توسعه في التفسير - تفسیر والمفسرون فی ثوبه القشیب جلد 1

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسیر والمفسرون فی ثوبه القشیب - جلد 1

محمد هادی معرفت

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

و مـن اهـم
وصاياه (ص ) و الذي جعله اجر رسالته , هو الانضوا تحت لوا اهل البيت
و الاستمساك بعرى وثائقهم مدى الحياة و
قد كان علي (ع ) شاخص هذا البيت الرفيع , فمن كان معه كان مع الحق ,
و مـن دار مـعـه دارمع
الحق , و من حاد عنه حاد عن الاسلام و نبذ وصية الرسول ورا ظهره , و
اعـرض عـن الـحق الصريح
فكيف الثقة به و هو حائد عن الجادة , ضال عن الطريق , فلا يصلح ان
يكون هاديا, و هو لم يهتد السبيل .
الامـر الذي يحفز بنا ان نجعل
من الامام امير المؤمنين (ع ) محورا اساسيا في هذا الحقل , و ميزانا
يـفصل بين الصالح و الطالح من الصحابة
و التابعين ـ الفقها و المفسرين و المحدثين ـ و ليس ذلك منا
بـدعـا, بـعـد ما جعله الرسول (ص ) بابه
الذي منه يؤتى , و سفينة النجاة , و ثاني الثقلين اللذين ما ان
تمسكت
الامة بهما معا (ولن يفترقا حتى يردا عليه الحوض ) لن يضلوا ابدا.
و لسنا ناخذ العلم الا ممن عرفنا
صلاحه و وثقنا بايمانه الصادق تلك وصية امامنا ابي جعفر محمد بن
عـلـي الـباقر(ع ) قال في قوله تعالى :
(فلينظر الا نسان الى طعامه ) ((533)) : ((الى العلم الذي
ياخذه
عمن ياخذه )) ((534)) .
و هكذا ابى بن كعب الانصاري
الخزرجي , هو اول من كتب لرسول اللّه (ص ) عند مقدمه المدينة , و
كان قدلقب بسيد المسلمين , لشرفه و
فضله و علو منزلته في العلم و الفضيلة , كما لقب بسيد القرا,
لـقوله (ص ): ((واقرؤهم
ابى بن كعب )) و كان هو الذي تولى رئاسة لجنة توحيد المصاحف على
عهد عثمان , عند ما عجز القوم الذين
انتدبهم الخليفة لذلك , و لم يكونوا اكفا, حسبما اسلفنا.
و عنه في التفسير الشي الكثير, و الطرق اليه متقنة ايضا.
قـال جلال الدين : و اما ابى
بن كعب , فعنه نسخة كبيرة يرويها ابو جعفر الرازي عن الربيع بن انس
عـن ابـي الـعـالـية
عنه , و هذا اسناد صحيح و قد اخرج ابن جرير و ابن ابي حاتم منها كثيرا, و
كذاالحاكم في مستدركه , و احمد في
مسنده ((535)) .
و ذكـر ابـو الصلاح تقي
الدين الحلبي (374 ـ 447) ابيا و ابن مسعود من الثابتين على ولا آل
بـيت الرسول ,المتخصصين بهم
في العهد الاول بعد وفاة الرسول (ص ) ((536)) , و اضاف : ان ابيا
حاول الاجهار بما يكنه ضميره في
اخريات حياته لولا حؤول الموت ((537)) و قد كان من النفر
الاثني
عشر الذين نقموا على ابي بكر تصديه ولاية الامر دون الامام امير
المؤمنين ((538)) , و
كابد
الامرين على ذاك الحادث الجلل , رافعا شكواه الى اللّه (قال :و الى اللّه
المشتكى ) ((539)) و
قد سمع من سعد بن عبادة ما نطق بما يوجب فرض
ولاية الامام (ع ) ((540)) .
و امـا عـبـد اللّه بن عباس ,
فهو حبر الامة و ترجمان القرآن , و اعلم الناس بالتفسير ـ تنزيله و
تـاويله ـتلميذ الامام امير المؤمنين
(ع ), الموفق و تربيته الخاصة , و قد بلغ من العلم مبلغا قال في
حـقـه الامـام امـيـرالـمـؤمـنـين :
((كانما ينظر الى الغيب من ستر رقيق )) و لا غرو فانه دعا
الـرسـول (ص ) بشانه : ((اللهم فقهه
في الدين و علمه التاويل )), او قوله : (( اللهم علمه الكتاب و
الحكمة )), او: ((اللهم بارك فيه و انشر
منه )) ((541)) .
قال (ص ): ((و لكل شي فارس , و فارس القرآن ابن
عباس )) ((542)) .
ولـد فـي الشعب قبل
الهجرة بثلاث سنين , فحنكه النبى (ص ) و بارك له فتربى في حجره , و بعد
وفاته (ص )كان قدلازم بيت النبوة
و رباه الامام امير المؤمنين (ع ) فاحسن تربيته , و من ثم كان من
الـمتفانين في ولاالامام (ع )و
قد صح قوله : ((ما اخذت من تفسير القرآن فمن على بن ابي طالب ))
هذا في اصول التفسير و اسسه .
و كـان يـراجـع سائر
الاصحاب ممن يحتمل عنده شي من احاديث الرسول و سننه ,مجدا في طلب
الـعـلم مهما كلف الامر فكان
ياتي ابواب الانصار ممن عنده علم من الرسول , فاذا وجد احدهم نائما
كـان ينتظره حتى يستيقظ, و
ربما تسفي على وجهه الريح , و لا يكلف من يوقظه حتى يستيقظ هو
على دابه , فيساله عما يريد و ينصرف ,
و بذلك كان يستعيض عما فاته من العلم ايام حياة النبى (ص )
لصغره ,باستطراق ابواب العلما من صحابته الكبار.
قـيل لطاووس : لزمت هذا
الغلام ـ يعني ابن عباس لكونه اصغر الصحابة يومذاك ـ وتركت الاكابر
من اصحاب
رسول اللّه (ص )؟ قال : اني رايت سبعين رجلا من اصحاب رسول اللّه , اذا تدارؤوافي
امر, صاروا الى قول ابن عباس .
و عـن عـبـيـد اللّه بن على
بن ابي رافع , قال : كان ابن عباس ياتي جدي ابا رافع , فيساله عما صنع
النبي (ص ) يوم كذا, و معه من يكتب له ما يقول .
قـال مـسروق بن الاجدع :
كنت اذا رايت ابن عباس قلت : اجمل الناس , فاذا نطق قلت : افصح الناس ,
فاذا تحدث قلت : اعلم الناس .
و قال ابو بكرة : قدم علينا
ابن عباس البصرة , و ما في العرب مثله حشما, و علما, وثيابا, و جمالا,
و كمالا.
و قـد لـقب حبر الامة ,
و البحر, لكثرة علمه و ترجمان القرآن , و ربانى هذه الامة , لاضطلاعه
بمعاني القرآن ووجوه السنة و الاحكام .
و لـه مـواقـف مشهودة مع امير
المؤمنين (ع ) في جميع حروبه : صفين , و الجمل , و النهروان مات
بالطائف سنة (68) و قد ناهز السبعين , وصلى عليه محمد ابن
الحنفية ((543)) .
روى ابو عمرو محمد بن
عمر بن عبد العزيز الكشي باسناده الى عبد اللّه بن عبد ياليل ـ رجل من
اهـل الـطـائف ـقال : اتينا
ابن عباس (ره ) نعوده في مرضه الذي مات فيه , فاغمي عليه فاخرج الى
صحن الدار, فافاق , و قال كلمته الاخيرة :.
ان رسـول اللّه (ص )
انـبـانـي انـي سـاهجر هجرتين : فهجرة مع رسول اللّه (ص ), و هجرة مع
عـلـي (ع ) و امـرنـي ان ابرا
من خمسة : من الناكثين : و هم اصحاب الجمل , و من القاسطين : و هم
اصـحـاب الشام , و من الخوارج : و
هم اهل النهروان , و من القدرية , و من المرجئة ثم قال : ((اللهم
انـي احـيـا عـلـى مـا حيى عليه
على بن ابي طالب , واموت على ما مات عليه على بن ابي طالب , ثم
مات (ره ))) ((544)) .
و هذا الذي رواه الكشي عن
رجل من اهل الطائف (عبد اللّه بن عبد ياليل ), رواه ابو القاسم على بن
مـحـمدالخزاز الرازي ـ من
وجوه العلما في القرن الرابع ـ في كتابه ((كفاية الاثر)) ـ بصورة
اوسـع ـ , بـاسناده الى عطا,قال :
دخلنا على عبد اللّه ابن عباس و هو عليل بالطائف , في العلة التي
تـوفـي فيها ـ و نحن زها ثلاثين
رجلا من شيوخ الطائف ـ و قد ضعف , فسلمنا عليه و جلسنا, فقال
لـي : يـا عـطـا, مـن الـقوم ؟
قلت : يا سيدي , هم شيوخ هذاالبلد الـطـائفي , و عمارة بن ابي
الاجلح , و ثابت بن مالك فما زلت اعد له واحدا بعد واحد ثم تقدموا اليه ,
فقالوا: يا ابن عم رسول
اللّه , انك رايت رسول اللّه و سمعت منه ما سمعت ,فاخبرنا عن اختلاف هذه
الامة , فقوم قدموا عليا على غيره , و قوم جعلوه بعد الثلاثة ؟.
قـال عـطا: فتنفس ابن
عباس الصعدا, فقال : سمعت رسول اللّه (ص ) يقول : ((على مع الحق و الحق
مـعه , و هوالامام و الخليفة
من بعدي , فمن تمسك به فاز و نجا, و من تخلف عنه ضل و غوى )), و
اخـيـرا قال : و تمسكوابالعروة
الوثقى من عترة نبيكم , فاني سمعته يقول : ((من تمسك بعترتي من
بعدي كان من الفائزين )).
قال عطا: ثم بعد ما تفرق القوم ,
قال لي : يا عطا, خذ بيدي و احملني الى صحن الدار, فاخذنا بيده , انا
و سـعيد,و حملناه الى صحن الدار,
ثم رفع يديه الى السما, و قال : ((اللهم , اني اتقرب اليك بمحمد
و آل محمد, اللهم اني اتقرب
اليك بولاية الشيخ , على بن ابي طالب (ع ))) فما زال يكررها حتى وقع
الى الارض فصبرنا عليه ساعة ثم اقمناه فاذا هو ميت , رحمة اللّه
عليه ((545)) .
و له في فضائل اهل البيت و لا سيما
الامام امير المؤمنين (ع ) اقوال و آثار باقية , الى جنب مواقفه
الحاسمة .
و يكفيك انه من رواة حديث الغدير
الناص على ولاية على بالامر, و مفسرا له بالخلافة و الوصاية
بعدالرسول (ص ), مصرا على ذلك .
اخـرج الـحـافـظ
الـسـجـسـتـانـي بـاسـنـاده الـى ابـن عباس , قال : ((وجبت و اللّه في اعناق
القوم )) ((546)) .
و اما مواقفه بشان الدفاع عن حريم اهل البيت
فكثير ((547)) .
و اخـيـرا فانه هو القائل :
((ان الرزية كل الرزية ما حال بين رسول اللّه (ص ) و بين ان يكتب لهم
ذلك الكتاب حتى بل دمعه الحصى ,الى غير ذلك مما لا
يحصى ((548)) .
الامـر الـذي يـنـبـؤك عن مدى
صلته بهذا البيت الرفيع , و مبلغ ولائه و عرفانه بشان آل الرسول
صلوات اللّه عليهم
اجمعين ((549)) .
و مـن ثم كان الائمة من ذرية
الرسول (ع ) يحبونه حبا جما و يعظمون من قدره و يشيدون بذكره
روى الـمفيد في كتاب الاختصاص
باسناده الى الامام ابي عبد اللّه الصادق (ع ), قال : كان ابي (الامام
ابـوجـعـفر الباقر(ع ))
يحبه (اي ابن عباس ) حبا شديدا و كان ابي , و هو غلام , تلبسه امه ثيابه ,
فينطلق في غلمان بني عبد المطلب ,
فاتاه (اي ابن عباس ) بعد ما اصيب بصره , فقال : من انت ؟ قال : انا
مـحـمد بن على بن الحسين بن علي
فقال : حسبك ,من لم يعرفك فلاعرفك ((550)) , اي يكفي اني
اعرفك من انت .
كـانت
ولادة الامام ابي جعفر محمد بن علي الباقر(ع ), سنة (60) على قول
راجح ((551)) , قبل
واقـعـة الطف (61)بسنة و
قد كف بصر ابن عباس بعد واقعة الطف , لكثرة بكائه على مصائب اهل
الـبـيت (ع )
((552)) و في
رواية : انه كف بصره قبل وفاته بسنة ((553)) , و كانت وفاته عام
(68) و عليه ـ ان صحت الرواية
ـ فقد كانت سن الامام ابي جعفر حينذاك بين السادسة و السابعة .
قال العلامة ـ في
الخلاصة ـ : عبد اللّه بن العباس من اصحاب رسول اللّه (ص ), كان محبا لعلي (ع )
و تـلـمـيـذه ـحاله في الجلالة
و الاخلاص لامير المؤمنين اشهر من ان يخفى و قد ذكر الكشي
احاديث تتضمن قدحا فيه , وهو اجل من ذلك .
و قد حمل السيد ابن
طاووس ـ في التحرير الطاووسي ـ ما ورد في جرحه بعدتضعيف الاسناد ـ
عـلـى الـحسد, قد صدر من
الحاسدين الحاقدين عليه , قال : و مثل حبر الامة ـ رضوان اللّه عليه ـ
موضع ان يحسده الناس و ينافسوه , و يقولوا فيه و يباهتوه .
حسدوا الفتى اذ لم ينالوا فضله ـــــ الناس اعدا له و خصوم .
كضرائر الحسنا قلن لوجهها ـــــ حسدا وبغيا: انه لدميم .
و قد بحث الائمة النقاد عن روايات
القدح , و لا سيما ما قيل بشانه من الهروب ببيت مال البصرة , و
ما ورد من التعنيف لفعله ذلك ,
فاستخرجوا في نهاية المطاف من ذلك دلائل الوضع و الاختلاق بشان
هـذا الـعـبد الصالح الموالي
لال بيت الرسول نعم كان الرجل ممقوتا عند رجال السلطة الحاكمة , لا
سـيـما و كان يجابههم بما يخشون صراحته
و صرامته , و من ثم كان طاغية العرب معاوية الهاوية ,
يـلـعـنه ضمن النفر الخمسة
الذين كان يلعنهم في قنوته ((554)) , و كان ذلك من شدة قنوطه من
رحـمة اللّه التي وسعت كل
شي , انه من قوم غضب اللّه عليهم قديئسوا من الاخرة كما يئس الكفار
من اصحاب
القبور ((555)) .
و لـلـمـولـى محمد تقي التستري
ـ ادام اللّه فضله و البسه ثوب العافية ـ تحقيق لطيف بشان براة
الـرجـل مـن الصاق هكذا تهم مفضوحة ,
و انه لم يزل في خدمة المولى امير المؤمنين (ع ) لم يبرح
الـبـصـرة حـتى قتل الامام (ع )
و كان من المحرضين لبيعة الامام الحسن المجتبى (ع ) و بعد ان تم
الصلح
اضطر الى المغادرة الى بيت اللّه الحرام حتى توفاه اللّه , عليه رضوان
اللّه ((556)) .
و لـسـيدنا الاستاذ العلامة
الفاني ـ رحمة اللّه عليه ـ رسالة وجيزة في براة الرجل , استوفى فيها
الكلام بشانه ,جزاه اللّه خيرا عن الحق و
اهله ((557)) .

توسعه في التفسير

و لم تمض العشرة الاولى
من وفاة الرسول (ص ) الا و نرى ابن عباس قد تفرغ للتفسير و استنباط
مـعـانـي القرآن ((558)) بينما سائر الصحابة كانت قد اشغلتهم شؤون شتى , مما يرجع الى جمع
الـقـرآن او اقرائه , او تعليم السنن
و القضا بين الناس , او التصدي لسياسة البلاد, و ما شاكل و اذا
بابن عباس نراه صارفا همته في فهم القرآن
و تعليمه و استنباط معانيه و بيانه , مستعيضا بذلك عما
فـاتـه ايـام حياة الرسول (ص )
لمكان صغره و عدم كفاته ذلك الحين فكان يستطرق ابواب العلما من
الـصـحابة الكبار, كادا وجادا في طلب
العلم من اهله اينماوجده , و لا سيما من الامام امير المؤمنين
باب علم النبى (ص ), كما لم
يفته عقد حلقات في مسجد النبى (ص )لمدارسة علوم القرآن و معارفه
و نـشـر تـعاليم الاسلام
من افخم بؤرته القرآن و يقال : ((559)) ان ذلك كان بامر من الامام امير
المؤمنين (ع ), و
بذلك فقد تحقق بشانه دعا الرسول : ((اللهم بارك فيه و انشر منه )).
لـكـن بـمـوازاة انـتشار العلم
منه في الافاق , راج الوضع على لسانه , لمكان شهرته و معرفته في
الـتفسير و من ثم فان التشكيك
في اكثر الماثور عنه امر محتمل قال الاستاذ الذهبي : روي عن ابن
عـباس في التفسير ما
لايحصى كثرة , و تعددت الروايات عنه , و اختلفت طرقها فلا تكاد تجد آية
من كتاب اللّه الا و لابن عباس
فيهاقول ماثور او اقوال , الامر الذي جعل نقاد الاثر و رواة الحديث
يقفون ازا هذه الروايات ـ التي جاوزت الحد ـوقفة
المرتاب ((560)) .
قـال جلال الدين السيوطي :
و رايت في كتاب فضائل الامام الشافعي , لابي عبد اللّه محمد بن احمد
بن شاكرالقطان , انه اخرج بسنده
من طريق ابن عبد الحكم , قال : سمعت الشافعي يقول : لم يثبت عن
ابن عباس في التفسير الا شبيه مائة
حديث ((561)) .
و ذكـر ابـن حـجر العسقلاني :
ان البخاري لم يخرج من احاديث ابن عباس , في التفسير و غيره ,
سـوى مـائتـين وسبعة
عشر حديثا, بينما يذكر ان ما خرجه من احاديث ابي هريرة الدوسي , يبلغ
اربعمائة و ستة و
اربعين حديثا ((562)) .
غير ان معرفته الفائقة في التفسير,
و ان الخريجين من مدرسته جعلته في قمة علوم التفسير و هذا
الـمـاثـورالضخم من التفسير
الوارد عنه او عن احد تلامذته المعروفين ـ وهم كثرة عدد نجوم
الـسـمـا ـ لمما يفرض من مقامه
الرفيع في اعلا ذروة التفسير منه يصدر و عنه كل ماثور في هذا
الباب .
و لـقـد كان موضع عناية الامة ,
و لا سيما الكبار و الائمة , من الصحابة و من عاصره و ممن لحقه
عـلـى مـدى الاحـقاب فما
اكثر ما يدور اسمه في كتب التفسير على اختلاف مبانيها و مناهجها, و
متنوع مسالكها و منازعهافي السياسة و المذهب .
قـال الدكتور الصاوي : و لعل في
كثرة ما وضع و نسب اليه آية على تقدير له و اكبارا من الوضاع ,
و رغبة في تنفق بضاعتهم , موسومة بمن في اسمه الرواج
العلمي ((563)) .

منهجه في التفسير

كـان ابـن عـبـاس تلميذ الامام امير
المؤمنين (ع ), و منه اخذ العلم و تلقى التفسير, سوا في اصول
مبانيه ام في فروع معانيه ,
فقد سار على منهج مستقيم في استنباط معاني القرآن الحكيم .
انـه لـم يحد عن منهج السلف
الصالح في تفسير القرآن و فهم معاني كتاب اللّه العزيز الحميد, ذلك
المنهج الذي رست قواعده على اسس قويمة و مبان حكيمة .
و قـد حـدد ابـن عباس معالم
منهجه في التفسير بقوله : ((التفسير على اربعة اوجه : وجه تعرفه
الـعـرب مـن كـلامها, وتفسير
لا يعذر احد بجهالته , و تفسير يعلمه العلما, و تفسير لا يعلمه الا
اللّه )) ((564)) .
و قد فسرته رواية
اخرى عنه : ان رسول اللّه (ص ) قال : ((انزل القرآن على اربعة احرف : حلال
و حرام لا يعذراحد بالجهالة
به , و تفسير تفسره العرب , و تفسير تفسره العلما, و متشابه لا يعلمه
الا
اللّه )) ((565)) .
فـالـقـرآن , فـيه مواعظ و آداب
و تكاليف و احكام , يجب على المسلمين عامة المعرفة بها و العمل
عليها, لانها دستور
الشريعة العام فهذا يجب تعليمه و تعلمه , و لا يعذر احد بجهالته .
و فيه ايضا غريب اللغة و مشكلها,
مما يمكن فهمها و حل معضلها, بمراجعة الفصيح من كلام العرب
الاوائل ,لان القرآن نزل بلغتهم , و على اساليب كلامهم المعروف .
و فـيه ايضا نكات و دقائق عن
مسائل المبدا و المعاد, و عن فلسفة الوجود و اسرارالحياة , لا يبلغ
كنهها و لا يعرفها على حقيقتها غير
اولي العلم , ممن وقفوا على اصول المعارف , و تمكنوا من دلائل
العقل و النقل الصحيح .
و بـقـي مـن المتشابه ما لا
يعلمه الا اللّه , ان اريد به الحروف المقطعة في اوائل السور, حيث هي
رموز بين اللّه ورسوله , لم يطلع اللّه
عليها احدا من العباد سوى النبي و الصفوة من آله , علمهم اياها
رسول اللّه (ص ).
و ان اريـد به ما سوى ذلك مما وقع
متشابها من الايات , فانه لا يعلم تاويلها الا اللّه و الراسخون في
الـعلم , و هم رسول اللّه و العلما
الذين استقوا من منهل عذبه الفرات , لا سبيل الى معرفتها عن غير
طريق الوحي فالعلم به خاص باللّه و من ارتضاه من صفوة خلقه .
و عـلـى ضـؤ هـذا الـتـقـسيم
الرباعي يمكننا الوقوف على مباني التفسير التي استندها ابن عباس
في تفسيره العريض :.
اولا ـ مراجعة ذات القرآن في فهم مراداته . اذ خير دليل على مراد اى متكلم , هي
القرائن اللفظية التي تحف كلامه , و التي جعلها مسانيد نطقه و
بـيـانـه , و قد قيل : للمتكلم ان يلحق
بكلامه ما شا مادام متكلما, هذا في القرائن المتصلة وكثيرا ما
يعتمد المتكلمون على قرائن
منفصلة من دلائل العقل او الاعراف الخاصة , او ينصب في كلام آخر
له مايفسر مراده من
كلام سبق , كما في العموم و الخصوص , و الاطلاق و التقييد, و هكذا.
فلو عرفنا من عادة متكلم اعتماده
على قرائن منفصلة , ليس لنا حمل كلامه على ظاهره البدائي , قبل
الفحص و الياس عن صوارفه .
والقرآن من هذا القبيل , فيه من
العموم ما كان تخصيصه في بيان آخر, و هكذا تقييدمطلقاته و سائر
الصوارف الكلامية المعروفة .
و ليس لاى مفسر ان ياخذ
بظاهر آية ما لم يفحص عن صوارفها وسائر بيانات القرآن التي جات في
غير آية , و لا سيما و القرآن
قد يكرر من بيان حكم او حادثة و يختلف بيانه حسب الموارد, ومن
ثم يصلح كل واحد دليلا و كاشفا لما ابهم في مكان آخر.
و هكذا نرى مفسرنا العظيم ,
عبد اللّه بن عباس , يجري على هذا المنوال , و هو امتن المجاري لفهم
مـعـانـي الـقرآن , و مقدم على سائر الدلائل
اللفظية و المعنوية فلم يغفل النظر الى القرآن الكريم
نـفسه , في توضيح كثيرمن
الايات التي خفي المراد منها في موضع , ثم وردت بشي من التوضيح في
موضع آخر شانه
في ذلك شان سائر المفسرين الاوائل , الذين ساروا على هدى الرسول (ص ).
فـمـن هـذا القبيل ما رواه السيوطي
باسانيده الى ابن عباس , في قوله تعالى : (قالوا ربنا امتنا اثنتين
واحـيـيتنا
اثنتين ) ((566)) قال : كنتم
امواتا قبل ان يخلقكم , فهذه ميتة , ثم احياكم , فهذه حياة , ثم
يـمـيـتـكـم فترجعون الى القبور, فهذه
ميتة اخرى , ثم يبعثكم يوم القيامة , فهذه حياة فهما ميتتان و
حـيـاتـان , فـهـو كقوله تعالى : (كيف
تكفرون باللّه و كنتم امواتا فاحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم
اليه ترجعون ) ((567)) , و هكذا اخرج عن ابن مسعود و ابي مالك و قتادة
ايضا ((568)) .

ثانيا ـ رعايته لاسباب النزول

و لاسـباب النزول دورها
الخطير في فهم معاني القرآن , حيث الايات و السور نزلت نجوما, و في
فـتـرات و شـؤون يـخـتـلف
بعضها عن بعض فاذ كانت الاية تنزل لمناسبة خاصة و لعلاج حادثة
وقعت لوقتها, فانها حينذاك ترتبط معها
ارتباطا وثيقا و لولا الوقوف على تلك المناسبة , لما امكن فهم
مـرامـي الايـة بالذات , فلا
بد لدارس معاني القرآن ان يراعي قبل كل شي شان نزول كل آية آية ,
ويهتم
باسباب نزولها هذااذا كان لنزولها شان خاص , فلا بد من النظر و الفحص .
و هكذا اهتم حبر الامة بهذا الجانب ,
و اعتمد كثيرا لفهم معاني القرآن على معرفة اسباب نزولها,
و كـان يـسـال ويـسـتـقصي
عن الاسباب و الاشخاص الذين نزل فيهم قرآن وسائر ما يمس شان
الـنـزول , و هـذا مـن
امـتـيازه الخاص الموجب لبراعته في التفسير و قد مر حديث اتيانه ابواب
الـصـحـابة يسالهم
الحديث عن رسول اللّه (ص ), ((569)) كان حريصا على طلب العلم و منهوما
لايشبع :.
مـن ذلك ما رواه جماعة
كبيرة من اصحاب الحديث , باسنادهم الى ابن عباس , قال :لم ازل حريصا ان
اسـال عـمـر عن المراتين من
ازواج النبى (ص ) اللتين قال اللّه تعالى بشانهما (ان تتوبا الى اللّه فقد
صـغـت
قـلـوبـكما) ((570)) حتى حج عمر و حججت معه , فلما كان ببعض الطريق عدل عمر
وعدلت معه بالاداوة , فتبرز ثم اتى ,
فصببت على يديه فتوضا, فقلت : يا امير المؤمنين , من المراتان
من ازواج النبى (ص ) اللتان قال
اللّه : (ان تتوبا الى اللّه فقد صغت قلوبكما)؟ فقال : وا عجبا لك يا ابن
عباس ((571)) .
و فـي تفسير القرطبي , قال
ابن عباس : مكثت سنتين اريد ان اسال عمر عن المراتين اللتين تظاهرتا
على النبى (ص ) ما يمنعني الا مهابته , فسالته , فقال : هما حفصة و
عائشه ((572)) .
و لقد بلغ في ذلك الغاية , حتى
لنجد اسمه يدور كثيرا في اقدم مرجع بين ايدينا عن سبب النزول , و
هو سيرة ابن اسحاق التي جا تلخيصها في سيرة ابن هشام .
قال : و كان ابن عباس يقول :
فيما بلغني نزل في النضر بن حارث ثمان آيات من القرآن : قول اللّه عز
وجـل : (اذا تتلى
عليه آياتنا قال اساطير الا ولين ) ((573)) , و كل ما ذكر فيه من الاساطير من
القرآن ((574)) .
قال : و حدثت عن ابن عباس انه
قال ـ و سرد قصة سؤال احبار اليهود النبى (ص )عند مقدمه المدينة
ـ : فانزل اللّه عليه
فيما سالوه عنه من ذلك : (و لو ان ما في الا رض من شجرة اقلام
) ((575)) .
قـال : و انـزل اللّه تـعـالـى
عـلـيـه فـيـمـا سـاله قومه من تسيير الجبال (و لو ان قرآنا سيرت
به الجبال ) ((576)) .
قـال : و انـزل عليه في قولهم :
خذ لنفسك (و قالوا مال هذا الرسول ) ((577)) , و انزل عليه في
ذلـك مـن قـولـهـم :(و مـا ارسـلـنـا
قـبلك من المرسلين الا انهم لياكلون الطعام و يمشون في الا
سـواق ) ((578)) , و كذا في قوله تعالى : (و لا تجهر بصلاتك و لا تخافت
بها) ((579)) : انما
انـزلت من اجل اولئك
النفر ((580)) و هكذا يتابع ذكر اسباب نزول آيات , و في الاكثر يسندها
الى ابن عباس .
و قد برع ابن عباس في هذه
الناحية من نواحي ادوات التفسير, حتى كان يخلص آي القرآن المدني
من المكي فقد سال ابوعمرو
ابن العلا مجاهدا عن تلخيص آي القرآن المدني من المكي , فقال :سالت
ابـن عـباس عن ذلك , فجعل
ابن عباس يفصلها له و هكذا نجد ابن عباس بدوره قد سال ابى بن كعب
عن ذلك ((581)) .
كـما تقصى اسباب النزول فاحسن
التقصي , فكان يعرف الحضري من السفري , و النهاري من الليلي ,
و فـيـم انـزل و فـيـمـن انـزل ,
و مـتـى انـزل و اين انزل , و اول ما نزل و آخر ما نزل , و هلم
جرا ((582)) , مما يدل على براعته و نبوغه في تفسير القرآن .
ثالثا ـ اعتماده الماثور من التفسير المروي . اعتمد ابن عباس في تفسيره على
الماثور عن النبى (ص ) و الطيبين من آله و المنتجبين من اصحابه
و قـد اسـلـفناتتبعه عن آثار
الرسول و احاديثه كان يستطرق ابواب الصحابة العلما, لياخذ منهم ما
حـفـظـوه مـن سنة النبى وسيرته
الكريمة و قد جد في ذلك و اجتهد مبلغ سعيه ورا طلب العلم و
الـفـضـيـلـة , حـتـى بـلـغ
اقـصـاها و قد سئل :انى ادركت هذا العلم ؟ فقال : بلسان سؤول و قلب
عقول ((583)) .
هـو حـيـنـما يقول : ((جل ما تعلمت من التفسير من على بن ابي
طالب (ع ))) ((584)) , او ((ما
اخذت من تفسير القرآن فعن
على بن ابي طالب )) ((585)) , انما يعني اعتماده الماثور من التفسير,
اذا كان الاثر صحيحا صادرا من منبع وثيق .
و هـكـذا عند ما كان ياتي ابواب
الصحابة بغية العثور على اقوال الرسول في مختلف شؤون الدين و
منها الماثور عنه في التفسير, ان ذلك
كله لدليل على مبلغ اعتماده على المنقول صحيحا من التفسير.
فـهـو عند كلامه الانف انما يلقي الضؤ
على تفاسيره بالذات , و انها من النمط النقلي في اكثره , و ان
كان لا يصرح به في الموارد, بعد اعطا تلك الكلية العامة .

رابعا ـ اضطلاعه بالادب الرفيع

لا شـك ان القرآن نزل بالفصحى
من لغة العرب , سوا في مواد كلماته ام في هيئات الكلم و حركاتها
البنائية والاعرابية , اختار الافصح
الافشى في اللغة دون الشاذ النادر و حتى من لغات القبائل اختار
المعروف المالوف بينهم دون الغريب
المنفور فما اشكل من فهم معاني كلماته , لا بد لحلها من مراجعة
الفصيح من كلام العرب المعاصر
لنزول القرآن , حيث نزل بلغتهم و على اساليب كلامهم المالوف .
و هكذا نجد ابن عباس يرجع , عند
مبهمات القرآن و ما اشكل من لفظه , الى فصيح الشعر الجاهلي , و
البديع من كلامهم الرفيع و كان
استشهاده بالشعر انما جاه من قبل ثقافته الادبية و اضطلاعه باللغة
و فـصيح الكلام و في تاريخ
الادب العربي آنذاك شواهد رائعة تشيد بنبوغه و مكانته السامية في
الـعـلـم والادب و ساعده على
ذلك ذكا مفرط و حافظة قوية لاقطة , كان لايسمع شيئا الا و كان
يحفظه بكامله لوقته .
يـروي ابو الفرج الاصبهاني
باسناده الى عمر الركا, قال : بينا ابن عباس في المسجدالحرام و عنده
نـافـع بن الازرق (راس
الازارقة من الخوارج ) و ناس من الخوارج يسالونه , اذ اقبل عمر بن ابي
ربيعة في ثوبين مصبوغين
موردين او ممصرين ((586)) حتى دخل و جلس فاقبل عليه ابن عباس
فقال : انشدنا, فانشده :.
امن آل نعم انت غاد فمبكر ـــــ غداة غد ام رائح فمهجر؟.
حتى اتى على آخرها فاقبل
عليه نافع بن الازرق , فقال : اللّه يابن عباس مـن اقـاصـي البلاد نسالك عن
الحلال و الحرام فتتثاقل عنا, و ياتيك غلام مترف من مترفي قريش
فينشدك :.
رات رجلا اما اذا الشمس عارضت ـــــ فيخزى و اما بالعشى فيخسر فقال : ليس هكذا قال قال : فكيف قال ؟ فقال : قال :.
رات رجلا اما اذا الشمس عارضت ـــــ فيضحى و اما بالعشى فيحصر فـقـال : مـا اراك الا و قـد حفظت
البيت فـانـي اشافانشده
القصيدة حتى اتى على آخرها و ما سمعها قط الا تلك المرة
صفحا ((587)) , و
هذا غاية الذكا.
فقال له بعضهم : ما رايت اذكى
منك قط و كان ابن عباس يقول : ما سمعت شيئا قط الا رويته .
ثم اقبل على ابن ابي ربيعة , فقال : انشد, فانشده :.
تشط غدا دار جيراننا و سكت .
فقال ابن عباس : و للدار بعد غد ابعد فقال
له عمر: كذلك قلت ـ اصلحك اللّه ـ افسمعته ؟ قال : لا, ولكن كذلك
ينبغي ((588)) .
و
هذا غاية في الفطنة و الذكا, مضافا اليه الذوق الادبي الرفيع و هو الذي كان يحفظ خطب الامام
امير المؤمنين (ع ) الرنانة فور استماعها, فكان راوية الامام في
خطبه و سائرمقالاته .
و كـان ذوقـه الادبـي الـرفـيـع
و ثقافته اللغوية العالية , هو الذي حدا به الى استخدام هذه الاداة
بـبـراعـة , حينما يفسرالقرآن
و يشرح من غريب لفظه كان يقول : الشعر ديوان العرب , فاذا خفي
علينا الحرف من القرآن , الذي انزله اللّه
بلغة العرب , رجعنا الى ديوانها, فالتمسنا معرفة ذلك منه .
و اخـرج ابـن الانـبـاري
مـن طريق عكرمة عن ابن عباس , قال : اذا سالتموني عن غريب القرآن ,
فالتمسوه في الشعر, فان الشعر ديوان
العرب ((589)) .
و اخـرج الـطـبري من طريق
سعيد بن جبير ـ في تفسير قوله تعالى : (و ما جعل عليكم في الدين
مـن حـرج ) ((590)) ـ عـن ابـن عباس , و قد سئل عن (الحرج ), قال : اذا تعاجم شي من القرآن
فـانـظروا في الشعر فان الشعر
عربي ثم دعا اعرابيا فقال : ما الحرج ؟ قال : الضيق قال ابن عباس :
صدقت ((591)) .
و كـان اذا سـئل عن القرآن ,
في غريب الفاظه , انشد فيه شعرا قال ابوعبيد: يعني كان يستشهد به
على التفسير.
قـال ابـن الانباري : و قد
جا عن الصحابة و التابعين كثيرا, الاحتجاج على غريب القرآن و مشكله
بالشعر, قال : و انكر جماعة ـ لا علم
لهم ـ على النحويين ذلك , و قالوا: اذا فعلتم ذلك جعلتم الشعر
اصـلا لـلقرآن و ليس الامر
كما زعموا, بل المراد تبيين الحرف الغريب من القرآن بالشعر, لانه
تعالى
يقول :(انا جعلناه قرآنا عربيا) ((592)) , و قال : (و هذا لسان عربي
مبين ) ((593)) .

مسائل ابن الازرق

و
لعل اوسع ما اثر عن ابن عباس في هذا الباب هي مسائل نافع بن الازرق
الخارجي ((594)) , جا
لـيـسـال حبرالامة تعنتا لا تفهما و كان
متقنا للعربية و امير قومه و فقيههم , فحاول افحام مثل ابن
عباس استظهارا لمذهبه .
و القصة كما رواها السيوطي في الاتقان ,
فيها شي من الغرابة , و لعل فيها زيادة و تحريفا, غير انها
على كل حال
تحدد من اتجاه ابن عباس اللغوي في التفسير, و اضطلاعه بالادب الرفيع .
قـال جلال الدين السيوطي :
قد روينا عن ابن عباس كثيرا من استشهاده بالشعر لحل غريب القرآن ,
و اوعـب مـارويناه
عنه مسائل ابن الازرق ـ و ساقها تماما حسب استخراجه من كتاب الوقف لابن
الانباري ,
و المعجم الكبير للطبراني ـ ((595)) و لنذكر منها طرفا:.
قال بينا عبد اللّه بن عباس جالس بفنا
الكعبة , قد اكتنفه الناس يسالونه عن تفسير القرآن , و اذا بنافع
بـن الازرق قال لنجدة بن
عويمر ((596)) : قم بنا الى هذا الذي يجترئ على تفسير القرآن بما لا
عـلـم له به , فاتياه و قالا:نريد
ان نسالك عن اشيا من كتاب اللّه , فتفسرها لنا, و تاتينا بمصادقة من
كلام العرب , فان اللّه
انما انزل القرآن بلسان عربي مبين قال ابن عباس : سلاني عما بدا لكما.
فـسـالـه نـافع عن قوله تعالى :
(عن اليمين و عن الشمال عزين ) ((597)) ؟ قال : العزون : الحلق
الرقاق قال نافع : و هل
تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم , اما سمعت عبيد بن الابرص و هو يقول :.
فجاؤوا يهرعون اليه حتى ـــــ يكونوا حول منبره عزينا.
قال الراغب :
عزون , واحدته عزة , و اصله من : عزوته فاعتزى , اي نسبته فانتسب .
و قـال الـطـبـرسي : عزون ,
جماعات في تفرقة , واحدتهم عزة و انما جمع بالواو و النون , لانه
عوض , مثل سنة وسنون و اصل
عزة عزوة من : عزاه يعزوه , اذا اضافه الى غيره فكل جماعة من
هذه الجماعات مضافة
الى الاخرى ((598)) .
و ساله عن
قوله : (اذا اثمر و ينعه ) ((599)) ؟ قال : نضجه و بلاغه و استشهد بقول الشاعر:.
اذا مشت وسط النسا تاودت ـــــ كما اهتز غصن ناعم النبت
يانع ((600)) .
و سـالـه عـن (الـفـلك
المشحون ) ((601)) ؟ قال : السفينة الموقرة الممتلئة و استشهد بقول ابن
الابرص :.
شحنا ارضهم بالخيل حتى ـــــ تركناهم اذل من
الصراط ((602)) .
و ساله عن
(زنيم ) ((603)) ؟ قال : ولد زنى و استشهد بقول الخطيم التميمي :.
زنيم تداعته الرجال زيادة ـــــ كما زيد في عرض الاديم
الاكارع ((604)) .
قال الراغب : الزنيم : الزائد في القوم
و ليس منهم و هو المنتسب الى قوم هو معلق بهم لا منهم .
و ساله عن (جد
ربنا) ((605)) ؟ قال : عظمة ربنا و استشهد بقول امية بن ابي الصلت :.
لك الحمد و النعما و الملك ربنا ـــــ فلا شي اعلا منك جدا و امجدا.
و كان يبحث عن لغات القبائل
و يترصد اخبارهم , استطلاعا للغريب من الفاظهم الواقعة في القرآن ,
و كـان اذااشكل عليه فهم كلمة
ارجاها حتى يتسمع قول الاعراب ليعثر على معناها, طريقة متبعة
لدى اهل التحقيق .
اخرج الطبري باسناده الى ابن
ابي يزيد قال : سمعت ابن عباس , و هو يسال عن قوله تعالى : (ما جعل
عـليكم في الدين من
حرج ) ((606)) , قال : ما هاهنا من هذيل ((607)) احد؟ فقال رجل :نعم , قال :
ما تعدون الحرجة فيكم ؟ قال : الشي الضيق قال ابن عباس : فهو
كذلك ((608)) .
و اخـرج مـن طـريـق قـتـادة
عـن ابـن عـبـاس , قـال : لـم اكن ادري ما ( افتح بيننا وبين قومنا
بالحق ) ((609)) حتى سمعت ابنة ذي يزن تقول لزوجها: تعال افاتحك , تعني
اقاضيك ((610)) .
و اخـرج ابـوعـبـيـد
فـي الـفضائل من طريق مجاهد عن ابن عباس , قال : كنت لا ادرى ما(فاطر
الـسـمـاوات و الا
رض ) ((611)) حـتـى اتـانـي اعرابيان يختصمان في بئر, فقال احدهما: انا
فطرتها,يقول : انا
ابتداتها ((612)) .
و فـي تفسير الزمخشري ـ عند
قوله تعالى : (انه ظن ان لن يحور) ((613)) ـ : و عن ابن عباس :
ما كنت ادري مامعنى
((يحور)) حتى سمعت اعرابية تقول لبنية لها: حوري , اي ارجعي .
و استشهد الزمخشري بقول لبيد:.
و ما المر الا كالشهاب وضوئه ـــــ يحور رمادا بعد اذ هو
ساطع ((614)) .
و قد جا نفس الاستشهاد في مسائل ابن الازرق
ايضا ((615)) .
و هكذا استطاع بثقافته
اللغوية ان يحيط بلغات القبائل , و يميز عن بعضها البعض .
روي عـنـه في قوله تعالى :
(و كنتم قوما بورا) ((616)) انه قال : البور, في لغة اذرعات الفاسد,
فاما عند العرب فانه لا
شي ((617)) .
و قال
في قوله تعالى : (و انتم سامدون ) ((618)) السمود: الفنا, و هي يمانية .
و في قوله تعالى : (اتدعون بعلا) ((619)) قال : ربا, بلغة اهل اليمن .
و في قوله : (كلا لا وزر) ((620)) قال : الوزر: ولد الولد, بلغة هذيل .
و فـي قـولـه :
(فـي الـكـتـاب مـسـطـورا) ((621)) قال : مكتوبا, و هي لغة حميرية , يسمون
الكتاب اسطورا ((622)) .
بـل نـراه لـم يـقـتصر على الاحاطة
بلغات القبائل , حتى ضم اليها التعرف الى الكلمات الوافدة الى
الـعـربـية من لغات الامم المجاورة
قال في قوله تعالى : (ان ناشئة الليل هى اشد وطئا و اقوم قيلا)
بلسان الحبشة , اذاقام الرجل من الليل قالوا:
نشا ((623)) .
و قال في قوله تعالى : (فرت
من قسورة ) هو بالعربية الاسد, و بالفارسية شار (شير), و بالقبطية
اريا, وبالحبشية
قسورة ((624)) .
هـذا, مـضـافا الى معرفته بداب
سائر الامم و رسومهم , كان يقول في قوله تعالى : (يود احدهم لو
يعمرالف سنة ) هو قول الاعاجم : ((زه , نوروز,
مهرجان حر)) ((625)) .
و عـن تلميذه سعيد بن
جبير: هو قول بعضهم لبعض اذا عطس : زه هزار سال , و في رواية عن ابن
عـبـاس : هـو قـول احـدهـم :
زه هزار سال , يقول : عش الف سنة ((626)) ((زه )) و ((زى ))
بالفارسية بمعنى الدعا بطول العمر, من ((زيستن )) بمعنى الحياة .
اضف الى ذلك معرفته بالتاريخ
و الجغرافية , و ما جرت على جزيرة العرب من حوادث و ايام , و قد
اتـاح لـه حـظا وافرا من هذه الثقافة ,
تنقله في البلاد, بين مكة و المدينة , ثم ولايته على البصرة و
اشـتراكه في غزوة افريقية , بل و
تنقله بين انحا الجزيرة في طلب العلم , اذ كان يهتم الاهتمام كله
بـتـعرف قصة كل اسم او
موطن او موضع جرى له ذكر في القرآن , ان مبهما او صريحا يقول : ((
الاحقاف , المذكور في
الكتاب العزيز: واد بين عمان و ارض مهرة )) و ارض مهرة هي حضرموت
كما جا في كلام ابن اسحاق
و قال قتادة : الاحقاف : رمال مشرفة على البحر بالشحر من ارض اليمن
قال ياقوت : هذه ثلاثة اقوال غير مختلفة في
المعنى ((627)) .
و قال ـ في البحرين ـ : روي
عن ابن عباس : البحرين من اعمال العراق , و حده من عمان ناحية جر
فار, واليمامة على
جبالها ((628)) .
و قال ـ في عرفة ـ : و قال
ابن عباس : حد عرفة من الجبل المشرف على بطن عرنة الى جبالها الى
قصر آل مالك و وادي
عرفة ((629)) .
و قـال ـ فـي تـحـديد جزيرة
العرب ـ : و احسن ما قيل في تحديدها ما ذكره ابو المنذرهشام بن
مـحمد بن السائب الكلبي
مسندا الى ابن عباس , قال : اقتسمت العرب جزيرتها على خمسة اقسام قال :
و انـمـا سـمـيت بلاد
العرب جزيرة , لاحاطة الانهار و البحار بها من جميع اقطارها و اطرافها,
فصاروا منها في مثل الجزيرة من جزائر
البحر ((630)) .
الـى غـيرها من موارد تدلك
على سعة معرفة ابن عباس بالاوضاع و الاحوال التي تكتنفه , شان اي
عالم و محقق خبير.
و بعد فان احاطته باللغة و بالشعر القديم ,
لتدلك على قوة ثقافته البالغة حدا لم يصل اليه غيره , ممن
كان في طرازه ذلك العهد,
الامر الذي جعله بحق زعيم هذا الجانب من تفسير القرآن , حتى لقد قيل
فـي شـانـه : هو الذي ابدع
الطريقة اللغوية في التفسير ((631)) فضلا عن كونه ابا للتفسير في
جميع جوانبه و مجالاته .
و بـذلـك كان قد كشف النقاب
عن وجه كثير من آيات احاطت بها هالة من الابهام ,لولا معرفة سبب
النزول .
مـثـلا نـتـسال : ما هي العلاقة
بين (ذكر اللّه و ذكر الابا) في قوله تعالى : (فاذا قضيتم مناسككم
فـاذكـروااللّه
كـذكـركـم آبـاكم او اشد ذكرا) ((632)) و السياق وارد بشان احكام الحج و
مناسكه ؟.

/ 25