ميزات تفسير الصحابي - تفسیر والمفسرون فی ثوبه القشیب جلد 1

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسیر والمفسرون فی ثوبه القشیب - جلد 1

محمد هادی معرفت

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

و عـلـى ايـة حـال , فان التفسير الماثور عن صحابي جليل ـ اذا صح الطريق اليه ـ فان له اعتباره الـخـاص فـامـا ان يـكون قد اخذه من رسول اللّه (ص ), و هو الاكثر فيما لا يرجع الى مشاهدات
حـاضرة او فهم الاوضاع اللغوية الاولى او ما يرجع الى آداب و رسوم جاهلية بائدة , كان الصحابة
يـعـرفونها, و اشباه ذلك فان كان لا يرجع الى شي من ذلك , فان من المعلوم بالضرورة انه مستند الى
علم تعلمه من ذي علم هذا ما يقتضيه مقام ايمانه الذي يحجزه عن القول الجزاف .

و الا فـهو موقوف عليه و مستند الى فهمه الخاص , و لا ريب انه اقرب فهما الى معاني القرآن , من
الـذي ابتعد عن لمس اعتاب الوحي و الرسالة , و حتى عن امكان معرفة لغة الاوائل , و عادات كانت
جارية حينذاك .

و هـكذا صرح العلامة الناقد السيد رضي الدين بن طاووس المتوفى سنة (664 ) بشان العلما من
صحابة الرسول (ص ) قال : ((انهم اقرب علما بنزول القرآن )) ((818)) .

قال الامام بدر الدين الزركشي : لطالب التفسير مخذ كثيرة , امهاتها اربعة :.

الاول : الـنـقـل عن رسول اللّه (ص ), و هذا هو الطراز الاول , لكن يجب الحذر من الضعيف فيه و
الموضوع , فانه كثير.

الـثاني : الاخذ بقول الصحابي , فان تفسيره عندهم بمنزلة المرفوع الى النبى (ص )كما قاله الحاكم
في تفسيره وقال ابو الخطاب ـ من الحنابلة ـ : يحتمل ان لا يرجع اليه اذا قلنا: ان قوله ليس بحجة و الصواب الاول , لانه من باب الرواية لا الراي .

و قد اخرج ابن جرير عن مسروق بن الاجدع قال : قال عبد اللّه بن مسعود: و الذي لا اله الا هو,
مـا نـزلت آية في كتاب اللّه الا و انا اعلم فيمن نزلت و اين نزلت , و لو اعلم مكان احد اعلم بكتاب
اللّه مـني تناله المطايا لاتيته وقال ايضا: كان الرجل منا اذا تعلم عشر آيات لم يتجاوزهن حتى يعلم
معانيهن , و العمل بهن .

قـال : و صـدور المفسرين من الصحابة , علي ثم ابن عباس ـ و هو تجرد لهذا الشان ـ و المحفوظ
عنه اكثر من المحفوظ عن علي , الا ان ابن عباس كان اخذ عن علي (ع ), و يتلوه عبد اللّه بن عمرو
بن العاص و كل ما وردعن غيرهم من الصحابة فحسن مقدم ((819)) .

و اخيرا قال : و اعلم ان القرآن قسمان : احدهما ورد تفسيره بالنقل عمن يعتبر تفسيره , و قسم لم
يـرد و الاول ثـلاثـة انـواع : امـا ان يرد التفسير عن النبى (ص ) او عن الصحابة , او عن رؤوس
التابعين فالاول : يبحث فيه عن صحة السند و الثاني : ينظر في تفسير الصحابي , فان فسره من حيث
اللغة , فهم اهل اللسان , فلا شك في اعتمادهم , و ان فسره بما شاهده من الاسباب و القرائن فلا شك
فـيـه و حـيـنـئذ ان تعارضت اقوال جماعة من الصحابة , فان امكن الجمع فذاك , و ان تعذر قدم ابن
عباس ((820)) .

و سياتي نقل كلامه في الرجوع الى التابعي .

هـذا ما يقتضيه ظاهر البحث في هذا المجال و اما الذي جرى عليه مذهب علمائنا الاعلام , فهو: ان
الـتـفـسيرالماثور من الصحابي ـ مهما كان على جلالة من القدر و المنزلة ـ فانه موقوف عليه , لا
يـصح اسناده الى النبى (ص ) ما لم يسنده هو بالذات و هذا منهم مطلق , سوا اكان للراي فيه مدخل ام
لا, لانـه انـما نطق عن علمه ,حتى و لو كان مصدره التعليم من النبي , ما لم يصرح به , اذ من الجائز
انـه من استنباطه الخاص , استخرجه من مبان و اصول تلقاها من حضرة الرسول (ص ) اما التنصيص
على هذا الفرع المستنبط بالذات فلم يكن من النبي ,و انما هو من اجتهاد الصحابي الجليل , و مرتب
ط مـع مـبـلغ فطنته و سعة دائرة علمه , و المجتهد قد يخطا, و ليس الصواب حليفه دائما, ما لم يكن
معصوما.

و مـن ثم فان الذي يصدر من ائمتنا المعصومين (ع ) نسنده اليهم , و ان كنا على علم و يقين انه تعلم
من ذي علم عليم , ذلك انه حجة لدينا, لانه صادر من منبع معصوم .

ميزات تفسير الصحابي

يمتاز تفسير الصحابي بامور خمسة لم تتوفر جميعا في سائر التفاسير المتاخرة :. اولا: بساطته , بما لم يتجاوز بضع كلمات في حل معضل او رفع ابهام , في بيان واف شاف و مع كمال
الايـجـاز والايفا فاذ قد سئل احدهم عن معنى (غير متجانف لاثم ) ((821)) , اجاب على الفور:
((غير متعرض لمعصية )), من غير ان يتعرض لاشتقاق الكلمة , او يحتاج الى بيان شاهد و دليل , و
ما شاكل ذلك , مما اعتاده المفسرون و اذا سئل عن سبب نزول آية , او عن فحواها العام , اجاب بشكل
قاطع من غير ترديد, و على بساطة من غير تعقيد, كان قد الفه المتاخرون .

ثـانيا: سلامته عن جدل الاختلاف , بعد وحدة المبنى و الاتجاه و الاستناد, ذلك العهد, اذ لم يكن بين
الـصـحـابـة فـي الـعهد الاول اختلاف في مباني الاختيار, و لا تباين في الاتجاه , و لا تضارب في
الاسـتـناد, و انما هي وحدة في النظر و الاتجاه و الهدف , جمعت طوائف الصحابة على خط مستو
مستقيم فلم تكن ثمة داعية لنشؤ الاختلاف و التضارب في الارا, و لا سيما و الرسول (ص )ادبهم
على التزام سبيل الرشاد.

على ان التفسير ذلك العهد لم يكن ليتعد ـ في شكله و هندامه ـ حدود الحديث و شكله , بل كان جز
منه وفرعا من فروعه , كما داب عليه جامعو الاحاديث .

ثـالثا: صيانته عن التفسير بالراي , بمعنى الاستبداد بالراي غير المستند الى ركن وثيق , ذلك تعصب
اعـمـى او تلبيس في الامر, كان يتحاشاه الاجلا من الصحابة الاخيار و سنشرح من معنى التفسير
بالراي الممنوع شرعا, و المذموم عقلا, بما يرفع الابهام عن المراد به ان شا اللّه .

رابـعـا: خلوصه عن اساطير بائدة , و منها الاقاصيص الاسرائيلية , لم تكن لتجد مجالاللتسرب في
الاوساط الاسلامية العريقة , ذلك العهد المناوئ لدسائس اسرائيل ,الامر الذي انقلب ظهرا لبطن بعد
حين , و جعلت الدسائس السياسية تلعب دورهافي ترويج اساطير بني اسرائيل .

خـامـسـا: قـاطعيته عن احتمال الشك و تحمل الظنون , بعد وضوح المستند و صراحته , و وفرة
وسـائل الايضاح و دلائل التفسير المعروضة ذلك العهد, لسذاجتها و سلامتها عن التعقيد الذي طرا
عليها في عهد متاخر.

لا سـيما و الدلائل العلمية و الفلسفية التي استند اليها المتاخرون في تفسير معاني القرآن , لم تكن
معهودة حينذاك , او لم تكن مشروعة , و لا صالحة للاستناد في العهد الاول و انما كان استنادهم الى
العرف و اللغة , والعلم باسباب النزول , الى جنب النصوص الشرعية الصادرة في مختلف شؤون الدين
و القرآن , هذا لا غير.

المرحلة الثالثة التفسير في دور التابعين

مدارس التفسير. اعلام التابعين .

قيمة تفسير التابعي .

ميزات تفسير التابعي .

منابع التفسير في هذا العهد.

مدارس التفسير:

مدرسة مكة اقامها ابن عباس . مدرسة المدينة اقامها ابى بن كعب .

مدرسة الكوفة اقامها ابن مسعود.

مدرسة البصرة اقامها ابو موسى .

مدرسة الشام اقامها ابو الدردا.

مدارس التفسير.

نعم الخلف لخير سلف

لم يكد ينصرم عهد الصحابة الا و قد نبغ رجال اكفا, ليخلفوهم في حمل امانة اللّه و ادا رسالته في الارض , وهـم الـتـابـعون الذين اتبعوهم باحسان , رضي اللّه عنهم و رضوا عنه , و ذلك هو الفوز
العظيم .

انـهـم رجـال لم تمكنهم الاستضاة من انوار ذلك العهد (عهد الرسالة ) الفائض بالخير و البركات ,
فـاسـتـعـاضـوا عـنـهابالمثول بين يدي اكابر الصحابة الاعلام , و العكوف على اعتابهم المقدسة ,
يستفيدون من علومهم و يهتدون بهداهم .

و قـد كـان اعيان الصحابة كثرة منتشرين في البلاد كنجوم السما, مصابيح الدجى واعلام الهدى ,
اينما حلوا او ارتحلوا من بقاع الارض , و بذلك انتشرت تعاليم الاسلام , و شاع و ذاع مفاهيم الكتاب
و السنة النبوية بين العباد, في مختلف البلاد.

مدارس التفسير.

و حـيـثـمـا ارتـحل صحابي جليل و حل به من بلد اسلامي كبير, كان قد شيد فيه مدرسة واسعة
الـرحـب , بعيدة الارجا, يبث بها معالم الكتاب و السنة , و يقصدها الرواد من كل صوب و كان اشهر
هذه المدارس ـ حسب شهرة مؤسسيهاـ خمسة :.

1ـ مـدرسـة مـكة : اقامها عبد اللّه بن عباس , يوم ارتحل اليها عام الاربعين من الهجرة , حيث غادر
البصرة وقدم الحجاز, بعد استشهاد الامام امير المؤمنين (ع ), و كان واليا من قبل الامام , فلم يتصد
ولايـة بـعـده , عـاكفا على اعتاب حرم اللّه , يؤدي رسالته هناك في بث العلوم و نشر المعارف التي
تـعلمها و اخذها عن الامام (ع ) و قددامت المدرسة مدة حياته حتى عام ثمانية و ستين , حيث وفاته
بالطائف , رضوان اللّه عليه .

و قد تخرج من هذه المدرسة اكبر رجالات العلم في العالم الاسلامي حينذاك , و كان لهذه المدرسة
و لـمن تخرج منها صدى محمود في ارجا البلاد, و بقيت آثارها الحسنة سنة متبعة بين العباد, و لا
تزال و لعل اعلم التابعين بمعاني القرآن هم المتخرجون من مدرسة ابن عباس و المتعلمون على يديه
.

قال ابن تيمية : و اما التفسير فان اعلم الناس به اهل مكة , لانهم اصحاب ابن عباس , كمجاهد و عطا
و عكرمة وغيرهم من اصحاب ابن عباس كطاووس و ابي الشعثا و سعيد بن جبير و امثالهم و كذلك
اهل الكوفة من اصحاب ابن مسعود و من ذلك تميزوا به على غيرهم ((822)) .

2ـ مـدرسـة الـمدينة : قيامها على الصحابة الموجودين بها, و لا سيما ابى بن كعب الانصاري سيد
الـقرا كان من اصحاب العقبة الثانية , و شهد بدرا و المشاهد كلها قال له النبى (ص ): ليهنك العلم , ابا
المنذر.

و كـان اول مـن كـتـب لـرسول اللّه مقدمه المدينة , فاذا لم يحضر ابي كتب زيد ابن ثابت كان اقرا
اصحاب رسول اللّه (ص ), و كان ممن جمع القرآن حفظا على عهد رسول اللّه , و تاليفا بعد وفاته و
كان قد تفرغ للاقرا بالمدينة ما لم يتفرغ له سائر الصحابة الباقين فيها.

و مـن ثـم تـصـدى الاملا على لجنة توحيد المصاحف على عهد عثمان , و كانوا يرجعون اليه عند
الاختلاف توفي سنة (30) في خلافة عثمان , حسبما قدمنا.

3ـ مـدرسـة الـكـوفـة : اقـام دعائمها الصحابي الكبير عبد اللّه بن مسعود, كان خصيصا برسول
اللّه (ص )يخدمه و يتربى على يديه قال حذيفة : اقرب الناس برسول اللّه (ص ) هديا و دلا و سمتا,
ابـن مـسعود و لقد علم المحفوظون من اصحاب محمد(ص ) ان ابن ام عبد من اقربهم الى اللّه زلفى
كـان اول مـن جهر بالقرآن على ملامن قريش , فاوذي في اللّه و اصطبر على البلا كان قد هاجر
الهجرتين و شهد المشاهد كلها.

قـدم الكوفة ـ على عهد ابن الخطاب ـ معلما و مؤدبا, حتى احضره عثمان سنة (31) و كانت فيها
وفاته و لما بلغ ابا الدردا نعيه قال : ما ترك بعده مثله .

تربى على يديه خلق كثير, فمن التابعين : علقمة بن قيس النخعي , و ابو وائل شقيق بن سلمة الاسدي
الكوفي , و الاسود بن يزيد النخعي , و مسروق بن الاجدع , وعبيدة بن عمرو السلماني , و قيس بن
ابي حازم , و غيرهم .

و قد عرفت ان مدرسة الكوفة كانت اهم المدارس بعد مدرسة مكة , توسعا و شمولا لمعاني القرآن
و الفقه والحديث .

4ـ مـدرسـة البصرة : اقامها ابو موسى الاشعري : عبد اللّه بن قيس (44) قدم البصرة سنة (17)
واليا عليهامن قبل عمر, بعد ان عزل المغيرة , ثم اقره عثمان , و بعد فترة عزله , فسار الى الكوفة
و لما ان عزل سعيدااستعمله عليها, و عزله الامام امير المؤمنين (ع ), فكان يراود معاوية في سر,
و لاخـوة قـديمة كانت بينهما, كمايبدو من وصية معاوية لابنه يزيد بشان ابي بردة ابن ابي موسى
الاشعري ((823)) كان منحرفا عن علي (ع ) وافتضح امره يوم الحكمين .

و هـو الذي فقه اهل البصرة و اقراهم قال ابن حجر: و تخرج على يديه جماعة من التابعين و من
بعدهم ((824)) واخرج الحاكم عن ابي رجا, قال : تعلمنا القرآن عن ابي موسى الاشعري في هذا
المسجد ـ يعني مسجد البصرة ـ و كنا حلقا حلقا, و كانما انظر اليه بين ثوبين ابيضين ((825)) .

و كـانـت مـدرسته ذات انحراف شديد, و من ثم كانت البصرة من بعده ارضا خصبة لنشؤ كثير من
البدع و الانحرافات الفكرية و العقائدية , و لا سيما في مسائل الاصول و الامامة و العدل .

قـال عـبد الكريم الشهرستاني : و سمعت من عجيب الاتفاقات ان ابا موسى الاشعري (المتوفى سنة
44) كـان يـقـرر عـين ما يقرر حفيده ابو الحسن الاشعري (المتوفى سنة 324) في مذهبه , و
ذلك قد جرت مناظرة بين عمرو بن العاص و بينه , فقال عمرو: اين اجد احدا احاكم اليه ربي ؟ فقال
ابـو مـوسى : اناذلك المتحاكم اليه فقال عمرو: او يقدر علي شيئا ثم يعذبني عليه ؟ قال ابو موسى :
نعم , قال عمرو: و لم ؟ قال :لانه لا يظلمك ((826)) .

و ذكـر ابن ابي الحديد ابا بردة ابن ابي موسى الاشعري فيمن ابغض عليا, و كان من القالين له , ثم
قـال : ورث الـبغضة له , لا عن كلالة ((827)) , اي كان هذا الحقد للامام امير المؤمنين ـ صلوات
اللّه عـلـيه ـ قد اتاه مستقيما من قبل والده , فكانت البغضة منه تليدا, و لم تاته من عرض عارض , لا
تلد الحية الا الحية .

5ـ مدرسة الشام : قام بها ابو الدردا عويمر بن عامر الخزرجي الانصاري كان من افاضل الصحابة
وفـقـهائهم و حكمائهم اسلم يوم بدر, و شهد احدا و ابلى فيها بلا حسنا روي ان رسول اللّه (ص )
قال بشانه حينذاك : نعم الفارس عويمر, و قال : هو حكيم امتي .

تولى قضا دمشق ايام خلافة عمر, و توفي في خلافة عثمان سنة (32) و لم ينزل دمشق من اكابر
الـصحابة سوى ابي الدردا, و بلال بن رباح المؤذن الذي مات في طاعون عمواس سنة (20) و دفن
بـحـلـب و كذا واثلة بن الاسقع , و كان آخر من مات بدمشق من اصحاب رسول اللّه (ص ) مات سنة
(85) في خلافة عبد الملك بن مروان .

تخرج على يدي ابي الدردا جماعة من اكابر التابعين , منهم : سعيد بن المسيب , و علقمة بن قيس , و
سويد بن غفلة , و جبير بن نفير, و زيد بن وهب , و ابو ادريس الخولاني , و آخرون .

كان ابو الدردا من الثابتين على ولا آل الرسول (ص ) لم تزعزعه العواصف .

روى الـصدوق ـ في اماليه ـ باسناده الى هشام بن عروة بن الزبير عن ابيه عروة , قال :كنا جلوسا
فـي حـلقة في مسجد رسول اللّه (ص ) نتذاكر اهل بدر و بيعة الرضوان , فقال ابو الدردا: يا قوم ,
الااخبركم باقل القوم مالا و اكثرهم ورعا و اشدهم اجتهادا في العبادة ؟ قالوا: من ؟ قال : ذاك امير
المؤمنين على بن ابي طالب (ع ).

قـال عروة : فو اللّه , ما نطق ابو الدردا بذلك الا و اعرض عنه بوجهه من في المجلس ثم انتدب له
رجـل مـن الانـصار, فقال له : يا عويمر, لقد تكلمت بكلمة ما وافقك عليها احد منذ اتيت بها فقال ابو
الـدردا: يـا قوم , اني قائل ما رايت , و ليقل كل قوم منكم ما راوا ثم اخذ في بيان مواضع علي (ع ) من
العبادة و البكا, عند ما كان يختلي بربه في ظلمة الليل و الناس نيام ((828)) .

اعلام التابعين المفسرين :

1ـ سعيد بن جبير. 2ـ سعيد بن المسيب .

3ـ مجاهد بن جبر.

4ـ طاووس بن كيسان .

5ـ عكرمة مولى ابن عباس .

6ـ عطا بن ابي رباح .

7ـ عطا بن السائب .

8ـ ابان بن تغلب .

9ـ الحسن البصري .

10ـ علقمة بن قيس .

11ـ محمد بن كعب القرظي .

12ـ ابو عبد الرحمان السلمي .

13ـ مسروق بن الاجدع .

14ـ الاسود بن يزيد النخعي .

15ـ مرة الهمداني .

16ـ عامر الشعبي .

17ـ عمرو بن شرحبيل .

18ـ زيد بن وهب .

19ـ ابو الشعثا الكوفي .

20ـ ابوالشعثا الازدي .

21ـ الاصبغ بن نباتة .

22ـ زر بن حبيش .

23ـ ابن ابي ليلى .

24ـ عبيدة بن قيس .

25ـ الربيع بن انس .

26ـ الحارث بن قيس .

27ـ قتادة بن دعامة .

28ـ زيد بن اسلم .

29ـ ابو العالية .

30ـ جابر الجعفي .

اعلام التابعين

قلنا: ان كثيرا من رواد العلم , كانوا قد نهضوا نهضتهم الكبرى , في سبيل كسب المعرفة و الحصول عـلـى مـعـالـم الـدين الحنيف و حيث كان قد اعوزتهم الاستضاة المباشرة من انوار عهد الرسالة ,
استعاضوا عنها باللجؤ الى اعتاب الصحابة الاعلام , فاخذوا منهم العلوم و نشروها بين العباد فكانوا
هـم الـواسطة و الحلقة الواصلة بين منابع العلم الاولية و بين الامة على الاطلاق , ليس لذلك الدور
فحسب , بل لجميع الادوار و الاعصار فاصبحوا هم حاملي لوا هداية الاسلام الى كافة الانام .

و هـم جماعات , لا يحصون عددا, كنجوم السما المتالقة في دياجي الظلام , و مبثوثون في الارض
منتشرون في الاقطار و الاكناف .

غير انا نقتصر على الاعلام , و المعروفين بتعليم القرآن , و نشر علومه و بيان معارفه بين الناس و
هـم الـمـتـخـرجـون مـن الـمـدارس الـتـفسيرية المعهودة , و لا سيما مدرسة ابن عباس بمكة
المكرمة ,حسبما عرفت , و اليك منهم :.

1 سعيد بن جبير

ابو عبد اللّه , او ابو محمد الاسدي بالولا, الكوفي , من اصل حبشي , اسود اللون ابيض الخصال كان مـن كـبـارالتابعين و متقدميهم في الفقه و الحديث و التفسير اخذ القراة من ابن عباس , و سمع منه
الـتـفـسـير, و اكثر روايته عنه كان قد تفرغ للعلم و القرآن حتى صار علما و اماما للناس قال ابو
القاسم الطبري : هو ثقة , حجة , امام على المسلمين , و كان مجمعا عليه بين ارباب الحديث و التفسير.

له مناظرة مع الطاغية الحجاج بن يوسف الثقفي , حينما اراد قتله , تدل على قوة ايمانه و صلابته في
الولا لال البيت (ع ), قتله صبرا سنة (95) و هو ابن (49).

روى ابـو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي باسناده الى الامام ابي عبد اللّه الصادق (ع )
قـال : ان سعيد بن جبير كان ياتم بعلى بن الحسين (ع ), و كان على (ع ) يثني عليه و ما كان سبب قتل
الحجاج له الا على هذا الامر,و كان مستقيما ((829)) .

و في مصنفات اصحابنا الامامية عنه وصف جميل ((830)) , و كذا في سائر المصنفات الرجالية و
غيرها ((831)) .

روى ابـو نـعيم الاصبهاني باسناده الى خلف بن خليفة عن ابيه قال : شهدت مقتل سعيد بن جبير, فلما
بان راسه , قال : لا اله الا اللّه , لا اله الا اللّه , ثم قالها الثالثة فلم يتمها ((832)) .

و ذكر ابن قتيبة : انه امر الحجاج فضربت عنقه , فسقط راسه الى الارض يتدحرج , وهو يقول : لا
اله الا اللّه , فلم يزل كذلك , حتى امر الحجاج من يضع رجله على فيه , فسكت .

و لم يدم الحجاج بعده غير سنة , و لم يستطع اراقة دم بعد دمه الطاهرو كان الحجاج عند ما حضره
الموت يقول :ما لي و لسعيد بن جبير, كان يقول ذلك و هو يغوص ثم يفيق و كان يراه في المنام , و قد
اخذ بمجامع ثوبه يقول له : يا عدو اللّه , فيم قتلتني ؟ فيستيقظ مذعورا, و يقول : ما لي و لسعيد ذكر
ذلك ابن خلكان في الوفيات .

مـكانته العلمية : اخذ العلم عن عبد اللّه بن عباس , و كان قد لازمه في طلب العلم , فاجازه ابن عباس
في التحديث قال له : حدث , فقال ـ متحاشيا ـ : احدث و انت هاهنا؟ فقال ابن عباس : اليس من نعم اللّه عليك ان تحدث و انا شاهد؟ .

قـال احـمد بن حنبل : قتل الحجاج سعيد بن جبير, و ما على وجه الارض احد الا و هو مفتقر الى
علمه ((833)) ورواه ابو نعيم عن عمرو بن ميمون عن ابيه .

و كان ابن عباس اذا اتاه اهل الكوفة يستفتونه يقول : اليس فيكم ابن ام الدهما, يعني سعيد بن جبير.

قـال يـحـيـى بن سعيد: مرسلات ابن جبير احب الي من مرسلات عطا و مجاهد و كان سفيان يقدم
سعيدا على ابراهيم النخعي في العلم , و كان اعلم من مجاهد و طاووس ((834)) .

و كـان سـعـيـد يـعـظم من شيخه تعظيما بالغا, قال : كنت اسمع الحديث من ابن عباس , فلو اذن لي
لقبلت راسه ((835)) .

و قد جمع ابو نعيم من التفسير الماثور عن سعيد بن جبير نخبا, و عقد له فصلا, وعنونه بثاره في
الـتـفسير ((836)) فقد روى عنه في قوله تعالى ـ حكاية عن نبي اللّه موسى (ع ) ـ : (رب انى
لـمـاانـزلـت الـى من خير فقير) ((837)) قال : انه يومئذ لفقير الى شق تمرة و في قوله تعالى :
(امثلهم طريقة ) ((838)) قال : اوفاهم عقلا ((839)) .

2ـ سعيد بن المسيب

قـال ابو نعيم الاصبهاني : فاما ابو محمد سعيد بن المسيب بن حزن المخزومي , فكان من الممتحنين , امـتحن فلم تاخذه في اللّه لومة لائم صاحب عبادة و جماعة و عفة و قناعة و كان كاسمه بالطاعات
سعيدا, و من المعاصي و الجهالات بعيدا ((840)) .

قـال ابـن الـمديني : لا اعلم في التابعين اوسع علما من سعيد بن المسيب قال : و اذا قال سعيد: مضت
السنة ,فحسبك به قال : هو عندي اجل التابعين .

و قال ابوحاتم : ليس في التابعين انبل منه .

و قال سليمان بن موسى : كان افقه التابعين .

و قال ابو زرعة : مدني قرشي ثقة امام .

و قال قتادة : ما رايت احدا قط اعلم بالحلال و الحرام منه .

و قال ابن شهاب : قال لي عبد اللّه بن ثعلبة : ان كنت تريد هذا ـ يعني الفقه ـ فعليك بهذا الشيخ , سعيد
بن المسيب .

و عن عمرو بن ميمون بن مهران عن ابيه , قال : قدمت المدينة فسالت عن اعلم اهلها,فدفعت الى سعيد
بن المسيب .

قال مكحول : طفت الارض كلها في طلب العلم فما لقيت اعلم منه .

قال احمد بن حنبل : مرسلات سعيد صحاح , لا نرى اصح من مرسلاته .

و قال الشافعي : ارسال ابن المسيب عندنا حسن ((841)) .

قـال ابـن خـلكان : كان سعيد بن المسيب سيد التابعين من الطراز الاول , جمع بين الحديث و الفقه و
الزهد والعبادة و الورع , و هو احد الفقها السبعة بالمدينة ((842)) ولد سنة (15) و توفي سنة
(95).

و اسـنـد ابـن سـعـد ـ كـاتـب الـواقـدي ـ الى الامام ابي جعفر الباقر(ع ) قال : سمعت ابي , على
بن الحسين (ع )يقول :((سعيد بن المسيب اعلم الناس بما تقدمه من الاثار, و افقههم في رايه )).

و له ترجمة مسهبة في الطبقات , و فيها من احواله و قضاياه العجيبة الشي الكثير ((843)) .

اضف الى ذلك ما ورد بشانه من الثنا عليه عند اصحابنا الامامية :.

و اول شي , انه تربية الامام امير المؤمنين (ع ), رباه في حجره بوصية من جده ((حزن )) فقد نشا
و تـرعـرع فـي اهـل بيت العلم و الورع و الطهارة , كما و اصبح من خلص اصحاب الامام على بن
الـحـسـين زين العابدين , و احدالاوتاد الخمسة الذين ثبتوا على الاستقامة في الدين على ما وصفهم
الـفـضـل بن شاذان قال : و لم يكن في زمان على بن الحسين في اول امره الا خمسة انفس : سعيد بن
جبير, سعيد بن المسيب , محمد بن جبير بن مطعم ,يحيى بن ام الطويل , ابوخالد الكابلي .

و كان يرى من الامام السجاد(ع ) النفس الزكية , لم يعرف له نظيرا و لا راى مثله كما كان يرى في
مـثاله القدوسي مثال داود القديس (ع ) تسبح معه الجبال بالعشي و الاشراق و الطير محشورة كل له
اواب .

روى الـكشي باسناده الى الزهري عن ابن المسيب , قال : كان القوم لا يخرجون من مكة حتى يخرج
عـلى بن الحسين سيد العابدين فخرج و خرجت معه , فنزل في بعض المنازل , فصلى ركعتين فسبح
فـي سجوده , فلم يبق شجر و لا مدر الا سبحوا معه , ففزعنا فقلت : نعم , يا ابن رسول اللّه (ص )فقال : هذا التسبيح الاعظم , حدثني ابي عن جدي رسول اللّه , انه
لا يبقي الذنوب مع هذا التسبيح فقلت : علمنا.

و روى عـن مـحـمـد بـن قـولـويه باسناده الى اسباط بن سالم عن الامام موسى بن جعفر(ع ) في
حـديـث حـواريي ((844)) النبي و الائمة (ع ), و عد من حواريي الامام زين العابدين : جبير بن
مطعم , و يحيى بن ام الطويل , واباخالد, و سعيد بن المسيب .

كـما روى عنه باسناده الى ابي مروان عن ابي جعفر قال : سمعت على بن الحسين يقول : ((سعيد بن
الـمـسـيـب اعـلم الناس بما تقدمه من الاثار و افهمهم ـ او افقههم ـ في زمانه )) ((845)) و قد
تقدم الحديث , برواية ابن خلكان عن ابي مروان ايضا, مع اختلاف في العبارة الاخيرة : ((افقههم في
رايه )).

و روى الـشـيـخ الـمـفـيد باسناده الى ابي يونس محمد بن احمد قال : حدثني ابي و غيرواحد من
اصـحـابـنـا, ان فـتـى من قريش جلس الى سعيد بن المسيب , فطلع على بن الحسين , فقال القرشي
لابـن الـمـسـيـب : مـن هـذا يـا ابـا محمد؟ قال : هذا سيد العابدين على بن الحسين بن على بن ابي
طالب (ع ) ((846)) .

و روى الـحـميري باسناده الى البزنطي قال : و ذكر عند الرضا(ع ) القاسم بن محمد بن ابي بكر
خال ابيه , و سعيدبن المسيب , فقال : ((كانا على هذا الامر)) ((847)) .

و روى ثـقة الاسلام الكليني ـ في باب مولد الصادق (ع ) ـ باسناده الى اسحاق ابن جرير, قال : قال
ابـو عبد اللّه (ع ): ((كان سعيد بن المسيب , و القاسم بن محمد ابن ابي بكر, و ابوخالد الكابلي , من
ثقات على بن الحسين (ع ) ((848)) .

و في مناقب آل ابي طالب لابن شهر آشوب بشان كرامات الامام زين العابدين (ع ), روايات عن سعيد
بن المسيب , تدل على مبلغ ولائه لال البيت و مدى صلته بسيد الساجدين , فراجع ((849)) .

و لـلـمـحـقـق الـبـحـرانـي ـ فـي حـاشـيـة البلغة ـ استظهار تشيعه من كلام الشيخ في اوائل
التبيان ((850)) .

و هو الذي روى قضية بجدل الجمال و قطعه لاصبع السبط الشهيد, و تعلقه باستار الكعبة , آيسا من
رحمة اللّه ((851)) .

و قـد عـده الـشيخ من اصحاب الامام زين العابدين و من السابقين الاولين قال : سعيد بن المسيب بن
حـزن ابـومـحـمـد المخزومي سمع من الامام على بن الحسين , و روى عنه (ع ) و هو من الصدر
الاول ((852)) .

و قـد اسـتـوفـى الـسـيد الامين الكلام بشانه و شان ولائه لال البيت , و ذكر انه صحب عليا امير
المؤمنين (ع ) و لم يفارقه حتى في حروبه و نقل عن ابن ابي الحديد و غيره بعض الطعن عليه , و
فنده على اسلوب حكيم ((853)) .

نموذج من تفسيره

اخـرج ابـو نـعـيم ـ في الحلية ـ باسناده الى يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب , في قوله تعالى : (ربـكـم اعـلـم بـما في نفوسكم , ان تكونوا صالحين فانه كان للاوابين غفورا) ((854)) , قال :
((الذي يذنب الذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب , و لا يعود في شي قصدا)) ((855)) .

و هذا ادق تفسير للاية الكريمة فان الاية قد فسرت على وجوه :.

1ـ فقيل : هم المسبحون عن ابن عباس و عمرو بن شرحبيل .

2ـ و قيل : المطيعون المحسنون عن ابن عباس ايضا.

3ـ هم المطيعون و اهل الصلاة عن قتادة .

4ـ الذين يصلون بين المغرب و العشا عن ابن المنكدر يرفعه , و كذلك عن الامام الصادق (ع ).

5ـ يصلون صلاة الضحى عن عون العقيلي .

6ـ الراجع من ذنبه التائب الى اللّه .

و هذا المعنى الاخير هو الراجح , و اختلفوا في شرائطه و كيفيته :.

فمن سعيد بن جبير: الراجعون الى الخير.

و عن مجاهد: الذي يذكر ذنوبه في الخلا فيستغفر اللّه منها.

و عـن عـطـا بن يسار: يذنب العبد ثم يتوب , فيتوب اللّه عليه , ثم يذنب فيتوب اللّه عليه , ثم يذنب
الثالثة فان تاب تاب اللّه عليه توبة لاتمحى .

و عن عبيد بن عمير: الاواب : الحفيظ ان يقول : اللهم اغفر لي ما اصبت في مجلسي هذا.

لـكـن سـعيد بن المسيب فسرها بالذي يذنب و يتوب ثم يذنب و يتوب , و لكن ليس يعود في شي من
ذنـوبـه قـصـدا, و انـمـا هـو شـي فـرط مـنه و هذه النكتة الظريفة هي بيت القصيد, نظرا لان
((الاواب )) مـبالغة في الاوب والرجوع و المراد: الكثرة و التكرار فيه , لكنه هل هو مطلق , ام
الذي يصدر منه الذنب لا تمردا و عصيانا, و انماهو شي قد يفرط منه او تغلبه نفسه ثم يتذكر عن
قريب ؟.

قال تعالى : ( انما التوبة على اللّه للذين يعملون السؤ بجهالة ثم يتوبون من قريب ) ((856)) .

و قال : (ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون ) ((857)) .

و هذا هو معنى اللمم المغفور في الاية الكريمة : ( و يجزى الذين احسنوا بالحسنى الذين يجتنبون
كـبـائر الا ثـم و الـفـواحـش الا الـلـم ان ربـك واسـع الـمغفرة هو اعلم بكم اذانشاكم من الا
رض ) ((858)) .

قـال الامام الصادق (ع ): ((اللمم : الرجل يلم بالذنب فيستغفر اللّه منه قال : ما من ذنب الا و قد طبع
عـلـيه عبدمؤمن يهجره الزمان ثم يلم به قال : اللمام : العبد الذي يلم بالذنب ليس من سليقته )) اي من
طـبيعته و في رواية قال : ((الهنة بعد الهنة )) اي الذنب بعد الذنب يلم به العبد و في اخرى : (( هو
الذنب يلم به الرجل , فيمكث ما شااللّه ثم يلم به بعد)) ((859)) .

فالعبد قد تغلبه نفسه فيرتكب اثما ليس من دابه , و من ثم يتذكر فيتوب الى اللّه مما اغترف , و هكذا
فلو عادليس من عادته , و تاب تاب اللّه عليه , ان اللّه هو التواب الرحيم .

و هـذه هـي الـنـكـتـة الدقيقة التي جات الاشارة اليها في تفسير ابن المسيب (( ولايعود في شي
قـصدا)), و هذاالمعنى هو الذي يفيده صدر الاية (ربكم اعلم بما في نفوسكم , ان تكونوا صالحين
فانه كان للاوابين غفورا) ((860)) .

و الـى هذا المعنى يشير التفسير الوارد عن الامام ابي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق (ع ), قال :
((و الاواب :النواح المتعبد الراجع عن ذنبه )) و هكذا روي عن مجاهد بن جبر ايضا ((861)) .

الـنـواح : مبالغة في النوح , و هو الذي ينوح على نفسه و ندبها ندما على ما فرط منه , منيبا مستغفرا
اوابا و تدل اداة الاعراض ((عن )) على ندم بالغ , و عزم صارم على الترك ابدا.

و امـا مـا روي من التفسير ب ((الصلاة )) بين المغرب و العشا, فهذا من الوسيلة التي يجب ابتغاؤها
الـى اللّه عـز شـانه (يا ايها الذين امنوا اتقوا اللّه و ابتغوا اليه الوسيلة ) ((862)) و من ثم سميت
صلاة الاوابين .

روى هشام بن سالم عن الامام ابي عبد اللّه الصادق (ع ), قال : صلاة اربع ركعات , يقرا في كل ركعة
خـمـسـين مرة ((قل هو اللّه احد)) هي صلاة الاوابين ((863)) و قد ورد الترغيب في التنفل
باربع ركعات بعد المغرب , لايدعهن العبد في حضر و لا سفر ((864)) .

من نوادر حكمته :

و لـما ان جرد ليضرب على امتناعه من البيعة للوليد و سليمان ابني عبد الملك , قالت امراة : ان هذا لمقام الخزي فقال سعيد: ((من مقام الخزي فررنا)) ((865)) .

و قـال : ((يد اللّه فوق عباده , فمن رفع نفسه وضعه اللّه , و من وضعها رفعه اللّه الناس تحت كنفه
يـعـمـلـون اعـمـالـهـم ,فـاذا اراد اللّه فـضـيـحـة عـبـد, اخرجه من تحت كنفه , فبدت للناس
عورته )) ((866)) .

و قـال : ((لا خـيـر فـيمن لا يحب هذا المال , يصل به رحمه , و يؤدي به امانته , و يستغني به عن
خلق ربه )) ((867)) .

و روي عن الامام امير المؤمنين (ع ) انه سال فاطمة (س ): ما خير للنسا؟ قالت : ان لا يرين الرجال
ولايرونهن فذكره للنبي (ص ) فقال : ((انما فاطمة بضعة مني )).

و ايضا عن الامام امير المؤمنين (ع ) ((من اتقى اللّه عاش قويا و سار في بلاده آمنا)) ((868)) .

و قـال : ((لا تـمـلـؤا اعـيـنـكـم مـن اعوان الظلمة الا بانكار من قلوبكم , لكي لا تحبط اعمالكم
الصالحة )) ((869)) .

و كان معبرا للرؤيا, معروفا بذلك فوجه اليه عبد الملك بن مروان من يساله عن منامه , كان قد راى
كـانـه قد بال في المحراب اربع مرات قال , فانه ولي الوليد وسليمان و يزيد و هشام , و هم اولاد عبد الملك لصلبه ((870)) .

3ـ مجاهد بن جبر

هـو ابـو الـحـجـاج الـمـخزومي المكي , المقرئ المفسر ولد سنة (21), و توفي بمكة ساجدا سنة (104) كان اوثق اصحاب ابن عباس , و من ثم اعتمده الائمة و اصحاب الحديث و التفسير.

و روي عنه انه قال : عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث مرات , اقف عند كل آية ,اساله فيم نزلت ,
و كيف نزلت .

قـال ابن ابي مليكة ((871)) : رايت مجاهدا يسال ابن عباس عن تفسير القرآن و معه الواحه , فيقول
له ابن عباس : اكتب , حتى ساله عن التفسير كله و من ثم قيل : اعلمهم بالتفسير مجاهد.

و قال سفيان الثوري : اذا جاك التفسير عن مجاهد فحسبك به .

قـال الـذهبي : اجمعت الامة على امامة مجاهد و الاحتجاج به كان ثقة مامونا, و فقيها ورعا, و عالما
كثيرالحديث , جيد الحفظ متقنا.

قـال الاعـمـش : اذا رايـت مـجـاهـدا كانه جمال او خربندج ((872)) , فاذا نطق خرج من فيه
الؤلؤ ((873)) .

مـكانته في التفسير: استفاضت شهادة العلما بعلو مكانته في التفسير و ثقته و امانته و سعة علمه و
قداحتج بتفسيره الائمة النقاد والعلما و اصحاب الحديث .

اتهم بالاخذ من اهل الكتاب , و لكن شدة نكير شيخه ابن عباس على الاخذين من اهل الكتاب , يتنافى و
هـذه الـتـهمة و الارجح ان رجوعه اليهم كان في امور لا تدخل في دائرة النهي الوارد عن رسول
اللّه (ص ), و ربما كان لغرض التحقيق لا التقليد.

و كذلك اتهم بانه يفسر القرآن برايه ـ كان قد اعطى نفسه حرية واسعة في التفسير العقلي ـ فقد
روى ابنه عبدالوهاب ان رجلا قال لابيه : انت الذي تفسر القرآن برايك ؟ فبكى ابي ثم قال : اني اذن
لجري , لقد حملت التفسير عن بضعة عشر رجلا من اصحاب النبى (ص ) ((874)) .

قلت : و هذه التهمة يرجع سببها الى الجو الحاكم آنذاك من التحاشي عن الخوض في معاني القرآن ,
و لا سيماالمتشابهات , غير ان شريعة العقل ترفض كل مناشئ الجمود و سنبحث عن مسالة التفسير
بالراي الممنوع .

حـريـته في التفسير العقلي : كان مجاهد حر الراي , يفسر القرآن حسبما يبدو له من ظاهر اللفظ,
ويـرشده اليه عقله الرشيد و فطرته السليمة , بعد احاطته بمفاهيم الكلمات و الاوضاع اللغوية و
الـعـرفـيـة (حـسب متفاهم العرف العام آنذاك ) و ما كان قد عهده من مباني الشريعة و اسس الدين
القويمة و بعد مراجعة كلمات اعلام الامة و خيار الصحابة الاولين , الامر الذي يجب توفره في كل
مفسر حر الراي و مضطلع خبير.

قـال ـ في تفسير قوله تعالى : ( فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ) ((875)) ـ : لم يمسخوا قردة , و
انـما هو مثل ضربه اللّه , كما قال : (كمثل الحمار يحمل اسفارا) ((876)) قال : انه مسخت قلوبهم
فجعلت كقلوب القردة لا تقبل وعظا و لا تتقي زجرا قال الطبرسي : و هذا يخالف الظاهر الذي عليه
اكثر المفسرين من غير ضرورة تدعو اليه ((877)) .

و لـلـزمخشري هنا كلام يشبه تفسير مجاهد, في دقة ادبية لطيفة قال : قوله تعالى : (كونوا قردة
خاسئين )خبران , اي كونوا جامعين بين القردية و الخسؤ, و هو الصغار و الطرد ((878)) .

و من ثم قال المولى جمال الدين ابو الفتوح الرازي ـ من اعلام القرن السادس ـ : مجاهد گفت : معنى
آن است ((اذلا صاغرين )) ذليل و مهين و در اين عظمتى و عبرتى است آنانرا ((879)) .

قـال الامـام الـرازي (544 ـ 606): ان مـا ذكـره مجاهد ـ رحمه اللّه ـ غير مستبعد جدا, لان
الانسان اذا اصر على جهالته بعد ظهور الايات و جلا البينات , فقد يقال ـ في العرف الظاهر ـ : انه
حـمـار و قـرد و اذا كـان هـذا المجازمن المجازات الظاهرة المشهورة , لم يكن في المصير اليه
محذور البتة ((880)) .

قلت : و يشهد لهذا التاويل قوله تعالى ـ في سورة المائدة ـ : (من لعنه اللّه و غضب عليه و جعل منهم
القردة و الخنازير و عبد الطاغوت , اولئك شر مكانا و اضل عن سواالسبيل ) ((881)) .

بـدليل عطف ((و عبد الطاغوت )), و كذا عطف ((الخنازير)) و هذان لم يات ذكرهما في سائر
القرآن , فيكون المعنى : ان من شديد العقوبة ان يتحول الانسان من شموخ كرامته و اعتلا شرفه , الى
سافل مبتذل يحمل سمات القردة و الخنازير, مهانا لئيما, يرضخ للطواغيت رضوخ الذليل الحقير.

و عند تفسير قوله تعالى : (وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة ) ((882)) , روى وكيع عن سفيان
عـن مـنـصـور عـن مجاهد, قال : تنتظر الثواب من رب ها و عن الاعمش عنه : ((تنتظر رزقه و
فضله )) و في حديث :((تنتظر من ربها ما امر لها)) قال منصور: قلت لمجاهد: ان اناسا يقولون : انه
تـعـالـى يرى , فيرون ربهم ؟ شي ((883)) .

و انـت تـرى ان الـقـول بامتناع الرؤية يخالف عقيدة السلفيين من اصحاب الظواهر, و من ثم رموه
بالحياد عن طريقة السلف , و انه يفسر برايه , او انه يرى مذهب الاعتزال , كما رموا تلاميذه حسبما
ياتي في ابن ابي نجيح راوي تفسيره .

و من ثم قال الطبري ـ تعقيبا على ذلك ـ : و اولى القولين في ذلك عندنا بالصواب ,القول الذي ذكرناه
عن الحسن و عكرمة , من ان معنى ذلك : تنظر الى خالقها.

قـال الاستاذ الذهبي : و هذا التفسير عن مجاهد كان فيما بعد متكا قويا للمعتزلة فيما ذهبوا اليه في
مسالة الرؤية ((884)) .

قـلـت : و الـعـجيب ان الارا المستقيمة المتوافقة مع الفطرة و العقل الرشيد, حيث صدرت قديما و
حـديـثـا, فـانها تعزى الى فريق المعتزلة , او هي منشا لمذاهبهم في العقيدة الاسلامية , الامر الذي
يجعل من العقل و الفطرة ـ في نظر اهل الجمود ـ في قبضة اهل الاعتزال , و في منحصر آرائهم و
مذاهبهم .

/ 25