الـعـصـر ((1310)) , و هـم يـوسـف بـارتـكـاب الـفـاحشة ((1311)) , و انه الذي نسي ذكر
ربـه ((1312)) , و ان مـوسى دفن بلا غسل و لا كفن ((1313)) , و قوله للرب : ان لم تغضب لي
فلست لك بنبي ((1314)) .وما الى ذلك من اساطير الصقت بانبيا اللّه العظام , و حاش الائمة (ع ) ان يتكلموا بمثلها.و جا فيه ما ينافي العلم , فقد ورد بشان الخسوف و الكسوف غرائب و عجائب :.جـا فـي تـفـسـيـر قـوله تعالى : (و جعلنا الليل و النهار آيتين فمحونا اية الليل و جعلنا آية النهار
مبصرة ) ((1315)) .ان من الاوقات التي قدرها اللّه البحر الذي بين السما و الارض , و ان اللّه قدر فيها مجاري الشمس
و الـقـمر والنجوم و الكواكب ثم قدر ذلك كله على الفلك ثم وكل بالفلك ملكا معه سبعون الف ملك ,
يديرون الفلك , فاذادارت الشمس و القمر والنجوم و الكواكب معه , نزلت في منازلها.و اذا كـثرت ذنوب العباد و اراد اللّه ان يستعتبهم بية , امر الملك الموكل بالفلك ان يزيل الفلك الذي
عـلـيـه مجرى الشمس و القمر و النجوم و الكواكب فيامر الملك اولئك السبعين الف ملك ان يزيلوا
الـفـلك عن مجاريه فيزيلونه فتصير الشمس في البحر فيطمس حرها و يغير لونها و كذلك يفعل
بالقمرفاذااراد اللّه ان يخرجهما و يردهما امر الملك ان يردالفلك الى مجاريه , فتخرج الشمس من
الما و هي كدرة والقمر مثل ذلك .و جـا في مساحة الارض و الشمس و القمر: ان الارض مسيرة خمسمئة عام , مسيرة اربعمئة عام
خـراب , ومـسيرة مائة عام عمران و الشمس ستون فرسخا في ستين و القمر اربعون فرسخا في
اربعين .و عل ل احرية الشمس من القمر بما يلي :.ان اللّه خـلـق الشمس من نور النار و صفو الما, طبقا من هذا و طبقا من هذا, حتى اذا صارت سبعة
اطباق , البسهااللّه لباسا من نار, فمن هنالك صارت الشمس احر من القمر.قلت : فالقمر؟ قال : ان اللّه خلق القمر من ضؤ النار و صفو الما طبقا من هذا و طبقا من هذا, حتى اذا
صارت سبعة اطباق البسها اللّه لباسا من ما, فمن هناك صار القمر ابرد من الشمس ((1316)) .و جا فيه من قصص اساطيرية ما ينافي العقل و العادة .كقصة الرجل الذي عقلت رجله بالهند او من ورا الهند, و قد عاش ما عاشت الدنيا ((1317)) .و قـصة ملك الروم و حضور الامام الحسن و يزيد لديه , و محاكمته لهما في اسئلة غريبة , طرحها
عليهما ((1318)) .و قصة عناق كانت لها عشرون اصبعا في كل اصبع ظفران كالمنجلين ((1319)) .و قصة اسرافيل كان يخطو كل سما خطوة , و انه حاجب الرب تعالى ((1320)) .و كان الوزغ ينفخ في نار ابراهيم و الضفدع يطفئها ((1321)) .و ان ياجوج و ماجوج ياكلون الناس ((1322)) .كما فسرت كلمات باشيا او باشخاص لا مناسبة بينهما.فقد فسرت البعوضة بامير المؤمنين (ع ) ((1323)) و كذا دابة الارض به ((1324)) , و هكذا
الـسـاعة في قوله تعالى : (بل كذبوا بالساعة ) اي بعلي (ع ) ((1325)) و الورقة بالسقط, والحبة
بـالـولد ((1326)) و المشرقين برسول اللّه و على (ع )والمغربين بالحسن والحسين (ع ) و كذا
البحرين بعلي و فاطمة (ع ) و البرزخ برسول اللّه (ص ) ((1327)) و كذا الثقلان في قوله تعالى :
(سـنـفـرغ لـكـم ايـهـاالـثـقـلان ) بـالـعـتـرة و الـكـتـاب ((1328)) و فـسـر الـفـاحشة
بالخروج بالسيف ((1329)) .
نماذج مختارة من صحاح التفاسير الماثورة عن ائمة اهل البيت (ع )
و بـعـد فاليكم نماذج من تفاسير ماثورة عن اهل البيت (ع ) هي مناهج تعليمية لكيفية دراسة القرآن الـكـريـم وطريقة استنباط معانيه الحكيمة اخذنا الاهم منها ماخوذة من كتب ذوات اعتبار, و فياسانيد صحيحة لا غبارعليها.فـمـنـهـا: ما ورد في تفسير آية الوضؤ و آية التقصير في الصلاة و آية خمس الغنائم و قطع يد
الـسـارق و تحريم الخمر و جزا قتل المؤمن و الطلاق الثلاث ومتعة النسا و الحج و الرجعة قبل
الحشر الاكبر و مساله البدا في التكوين .و اليك :.
الاول ـ آية الوضؤ
قوله تعالى : (و امسحوا برؤوسكم و ارجلكم الى الكعبين ) ((1330)) .ا ـ مسح الراس :.روى ثـقـة الاسلام ابو جعفر الكليني باسناده عن طريق علي بن ابراهيم الى زرارة ,سال ابا جعفر
الباقر(ع ) قال : الا تخبرني من اين علمت و قلت : ان المسح ببعض الراس ؟.فـضحك الامام (ع ) ثم قال : يا زرارة , قال رسول اللّه (ص ) و نزل به الكتاب ثم فصل الكلام فيه و
قـال : لان اللّه عـز و جل يقول : (فاغسلوا وجوهكم ) فعرفنا ان الوجه كله ينبغي ان يغسل , ثم قال :
(و ايـديـكـم الـى المرافق ) ثم فصل بين الكلامين فقال : (و امسحوا برؤوسكم ) فعرفنا حين قال :
((برؤوسكم )) ان المسح ببعض الراس , لمكان البا ((1331)) .يـعـنـي انـه غير الاسلوب و زاد حرف الربط ((البا)) بين الفعل و متعلقه , مع عدم حاجة اليه في
ظـاهـر الكلام , حيث كلا الفعلين (الغسل و المسح ) متعديان بانفسهما, يقال : مسحه مسحا, كما يقال :
غسله غسلا ((1332)) فلا بد هناك من نكتة معنوية في هذه الزيادة غير اللازمة حسب الظاهر,
اذ زيادة المباني تدل عل زيادة المعاني .و قـد اشار(ع ) الى هذا السر الخفي بافادة معنى التبعيض في المحل الممسوح , استنباطا من موضع
البا هنا ذلك انه لو قال : و امسحوا رؤوسكم , لاقتضى الاستيعاب كما في غسل الوجه .فـقـولـه : (و امـسـحـوا برؤوسكم ) يستدعي التكليف بالمسح مرتبطا بالراس , اي ان التكليف هو
حـصـول ربط المسح بالراس , الذي يتحقق باول امرار اليد المبتلة باول جز من اجزا الراس اذ حين
وضع اليد على مقدم الراس ـ مثلا ـ و امرارها, يحصل ربط المسح بالراس , و عنده يسقط التكليف ,
لان المكلف به قد حصل بذلك و لا تعدد في الامتثال , كما قرر في الاصول .فـكـانـت زيـادة ((البا)) هي التي دلتنا على هذه الدقيقة في شريعة المسح , بعد و رود القول به من
رسول اللّه (ص )فيا له من استنباط رائع مستند الى دقائق الكلام .هـذا و غـيـر خفي ان هذه الاستفادة الكلامية لا تعني استعمال البا في معنى التبعيض ـ كما وهمه
الـبـعـض ـ بل ان بنية الكلام و تركيبه الخاص (بزيادة ما لا لزوم فيه ظاهرا) هو الذي افاد هذا
الـمعنى , اي كفاية مسح بعض الراس فالتبعيض في الممسوح مستفاد من جملة الكلام لا من خصوص
البا اذ ليس التبعيض من معاني الباالبتة , فلا موضع لما نازع بعضهم في كون البا تفيد التبعيض .قـال الشيخ محمد عبده : و نازع بعضهم في كون البا تفيد التبعيض , قيل : مطلقا, وقيل : استقلالا, و
انما تفيده مع معنى الالصاق و لا يظهر معنى كونها زائدة .قـال : و التحقيق ان معنى البا الالصاق لا التبعيض او الالة , و انما العبرة بما يفهمه العربي من : مسح
بـكـذا او مـسـح كذا فهو يفهم من : مسح راس اليتيم او على راسه , و مسح بعنق الفرس او ساقه او
بـالركن او الحجر, انه امر يده عليه , لا يتقيد ذلك بمجموع الكف الماسح و لا بكل اجزا الراس او
العنق او الساق او الركن او الحجرالممسوح فهذا ما يفهمه كل من له حظ من هذه اللغة , مما ذكر, و
من قوله تعالى : (فطفق مسحا بالسوق والاعناق ) ((1333)) ـ على القول الراجح المختار ان المسح
باليد لا بالسيف ـ و من مثل قول الشاعر:.ولما قضينا من منى كل حاجة ـــــ و مسح بالاركان من هو ماسح .واخـيـرا ينتهي الى القول بان ظاهر الاية الكريمة ان مسح بعض الراس يكفي في الامتثال , و هو ما
يـسـمى مسحافي اللغة , و لا يتحقق الا بحركة العضو الماسح ملصقا بالممسوح فلفظ الاية ليس من
المجمل ((1334)) .و هكذا استدل الامام (ع ) لعدم وجوب استيعاب الوجه و اليدين في مسحات التيمم بدخول ((البا))
فـي قـوله تعالى : (فامسحوا بوجوهكم و ايديكم منه ) ((1335)) اذ لم يقل : امسحوا وجوهكم و
ايديكم , لئلا يفيدالاستيعاب فيهما.و لـم يحتمل محمد بن ادريس الشافعي في آية الوضؤ ((وامسحوا برؤوسكم )) غير هذا المعنى ,
اي المسح لبعض الراس قال : ((وكان معقولا في الاية ان من مسح من راسه شيئا فقد مسح براسه , و
لـم تحتمل الاية الاهذا, و هو اظهر معانيها او مسح الراس كله قال : و دلت السنة على ان ليس على
الـمـر مـسـح راسـه كـلـه و اذا دلـت الـسـنة على ذلك , فمعنى الاية : ان من مسح شيئا من راسه
اجزاه )) ((1336)) .و زاد ـ في الام ـ ((اذا مسح الرجل باي راسه شا ان كان لا شعر عليه , و باي شعر راسه , باصبع
واحـدة او بـعـض اصـبـع او بطن كفه , او امر من يمسح به اجزاه ذلك فكذلك ان مسح نزعتيه او
احداهما او بعضهما اجزاه , لانه من راسه )) ((1337)) .و قـد بـين وجه المعقولية في الاية بقوله : ((لانه معلوم ان هذه الادوات موضوعة لافادة المعاني ,
فـمتى امكننااستعمالها على فوائد مضمنة بها وجب استعمالها على ذلك , و ان كان قد يجوز و قوعها
صـلـة للكلام و تكون ملغاة لكن متى امكننا استعمالها على وجه الفائدة , لم يجز لنا الغاؤها, و من اجل
ذلـك قـلـنـا: ان الـبا في ((الاية ))للتبعيض و يدل على ذلك انك اذا قلت : مسحت يدي بالحائط كان
معقولا مسحها ببعضه دون جميعه , و لو قلت :مسحت الحائط كان المعقول مسحه جميعه دون بعضه ,
فـقـد وضـح الـفـرق بـيـن ادخـال الـبا و بين اسقاطها, في العرف و اللغة ثم ايد ذلك بما رواه عن
ابـراهـيم ((1338)) قال : اذا مسح ببعض الراس اجزاه , قال : و لو كانت ((امسحوارؤوسكم ))
كـان مـسـح الـراس كله قال : فاخبر ابراهيم ان ((البا)) للتبعيض , و قد كان عند اهل اللغة مقبول
القول فيها ((1339)) .قال الرازي : حجة الشافعي انه لو قال : مسحت المنديل , فهذا لا يصدق الا عند مسحه بالكلية , اما لو
قال :مسحت يدي بالمنديل , فهذا يكفي في صدقه مسح اليدين بجز من اجزا ذلك المنديل ((1340)) .و هذا الذي ذكره الشافعى , و ان كان يتوافق ـ في ظاهره ـ مع نظرة الامام الصادق (ع )و لعله ناظر
اليه , لكنه يتخالف معه في مواضع :.احدها: زعمه ان ((البا)) استعملت ـ هنا ـ بمعنى التبعيض نظير ((من )) التبعيضية في حين انه لم
تـات ((الـبـا))فـي اللغة للتبعيض و لا شاهد عليه البتة و استناده الى كلام ابراهيم النخعي غير
وجـيـه , لانه لم يصرح بذلك , بل ان كلامه ككلام الامام الصادق يهدف الى ـ ان موضع ((البا)) هنا
افاد اجزا مسح بعض الراس ـ بالبيان الذي تقدم ـ و هذا يعني ان ((البا)) ـ في موضعها الخاص هنا ـ
تفيد التبعيض في مسح الراس ـ و هذا غير كونهامستعملة ـ في معنى التبعيض , كما عرفت .الـثاني : ان التمثيل بالمنديل غير صحيح , لان المنديل مما يمسح به و ليس ممسوحا, اذ لا يقال ـ في
الـعـرف والـلـغة ـ : مسحت المنديل فقولنا: مسحت يدي بالمنديل , يفيد كون اليد هي الممسوحة لا
المنديل .الـثـالـث : ان الـشـافـعـي لـم يشترط ان يكون المسح باليد, قال : فاذا رش الما على جز من راسه
((1341)) و لعله اخذ بالملاك قياسا و لانـدري كيف يكون الرش مسحا؟ ((1342)) ,
خروجا عن مدلول لفظ الشرع ؟.والـخـنـفـى ة قالوا بكفاية مسح ربع الراس من اى الاطراف , و يشترط ان يكون بثلاث اصابع اما
المالكية والحنابلة فقد اوجبوا مسح الراس كله , و اغفلوا موضع ((البا)) ((1343)) .كـمـا ان المذاهب الاربعة جميعا اغفلوا جانب ((البا)) في آية التيمم فاوجبوا مسح الوجه كله , و
كذا مسح اليدين مع المرفقين ((1344)) .يـقـول القرطبي ـ و هو مالكي المذهب ـ : و اما الراس فهو عبارة عن الجملة التي منهاالوجه , فلما
عـيـن اللّه الـوجـه لـلغسل بقي باقيه للمسح , و لو لم يذكر الغسل للزم مسح جميعه , ما عليه شعر
من الراس و ما فيه العينان و الانف و الفم قال : و قد اشار مالك في وجوب مسح الراس الى ما ذكرناه ,
فـانـه سـئل عـن الـذي يترك بعض راسه في الوضؤ, فقال : ارايت ان ترك غسل بعض وجهه اكان
يـجـزئه ؟ قـال : و وضـح بهذا الذي ذكرناه ان الاذنين من الراس , و ان حكمهما حكم الراس و اما
((الـبـا)) فـجـعـلـهـا مـؤكـدة زائدة لـيـسـت لافادة معنى في الكلام قال : و المعنى : و امسحوا
رؤوسكم ((1345)) .ب ـ مسح الرجلين .مـن الـمـسـائل المستعصية التي اشغلت فراغا كبيرا في التفسير و الادب الرفيع , هي مسالة مسح
الارجل في الوضؤ مستفادا من كتاب اللّه تعالى .فـقـد زعم بعضهم ان القراة بالخفض تتوافق مع مذهب الشيعة الامامية في وجوب المسح , و القراة
بـالـنـصـب تتوافق مع سائر المذاهب و لكل من الفريقين دلائل و شواهد من السنة او الادب و لغة
العرب , يجدها الطالب في مظانها.غـيـر ان الـوارد عـن ائمة اهل البيت (ع ) في تفسير الاية الكريمة هو التصريح بان القرآن نزل
بـالـمـسح على الارجل , و هكذا نزل به جبرائيل , و عمل به رسول اللّه (ص ) و امير المؤمنين و
اولاده الاطهار و هكذا خيارالصحابة و جل التابعين لهم باحسان .فـقـد روى الشيخ باسناده الصحيح الى سالم و غالب ابني هذيل عن ابي جعفر(ع )سالاه عن المسح
على الرجلين ؟ فقال : هوالذي نزل به جبرئيل (ع ) ((1346)) .يـعـنـي : ان الـذي يبدو من ظاهر الكتاب هو وجوب مسح الرجلين , عطفا على الرؤوس و لايجوز
كونه عطفا على الوجوه و الايدي , لاستلزامه الفصل بالاجنبي و هو لا يجوز في مثل القرآن و هذا
سـوا قـرئ بخفض الارجل ام بنصبها اما على قراة الخفض فظاهر, و قد قرا بها ابن كثير و ابو
عـمـرو وحمزة من السبعة , و شعبة احد راويي عاصم لكن مقتضاها المسح لبعض الارجل كما في
الراس .ام قـرئ بالنصب عطفا على المحل , لان محل ((برؤوسكم )) نصب مفعولا به لامسحوا و هو فعل
متعد يقتضي النصب و قد اقحمت ((البا)) اقحاما لحكمة افادة التبعيض حسبما عرفت .و قد قرا النصب ايضا ثلاثة من السبعة : نافع و ابن عامر و الكسائي و حفص الراوي الاخر لعاصم
و هـي الـقـراة المسندة الى ابي عبد الرحمان السلمي عن امير المؤمنين (ع ) و قد مضى شرحها في
فصل القراات من التمهيد ((1347)) .غـيـر ان القراة بالنصب تستدعي الاستيعاب , ((1348)) لتعلق الفعل ((امسحوا)) بالممسوح بلا
واسـطـة , و حـيـث حددت الارجل بالكعبين كالايدي بالمرفقين , كان ظاهره ارادة استيعاب ما بين
الـحـدين (من رؤوس الاصابع الى الكعبين ), الامر الذي يؤكد صحة قراة النصب و هي القراة التي
جـرى عـليها المسلمون , و هي المختارة حسب الضوابط التي قدمناها و على اى تقدير, سوا اقرئ
بـالخفض ام بالنصب , فهو عطف على الرؤوس , وليس عطفا على الايدي , فلا موجب لارادة الغسل
في الارجل .و من ثم فظاهر الكتاب هو المسح كما نص عليه ائمة اهل البيت و عن مولانا امير المؤمنين (ع ): ما
نـزل الـقـرآن الا بـالمسح ((1349)) و عن ابن عباس : ان في كتاب اللّه المسح , و يابى الناس الا
الغسل ((1350)) .و هذا استنكار على العامة في مخالفتهم لظاهر القرآن المتوافق مع قواعد الفن في الادب و الاصول
.قال الشيخ محمد عبده : و الظاهر انه عطف على الراس , اي وامسحوا بارجلكم الى الكعبين .قال : اختلف المسلمون في غسل الرجلين و مسحهما, فالجماهير على ان الواجب هو الغسل , و الشيعة
الامـامـيـة انـه المسح و ذكر الرازي عن القفال ان هذا قول ابن عباس و انس بن مالك وعكرمة و
الشعبي و ابي جعفر محمد بن علي الباقر قال : و عمدة الجمهور في هذا الباب عمل الصدر الاول و
مـايـؤيده من الاحاديث القولية و قد اسهب المقال و نقل عن الطبري اختياره الجمع بين الامرين ثم
اردفـه بكلام الالوسي و تحامله على الشيعة بما يوجد مثله في كتب اهل السنة في كلام يطول و ان
شئت فراجع ((1351)) .
الثاني ـ آية قصر الصلاة
مـن الايـات الـتـي وقعت موضع بحث و جدل من حيث دلالتها على المراد, هل المقصود بيان صلاة الخوف فقط ام يعم صلاة المسافر ايضا فما وجه دلالتها؟.ذهب المفسرون الى تعميم دلالتها استنادا الى فعل النبي (ع ) و الائمة و سائر المسلمين , منذ العهدالاول كـانـوايـقصرون من الصلاة استنادا الى هذه الاية الكريمة , الواردة ـ بظاهرها ـ في صلاة
الخوف فقط.قـال تعالى : (و اذا ضربتم في الا رض فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة , ان خفتم ان يفتنكم
الـذين كفروا ان الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا و اذا كنت فيهم فاقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم
معك و لياخذوا اسلحتهم , فاذا سجدوافليكونوا من ورائكم , و لتات طائفة اخرى لم يصلوا فليصلوا
مـعـك و لـيـاخـذواحـذرهـم و اسـلـحـتـهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن اسلحتكم و امتعتكم
فيميلون عليكم ميلة واحدة ) ((1352)) .ظـاهـر الـعـبارة ,ان جملة الشرط ((ان خفتم )) قيد في الموضوع , يعني القصر في الصلاة ـ عند
الضرب في الارض ـمشروط بوجود الخوف و من ثم جا شرح صلاة الخوف في الاية التالية لها.والـفـتـنة ـ هناـ : الشدة و المحنة و البلا, اي خوف ان يفجعوكم بالقتل و النهب والاسر, كما في
قـولـه تـعالى :(على خوف من فرعون و ملئهم ان يفتنهم ), و قوله : (واحذرهم ان يفتنوك ), و (و
ان كادوا ليفتنونك ) ((1353)) اي يفجعوك ببلية و شدة و مصيبة .قـال الطبرسي : ظاهر الاية يقتضى ان القصر لا يجوز الا عند الخوف لكنا قد علمنا جواز القصر
عـند الامن ببيان النبي (ص ) و يحتمل ان يكون ذكر الخوف في الاية قد خرج مخرج الاعم الاغلب
عليهم في اسفارهم , فانهم كانوا يخافون الاعدا في عامتها و مثلها في القرآن كثير ((1354)) .قـال الـمـحـقق الفيض : قيل : كانهم الفوا الاتمام و كان مظنة لان يخطر ببالهم ان عليهم نقصانا في
التقصير, فرفع عنهم الجناح لتطيب نفوسهم بالقصر و يطمئنوا اليه ((1355)) .و روى ابو جعفر الصدوق باسناده الصحيح عن زرارة و محمد بن مسلم , انهما قالا: قلنا للامام ابي
جعفرالباقر(ع ): ما تقول في الصلاة في السفر, كيف هي , و كم هي ؟.فـقـال : ان اللّه عـز و جـل يـقـول : (و اذا ضـربـتـم في الا رض فليس عليكم جناح ان تقصروا
من الصلاة ) ((1356)) فصار التقصير في السفر واجبا كوجوب التمام في الحضر.قـالا: قـلـنا: انما قال اللّه ـ عز و جل ـ : (فليس عليكم جناح ) و لم يقل : افعلوا, فكيف اوجب ذلك
كمااوجب التمام في الحضر؟.فقال (ع ): او ليس قد قال اللّه ـ عز و جل ـ : (ان الصفا و المروة من شعائر اللّه فمن حج البيت او
اعتمر فلا جناح عليه ان يطوف بهما) ((1357)) الا ترون ان الطواف بهما واجب مفروض , لان
اللّه ـعز و جل ـ ذكره في كتابه و صنعه نبيه (ع ), و كذلك التقصير في السفر شي صنعه رسول
اللّه (ص ) و ذكره اللّه تعالى ذكره في كتابه .قالا: قلنا له : فمن صلى في السفر اربعا ايعيد ام لا؟.قال : ان كان قد قرئت عليه آية التقصير و فسرت له , فصلى اربعا اعاد, و ان لم يكن قرئت عليه و
لم يعلمها فلااعادة عليه و الصلاة كلها في السفر, الفريضة ركعتان , كل صلاة , الا صلاة المغرب ,
فانها ثلاث ليس فيها تقصير,تركها رسول اللّه (ص ) في السفر و الحضر ثلاث ركعات و قد سافر
رسول اللّه (ص ) الى ذي خشب ((1358)) و هي مسيرة يوم من المدينة , يكون اليها بريدان : اربعة
و عشرون ميلا, فقصر و افطر, فصارت سنة , و قد سمى رسول اللّه (ص ) قوما صاموا حين افطر
العصاة .قال : فهم العصاة الى يوم القيامة , و انا لنعرف ابناهم و ابنا ابنائهم الى يومنا هذا ((1359)) .و هذا الحديث ـ على طوله ـ مشتمل على فوائد جمة :.اولا: عـدم مـنـافـاة بين وجوب التقصير في السفر, و بين قوله تعالى في الاية الكريمة : ((فليس
عليكم جناح )),نظير نفي الجناح الوارد في السعي بين الصفا و المروة , فانه واجب بلا شك .وانما جا هذا التعبير لدفع توهم الحظر, حيث شعر المسلمون بان التكليف هو التمام , كما في سائر
العبادات , لاتختلف سفرا و حضرا, سوى الصوم و الصلاة فدفعا لهذا الوهم نزلت الاية الكريمة .ثانيا: ان الاية دلت على مشروعية القصر في السفر, و قد فعله رسول اللّه (ص ) و فعله المسلمون ,
و كذلك الائمة بعده , و لم يتم احد منهم الصلاة في السفر فمقتضى قواعد علم الاصول , عدم جواز
الاتمام , لان الصلاة عبادة , و هي توقيفية , و لم يعلم مشروعية التمام في السفر, لا من الايه و لا من
فعل الرسول و صحابته الاخيارفمقتضى القاعدة عدم الجواز.لان الـشـك دائر بـيـن الـتـعـيـين و التخيير, و الشك في التكليف في مقام الامتثال , يقتضي الاخذ
بالاحتياط, الذي هو القصر في الصلاة اذ يشك في مشروعية ما زاد على الركعتين , و لا تصح عبادة
مع الشك في مشروعيتها.ثـالـثا: ان الامام (ع ) لم يتعرض للخوف الذي جا شرطا في الاية , فكانه (ع ) فهم انه موضوع آخر
مستقل موضوع السفر و ليس قيدا فيه فالخوف بذاته سبب مجوز للتقصير, كما ان السفر ايضا سبب ,
و لا ربطلاحدهما بالاخر.فـالايـة و ان كانت ظاهرة في القيد, و ان احدهما قيد للاخر, لكن فعل الرسول (ص )و اصحابه و
سـائر الائمـة ,دلـنا على هذا التفصيل , و ان كلا منهما موضوع مستقل لجواز القصر, و هكذا فهم
الامام (ع ) و فهمه حجة علينابالاضافة الى عمل الرسول (ص ).
الثالث ـ آية الخمس
قال تعالى : (و اعلموا ان ما غنمتم من شي فان للّه خمسه و لرسول و لذى القربى ) ((1360)) .نـزلت هذه الاية بعد واقعة بدر, حيث لم يخمس رسول اللّه (ص ) غنائم بدر قال عبادة بن الصامت :
فاستقبل رسول اللّه (ص ) بالمسلمين الخمس فيما كان من كل غنيمة بعد بدر ((1361)) و هي عامة
تـشـمل كل الغنائم الحربية عن ابن عباس , قال : كان رسول اللّه (ص ), اذا بعث سرية فغنموا, خمس
الغنمية ((1362)) .ولـكن جا في تفسير اهل البيت : شمول الاية لكل ما يغنمه الانسان في حياته من تجارة او صناعة او
زراعـة فـكـل مـا ربـحـه الانـسـان في مكاسبه , مما هو فاضل مؤونته ـ مؤونة نفسه و عياله ـ
طول السنة , ففيه الخمس ((1363)) .هكذا ورد عن ائمة اهل البيت (ع ) حيث اخذوا من لفظ ((الغنيمة )) عمومها اللغوي الشامل لكل ربح
و فائدة لان الغنم , مطلق الفوز بالشي ,كما قاله الخليل في العين فقوله : ((ما غنمتم )) كان الموصول
عاما يشمل كل ما فاز به الانسان من غنيمة او ربح او فائدة .قـال الامام ابو جعفر محمد بن علي الجواد(ع ) :((فاما الغنائم و الفوائد, فهي واجبة عليهم في كل
عـام قـال اللّه تـعـالـى : (واعلموا ان ما غنمتم من شي فان للّه خمسه و للرسول و لذى القربى ) و
الـغنائم و الفوائد ـ يرحمك اللّه ـ فهي الغنيمة يغنمها المر, و الفائدة يفيدها, و الجائزة من الانسان
للانسان التي لهاخطر, و الميراث الذي لا يحتسب )) ((1364)) .وعـن الامـام ابـي الـحسن موسى (ع ) ساله سماعة عن الخمس , فقال : في كل ما افاد الناس من قليل
اوكثير ((1365)) .قـال الـطـبرسي : قال اصحابنا: ان الخمس واجب في كل فائدة تحصل للانسان من المكاسب و ارباح
التجارات و في الكنوز و المعادن و الغوص و غير ذلك قال : و يمكن ان يستدل على ذلك بهذه الاية ,
فان في عرف اللغة يطلق على جميع ذلك اسم ((الغنم )) و ((الغنيمة )) ((1366)) .و اما مستحق هذا الخمس , فهم آل الرسول و ذريته الاطيبون ان شاؤوا اخذوه و ان شاؤوا تركوه
للمعوزين من فقرا المسلمين , او في وجوه البر و في سبيل اللّه .و قد سال نجدة الحروري عبد اللّه بن عباس عن ذوي القربى الذين يستحقون الخمس , فقال : انا كنا
نرى اناهم , فابى ذلك علينا قومنا فقال : لمن تراه ؟ فقال ابن عباس , هو لقربى رسول اللّه (ص ) قسمه
لـهـم رسول اللّه (ص ) و قد كان عمر عرض علينا من ذلك عرضا رايناه دون حقنا فرددناه عليه و
ابـينا ان نقبله و كان عرض عليهم ان يعين ناكحهم , و ان يقضي عن غارمهم , و ان يعطي فقيرهم , و
ابى ان يزيدهم على ذلك .واخـرج ابـن المنذر عن عبد الرحمان بن ابي ليلى , قال : سالت عليا(ع ) عن الخمس , فقلت : يا امير
الـمـؤمنين ,اخبرني كيف كان صنع ابي بكر و عمر في الخمس نصيبكم ؟ فقال : اما ابو بكر فلم تكن
فـي ولايـتـه اخـمـاس و امـاعـمـر, فلم يزل يدفعه الى في كل خمس حتى كان خمس السوس و
جـنديسابور, فقال ـ و انا عنده ـ : هذانصيبكم اهل البيت من الخمس , و قد احل ببعض المسلمين و
اشتدت حاجتهم فقلت : نعم فوثب العباس بن عبدالمطلب , فقال : لا تعرض في الذي لنا ثم قال : فو اللّه
ما قبضناه و لا قدرت عليه في ولاية عثمان .وعـن زيـد بن ارقم , قال : آل محمد(ص ) الذين اعطوا الخمس , آل علي و آل عباس و آل جعفر و
آل عقيل ((1367)) .و فـي الصحيح عن الامام ابي جعفر محمد بن علي الباقر(ع ) قال : ذو القربى هم قرابة الرسول و
الـخـمس للّه وللرسول و لنا و في حديث الرضا(ع ) :فما كان للّه فلرسوله , و ما كان لرسول اللّه
فهو للامام ((1368)) .والصحيح عندنا: ان الخمس كله للامام ـ الذي هو ولى امر المسلمين ـ يضعه حيث يشا, نعم عليه ان
يـعول منه فقرا بني هاشم من نصف الخمس , فان احتاجوا زادهم من عند نفسه و المسالة محررة في
الفقه , على اختلاف في الاقوال .
الرابع ـ آية القطع
روى ابو النضر محمد بن مسعود العياشي باسناده الى زرقان صاحب ابن ابي داودقاضي القضاة , قال : اتـي بـسارق الى محضر المعتصم و قد اقر على نفسه بالسرقة و سال الخليفة تطهيره باقامة الحدعليه فجمع الخليفة لذلك الفقها و قد احضر محمد بن علي الجواد(ع ) فسالهم عن موضع القطع .فقال ابن ابي داود: من الكرسوع (طرف الزند) و استدل بية التيمم و وافقه قوم و قال آخرون : من
المرفق , نظراالى آية الوضؤ.فالتفت الخليفة الى الامام الجواد مستفهما رايه في ذلك , فاستعفاه الامام لكنه اصرعلى معرفة رايه , و
اقسم عليه بالل ه ان يخبره برايه .فقال الامام : اما اذا اقسمت على باللّه , اني اقول : انهم اخطاوا فيه السنة , فان القطع يجب ان يكون من
مفصل اصول الاصابع , فيترك الكف .قال الخليفة : و ما الحجة في ذلك ؟.قـال الامـام : قـول رسـول اللّه (ص ) :((السجود على سبعة اعضا, الوجه و اليدين و الركبتين و
الـرجـلين )) فاذاقطعت يده من الكرسوع او المرفق , لم يبق له يد يسجد عليها و قد قال اللّه تعالى
(و ان الـمـسـاجـد للّه )يـعـنـي بـه هـذه الاعـضا السبعة التي يسجد عليها (فلا تدعوا مع اللّه
احدا) ((1369)) و ما كان للّه لم يقطع .فاعجب المعتصم ذلك و امر بقطع يد السارق من مفصل الاصابع دون الكف ((1370)) .انـظـر الى هذه الالتفاتة الرقيقة التي تنبه لها الامام و لم يلتفت اليها سائر الفقها, ذلك ان اليد في آية
الـقـطـع وقـعـت مـجملة قد ابهم المراد منها, فلا بد من تبيينها اما من السنة او الكتاب ذاته و قد
التفت الامام (ع ) لوجه التبيين الى السنة مدعمة بنص الكتاب فبين ان راحة الكف هي احدى المواضع
السبعة التي يجب على المصلي ان يسجد عليها و ذلك بنص الحديث الوارد عن الرسول (ص ) و هذا
كبيان الصغرى ثم اردفه ببيان الكبرى المستفادة من الاية الكريمة الشاملة بعمومها لكل مسجد, سوا
الـمـوضـع الذي يسجد فيه ,او العضو الذي يسجد عليه , كل ذلك للّه و ما كان للّه لا تشمله عقوبة
الـحـد لان الـعـقوبة انما ترجع الى ما للعبدالمذنب , و لا تعود على ما كان للّه تعالى و هو استنباط
ظريف جدا.و مـمـا يستغرب في المقام ما ذكره الجزيري تعليلا بوجوب القطع من مفصل الكف , اي الزند, قال :
لان الـسـرقـة تـقع بالكف مباشرة , و الساعد و العضد يحملان الكف , و العقاب انما يقع على العضو
المباشر للجريمة و لذلك تقطع اليمنى اولا, لان التناول يكون بها في غالب الاحيان ((1371)) .قلت : هذا التعليل يقتضي وجوب القطع من مفصل الاصابع , كما عليه فقها الامامية و به رواياتهم , لان
الاصابع هي التي تناوش المتاع المسروق , و الكف تحمل الاصابع .و قد ذكر ابن حزم الاندلسي ان عليا(ع ) كان يقطع الاصابع من اليد و نصف القدم من الرجل و كان
عمر يقطع كل ذلك من المفصل و اما الخوارج فراوا القطع من المرفق او المنكب ((1372)) .
الخامس ـ تحريم الخمر
لم ترد آية في المنع عن شرب الخمر, بلفظ التحريم صريحا, و انما هو امر بالاجتناب عنه او مما يـنـبـغـي الانـتـهـا منه , مما هو ظاهر في الارشاد الى حكم العقل محضا الامر الذي قد يوهم انهاغيرمحرمة في شريعة الاسلام ومن ثم سال المهدى العباسى الامام موسى بن جعفر(ع ) عن ذلك , قال : هل هي محرمة في كتاب اللّه
عز وجل ؟ فان الناس انما يعرفون النهي عنها و لا يعرفون التحريم لها.فقال له الامام : بل هي محرمة في كتاب اللّه , يا امير المؤمنين .قال : في اى موضع هي محرمة في كتاب اللّه , يا ابا الحسن ؟.فـقال : في قول اللّه عز و جل : (قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و الا ثم والبغي
بغير الحق ) ((1373)) .قـال (ع ) : امـا مـا ظهر فهو الزنى المعلن و نصب الرايات التي كانت ترفعها الفواجر للفواحش في
الجاهلية و اما مابطن فيعني ما نكح من الابا, كان الناس قبل البعثة اذا كان للرجل زوجة و مات عنها,
تزوجها ابنه من بعده اذا لم تكن امه .قـال : و امـا الاثـم فـانـهـا الخمرة بعينها و قد قال تعالى في موضع آخر: (يسالونك عن الخمر و
الميسرقل فيهما اثم كبير و منافع للناس , و اثمهما اكبر من نفعهما) ((1374)) .فالتفت المهدى الى علي بن يقطين ـ و كان حاضر المجلس و من وزرائه ـ و قال : ياعلى , هذه و اللّه
فـتوى هاشمية مـنـكـم اهـل الـبـيـت فـمـا صـبـر الـمهدى ان قال : صدقت يا رافضي و كان يعرف منه الولا لال
البيت ((1375)) .وبهذه المقارنة الدقيقة بين آيتين قرآنيتين يعرف التحريم صريحا في كتاب اللّه الامر الذي اعجب
المهدى العباسي و استعظم هذا التنبه الرقيق و الذ كا المرهف الذي حظي به البيت الهاشمي الرفيع .وهكذا روي عن الحسن تفسير ((الاثم )) في الاية ((بالخمر)) ((1376)) .قال العلامة المجلسي : المراد بالاثم ما يوجبه , و حاصل الاستدلال انه تعالى حكم في تلك الاية بكون
مـا يـوجـب الاثم محرما, و حكم في الاية الاخرى بكون الخمر والميسر مما يوجب الاثم , فثبت
بمقتضاهما تحريمهما ((1377)) .والكناية بالاثم عن الخمر, لانها ام الخبائث و راس كل اثم ((1378)) , كان قد شاع ذلك الوقت و
قبله و تعارف استعماله انشد الاخفش :.شربت الاثم حتى ضل عقلي ـــــ كذاك الاثم تذهب بالعقول .وقال آخر:.نهانا رسول اللّه ان نقرب الخنا ـــــ و ان نشرب الاثم الذي يوجب الوزرا ((1379)) .و ايضا قال قائلهم في مجلس ابي العباس :.نشرب الاثم بالصواع جهارا ـــــ و ترى المسك بيننا مستعارا ((1380)) .و قـد صـرح الجوهري بوروده في اللغة , قال : و قد تسمى الخمر اثما ثم انشد البيت الاول كذلك
عدهاالفيروزآبادي احد معانيه .و امـا انـكـار جـماعة ان يكون الاثم اسما للخمر, فهو انما يعني الاطلاق الحقيقي دون المجاز و
الاسـتـعـارة , فكل معصية اثم , غير ان الخمر لشدة تاثيمها سميت اثما, لانها راس المثم و اصلها و
اسـاسها, كما نبهنا و الى هذايرجع كلام ابن سيده , قال : وعندي انه انما سماها اثما, لان شربها اثم
فهو من الاطلاق الشائع الدائر على الالسن , وضعا ثانويا عرفيا بكثرة الاستعمال نعم ليس من الوضع
اللغوي الاصل .و الـى هـذا الـمـعـنـى ايـضـا يـرجع انكار ابن الانباري ابي بكر النحوي ان يكون الاثم من اسما
الخمر ((1381)) لا انكار استعماله فيها مجازا شائعا قال الزبيدي : و قد انكر ابن الانباري تسمية
الـخـمر اثما, وجعله من المجاز, و اطال في رد كونه حقيقة ((1382)) قلت : وهو كذلك بالنظر
الى اصل اللغة .وانـكره ابن العربي راسا قال : ((لا حجة فيما انشده الاخفش , لانه لو قال : شربت الذنب او شربت
الـوزر لـكـان كذلك , و لم يوجب ان يكون الذنب او الورز اسما من اسما الخمر, كذلك الاثم قال : و
الذي اوجب التكلم بمثل هذا الجهل باللغة و بطريق الادلة في المعاني )).لـكـن الفارق ان العرب استعملت ((الاثم )) في الخمر و تعارف استعماله في عرفهم ,حتى خص به
على اثر الشياع اما ((الذنب )) و ((الوزر)) فلم يتعارف استعمالهما في ذلك و لو تعارف لكان كذلك
.قال القرطبي ـ في رده ـ : انه مروى عن الحسن , و ذكره الجوهري مستشهدا بما انشده الاخفش ,
و هكذا انشده الهروي في غريبيه , على ان الخمر: الاثم قال : فلا يبعد ان يكون الاثم يقع على جميع
المعاصي و على الخمرايضا لغة , فلا تناقض ((1383)) .
السادس ـ قتل المؤمن متعمدا
قال تعالى : (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها و غضب اللّه عليه ولعنه و اعد له عذابا عظيما) ((1384)) .هـذه الايـة دلت على ان قاتل المؤمن مخلد في النار, و لا يخلد في النار الا الكافر الذي يموت علىكـفـره , لان الايـمـان مـهما كان فانه يستوجب المثوبة , و لا بد ان تكون في نهاية المطاف , على ما
اسلفنا ((1385)) .كـما انها صرحت بان اللّه قد غضب عليه و لعنه و لا يلعن اللّه المؤمن اطلاقا, كما في الحديث عن
الامام ابي جعفر(ع ) ((1386)) .ومن ثم وقعت اسئلة كثيرة من اصحاب الائمة بشان الاية الكريمة :.روى الـكـليني باسناده الى سماعة بن مهران , سال ابا عبد اللّه (ع ) عن الاية فقال : ((من قتل مؤمنا
عـلى دينه فذلك المتعمد الذي قال اللّه عز و جل : و اعد له عذابا عظيما)) قال : فالرجل يقع بينه و
بين الرجل شي فيضربه بسيفه فيقتله ؟ قال : ((ليس ذلك المتعمد الذي قال اللّه عز و جل )).و هكذا اسئلة اخرى من عبد اللّه بن بكير و عبد اللّه بن سنان و غيرهما بهذا الشان ((1387)) .فـقـد بين الامام (ع ) ان من يقتل مؤمنا لايمانه , انما عمد الى محاربة اللّه و رسوله وابتغا الفساد في
الارض , ولـيـس عـمـلـه لغرض شخصي يرتبط بذاته , انما هو ارادة محق الايمان من على وجه
الارض و لا شـك انـه كافرمحارب للّه و رسوله , و مخلد في النارـ ان مات على عقيدة الكفرـ و
غضب اللّه عليه و لعنه و اعد له عذاباعظيما.وهكذا سار مفسرو الشيعة على هدى الائمة في تفسير الاية ((1388)) .امـا سـائر الـمفسرين ففسروه بقتل العمد الموجب للدية ((1389)) و لم يبينوا وجه الخلود في
النار و الغضب و اللعنة من اللّه .
السابع ـ الطلاق الثلاث
مـمـا وقـع الخلاف بين الفقها قديما و لا يزال هي مسالة الطلاق الثلاث بلفظ واحد, فقد ذهب فقها الامامية الى انها طلاق واحد لعدم فصل الرجوع بينهن اما باقي الفقها فاقروها ثلاثا و كانت بائنة .و قد عد ائمة اهل البيت (ع ) ذلك مخالفا للكتاب و السنة , قال تعالى : (فطلقوهن لعدتهن ) ((1390))وقال :(الطلاق مرتان فامساك بمعروف او تسريح باحسان ـ الى قوله ـ فان طلقها فلاتحل له من بعد
حتى تنكح زوجا غيره ) ((1391)) .فـقد روى عبد اللّه بن جعفر باسناده الى صفوان الجمال عن ابي عبد اللّه الصادق (ع ) ان رجلا قال
لـه : اني طلقت امراتي ثلاثا في مجلس ؟ قال : ليس بشي ثم قال : اما تقرا كتاب اللّه : (يا ايها النبي اذا
طـلـقـتـم الـنـسـافـطـلـقـوهن لعدتهن ) كلما خالف كتاب اللّه و السنة فهو يرد الى كتاب اللّه و
السنة ((1392)) .و باسناده الى اسماعيل بن عبد الخالق , قال : سمعت الصادق (ع ) يقول : طلق عبد اللّه بن عمر امراته
ثلاثا,فجعلها رسول اللّه (ص ) واحدة , و رده الى الكتاب والسنة ((1393)) .قـال الشيخ : معنى قوله تعالى : (فطلقوهن لعدتهن ): ان يطلقها و هي طاهر من غير جماع و يستوفى
باقي الشروط ((1394)) اي يكون الطلاق في حالة تمكنها ان تعتد عدتها.فمعنى ((لعدتهن )): لقبل عدتهن و هكذا قرئ ايضا قال الشيخ : و لاخلاف انه اراد ذلك اي تفسيرا
و توضيحاللاية ـ و ان لم تصح القراة به ((1395)) .و فـي سـنـن الـبـيهقي عن ابن عمر: قرا النبي ـ ص ـ ((في قبل عدتهن )) و في رواية : ((لقبل
عدتهن )) ((1396)) .و في شواذ ابن خالويه : (فطلقوهن في قبل عدتهن ) عن النبي و ابن عباس ومجاهد ((1397)) .قـال الـطبرسي : انه تفسير للقراة المشهورة : ((فطلقوهن لعدتهن )) اي عند عدتهن , و مثله قوله :
((لا يجليها لوقتها))اي عند وقتها ((1398)) .فقال الزمخشري : فطلقوهن مستقبلات لعدتهن , كقولك : اتيته ليلة بقيت من الشهر, اي مستقبلا لها و
في قراة رسول اللّه (ص ) : ((في قبل عدتهن )) ((1399)) .