهذا اصل نافع معتبر في وجوه التفسير في اللفظ المحتمل , و اللّه العالم .

و اخـيـرا قـال : اذا تقرر ذلك فينزل قوله (ص ): ((من تكلم في القرآن بغير علم فليتبوا مقعده من
الـنـار)) عـلـى قسمين من هذه الاربعة : احدهما: تفسير اللفظ, لاحتياج المفسر له الى التبحر في
معرفة لسان العرب , الثاني : حمل اللفظ المحتمل على احد معنييه , لاحتياج ذلك الى معرفة انواع من
العلوم :.

علم العربية و اللغة و التبحر فيهما.

و من علم الاصول ما يدرك به حدود الاشيا, و صيغ الامر و النهي , و الخبر,والمجمل و المبين , و
العموم و الخصوص , و الظاهر و المضمر, و المحكم و المتشابه , و المؤول , و الحقيقة والمجاز,
و الصريح و الكناية , و المطلق و المقيد.

و مـن عـلوم الفروع ما يدرك به استنباطا, و الاستدلال على هذا اقل ما يحتاج اليه , و مع ذلك فهو
على خطرفعليه ان يقول : يحتمل كذا, و لا يجزم الا في حكم اضطر الى الفتوى به
((130)) .

التفسير بالراي

و اما الذي هابه اهل الظاهر, و زعموا من التكلم في معاني القرآن تفسيرا بالراي , فيجب الاحتراز منه , فهو ممااشتبه عليهم امره , و لم يمعنوا النظر في فحواه امعانا.

و لا بد ان نذكر نص الحديث اولا, ثم النظر في محتواه : ((131)) .

1ـ روى ابـو جـعفر الصدوق باسناده عن الامام امير المؤمنين (ع ) قال : قال رسول اللّه (ص ): قال
اللّه ـ جل جلاله ـ : ((ما آمن بي من فسر برايه كلامي ))
((132)) .

2ـ و ايـضـا روي عـنه (ع ) قال ـ لمدعي التناقض في القرآن ـ : ((اياك ان تفسر القرآن برايك ,
حـتـى تـفقهه عن العلما فانه رب تنزيل يشبه بكلام البشر, و هو كلام اللّه , و تاويله لا يشبه كلام
البشر))
((133)) .

3ـ و ايضا عن الامام على بن موسى الرضا(ع ) قال لعلي بن محمد بن الجهم : ((لا تؤول كتاب اللّه ـ
عـز و جـل ـبـرايـك , فـان اللّه ـ عـز و جل ـ يقول : (و ما يعلم تاويله الا اللّه و الراسخون في
العلم )
((134)) .

4ـ و روى ابـو الـنضر محمد بن مسعود العياشي باسناده عن الامام ابي عبد اللّه الصادق (ع ) قال :
((من فسرالقرآن برايه فاصاب لم يؤجر, و ان اخطا كان اثمه عليه )), و في رواية اخرى : ((و
ان اخطا فهو ابعد من السما))
((135)) .

5ـ و روى الشهيد السعيد زين الدين العاملي , مرفوعا الى النبى (ص )قال : ((من قال في القرآن بغير
علم فليتبوامقعده من النار)), و قال : ((من تكلم في القرآن برايه فاصاب فقد اخطا)), و قال : ((من
قـال في القرآن بغير ما علم ,جا يوم القيامة ملجما بلجام من نار)), و قال : ((اكثر ما اخاف على امتي
من بعدي , رجل يناول القرآن , يضعه على غير مواضعه ))
((136)) .

و اخـرج ابـوجعفر محمد بن جرير الطبري باسناده عن ابن عباس عن النبى (ص ): ((من قال في
القرآن برايه فليتبوا مقعده من النار)).

و في رواية اخرى : ((من قال في القرآن برايه او بما لايعلم )).

و ايضا عنه : ((من قال في القرآن بغير علم فليتبوا مقعده من النار)).

و ايضا: ((من تكلم في القرآن برايه فليتبوا مقعده من النار)).

و باسناده عن جندب عنه (ص ): ((من قال في القرآن برايه فاصاب فقد اخطا)) ((137)) .

و خـص الـطبري هذه الاحاديث بالاي التي لا سبيل الى العلم بتاويلها الا ببيان الرسول (ص ), مثل
تاويل ما فيه من وجوه امره : واجبه و ندبه و ارشاده , و صنوف نهيه , و وظائف حقوقه و حدوده , و
مبالغ فرائضه , و مقاديراللازم بعض خلقه لبعض , و ما اشبه ذلك من احكام آيه التي لم يدرك علمها
الا ببيان الرسول لامته , و هذا وجه لايجوز لاحد القول فيه الا ببيان الرسول له بتاويله , بنص منه
عليه , او بدلالة نصبها دالة امته على تاويله .

قـال : و هـذه الاخبار شاهدة لنا على صحة ما قلنا: من ان ما كان من تاويل آي القرآن الذي لا يدرك
عـلمه الابنص بيان الرسول او بنصبه الدلالة عليه , فغير جائز لاحد القيل فيه برايه , بل القائل في
ذلك برايه و ان اصاب الحق فيه فمخطئ فيما كان من فعله , بقيله فيه برايه , لان اصابته ليست اصابة
مـوقـن انـه محق , و انما هواصابة خارص و ظان , و القائل في دين اللّه بالظن قائل على اللّه ما لم
يعلم , لان قيله فيه برايه ليس بقيل عالم ,ان الذي قال فيه من قول حق و صواب , فهو قائل على اللّه ما
لا يعلم , آثم بفعله ما قد نهى عنه و حظرعليه
((138)) .

قـلـت : و هـذا يعني العمومات الواردة في القرآن , الوارد تخصيصاتها في السنة ببيان الرسول , مثل
قـولـه : (اقـيمواالصلاة ) و (آتوا الزكاة ) و (للّه على الناس حج البيت ) و نحو ذلك مما ورد في
القرآن عاما, واوكل بيان تفاصيلها و شرائطها و احكامها الى بيان رسول اللّه (ص )فلا يجوز شرح
تفاصيلها الا عن اثر صحيح وهذا حق , غير ان حديث المنع غير ناظر الى خصوص ذلك .

و روى الترمذي باسناده الى ابن عباس عن النبى (ص ) قال : ((اتقوا الحديث علي الا ما علمتم , فمن
كـذب عـلـى مـتـعـمـدا فـلـيـتـبـوا مقعده من النار, و من قال في القرآن برايه فليتبوا مقعده من
النار))
((139)) .

قال ابن الانباري : فسر حديث ابن عباس تفسيرين :.

احدهما: من قال في مشكل القرآن بما لايعرف من مذهب الاوائل من الصحابة والتابعين , فهو متعرض
لسخط اللّه .

و الاخـر: ـ و هـو اثـبـت القولين و اصحهما معنى ـ من قال في القرآن قولا يعلم ان الحق غيره ,
فليتبوا مقعده من النار.

و قـال : و امـا حـديـث جـنـدب عـن رسـول الـل ه (ص ): ((من قال في القرآن برايه فاصاب فقد
اخـطـا))
((140)) , فـحـمل بعض اهل العلم هذا الحديث على ان الراي معنى به الهوى من قال في
الـقـرآن قـولا يـوافـق هواه , لم ياخذه عن ائمة السلف , فاصاب فقد اخطا, لحكمه على القرآن بما
لايعرف اصله , و لا يقف على مذاهب اهل الاثر و النقل فيه .

و قـال ابن عطية : ((و معنى هذا ان يسال الرجل عن معنى في كتاب اللّه عز و جل , فيتسور عليه
بـرايه
((141)) دون نظر فيما قال العلما, و اقتضته قوانين العلم كالنحو و الاصول و ليس يدخل
فـي هـذا الـحـديـث , ان يـفسر اللغويون لغته , والنحويون نحوه , و الفقها معانيه , و يقول كل واحد
باجتهاده المبني على قوانين علم و نظر, فان القائل على هذه الص فة ليس قائلا بمجرد رايه )).

قال القرطبي ـ تعقيبا على هذا الكلام ـ : هذا صحيح , و هوالذي اختاره غير واحد من العلما, فان من
قـال في القرآن بما سنح في وهمه و خطر على باله من غير استدلال عليه بالاصول فهو مخطئ ,و
ان من استنبط معناه بحمله على الاصول المحكمة المتفق على معناها, فهو ممدوح .

و قال بعض العلما: ان التفسير موقوف على السماع , للامر برده الى اللّه و الرسول ((142)) .

قال : و هذا فاسد, لان النهي عن تفسير القرآن لايخلو: اما ان يكون المراد به الاقتصار على النقل و
الـسماع وترك الاستنباط, او المراد به امرا آخر و باطل ان يكون المراد به ان لا يتكلم احد في
القرآن الا بما سمعه ,فان الصحابة قد قراوا القرآن و اختلفوا في تفسيره على وجوه , و ليس كل ما
قالوه سمعوه من النبى (ص ), و قددعا لابن عباس : ((اللهم فقهه في الدين و علمه التاويل )) فان كان
التاويل مسموعا كالتنزيل , فما فائدة تخصيصه بذلك , و هذا بين لا اشكال فيه .

و انما النهي يحمل على احد وجهين :.

احـدهـما: ان يكون له في الشي راي , و اليه ميل من طبعه و هواه , فيتاول القرآن على وفق رايه و
هواه ,ليحتج على تصحيح غرضه و لو لم يكن له ذلك الراي و الهوى , لكان لا يلوح له من القرآن ذلك
المعنى .

و هذا النوع يكون تارة مع العلم , كالذي يحتج ببعض آيات القرآن على تصحيح بدعته , و هو يعلم ان
ليس المراد بالاية ذلك , و لكن مقصوده ان يلبس على خصمه .

و تارة يكون مع الجهل , و ذلك اذا كانت الاية محتملة , فيميل فهمه الى الوجه الذي يوافق غرضه , و
يـرجـح ذلك الجانب برايه و هواه , فيكون قد فسر برايه , اي رايه حمله على ذلك التفسير, ولولا
رايه لما كان يترجح عنده ذلك الوجه .

و تـارة يـكون له غرض صحيح , فيطلب له دليلا من القرآن , و يستدل عليه بما يعلم انه ما اريد به ,
كمن يدعو الى مجاهدة القلب القاسي , فيقول : قال اللّه تعالى : (اذهب الى فرعون انه طغى )
((143))
و يـشـيـر الـى قـلـبـه , و يومئ الى انه المراد بفرعون و هذا الجنس قد يستعمله بعض الوعاظ
فـي المقاصد الصحيحة , تحسينا للكلام و ترغيبا للمستمع , و هو ممنوع لانه قياس في اللغة , و ذلك
غـيـر جـائز وقـد تستعمله الباطنية
((144)) في المقاصد الفاسدة لتغرير الناس و دعوتهم الى
مذاهبهم الباطلة , فينزلون القرآن على وفق رايهم و مذهبهم , على امور يعلمون قطعا انها غير مرادة
.

فهذه الفنون احد وجهي المنع من التفسير بالراي .

الوجه الثاني : ان يتسارع الى تفسير القرآن بظاهر العربية , من غير استظهار بالسماع و النقل , فيما
يـتـعـلـق بـغرائب القرآن , و ما فيه من الالفاظ المبهمة و المبدلة , و ما فيه من الاختصار والحذف
والاضـمـار و التقديم والتاخير فمن لم يحكم ظاهر التفسير, و بادر الى استنباط المعاني بمجرد
فهم العربية كثر غلطه , و دخل في زمرة من فسر القرآن بالراي والنقل و السماع لا بد له منهما في
ظاهر التفسير, اولا ليتقي بهما مواضع الغلط, ثم بعدذلك يتسع الفهم و الاستنباط و الغرائب التي لا
تـفـهـم الا بالسماع كثيرة , و لا مطمع في الوصول الى الباطن قبل احكام الظاهر, الا ترى ان قوله
تـعالى : (و آتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها)
((145)) معناه : آية مبصرة فظلموا انفسهم بقتلها
فـالـناظر الى الظاهر يظن ان الناقة كانت مبصرة , فهذا في الحذف و الاضمار, و امثاله في القرآن
كثير
((146)) .

و هـذا الـذي ذكره القرطبي و شرحه شرحا وافيا, هو الصحيح في معنى الحديث , و اكثر العلما
عـليه , بل و في لحن الروايات الواردة عن الرسول (ص ) ما يؤيد ارادة هذا المعنى , نظرا للاضافة
فـي ((رايـه )), اي رايـه الـخاص ,يحاول توجيهه بما يمكن من ظواهر القرآن حتى و لو استلزم
تحريفا في كلامه تعالى فهذا لا يهمه القرآن , انمايهمه تبرير موقفه الخاص باتخاذ هذا الراي الذي
يحاول اثباته باية وسيلة ممكنة فهذا في الاكثر مفتر على اللّه ,مجادل في آيات اللّه .

فقد روى ابوجعفر محمد بن على بن بابويه الصدوق باسناده الى سعيد بن المسيب عن عبد الرحمان
بن سمرة , قال : قال رسول اللّه (ص ): ((لعن اللّه المجادلين في دين اللّه على لسان سبعين نبيا,و من
جادل في آيات اللّه فقد كفر, و من فسر القرآن برايه فقد افترى على اللّه الكذب , و من افتى الناس
بـغـيـرعـلـم فـلـعنته ملائكة السماوات والارض , و كل بدعة ضلالة , و كل ضلالة سبيلها الى
النار))
((147)) .

و روى ثـقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني باسناده الى الامام ابي جعفر محمد بن علي الباقر(ع )
قـال : ((مـا عـلمتم فقولوا, و ما لم تعلموا فقولوا: اللّه اعلم ان الرجل لينتزع بالاية فيخر بها ابعد
مابين السما و الارض ))
((148)) .

و كـذا اذا اسـتـبد برايه ولم يهتم باقوال السلف و الماثور من احاديث كبار الائمة و العلما من اهل
الـبـيـت (ع ) وكـذا سائر المراجع التفسيرية المعهودة , فان من استبد برايه هلك , و من ثم فانه ان
اصاب احيانا فقد اخطاالطريق , و لم يؤجر.

روى ابو النضر محمد بن مسعود بن عياش باسناده الى الامام جعفر بن محمدالصادق (ع ) قال : ((من
فسر القرآن برايه , ان اصاب لم يؤجر, و ان اخطا فهو ابعد من السما))
((149)) , الى غيرهامن
احاديث يستشف منها ان السر في منع التفسير بالراي امران :.

احـدهـما: التفسير لغرض المرا و الغلبة و الجدال و هذا انما يعمد الى دعم نظرته و تحكيم رايه
الـخاص , بمايجده من آيات متشابهة صالحة للتاويل الى مطلوبه , ان صحيحا او فاسدا, غير ان الاية
لا تهدف ذلك لولاالالتوا بها في ذلك الاتجاه , و لذلك فانه حتى لو اصاب في المعنى لم يؤجر, لانه لم
يقصد تفسير القرآن , و انمااستهدف نصرة مذهبه ايا كانت الوسيلة .

و هـذا ناظر في الاكثر الى الايات المتشابهة لغرض تاويلها, فالنهي انما عنى التاويل غير المستند
الى دليل قاطع (فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغا الفتنة وابتغا تاويله )
((150)) .

ثـانيهما: التفسير من غير استناد الى اصل ركين , اعتمادا على ظاهر التعبير محضا,فان هذا هو من
القول بلا علم , و هو ممقوت لا محالة , و لا سيما في مثل كتاب اللّه الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه
و لا مـن خـلفه و من ثم فانه ايضا غير ماجور على عمله حتى و لو اصاب المعنى , لانه اورد امرا
خطيرا من غير مورده , و الاكثر الغالب في مثله الخطا و الضلال , و افترا على اللّه , و هو عظيم .

و قـد اسـلـفـنـا كـلام الـراغـب و شـرحه بهذا الشان ((151)) , و كذا ما ذكره الزركشي في
هذاالباب
((152)) , و قد كان كلامهما وافيا بجوانب الموضوع , لم يختلف عما ذكرناه هنا, فراجع
.

و لـكـن نـقـل جـلال الدين السيوطي عن ابن النقيب محمد بن سليمان البلخي ((153)) في مقدمة
تفسيره :.

ان جملة ما تحصل في معنى الحديث خمسة اقوال :.

احدها: التفسير من غير حصول العلوم , التي يجوز معها التفسير.

ثانيها: تفسير المتشابه الذي لا يعلمه الا اللّه .

ثالثها: التفسير المقرر للمذهب الفاسد, بان يجعل المذهب اصلا و التفسير تابعا,فيرد اليه باي طريق
امكن , و ان كان ضعيفا.

رابعها: التفسير بان مراد اللّه كذا على القطع من غير دليل .

خامسها: التفسير بالاستحسان و الهوى ((154)) .

قلت : و يمكن ارجاع هذه الوجوه الخمسة الى نفس الوجهين اللذين ذكرناهما, اذ الخامس يرجع الى
الثالث , والرابع و الثاني يرجعان الى الاول , فتدبر.

خلاصة القول في التفسير بالراي

يـتلخص القول في تفسير حديث ((من فسر القرآن برايه )): ان الشي المذموم او الممنوع شرعا, الذي استهدفه هذا الحديث , امران :.

احدهما: ان يعمد قوم الى آية قرآنية , فيحاولوا تطبيقها على ما قصدوه من راي اوعقيدة , او مذهب
او مسلك , تبريرا لما اختاروه في هذا السبيل , او تمويها على العامة في تحميل مذاهبهم او عقائدهم ,
تعبيرا على البسطا الضعفا.

و هـذا قد جعل القرآن وسيلة لانجاح مقصوده بالذات , و لم يهدف تفسير القرآن في شي و هذا هو
الذي عنى بقوله (ع ): فقد خر بوجهه ابعد من السما, او فليتبوا مقعده من النار.

و ثانيهما: الاستبداد بالراي في تفسير القرآن , محايدا طريقة العقلا في فهم معاني الكلام , و لا سيما
كـلامـه تعالى فان للوصول الى مراده تعالى من كلامه وسائل و طرقا, منها: مراجعة كلام السلف , و
الـوقـوف عـلـى الاثـار الـواردة حول الايات , و ملاحظة اسباب النزول , و غير ذلك من شرائ
ط يـجـب تـوفـرهـا في مفسر القرآن الكريم فاغفال ذلك كله , و الاعتماد على الفهم الخاص , مخالف
لـطريقة السلف والخلف في هذا الباب و من استبد برايه هلك , و من قال على اللّه بغير علم فقد ضل
سـوا الـسبيل , و من ثم فانه قد اخطا و ان اصاب الواقع ـ فرضا او صدفة ـ لانه اخطا الطريق , و
سلك غير مسلكه المستقيم .

قـال سيدنا الاستاذ الامام الخوئي ـ دام ظله ـ : ان الاخذ بظاهر اللفظ, مستندا الى قواعد و اصول
يتداولها العرف في محاوراتهم , ليس من التفسير بالراي , و انما هو تفسير بحسب ما يفهمه العرف , و
بحسب ما تدل عليه القرائن المتصلة و المنفصلة , و الى ذلك اشار الامام جعفر بن محمد الصادق (ع )
بـقـوله : ((انما هلك الناس في المتشابه , لانهم لم يقفوا على معناه , و لم يعرفوا حقيقته , فوضعوا له
تاويلا من عند انفسهم برائهم , و استغنوابذلك عن مسالة الاوصيا فيعرفونهم )).

قـال : و يحتمل ان معنى التفسير بالراي , الاستقلال في الفتوى من غير مراجعة الائمة (ع ) مع انهم
قـرنا الكتاب في وجوب التمسك , و لزوم الانتها اليهم فاذا عمل الانسان بالعموم اوالاطلاق الوارد
في الكتاب , و لم ياخذ التخصيص او التقييد الوارد عن الائمة (ع ) كان هذا من التفسير بالراي .

و عـلى الجملة , حمل اللفظ على ظاهره بعد الفحص عن القرائن المتصلة و المنفصلة , من الكتاب و
السنة او الدليل العقلي , لا يعد من التفسير بالراي , بل و لا من التفسيرنفسه ((155)) .

قـلـت : و عـبـارته الاخيرة اشارة الى ان الاخذ بظاهر اللفظ, مستندا الى دليل الوضع اوالعموم او
الاطـلاق , او قـرائن حالية او مقالية و نحو ذلك , لا يكون تفسيرا, اذ لا تعقيدفي اللفظ حتى يكون
حله تفسيرا, و انما هو جري على المتعارف المعهود, في متفاهم الاعراف .

اذ قد عرفت ان التفسير, هو: كشف القناع عن اللفظ المشكل , و لا اشكال حيث وجود اصالة الحقيقة
او اصالة الاطلاق او العموم , او غيرها من اصول لفظية معهودة .

نعم اذا وقع هناك اشكال في اللفظ, بحيث ابهم المعنى ابهاما, و ذلك لاسباب و عوامل قد تدعو ابهاما
او اجمالا في لفظ القرآن , فيخفى المراد خفا في ظاهرالتعبير, فعند ذلك تقع الحاجة الى التفسير و
رفع هذا التعقيد.

و الـتـفـسـير ـ في هكذا موارد ـ لا يمكن بمجرد اللجؤ الى تلكم الاصول المقررة لكشف مرادات
الـمتكلمين حسب المتعارف , اذ له طرق و وسائل خاصة غير مايتعارفه العقلا في فهم معاني الكلام
العادي , على ما ياتي في كلام السيد الطباطبائي .

و الـتـفسير بالراي المذموم عقلا و الممنوع شرعا, انما يعني هكذا موارد متشابهة اومتوغلة في
الابـهام , فلا رابط ـ ظاهرا ـ لما ذكره سيدنا الاستاذ, مع موضوع البحث , و عبارته الاخيرة ربما
تشي بذلك .

و قال سيدنا العلامة الطباطبائي : ((الاضافة ـ في قوله : برايه ـ تفيد معنى الاختصاص و الانفراد
و الاسـتـقـلال , بان يستقل المفسر في تفسير القرآن بما عنده من الاسباب في فهم الكلام العربي ,
فـيـقيس كلامه تعالى بكلام الناس ,فان قطعة من الكلام من اى متكلم اذا ورد علينا, لم نلبث دون ان
نـعمل فيه القواعد المعمولة في كشف المرادالكلامي , و نحكم بذلك انه اراد كذا, كما نجري عليه
فـي الاقـاريـر و الـشهادات و غيرهما كل ذلك لكون بياننامبنيا على ما نعلمه من اللغة , و نعهده من
مصاديق الكلمات , حقيقة و مجازا.

و الـبـيان القرآني غير جار هذا المجرى , بل هو كلام موصول بعضها ببعض , في حين انه مفصول ,
ينطق بعضه ببعض , و يشهد بعضه على بعض , كما قاله علي (ع ).

فـلا يكفي ما يتحصل من آية واحدة باعمال القواعد المقررة , دون ان يتعاهد جميع الايات المناسبة
لها, ويجتهد في التدبر فيها.

فـالـتفسير بالراي المنهى عنه امر راجع الى طريق الكشف دون المكشوف فالنهي انما هو عن تفهم
كلامه تعالى على نحو ما يتفهم به كلام غيره , حتى ولو صادف الواقع , اذ على فرض الاصابة يكون
الخطا في الطريق .

قـال : و يـؤيد هذا المعنى , ما كان عليه الامر في زمن النبى (ص ) فان القرآن لم يكن مؤلفا بعد, و لم
يـكـن مـنـه الاسـور او آيات متفرقة في ايدي الناس , فكان في تفسير كل قطعة قطعة منه خطر
الوقوع في خلاف المراد.

قـال : و المحصل ان المنهي عنه انما هو الاستقلال في تفسير القرآن , و اعتماد المفسر على نفسه
من غير رجوع الى غيره , و لازمه وجوب الاستمداد من الغير بالرجوع اليه .

قـال : و هـذا الـغير ـ لا محالة ـ اما هو الكتاب او السنة و كونه هي السنة , ينافي كون القرآن هو
الـمرجع في تبيان كل شي , و كذا السنة الامرة بالرجوع الى القرآن عند التباس الامور, و عرض
الـحديث عليه لتمييز صحيحه عن سقيمه , فلم يبق للمراجعة و الاستمداد في تفسير القرآن سوى
نـفـس الـقـرآن فـان الـقـرآن يـفـسـر بـعـضه بعضا, وينطق بعضه ببعض , و يشهد بعضه على
بعض
((156)) .

و هذا الذي ذكره سيدنا العلامة ـ هنا ـ تحقيق عريق بشان طريقة فهم معاني كلامه تعالى .

قال ـ في مقدمة التفسير ـ:.

ان الاتكا و الاعتماد على الانس و العادة في فهم معاني الايات , يشوش على الفاهم سبيله الى ادراك
مـقـاصـدالـقـرآن , اذ كلامه تعالى ناشئ من ذاته المقدسة , التي لا مثيل لها و لا نظير (ليس كمثله
شـي ),
((157)) ( لاتـدركـه الا بصار و هو يدرك الا بصار و هو اللطيف الخبير) ((158)) ,
(سبحان اللّه عمايصفون )
((159)) .

و هـذا هو الذي دعا بالنابهين ان لا يقتصروا على الفهم المتعارف لمعاني الايات الكريمة , و اجازوا
لانفسهم الاعتماد ـ لادراك حقائق القرآن ـ على البحث والنظر و الاجتهاد.

و ذلـك عـلـى وجـهـين : اما بحثا علميا او فلسفيا او غيرهما, للوصول الى مراده تعالى في آية من
الايات , و ذلك بعرض الاية على ما توصل اليه العلم او الفلسفة من نظريات او فرضيات مقطوع بها,
و ربما المظنون منها ظناراجحا, و هذه طريقة يرفضها ملامح القرآن الكريم .

و اما بمراجعة ذات القرآن , و استيضاح فحوى آية من نظيرتها, و بالتدبر في نفس القرآن الكريم ,
فان القرآن ينطق بعضه ببعض , و يشهد بعضه على بعض , كما قال على (ع ).

قال تعالى : (و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شي ) ((160)) , و حاشا القرآن ان يكون تبيانا لكل شي و
لا يـكـون تبيانا لنفسه , و قد نزل القرآن ليكون هدى للناس و نورا مبينا و بينة و فرقانا, فكيف لا
يـكـون هـاديـاللناس الى معالمه و مرشدا لهم على دلائله ؟ لـنـهـديـنهم سبلنا)
((161)) , و اى جهاد اعظم من بذل الجهد في سبيل فهم كتاب اللّه , و استنباط
معانيه و استخراج لالئه نعم ,القرآن هو اهدى سبيل الى نفسه , لا شي اهدى منه اليه .

و هـذه هي الطريقة التي سلكها النبي و عترته الاطهارـ صلوات اللّه عليهم ـ في تفسير القرآن و
الـكـشف عن حقائقه ـ على ما وصل الينا من دلائلهم في التفسير ـ و لا يوجد مورد واحد استعانوا
لفهم آية , على حجة نظريه عقلية او فرضية علمية , و نحو ذلك
((162)) .

و توضيحا لما افاده سيدنا العلامة في هذا المجال , نعرض ما يلي :.

كـان لـلـبيان القرآني اسلوبه الخاص في التعبير و الادا, ممتازا على سائر الاساليب , ومختلفا عن
سائر البيان , مما يبدو طبيعيا, شان كل صاحب فن جديد كان قد اتى بشي جديد.

و مـن ثـم كـان لـلقرآن لغته الخاصة به , و لسانه الذي يتكلم به , و لهجته التي يلهج بها, ممتازة عن
سائر اللهجات .

نـعم , ان للقرآن مصطلحات في تعابيره عن مقاصده و مراميه , كانت تخصه , و لا تعرف مصطلحاته
الا من قبل نفسه , شان كل صاحب اصطلاح .

و من المعلوم ان الوقوف على مصطلحات اى فن من الفنون , لايمكن بالرجوع الى اللغة و قواعدها, و
لا الـى الاصـول المقررة لفهم الكلام في الاعراف , لانها اعراف عامة , و هذا عرف خاص فمن رام
الـوقـوف عـلى مصطلحات علم النحو ـ مثلا ـ فلا بد من الرجوع الى النحاة انفسهم لا غيرهم , و
هكذا سائر العلوم و الفنون من ذوي المصطلحات .

و من ثم فان القرآن هو الذي يفسر بعضه بعضا, و ينطق بعضه ببعض , و يشهد بعضه على بعض .

نعم يختص ذلك بالتعابير ذوات الاصطلاح , و ليس في مطلق تعابيره التي جات وفق العرف العام .

و بـعـبـارة اخرى : ليس كل تعابير القرآن مما لا يفهم الا من قبله , انما تلك التعابير التي جات وفق
مـصـطلحه الخاص , و كانت تحمل معاني غير معاني سائر الكلام اما التي جات وفق اللغة او العرف
العام , فطريق فهمهاهي اللغة و الاصول المقررة عرفيا لفهم الكلام .

و بعبارة ثالثة : الحاجة الى عرفان مصطلحات القرآن , انما تكون في موارد التفسير, حيث الغموض
و الابـهام في ظاهر التعبير, دون ترجمة الالفاظ و الكلمات , و ادراك مفاهيم الكلام وفق الاعراف
الـعامة , مما يعود الى البحث عن حجية الظواهر, فانها حجة بلا كلام , سوا في القرآن ام في غيره ,
سوا بسوا.

و هذا غير المبحوث عنه هنا, حيث خفا المراد ورا ستار اللفظ, المعبر عنه بالبطن المختفي خلف
الـظهرفالظهرلعامة الناس حيث متفاهمهم , و يكون حجة لهم و مستندا يستندون اليه في التكليف , اما
البطن فللخاصة ممن يتعمقون في خفايا الاسرار, و يستخرجون الخبايا من ورا الستار.

و مـن ثـم كـان الـمـطلوب من الامة (العلما و الائمة ) التفكر في الايات و التدبر فيها, و تعقلها و
معرفتهاحق المعرفة .

قال تعالى : (و انزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم و لعلهم يتفكرون ) ((163)) .

قال : (افلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها) ((164)) .

و قال : (كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا آياته و ليتذكر اولو الا لباب ) ((165)) .

و قـال رسـول اللّه (ص ): ((لـه ظهر و بطن , فظاهره حكمة و باطنه علم , ظاهره انيق و باطنه
عـمـيـق , لا تحصى عجائبه و لا تبلى غرائبه , فليجل جال بصره , و ليبلغ الصفة نظره , فان التفكر
حياة قلب البصير))
((166)) .

قال العلامة الفيلسوف ابن رشد الاندلسي : ((و قد سلك الشرع في تعاليمه و برامجه الناجحة مسلكا
يـنتفع به الجمهور, و يخضع له العلما و من ثم جا بتعابير يفهمها كل من الصنفين : الجمهورياخذون
بـظـاهـر الـمـثال , فيتصورون عن الممثل له مايشاكل الممثل به , و يقتنعون بذلك والعلما يعرفون
الحقيقة التي جات في طى المثال ))
((167)) .

و سنبحث عن منهج القرآن و اساليب بيانه في فصل قادم , ان شا اللّه .

و اليك بعض الامثلة , شاهدا لما ذكره سيدنا العلامة :.

قال تعالى : (يا ايها الذين آمنوا استجيبوا للّه و للرسول اذا دعاكم لما يحييكم و اعلمواان اللّه يحول
بين المر و قلبه و انه اليه تحشرون )
((168)) .

هذا خطاب عام يشمل كافة الذين آمنوا, يدعوهم الى الايمان الصادق و الاستجابة ـعقيدة و عملا ـ
لـدعوة الاسلام , و الاستسلام العام للشريعة الغرا, اذ في ذلك حياة القلب , و الطمانينة في العيش , و
ادراك لذائذ نعمة الوجود.

/ 25