فـوجب حمله على معنى يصح معه الاختصاص و الذي يصح منه ان يكون من قول الناس : انا الى فلان
ناظر ما يصنع بي , تريد معنى التوقع والرجا, و منه قول القائل :.و اذا نظرت اليك من ملك و البحر دونك زدتني نعما.و سـمعت سروية مستجدية بمكة وقت الظهر, حين يغلق الناس ابوابهم و ياوون الى مقائلهم , تقول :
عيينتي نويظرة الى اللّه و اليكم .و الـمـعـنـى : انهم لا يتوقعون النعمة و الكرامة الا من ربهم , كما كانوا في الدنيا لا يخشون و لا
يرجعون الااياه ((885)) .و علق عليه ابن المنير ـ في الهامش ـ بان عدم كونه تعالى منظورا اليه , مبني على مذهب المعتزلة ,
و هو عدم جواز رؤيته تعالى و مذهب اهل السنة جوازها و قال الفخر: اعلم ان جمهور اهل السنة يتمسكون بهذه الاية في اثبات ان المؤمنين يرون اللّه تعالى
يـوم الـقيامة اما المعتزلة فانكروا دلالة الاية على ذلك اولا, و امكان تاويلها على الفرض ثانيا, حيث
الـرؤيـة تـمـتـنـع عـلـيـه تـعالى عقلا و نقلا قطعيا, الامر الذي لا يختلف في هذه الحياة ام في
الاخرة ((886)) .امـا الـمفسرون من علمائنا الامامية فانهم مطبقون على امتناع الرؤية مطلقا, و ليس في الاية دلالة
صريحة على ذلك , مع شيوع استعمال النظر في التوقع و الانتظار.قال الشيخ ابوجعفر الطوسي (رض ): معناه , منتظرة نعمة ربها و ثوابه ان يصل اليهم و يكون النظر
بمعنى الانتظار,كما قال تعالى : (و انى مرسلة اليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون ) ((887)) ,
اي منتظرة و قال الشاعر:.وجوه يوم بدر ناظرات الى الرحمان ياتي بالفلاح .و قوله تعالى : (و لا ينظر اليهم يوم القيامة ) ((888)) معناه , لاينيلهم رحمته .قال (ره ): و ليس النظر بمعنى الرؤية اصلا, بدلالة انهم يقولون : نظرت الى الهلال فلم اره فلو كان
بمعنى الرؤية لتناقض , و لانهم يجعلون الرؤية غاية للنظر,يقولون : ما زلت انظر اليه حتى رايته , و
لا يجعل الشي غاية لنفسه , فلا يقال : مازلت اراه حتى رايته قال : و النظر ـ في الاصل ـ تقليب حدقة
العين نحو المرئي طلبا للرؤية ,فاستعمل في مطلق التاميل و التوقع و الانتظار.قـال : و لـيـس لاحـد ان يـقول : ان ذا يخالف اجماع المفسرين القدامى , لانا لا نسلم ذلك , بل قد قال
مجاهد و ابوصالح (و الحسن ((889))) و سعيد بن جبير و الضحاك : ان المراد نظر الثواب .و روى مثله عن على (ع ) ثم اخذ في التعمق و الاستدلال , جزاه اللّه عن الاسلام خيرا ((890)) .
تفسير مجاهد برواية ابن ابي نجيح
هـنـاك تـفسير متقطع و مرتب على السور, يبتدئ من سورة البقرة حتى نهاية القرآن , منسوب الى مجاهد, يرويه عنه ابو يسار عبد اللّه بن ابي نجيح يسار, الثقفي الكوفي (توفي سنة131 ), بطريقعـبـد الـرحمان بن الحسن بن احمد الهمذاني , عن ابراهيم الحسين الهمذاني , عن آدم بن اياس , عن
ورقا بن عمر اليشكري عن ابن ابي نجيح و قد صححه الائمة و اعتمده ارباب الحديث .قـال وكـيع بن الجراح ((891)) : كان سفيان يصحح تفسير ابن ابي نجيح قال احمد ابن حنبل : ابن
ابي نجيح ثقة , وكان ابوه من خيار عباد اللّه ((892)) قال الذهبي : هو من الائمة الثقات ((893))
و قـد اعتمده البخاري فيما يرويه في التفسير عن مجاهد ((894)) قال ابن تيمية : تفسير ابن ابي
نجيح عن مجاهد من اصح التفاسير, بل ليس بايدي اهل التفسير كتاب في التفسير اصح من تفسير ابن
ابي نجيح عن مجاهد ((895)) .و قد طبع هذا التفسير باهتمام مجمع البحوث الاسلامية في باكستان سنة (1367 ه ق ).و هـذا الـتـفسير ينقص كثيرا عما جا في الطبري من تفسير مجاهد, لكنه عن غيرطريق ابن ابي
نجيح .قـال شـواخ : و قـد نقل الطبري من هذا التفسير حوالي (700) مرة في مواضع مختلفة و قد دخلت
بـعـض اجـزا هذاالتفسير في تفسير الطبري عن طريق تفاسير اخرى , مثل تفسير ابن جريج و
الثوري و غيرهما ((896)) .
4ـ طاووس بن كيسان
ابـو عـبـد الـرحـمان طاووس بن كيسان الخولاني الهمدانى اليماني , من ابنا الفرس ,احد الاعلام الـتـابـعـيـن كـان فقيها جليل القدر, نبيه الذكر قال ابن عيينة : قلت لعبيد اللّه بن ابي يزيد: مع منتـدخـل عـلـى ابن عباس ؟ قال : مع عطا و اصحابه قلت : و طاووس ؟ قال : ايهات , كان ذلك يدخل مع
الخواص و قال عمرو بن دينار: ما رايت احدا قط مثل طاووس ((897)) .و قد شهد بشانه الكثير من العلما, فعن ابن جريج عن عطا عن ابن عباس , قال : اني لاظن طاووسا من
اهل الجنة و قال ابن حبان : كان من عباد اهل اليمن , و من سادات التابعين , و كان قدحج اربعين حج ة ,
و كـان مـستجاب الدعوة و قال ابن عيينة : متجنبو السلطان ثلاثة : ابوذر في زمانه , و طاووس في
زمانه , و الثوري في زمانه و كان ابن معين يعدله بسعيد بن جبير ((898)) .قـال ابـو نـعيم : هو اول الطبقة من اهل اليمن , الذين قال فيهم النبى (ص ): الايمان يمان و قد ادرك
خـمـسـيـن رجـلامن الصحابة و علمائهم و اعلامهم , و اكثر روايته عن ابن عباس و روى عنه
الصفوة من الائمة التابعين ((899)) .و عده ابن شهر آشوب من اصحاب الامام زين العابدين (ع ) و وصفه بالفقيه ((900)) و له مع الامام
مواقف مشهودة ,منها:.عند ما خر الامام ساجدا عند بيت اللّه الحرام , فدنا منه و شال براسه و وضعه على ركبته , و بكى
حتى جرت دموعه على خد الامام , و عند ذلك استوى الامام جالسا, و قال : من الذي اشغلني عن ذكر
ربـي ؟ ((901)) و ايضا موقفه
الاخر مع الامام في الحجر ((902)) , مما يدل على اختصاصه به و شدة قربه منه (ع ) و اليمانيون
ـ و لا سيما همدان ـ معروفون بالولا, و ان كانت النسبة بالولا.و هكذا كان يوم موته سنة (106) ايضا يوما مشهودا, و قد وضع عبد اللّه بن الحسن المثنى سريره
على كاهله , وقد سقطت قلنسوته و مزق رداؤه , من كثرة الزحام ((903)) .كما ان له مع طواغيت زمانه مواقف حاسمة , انما تدل على صلابته في جنب اللّه :.قـال ابـن خـلـكان : قدم هشام بن عبد الملك حاجا الى بيت اللّه الحرام , فلما دخل الحرم قال : آتوني
برجل من الصحابة , فقيل له : قد تفانوا قال : فمن التابعين , فاتي بطاووس اليماني فلما دخل عليه خلع
نـعـليه بحاشية بساطه , و لم يسلم بامرة المؤمنين , و لم يكنه , و جلس الى جانبه بغير اذنه , و قال :
كيف انت يا هشام ؟.فغضب هشام من ذلك غضبا شديدا و هم بقتله , فقيل له : انت في الحرم , لا يمكن ذلك .فـقـال : يا طاووس , ما حملك على ما صنعت ؟ قال : و ما صنعت ؟ فاشتد غضبه و غيظه , و قال : خلعت
نعليك بحاشية بساطي , و لم تسلم بامرة المؤمنين , و لم تكنني , و جلست بازائي بغير اذني , و قلت : يا
هشام , كيف انت ؟ قـال : امـا خـلـع نـعلي بحاشية بساطك , فاني اخلعهما بين يدي رب العزة كل يوم خمس مرات , فلا
يـعـاتـبـنـي و لايغضب علي و اما ما قلت : لم تسلم على بامرة المؤمنين , فليس كل المؤمنين راضين
بامرتك , فخفت ان اكون كاذبا و اما ما قلت : لم تكنني , فان اللّه عز و جل سمى انبياه , قال : يا داود, يا
يـحيى , يا عيسى و كنى اعداه فقال : (تبت يدا ابي لهب ) و اما قولك : جلست بازائي , فاني سمعت امير
المؤمنين على بن ابي طالب (ع )يقول : ((اذا اردت ان تنظر الى رجل من اهل النار, فانظر الى رجل
جالس و حوله قوم قيام )).فـقـال لـه هشام : عظني عقارب كالبغال ,تلدغ كل امير لا يعدل في رعيته )), ثم قام و خرج ((904)) .انـظـر كـيـف يـكرر لفظ ((امير المؤمنين )) يعني به على بن ابي طالب (ع ) في حين امتناعه من
الـتـسـليم عليه بذلك ,بحجة ان في المؤمنين ـ و يعني امثال نفسه ـ من لايرضى بامرته تربية اهل الولا لال بيت الرسول (ص ) دون غيرهم اطلاقا.و روى ابن خلكان بشان ابنه عبد اللّه ما يشبه صلابة ابيه في الدين , قال : و روي ان امير المؤمنين
ابـا جـعـفرالمنصور, استدعى عبد اللّه بن طاووس و مالك ابن انس , فاحضرهما فلما دخلا عليه
اطرق المنصور ساعة , ثم التفت الى ابن طاووس , و قال له : حدثني عن ابيك فقال : حدثني ابي ان اشد
الناس عذابا يوم القيامة رجل اشركه اللّه تعالى في سلطانه , فادخل عليه الجور في حكمه فامسك ابو
جـعفر ساعة , قال مالك : فضممت ثيابي خوفا ان يصيبني دمه ثم قال له المنصور: ناولني تلك الدواة ـ
ثـلاث مرات ـ فلم يفعل , فقال له : لم لا تناولني ؟فقال : اخاف ان تكتب بها معصية , فاكون قد شاركتك
فـيـهـا طاووس فضله من ذلك اليوم ((905)) .قـلت : و هذا يتنافى مع تاريخ وفاته بسنة (132) حسبما ذكره ابن حجر ((906)) , لان اباجعفر
انما تصدى للخلافة بعد موت السفاح سنة (136) ((907)) و قد ذكر ابن خلكان تلك الحكاية عن
المنصوربعنوان انه امير المؤمنين .كما يتنافى هذا الموقف من ابن طاووس مع ما ذكروا عنه انه كان على خاتم سليمان بن عبد الملك , و
كان كثير الحمل على اهل البيت ((908)) .و لـعـل عـبـد اللّه هـذا هو ابن عطا, الذي صحب الامامين الباقر و الصادق (ع ), و كان من خلص
شـيعتهما كابيه عطا بن ابي رباح ((909)) قال الكشي : ولد عطا بن ابي رباح تلميذ ابن عباس : عبد
الـمـلك , و عبد اللّه , و عريف ,نجبا, من اصحاب ابي جعفر و ابي عبد اللّه (ع ) ثم روى حديثا يدل
على اختصاص عبد اللّه بالصادق , و قربه منه حسبما ياتي ((910)) .و لـطاووس مواقف و آرا تخصه لا تخلو من طرافة و ظرافة , منها: انه كان يكره ان يقول : حجة
الوداع , و يقول :حجة الاسلام ((911)) .و كان ابنه يقول : ان العالم لا يخرف , يريد اباه فقد اخرج ابو نعيم باسناده الى وكيع , قال : حدثنا ابو
عـبد اللّه الشامي , قال : اتيت طاووسا فخرج الي ابنه شيخ كبير, فقلت : انت طاووس ؟ فقال : انا ابنه
قلت : فان كنت ابنه فان الشيخ قد خرف , يعني اباه طاووسا فقال : ان العالم لا يخرف ((912)) .و اخرج ابو نعيم باسناده عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاووس عن بريدة عن النبى (ص )
قـال : ((مـن كـنـت مـولاه فـعلي مولاه )) قال ابو نعيم : غريب من حديث طاووس , لم نكتبه الا من
هذاالوجه ((913)) .و له ذيل قوله تعالى : (الا خلا يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين ) حديث طريف جرى بين رسول
اللّه و علي (ع ) و قد تفرد بنقله عنه وهب بن منبه الذي وصفه ابو نعيم بالحكيم الحليم ((914)) .و جا ابن سليمان بن عبد الملك فجلس الى جنب طاووس , فلم يلتفت اليه , فقيل له : جلس اليك ابن امير
الـمـؤمـنين , فلم تلتفت اليه ؟ الخليفة ((915)) .كـمـا ان لـه مـع سـليمان بن عبد الملك موقفا حكيما يدل على صلابته في الدين و صدقه في جنب
اللّه ((916)) .و فـسـر قـولـه تـعالى : (و خلق الانسان ضعيفا) قال : في امور النسا, ليس يكون الانسان في شي
اضعف منه في امور النسا ((917)) .و فسر قوله تعالى : (اولئك ينادون من مكان بعيد) قال : بعيد من قلوبهم ((918)) .و كـان يـقـول : لـم يـجـهد البلا من لم يتول اليتامى او يكون قاضيا بين الناس في اموالهم , او اميرا
على رقابهم ((919)) .
5ـ عكرمة مولى ابن عباس
ابـو عبد اللّه عكرمة بن عبد اللّه اصله من البربر من اهل المغرب , كان لحصين بن الحر العنبري , فوهبه لابن عباس , حين ولي البصرة لعلي بن ابي طالب (ع ), و اجتهد ابن عباس في تعليمه القرآن والسنن , و سماه باسماالعرب ((920)) .قـال ابـن سـعد: كان يقيده فيعلمه القرآن و يعلمه السنن ((921)) فرباه فاحسن تربيته , و علمه
فـاحسن تعليمه , واصبح فقيها و اعلم الناس بالتفسير و معاني القرآن قال ابن خلكان : اصبح عكرمة
احـد فـقـها مكة و تابعيها, وكان ينتقل من بلد الى بلد قال : و روي ان ابن عباس قال له : انطلق فافت
للناس و قيل لسعيد بن جبير: هل تعلم احدا اعلم منك ؟ قال : عكرمة .و اخـرج الـذهـبـي عـن عكرمة قال : طلبت العلم اربعين سنة , و كنت افتي بالباب و ابن عباس في
الدار ((922)) .و اخـرج ابـن سعد عن سلام بن مسكين , قال : كان عكرمة من اعلم الناس بالتفسير و عن عمرو بن
ديـنـار, قـال :دفـع الي جابر بن زيد مسائل اسال عنها عكرمة , و جعل يقول : هذا عكرمة مولى ابن
عباس , هذا البحر فسلوه واخرج عنه ابو نعيم , قال : هذا عكرمة مولى ابن عباس , هذا اعلم الناس .و كـان ابـن عباس لا يدع فرصة لتعليمه , قال عكرمة : قال لي ابن عباس و نحن ذاهبون من منى الى
عـرفـات : هـذا يـوم مـن ايـامـك (اي هـذه فرصة لك فاغتنمها) فجعلت ارجن به و يفتح علي ابن
عباس ((923)) .و اخـرج ابـن سعد ايضا عن خالد بن القاسم البياضي قال : مات عكرمة و كثير عزة الشاعر في يوم
واحد سنة (105) فرايتهما جميعا صلي عليهما في موضع واحد بعد الظهر في موضع الجنائز,فقال
الناس : مات اليوم افقه الناس و اشعر الناس ((924)) .و اخـرج ابـو نعيم عن اسماعيل بن ابي خالد, قال : سمعت الشعبي يقول : ما بقي احداعلم بكتاب اللّه
تعالى من عكرمة و عن سلام بن مسكين , قال : سمعت قتادة يقول : اعلمهم بالتفسير عكرمة .و اخـرج عن يزيد النحوي عن عكرمة , قال ابن عباس لي : انطلق فافت للناس , فمن سالك عما يعنيه
فافته , و من سالك عما لا يعنيه فلا تفته , فانك تطرح عني ثلثي مؤونة الناس .و عـن عـمـرو بن دينار, قال : كنت اذا سمعت من عكرمة يحدث عن المغازي , كانه مشرف عليهم
يـنظر كيف كانوايصنعون و يقتتلون و كان سفيان الثوري يقول بالكوفة : خذوا التفسير عن اربعة :
سعيد بن جبير, و مجاهد, وعطا, و عكرمة و في رواية : تبديل عطا بالضحاك ((925)) .و اخرج ابن حجر عن يزيد النحوي عن عكرمة , قال : قال لي ابن عباس : انطلق فافت بالناس و انا لك
عـون قال : فقلت له : لو ان هذا الناس مثلهم مرتين لافتيتهم قال : فانطلق فافتهم , فمن جاك يسالك عما
يعنيه فافته , و من سالك عما لايعنيه فلاتفته , فانك تطرح عنك ثلثي مؤونة الناس .و قال ابن جواس : كنا مع شهر بن حوشب بجرجان , فقدم علينا عكرمة , فقلنا لشهر: الا ناتيه ؟ فقال :
ائتـوه , فـانه لم يكن امة الا كان لها حبر, و ان مولى ابن عباس حبر هذه الامة ((926)) فقد حمل
هذا اللقب الرفيع من مؤدبه ابن عباس و ورثه منه .و قـال الـمـروزي : كـان عـكـرمـة اعـلـم شـاكـردي ابـن عـبـاس بـالـتفسير, و كان يدور
البلدان يتعرض ((927)) .وقال قتادة : كان اعلم التابعين عطا و سعيد بن جبير و عكرمة , قال : و اعلمهم بالتفسير عكرمة .و قال ابن عيينة : سمعت ايوب يقول : لو قلت لك : ان الحسن ترك كثيرا من التفسير, حين دخل علينا
عكرمة البصرة حتى خرج منها, لصدقت ((928)) .و قال ابن المديني : كان عكرمة من اهل العلم , و لم يكن في موالي ابن عباس اغزرعلما منه .و قال ابن مندة : قال ابوحاتم : اصحاب ابن عباس عيال على عكرمة .و قال ابن خيثمة : كان عكرمة من اثبت الناس فيما يروي ((929)) .تـلـك شهادات ضافية و مستفيضة بشان الرجل , تجعله في قمة الفضيلة و العلم , و الثقة و الاعتماد
عـلـيـه لـدى الائمة , مما يوهن ما حيك حول الرجل من اوهام و اكاذيب مفضوحة , ليست تتناسب مع
شخصية كانت تربية مثل ابن عباس , و موضع عنايته الخاصة .قـال ابو جعفر الطبري : و لم يكن احد يدفع عكرمة عن التقدم في العلم بالفقه و القرآن و تاويله , و
كـثرة الرواية للاثار, و انه كان عالما بمولاه و في تقريظ جلة اصحاب ابن عباس اياه و وصفهم له
بـالتقدم في العلم و امرهم الناس بالاخذ عنه , ما بشهادة بعضهم تثبت عدالة الانسان , و يستحق جواز
الـشـهـادة و من ثبتت عدالته لم يقبل فيه الجرح , و ما تسقط العدالة بالظن , و يقول فلان لمولاه : لا
تكذب علي , و ما اشبهه من القول الذي له وجوه وتصاريف و معان غير الذي وجهه اليه اهل الغباوة ,
و من لا علم له بتصاريف كلام العرب ((930)) .و قـال ابـو نعيم : و منهم مفسر الايات المحكمة , و منور الروايات المبهمة , ابو عبد اللّه مولى ابن
عباس عكرمة كان في البلاد جوالا, و من علمه للعباد بذالا ((931)) .و امـا الـذين طعنوا فيه , فقد قصرت انظارهم و لم يعرفوا وجه المخرج من ذلك , مع وضوح براة
الرجل مما قيل فيه و يتلخص في رميه بالكذب , و ميله الى راي الخوارج اما الاول فلرواية رووها
عن ابن عمر انه قال لمولاه نافع : لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس و اما الثاني فلوهم
توهموه من سفرته الى المغرب عندتجواله البلاد, و ان الخوارج هناك اخذوا عنه احاديث .و مـن الـواضح ان هكذا تشبثات غريبة انما تنم عن حسد كان يحمله مناوئوه تجاه منزلة الرجل و
شموخه في الفقه و العلم , بمعاني القرآن الكريم .قال ابن حجر ـ بشان الرواية عن ابن عمر ـ : انها ضعيفة الاسناد, فضلا عن اختلاف المتن و تباين
النقل فيها قال : انها لم تثبت , لانها من رواية ابي خلف الجزار عن يحيى البكا, و البكا متروك الحديث .و من ثم قال ابن حبان : و من المحال ان يجرح العدل بكلام المجروح يقصد به البكا.و اضـاف ابن حجر: ان اسحاق بن عيسى سال مالكا: ابلغك ان ابن عمر قال لنافع كذا؟ قال : لا و لكن
بلغني ان سعيد بن المسيب قال ذلك لمولاه برد ((932)) .قـلـت : و لقد كان رميه بالكذب شائعا على عهده , و ربما على عهد سيده ابن عباس ايضا, حيث ورد
الذب عن نفسه صريحا, و انكار ابن عباس ذلك .قـال ابـن حكيم : كنت جالسا مع ابي امامة بن سهل بن حنيف , اذ جا عكرمة , فقال : ياابا امامة , اذك رك
اللّه , هـل سـمـعت ابن عباس يقول : ((ما حدثكم عكرمة عني فصدقوه , فانه لم يكذب على ))؟فقال
ابوامامة : نعم ((933)) .و قـال ايـوب : قال عكرمة : ارايت هؤلا الذين يكذبوني من خلفي , افلا يكذبوني في وجهي حـجـر: يعني انهم اذا واجهوه بذلك امكنه الجواب عنه و المخرج منه و ذلك ان عكرمة كان يسمع
الـحـديـث مـن شـيخ و مثله من شيخ آخر, فربما حدث و اسنده الى الاول , ثم يحدث و يسنده الى
الاخر, فمن ذلك رموه بالكذب , كما قال ابو الاسود: كان عكرمة ربما سمع الحديث من رجلين , فكان
اذا سـئل حدث به عن رجل , ثم يسال عنه بعدحين فيحدث به عن الاخر, فيقولون : ما اكذبه صادق ((934)) .قال ابن حجر: احتج بحديث عكرمة البخاري و اصحاب السنن و تركه مسلم ـ الا حديثا واحدا ـ و
انما تركه لكلام مالك فيه (كان مالك لا يراه ثقة و يامر ان لا يؤخذ عنه ) ((935)) قال : و قد تعقب
جماعة من الائمة ذلك , وصنفوا في الذب عن عكرمة , منهم : ابو جعفر ابن جرير الطبري , و محمد
بـن نـصر المروزي , و ابو عبد اللّه ابن مندة , و ابو حاتم ابن حبان , و ابو عمرو ابن عبد البر, و
غيرهم .و قد لخص ابن حجر ما قيل فيه , ثم عقبه بالاجابة عليه , قائلا: فاما اقوال من اوهاه , فمدارها على
ثلاثة اشيا:على رميه بالكذب , و على الطعن فيه بانه كان يرى راي الخوارج , و على القدح فيه بانه
كـان يقبل جوائزالامرا قال : اما قبول الجوائز فجمهور اهل العلم على الجواز, و قد صنف في ذلك
ابـن عـبد البر ((936)) قال : على ان ذلك ليس بمانع من قبول روايته , و هذا الزهري قد كان في
ذلك اشهر من عكرمة , و مع ذلك فلم يترك احدالرواية عنه بسبب ذلك ((937)) .و امـا تهمة البدعة فانها لم تثبت , و قد نفاها عنه جماعة من الائمة النقاد قال ابن ابي حاتم : سالت ابي
عـن عـكرمة , فقال : ثقة قلت : يحتج بحديثه ؟ قال : نعم , اذا روى عنه الثقات و الذي انكر عليه مالك ,
انـمـا هـو بسبب راي , على انه لم يثبت عنه من وجه قاطع انه كان يرى ذلك , و انما كان يوافق في
بعض المسائل ((938)) فنسبوه اليهم و قد براه احمد و العجلي من ذلك , فقال ـ في كتاب الثقات له
ـ : عكرمة مولى ابن عباس , مكي تابعي ثقة ,بري مما يرميه الناس به من الحرورية .و قـال ابـن جـرير: لو كان كل من ادعي عليه مذهب من المذاهب الرديئة , ثبت عليه ما ادعي به , و
سـقطت عدالته ,و بطلت شهادته بذلك , للزم ترك اكثر محدثي الامصار, لانه ما منهم الا و قد نسبه
قوم الى ما يرغب به عنه ((939)) .قـال الـذهـبـي : عـكرمة مولى ابن عباس , احد اوعية العلم تكلم فيه , لرايه لا لحفظه , فاتهم براي
الخوارج و قدوثقه جماعة , و اعتمده البخاري ((940)) .و امـا الـكـذب فـلا منشا لرميه به سوى حديث ابن عمر الانف , و في طريقه ضعف الامر الذي لا
يـصطدم مع وفرة توثيقه : اخرج ابن حجر عن البخاري قال : ليس احد من اصحابنا الا احتج بعكرمة
و قال ابن معين : اذا رايت انسانا يقع في عكرمة فاتهمه على الاسلام و قال المروزي : قلت لاحمد بن
حـنبل : يحتج بحديث عكرمة ؟ قال :نعم قال المروزي : اجمع عامة اهل العلم على الاحتجاج بحديث
عـكرمة , و اتفق على ذلك رؤسا اهل العلم بالحديث من اهل عصرنا, منهم : احمد بن حنبل , و اسحاق
بـن راهـويـة , و ابـو ثـور, و يحيى بن معين قال : و لقدسالت اسحاق عن الاحتجاج بحديثه , فقال :
عـكرمة عندنا امام اهل الدنيا, و تعجب من سؤالي اياه قال : و حدثناغير واحد انهم شهدوا يحيى بن
مـعـين , و ساله بعض الناس عن الاحتجاج بعكرمة , فاظهر التعجب و قال البزار:روى عن عكرمة
مائة و ثلاثون رجلا من وجوه البلدان , كلهم رضوا به , الى غيرها من توثيقات قيمة ((941)) .و يـبـدو مـن روايات اصحابنا الامامية كونه من المنقطعين الى ابواب آل بيت العصمة , وفقا لتعاليم
تـلـقـاهـا من مولاه ابن عباس ـ رضي اللّه عنه ـ فقد روى محمد بن يعقوب الكليني باسناده الى ابي
بصير, قال : كنا عندالامام ابي جعفر الباقر(ع ) و عنده حمران , اذ دخل عليه مولى له , فقال : جعلت
فداك , هذا عكرمة في الموت , وكان يرى راي الخوارج , و كان منقطعا الى ابي جعفر(ع ).فـقال لنا ابو جعفر: انظروني حتى ارجع اليكم , فقلنا: نعم فما لبث ان رجع , فقال : اما اني لو ادركت
عـكرمة , قبل ان تقع النفس موقعها لعلمته كلمات ينتفع بها, و لكني ادركته و قد وقعت النفس موقعها
قلت : جعلت فداك , و ماذاك الكلام ؟ قال : هو ـ واللّه ـ ما انتم عليه , فلقنوا موتاكم عند الموت شهادة
ان لااله الا اللّه و الاقراربالولاية ((942)) .في هذه الرواية مواضع للنظر و الامعان : اولا دخول مولى ابي جعفر بذلك الخبرالمفاجئ , لدليل على
ان لـعـكـرمـة كانت منزلة عند الامام (ع ), و كان الامام يهتم بشانه ثانيا قوله : و كان منقطعا الى ابي
جعفر, يؤيد كون الرجل من خاصة اصحابه , و لم يكن يدخل على غيره دخوله على الامام (ع ).و امـا قـولـه : و كـان يـرى راي الخوارج , فهو من كلام الراوي , حدسا بشانه , حسبمااملت عليه
الحياكات الشائعة عنه ((943)) , و الا فهو متناقض مع انقطاعه الى الامام كيف يختص بالحضور
لدى امام معصوم من اهل بيت النبوة , من كان يرى راي خارجى مبغض لال ابي طالب بالخصوص ؟ هذا الاتناقض , يرفضه العقل السليم , فهذا قول ساقط لا وزن له مع سائر تعابير الحديث المتقنة .و اخـيـرا فان قوله (ع ) : لقنوا موتاكم الخ مع اهتمامه البالغ بشان ادراكه قبل الموت ليلقنه , لدليل
واضـح عـلـى كـونه ممن يرى رايهم لا راي غيرهم , و الا فلا يتناسب قوله اخيرا مع فعله اولا,
فتدبر.و هذه الرواية رويت مع اختلاف في بعض الفاظها, رواها البرقي في كتاب ((الصفوة ))باسناده الى
ابي بكر الحضرمي , ((944)) و الكشي عن طريق محمد بن مسعود العياشي باسناده الى زرارة بن
اعين عن الامام ابي جعفر الباقر(ع ) ((945)) .غـير ان الكشي استنتج من قول الامام : ((لو ادركته لنفعته )) انه مثل ما يروى ((لو اتخذت خليلا
لاتخذت فلاناخليلا)) لا يوجب لعكرمة مدحا بل اوجب ضده ((946)) .لكنه استنتاج غريب ناشئ عن ذهنيته الخاصة بشان الرجل قال المحقق التستري ـ ردا عليه ـ : ان
الرواية المقيس عليها غير ثابتة , و على فرض الثبوت فهو مدح لا قدح ((947)) قلت : معنى ((لو
ادركـته لنفعته )) ((948)) : انه لم يدركه فلم ينتفع بما كان من شانه ان ينتفع به و كذا معنى ((ان
ادركته علمته كلاما لم تطعمه النار)) ((949)) : ان كنت لقنته لم تذقه النار اصلا فلازم ذلك انه
بسبب عدم هذا الانتفاع يكون بمعرض لاذاقة النار ـ على بعض ذنوبه احيانا ـ او فوته بعض المنافع
لذلك .و عـلـى جميع هذه الفروض , لا تدل الرواية على انه كان من المخالفين او الفاسقين ,حاشاه من عبد
صـالـح كـان تـربـيـة مثل ابن عباس من خاصة الامام امير المؤمنين (ع ), و هذا كما يقال : لو عمل
كذالنفعه او لم يكن ليتضرر شيئا, و لازمه انه لم ينتفع بذلك , او تضرر شيئا.و للمولى المجلسي العظيم كلام بشان عكرمة , عند ما نقل عنه في تفسير قوله تعالى : (و من الناس
مـن يـشـرى نـفسه ابتغا مرضاة اللّه ) ((950)) انها نزلت بشان ابي ذر و صهيب ((951)) , على
خلاف سائرالمفسرين قالوا: نزلت بشان علي (ع ) ليلة المبيت قال ـ بصدد القدح في الرواية ـ : ان
راويها عكرمة , و هو من الخوارج ((952)) .و لـعـل هـذا مـنـه كان جدلا, و الا فالرواية في نفسها ضعيفة لضعف الراوي لا المروي عنه فقد
اخـرجـها الطبري عن طريق الحجاج بن محمد المصيصي عن ابن جريج عن عكرمة و المصيصي
ضـعيف واه , قد خلط في كبره , و من ثم تركه يحيى بن سعيد و اوصى ابنه بتركه ((953)) و قد
سمعت ابا حاتم قوله بشان عكرمة : ثقة يحتج بقوله اذاروى عنه الثقات ((954)) .و بـعد, فلم نجد مغمزا في عكرمة مولى ابن عباس الثقة الامين , الامر الذي استنتجه ابن حجر في
الـتـقـريـب قـال : عـكـرمـة , ثـقـة ثبت , عالم بالتفسير, لم يثبت تكذيبه عن ابن عمر, و لا يثبت
عنه بدعة ((955)) .
منهجه في التفسير
كان ينتهج منهج مولاه و شيخه و مؤدبه ابن عباس , في حرية الراي و ثبات العقيدة من غير ان يهاب احـدا, اويـثـنـيـه عـن اختياره شي و من ثم عرض نفسه للقذف و الرمي , و ربما التحمل لما كانالمناوئون يهابون موضع سيده ابن عباس , فوجدوا من تلميذه مندوحة ليقدحوا فيه و يجرحوه .و اليك نموذج من تفسيره :.كان يرى من آية الوضؤ ((956)) نزولها بمسح الارجل دون غسلها, و لم يزل عمله على ذلك , و
ان اسـتـدعـي مـخالفة عامة الفقها في عصره قال يونس : حدثني من صحب عكرمة الى واسط, قال :
فـمـارايته غسل رجليه , انما كان يمسح عليهما ((957)) و اخرج الطبري باسناده الى عبد اللّه
العتكي عن عكرمة , قال :((ليس على الرجلين غسل , انما نزل فيهما المسح )) و هكذا اخرج باسناده
الى عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس , قال : ((الوضؤ غسلتان و مسحتان )) و كذا عن جمع
كـثـيـر مـن الـتابعين , و لا سيما المتاثرين بمدرسة ابن عباس , امثال قتادة و الضحاك و الشعبي و
الاعمش و غيرهم و جماعة من الصحابة امثال انس بن مالك وجابر بن عبد اللّه و غيرهما, ذهبوا
الى ان القرآن نزل بمسح الارجل لاغسلها ((958)) .قـال امين الاسلام الطبرسي : اختلف في ذلك , فقال جمهور الفقها: ان فرضهماالغسل و قالت الامامية :
فـرضـهـمـا الـمسح لا غير, و به قال عكرمة و قد روي القول بالمسح عن جماعة من الصحابة و
الـتـابـعـين كابن عباس و انس و ابي العالية و الشعبي و قال الحسن البصري : بالتخيير بين الغسل
والمسح .قال : و اما ما روي عن سادة اهل البيت (ع ) في ذلك فاكثر من ان تحصى ((959)) و للطبرسي هنا
بشان المسالة تحقيق لطيف , ينبغي لرواد الحقيقة مراجعته .و اخـرج البيهقي باسناده عن رفاعة بن رافع : ان رسول اللّه (ص ) قال : ((انها لا تتم صلاة احدكم
حتى يسبغ الوضؤ كما امره اللّه به : يغسل وجهه و يديه الى المرفقين , و يمسح راسه و رجليه الى
الكعبين )) ((960)) .و هـكـذا في المسح على الخفين ـ الذي يقول به جمهور الفقها ـ كان عكرمة ينكره اشد الانكار, و
يـقول : ((سبق الكتاب المسح على الخفين )) ((961)) , يعني : ان القرآن نزل بالمسح على الارجل ,
امـا المسح على الخفين ـ على ماوردت به بعض الروايات ـ فامر متاخر عن نزول الاية , و لا دليل
على نسخ الاية , رواية لم تثبت ((962)) .و هـذا الذي ذكره عكرمة هو الذي نقلته الائمة عن الامام امير المؤمنين (ع ) فقد روى ابو جعفر
الـطـوسـي بـاسـناده الى ابي الورد, قال : قلت لابي جعفر الباقر(ع ): ان ابا ظبيان حدثني انه راى
عـلـيـا(ع ) اراق الما ثم مسح على الخفين ((963)) اما بلغك قول على (ع )
فيكم : ((سبق الكتاب الخفين ))؟ فقلت : فهل فيهمارخصة ؟ فقال : لا, الا من عدو تتقيه , او ثلج تخاف
على رجليك ((964)) .و لا شـك ان ابـن عـبـاس كـان يرى راي الامام الذي هو شاخص اهل البيت (ع ) فلا وقع لتكذيب
عكرمة بانه خالف شيخه , فقد افتري عليه كما افتري على الامام (ع ).و عـقـد ابو نعيم الاصبهاني فصلا من حليته ((965)) , اورد فيه من تفاسير ماثورة عن عكرمة ,
دررا و غـررا هي من جلائل الاثار و كرائم الافكار, و يتبين منها مدى سعة علم الرجل و شموخ
فكره الصائب , ينبغي مراجعتها فانهاممتعة جدا.
6ـ عطا بن ابي رباح
ابـو محمد عطا بن ابي رباح اسلم ـ و قيل : سالم ـ بن صفوان من اصل نوبي (17 ـ 115) كان من اجـلـة فـقهامكة و زهادها, و من خواص ابن عباس والمتربين في مدرسته ((966)) و هو الذيحـضـر وصيته بالطائف في جماعة من الشيوخ , و روي عنه حديث الامامة و الولاية ـ على ما سبق
فـي ترجمة ابن عباس ((967)) ـ ممايدل على مبلغ ولائه لاهل البيت و تمس كه باذيالهم الطاهرة ,
شان سائر المتربين بتربية ابن عباس الصحابي الملهم الجليل .و ذكـره ابـو نـعيم في التابعين ممن رووا عن الامام ابي جعفر الباقر(ع ) ((968)) كما ذكر ثنا
الامـام عليه , فيما اخرجه باسناده عن اسلم المنقري , قال : كنت جالسا مع ابي جعفر فمر عليه عطا,
فـقـال : ما بقي على ظهر الارض احداعلم بمناسك الحج من عطا بن ابي رباح و عن احمد بن محمد
الـشافعي , قال : كانت الحلقة في الفتيا بمكة في المسجد الحرام لابن عباس , و بعد ابن عباس لعطا بن
ابي رباح ((969)) .قـال ابـن سعد: و قد انتهت فتوى اهل مكة اليه و الى مجاهد, في زمانهما, و اكثر ذلك الى عطا قال :
كـان يـعـلـم الـكـتـاب , و كـان ثـقـة فـقـيـهـا كـثـيـر الحديث و عن قتادة : كان عطا من اعلم
الناس بالمناسك ((970)) .قـال ابـن حجر: قال ابن معين : كان عطا معلم كتاب ((971)) و اخرج عن ابي نوف عن عطا, قال :
ادركت مئتين من الصحابة و عن ابن عباس انه كان يقول : تجتمعون الي يا اهل مكة و عندكم عطا عـن ربـيعة قال : فاق عطااهل مكة في الفتوى و قال قتادة : قال لي سليمان بن هشام : هل بمكة احد؟
قـلـت : نـعـم , اقـدم رجل في جزيرة العرب علما شهادات ضافية بشانه و انه من سادات التابعين فقها و علما و ورعا و فضلا ((972)) .و لابـن خـلـكان بشانه حكاية طريفة , قال : حكي عن وكيع , قال : قال لي ابوحنيفة النعمان بن الثابت :
اخـطات في خمسة ابواب من المناسك بمكة , فعلمنيها حجام لـي : اعـربـى انـت ؟ قـلـت : نـعـم , و كـنـت قد قلت له : بكم تحلق راسي ؟ فقال : لا يشارط فيه ,
اجـلـس ,فـجـلـست منحرفا عن القبلة , فاوما الي باستقبال القبلة و اردت ان احلق راسي من الجانب
الايـسـر, فقال : ادرشقك الايمن من راسك , فادرته و جعل يحلق راسي و انا ساكت , فقال لي : كبر,
فـجـعلت اكبر, حتى قمت لاذهب , فقال : اين تريد؟ قلت : رحلي فقال : صل ركعتين ثم امض فقلت : ما
يـنـبـغي ان يكون هذا من مثل هذاالحجام الا و معه علم فقلت : من اين لك ما رايتك امرتني به ؟ فقال :
رايت عطا ابن ابي رباح يفعل هذا ((973)) .قـال : و كان اسود, اعور, افطس , اشل , اعرج , ثم عمي بعد ذلك و كان مفلفل الشعر قال سليمان بن
رفـيـع : دخلت المسجد الحرام و الناس مجتمعون على رجل , فاطلعت , فاذا عطا بن ابي رباح جالس
كانه غراب اسود ((974)) .قـال مـحـمد بن عبد اللّه ((975)) : ما رايت مفتيا خيرا من عطا بن ابي رباح , انما كان في مجلسه
ذكر اللّه لا يفتر وهم يخوضون فان تكلم او سئل عن شي احسن الجواب و كان يطيل الصمت , فاذا
تـكـلم يخيل الى الناس انه يتايد كان اثرا قال : علم , و ان كان راياقال : راي و عن سلمة بن كهيل : ما رايت احدا يريد بهذا العلم وجه
اللّه الا ثـلاثـة : عـطـا, و مـجاهد, و طاووس قال الاوزاعي : مات عطا يوم مات , و هو ارضى اهل
الارض عند الناس ((976)) .وقـد وقـع فـي اسـنـاد القمي في تفسير قوله تعالى : (فهل ينظرون الا الساعة ان تاتيهم بغتة فقد
جااشراطها) ((977)) .و لـلـمولى المامقاني بشانه تخليط, قال : عده الشيخ من اصحاب امير المؤمنين (ع ), و قال : مخلط و
نـقل المولى الوحيد عن ابي نعيم انه ممن روى عن الامام الباقر(ع ), قال : الظاهر انه اشتباه منه او
مـن ابي نعيم , فان الراوي عن الباقر هو عطا بن السائب , و هو من رؤسا العامة اما ابن ابي رباح فهو
مـولـى عـبد اللّه ابن عباس , و لقاؤه للباقر غير معلوم نعم لقاؤه لعلي مما لا ريب فيه و هو مخلط و
يروي عن الشيخين كثيرا, و يروي لهمااكثر ((978)) .قـلـت : كـانت ولادة عطا بن ابي رباح في السنة الرابعة او الخامسة من خلافة ابن الخطاب , فكيف
يـروي عن الشيخين ؟ وفـاة الامـام الباقر (57 ـ114) بسنة (115) و لم يذكر احد انه مولى لابن عباس , بل مولى بني
فـهـر, حـسـبـمـا ذكـروه ((979)) كـمـا ذكـرواان الـذي اختلط في اخريات حياته هو ابن
السائل ((980)) و سنذكر انه ايضا من الخواص .قـال الـدكـتور شواخ : و تفسير عطا بن ابي رباح كان من التفاسير التي رويت شفاها, و استخدمها
الـطـبـري بالروايه التالية : ((القاسم بن الحسن الهمذاني (ت 272) الحسين المصيصي (ت 226)
حـجـاج بـن محمدالمصيصي (ت 206) ابن جريج (ت 150) عن عطا بن ابي رباح )) و استخدمه
الثعلبي ايضا في كتابه (الكشف و البيان ) ((981)) .
7ـ عطا بن السائب
ابو محمد الثقفي الكوفي احد الائمة ((982)) روى عن سعيد بن جبير و مجاهد و عكرمة و ابيعـبـد الرحمان السلمي و جماعة و روى عنه الاعمش و ابن جريج كان ابو اسحاق يقول : عطا بن
السائب من البقايا.قـال احـمد بن حنبل : ثقة ثقة رجل صالح و لكن جماعة رموه بالتخليط في اخريات حياته , و من ثم
وثقوه في حديثه القديم قال يحيى بن سعيد: ما سمعت احدا من الناس يقول في حديثه القديم شيئا اما و
لماذا هذا التحول بشانه ؟.قـال ابـو قطن عن شعبة : ثلاثة في القلب منهم هاجس : عطا بن السائب , و يزيد بن ابي زياد, و رجل
آخر ((983)) ما سبب هذا الهاجس ؟.قال سيدنا الاستاذ الامام الخوئي ـ ادام اللّه ظله و البسه ثوب العافية ـ بعد ان ذكر روايته عن على
بـن الـحـسـيـن (ع ) بشان مسالة القضا ـ : هذه الرواية تدل على تشيعه , فما يذكر عنه من التوثيق
في حديثه القديم ثم اختلط و تغير, فلعله كان منخرطا في العامة ثم استبصر ((984)) .قـلت : بل الظاهر كونه من الشيعة من اول امره , لانه كوفي و تتلمذ على امثال ابن جبيرو مجاهد و
عـكـرمـة و الـسلمي و اضرابهم اما سبب اختلاطه في نظر القوم فلعله بدى منه شي من الارتفاع
لم يكن يتحمله القوم , و كم له من نظير.امـا الرواية المشار اليها فهي ما رواه ابو جعفر الصدوق باسناده الى عطا بن السائب عن الامام على
بن الحسين (ع ), قال : ((اذا كنتم في ائمة جور فاقضوا في احكامهم , و لا تشهروا انفسكم فتقتلوا
و ان تعاملتم باحكامنا كان خيرا لكم )) ((985)) و قد عده الصدوق في المشيخة ((986)) .و قد كانت وفاة الامام السجاد عام (95) سنة الفقها و قد عاش ابن السائب بعد ذلك ما يقرب (40)
سـنـة ,حـيـث عـام وفاته (136) و الرواية ان دلت على تشيعه ـ كما هو كذلك ـ فقد كان ذلك في
اوليات حياته .و له رواية اخرى عن زاذان ابي عمرة الفارسي الكوفي الضرير, مات سنة (82) في قضية قضاها
الامام امير المؤمنين (ع ) ايام عمر بن الخطاب , بشان الوديعة التي استودعها رجلان عندامراة رواها
حريز بن عبد اللّه السجستاني عن عطا بن السائب من زاذان ((987)) .