(90) و الـحـسن البصري (110)و الربيع بن انس (139) و مقاتل بن سليمان (150) و عطا بن
ابـي سـلـمـة الخراساني (135) ومرة بن شراحيل الهمدانى (76) و علي بن ابي طلحة الوالبي
(143) و مـحمد بن كعب القرظي (119) و ابي بكر الاصم عبدالرحمان بن كيسان , و اسماعيل
بن عبد الرحمان السدي الكبير(127) و عكرمة مولى ابن عباس (105) وعطية بن سعد بن جنادة
العوفي (111) و عطا بن ابي رباح (114) و عبد اللّه بن زيد بن اسلم (164).و من المبرزين في التابعين , الحسن , و مجاهد, و سعيد بن جبير ثم يتلوهم عكرمة و الضحاك .قـال : و هذه تفاسير القدما المشهورين , و غالب اقوالهم تلق وها من الصحابة و لعل اختلاف الرواية
عن احمدانما هو فيما كان من اقوالهم و آرائهم ((1176)) .قـلـت : ان اريـد التعبد باقوالهم , فلا و لعل المانعين يريدون ذلك و لكنا ذكرنا ان اعتبار آرائهم و
نـظـراتهم انما كان لاجل تقدمهم و كونهم اقرب عهدا الى نزول الوحي و اصفى ذهنا لفهم معانيه و
كان الرجوع اليهم لاجل التمحيص و النقد لا التعبد المحض .و من ثم اهتم القدما بضبط تفاسيرهم و جمعها و تهذيبها و سار على منهاجهم المتاخرون و لا يزال .قـال الـحـافـظ ابـو احـمـد ابـن عـدى : لـلـكلبي ((1177)) احاديث صالحة , و خاصة عن ابي
صـالـح ((1178)) , و هـو معروف :بالتفسير, و ليس لاحد تفسير اطول منه و لا اشيع فيه و بعده
مقاتل بن سليمان (150) الا ان الكلبي يفضل عليه .ثم بعد هذه الطبقة الفت تفاسير تجمع اقوال الصحابة و التابعين , كتفسير سفيان بن عيينة (198) و
وكيع بن الجراح (196) و شعبة بن الحجاج (160) و يزيد بن هارون (206) و المفضل بن صالح
(181)وعـبـد الـرزاق بـن هـمـام الصنعاني (211) و اسحاق بن ابراهيم المعروف بابن راهويه
(238) و روح بـن عبادة (205) و يحيى بن قريش , و مالك بن سليمان الهروي , و عبد بن حميد
بـن نـصر الكشي (249) و عبد اللّه بن الجراح (237) وهشيم بن بشير (283) و صالح ابن
محمد اليزيدي , و علي بن حجر بن اياس السعدي (244) و يحيى بن محمد ابن عبد اللّه الهروي ,
و عـلـي بـن ابي طلحة (143) و ابن مردويه احمد بن موسى الاصبهاني (401) وسنيد بن داود
(220) و الـنـسـائي , و غـيـرهم و وقع في مسند احمد بن حنبل و البزار و معجم الطبراني و
غيرهم ,كثيرمن ذلك ثم ان محمد بن جرير الطبري ((1179)) جمع على الناس اشتات التفاسير,
و قرب البعيد, و كذلك عبدالرحمان بن ابي حاتم الرازي , و اضرابهم ((1180)) .قال جلال الدين السيوطي : و كتاب ابن جرير الطبري اجل التفاسير واعظمها, ثم ابن ابي حاتم , و
ابـن ماجة , والحاكم , و ابن مردويه , و ابو الشيخ بن حيان , و ابن المنذر, في آخرين و كلها مسندة
الى الصحابة و التابعين واتباعهم , وليس فيها غير ذلك , الا ابن جرير, فانه يتعرض لتوجيه الاقوال
و ترجيح بعضها على بعض , والاعراب و الاستنباط, فهو يفوقها بذلك .ثم قال : فان قلت : فاى التفاسير ترشد اليه , و تامر الناظر ان يعول عليه ؟.قـلت : تفسير الامام ابي جعفر ابن جرير الطبري , الذي اجمع العلما المعتبرون على انه لم يؤلف في
التفسير مثله قال النوري ـ في تهذيبه ـ : كتاب ابن جرير في التفسير لم يصنف احد مثله .قال : و قد شرعت في تفسير جامع لجميع ما يحتاج اليه , من التفاسير المنقولة , والاقوال المقولة , و
الاسـتنباطات , و الاشارات , و الاعاريب , و اللغات , و نكت البلاغة , و محاسن البدائع و غيره , ذلك
بـحـيث لا يحتاج معه الى غيره اصلا, وسميته بمجمع البحرين و مطلع البدرين و هو الذي جعلت
هذا الكتاب (الاتقان ) مقدمة له واللّه اسال ان يعين على اكماله , بمحمد و آله ((1181)) .و هـكـذا ذكـر في مقدمة الاتقان : انه جعله مقدمة للتفسير الكبير الذي شرع فيه , و سماه بمجمع
البحرين و مطلع البدرين , الجامع لتحرير الرواية و تقرير الدراية ((1182)) .لـكـنـه لـم يـذكر انه اتمه و اخرجه للنشر ام لا ((1183)) و الظاهر انه لم يتمه , اذ لا اثر له
اطلاقا نعم اخرج كتابه ((الدرالمنثور في التفسير بالماثور)) حافلا باقوال الصحابة و التابعين و
اتـبـاعهم , مستوعبا و مستقصيا كل ما ورد بذلك من نقول و روايات و بذلك كان اجمع كتاب في هذا
الباب (التفسير النقلي ) و ليس فيه شي من تقرير الدراية اصلا و قد اصبح بذلك مخزنا كبيرا يجمع
فـي طيه من كل رطب و يابس , و الاعتبار فيها انما هو بذكر السند, وهو المعيار لتمييز الصحيح
عن السقيم عند العلما.و قـال احـمـد بـن عـبـد الـحليم : اذا لم تجد التفسير في القرآن و لا في السنة ,و لا وجدته عن
الصحابة , فقد رجع كثير من الائمة في ذلك الى اقوال التابعين :.كـمـجـاهـد بن جبر, فانه كان آية في التفسير, كما قال محمد بن اسحاق : حدثنا ابان بن صالح عن
مـجاهد قال :عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته الى خاتمته , اوقفه عند كل
آيـة مـنـه و اساله عنها وقال : ما في القرآن آية الا و قد سمعت فيها شيئا و عن ابن ابي مليكة قال :
رايت مجاهدا يسال ابن عباس عن تفسير القرآن و معه الواحه , فيقول له ابن عباس : اكتب حتى ساله
عن التفسير كله و لهذا كان سفيان الثوري يقول : اذا جاك التفسير عن مجاهد فحسبك به .و كـسعيد بن جبير, و عكرمة , و عطا بن ابي رباح , و الحسن البصري , و مسروق بن الاجدع , و
سعيد بن المسيب , و ابي العالية , و الربيع بن انس (139) البصري الخراساني و قتادة , و الضحاك
بن مزاحم , و غيرهم , من التابعين و تابعيهم و من بعدهم ((1184)) .و قـال : اعـلـم الناس بالتفسير اهل مكة , لانهم اصحاب ابن عباس , كمجاهد, و عطابن ابي رباح , و
عـكـرمـة , و غيرهم من اصحاب ابن عباس كطاووس , و ابي الشعثا, وسعيد بن جبير و امثالهم و
كـذلك اهل الكوفة من اصحاب ابن مسعود, و من ذلك ما تميزوا به على غيرهم وعلما اهل المدينة
فـي الـتـفـسـيـر, مـثـل زيـد بـن اسـلـم (136) الـذي اخـذ عـنـه التفسير مالك , و كذا ابنه
عبدالرحمان ((1185)) .و عد السيوطي من مبرزي التابعين مجاهدا, قال خصيف : كان اعلمهم بالتفسير, و لهذا على تفسيره
الشافعي والبخاري و غيرهما من اهل العلم ـ كما قال ابن تيمية ـ و كان غالب ما اورده الفريابي في
تفسيره عنه .و مـنـهـم سـعيد بن جبير قال الثوري : خذوا التفسير من اربعة : عن سعيد بن جبير, و مجاهد, و
عـكرمة , و الضحاك وقال قتادة : كان اعلم التابعين اربعة : كان عطا بن ابي رباح اعلمهم بالمناسك , و
كان عكرمة اعلمهم بالسير, وكان الحسن اعلمهم بالحلال و الحرام , و كان اعلمهم بالتفسير سعيد
بن جبير.و منهم عكرمة مولى ابن عباس قال الشعبي : ما بقي اخد اعلم بكتاب اللّه من عكرمة و كان ابن عباس
يجعل في رجليه الكبل , يعلمه القرآن و السنن .و مـنـهـم الحسن البصري , و عطا بن ابي رباح , و عطا بن ابي سلمة الخراساني , ومحمد بن كعب
القرظي , و ابو العالية , و الضحاك , و عطية , و قتادة , و زيد بن اسلم , و مرة الهمداني , و ابو مالك .و يـلـيـهـم الـربيع بن انس , و عبد الرحمان بن زيد بن اسلم , ((1186)) في آخرين فهؤلا قدما
المفسرين , و غالب اقوالهم تلقوها عن الصحابة .ثم بعد هذه الطبقة الفت تفاسير تجمع اقوال الصحابة و التابعين , كتفسير سفيان بن عيينة , و وكيع بن
الـجـراح , و شعبة بن الحجاج , و يزيد بن هارون , و عبد الرزاق , و آدم بن ابي اياس , و اسحاق بن
راهـويـه , و روح بـن عـبـادة , و عـبـد بـن حـمـيـد, و سـنـيـد, و ابـي بكر ابن ابي شيبة و
آخرين ((1187)) .هذا و قد تعلل بعضهم في اعتبار ما ورد من تفاسير التابعين , اذ ليس لهم سماع من رسول اللّه (ص )
فـهي من آرائهم , و يجوز عليهم الخطا كما لم ينص على عدالتهم كما نص على عدالة الصحابة فقد
نقل عن ابي حنيفة انه قال : ما جا عن رسول اللّه , فعلى الراس و العين , و ما جا عن الصحابة تخيرنا,
و ما جا عن التابعين فهم رجال و نحن رجال .وقال شعبة بن الحجاج : اقوال التابعين ليست حجة , فكيف تكون حجة في التفسير؟ و قد عرفت عن احمد روايتين , احداهما بالقبول , و الاخرى بالرفض .قـال الاستاذ الذهبي : و الذي تميل اليه النفس , هو ان قول التابعي في التفسير لا يجب الاخذ به , الا
اذا كان مما لامجال للراي فيه , فانه يؤخذ به حينئذ عند عدم الريبة فان ارتبنا فيه , بان كان ياخذ من
اهـل الـكتاب , فلنا ان نترك قوله و لا نعتمد عليه اما اذا اجمع التابعون على راي فانه يجب علينا ان
ناخذ به و لا نتعداه الى غيره ((1188)) .قلت : ان كان اريد التعبد باقوال التابعين و التسليم لارائهم فهذا لا وجه له , و لا مبرر لذلك , فانهم ـ
كما قال ابوحنيفة ـ رجال و نحن رجال .لـكـن مـقصود البحث غير ذلك , و انما هو الاعتبار العقلاني , بالنظر الى اسبقيتهم و اقربيتهم الى
منابع الوحي ومهبط التنزيل , و امس بجوانب الشريعة , و اقرب تناولا الى اعتاب اعلام الصحابة و
الائمـة الـهـداة , كـما نبهنافضلاعن انهم اعرف بمواضع اللغة و اساليب العرب الفصحى ممن نزل
القرآن بلغتهم و على اساليب كلامهم المعروف .فكانت آراؤهم و نظراتهم المستنبطة من اصول متينة , المستقاة من مناهل صافية و ضافية , من خير
الـوسائل السليمة لفهم معاني القرآن الكريم فهي بالاستعانة بها و الاستفادة منها اقرب منها الى التعبد
و التقليد.و قـد عـرفـت ان جل التابعين من متخرجي مدارس الصحابة الاولين كعبد اللّه ابن مسعود, و ابن
عـباس , الذي كان هذا بدوره متخرجا من مدرسة الامام امير المؤمنين (ع ) فجملة علومهم و اصول
معارفهم مستندة الى منابع اصيلة منتهية الى مصدر الوحي الامين الامر الذي يجعل الفرق واضحا بين
من كان شانهم هذا, و بين من كان مستقى علمه بعيد المنال , ينتهي اليه بوسائط كثيرة , و في جهد بليغ
كـمـا هـي حالتنا الحاضرة بالنسبة الى حالة التابعين , و هم على مشارف المنابع الاولى يستقون منها
بالمباشرة , و عن متناول قريب .وعلى اى حال , فان اجتهاد من كانت المنابع في متناوله القريب , اصوب واسد وابين طريقا, ممن كان
على مراحل من منابع الاجتهاد و لا اقل من كون اجتهاد السابقين دلائل تنير الدرب لاجتهاد اللاحقين
الامر الذي لا ينبغي انكاره .
ميزات تفسير التابعي
يمتاز التفسير في عهد التابعين بمميزات , تفصلها عن تفاسير الصحابة من وجوه :. اولا: الـتـوسع فيه فقد تعرض التابعون لمختلف ابعاد التفسير, و خاضوا معاني القرآن , من مختلفالجهات والمناحي بينما كان تفسير الصحابة مقتصرا على جوانب محدودة من اللغة , و شان النزول ,
و بـعض المفاهيم الشرعية , لرفع ما ابهم على الناس من هذه الجهات فحسب فقد خطا تفسير التابعي
خطوات اوسع و في جوانب اكثر.و مـن ثـم فان التفسير في هذا العهد, يشمل جوانب الادب و اللغة في ابعاد مترامية و هكذا التاريخ
لامم سالفة , وامم معاصرة مجاورة لجزيرة العرب , تاريخ حياتهم و بلادهم , على ما وصلت اليهم من
اخـبـارهـم و حتى بعض لغاتهم و ثقافاتهم , مما يمس جانب القرآن و هكذا دخل في التفسير بحوث
كـلامـية نشات ذلك العهد, و ارتبطت مع كثير من آي القرآن بعض الربط كيات الصفات والمبدا و
المعاد و ما شابه .و قـد اخـذ هذا التوسع بازدياد مطرد, و في ابعاد مستجدة كلما توسعت العلوم والمعارف , و ازداد
الـتعرف الى آداب و ثقافات كان يملكها امم يدخلون في دين اللّه افواجا, و معهم علومهم و معارفهم ,
يحملونها و يجعلونهافي خدمة الاسلام والمسلمين , و كانت لم تزل تتسع مع اتساع رقعة الاسلام .و لا يـزال حـجـم الـتفسير يتضخم , حيث و فرة العلوم و المعارف المساعدة لحل قسط وافر من
مـشـاكـل غـامـضة مما تحتضنه كثير من آيات كونية او لافتة الى خبايا اسرار الوجود و للعلم و
الفلسفة في جميع مناحيهما حظهماالاوفر في هذا المجال .ثانيا: تشكله و ثبته ثم تدوينه .كـان الـتـفسير على عهد الصحابة كحاله في عهد الرسالة , منتثرا على افواه الرجال , ومبثوثا بين
اظـهـرهـم , مـحـفـوظا في الصدور لقصر خطاه و قرب مداه و مقتصرا على بضع كلمات لبضع
آيات ,كانت خافية المفاد, او مبهمة المراد حينذاك .امـا و كـونه منتظما رتيبا, و مثبتا ذا تشكيل و تدوين فهذا قد حصل او اخذ في الحصول على عهد
التابعين وتابعي التابعين كان احدهم يعرض القرآن من بدئه الى الختم , على شيخه يقرؤه عليه , يقف
لدى كل آية آية يساله عنها و يستفهمه معانيها, او يستعلم منه مقاصدها و مراميها, و لا يجوزها حتى
يـدونها في سجل , او يثبتهافي دفتر او لوح , كان يحمله معه و هكذا اخذ التفسير, يتشكل و يتدون
ذلك العهد.قال مجاهد: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث مرات , اقف عند كل آية , اساله فيم انزلت , و كيف
نزلت قال ابن ابي مليكة : رايت مجاهدا يسال ابن عباس عن تفسير القرآن , و معه الواحه فيقول له ابن
عباس : اكتب حتى ساله عن التفسير كله و من ثم قيل : اعلمهم بالتفسير مجاهد ((1189)) .و كـان ابـن عـباس يجتهد في تربية عكرمة مولاه , فرباه فاحسن تربيته , و علمه فاحسن تعليمه ,
حتى اصبح فقيها, و اعلم الناس بالتفسير و معاني القرآن ((1190)) .ولـقـتادة كتاب في التفسير, و ربما كان كبير الحجم ضخما فقد استخدمه الخطيب البغدادي , كما
استخدمه الطبري في اكثر من ثلاثة آلاف موضع من تفسيره ((1191)) .و هـكـذا لـجـابـر بـن يـزيـد الـجـعـفي ((1192)) و الحسن البصري ((1193)) و ابان بن
تغلب ((1194)) و زيدبن اسلم ((1195)) و غيرهم كتب معروفة في التفسير و علوم القرآن .قـال عـادل نويهض : ابان بن تغلب , مقرئ جليل , مفسر, نحوى , لغوي , محدث , من اهل الكوفة وثقه
احـمـد و ابـن مـعين و ابو حاتم خرج له مسلم و الاربعة من آثاره ((معاني القرآن )) و ((غريب
القرآن )) و لعله اول من صنف في هذا الموضوع توفي سنة (141) ((1196)) .و سنذكر في فصل قادم , بد التدوين في التفسير, الامر الذي تحقق منذ عهد التابعين .و ثـالثا: النظر و الاجتهاد كانت هي ميزة كبرى حظي بها عهد التابعين , ان قام عديد من كبار العلما
ذاك الـعـهد,فاعملوا النظر في كثير من مسائل الدين , و منها مسائل قرآنية , كانت تعود الى : معاني
الـصـفـات , و اسـرار الخليقة ,و احوال الانبيا والرسل , و ما شاكل فكانوا يعرضونها على شريعة
العقل , و يحاكونها وفق حكمه الرشيد, وربما يؤولونها الى ما يتوافق مع الفطرة السليمة .و اول مدرسة اخذت في الاجتهاد و اعمال النظر لاستنباط معاني القرآن , مدرسة مكة , التي اشادها
الـصـحابي الجليل تلميذ الامام امير المؤمنين (ع ) الموفق , عبد اللّه بن عباس و كان متخرجوا هذه
الـمدرسة هم الذين اسسوا بنيان الاجتهاد في التفسير و على يدهم شاعت و ذاعت طريقة الاجتهاد
في مناحي الشريعة المقدسة ,على الاطلاق .ثم مدرسة الكوفة , تاسست على يد عبد اللّه بن مسعود, و تخرجت منها علما افذاذ, اصحاب نظر و
اجـتـهـاد واصبحت مدرسة الكوفة بعدئذ معهد الدراسات الاسلامية , يقصدها رواد العلم من جميع
اطـراف البلاد, حيث محط جل الصحابة , و لا سيما بعد مهجر الامام امير المؤمنين (ع ) فقد ارتحل
الـيـهـا العلم برمته , و اخذت مجامع الكوفة تحتضن الكبار من علما الاسلام يومذاك و عليهم دارت
رحى العلم و فاضت ينابيع المعارف الى ارجاالبلاد.و لـم تـدم مـدرسـة مـكة طويلا, و اخذت بالافول بعد وفاة صاحبها و مؤسسهاعام (68) و تفرق
متخرجيها و انتشارهم في اكناف الارض فقد ارتحلوا الى خراسان و مصر و الشام و سائرالديار.غير ان مدرسة الكوفة اخذت تزدهر و تزداد صيتا و نشاطا مع تقادم الايام .و هاتان المدرستان هما الاساس لنشر العلم و بث المعارف بين العباد, و ان كانت احداهما اخذت في
الاندثار,بينما الاخرى استمرت في الازدهار و التوسع و الانتشار.و اكثر العلما التابعين بل الغالبية الساحقة , هم المتخرجون من هاتين المدرستين .فـكـان لهما الفضل الكبير على الامة , في تثقيفهم و التنشيط في السعي ورا العلم والمعرفة و يعود
الـفـضـل فـي ذلـك الـى الـصـحـابـيين الجليلين : ابن عباس و ابن مسعود, و على راسهما الامام
اميرالمؤمنين (ع ).هـذا مـجـاهـد بـن جـبـر, مـتـخـرج مـدرسـة ابـن عـبـاس , و قد اجمعت الامة على امامته و
الاحتجاج بكلامه ((1197)) .رمـي بـحـرية الراي في التفسير, و ان شئت فقل : حظي بقوة الفهم و حدة النظر و وفور العقل و
الذكا.نعم حيث كانت عقلية الجمود, هي الساطية على غوغا الناس حينذاك , كان توجيه هكذا تهم الى امثال
هؤلاالافذاذ, يبدو طبيعيا في ظاهر الحال .قيل له : انت الذي تفسر القرآن برايك ؟ مبانيه وطرائق استنباط معانيه ) عن بضعة عشر رجلا من اصحاب النبي (ص ).نعم كان مجاهد يحمل ذهنية متحررة عن قيود الاوهام , و عقلية واعية تمكنه من ادراك الحقائق و
لمسها في واقع امرها, دون الاقتصار على الظاهر و الاقتناع بالقشور.انه كان يعرض الاي القرانية ـ لغرض فهم معانيهاـ على المتفاهم العام من الالفاظ والكلمات , ثم على
مباني الشريعة و شواهد التاريخ و نحوها مما كان متعارفا لفهم المعاني لدى العرف العام لكن من غير
ان يـقـتـنـع بـذلـك , حتى يعرضها على فهم العقل و توافق الفطرة , من غير ان يختفي عنه شي من
الشواهدو دقائق الكلام .قـال ـ فـي تفسير قوله تعالى : (فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ) : ((1198)) لم يمسخوا قردة , و
انما هو مثل ضربه اللّه , كما قال : (كمثل الحمار يحمل اسفارا) ((1199)) قال : انه مسخت قلوبهم ,
فجعلت كقلوب القردة , لا تقبل وعظا و لا تتقي زجرا ((1200)) .و قـد تكلمنا عن تفسيره هذا لهذه الاية , في ترجمته السالفة , و ذكر اوجه ترجيحه وكلام السلف
و علما المفسرين بشانه .و قال ـ في تفسير قوله تعالى : (ربنا انزل علينا مائدة من السما تكون لنا عيدا لاولنا وآخرنا و آية
مـنـك ) ـ ((1201)) قـال : مـثـل ضـرب لـم ينزل عليهم شي قال ابو جعفر الطبري : قال قوم : لم
يـنزل على بني اسرائيل مائدة , فقال بعضهم : انما هذا مثل ضربه اللّه تعالى لخلقه نهاهم به عن مسالة
نبى اللّه الايات ثم اسند ذلك الى مجاهد ((1202)) .و عـند تفسير قوله تعالى : (وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة ) ((1203)) , قال : تنتظر الثواب
من ربهاقيل له : ان اناسا يقولون : انه تعالى يرى , فيرون ربهم : فقال : لا يراه من خلقه شي ((1204))
.قال الاستاذ الذهبي : ان مثل هذا التفسير عن مجاهد, اصبح متكئا قويا للمعتزلة فيما بعد, فيما ذهبوا
اليه من مذاهب عقلية .قـلـت : لـيس مجاهد وحده ممن فتح باب الاجتهاد و النظر في مفاهيم القرآن , بل كان يرافقه ـ ذلك
الـعـهـد ـ كـثـير من ارباب العقول الراجحة , ممن سماهم اللّه تعالى (اولي الا لباب ), و هم وفرة
في اصحاب النبي (ص ) و التابعين لهم باحسان و في هذا التاليف تنويه بجلة من اعلامهم .كـمـا ان المعتزلة ليسوا هم وحدهم ـ ممن تبعوا طريقة العقل الرشيد, و نبذوا الجمودفي الراي
ورا الـظـهور ففيما عدى السلفيين الحفاة الجفاة و اذنابهم الاشاعرة العراة , خلق كثير و زرافات
من الامة المرحومة , واكبوا اهل الاعتزال او سبقوهم في هذا المضار, و لا يزال .و من الموصوفين بحرية الراي و الاجتهاد في التفسير, عكرمة مولى ابن عباس , الذي رباه فاحسن
تـربـيـتـه وعـلـمـه فـاحـسـن تـعـلـيمه , حتى اصبح من الفقها و اعلم الناس بالتفسير و معاني
القرآن ((1205)) .كـان يـرى مـسـح الارجل في الوضؤ مستفادا من الكتاب , كما فهمه شيخه ابن عباس و يرفض ما
استظهره سائرالفقها و يخطؤهم في استظهار الخلاف ((1206)) .و هـكـذا فـي الـمـسـح عـلـى الـخفين كان ينكره اشد الانكار كان يقول : ((سبق الكتاب المسح
عـلـى الـخـفين )) ((1207)) يعني : ان الكتاب جا بالمسح على الارجل اما المسح على الخفين فامر
حادث , لا يجوز ترك القرآن بذلك .امـا الـقوم فكانوا يرون المسح على الخفين ناسخا للمسح على الارجل ذكر الجصاص ان ابا يوسف
كان يرى ان سن ة المسح على الخفين نسخت آية المسح على الارجل ((1208)) .و زيـد بـن اسـلم مولى عمر, الفقيه المفسر,برع حتى اصبح من كبار التابعين المرموقين كانت له
حـلـقـة في مسجدالمدينة يحضرها جل الفقها و ربما بلغوا اربعين فقيها له تفسير يرويه عنه ولده
عـبد الرحمان قال ابن حجر:اخذ العلم من جماعة , منهم علي بن الحسين زين العابدين (ع ) , و عده
ابـو جـعفر الطوسي من اصحاب الامام السجاد قال : كان يجالسه كثيرا له رواية عن الامامين الباقر
والصادق (ع ).و قـد اخـذ عليه حريته في الراي و الاجتهاد, على خلاف مذهب الاحتياط والوقوف لدى الماثور
قـال حماد:قدمت المدينة و هم يتكلمون في زيد بن اسلم فقال لي عبيد اللّه بن عمر: ما نعلم به باسا
الا انه يفسر القرآن برايه والمعروف عن اهل المدينة انهم اصحاب وقف و احتياط ((1209)) .هـذا و قد راج التفسير العقلي فيما بعد, و لا سيما عند المعتزلة و من حذا حذوهم في تقديم العقل
على ظاهرالنقل .هـذا ابو مسلم محمد بن بحر الاصفهاني (255 ـ 344) قد وضع تفسيره على اساس من التفكير
الـصـحـيح وفق ما يرتضيه الدين الاسلامي الحنيف , من نبذ التقليد و التمسك بعرى التحقيق (افلا
يـتـدبـرون الـقـرآن ام عـلـى قـلـوب اقـفالها) (و انزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم و
لعلهم يتفكرون ) ((1210)) .هو عند ما يفسر قوله تعالى : (قال رب اجعل لي آية قال آيتك ان لا تكلم الناس ثلاثة ايام الا رمزا و
اذكـر ربك كثيرا و سبح بالعشي و الا بكار) ((1211)) بان زكريا لما طلب من اللّه تعالى آية تدله
عـلى حصول العلوق (انعقاد النطفة في رحم زوجه ) قال : آيتك ان لا تكلم , اي تصير مامورا بان لا
تـتـكـلم ثلاثة ايام بلياليها مع الخلق (اي اذا جاك الامر بذلك , فاعلم ان الحمل بيحيى قد تحقق عند
ذلك ) اي تكون مشتغلا بالذكر و التسبيح و التهليل , معرضا عن الخلق و الدنيا, شاكرا للّه تعالى على
اعـطـا مـثل هذه الموهبة فان كانت لك حاجة , دل عليها بالرمز فاذا امرت بهذه الطاعة فاعلم انه قد
حصل المطلوب .يقول الامام الرازي بشانه ـ و هو اشعري يخالفه في المذهب ـ : ((و هذا القول عندي حسن معقول
و ابو مسلم حسن الكلام في التفسير, كثيرالغوص على الدقائق و اللطائف )) ((1212)) .هـذه شـهادة راقية من اكبر علم من اعلام التحقيق في الفلسفة و الكلام , بشان المع شخصية بارزة ,
مارس عقله و شاور لبه عند تفهم القرآن , ممن نبذ التقليد و اخذ في التدقيق .و انت اذا قارنت هذا التفسير لهذا الموضع بالذات , مع سائر التفاسير التي عرضهاالقوم , تجد الفرق
بائنا و البون شاسعا.ذكـر ابو جعفر الطبري : ان عدم التكلم هناكان عن عجز, سلبه اللّه القدرة على الكلام , فيما سوى
الـتـسبيح والتحميد و ذلك تمحيصا له من هفوته و خطا قيله في سؤاله الاية قيل : انه لما سمع ندا
الملائكة يبشرونه بيحيى جاه الشيطان من فوره و قال له : يا زكريا, ان الصوت الذي سمعت ليس من
عـنـد اللّه , انـمـا هـو الـشـيـطـان يسخر بك قالوا: فشك زكريا في مكانه , و قال : (انى يكون لى
غـلام ) ((1213)) و مـن ثم طلب من اللّه ان يجعل له آية , يرتفع بها شكه , فعاتبه اللّه على مسالته
تلك و انه لا ينبغي لنبى ان يشك .قـال الطبري ـ فيما رواه ـ : انما عوقب بذلك , لان الملائكة شافهته مشافهة بذلك ,فبشرته بيحيى ,
فـلـمـا سـال الايـة بـعـد كـلام الـمـلائكـة مـشافهة , اخذ اللّه عليه بلسانه , فكان لا يقدر على
الكلام الاايما ((1214)) .وقـال الـقـرطبي : لما بشر بالولد و لم يبعد عنده هذا في قدرة اللّه , طلب آية يعرف بها صحة هذا
الامر, و كونه من عند اللّه , فعاقبه اللّه بان اصابه السكوت عن كلام الناس , لسؤاله الاية بعد مشافهة
الـمـلائكـة ايـاه ((1215)) و هـكذااكثر المفسرين من اصحاب النقل في التفسير كابن كثير و
اضرابه ((1216)) .غـير ان ارباب التحقيق رفضوا تلك النقول المنافية لاصول العقيدة الاسلامية , و لاسيما فيما يمس
جانب عصمة الانبيا و صيانتهم عن امكان غلبة الشيطان على مشاعرهم .قـال الـشيخ محمد عبده : و من سخافات بعض المفسرين , و التي لا تليق بمقام الانبيا(ع ) زعمهم ان
زكـريا(ع ) اشتبه عليه وحي الملائكة و نداؤهم , بوحي الشياطين , و لذلك سال سؤال التعجب , ثم
طلب آية للتثبت روى ابن جرير فيما روى : ان الشيطان هو الذي شككه في ندا الملائكة , و قال له :
انه من الشيطان .قـال : و لـولا الجنون ((1217)) بالروايات مهما هزلت و سمجت , لما كان لمؤمن ان يكتب مثل هذا
الـهـز و الـسخف الذي ينبذه العقل , و ليس في الكتاب ما يشير اليه و لو لم يكن لمن يروي مثل هذا
الاهـذا, لـكفى في جرحه , و ان يضرب بروايته على وجهه فعفا اللّه عن ابن جرير, اذ جعل هذه
الرواية مما ينشر.ثـم فـسـر الايـة وفق ما فسرها ابو مسلم : (قال رب اجعل لي آية ) اي علامة تتقدم هذه العناية و
تؤذن بها(قال آيتك ان لا تكلم الناس ) اي تترك ذلك مختارا لتفرغ لعبادة اللّه ((1218)) .و هـكـذا فـي قـصة ابراهيم الخليل و الطيور الاربعة : (قال فخذ اربعة من الطير فصرهن اليك
ثم اجعل على كل جبل جز ثم ادعهن ياتينك سعيا) ((1219)) .قـال الـرازي : اجمع اهل التفسير على ان المراد: قطعهن غير ابي مسلم فانه انكر ذلك , و قال : ان
ابـراهـيـم (ع ) لـمـاطـلـب احـيا الميت من اللّه تعالى اراه اللّه مثالا قرب اليه الامر, و المراد ب
((فـصرهن اليك )) : الامالة و التمرين على الاجابة , اي فعود الطيور الاربعة ان تصير بحيث اذا
دعـوتـهـا اجابتك و اتتك , فاذا صارت كذلك فاجعل على كل جبل واحدا حال حياته ثم ادعهن ياتينك
سـعـيا و الغرض منه ذكر مثال محسوس في عود الارواح الى الاجساد على سبيل السهولة و انكر
القول بان المراد منه : فقطعهن .قال : و احتج على مذهبه بوجوه :.الاول : ان المشهور في اللغة في قوله ((فصرهن )): املهن اما التقطيع و الذبح فليس في الاية ما يدل
عليه فكان ادراجه في الاية الحاقا لزيادة بالاية لم يدل الدليل عليها, و انه لا يجوز.الثاني : انه لو كان المراد ب ((صرهن )) : قطعهن , لم يقل : ((اليك )), فان ذلك لا يتعدى بالى , و انما
يـتعدى بهذا الحرف اذا كان بمعنى الامالة فان قيل : لم لا يجوز ان يقال في الكلام تقديم و تاخير, و
الـتقدير: فخذ اليك اربعة من الطير فصرهن ؟ قلنا: التزام التقديم و التاخيرمن غير دليل ملجئ الى
التزامه خلاف الظاهر.و ايضا الضمير في ((ياتينك )) عائد اليها لا الى اجزائها, و على قولكم : اذا سعى بعض الاجزا الى
بعض كان الضمير في ((ياتينك )) عائدا الى اجزائها لا الى الطيورانفسها ((1220)) .ثـم ان الامـام الـرازي يذكر حجج المشهور رادا على ابي مسلم و قد نقلها صاحب تفسير المنار و
ضعفها, و ايدمذهب ابي مسلم في تفسير الاية في شرح و تفصيل , ثم قال :.و جـمـلة القول : ان تفسير ابي مسلم لهذه الاية هوالمتبادر الذي يدل عليه النظم , و هو الذي يجلي
الـحـقـيقة في المسالة و اخذ في تقريب ذلك و اخيرا قال : و للّه در ابي مسلم , ما ادق فهمه و اشد
استقلاله فيه ((1221)) .و هذه ايضا شهادة بشان ابي مسلم من اكبر علما التفسير في العصر الاخير.هـذا و لامـثـال ابي مسلم مواقف مشرفة تجاه سائر المفسرين الظاهريين كانت نوافذ قلوب امثاله
متفتحة ,يسيرون في ضؤ العقل و على مناهج التفكير المتين ((1222)) .و هـذا ان دل فـانما يدل على مدى قوة الاجتهاد و دوره المجيد في تفسير القرآن الكريم , و الذي
فـتح بابه بمصراعين , نبها السلف الصالح ايام الصحابة والتابعين , و استمرت طريقتهم الحميدة , سنة
حسنة متبعة حتى اليوم .قـال الرازي في تفسير قوله تعالى : (هو الذي خلقكم من نفس واحدة و جعل منها زوجهاليسكن اليها
فـلـما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به , فلما اثقلت دعوا اللّه ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من
الشاكرين فلما آتاهما صالحا جعلا له شركافيما آتاهما, فتعالى اللّه عما يشركون ) ((1223)) .قـال ـ بـعـد ايـراد اشكال و اعتراضات على ظاهر الاية ـ : اذا عرفت هذا فنقول : في تاويل الاية
وجوه صحيحة سليمة خالية عن هذه المفاسد:.الاول : فـما ذكره القفال ((1224)) , انه تعالى ذكر هذه القصة على تمثيل ضرب المثل , و بيان ان
هذه الحالة هي صورة حالة هؤلا المشركين في جهلهم و قولهم بالشرك .قال : و تقرير هذا الكلام , كانه تعالى يقول : هو الذي خلق كل واحد منكم من نفس واحدة , و جعل من
جـنسهازوجها انسانا يساويه في الانسانية فلما تغشى الزوج زوجته و ظهر الحمل , دعا الزوج و
الـزوجة ربهما لئن آتيتنا ولدا صالحا سويا لنكونن من الشاكرين فلما آتاهما اللّه ولدا صالحا سويا,
جعل الزوج والزوجة للّه شركا فيما آتاهما, لانهما تارة ينسبون ذلك الولد الى الطبائع كما هو قول
الـطـبائعيين , و تارة الى الكواكب كماهو داب المنجمين , و تارة الى الاصنام والاوثان كما هو قول
عبدة الاصنام .ثم قال الرازي : و هذا جواب في غاية الصحة و السدادثم ذكر بقية الوجوه فراجع ((1225)) .و قـد حمل العلامة جار اللّه الزمخشري آية عرض الامانة على السماوات والارض (الاحزاب :
72) على ضرب من التمثيل ثم قال : و نحو هذا من الكلام كثير في لسان العرب , و ما جا القرآن الا
على طرقهم و اساليبهم من ذلك قولهم : لوقيل للشحم : اين تذهب ؟ لقال : اسوي العوج و كم و كم لهم
من امثال على السنة البهائم والجمادات ((1226)) .و يـروي ابـن كثيرـ في تفسير قوله تعالى : (الم تر الى الذين خرجوا من ديارهم و هم الوف حذر
الـمـوت فقال لهم اللّه موتوا ثم احياهم ) ((1227)) باسناده الى ابن جريج عن عطا ـ قال : هذامثل
يعني انها ضرب مثل لا قصة وقعت ((1228)) .رابعا: رواج الاسرائيليات في هذا العهد.فـفي هذا الدور دخل كثير من الاسرائيليات في التفسير, و ذلك لكثرة من دخل من اهل الكتاب , في
الاسـلام فـي هذا العهد بالذات , و كان لا يزال عالقا باذهانهم من الاقاصيص و اساطير اسلافهم , ما
يـعـود الـى بـد الخليقة و اسرار الوجود و بدالكائنات و اخبار الامم الخالية و احاديث الانبيا, و
كثيرمن القصص الاسطورية التي جات في التوارة , و سائر الكتب السالفة .و كـانـت الـنـفوس ميالة لسماع تفاصيل ما جا اجمالها في القرآن الكريم , و لا سيما فيما يعود الى
احـداث يـهـودية او نصرانية , مما جا في العهدين فكان المسلمون يستمعون الى اقاصيص هؤلا, و
يصغون مسامعهم الى تلكم الاساطير.و قـد تـساهل التابعون ـ رغم مناهي النبي (ص ) و اصحابه الكرام ـ فزجوا في التفسير بكثير من
هـذه الاسـرائيليات , بدون تحر و تمحيص و اكثر من روى عنه ذلك من مسلمي اهل الكتاب : عبد
اللّه بن سلام , وكعب الاحبار, و وهب بن منبه , وعبد الملك بن جريج و اضرابهم .الامـر الـذي يـؤخذ على التابعين مساهلتهم هذه , كما هو ماخوذ على من جا بعدهم ,و سارعلى نفس
المنوال من غير روية و تحقيق ((1229)) .و سوف نستعرض هذه الناحية عرضا موسعا, عند الكلام عن اسباب الوهن في التفسير بالماثور, و
ان الروايات التفسيرية غير نقية , هي بحاجة الى تنقيح .
منابع التفسير في عهد التابعين
كان التلقي في التفسير هوالعنصر الاولى , و الاداة المفضلة لفهم كتاب اللّه تعالى , ذلك العهد, اذ كان التابعون يسيرون في اثر الصحابة و كانوا تربيتهم بالذات , فانتهجوا منهجهم بطبيعة الحال غير انهماخذوا بالتوسع والتفتح الى آفاق واسعة الارجا, حسب توسع رقعة الاسلام و دخول الاقوام في دين
اللّه افـواجا, و معهم علومهم و آدابهم و ثقافاتهم , كما نبهنا فازداد التبصر و التفتح الى آفاق اوسع ,
و التطلع الى ارجا ابعد.و لا شك , انه كلما ازداد علم الرجل و تنوعت ثقافاته و ترامت معارفه , فانه يزداد تبصره و يتوسع
تفكيره وتفهمه للامور, مهما كان نمطها,و ايا كان نسجها.و بعد فيمكننا تنويع المصادر التي كان التابعون يعتمدونها لفهم معاني كلام اللّه تعالى و تبيين مقاصده
و مرامينه ,الى الامور التالية :.اولا: مـراجـعـة الـكتاب نفسه , حيث القرائن و الدلائل في كلام اى متكلم , خير شهود على كشف
مـراده والـوقوف على مرامه و هكذا القرآن ينطق بعضه ببعض و يشهد بعضه على بعض , كما قال
الامام امير المؤمنين (ع )ثانيا: ملاحظة ما تلقوه من اقوال الصحابة و احاديث رسول اللّه (ص ) بشان
تبيين معاني الكتاب .حيث الاسئلة حول لفيف من معاني القرآن كانت كثيرة على عهده (ص ).و كان عليه البيان , كما كان عليه البلاغ و من تلك الاسئلة و اجوبتها كانت وفرة وفيرة مدخرة على
ايدي الصحابة يؤدونها الى الذين اتبعوهم باحسان .و قد تقدم حديث مسروق بن الاجدع , و وصفه لعلوم الاصحاب المتلقاة من النبي الكريم .ثـالـثا: مراعاة اسباب النزول و المناسبات المستدعية لنزول آية او آيات او سورة ونحوها, حيث
كانت في متناولهم القريب , و هم الذين نقلوها الينا فيما نقلوه من الاثارو الاخبار.وحـيـث كـانـت الايـات النازلة بشانها, ناظرة الى جوانب و خصوصيات تحتضنها تلك الحوادث و
الـمـناسبات , فانها بدورها تصبح خير دلائل على رفع كثير من الابهام الوارد في الفاظ تلكم الايات
بـالـذات و كـان اصـحـاب ذلك العهد (عهد التابعين ) اما حضروا تلك المشاهدبانفسهم , او بامكانهم
الملاقاة مع شهود القضايا, و الاخذ منهم مشافهة .و هذا من اكبر المصادر لرفع الابهام عن وجه كثير من الايات , و كان في متناولهم القريب .رابعا: مراجعة اللغة في صميمها, و لا سيما اشعار العرب و هي ديوآنها.و دائرة مـعارفها, للوقوف على مزايا اللغة و اساليب كلام العرب و القرآن نزل على نمطها و على
نفس نسجها في التعبير و البيان و ان كان في اسلوب ارقى و على نسج اقوى .و كـان ابن عباس يوصي اصحابه بل يحضهم على مراجعة اشعار العرب للتعرف على غريب القرآن
و لقدعدزعيم هذه الناحية من التفسير بالخصوص , حتى لقد قيل بشانه : انه هو الذي ابدع الطريقة
اللغوية لتفسيرالقرآن ((1230)) .كـان يـقـول : الـشعر ديوان العرب , فاذا خفى علينا حرف من القرآن الذي انزله الل ه بلغة العرب ,
رجعنا الى ديوانها, فالتمسنا ذلك منه .و ايـضـا قـولـه : اذا سـالـتـمـونـي عـن غـريب القرآن فالتمسوه في الشعر, فان الشعر ديوان
العرب ((1231)) .خامسا: انحا العلوم و المعارف التي تعرف اليها المسلمون , بفضل التوسع في رقعة الاسلام و ازدحام
وفـودالاداب و الـثقافات المستوردة عليهم , يحملها امم ذووا حضارات عريقة , كانوا يدخلون في
دين اللّه افواجا.و قد اسلفنا ان التوسع في الاطلاع على العلوم و المعارف , مهما كان نمطها, فانه يزيد في قوة الفهم
و امـكـان لمس حقائق الامور, و يرتفع مستوى قدرة الاستنباط بدرجات , لا يبلغها من اعوزه النيل
منها بنسبة اعوازه .و هكذا استفاد التابعون ـ و من بعدهم ـ بالعلوم و المعارف المستجدة .و المستزادة مع تقادم الايام استفادوا بها في فهم معاني كلام اللّه تعالى و قد (انزله الذي يعلم السر
في السماوات و الا رض ) ((1232)) .سـادسـا: اعـتمادهم على ما فتح اللّه عليهم من طريق الاجتهاد و النظر في كتاب اللّه تعالى , و قد
روت لـنا كتب التفسير كثيرا من اقوال هؤلا التابعين في التفسير, قالوها بطريق الراي و النظر و
الاجـتهاد, مما لم يصل الى علمهم شي فيها عن رسول اللّه (ص ) او عن احد الصحابة فكانوا يعملون
الـنـظر فيها, بامعان النظر في دلائل وقرائن كانت تساعدهم على فهم الاية , مما مرت الاشارة الى
بعضها,.و غير ذلك من ادوات الفهم و وسائل البحث و التنقيب .الامـر الـذي ساعد على فتح باب الاجتهاد بشان التفسير, و في سائر شؤون الشريعة ,و استمرت
الطريقة المرضية عبر التاريخ و قد نوهنا عنها.سـابـعـا: اسـتـنادهم الى نصوص من كتب العهدين , مما جا اجماله في القرآن , و تعرضت لتفاصيلها
كتب السالفين , مما لم يحتمل فيه التحريف كجوانب من تاريخ انبيا بني اسرائيل و سيرة ملوكهم و ما
شابه من قصصهم و اخبارهم .