حـاضرة او فهم الاوضاع اللغوية الاولى او ما يرجع الى آداب و رسوم جاهلية بائدة , كان الصحابة
يـعـرفونها, و اشباه ذلك فان كان لا يرجع الى شي من ذلك , فان من المعلوم بالضرورة انه مستند الى
علم تعلمه من ذي علم هذا ما يقتضيه مقام ايمانه الذي يحجزه عن القول الجزاف .و الا فـهو موقوف عليه و مستند الى فهمه الخاص , و لا ريب انه اقرب فهما الى معاني القرآن , من
الـذي ابتعد عن لمس اعتاب الوحي و الرسالة , و حتى عن امكان معرفة لغة الاوائل , و عادات كانت
جارية حينذاك .و هـكذا صرح العلامة الناقد السيد رضي الدين بن طاووس المتوفى سنة (664 ) بشان العلما من
صحابة الرسول (ص ) قال : ((انهم اقرب علما بنزول القرآن )) ((818)) .قال الامام بدر الدين الزركشي : لطالب التفسير مخذ كثيرة , امهاتها اربعة :.الاول : الـنـقـل عن رسول اللّه (ص ), و هذا هو الطراز الاول , لكن يجب الحذر من الضعيف فيه و
الموضوع , فانه كثير.الـثاني : الاخذ بقول الصحابي , فان تفسيره عندهم بمنزلة المرفوع الى النبى (ص )كما قاله الحاكم
في تفسيره وقال ابو الخطاب ـ من الحنابلة ـ : يحتمل ان لا يرجع اليه اذا قلنا: ان قوله ليس بحجة و الصواب الاول , لانه من باب الرواية لا الراي .و قد اخرج ابن جرير عن مسروق بن الاجدع قال : قال عبد اللّه بن مسعود: و الذي لا اله الا هو,
مـا نـزلت آية في كتاب اللّه الا و انا اعلم فيمن نزلت و اين نزلت , و لو اعلم مكان احد اعلم بكتاب
اللّه مـني تناله المطايا لاتيته وقال ايضا: كان الرجل منا اذا تعلم عشر آيات لم يتجاوزهن حتى يعلم
معانيهن , و العمل بهن .قـال : و صـدور المفسرين من الصحابة , علي ثم ابن عباس ـ و هو تجرد لهذا الشان ـ و المحفوظ
عنه اكثر من المحفوظ عن علي , الا ان ابن عباس كان اخذ عن علي (ع ), و يتلوه عبد اللّه بن عمرو
بن العاص و كل ما وردعن غيرهم من الصحابة فحسن مقدم ((819)) .و اخيرا قال : و اعلم ان القرآن قسمان : احدهما ورد تفسيره بالنقل عمن يعتبر تفسيره , و قسم لم
يـرد و الاول ثـلاثـة انـواع : امـا ان يرد التفسير عن النبى (ص ) او عن الصحابة , او عن رؤوس
التابعين فالاول : يبحث فيه عن صحة السند و الثاني : ينظر في تفسير الصحابي , فان فسره من حيث
اللغة , فهم اهل اللسان , فلا شك في اعتمادهم , و ان فسره بما شاهده من الاسباب و القرائن فلا شك
فـيـه و حـيـنـئذ ان تعارضت اقوال جماعة من الصحابة , فان امكن الجمع فذاك , و ان تعذر قدم ابن
عباس ((820)) .و سياتي نقل كلامه في الرجوع الى التابعي .هـذا ما يقتضيه ظاهر البحث في هذا المجال و اما الذي جرى عليه مذهب علمائنا الاعلام , فهو: ان
الـتـفـسيرالماثور من الصحابي ـ مهما كان على جلالة من القدر و المنزلة ـ فانه موقوف عليه , لا
يـصح اسناده الى النبى (ص ) ما لم يسنده هو بالذات و هذا منهم مطلق , سوا اكان للراي فيه مدخل ام
لا, لانـه انـما نطق عن علمه ,حتى و لو كان مصدره التعليم من النبي , ما لم يصرح به , اذ من الجائز
انـه من استنباطه الخاص , استخرجه من مبان و اصول تلقاها من حضرة الرسول (ص ) اما التنصيص
على هذا الفرع المستنبط بالذات فلم يكن من النبي ,و انما هو من اجتهاد الصحابي الجليل , و مرتب
ط مـع مـبـلغ فطنته و سعة دائرة علمه , و المجتهد قد يخطا, و ليس الصواب حليفه دائما, ما لم يكن
معصوما.و مـن ثم فان الذي يصدر من ائمتنا المعصومين (ع ) نسنده اليهم , و ان كنا على علم و يقين انه تعلم
من ذي علم عليم , ذلك انه حجة لدينا, لانه صادر من منبع معصوم .
ميزات تفسير الصحابي
يمتاز تفسير الصحابي بامور خمسة لم تتوفر جميعا في سائر التفاسير المتاخرة :. اولا: بساطته , بما لم يتجاوز بضع كلمات في حل معضل او رفع ابهام , في بيان واف شاف و مع كمالالايـجـاز والايفا فاذ قد سئل احدهم عن معنى (غير متجانف لاثم ) ((821)) , اجاب على الفور:
((غير متعرض لمعصية )), من غير ان يتعرض لاشتقاق الكلمة , او يحتاج الى بيان شاهد و دليل , و
ما شاكل ذلك , مما اعتاده المفسرون و اذا سئل عن سبب نزول آية , او عن فحواها العام , اجاب بشكل
قاطع من غير ترديد, و على بساطة من غير تعقيد, كان قد الفه المتاخرون .ثـانيا: سلامته عن جدل الاختلاف , بعد وحدة المبنى و الاتجاه و الاستناد, ذلك العهد, اذ لم يكن بين
الـصـحـابـة فـي الـعهد الاول اختلاف في مباني الاختيار, و لا تباين في الاتجاه , و لا تضارب في
الاسـتـناد, و انما هي وحدة في النظر و الاتجاه و الهدف , جمعت طوائف الصحابة على خط مستو
مستقيم فلم تكن ثمة داعية لنشؤ الاختلاف و التضارب في الارا, و لا سيما و الرسول (ص )ادبهم
على التزام سبيل الرشاد.على ان التفسير ذلك العهد لم يكن ليتعد ـ في شكله و هندامه ـ حدود الحديث و شكله , بل كان جز
منه وفرعا من فروعه , كما داب عليه جامعو الاحاديث .ثـالثا: صيانته عن التفسير بالراي , بمعنى الاستبداد بالراي غير المستند الى ركن وثيق , ذلك تعصب
اعـمـى او تلبيس في الامر, كان يتحاشاه الاجلا من الصحابة الاخيار و سنشرح من معنى التفسير
بالراي الممنوع شرعا, و المذموم عقلا, بما يرفع الابهام عن المراد به ان شا اللّه .رابـعـا: خلوصه عن اساطير بائدة , و منها الاقاصيص الاسرائيلية , لم تكن لتجد مجالاللتسرب في
الاوساط الاسلامية العريقة , ذلك العهد المناوئ لدسائس اسرائيل ,الامر الذي انقلب ظهرا لبطن بعد
حين , و جعلت الدسائس السياسية تلعب دورهافي ترويج اساطير بني اسرائيل .خـامـسـا: قـاطعيته عن احتمال الشك و تحمل الظنون , بعد وضوح المستند و صراحته , و وفرة
وسـائل الايضاح و دلائل التفسير المعروضة ذلك العهد, لسذاجتها و سلامتها عن التعقيد الذي طرا
عليها في عهد متاخر.لا سـيما و الدلائل العلمية و الفلسفية التي استند اليها المتاخرون في تفسير معاني القرآن , لم تكن
معهودة حينذاك , او لم تكن مشروعة , و لا صالحة للاستناد في العهد الاول و انما كان استنادهم الى
العرف و اللغة , والعلم باسباب النزول , الى جنب النصوص الشرعية الصادرة في مختلف شؤون الدين
و القرآن , هذا لا غير.
المرحلة الثالثة التفسير في دور التابعين
مدارس التفسير. اعلام التابعين .قيمة تفسير التابعي .ميزات تفسير التابعي .منابع التفسير في هذا العهد.مدارس التفسير:
مدرسة مكة اقامها ابن عباس . مدرسة المدينة اقامها ابى بن كعب .مدرسة الكوفة اقامها ابن مسعود.مدرسة البصرة اقامها ابو موسى .مدرسة الشام اقامها ابو الدردا.مدارس التفسير.نعم الخلف لخير سلف
لم يكد ينصرم عهد الصحابة الا و قد نبغ رجال اكفا, ليخلفوهم في حمل امانة اللّه و ادا رسالته في الارض , وهـم الـتـابـعون الذين اتبعوهم باحسان , رضي اللّه عنهم و رضوا عنه , و ذلك هو الفوزالعظيم .انـهـم رجـال لم تمكنهم الاستضاة من انوار ذلك العهد (عهد الرسالة ) الفائض بالخير و البركات ,
فـاسـتـعـاضـوا عـنـهابالمثول بين يدي اكابر الصحابة الاعلام , و العكوف على اعتابهم المقدسة ,
يستفيدون من علومهم و يهتدون بهداهم .و قـد كـان اعيان الصحابة كثرة منتشرين في البلاد كنجوم السما, مصابيح الدجى واعلام الهدى ,
اينما حلوا او ارتحلوا من بقاع الارض , و بذلك انتشرت تعاليم الاسلام , و شاع و ذاع مفاهيم الكتاب
و السنة النبوية بين العباد, في مختلف البلاد.مدارس التفسير.و حـيـثـمـا ارتـحل صحابي جليل و حل به من بلد اسلامي كبير, كان قد شيد فيه مدرسة واسعة
الـرحـب , بعيدة الارجا, يبث بها معالم الكتاب و السنة , و يقصدها الرواد من كل صوب و كان اشهر
هذه المدارس ـ حسب شهرة مؤسسيهاـ خمسة :.1ـ مـدرسـة مـكة : اقامها عبد اللّه بن عباس , يوم ارتحل اليها عام الاربعين من الهجرة , حيث غادر
البصرة وقدم الحجاز, بعد استشهاد الامام امير المؤمنين (ع ), و كان واليا من قبل الامام , فلم يتصد
ولايـة بـعـده , عـاكفا على اعتاب حرم اللّه , يؤدي رسالته هناك في بث العلوم و نشر المعارف التي
تـعلمها و اخذها عن الامام (ع ) و قددامت المدرسة مدة حياته حتى عام ثمانية و ستين , حيث وفاته
بالطائف , رضوان اللّه عليه .و قد تخرج من هذه المدرسة اكبر رجالات العلم في العالم الاسلامي حينذاك , و كان لهذه المدرسة
و لـمن تخرج منها صدى محمود في ارجا البلاد, و بقيت آثارها الحسنة سنة متبعة بين العباد, و لا
تزال و لعل اعلم التابعين بمعاني القرآن هم المتخرجون من مدرسة ابن عباس و المتعلمون على يديه
.قال ابن تيمية : و اما التفسير فان اعلم الناس به اهل مكة , لانهم اصحاب ابن عباس , كمجاهد و عطا
و عكرمة وغيرهم من اصحاب ابن عباس كطاووس و ابي الشعثا و سعيد بن جبير و امثالهم و كذلك
اهل الكوفة من اصحاب ابن مسعود و من ذلك تميزوا به على غيرهم ((822)) .2ـ مـدرسـة الـمدينة : قيامها على الصحابة الموجودين بها, و لا سيما ابى بن كعب الانصاري سيد
الـقرا كان من اصحاب العقبة الثانية , و شهد بدرا و المشاهد كلها قال له النبى (ص ): ليهنك العلم , ابا
المنذر.و كـان اول مـن كـتـب لـرسول اللّه مقدمه المدينة , فاذا لم يحضر ابي كتب زيد ابن ثابت كان اقرا
اصحاب رسول اللّه (ص ), و كان ممن جمع القرآن حفظا على عهد رسول اللّه , و تاليفا بعد وفاته و
كان قد تفرغ للاقرا بالمدينة ما لم يتفرغ له سائر الصحابة الباقين فيها.و مـن ثـم تـصـدى الاملا على لجنة توحيد المصاحف على عهد عثمان , و كانوا يرجعون اليه عند
الاختلاف توفي سنة (30) في خلافة عثمان , حسبما قدمنا.3ـ مـدرسـة الـكـوفـة : اقـام دعائمها الصحابي الكبير عبد اللّه بن مسعود, كان خصيصا برسول
اللّه (ص )يخدمه و يتربى على يديه قال حذيفة : اقرب الناس برسول اللّه (ص ) هديا و دلا و سمتا,
ابـن مـسعود و لقد علم المحفوظون من اصحاب محمد(ص ) ان ابن ام عبد من اقربهم الى اللّه زلفى
كـان اول مـن جهر بالقرآن على ملامن قريش , فاوذي في اللّه و اصطبر على البلا كان قد هاجر
الهجرتين و شهد المشاهد كلها.قـدم الكوفة ـ على عهد ابن الخطاب ـ معلما و مؤدبا, حتى احضره عثمان سنة (31) و كانت فيها
وفاته و لما بلغ ابا الدردا نعيه قال : ما ترك بعده مثله .تربى على يديه خلق كثير, فمن التابعين : علقمة بن قيس النخعي , و ابو وائل شقيق بن سلمة الاسدي
الكوفي , و الاسود بن يزيد النخعي , و مسروق بن الاجدع , وعبيدة بن عمرو السلماني , و قيس بن
ابي حازم , و غيرهم .و قد عرفت ان مدرسة الكوفة كانت اهم المدارس بعد مدرسة مكة , توسعا و شمولا لمعاني القرآن
و الفقه والحديث .4ـ مـدرسـة البصرة : اقامها ابو موسى الاشعري : عبد اللّه بن قيس (44) قدم البصرة سنة (17)
واليا عليهامن قبل عمر, بعد ان عزل المغيرة , ثم اقره عثمان , و بعد فترة عزله , فسار الى الكوفة
و لما ان عزل سعيدااستعمله عليها, و عزله الامام امير المؤمنين (ع ), فكان يراود معاوية في سر,
و لاخـوة قـديمة كانت بينهما, كمايبدو من وصية معاوية لابنه يزيد بشان ابي بردة ابن ابي موسى
الاشعري ((823)) كان منحرفا عن علي (ع ) وافتضح امره يوم الحكمين .و هـو الذي فقه اهل البصرة و اقراهم قال ابن حجر: و تخرج على يديه جماعة من التابعين و من
بعدهم ((824)) واخرج الحاكم عن ابي رجا, قال : تعلمنا القرآن عن ابي موسى الاشعري في هذا
المسجد ـ يعني مسجد البصرة ـ و كنا حلقا حلقا, و كانما انظر اليه بين ثوبين ابيضين ((825)) .و كـانـت مـدرسته ذات انحراف شديد, و من ثم كانت البصرة من بعده ارضا خصبة لنشؤ كثير من
البدع و الانحرافات الفكرية و العقائدية , و لا سيما في مسائل الاصول و الامامة و العدل .قـال عـبد الكريم الشهرستاني : و سمعت من عجيب الاتفاقات ان ابا موسى الاشعري (المتوفى سنة
44) كـان يـقـرر عـين ما يقرر حفيده ابو الحسن الاشعري (المتوفى سنة 324) في مذهبه , و
ذلك قد جرت مناظرة بين عمرو بن العاص و بينه , فقال عمرو: اين اجد احدا احاكم اليه ربي ؟ فقال
ابـو مـوسى : اناذلك المتحاكم اليه فقال عمرو: او يقدر علي شيئا ثم يعذبني عليه ؟ قال ابو موسى :
نعم , قال عمرو: و لم ؟ قال :لانه لا يظلمك ((826)) .و ذكـر ابن ابي الحديد ابا بردة ابن ابي موسى الاشعري فيمن ابغض عليا, و كان من القالين له , ثم
قـال : ورث الـبغضة له , لا عن كلالة ((827)) , اي كان هذا الحقد للامام امير المؤمنين ـ صلوات
اللّه عـلـيه ـ قد اتاه مستقيما من قبل والده , فكانت البغضة منه تليدا, و لم تاته من عرض عارض , لا
تلد الحية الا الحية .5ـ مدرسة الشام : قام بها ابو الدردا عويمر بن عامر الخزرجي الانصاري كان من افاضل الصحابة
وفـقـهائهم و حكمائهم اسلم يوم بدر, و شهد احدا و ابلى فيها بلا حسنا روي ان رسول اللّه (ص )
قال بشانه حينذاك : نعم الفارس عويمر, و قال : هو حكيم امتي .تولى قضا دمشق ايام خلافة عمر, و توفي في خلافة عثمان سنة (32) و لم ينزل دمشق من اكابر
الـصحابة سوى ابي الدردا, و بلال بن رباح المؤذن الذي مات في طاعون عمواس سنة (20) و دفن
بـحـلـب و كذا واثلة بن الاسقع , و كان آخر من مات بدمشق من اصحاب رسول اللّه (ص ) مات سنة
(85) في خلافة عبد الملك بن مروان .تخرج على يدي ابي الدردا جماعة من اكابر التابعين , منهم : سعيد بن المسيب , و علقمة بن قيس , و
سويد بن غفلة , و جبير بن نفير, و زيد بن وهب , و ابو ادريس الخولاني , و آخرون .كان ابو الدردا من الثابتين على ولا آل الرسول (ص ) لم تزعزعه العواصف .روى الـصدوق ـ في اماليه ـ باسناده الى هشام بن عروة بن الزبير عن ابيه عروة , قال :كنا جلوسا
فـي حـلقة في مسجد رسول اللّه (ص ) نتذاكر اهل بدر و بيعة الرضوان , فقال ابو الدردا: يا قوم ,
الااخبركم باقل القوم مالا و اكثرهم ورعا و اشدهم اجتهادا في العبادة ؟ قالوا: من ؟ قال : ذاك امير
المؤمنين على بن ابي طالب (ع ).قـال عروة : فو اللّه , ما نطق ابو الدردا بذلك الا و اعرض عنه بوجهه من في المجلس ثم انتدب له
رجـل مـن الانـصار, فقال له : يا عويمر, لقد تكلمت بكلمة ما وافقك عليها احد منذ اتيت بها فقال ابو
الـدردا: يـا قوم , اني قائل ما رايت , و ليقل كل قوم منكم ما راوا ثم اخذ في بيان مواضع علي (ع ) من
العبادة و البكا, عند ما كان يختلي بربه في ظلمة الليل و الناس نيام ((828)) .
اعلام التابعين المفسرين :
1ـ سعيد بن جبير. 2ـ سعيد بن المسيب .3ـ مجاهد بن جبر.4ـ طاووس بن كيسان .5ـ عكرمة مولى ابن عباس .6ـ عطا بن ابي رباح .7ـ عطا بن السائب .8ـ ابان بن تغلب .9ـ الحسن البصري .10ـ علقمة بن قيس .11ـ محمد بن كعب القرظي .12ـ ابو عبد الرحمان السلمي .13ـ مسروق بن الاجدع .14ـ الاسود بن يزيد النخعي .15ـ مرة الهمداني .16ـ عامر الشعبي .17ـ عمرو بن شرحبيل .18ـ زيد بن وهب .19ـ ابو الشعثا الكوفي .20ـ ابوالشعثا الازدي .21ـ الاصبغ بن نباتة .22ـ زر بن حبيش .23ـ ابن ابي ليلى .24ـ عبيدة بن قيس .25ـ الربيع بن انس .26ـ الحارث بن قيس .27ـ قتادة بن دعامة .28ـ زيد بن اسلم .29ـ ابو العالية .30ـ جابر الجعفي .اعلام التابعين
قلنا: ان كثيرا من رواد العلم , كانوا قد نهضوا نهضتهم الكبرى , في سبيل كسب المعرفة و الحصول عـلـى مـعـالـم الـدين الحنيف و حيث كان قد اعوزتهم الاستضاة المباشرة من انوار عهد الرسالة ,استعاضوا عنها باللجؤ الى اعتاب الصحابة الاعلام , فاخذوا منهم العلوم و نشروها بين العباد فكانوا
هـم الـواسطة و الحلقة الواصلة بين منابع العلم الاولية و بين الامة على الاطلاق , ليس لذلك الدور
فحسب , بل لجميع الادوار و الاعصار فاصبحوا هم حاملي لوا هداية الاسلام الى كافة الانام .و هـم جماعات , لا يحصون عددا, كنجوم السما المتالقة في دياجي الظلام , و مبثوثون في الارض
منتشرون في الاقطار و الاكناف .غير انا نقتصر على الاعلام , و المعروفين بتعليم القرآن , و نشر علومه و بيان معارفه بين الناس و
هـم الـمـتـخـرجـون مـن الـمـدارس الـتـفسيرية المعهودة , و لا سيما مدرسة ابن عباس بمكة
المكرمة ,حسبما عرفت , و اليك منهم :.
1 سعيد بن جبير
ابو عبد اللّه , او ابو محمد الاسدي بالولا, الكوفي , من اصل حبشي , اسود اللون ابيض الخصال كان مـن كـبـارالتابعين و متقدميهم في الفقه و الحديث و التفسير اخذ القراة من ابن عباس , و سمع منهالـتـفـسـير, و اكثر روايته عنه كان قد تفرغ للعلم و القرآن حتى صار علما و اماما للناس قال ابو
القاسم الطبري : هو ثقة , حجة , امام على المسلمين , و كان مجمعا عليه بين ارباب الحديث و التفسير.له مناظرة مع الطاغية الحجاج بن يوسف الثقفي , حينما اراد قتله , تدل على قوة ايمانه و صلابته في
الولا لال البيت (ع ), قتله صبرا سنة (95) و هو ابن (49).روى ابـو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي باسناده الى الامام ابي عبد اللّه الصادق (ع )
قـال : ان سعيد بن جبير كان ياتم بعلى بن الحسين (ع ), و كان على (ع ) يثني عليه و ما كان سبب قتل
الحجاج له الا على هذا الامر,و كان مستقيما ((829)) .و في مصنفات اصحابنا الامامية عنه وصف جميل ((830)) , و كذا في سائر المصنفات الرجالية و
غيرها ((831)) .روى ابـو نـعيم الاصبهاني باسناده الى خلف بن خليفة عن ابيه قال : شهدت مقتل سعيد بن جبير, فلما
بان راسه , قال : لا اله الا اللّه , لا اله الا اللّه , ثم قالها الثالثة فلم يتمها ((832)) .و ذكر ابن قتيبة : انه امر الحجاج فضربت عنقه , فسقط راسه الى الارض يتدحرج , وهو يقول : لا
اله الا اللّه , فلم يزل كذلك , حتى امر الحجاج من يضع رجله على فيه , فسكت .و لم يدم الحجاج بعده غير سنة , و لم يستطع اراقة دم بعد دمه الطاهرو كان الحجاج عند ما حضره
الموت يقول :ما لي و لسعيد بن جبير, كان يقول ذلك و هو يغوص ثم يفيق و كان يراه في المنام , و قد
اخذ بمجامع ثوبه يقول له : يا عدو اللّه , فيم قتلتني ؟ فيستيقظ مذعورا, و يقول : ما لي و لسعيد ذكر
ذلك ابن خلكان في الوفيات .مـكانته العلمية : اخذ العلم عن عبد اللّه بن عباس , و كان قد لازمه في طلب العلم , فاجازه ابن عباس
في التحديث قال له : حدث , فقال ـ متحاشيا ـ : احدث و انت هاهنا؟ فقال ابن عباس : اليس من نعم اللّه عليك ان تحدث و انا شاهد؟ .قـال احـمد بن حنبل : قتل الحجاج سعيد بن جبير, و ما على وجه الارض احد الا و هو مفتقر الى
علمه ((833)) ورواه ابو نعيم عن عمرو بن ميمون عن ابيه .و كان ابن عباس اذا اتاه اهل الكوفة يستفتونه يقول : اليس فيكم ابن ام الدهما, يعني سعيد بن جبير.قـال يـحـيـى بن سعيد: مرسلات ابن جبير احب الي من مرسلات عطا و مجاهد و كان سفيان يقدم
سعيدا على ابراهيم النخعي في العلم , و كان اعلم من مجاهد و طاووس ((834)) .و كـان سـعـيـد يـعـظم من شيخه تعظيما بالغا, قال : كنت اسمع الحديث من ابن عباس , فلو اذن لي
لقبلت راسه ((835)) .و قد جمع ابو نعيم من التفسير الماثور عن سعيد بن جبير نخبا, و عقد له فصلا, وعنونه بثاره في
الـتـفسير ((836)) فقد روى عنه في قوله تعالى ـ حكاية عن نبي اللّه موسى (ع ) ـ : (رب انى
لـمـاانـزلـت الـى من خير فقير) ((837)) قال : انه يومئذ لفقير الى شق تمرة و في قوله تعالى :
(امثلهم طريقة ) ((838)) قال : اوفاهم عقلا ((839)) .
2ـ سعيد بن المسيب
قـال ابو نعيم الاصبهاني : فاما ابو محمد سعيد بن المسيب بن حزن المخزومي , فكان من الممتحنين , امـتحن فلم تاخذه في اللّه لومة لائم صاحب عبادة و جماعة و عفة و قناعة و كان كاسمه بالطاعاتسعيدا, و من المعاصي و الجهالات بعيدا ((840)) .قـال ابـن الـمديني : لا اعلم في التابعين اوسع علما من سعيد بن المسيب قال : و اذا قال سعيد: مضت
السنة ,فحسبك به قال : هو عندي اجل التابعين .و قال ابوحاتم : ليس في التابعين انبل منه .و قال سليمان بن موسى : كان افقه التابعين .و قال ابو زرعة : مدني قرشي ثقة امام .و قال قتادة : ما رايت احدا قط اعلم بالحلال و الحرام منه .و قال ابن شهاب : قال لي عبد اللّه بن ثعلبة : ان كنت تريد هذا ـ يعني الفقه ـ فعليك بهذا الشيخ , سعيد
بن المسيب .و عن عمرو بن ميمون بن مهران عن ابيه , قال : قدمت المدينة فسالت عن اعلم اهلها,فدفعت الى سعيد
بن المسيب .قال مكحول : طفت الارض كلها في طلب العلم فما لقيت اعلم منه .قال احمد بن حنبل : مرسلات سعيد صحاح , لا نرى اصح من مرسلاته .و قال الشافعي : ارسال ابن المسيب عندنا حسن ((841)) .قـال ابـن خـلكان : كان سعيد بن المسيب سيد التابعين من الطراز الاول , جمع بين الحديث و الفقه و
الزهد والعبادة و الورع , و هو احد الفقها السبعة بالمدينة ((842)) ولد سنة (15) و توفي سنة
(95).و اسـنـد ابـن سـعـد ـ كـاتـب الـواقـدي ـ الى الامام ابي جعفر الباقر(ع ) قال : سمعت ابي , على
بن الحسين (ع )يقول :((سعيد بن المسيب اعلم الناس بما تقدمه من الاثار, و افقههم في رايه )).و له ترجمة مسهبة في الطبقات , و فيها من احواله و قضاياه العجيبة الشي الكثير ((843)) .اضف الى ذلك ما ورد بشانه من الثنا عليه عند اصحابنا الامامية :.و اول شي , انه تربية الامام امير المؤمنين (ع ), رباه في حجره بوصية من جده ((حزن )) فقد نشا
و تـرعـرع فـي اهـل بيت العلم و الورع و الطهارة , كما و اصبح من خلص اصحاب الامام على بن
الـحـسـين زين العابدين , و احدالاوتاد الخمسة الذين ثبتوا على الاستقامة في الدين على ما وصفهم
الـفـضـل بن شاذان قال : و لم يكن في زمان على بن الحسين في اول امره الا خمسة انفس : سعيد بن
جبير, سعيد بن المسيب , محمد بن جبير بن مطعم ,يحيى بن ام الطويل , ابوخالد الكابلي .و كان يرى من الامام السجاد(ع ) النفس الزكية , لم يعرف له نظيرا و لا راى مثله كما كان يرى في
مـثاله القدوسي مثال داود القديس (ع ) تسبح معه الجبال بالعشي و الاشراق و الطير محشورة كل له
اواب .روى الـكشي باسناده الى الزهري عن ابن المسيب , قال : كان القوم لا يخرجون من مكة حتى يخرج
عـلى بن الحسين سيد العابدين فخرج و خرجت معه , فنزل في بعض المنازل , فصلى ركعتين فسبح
فـي سجوده , فلم يبق شجر و لا مدر الا سبحوا معه , ففزعنا فقلت : نعم , يا ابن رسول اللّه (ص )فقال : هذا التسبيح الاعظم , حدثني ابي عن جدي رسول اللّه , انه
لا يبقي الذنوب مع هذا التسبيح فقلت : علمنا.و روى عـن مـحـمـد بـن قـولـويه باسناده الى اسباط بن سالم عن الامام موسى بن جعفر(ع ) في
حـديـث حـواريي ((844)) النبي و الائمة (ع ), و عد من حواريي الامام زين العابدين : جبير بن
مطعم , و يحيى بن ام الطويل , واباخالد, و سعيد بن المسيب .كـما روى عنه باسناده الى ابي مروان عن ابي جعفر قال : سمعت على بن الحسين يقول : ((سعيد بن
الـمـسـيـب اعـلم الناس بما تقدمه من الاثار و افهمهم ـ او افقههم ـ في زمانه )) ((845)) و قد
تقدم الحديث , برواية ابن خلكان عن ابي مروان ايضا, مع اختلاف في العبارة الاخيرة : ((افقههم في
رايه )).و روى الـشـيـخ الـمـفـيد باسناده الى ابي يونس محمد بن احمد قال : حدثني ابي و غيرواحد من
اصـحـابـنـا, ان فـتـى من قريش جلس الى سعيد بن المسيب , فطلع على بن الحسين , فقال القرشي
لابـن الـمـسـيـب : مـن هـذا يـا ابـا محمد؟ قال : هذا سيد العابدين على بن الحسين بن على بن ابي
طالب (ع ) ((846)) .و روى الـحـميري باسناده الى البزنطي قال : و ذكر عند الرضا(ع ) القاسم بن محمد بن ابي بكر
خال ابيه , و سعيدبن المسيب , فقال : ((كانا على هذا الامر)) ((847)) .و روى ثـقة الاسلام الكليني ـ في باب مولد الصادق (ع ) ـ باسناده الى اسحاق ابن جرير, قال : قال
ابـو عبد اللّه (ع ): ((كان سعيد بن المسيب , و القاسم بن محمد ابن ابي بكر, و ابوخالد الكابلي , من
ثقات على بن الحسين (ع ) ((848)) .و في مناقب آل ابي طالب لابن شهر آشوب بشان كرامات الامام زين العابدين (ع ), روايات عن سعيد
بن المسيب , تدل على مبلغ ولائه لال البيت و مدى صلته بسيد الساجدين , فراجع ((849)) .و لـلـمـحـقـق الـبـحـرانـي ـ فـي حـاشـيـة البلغة ـ استظهار تشيعه من كلام الشيخ في اوائل
التبيان ((850)) .و هو الذي روى قضية بجدل الجمال و قطعه لاصبع السبط الشهيد, و تعلقه باستار الكعبة , آيسا من
رحمة اللّه ((851)) .و قـد عـده الـشيخ من اصحاب الامام زين العابدين و من السابقين الاولين قال : سعيد بن المسيب بن
حـزن ابـومـحـمـد المخزومي سمع من الامام على بن الحسين , و روى عنه (ع ) و هو من الصدر
الاول ((852)) .و قـد اسـتـوفـى الـسـيد الامين الكلام بشانه و شان ولائه لال البيت , و ذكر انه صحب عليا امير
المؤمنين (ع ) و لم يفارقه حتى في حروبه و نقل عن ابن ابي الحديد و غيره بعض الطعن عليه , و
فنده على اسلوب حكيم ((853)) .
نموذج من تفسيره
اخـرج ابـو نـعـيم ـ في الحلية ـ باسناده الى يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب , في قوله تعالى : (ربـكـم اعـلـم بـما في نفوسكم , ان تكونوا صالحين فانه كان للاوابين غفورا) ((854)) , قال :((الذي يذنب الذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب , و لا يعود في شي قصدا)) ((855)) .و هذا ادق تفسير للاية الكريمة فان الاية قد فسرت على وجوه :.1ـ فقيل : هم المسبحون عن ابن عباس و عمرو بن شرحبيل .2ـ و قيل : المطيعون المحسنون عن ابن عباس ايضا.3ـ هم المطيعون و اهل الصلاة عن قتادة .4ـ الذين يصلون بين المغرب و العشا عن ابن المنكدر يرفعه , و كذلك عن الامام الصادق (ع ).5ـ يصلون صلاة الضحى عن عون العقيلي .6ـ الراجع من ذنبه التائب الى اللّه .و هذا المعنى الاخير هو الراجح , و اختلفوا في شرائطه و كيفيته :.فمن سعيد بن جبير: الراجعون الى الخير.و عن مجاهد: الذي يذكر ذنوبه في الخلا فيستغفر اللّه منها.و عـن عـطـا بن يسار: يذنب العبد ثم يتوب , فيتوب اللّه عليه , ثم يذنب فيتوب اللّه عليه , ثم يذنب
الثالثة فان تاب تاب اللّه عليه توبة لاتمحى .و عن عبيد بن عمير: الاواب : الحفيظ ان يقول : اللهم اغفر لي ما اصبت في مجلسي هذا.لـكـن سـعيد بن المسيب فسرها بالذي يذنب و يتوب ثم يذنب و يتوب , و لكن ليس يعود في شي من
ذنـوبـه قـصـدا, و انـمـا هـو شـي فـرط مـنه و هذه النكتة الظريفة هي بيت القصيد, نظرا لان
((الاواب )) مـبالغة في الاوب والرجوع و المراد: الكثرة و التكرار فيه , لكنه هل هو مطلق , ام
الذي يصدر منه الذنب لا تمردا و عصيانا, و انماهو شي قد يفرط منه او تغلبه نفسه ثم يتذكر عن
قريب ؟.قال تعالى : ( انما التوبة على اللّه للذين يعملون السؤ بجهالة ثم يتوبون من قريب ) ((856)) .و قال : (ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون ) ((857)) .و هذا هو معنى اللمم المغفور في الاية الكريمة : ( و يجزى الذين احسنوا بالحسنى الذين يجتنبون
كـبـائر الا ثـم و الـفـواحـش الا الـلـم ان ربـك واسـع الـمغفرة هو اعلم بكم اذانشاكم من الا
رض ) ((858)) .قـال الامام الصادق (ع ): ((اللمم : الرجل يلم بالذنب فيستغفر اللّه منه قال : ما من ذنب الا و قد طبع
عـلـيه عبدمؤمن يهجره الزمان ثم يلم به قال : اللمام : العبد الذي يلم بالذنب ليس من سليقته )) اي من
طـبيعته و في رواية قال : ((الهنة بعد الهنة )) اي الذنب بعد الذنب يلم به العبد و في اخرى : (( هو
الذنب يلم به الرجل , فيمكث ما شااللّه ثم يلم به بعد)) ((859)) .فالعبد قد تغلبه نفسه فيرتكب اثما ليس من دابه , و من ثم يتذكر فيتوب الى اللّه مما اغترف , و هكذا
فلو عادليس من عادته , و تاب تاب اللّه عليه , ان اللّه هو التواب الرحيم .و هـذه هـي الـنـكـتـة الدقيقة التي جات الاشارة اليها في تفسير ابن المسيب (( ولايعود في شي
قـصدا)), و هذاالمعنى هو الذي يفيده صدر الاية (ربكم اعلم بما في نفوسكم , ان تكونوا صالحين
فانه كان للاوابين غفورا) ((860)) .و الـى هذا المعنى يشير التفسير الوارد عن الامام ابي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق (ع ), قال :
((و الاواب :النواح المتعبد الراجع عن ذنبه )) و هكذا روي عن مجاهد بن جبر ايضا ((861)) .الـنـواح : مبالغة في النوح , و هو الذي ينوح على نفسه و ندبها ندما على ما فرط منه , منيبا مستغفرا
اوابا و تدل اداة الاعراض ((عن )) على ندم بالغ , و عزم صارم على الترك ابدا.و امـا مـا روي من التفسير ب ((الصلاة )) بين المغرب و العشا, فهذا من الوسيلة التي يجب ابتغاؤها
الـى اللّه عـز شـانه (يا ايها الذين امنوا اتقوا اللّه و ابتغوا اليه الوسيلة ) ((862)) و من ثم سميت
صلاة الاوابين .روى هشام بن سالم عن الامام ابي عبد اللّه الصادق (ع ), قال : صلاة اربع ركعات , يقرا في كل ركعة
خـمـسـين مرة ((قل هو اللّه احد)) هي صلاة الاوابين ((863)) و قد ورد الترغيب في التنفل
باربع ركعات بعد المغرب , لايدعهن العبد في حضر و لا سفر ((864)) .
من نوادر حكمته :
و لـما ان جرد ليضرب على امتناعه من البيعة للوليد و سليمان ابني عبد الملك , قالت امراة : ان هذا لمقام الخزي فقال سعيد: ((من مقام الخزي فررنا)) ((865)) .و قـال : ((يد اللّه فوق عباده , فمن رفع نفسه وضعه اللّه , و من وضعها رفعه اللّه الناس تحت كنفهيـعـمـلـون اعـمـالـهـم ,فـاذا اراد اللّه فـضـيـحـة عـبـد, اخرجه من تحت كنفه , فبدت للناس
عورته )) ((866)) .و قـال : ((لا خـيـر فـيمن لا يحب هذا المال , يصل به رحمه , و يؤدي به امانته , و يستغني به عن
خلق ربه )) ((867)) .و روي عن الامام امير المؤمنين (ع ) انه سال فاطمة (س ): ما خير للنسا؟ قالت : ان لا يرين الرجال
ولايرونهن فذكره للنبي (ص ) فقال : ((انما فاطمة بضعة مني )).و ايضا عن الامام امير المؤمنين (ع ) ((من اتقى اللّه عاش قويا و سار في بلاده آمنا)) ((868)) .و قـال : ((لا تـمـلـؤا اعـيـنـكـم مـن اعوان الظلمة الا بانكار من قلوبكم , لكي لا تحبط اعمالكم
الصالحة )) ((869)) .و كان معبرا للرؤيا, معروفا بذلك فوجه اليه عبد الملك بن مروان من يساله عن منامه , كان قد راى
كـانـه قد بال في المحراب اربع مرات قال , فانه ولي الوليد وسليمان و يزيد و هشام , و هم اولاد عبد الملك لصلبه ((870)) .
3ـ مجاهد بن جبر
هـو ابـو الـحـجـاج الـمـخزومي المكي , المقرئ المفسر ولد سنة (21), و توفي بمكة ساجدا سنة (104) كان اوثق اصحاب ابن عباس , و من ثم اعتمده الائمة و اصحاب الحديث و التفسير.و روي عنه انه قال : عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث مرات , اقف عند كل آية ,اساله فيم نزلت ,و كيف نزلت .قـال ابن ابي مليكة ((871)) : رايت مجاهدا يسال ابن عباس عن تفسير القرآن و معه الواحه , فيقول
له ابن عباس : اكتب , حتى ساله عن التفسير كله و من ثم قيل : اعلمهم بالتفسير مجاهد.و قال سفيان الثوري : اذا جاك التفسير عن مجاهد فحسبك به .قـال الـذهبي : اجمعت الامة على امامة مجاهد و الاحتجاج به كان ثقة مامونا, و فقيها ورعا, و عالما
كثيرالحديث , جيد الحفظ متقنا.قـال الاعـمـش : اذا رايـت مـجـاهـدا كانه جمال او خربندج ((872)) , فاذا نطق خرج من فيه
الؤلؤ ((873)) .مـكانته في التفسير: استفاضت شهادة العلما بعلو مكانته في التفسير و ثقته و امانته و سعة علمه و
قداحتج بتفسيره الائمة النقاد والعلما و اصحاب الحديث .اتهم بالاخذ من اهل الكتاب , و لكن شدة نكير شيخه ابن عباس على الاخذين من اهل الكتاب , يتنافى و
هـذه الـتـهمة و الارجح ان رجوعه اليهم كان في امور لا تدخل في دائرة النهي الوارد عن رسول
اللّه (ص ), و ربما كان لغرض التحقيق لا التقليد.و كذلك اتهم بانه يفسر القرآن برايه ـ كان قد اعطى نفسه حرية واسعة في التفسير العقلي ـ فقد
روى ابنه عبدالوهاب ان رجلا قال لابيه : انت الذي تفسر القرآن برايك ؟ فبكى ابي ثم قال : اني اذن
لجري , لقد حملت التفسير عن بضعة عشر رجلا من اصحاب النبى (ص ) ((874)) .قلت : و هذه التهمة يرجع سببها الى الجو الحاكم آنذاك من التحاشي عن الخوض في معاني القرآن ,
و لا سيماالمتشابهات , غير ان شريعة العقل ترفض كل مناشئ الجمود و سنبحث عن مسالة التفسير
بالراي الممنوع .حـريـته في التفسير العقلي : كان مجاهد حر الراي , يفسر القرآن حسبما يبدو له من ظاهر اللفظ,
ويـرشده اليه عقله الرشيد و فطرته السليمة , بعد احاطته بمفاهيم الكلمات و الاوضاع اللغوية و
الـعـرفـيـة (حـسب متفاهم العرف العام آنذاك ) و ما كان قد عهده من مباني الشريعة و اسس الدين
القويمة و بعد مراجعة كلمات اعلام الامة و خيار الصحابة الاولين , الامر الذي يجب توفره في كل
مفسر حر الراي و مضطلع خبير.قـال ـ في تفسير قوله تعالى : ( فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ) ((875)) ـ : لم يمسخوا قردة , و
انـما هو مثل ضربه اللّه , كما قال : (كمثل الحمار يحمل اسفارا) ((876)) قال : انه مسخت قلوبهم
فجعلت كقلوب القردة لا تقبل وعظا و لا تتقي زجرا قال الطبرسي : و هذا يخالف الظاهر الذي عليه
اكثر المفسرين من غير ضرورة تدعو اليه ((877)) .و لـلـزمخشري هنا كلام يشبه تفسير مجاهد, في دقة ادبية لطيفة قال : قوله تعالى : (كونوا قردة
خاسئين )خبران , اي كونوا جامعين بين القردية و الخسؤ, و هو الصغار و الطرد ((878)) .و من ثم قال المولى جمال الدين ابو الفتوح الرازي ـ من اعلام القرن السادس ـ : مجاهد گفت : معنى
آن است ((اذلا صاغرين )) ذليل و مهين و در اين عظمتى و عبرتى است آنانرا ((879)) .قـال الامـام الـرازي (544 ـ 606): ان مـا ذكـره مجاهد ـ رحمه اللّه ـ غير مستبعد جدا, لان
الانسان اذا اصر على جهالته بعد ظهور الايات و جلا البينات , فقد يقال ـ في العرف الظاهر ـ : انه
حـمـار و قـرد و اذا كـان هـذا المجازمن المجازات الظاهرة المشهورة , لم يكن في المصير اليه
محذور البتة ((880)) .قلت : و يشهد لهذا التاويل قوله تعالى ـ في سورة المائدة ـ : (من لعنه اللّه و غضب عليه و جعل منهم
القردة و الخنازير و عبد الطاغوت , اولئك شر مكانا و اضل عن سواالسبيل ) ((881)) .بـدليل عطف ((و عبد الطاغوت )), و كذا عطف ((الخنازير)) و هذان لم يات ذكرهما في سائر
القرآن , فيكون المعنى : ان من شديد العقوبة ان يتحول الانسان من شموخ كرامته و اعتلا شرفه , الى
سافل مبتذل يحمل سمات القردة و الخنازير, مهانا لئيما, يرضخ للطواغيت رضوخ الذليل الحقير.و عند تفسير قوله تعالى : (وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة ) ((882)) , روى وكيع عن سفيان
عـن مـنـصـور عـن مجاهد, قال : تنتظر الثواب من رب ها و عن الاعمش عنه : ((تنتظر رزقه و
فضله )) و في حديث :((تنتظر من ربها ما امر لها)) قال منصور: قلت لمجاهد: ان اناسا يقولون : انه
تـعـالـى يرى , فيرون ربهم ؟ شي ((883)) .و انـت تـرى ان الـقـول بامتناع الرؤية يخالف عقيدة السلفيين من اصحاب الظواهر, و من ثم رموه
بالحياد عن طريقة السلف , و انه يفسر برايه , او انه يرى مذهب الاعتزال , كما رموا تلاميذه حسبما
ياتي في ابن ابي نجيح راوي تفسيره .و من ثم قال الطبري ـ تعقيبا على ذلك ـ : و اولى القولين في ذلك عندنا بالصواب ,القول الذي ذكرناه
عن الحسن و عكرمة , من ان معنى ذلك : تنظر الى خالقها.قـال الاستاذ الذهبي : و هذا التفسير عن مجاهد كان فيما بعد متكا قويا للمعتزلة فيما ذهبوا اليه في
مسالة الرؤية ((884)) .قـلـت : و الـعـجيب ان الارا المستقيمة المتوافقة مع الفطرة و العقل الرشيد, حيث صدرت قديما و
حـديـثـا, فـانها تعزى الى فريق المعتزلة , او هي منشا لمذاهبهم في العقيدة الاسلامية , الامر الذي
يجعل من العقل و الفطرة ـ في نظر اهل الجمود ـ في قبضة اهل الاعتزال , و في منحصر آرائهم و
مذاهبهم .