حجية ظواهر الكتاب - تفسیر والمفسرون فی ثوبه القشیب جلد 1

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسیر والمفسرون فی ثوبه القشیب - جلد 1

محمد هادی معرفت

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

امـا الحائد عن طريقة الدين و المخالف لمناهج الشريعة , فانه في قلق من الحياة , يعيش مضطربا قد سلبت راحته كوارث الدهر, يخشى مفاجئتها في كل لحظة و اوان .

و امـا المتكل على اللّه , فهو آمن في الحياة , يداوم مسيرته , فارغ البال في كنفه تعالى (و من يتوكل
عـلـى اللّه فـهـو حـسـبـه ان اللّه بالغ امره ) ((169)) , (الذين آمنوا و تطمئن قلوبهم الا بذكر
اللّه تطمئن القلوب ) ((170)) .

هذا تفسير الدعوة الى ما فيه الحياة , و لعله ظاهر لا غبار عليه .

و امـا قـولـه تعالى ـ بعد ذلك ـ : (واعلموا ان اللّه يحول بين المر و قلبه ) ((171)) فيعلوه غبار
ابـهـام , اذيـبـدو انه تهديد باولئك الحائدين عن جادة الحق , ان سوف يجازون بحيلولة بينهم و بين
انفسهم .

و السؤال : كيف هذه الحيلولة , و ما وجه كونها عقوبة متقابلة مع نبذ احكام الشريعة ؟.

و لـلاجـابـة عـلى هذا السؤال وقع اختلاف عنيف بين اهل الجبر و اصحاب القول بالاختيار, كما
تناوشها كل من الاشاعرة و اهل الاعتزال , كل يجر النار الى قرصه , كما اختلف ارباب التفسيرعلى
وجـوه اوردنـاهـا فـي الـجز الثالث من التمهيد, عند الكلام عن المتشابهات , ضمن آيات الهداية و
الضلال برقم (80).

و الـذي رجـحـنـاه في تاويل الاية , هو معنى غير ما ذكره جل المفسرين , استفدناه من مواضع من
القرآن نفسه :ان هذه الحيلولة كناية عن اماتة القلب , فلا يعي شيئا بعد فقد الحياة .

لا تعجبن الجهول حلته فذاك ميت و ثوبه الكفن .

الاسـلام دعـوة الـى الـحياة , و في رفضها رفض للحياة , تلك الحياة المنبعثة عن ادراكات نبيلة , و
الملهمة للانسان شعورا فى اضا يسعد به في الحياة , و يحظى بكرامته الانسانية العليا.

اما اذا عاكس فطرته و اطاح بحظه , فانه سوف يشقى في الحياة , و لم يزل يسعى في ظلمات غيه و
جـهـلـه (اللّه ولـي الـذيـن آمـنـوا يـخـرجـهـم من الظلمات الى النور و الذين كفروا اولياؤهم
الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات ) ((172)) .

فالانسان التائه في ظلمات غيه قد فقد شعوره , و افتقد كرامته العليا في الحياة , فهذا قد نسي نفسه
و ذهـل عن كونه انسانا, يحسب من نفسه موجودا ذا حياة بهيمية سفلى , انما يسعى ورا نهمه و شبع
بطنه , لا هدف له في الحياة سواه .

و هذا التسافل في الحياة كانت نتيجة تساهله بشان نفسه و اهمال جانب كرامته , وهذا هو معنى قوله
تـعالى : (و نقلب افئدتهم و ابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة ) ((173)) , قال تعالى : (و لا تكونوا
كالذين نسوا اللّه فانساهم انفسهم ) ((174)) .

فـان نـسـيان النفس كناية عن الابتعاد عن معالم الانسانية و الشرف التليد(و لو شئنا لرفعناه بها و
لكنه اخلد الى الا رض و اتبع هواه ) ((175)) .

و قال تعالى : (و السارق و السارقة فاقطعوا ايديهما جزا بما كسبا) ((176)) .

اختلف الفقها في موضع القطع من يد السارق , حيث الابهام في ذات اليد, انها من الكتف ام من المرفق ام
الساعد ام الكرسوع (طرف الزند) ام الاشاجع (اصول الاصابع )؟.

روى ابو النضر العياشي في تفسيره بالاسناد الى زرقان صاحب ابن ابي داود, قاضي القضاة ببغداد,
قـال : اتـي بـسـارق الـى الـمـعتصم و قد اقر بالسرقة , فسال الخليفة تطهيره باقامة الحد, فجمع
الفقهايستفتيهم في اقامة حد السارق عليه , و كان ممن احضر محمد بن علي الجواد(ع ), فسالهم عن
موضع القطع .

فقال ابن ابي داود: من الكرسوع , استنادا الى آية التيمم , حيث المراد من اليد في ضربتيه هو الكف ,
و وافقه قوم و قال آخرون : من المرفق , استنادا الى آية الوضؤ.

فالتفت الخليفة الى الامام الجواد يستعلم رايه , فاستعفاه الامام , فابى و اقسم عليه ان يخبره برايه .

فـقال (ع ): اما اذا اقسمت علي باللّه , اني اقول : انهم اخطاوا فيه السنة , فان القطع يجب ان يكون من
مفصل اصول الاصابع , فيترك الكف .

قال المعتصم : و ما الحجة في ذلك ؟.

قـال الامـام : قـول رسـول اللّه (ص ): الـسـجـود على سبعة اعضا: الوجه و اليدين و الركبتين و
الرجلين , فاذا قطعت يده من الكرسوع او المرفق , لم يبق له يد يسجد عليها, و قد قال اللّه تعالى : (و
ان الـمـسـاجـد للّه ) يـعـنـي بـه هـذه الاعـضـا الـسـبعة التي يسجد عليها (فلا تدعوا مع اللّه
احدا) ((177)) , و ما كان للّه لم يقطع .

فاعجب المعتصم هذا الاستنتاج البديع , و امر بالقطع من الاشاجع ((178)) .

انـظـر الـى هـذه الالـتـفـاتـة الرقيقة , يجعل من آية المساجد, بتاويل ظاهرها (هي المعابد)الى
بـاطـنـها(الشمول لما يسجد به , اي يتحقق به السجود), منضمة الى كلام الرسول في بيان مواضع
السجدة ,يجعل من ذلك كله دليلا على تفسير آية القطع و تعيين موضعه , بهذا النمط البديع .

و قد استظهر(ع ) من الاية ان راحة الكف , و هي من مواضع السجود, كانت للّه , فلا تشملها عقوبة
الحد التي هي جزا سيئة , لا تحل فيما لا يعود الى مرتكبها, فان راحة الكف موضع السجود للّه .

و للاستاذ الذهبي ـ هنا ـ محاولة غريبة يجعل من التفسير بالراي قسمين : قسما جائزا و ممدوحا,
و آخرمذموما غير جائز و حاول تاويل حديث المنع الى القسم المذموم .

قال : و المراد بالراي هنا الاجتهاد, و عليه فالتفسير بالراي عبارة عن تفسير القرآن بالاجتهاد, بعد
مـعـرفـة الـمفسر لكلام العرب و مناحيهم في القول , و معرفته للالفاظ العربية و وجوه دلالتها,
واستعانته في ذلك بالشعر الجاهلي , و وقوفه على اسباب النزول , و معرفته بالناسخ و المنسوخ من
آيات القرآن ,و غير ذلك من الادوات التي يحتاج اليها المفسر.

قـال : و اختلف العلما قديما في جواز تفسير القرآن بالراي , فقوم تشددوا في ذلك و لم يجيزوه , و
قوم كان موقفهم على العكس فلم يروا باسا من ان يفسروا القرآن باجتهادهم , والفريقان على طرفي
نقيض فيما يبدو, وكل يعزز رايه بالادلة و البراهين .

ثـم جعل يسرد ادلة لكل من الفريقين , و يجيب عليها واحدة واحدة باسهاب , و اخيرا قال : و لكن لو
رجعنا الى ادلة الفريقين و حللنا ادلتهم تحليلا دقيقا, لظهر لنا ان الخلاف لفظي , و ان الراي قسمان :
.

قسم جار على موافقة كلام العرب و مناحيهم في القول , مع موافقة الكتاب والسنة , و مراعاة سائر
شروطالتفسير, و هذا القسم جائز لا شك فيه .

و قـسـم غـيـر جـار عـلى قوانين العربية , و لا موافقة للادلة الشرعية , و لا مستوف لشرائ
ط التفسير, و هذا هو موردالنهي و محط الذم ((179)) .

قلت : اما تورع بعض السلف عن القول في القرآن , فلعدم ثقته بذات نفسه وضلة معرفته بمعاني كلام
اللّه امـاالعلما العارفون بمرامي الشريعة , فكانوا يتصدون التفسير عن جراة علمية و احاطة شاملة
لجوانب معاني القرآن .

و امـا الـتـفـسـير بالراي فامر وقع المنع منه على اطلاقه , و ليس على قسم منه , كما زعمه هذا
الاستاذ.

والـذي اوقـعـه فـي هـذا الوهم , انه حسب التفسير بالراي هنا بمعنى الاجتهاد, في مقابلة التفسير
بالماثور, و لا شك من جواز الاجتهاد في استنباط معاني الايات الكريمة ان وقع عن طريقه المالوف .

حجية ظواهر الكتاب

قـد يزعم البعض ان هناك من يرى عدم جواز الاخذ بظواهر كلام اللّه تعالى , حيث ظاهره انيق و باطنه عميق , لايسبر غوره و لا يبلغ اقصاه , و لا سيما بعد كثرة الصوارف عن هذه الظواهر, من
تخصيص و تقييد و نسخ وتاويل .

غيران هذا يتنافى و الامر بالتدبر في آياته , و الحث على التعمق فيها و استخراج للئها.

(افلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها) ((180)) .

(فانما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون ) ((181)) .

(و لقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) ((182)) .

(انا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ) ((183)) .

(قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون ) ((184)) .

(كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا آياته و ليتذكر اولوا الا لباب ) ((185)) .

و قـد رغب النبى (ص ) في الرجوع الى القرآن عند مدلهمات الامور و عرض مشتبهات الاحاديث
عـلـيـه , و هكذاندب الائمة من اهل البيت (ع ) الى فهم الاحكام من نصوص الكتاب , و الوقوف على
رموزه و دقائقه في التعبيرو البيان .

قـال رسـول اللّه (ص ): ((فاذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن , فانه شافع
مـشفع و ماحل مصدق ((186)) و من جعله امامه قاده الى الجنة , و من جعله خلفه ساقه الى النار و
هـو الـدلـيـل يـدل عـلـى خيرسبيل , و هو كتاب فيه تفصيل و بيان و تحصيل , و هو الفصل ليس
بـالهزل ((187)) و له ظهر و بطن , فظاهره حكم وباطنه علم ((188)) , ظاهره انيق و باطنه
عـميق له نجوم و على نجومه نجوم , ((189)) لاتحصى عجائبه و لا تبلى غرائبه ((190)) فيه
مصابيح الهدى و منار الحكمة , و دليل على المعرفة , لمن عرف الصفة ((191)) فليجل جال بصره ,
ولـيـبلغ الصفة نظره ((192)) , ينج من عطب , و يتخلص من نشب ((193)) فان التفكر حياة قلب
البصير, كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور فعليكم بحسن التخلص و قلة التربص ((194)) .

و بهذا المعنى قال الامام ابو عبد اللّه الصادق (ع ):((ان هذا القرآن فيه منار الهدى و مصابيح الدجى
فـلـيـجـل جـال بـصره , و يفتح للضيا نظره فان التفكر حياة قلب البصير, كما يمشي المستنير في
الظلمات بالنور)) ((195)) .

و الـتفكر المندوب اليه هنا هو التعمق في دلائل القرآن و دقائق تعبيره , قال تعالى : (و انزلنا اليك
الذكرلتبين للناس ما نزل اليهم و لعلهم يتفكرون ) ((196)) .

فالتفكر فيه ـ بعد التبيين و البيان ـ هو المندوب اليه , و هي الغاية القصوى من نزول القرآن .

قال الامام الصادق (ع ): ((لقد تجلى اللّه لخلقه في كلامه , و لكنهم لا يبصرون )) ((197)) .

و قال : ((انما القرآن امثال لقوم يعلمون دون غيرهم , و لقوم يتلونه حق تلاوته , و هم الذين يؤمنون
به و يعرفونه )) ((198)) .

قال الامام امير المؤمنين (ع ): ((الا لا خير في قراة لا تدبر فيها)) ((199)) .

و قـال رسـول اللّه (ص ): ((ما انعم اللّه على عبد, بعد الايمان باللّه , افضل من العلم بكتاب اللّه و
المعرفة بتاويله )) ((200)) .

و لـما نزلت الاية (ان في خلق السماوات و الا رض و اختلاف الليل و النهار لايات لاولى الا لباب
الـذين يذكرون اللّه قياما و قعودا و على جنوبهم و يتفكرون في خلق السماوات و الا رض ربنا ما
خـلـقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار) ((201)) قال (ص ):((ويل لمن لاكها بين لحييه ثم لم
يتدبرها)) ((202)) .

و بـعـد, فـنقول : ويل لمن نظر في هذه الايات الكريمة و الاحاديث الماثورة عن اهل بيت الوحي و
الرسالة , و لاكها بين لحييه ثم لم يتدبرها بامعان , فاخذها بالهزل و لم يعتبرها الحكم الفصل .

و ايضا, فان اخبار العرض على كتاب اللّه , خير شاهد على امكان فهم معانيه و الوقوف على مبانيه .

قـال رسـول اللّه (ص ): ((ان عـلـى كل حق حقيقة , و على كل صواب نورا, فما وافق كتاب اللّه
فخذوه , و ما خالف كتاب اللّه فدعوه )).

و خطب بمنى , و كان من خطبته : (( ايها الناس ما جاكم عني يوافق كتاب اللّه فانا قلته , و ما جاكم
يخالف كتاب اللّه فلم اقله )).

و قـال الامـام جعفر بن محمد الصادق (ع ): ((كل شي مردود الى الكتاب و السنة , و كل حديث لا
يوافق كتاب اللّه فهو زخرف )).

و قال : ((اذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب اللّه , او من قول رسول اللّه (ص ), و الا
فالذي جاكم به اولى به )) ((203)) .

و فـي كـثير من ارجاعات الائمة (ع ) اصحابهم الى القرآن , لفهم المسائل و استنباط الاحكام منه ,
لدليل ظاهرعلى حجية ظواهر القرآن , و ضرورة الرجوع اليه .

قـال زرارة بن اعين : قلت لابي جعفر الامام محمد بن علي الباقر(ع ): الا تخبرني من اين علمت و
قلت : ان المسح ببعض الراس و بعض الرجلين ؟.

فـضحك , و قال : يا زرارة , قاله رسول اللّه (ص )و نزل به الكتاب من اللّه , لان اللّه عز و جل قال :
(فاغسلواوجوهكم ) فعرفنا ان الوجه كله ينبغي ان يغسل , ثم قال : (و ايديكم الى المرافق ) فوصل
اليدين الى المرفقين بالوجه , فعرفنا انه ينبغي لهما ان يغسلا الى المرفقين , ثم فصل بين الكلام فقال :
(وامـسحوابرؤوسكم )فعرفنا حين قال : ((برؤوسكم )) ان المسح ببعض الراس , لمكان ((البا))
ثـم وصـل الـرجـلين بالراس , كما وصل اليدين بالوجه , فقال : (و ارجلكم الى الكعبين ) ((204))
فعرفنا حين وصلهما بالراس ,ان المسح على بعضهما.

ثـم قـال : (فلم تجدوا ما فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم و ايديكم منه )فاثبت بعض الغسل
مسحا ((205)) .

فـقد نبه الامام على ان زيادة ((البا)) في مدخول فعل متعد بنفسه لا بد فيها من نكتة لافتة , و ليست
سـوى ارادة الاكـتـفـا بـمجرد مماسة الماسح مع الممسوح , لان البا تدل على الربط و الالصاق , و
الـتكليف يتوجه الى القيدالملحوظ في الكلام فاذا وضع الماسح يده على راسه و امرها عليه , فباول
الامرار يحصل التكليف فيسقط, ولا دليل على الادامة , فالاستيعاب ليس شرطا في المسح .

هكذا نبه الامام على امكان استفادة مثل هذا الحكم التكليفي الشرعي من الاية , بامعان النظر في قيود
الكلام .

و عن عبد الاعلى مولى آل سام , قال : قلت لابي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق (ع ): عثرت فانقطع
ظفري ,فجعلت على اصبعي مرارة , فكيف اصنع بالوضؤ؟.

قـال : يـعـرف هـذا و اشـبـاهـه من كتاب اللّه عز و جل , قال اللّه تعالى :(ما جعل عليكم في الدين
من حرج ) ((206)) امسح عليه ((207)) .

يـعني : ان آية نفي الحرج تدل على رفع التكليف , حيث وجود ضرر او حرج على المكلف , فيجب ان
يفهم ذلك كل مسلم من القرآن ذاته .

و كـذلـك اسـتـدلالات الائمـة (ع ) فـي كـثـير من الموارد, بيات قرآنية , لاثبات مطلوبهم لدى
المخاطبين , ففي ذلك عرض مباشر لشمول فهم القرآن للعموم و قد اتى سيدنا الاستاذ الامام الخوئي
ـ حفظه اللّه ـ بامثلة على ذلك كثيرة , فليراجع ((208)) .

نسبة خاطئة

نـعـم نسب الى جماعة الاخباريين ـ في عصر متاخر ـ ذهابهم الى رفض حجية الكتاب , فلا يصح الاستناد اليه ولا استنباط الاحكام منه , و هي نسبة غير صحيحة على اطلاقها, اذ لم يذهب الى هذا
الـمـذهـب الـغريب احد من الفقها, لا في القديم و لا في الحديث , و لا لمسنا في شي من استناداتهم
الفقهية ما يشي بذلك , بل الامربالعكس .

و لـعل فيما فرط من بعض المتطرفين منهم بصدد المغالاة بشان اهل البيت ـ و موضعهم القريب من
الـقـرآن الـمـجـيد ـ بعض تعابير اوجبت هذا الوهم , و مع ذلك فان له تاويلا, و ليس على ظاهره
المريب .

قال المولى محمد امين الاسترابادي (ت 1033):.

((الـصـواب عندي مذهب قدمائنا الاخباريين و طريقتهم اما مذهبهم فهو ان كل ما يحتاج اليه الامة
الـى يـوم الـقـيـامـة , عـلـيـه دلالة قطعية من قبله تعالى حتى ارش الخدش و ان كثيرا مما جا به
الـنـبى (ص )من الاحكام , و ممايتعلق بكتاب اللّه و سنة نبيه , من نسخ و تقييد و تخصيص و تاويل ,
مـخـزون عـند العترة الطاهرة , و ان القرآن في الاكثر ورد على وجه التعمية بالنسبة الى اذهان
الـرعـيـة ((209)) , و كـذلك كثير من السنن النبوية و انه لا سبيل لنافي ما لا نعلمه من الاحكام
الـنـظرية ((210)) الشرعية , اصلية كانت او فرعية , الا السماع من الصادقين (ع ) و انه لا يجوز
اسـتـنـباط الاحكام النظرية من ظواهر الكتاب و لا ظواهر السنن النبوية , ما لم يعلم احوالهما من
جهة اهل الذكر(ع ), بل يجب التوقف و الاحتياط فيهما)) ((211)) .

و قـال بصدد بيان انحصار مدرك ما ليس من ضروريات الدين من المسائل الشرعية ,اصلية كانت او
فرعية , في السماع عن الصادقين (ع ):.

((الـدلـيـل الـثـاني : حديث الثقلين المتواتر بين الفريقين , اذ معناه : انه يجب التمسك بكلامهم (ع )
ليتحقق التمسك بالامرين و السر فيه انه لا سبيل الى فهم مراد اللّه ((212)) الا من جهتهم , لانهم
عـارفـون بناسخه و منسوخه , والباقي على اطلاقه , و المؤول و غير ذلك , دون غيرهم , خصهم
اللّه و النبي بذلك )) ((213)) .

قلت : ليس في كلامه ـ و لا في كلام من تبعه من الاخباريين المتاخرين ـ ما يشي بترك كتاب اللّه و
ابـعـاده عن مجال الفقه و الاستنباط نعم سوى عدم افراده في الاستناد, و لزوم مقارنته بالماثور من
صحاح الاحاديث الصادرة عن ائمة اهل البيت (ع ).

و لا شـك ان في القرآن اصول التشريع و كلياته , و ايكال التفاصيل الى بيان النبى (ص ) الذي اودع
الـكـثـير من بيانه بشان التشريع الى خلفائه المرضيين , فعندهم ودائع النبوة , و هم ورثة الكتاب و
حملته الى الخلائق .

فلا يجوز افراد الكتاب عن العترة , و لايفترقان حتى يردا على النبى (ص )عندالحوض .

و هـذا هـو مـراد الاسـترابادي ((لا يجوز استنباط الاحكام من الكتاب والسنة النبوية ما لم يعلم
احوالهما من جهة اهل الذكر)), اي بعد الفحص عن الدلائل في كلامهم بشانهما, اما العثور على بيان
منهم , او الياس من التخصيص او التقييد, فعند ذلك يجوز.

و للمولى الكبير محمد بن الحسن الحر العاملي (1033 ـ 1104) بيان مسهب بشان مواضع آل البيت
من القرآن الكريم , و ان لتفسيرهم بالذات مدخلية تامة في فهم معاني الايات , و لا سيما آيات الاحكام
.

و قـد تـوسع في الكلام حول ذلك في فوائده الطوسية (فائدة48 ), كما عقد لذلك ابوابا في كتاب
القضا من كتابه وسائل الشيعة , ذكر فيها ما يقرب من مئتين و عشرين حديثا, قال بشانها:.

((اوردنـا منها ما تجاوز حد التواتر, و هي لا تقصر سندا و لا دلالة عن النصوص على كل واحد
من الائمة , و قدتضمنت انه لا يعلم المحكم و المتشابه , و الناسخ و المنسوخ , و العام و الخاص , و
غـيـر ذلـك الا الائمـة , و انه يجب الرجوع اليهم في ذلك , و انه لا يعلم تفسيره و لا تاويله , و لا
ظـاهـره و لا بـاطـنه غيرهم , و لا يعلم القرآن كما انزل غيرهم , و ان الناس غير مشتركين فيه
كـاشتراكهم في غيره , و ان اللّه انما اراد بتعميته (اي الاجمال والابهام في لفظه ) ان يرجع الناس
فـي تفسيره الى الامام , و انه كتاب اللّه الصامت , و الامام كتاب اللّه الناطق و لايكون حجة الا بقيم
(اي مـن يـقوم بتبيينه و تفسيره ) و هو الامام , و انه ما ورث علمه الا الائمة , و لا يعرف الفاظه و
معانيه غيرهم , و انه لاحتماله للوجوه الكثيرة , يحتج به كل محق و مبطل , و انه انما يعرف القرآن
من خوطب به )) ((214)) .

و ظـاهـر كـلامه هو ظاهر عنوان الباب الذي عقده ابو جعفر محمد بن يعقوب الكليني ,في كتاب
الـحـجة من الكافي الشريف , لبيان : ((انه لم يجمع القرآن كله و لم يحط به علما, ظاهره و باطنه ,
سـوى الائمـة مـن اهـل البيت (ع ), و ان علم المحكم و المتشابه , و الناسخ و المنسوخ , والعام و
الخاص علما كاملا, مودع عندهم , ورثوه من جدهم الرسول (ص ))) ((215)) .

و هذا شي لا ينكر, و لا يجوز الاخذ بظاهر الكتاب , ما لم يرجع الى ما ورد عن الرسول و خلفائه
الـعـلـمـا, فان في كلامهم التبيين و التفصيل لما جا في القرآن من الاجمال و الابهام , في التكليف و
التشريع .

و هـكـذا فـهم معاصره السيد نعمة اللّه الجزائري (1050 ـ 1112) من ظاهر الروايات , و بذلك
جمع بين متعارضاتها.

قـال : ((ذهـب الـمجتهدون ـ رضوان اللّه عليهم ـ الى جواز اخذ الاحكام من القرآن , و بالفعل قد
اخـذوا الاحـكـام مـنـه , و طرحوا ما ظاهره المنافاة او اولوه , و من ثم دونوا كتبا بشان ((آيات
الاحكام )) و استنبطوا منها ما هداهم اليه امارات الاستنباط.

و امـا الاخـبـاريون ـ قدس اللّه ضرائحهم ـ فذهبوا الى ان القرآن كله متشابه بالنسبة الينا, و انه
لايجوز لنا اخذحكم منه , الا من دلالة الاخبار على بيانه .

قـال : حـتـى اني كنت حاضرا في المسجد الجامع من شيراز, و كان استاذي المجتهد الشيخ جعفر
البحراني , وشيخي المحدث صاحب جوامع الكلم ـ قدس اللّه روحيهما ـ يتناظران في هذه المسالة
فانجر الكلام بينهماحتى قال له الفاضل المجتهد: ما تقول في معنى (قل هو اللّه احد) فهل يحتاج في
فـهم معناها الى الحديث ؟فقال : نعم , لا نعرف معنى ((الاحدية )) و لا الفرق بين الاحد و الواحد و
نحو ذلك .

ثـم عـقـبه بكلام الشيخ في التبيان ـ على ما سنذكر ـ و اردفه بتحقيق عن المولى كمال الدين ميثم
الـبحراني , بشان حديث التفسير بالراي و اخيرا قال : و كلام الشيخ اقرب من هذا, بالنظر الى تتبع
الاخبار, و الجمع بين متعارضات الاحاديث و حاصل هذه المقالة : ان اخذ الاحكام من نص القرآن او
ظاهره او فحواه و نحو ذلك ,جائز كما فعله المجتهدون .

قـال : يرشد الى ذلك ما رواه امين الاسلام الطبرسي ـ في كتاب الاحتجاج ـ من جملة حديث طويل
عن الامام امير المؤمنين (ع ) قال فيه :.

((ان اللّه قسم كلامه ثلاثة اقسام : فجعل قسما منه يعرفه العالم و الجاهل , و قسما لا يعرفه الا من
صفا ذهنه ولطف حسه و صح تمييزه و شرح صدره للاسلام , و قسما لا يعرفه الا اللّه و امناؤه و
الراسخون في العلم )) ((216)) .

و اصـرح مـن الجميع كلام الفقيه البارع الشيخ يوسف البحراني (1107 ـ 1186) في موسوعته
الفقهية الكبرى (الحدائق الناضرة ) ذكر اولا الاخبار من الطرفين , ثم عقبها بما حققه شيخ الطائفة
ابـو جعفر الطوسي (385 ـ460) في المقام , و جعله (القول الفصل و المذهب الجزل ) الذي تلقاه
العلما بالقبول , قال : قال الشيخ ابو جعفرالطوسي ـ بعد نقل الروايات المتعارضة و الدلائل المتناقضة
ـ ما ملخصه : ((ان معاني القرآن على اربعة اقسام :.

احدها: ما اختص اللّه تعالى بعلمه فلا يجوز لاحد التكلف فيه و لعل منه الحروف المقطعة في اوائل
السور.

ثـانـيـها: ما يكون ظاهره متطابقا مع معناه , معروفا من اللغة و العرف , لا غبار عليه فهذا حجة على
الجميع , لايعذر احد الجهل به , مثل قوله تعالى : (و لا تقتلوا النفس التي حرم اللّه ) ((217)) .

ثالثها: ما اجمل في تعبيره و اوكل التفصيل فيه الى بيان الرسول , كالاوامر بالصلاة والزكاة و الحج
و الصيام , فتكلف القول فيه ـ من دون مراجعة دلائل الشرع ـ محظور منه .

رابـعـها: ما جا مشتركا محتملا لوجوه فلايجوز البت في تبيين مراده تعالى بالذات , الا بدليل قاطع
من نص معصوم او حديث متواتر)) ((218)) .

و بذلك قد جمع الشيخ بين روايات المنع و دلائل الترخيص , باختلاف الموارد.

قـال الـمـحدث البحراني ـ تعقيبا على كلام الشيخ ـ : ((و عليه تجتمع الاخبار على وجه واضح
المنار)) ((219)) .

قـلـت : فـهـذا شيخ المحدثين و رائد الاخباريين في العصور المتاخرة نراه قد وافق القول مع شيخ
الطائفة و راس الاصوليين بشان التفسير, و الخوض في فهم معاني كلام اللّه العزيز الحميد.

فيا ترى , ما الذي يدعو الى فرض الافتراق في هذا المجال العصيب و الحمد للّه على ما انعم علينا من لمس نعومة الوفاق و ذوق حلاوة الاتفاق .

دلائل مزعومة

لم نجد في كلام من يعتد به من المنتسبين الى الاخبارية احتجاجا يرفض حجية الكتاب , سوى ماجا فـي كـلام غيرهم من حجج مفروضة , و لعله تطوع لهم في تدليل او حدس وهموه بشانهم , و اليك
اهم ما ذكروه :.

1ـ اختصاص فهم معاني القرآن بمن خوطب به .

2ـ احتواؤه على مطالب غامضة , لا تصل اليها افكار ذوي الانظار.

3ـ النهي عن الاخذ بالمتشابه , الشامل للظواهر ايضا, لوجود احتمال الخلاف .

4ـ النهي عن التفسير بالراي , الشامل لحمل اللفظ على ظاهره .

5ـ العلم اجمالا بطرؤ التخصيص و التقييد و المجاز, في كثير من ظواهر القرآن .

6ـ احتمال التحريف و لو بتغيير حرف عن موضعه .

قالوا: انها حجج احتج بها نافو حجية ظواهر القرآن ((220)) .

لـكـن الـمـراجع يجد كلمات من نوهنا عنهم خلوا عن مثل هذا الترصيف الغريب , و لا سيما مسالة
الـتحريف لاتجدها في كلامهم البتة , و انما اوردها صاحب الكفاية تبعا للشيخ في الرسائل , احتمالا
في المقام , من غيرنسبته الى الاخبارية او غيرهم ((221)) .

و العمدة : ان نظر القوم في مسالة حجية الكتاب , انما يعود الى جانب آيات الاحكام التي اكتنفها لفيف
ـ في حجم ضخم ـ من الاحاديث الماثورة بوفرة , حيث جات اصول الاحكام في الكتاب و فروعها في
الاحاديث ,فلا تخلو آية من تلكم الايات الا و حولها روايات عدة .

و في ذلك ـ بالذات ـ يقول الاخباريون , كسائر الفقها الاصوليين : لا يجوز افرادالكتاب بالاستنباط,
بعيدا عن ملاحظة الروايات الواردة بشانها.

و هذا هو مقتضى التمسك بالثقلين : الكتاب و العترة , لا يفترقان بعضهما عن بعض .

نـعـم لا يـتـضايقون القول بجواز مراجعة سائر الايات , بشان فهم معارف الدين و الحكم و الاداب
مـراجـعـة ذاتية ((222)) , اللهم الا اذا وجدت رواية صحيحة صريحة المفاد, فيجب ملاحظتها
ايضا, كما هي العادة المتعارفة عند المفسرين .

منهج القرآن في الافادة و البيان

ان لـلقرآن في افادة معانيه منهجا يخصه , لا هو في مرونة اساليب كلام العامة , و لا هو في صعوبة تعابير الخاصة ,جمع بين السهولة و الامتناع , وسطا بين المسلكين , سهلا في التعبير و الادا, بحيث
يـفـهـمـه كل قريب و بعيد, ويستسيغه كل وضيع و رفيع , و هو في نفس الوقت ممتنع في الافادة
بـمـبـانـيه الشامخة , و الادلا بمراميه الشاسعة , ذلك انه جمع بين دلالة الظاهر و خفا الباطن , في
ظاهر انيق و باطن عميق .

قـال رسـول اللّه (ص ): ((و هـو الـدلـيـل يدل على خير سبيل , و هو كتاب فيه تفصيل و بيان و
تـحـصيل , و هو الفصل ليس بالهزل , و له ظهر و بطن , فظاهره حكم و باطنه علم , ظاهره انيق و
باطنه عميق له نجوم و على نجومه نجوم , لا تحصى عجائبه و لا تبلى غرائبه فيه مصابيح الهدى و
منار الحكمة , و دليل على المعرفة لمن عرف الصفة )) ((223)) .

((فـمـا من آية الا و لها ظهر و بطن )), كما في حديث آخر مستفيض ((224)) , فهناك عبارات
لائحة يستجيد فهمهاالعامة فهما كانت لهم فيه قناعة نفسية كاملة , و لكنها الى جنب اشارات غامضة
كانت للخاصة , فيحلوا من عقدها, و يكشفوا من معضلها, حسبما اوتوا من مهارة علمية فائقة .

و بـذلـك قـد وفـق القرآن في استعمالاته للجمع بين معان ظاهرة و اخرى باطنة , لتفيد كل لفظة
معنيين او معاني متراصة , و ربما مترامية حسب ترامي الاجيال و الازمان , الامر الذي كان قد امتنع
حسب المتعارف العام , فيماقال الاصوليون : من امتناع استعمال لفظة واحدة و ارادة معان مستقلة لكن
القرآن رغم هذا الامتناع نراه قداستسهله , و اصبح منهجا له في الاستعمال .

كان ممن سلف من الاصوليين من يرى امتناع استعمال اللفظ و ارادة معنيين امتناعا عقليا, نظرا الى ان
حقيقة الاستعمال ليس مجرد جعل اللفظ علامة لارادة المعنى , بل جعله وجها و عنوانا له , بل بوجه
نـفـسـه كانه الملقى ,و لذا يسري اليه قبحه و حسنه و عليه فلايمكن جعل اللفظ كذلك الا لمعنى
واحـد, ضـرورة ان لـحـاظه كذلك لايكاد يمكن الا بتبع لحاظ المعنى , فانيا فيه فنا الوجه في ذي
الـوجـه , و الـعـنـوان في المعنون , و معه كيف يمكن ارادة معنى آخر كذلك في استعمال واحد, مع
استلزامه للحاظ آخر غير لحاظه الاول في نفس الوقت هكذاجا في تقرير كلام العلامة الاصولي
الكبير المحقق الخراساني ((225)) .

و جا الخلف ليجعلوا من هذا الامتناع العقلي ممكنا في ذاته , و ممتنعا في العادة ,حيث لم يتعارف ذلك و
لـم يـعـهـد اسـتعمال لفظة و ارادة معنيين مستقلين في المتعارف العام , فالاستعمال كذلك كان خلاف
المتعارف حتى و لو كان ممكنا في ذاته , نظرا لان الاستعمال (استعمال اللفظة و ارادة المعنى ) انما
هـوبمثابة جعل العلامة من قبيل الاشارات و العلائم الاخطارية , فلا مانع عقلا من استعمال علامة
لـغـرض الاخـطارالى معنيين او اكثر, اذا كان اللفظ صالحا له بالذات , فيما اذا كان قد وضع لكلا
المعنيين مشتركا لفظيا, او امكن انتزاع مفهوم عام نعم لم يعهد ذلك في الاستعمالات المتعارفة .

الامـر الـذي اسـتـسـهـلـه الـقـرآن و خـرج عـلـى الـمـتـعـارف , و جـعـلـه جائزا و واقعا
في استعمالاته ((226)) فقد استعمل اللفظة و اراد معناها الظاهري , حسب دلالته الاولى , لكنه في
نفس الوقت صاغ منه مفهوما عاما و شاملا ثانيا, يشمل موارد اخر ليكون هذا المفهوم العام الثانوي هو
الاصـل الـمـقـصـود بـالـبـيان , والضامن لبقا المفاهيم القرآنية عامة و شاملة عبر الايام , و ليست
بالمقتصرة على موارد النزول الخاصة .

و كان المفهوم البدائي للاية , و الذي كان حسب مورد نزولها الخاص , هو معناهاالظاهر, و يسمى بـ
((الـتنزيل )) اما المفهوم العام المنتزع من الاية الصالح للانطباق على الموارد المشابهة , فهومعناها
الـباطن , المعبر عنه بـ ((التاويل )), و هذا المفهوم الثانوي العام للاية هو الذي ضمن لها البقا عبر
الايام .

سئل الامام ابو جعفر محمد بن علي الباقر(ع ) عن الحديث المتواتر عن رسول اللّه (ص ): ((ما من
آيـة الا و لـهـاظهر و بطن )), فقال : ((ظهره تنزيله , و بطنه تاويله , منه ما قد مضى و منه ما لم
يجئ , يجري كما تجري الشمس والقمر, كلما جا شي منه وقع )) ((227)) .

و قال : ((ظهرالقرآن : الذين نزل فيهم , و بطنه : الذين عملوا بمثل اعمالهم )) ((228)) .

و اضاف (ع ): ((و لو ان الاية اذا نزلت في قوم , ثم مات اولئك القوم , ماتت الاية , لما بقي من القرآن
شي , ولكن القرآن يجري او له على آخره ما دامت السماوات و الارض , و لكل قوم آية يتلونها هم
منها من خير اوشر)) ((229)) .

نعم كان العلم بباطن الاية , اي القدرة على انتزاع مفهوم عام صالح للانطباق على موارد مشابهة , خاصا
بالراسخين في العلم , و ليس يفهمه كل احد حسب دلالة الاية في ظاهرها البدائي .

و الـخلاصة : ان لتعابير القرآن دلالتين : دلالة بالتنزيل , و هو ما يستفاد من ظاهر التعبير, و دلالة
اخـرى بـالـتـاويل , و هو المستفاد من باطن فحواها, و ذلك بانتزاع مفهوم عام صالح للانطباق على
الموارد المشابهة عبرالايام اذن اصبح القرآن ذا دلالتين : ظاهرة و باطنة , الامر الذي امتاز به على
سائر الكلام .

مـثـلا آية الانفاق في سبيل اللّه , نزلت بشان الدفاع عن حريم الاسلام , فكان واجبا على المسلمين
الـقيام بهذاالواجب الديني , لياخذوا باهبة الامر و يعدوا له عدته , و منها بذل الاموال فضلا عن بذل
الـنفوس هذا شي كان واجبا على عامة المكلفين انفسهم كل حسب امكانه , هذا ما يفهم من ظاهر الاية
البدائي .

اما الفقيه النابه فيستفيد من الاية شيئا اوسع , يشمل كل ضرورات الدولة القائمة على اساس العدل , و
احيا كلمة اللّه في الارض , فيجب بذل المال في سبيل تثبيت دعائم الحكم العادل والتشييد من مبانيه ,
فيجب دفع الضرائب المالية حسبما يقرره النظام , مستفادا من الاية الكريمة في باطن فحواها, اخذا
بالتاويل حسب المصطلح .

و هـكـذا الـمستفاد من آية خمس الغنائم , وجوب دفع الخمس في مطلق الفوائد وارباح المكاسب ,
حسبما فهمه الامام الصادق (ع ) من الاية , اخذا بعموم الموصول , و اطلاق الغنيمة على مطلق الفائدة .

و في القرآن من هذا القبيل الشي الكثير, الامر الذي ضمن للقرآن بقاه مع الخلود.

و جـهة اخرى : ان للقرآن لغته الخاصة به , شان كل صاحب اصطلاح , فللقرآن اصطلاحه الخاص ,
يستعمل الفاظا و تعابير في معان ارادها بالذات , من غير ان يكون في اللغة او في سائر الاعراف دليل
يـدل عـلـيـه , لانـه من اصطلاحه الخاص و لا يعرف الا من قبله و من ثم كان القرآن ينطق بعضه
ببعض , و يشهد بعضه على بعض , كماجا في كلام الامام امير المؤمنين (ع ) ((230)) .

ان فـي الـقـرآن تـعابير كثيرة لاتكاد تدرك معانيها الا اذا سبرت القرآن سبرا و فحصته فحصا,
لتعرف مفاهيمها التي اصطلح عليها القرآن من القرآن ذاته , و ليس من غيره اطلاقا.

هـكـذا ذهب سيدنا العلامة الطباطبائي (قدس سره ) الى ان الدلالة على مفاهيم القرآن , انما هي من
ذات الـقـرآن , ولـيـس مـن خارجه ابدا, لانه تبيان لكل شي , و حاشاه ان لا يكون تبيانا لنفسه , فان
الـقرآن يفسر بعضه بعضا وهذا هو اصل التفسير المعتمد, و قد بنى تفسيره في الميزان على هذا
الاساس ((231)) .

مـثـلا: لـفظة ((الاذن )) في الاستعمال القرآني , جا بمعنى : امكان التداوم في التاثيرالحاصل وفق
مـشـيـئة اللّه و ارادتـه الـخـاصـة , اي تـداوم الافـاضـة مـن قـبله تعالى , حيث التاثير في عالم
الـتـكوين ,موقوف على اذنه تعالى , بان يفيض على عامل التاثير خاصيته التاثيرية , حالة التاثير, اي
يـديمها و لا يقطع افاضته عليه حينذاك , و الا لما امكن لعامل التاثير ان يؤثر شيئا(و ما تشاؤون الا
ان يـشـا اللّه رب الـعالمين ) ((232)) تلك ارادته تعالى الحادثة , هي التي امكنت للاشيا تاثيرها و
تـاثـرها في عالم الطبيعة , ولولاها لماامكن لعامل طبيعي ان يؤثر شيئا في عالم الوجود, و هذا هو
المراد من تداوم افاضته تعالى في عالم التكوين .

قال تعالى : (و ما هم بضارين به من احد الا باذن اللّه ) ((233)) فلولا اذنه تعالى , اي تداوم افاضة
ـامكان التاثير من قبله تعالى ـ لما امكن لسحرهم ان يؤثر شيئا.

و ذلك نظرا لان عوامل التاثير في عالم الوجود, انما هي متاثرة ـ في امكان تاثيرها ـ بتاثيره تعالى ,
اذ لا مـؤثـرفي الوجود الا اللّه , حيث الممكنات باسرها فقيرات في ذوات انفسها, فكما انها بذاتها
محتاجة الى افاضة الوجود عليها, كذلك اثرها في عالم الطبيعة امر ممكن , و محتاج لافاضة الوجود
عـليه ففور ارادة التاثير يجب تداوم افاضة امكان التاثير عليه حتى يتمكن من التاثير( والبلد الطيب
يخرج نباته باذن ربه ) ((234)) اي بامكان التاثير الحاصل من قبله تعالى .

و هـذا هـو مـعنى ((الاذن )) في التكوين , حسب المصطلح القرآني , مستفادا من قوله تعالى : (و ما
تشاؤون الا ان يشا اللّه ) ((235)) .

و قد داب القرآن على اسناد الافعال الصادرة في عالم الوجود كلها الى اللّه , سوا اكان فاعلها فاعلا
ارادياكالانسان و الحيوان , ام غير ارادي كالشمس و القمر, و ليس ذلك الا من جهة انه المؤثر في
تحقق الافعال مهماكانت , اختيارية ام غير اختيارية انه تعالى هو الذي اقدر الاشيا على فعل الافعال ,
و امدهم بالقوى , و افاض عليهم الاقدار بصورة مستديمة .

قال تعالى : (و نقلب افئدتهم و ابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة ) ((236)) اي انقلبت اهواؤهم و
ابصارهم , و هم الذين اوجبوا هذا القلب .

و هكذا قوله : (ختم اللّه على قلوبهم و على سمعهم و على ابصارهم غشاوة ) ((237)) بدليل قوله
تعالى : (و قالوا قلوبنا غلف بل لعنهم اللّه بكفرهم فقليلا ما يؤمنون ) ((238)) .

قـال تـعـالـى : (و نـقلبهم ذات اليمين و ذات الشمال ) ((239)) اي تتقلب اجسادهم ذات اليمين و
ذات الشمال , غير ان هذا التقلب كان باذنه تعالى , فصح اسناد الفعل اليه .

و لفظة ((القلب )) في القرآن الكريم , يعني : شخصيه الانسان الباطنة , ورا شخصيته هذه الظاهرة ,
و هـي الـتـي كـانـت منبعث ادراكاته النبيلة , و احاسيسه الكبرى الرفيعة , المتناسبة مع شخصيته
الانسانية الكريمة (ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب او القى السمع و هو شهيد) ((240)) .

(يا ايها الذين آمنوا استجيبوا للّه و للرسول اذا دعاكم لما يحييكم و اعلموا ان اللّه يحول بين المر
و قلبه و انه اليه تحشرون ) ((241)) .

الـمراد ب ((القلب )) في هذه الاية , هي شخصية الانسان الكريمة اذا ما تمرد الانسان على قوانين
الشريعة , فانه يصبح بهيمة لايعرف من الانسانية شيئا (نسوا اللّه فانساهم انفسهم ) ((242)) .

و لـفظة ((المشيئة )) في القرآن , مصطلح خاص يراد بها الارادة الحادثة المنبعثة عن مقام حكمته
تعالى , و ليست مطلق الارادة .

فقوله تعالى : (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشا و تنزع الملك ممن تشا وتعز من تشا و تذل من
تشا بيدك الخير انك على كل شي قدير) ((243)) .

كـان الـمـقـصود: المشيئة وفق الحكمة , فيؤتى الملك من اقتضت حكمته تعالى , و ينزع الملك ممن
اقتضت حكمته .

و هـكـذا (نـرفـع درجـات مـن نـشا) ((244)) , اي من تقتضيه حكمتنا ان نرفعه , اي من كانت
المقتضيات متوفرة في ذات نفسه , فالاقتضا انما هو في ذاته , فهو محل صالح لهذه العناية الربانية , و
ليس اعتباطا اوترجيحا من غير مرجح , حيث الحكمة هي وضع الاشيا في مواضعها.

و الـدلـيـل عـلـى ذلـك , تـذييل الاية بقوله : (ان ربك عليم حكيم ) فالحكيم لا يشا شيئا الا ما كان
وفق حكمته , و ليس مطلق المشيئة .

و الـتـعـابير من هذا القبيل كثيرة في القرآن , و انما هي مصطلحات قرآنية , لا تعرف الامن قبله ,
ليكون القرآن هوالذي يفس ر بعضه بعضا.

/ 25