الـسـماحة و الحماسة وصلة الرحم , و يتناشدون فيها الاشعار, و يتكلمون بالمنثور من الكلام , و
يـريـد كـل واحـد مـنـهم من ذلك الفعل ,حصول الشهرة و الترفع بمثر سلفه فلما انعم اللّه عليهم
بالاسلام امرهم ان يكون ذكرهم لربهم كذكرهم لابائهم او اشد ذكرا)) ((633)) .و هـكـذا لـما تسال بعضهم : ما وجه قوله تعالى : (فلا جناح عليه ان يطوف بهما) ((634)) اي لا
حـرج عـلـيـه و لا مـاثم في السعي بين الصفا و المروة و ظاهره نفي الباس , اي عدم المنع , و هو
لايـقـتـضـي الـوجوب , مع ان قوله تعالى ـ في صدر الاية ـ : (ان الصفا و المروة من شعائر اللّه )
يستدعي الوجوب , لانه خبر في معنى الامر؟ و قـد كـان ذلك موضع تساؤل منذ او ل يومه اخرج الطبري باسناده الى عمرو ابن حبيش قال : قلت
لـعـبـد اللّه بن عمر: (ان الصفا و المروة من شعائر اللّه , فمن حج البيت او اعتمر فلا جناح عليه
ان يطوف بهما), قال : انطلق الى ابن عباس فاساله فانه اعلم من بقي بما انزل على محمد(ص ).قـال : فاتيت ابن عباس فسالته , فقال : انه كان عندهما اصنام , فلما اسلموا امسكوا عن الطواف بينهما
حتى انزلت (ان الصفا و المروة من شعائر اللّه ) ((635)) .كـان الـمـشـركون قد وضعوا على الصفا صنما يقال له : ((اساف )), و على المروة ((نائلة ))فلما
اعتمر رسول اللّه (ص )عمرة القضا تحرج المسلمون عن السعي بينهما, زعما منهم ان السعي بينهما
شـي كـان صـنـعـه الـمـشركون تزلفاالى الصنمين , فانزل اللّه ان لا حرج و لا موضع لما وهمه
اناس ((636)) .مراجعة اهل الكتاب .
و هل كان ابن عباس يراجع اهل الكتاب في فهم معاني القرآن ؟. سؤال اجيب عليه بصورتين : احداهما مبالغ فيها, و الاخرى معتدلة الى حد ما, كانت مراجعته لاهل
الكتاب ـكمراجعة سائر الاصحاب ـ في دائرة ضيقة النطاق , في امور لم يتعرض لها القرآن , و لا
جـات في بيان النبى (ص ), حيث لم تعد حاجة ملحة الى معرفتها, و لا فائدة كبيرة في العلم بها كعدد
اصـحاب الكهف , و البعض الذي ضرب به موسى من البقرة , و مقدار سفينة نوح , و ما كان خشبها, و
اسـم الغلام الذي قتله الخضر, و اسماالطيور التي احياها اللّه لابراهيم , و نحو ذلك مما لا طريق
الـى مـعـرفـة الصحيح منه فهذا يجوز اخذه من اهل الكتاب , و التحدث عنهم و لا حرج , كما ورد
((حدثوا عن بني اسرائيل و لا حرج )) ((637)) , المحمول على مثل هذه الامور.قـال ابـن تيمية : و في بعض الاحيان ينقل عنهم (عن بعض الصحابة مثل ابن مسعود و ابن عباس و
كثير من التابعين ) ما يحكونه من اقاويل اهل الكتاب التي اباحها رسول اللّه (ص ), حيث قال : ((بلغوا
عـنـي و لو آية , وحدثوا عن بنى اسرائيل و لا حرج )) رواه البخاري عن عبد اللّه بن عمرو بن
الـعـاص , و لـهـذا كـان عبد اللّه بن عمروقد اصاب يوم اليرموك زاملتين ((638)) من كتب اهل
الـكـتـاب , فـكـان يـحـدث منهما, بما فهمه من هذا الحديث من الاذن في ذلك و لكن هذه الاحاديث
الاسـرائيلية انما تذكر للاستشهاد لا للاعتقاد, فانها من الامور المسكوت عنها, ولم نعلم صدقها و
لا كذبها مما بايدينا, فلا نؤمن به و لا نكذبه , و تجوز حكايته , و غالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود الى
امـر ديـنـي , و قـد ابـهـمـه اللّه في القرآن , لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دنياهم و
لادينهم ((639)) .و وافـقـه على هذا الراي الاستاذ الذهبي , قال : كان ابن عباس يرجع الى اهل الكتاب و ياخذ عنهم ,
بحكم اتفاق القرآن مع التوراة و الانجيل , في كثير من المواضع التي اجملت في القرآن و فصلت في
كتب العهدين و لكن في دائرة محدودة ضيقة , تتفق مع القرآن و تشهد له اما ما عدا ذلك مما يتنافى مع
القرآن و لايتفق مع الشريعة ,فكان لا يقبله و لا ياخذ به .قـال : فابن عباس و غيره من الصحابة , كانوا يسالون علما اليهود الذين اعتنقواالاسلام فيما لا يمس
العقيدة او يتصل باصول الدين و فروعه , كبعض القصص و الاخبار الماضية .قـال : و بـهـذا الـمسلك يكون الصحابة قد جمعوا بين قوله (ص ): ((حدثوا عن بني اسرائيل و لا
حرج )), و قوله : ((لاتصدقوا اهل الكتاب و لا تكذبوهم )) فان الاول محمول على ما وقع فيهم من
الـحـوادث والاخبار, لما فيها من العظة و الاعتبار, بدليل قوله بعد ذلك : ((فان فيهم اعاجيب )) و
الـثاني محمول على ما اذا كان المخبر به من قبلهم محتملا, ولم يقم دليل على صدقه و لا على كذبه
قال : كما افاده ابن حجر, و نبه عليه الشافعي ((640)) .و امـا الـمـسـتشرقون فقد ذهبوا في ذلك مذاهب بعيدة , بالغوا فيها الى حد ترفضه شريعة النقد و
التمحيص يقول العلامة المستشرق اجنتس جولد تسيهر:.((و تـرى الـروايـة الاسـلامـية ان ابن عباس تلقى بنفسه ـ في اتصاله الوثيق بالرسول ـ وجوه
الـتفسير التي يوثق بهاوحدها ((641)) و قد اغفلت هذه الرواية بسهولة ـ كما في احوال اخرى
مشابهة ـ ان ابن عباس عند وفاة الرسول كان اقصى ما بلغ من السن (10 ـ 13) سنة .((و اجـدر مـن ذلـك بالتصديق , الاخبار التي تفيد ان ابن عباس كان لا يرى غضاضة ان يرجع , في
الاحوال التي يخامره فيها الشك , الى من يرجو عنده علمها و كثيرا ما ذكر انه كان يرجع ـ كتابة ـ
في تفسير معاني الالفاظ الى من يدعى (ابا الجلد) و الظاهر انه (غيلان بن فروة الازدي ) الذي كان
يثنى عليه بانه قرا الكتب ((642)) .((و كـثيرا ما نجد بين مصادر العلم المفضلة لدى ابن عباس , اليهوديين اللذين اعتنقاالاسلام : كعب
الاحـبـار, و عـبـد اللّه بـن سـلام , كما نجد اهل الكتاب على وجه العموم , اي رجالا من طوائف
وردالـتـحذير من اخبارها ـ عدا ذلك ـ في اقوال تنسب الى ابن عباس نفسه ومن الحق ان اعتناقهم
لـلاسـلام قـد سـمـابـهـم عـلـى مـظـنـة الكذب , و رفعهم الى مرتبة مصادر العلم التي لا تثير
ارتيابا ((643)) .((ولـم يـعـد ابن عباس اولئك الكتابيين الذين دخلوا في الاسلام , حججا فقط في الاسرائيليات و
اخبار الكتب السابقة , التي ذكر كثيرا عنها الفوائد ((644)) , بل كان يسال ايضا كعب الاحبار مثلا
عن التفسير الصحيح للتعبيرين القرآنيين : (ام الكتاب ) ((645)) و (المرجان ) ((646)) .((كان يفترض عند هؤلا الاحبار اليهود, فهم ادق للمدارك الدينية العامة الواردة في القرآن و في
اقـوال الـرسـول ,و كان يرجع الى اخبارهم في مثل هذه المسائل , على الرغم من ضروب التحذير
الصادرة من جوانب كثيرة فيهم )) ((647)) .هـذه هـي عـبـارة (جـولد تسيهر) البادي عليها غلوه المفرط بشان مسلمة اليهود, و دورهم في
الـتلاعب بمقدرات المسلمين , الامر الذي لا يكاد يصدق في اجوا كانت السيطرة مع الصحابة النبها,
انما كان ذلك في عهد طغى سطو امية على البلاد و قد اكثروا فيها الفساد, على ما سننبه .و قد تابعه على هذا الراي الاستاذ احمد امين , قال : و لم يتحرج حتى كبار الصحابة مثل ابن عباس
مـن اخـذقولهم روي ان النبى (ص ) قال : ((اذا حدثكم اهل الكتاب فلا تصدقوهم و لا تكذبوهم ))
ولـكن العمل كان على غير ذلك , و انهم كانوا يصدقونهم و ينقلون عنهم ما حكاه الطبري و غيره عند تفسيرقوله تعالى : (هل ينظرون الا ان ياتيهم اللّه في ظلل من الغمام و
الملائكة ) ((648)) .و عقبه بقوله : و قد رايت ابن عباس كان يجالس كعب الاحبار و ياخذ عنه ((649)) , اشارة الى ما
سبق من قوله : واما كعب الاحبار او كعب بن ماتع فيهودى من اليمن , و اكبر من تسربت منهم اخبار
اليهود الى المسلمين , اسلم في خلافة ابي بكر او عمر ـ على خلاف في ذلك ـ و انتقل بعد اسلامه
الى المدينة ثم الى الشام و قد اخذ عنه اثنان , هما اكبر من نشر علمه : ابن عباس ـ و هذا يعلل ما في
تفسيره من اسرائيليات ـ و ابوهريرة ((650)) .
نقد و تمحيص
و انـا لـناسف كثيرا ان يغتر كتابنا النقاد ـ امثال الاستاذ احمد امين و الاستاذ الذهبي ـ بتخرصات لفقها اوهام مستوردة , فلنترك المستشرقين في ريبهم يترددون , و لكن ما لنا ـ نحن معاشر المسلمينـ ان نحذو حذوهم ونواكبهم في مسيرة الوهم و الخيال ؟ لا شك ان نبها الصحابة امثال ابن عباس كانوا يتحاشون مراجعة اهل الكتاب و يستقذرون ما لديهم من
اسـاطـيـرو قـصـص و اوهـام , و انما تسربت الاسرائيليات الى حوزة الاسلام , بعد انقضا عهد
الـصـحـابة , و عند ما تسيطرالحكم الاموي على البلاد لغرض العيث في الارض و شمول الفساد,
الامر الذي احوجهم الى مراجعة الانذال من مسلمة اليهود و من تبعهم من سفلة الاوغاد.و سـنـذكـر ان مبدا نشر الاسرائيليات بين المسلمين كان في هذا العهد المظلم بالخصوص , حاشا
الـصـحـابـة و حاشا ابن عباس بالذات ان يراجع ذوي الاحقاد من اليهود, و يترك الخلص من علما
الاسـلام امثال الامام على بن ابي طالب (ع ), و كان سفط العلم و لديه علم الاولين و الاخرين , علما
ورثه من رسول اللّه (ص ) في شمول و عموم .و قد مر عليك انه كان يستطرق ابواب العلما من الصحابة بغية العثور على اطراف العلم الموروث
مـن الـرسـول الاكـرم (ص ), و قـد سـئل : انـى ادركـت هـذا الـعلم ؟ فقال : بلسان سؤول و قلب
عقول ((651)) .و الـيـك من تصريحات ابن عباس نفسه , يحذر مراجعة اهل الكتاب بالذات , فكيف ياترى , ينهى عن
شي ثم يرتكبه ؟
التحذير عن مراجعة اهل الكتاب
اخرج البخاري باسناده الى عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة عن ابن عباس , قال : ((يا معشر المسلمين كـيـف تـسـالـون اهـل الكتاب , و كتابكم الذي انزل على نبيه (ص )احدث الاخبار باللّه تقراونه لميشب ((652)) , و قد حدثكم اللّه ان اهل الكتاب بدلوا ما كتب اللّه و غيروا بايديهم الكتاب , فقالوا:
هـو مـن عـند اللّه ليشتروا به ثمنا قليلا, افلاينهاكم ما جاكم من العلم عن مسائلتهم , و لا واللّه ما
راينا منهم رجلا قط يسالكم عن الذي انزل عليكم )) ((653)) .و اخـرج عـن ابـي هريرة قال : كان اهل الكتاب ((654)) يقراون التوراة بالعبرانية و يفسرونها
بـالعربية لاهل الاسلام ,فقال رسول اللّه (ص ): ((لا تصدقوا اهل الكتاب و لا تكذبوهم , و قولوا:
آمنا باللّه و ما انزل الينا و ما انزل اليكم )) ((655)) .و اخـرج عـبـد الرزاق من طريق حريث بن ظهير, قال : قال عبد اللّه بن عباس : ((لا تسالوا اهل
الكتاب , فانهم لن يهدوكم و قد اضلوا انفسهم , فتكذبوا بحق اوتصدقوا بباطل )) ((656)) .و هذا الحديث وضح من كلام النبى (ص ) في عدم تصديقهم و لا تكذيبهم , لانهم كانوا يخلطون الحق
بالباطل ,فلايمكن تصديقهم , لانه ربما كان تصديقا لباطل , و لا تكذيبهم , لانه ربما كان تكذيبا لحق ,
فالمعنى : ان لا يعتبرمن كلامهم شي و لا يترتب على مايقولونه شي فلا حجية لكلامهم و لا اعتبار
لاقوالهم على الاطلاق , اذن فلاينبغي مراجعتهم و لا الاخذ عنهم في وجه من الوجوه .و اخـرج احمد و ابن ابي شيبة و البزاز من حديث جابر, ان عمر اتى النبى (ص )بكتاب اصابه من
بـعـض اهـل الـكتاب , فغضب النبى (ص ), و قال : ((لقد جئتكم بها بيضا نقية , لا تسالوهم عن شي ,
فيخبروكم بحق فتكذبوابه , او باطل فتصدقوا به , و الذي نفسي بيده لو ان موسى كان حيا ما وسعه
الا ان يتبعني )) و في رواية اخرى : ((لاتسالوا اهل الكتاب عن شي )) ((657)) .تـلـك مـناهي الرسول (ص ) الصريحة في المنع عن مراجعة اهل الكتاب اطلاقا, لا في كبير و لا
صـغـيـر, فـهل يا ترى احدا من صحابته الاخيار خالف اوامره وراجعهم في شي من مسائل الدين و
الـقـرآن ؟ الكتاب و ينقلون عنهم ((658)) .و اما الذي استشهدوا به على مراجعة مثل ابن عباس لليهود, فكله باطل و زور, لم يثبت منه شي .امـا الـذي جـا بـه الاسـتـاذ مـثـلا مـن قـولـه تـعـالى : (هل ينظرون الا ان ياتيهم اللّه في ظلل
من الغمام ) ((659)) قال : فاقرا ما حكاه الطبري و غيره عند تفسير الاية .فـقـد راجـعـنا تفسير الطبري و الدر المنثور و ابن كثير و غيرها من امهات كتب التفسيربالنقل
الماثور ((660)) , فلم نجد فيها ذكرا لكعب و لا مسائلته من قبل احد من الاصحاب , او غيرهم من
التابعين ايضا و لم ندر من اين اخذ الاستاذ هذا المثال , و من الذي عرفه ذلك , فاوقعه في هذا الوهم
الفاضح .و امـا قوله : كان ابن عباس يجالس كعب الاحبار, و كان اكثر من نشر علمه ((661)) , فكلام اشد
وهـمـا و اكثر جفاعلى مثل ابن عباس الصحابي الجليل , اذ لم نجد و لا رواية واحدة تتضمن نقلا
لابن عباس عن احد من اليهود,فضلا عن مثل كعب الاحبار الساقط الشخصية ((662)) .نـعـم اشـار المستشرق جولد تسيهر الى موارد, زعم فيها مراجعة ابن عباس لاهل الكتاب , و لعلها
كـانـت مستند الاستاذ احمد امين تقليدا من غير تحقيق و لكنا راجعنا تلك الموارد, فلم نجدهاشيئا,
كسراب بقيعة يحسبه الظمن ما.منها: ان ابن عباس سال كعب الاحبار عن تفسير تعبيرين قرآنيين : ام الكتاب , و المرجان ((663))
.روى الـطـبـري بـاسناده الى عبد اللّه بن ميسرة الحراني : ان شيخا بمكة من اهل الشام سمع كعب
الاحبار يسال عن المرجان (الرحمان / 22) فقال : هو البسذ ((664)) .لكن من اين علم جولد تسيهر ان الذي سال كعبا هو شيخ مكة و زعيمها ابن عباس ؟ و كذا روي عن معتمر بن سليمان عن ابيه عن شيبان , ان ابن عباس سال كعبا عن ام الكتاب (الرعد/
39) فقال :علم اللّه ما هو خالق و ما خلقه عاملون , فقال لعلمه : كن كتابا, فكان كتابا ((665)) .غـيـر ان شيبان هذا ـ هو ابن عبد الرحمان التميمي مولاهم , النحوي ابومعاوية البصري المؤدب ,
سـكـن الـكـوفـة ثـم انـتـقـل الـى بغداد ـ مات في خلافة المهدي سنة (164) و كان من الطبقة
الـسابعة ((666)) , و عليه فلم يدرك ابن عباس المتوفى سنة (68) و لا كعب الاحبار الذي هلك
في خلافة عثمان سنة (32) فالرواية مرسلة لم يعرف الواسطة , فكانت ساقطة عن الاعتبار.و ايـضـا روي عن اسحاق بن عبد اللّه بن الحرث عن ابيه , ان ابن عباس سال كعبا عن قوله تعالى :
(يـسـبحون الليل و النهار لا يفترون ) و (يسبحون له بالليل و النهار و هم لا يسامون ) ((667))
فقال : هل يؤودك طرفك ؟ هل يؤودك نفسك ؟ قال : لا, قال : فانهم الهموا التسبيح , كما الهمتم الطرف
و النفس ((668)) .و عـبـد اللّه هـذا هـو ابـن الـحـارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب , ولد على عهد رسول
اللّه (ص ) بالمدينة واصبح من فقهائها, و تحول الى البصرة و رضيته العامة , و اصطلحوا عليه حين
هـلـك يـزيـد بـن مـعـاويـة تـوفـي سـنـة (84) بـالابوا و دفن بها, و كان خرج اليها هاربا من
الحجاج ((669)) .غير ان الطبري روى باسناده الى حسان بن مخارق عن عبد اللّه بن الحرث , انه هو الذي سال كعبا
عـن ذلك ,قال : قلت لكعب الاحبار: (يسبحون الليل و النهار لا يفترون ) اما يشغلهم رسالة او عمل ؟
قـال : يـا ابن اخي , انهم جعل لهم التسبيح كما جعل لكم النفس , الست تاكل و تشرب و تقوم و تقعد و
تجي و تذهب و انت تتنفس ؟ قلت : بلى ((670)) .قـلـت : يـاتـرى , هل كان هو الذي سال كعبا او انه سمع ابن عباس يسال كعبا؟ في حين انه لايقول :
سـمـعـت ابـن عباس يساله , بل مجرد ان ابن عباس ساله , الامر الذي لا يوثق بكون الرواية منتهيه
الى سماع , و الظاهر انه ارسال .عـلى انه من المحتمل القريب ان السائل هو بالذات , لكن ابنه اسحاق كره نسبة السؤال من مثل كعب
الـى ابـيـه ,فـذكر الحديث عن ابيه مع اقحام واسطة ارسالا من غير اسناد و يؤيد ذلك انه لم تات
رواية غير هذه تنسب الى ابن عباس انه سال مثل كعب , فالارجح في النظر انه مفتعل عليه لا محالة .و استند جولد تسيهر ـ في مراجعة ابن عباس لاهل الكتاب ـ ايضا الى ما رواه الطبري باسناده الى
ابـي جـهـضـم مـوسى بن سالم مولى ابن عباس , قال : كتب ابن عباس الى ابي جلد (غيلان بن فروة
الازدي , كان قرا الكتب , وكان يختم القرآن كل سبعة ايام و يختم التوراة كل ثمانية ايام ) ((671))
يـسـالـه عـن ((الـبـرق )) فـي قوله تعالى : (هوالذي يريكم البرق خوفا و طمعا) فقال : البرق :
الما ((672)) .لـكـن في طبقات ابن سعد ((673)) ان ابا الجلد الجوني ـ حي من الازد ـ اسمه جيلان بن فروة ,
كـان يقرا الكتب وزعمت ابنته ميمونة : ان اباها كان يقرا القرآن في كل سبعة ايام , و يختم التوراة
في ستة , يقراها نظرا, فاذا كان يوم يختمها حشد لذلك ناس .لا شـك انـها مغالاة من ابنته يقول جولد تسيهر: و لا يتضح حقا من هذا الخبر الغامض , الذي زادته
مغالاة ابنته غموضا, اى نسخة من التوراة كان يستخدمها في دراسته ((674)) .لان الـتـوراة المعهودة اليوم و هي تشتمل على (39) كتابا تكون في حجم كبير, ثم هي قصة حياة
اسرائيل طول عشرين قرنا, و فيها تاريخ حياة انبيا بني اسرائيل و ملوكهم و رحلاتهم و حروبهم
طول التاريخ , و هي بكتب التاريخ اشبه منها بكتب الوحي فهل كان يقرا ذلك كله في ستة ايام ؟ و ما هي
الفائدة في ذلك التكرار؟ عـلى ان راوي الخبر ـ و هو موسى بن سالم ابو جهضم ـ لم يلق ابن عباس و لا ادركه , لانه مولى
آل العباس , وليس مولى لابن عباس ففي نسخة الطبري المطبوعة خطا قطعا قال ابن حجر: موسى
بـن سـالم ابوجهضم مولى آل العباس , ارسل عن ابن عباس و هو من رواة الامام ابي جعفر محمد بن
عـلي الباقر(ع ) ((675)) وفي الخلاصة :موسى بن سالم مولى العباسيين ابوجهضم عن ابي جعفر
الباقر, و عنه الحمادان ((676)) والامام الباقر توفي سنة (114).و اخـيرا, فان الموارد التي ذكروا مراجعة ابن عباس فيها لاهل الكتاب لا تعدو معاني لغوية بحتة ,
لا تـمس قضاياسالفة عن امم خلت كما زعموا, و لا سيما السؤال عن ((البرق )), و هو لفظ عربي
خـالص , لا موجب للرجوع فيه الى رجال اجانب عن اللغة كيف يا ترى يرجع مثل ابن عباس ـ و هو
عـربي صميم وعارف بمواضع لغته اكثر من غيره ـ الى اليهود الاجانب ؟ للفظ البرق من مفهوم ؟ ثم كيف اقتنع بتفسيره بالما؟اللهم ان هذا الا اختلاق الامـر الذي يقضي بالعجب , كيف يحكم هذا العلامة المستشرق حكمه البات , بان كثيرا ما ذكر انه
كـان يـرجع ـكتابة ـ في تفسير معاني الالفاظ الى من يدعى ابا الجلد؟ ((677)) و يجعل مستنده
هذه المراجعة المفتعلة قطعا, اذكيف يعقل ان يراجع , مثله في مثل هذه المعاني ؟ و اسـخـف من الجميع تبرير ما نسب الى ابن عباس من اقاصيص اسطورية جات عنه , بانه من جرا
رجـوعـه الـى اهل الكتاب في هكذا امور بعيدة عن صميم الدين قال الاستاذ امين : و هذا يعلل ما في
تـفـسيره من اسرائيليات قال ذلك بعد قوله : و كان ابن عباس و ابو هريرة اكبر من نشر علم كعب
الاحبار ((678)) .و قـال الـدكـتور مصطفى الصاوي : و كثيرا ما ترد عن ابن عباس روايات في بد الخليقة و قصص
الـقـرآن , مـمـا لا يمكن ان يكون قد رجع فيها الا الى اهل الكتاب , حيث يرد هذا القصص مفصلا,
مـثـال هذا تفسيره للاية : (قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدما) ((679)) قال : لكنه حين
يـرجـع الـيهم مستفسرا, فانما يرجع رجوع العالم الذي يعير سمعه لما يقال , ثم يعمل فكره و عقله
فيما يسمع , ثم ينخله مبعدا عنه الزيف ((680)) .قـلـت : ان كـانت فيما روي عنه في ذلك و امثاله غرابة او غضاضة , فان العتب انما يرجع الى الذي
نسبه الى ابن عباس , ترويجا لاكذوبته , و لا لوم على ابن عباس في كثرة الوضع عليه نعم و لعل هذه
الـكثرة في الوضع عليه آية على تقدير له و اكبار من الوضاع , لكنه في نفس الوقت , رغبة منهم في
ان تـنـفـق بـضـاعـتـهـم , مـوسـومـة بـمن في اسمه الرواج العلمي و قد اعترف بذلك الدكتور
((681)).
, فلماذا حكم عليه ذلك الحكم القاسي ؟ فـالـصـحيح : ان ابن عباس كان في غنى عن مراجعة اهل الكتاب , و عنده الرصيد الاوفى بالعلوم و
المعارف والتاريخ و اللغة , و لا سيما في مثل تلكم الاساطير السخيفة التي كانت كل ما يملكه اليهود
من بضاعة مزجاة كاسدة , بل ان موقف ابن عباس من اهل الكتاب عموما, و من كعب الاحبار خصوصا,
ما يصوره معتزا بدينه كريما على نفسه و ثقافته .يروى ان رجلا اتى ابن عباس يبلغه زعم كعب الاحبار: انه يجا بالشمس و القمر يوم القيامة كانهما
ثـوران عقيران فيقذفان في النار كذب كعب الاحبار, بل هذه يهودية يريد ادخالها في الاسلام ((682)) .يقال : لما بلغ ذلك كعبا, اعتذر له بعد و تعلل ((683)) .و ربما كان كعب يجالس ابن عباس يحاول مراودته العلم فيما زعم , فكان ابن عباس يجابهه بما يح
ط مـن قـيـمته روي انه ذكر الظلم في مجلس ابن عباس , فقال كعب : اني لا اجد في كتاب اللّه المنزل
(يريد التوراة ) ((684)) ان الظلم يخرب الديار, فقال ابن عباس : انا اوجدكه في القرآن , قال اللّه
عز و جل :(فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا) ((685)) .هـذه حـقـيقة موقف ابن عباس من اليهود كما ترى , و هو اذ كان يدعو الى تجنب الرجوع الى اهل
الـكتاب , لمايدخل بسبب ذلك من فساد على العقول و تشويه على العامة , فكيف يا ترى انه كان يرجع
الـيـهـم رغم نهيه وتحذيره تـقـولـون مـا لاتفعلون , كبر مقتا عند اللّه ان تقولوا ما لا تفعلون ) ((686)) , فحاشا ابن عباس ان
يراجع اهل الكتاب , و حاشاه حاشاه
استعمال الراي و الاجتهاد
و هل استعمل ابن عباس رايه في تفسير القرآن ؟. اذا كـان المراد من الراي , ما انتجه الفكر و الاجتهاد بعد تمام مقدماته المعروفة , فامرطبيعي لا بدمنه , و لايستطيع احد محايدته , انما هو شي كان عليه الاصحاب و العلما من التابعين لهم باحسان .كـان ابـن عـبـاس كـغيره من الصحابة الذين اشتهروا بالتفسير, يرجعون في فهم معاني القرآن الى
الـقرآن ذاته اولا, و الى ما وعوه من احاديث الرسول (ص ) و اقواله في بيان معاني القرآن , ثم الى
مـايفتح اللّه به عليهم من طريق النظر و الاجتهاد, مع الاستعانة في ذلك بمعرفة اسباب النزول , و
الظروف والملابسات التي نزل فيها القرآن , بالاضافة الى توسعهم في المعارف , و لا سيما مثل ابن
عـباس , كان متوسعا في علومه فيما يتعلق بمواقع النزول و انحائه , و معرفته بالاحكام و التاريخ و
الجغرافية , حسبما مر عليك .فـالـراي الـمستند الى مثل هذه المقدمات المعروفة المتناسبة بعضها مع البعض , راي ممدوح و امر
طبيعي , ليس ينكر البتة .هـذا هو المنهج الذي سار عليه ابن عباس في التفسير, لم يحد عن مناهج سائر الصحابة النبها و قد
ساهمت ثقافته العميقة في كثير من جوانب المعرفة , على ان يتالق في منهجه , كما ساعده على ذلك ـ
اضـافة على ماذكرنا ـ تبحره في معرفة مواقع النزول , و استيعابه للمحكم و المتشابه , و القراة و
الاحكام و التاريخ والجغرافية , فضلا عن اللغة و الادب الرفيع .و هكذا كان ابن عباس بمعارفه الوسيعة يهتم بتعرف كل شي في القرآن , حتى ليقول : اني لاتي على
آيـة مـن كـتـاب اللّه تـعالى , فوددت ان المسلمين كلهم يعلمون منها مثل ما اعلم ((687)) و يقول
مـصـورا مـدى اقـتـداره على استنباط معاني القرآن : لو ضاع لي عقال بعير لوجدته في كتاب اللّه
تـعالى ((688)) قال الجويني : و ما كان له ان يقول ذلك لولا اخذه من كل ثقافة بطرف , و تسخيرها
جميعا لخدمة تفسير القرآن ((689)) .و لـهـذا ظـل ابـن عـبـاس دوما موضع الاعتبار و التقدير من الصحابة الاولين و من معاصريه من
التابعين , و ممن لحقه بعد, منذ عهد التدوين و لايزال فما اكثر ما يدور اسمه في كتب التفسير على
اخـتـلاف مـناهجها و منازعهاالسياسية و المذهبية حتى الان , فرحمه اللّه من مفسر لكلامه البليغ
الوجيز.
الطرق اليه في التفسير
ذكـر الـسيوطي تسعة طرق الى ابن عباس في التفسير ((690)) , وصف بعضها بالجودة وبعضهابالوهن حسبما يلى :.اولها ـ و هو من جيدها ـ : طريق معاوية بن صالح عن على بن ابي طلحة الهاشمي عن ابن عباس قال
احمدبن حنبل : بمصر صحيفة في التفسير, رواها على بن ابي طلحة و لو رحل رجل فيها الى مصر
قاصدا, ما كان كثيراقال ابن حجر: و هذه النسخة كانت عند ابي صالح كاتب الليث , رواها معاوية بن
صـالح عن على بن ابي طلحة عن ابن عباس و هي عند البخاري عن ابي صالح , و قد اعتمد عليها في
صـحـيحه كثيرا فيما يعلقه عن ابن عباس و اخرج منها ابن جرير الطبري , و ابن ابي حاتم , و ابن
المنذر كثيرا, بوسائط بينهم و بين ابي صالح .و قـد غمز بعضهم في هذا الطريق , حيث ان ابن ابي طلحة لم يسمع التفسير من ابن عباس قال ابن
حـبان : روى عن ابن عباس و لم يره , و مع ذلك عده في الثقات ((691)) قالوا: و انما اخذ التفسير
عـن مـجـاهد او سعيد بن جبير, واسنده الى ابن عباس راسا, و ذلك انه توفي سنة (143) و قد
تـوفي ابن عباس سنة (68), و ما بين الوفاتين (75) سنة , الامر الذي يمتنع معه الرواية عن ابن
عـبـاس مـبـاشـرة قـال الـخـليلي : و اجمع الحفاظ على ان ابن ابي طلحة لم يسمع التفسير من ابن
عباس ((692)) .و حـاول بـعـضـهـم رميه بالضعف و سؤ الراي و الخروج بالسيف ايضا قال يعقوب بن سفيان : ليس
محمودالمذهب .قال ابن حجر ـ بصدد رد الاعتراض ـ : اما اسقاط الواسطة فلا ضير فيه بعد ان عرفنا الواسطة
و هـو ثـقـة ((693)) , لاسيما و قد روى عنه الثقات قال صالح بن محمد: روى عنه الكوفيون و
الـشـامـيون ـ لانه انتقل الى حمص ـ , قال ابن حجر: و نقل البخاري من تفسيره رواية معاوية بن
صالح عنه عن ابن عباس شيئا كثيرا.قـال : و قد وقفت على السبب الذي رمى به الراي بالسيف , و ذلك فيما ذكره ابو زرعة الدمشقي عن
عـلى بن عياش الحمصي , قال : لقي العلا بن عتبة الحمصي على بن ابي طلحة تحت القبة , فقال (على
لـعـلا): يا ابا محمد, تؤخذ قبيلة من قبائل المسلمين فيقتل الرجل و المراة والصبى , لا يقول احد:
اللّه , اللّه استباحة دما بني امية من قبل بني العباس يومذاك و انهم يستحقون ذلك , فطائفة منهم بارتكاب جرائم ,
و طائفة اخرى بالسكوت عما يفعله اخوانهم ) ثم قال على بن ابي طلحة : يا عاجز ـ خطابا مع العلا,
لانه كان من اشياع بني امية ((694)) ـ او ذنب على اهل بيت النبى (ص ) (يريد بهم بني العباس ) ان
اخذوا قومابجرائرهم و عفوا عن آخرين ؟ فقال له العلا: و انه لرايك ؟ قال : نعم فقال له العلا: لا كلمتك من فمي بكلمة ابدا انما احببنا آل محمد
بحبه , فاذاخالفوا سيرته و عملوا بخلاف سنته , فهم ابغض الناس الينا ((695)) .اذن فلا مغمز فيما يرويه ابن ابي طلحة من تفسير يسنده الى ابن عباس , كما لا ضعف في الاسناد.قال الخليلي ـ في الارشاد ـ : تفسير معاوية بن صالح قاضي الاندلس عن على ابن ابي طلحة عن ابن
عباس , رواه الكبار عن ابي صالح كاتب الليث , عن معاوية ((696)) .قـلـت : سـبب الغمز فيه انه كان متاثرا بمدرسة ابن عباس ـ و هو في حمص من بلادالشام في تلك
الاوساط المتاثرة بنفثات آل امية المعادية للاسلام ـ فكان يحمل ولا آل بيت الرسول (ص ) ويعادي
اعداهم , في اوساط ما كانت تتحمله ذلك العهد, و من ثم الصقت به تهما هو منها برا.الـثـانـي ـ ايـضـا من جيد الطرق ـ : طريق قيس بن الربيع ابي محمد الاسدي الكوفي توفي سنة
(168) عن عطابن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس .قال جلال الدين : هذه طريق صحيحة على شرط الشيخين و كثيرا ما يخرج منها الفريابي و الحاكم
في مستدركه ((697)) .و ذكر ابن حجر عن احمد بن حنبل ان قيسا هذا كان يتشيع و لكن قال ابن ابي شيبة : هو عند جميع
اصحابناصدوق و كتابه صالح ((698)) .و اما عطا بن السائب فكان ممن اخلص الولا لال بيت الرسول (ص ) وفقا لتعاليم اشياخه سعيد و ابن
عـبـاس و غـيـرهما, و له حديث مع الامام على بن الحسين زين العابدين (ع ) ينبؤك عن مدى قربه
لحضرته السنية ((699)) .الـثالث ـ كذلك جيد الطريق ـ : طريق محمد بن اسحاق صاحب السير و المغازي عن محمد بن ابي
محمد, عن عكرمة او سعيد ـ هكذا بالترديد ـ عن ابن عباس .و ابـن اسحاق معروف بتشيعه كما ذكره ابن حجر في التقريب , و شيخنا الشهيد الثاني في تعليقته
عـلـى خلاصة الرجال ((700)) قال صاحب الكشف : هو اول من صنف في علم السير, و هو رئيس
اهل المغازي ((701)) .قـال الـسـيـوطي : و هذه طريق جيدة و اسنادها حسن و قد اخرج منها ابن جرير و ابن ابي حاتم
كثيرا و في معجم الطبراني منها اشيا ((702)) .الـرابـع ـ و هـو طـريق حسن لا باس به ـ : طريق اسماعيل بن عبد الرحمان ابومحمد القرشي
الـكـوفـي الـسـدي الـكبير, عن ابي مالك و ابي صالح , عن ابن عباس و كذلك عن مرة بن شراحيل
الهمداني عن ابن مسعود, و ناس من الصحابة .قال جلال الدين : و هذا التفسير يورد منه ابن جرير كثيرا, و كذا الحاكم في مستدركه يخرج منه
اشيا, و يصححه , لكن من طريق مرة عن ابن مسعود, دون الطريق الاول .و يـرى صـاحـب الـتـراث : انـه مـن الـمـمـكـن جمع نصوص هذا التفسير, و اعادة تكوينه من
جديد ((703)) .و قـال الـخـلـيلي ـ في الارشاد ـ : و تفسير السدي يورده باسانيد الى ابن مسعود و ابن عباس , و
روى عـن الـسـدي الائمـة مثل الثوري و شعبة لكن التفسير الذي جمعه رواه اسباط بن نصر, و
اسباط لم يتفقوا عليه قال : غيران امثل التفاسير تفسير السد ي ((704)) .كـان اسـماعيل بن عبد الرحمان السدي ((705)) من الائمة الكوفيين , و كان شديد التشيع هو و
الـكـلـبـي و مـع ذلـك فـقـد وثـقه القوم , و اخرج مسلم عنه احاديث , لانه كان يرجح تعديله على
تـجـريـحـه ((706)) فقد ذكره ابن حبان في الثقات , و قال ابن عدى : له احاديث يرويها عن عدة
شيوخ , و هو عندي مستقيم الحديث صدوق لا باس به ((707)) .و عده الشيخ ابوجعفر الطوسي من اصحاب الائمة : على بن الحسين زين العابدين , و محمد بن علي
الـبـاقـر, وجعفر بن محمد الصادق (ع ) قال : اسماعيل ابن عبد الرحمان السدي ابو محمد المفسر
الكوفي ((708)) .قـال الـمولى الوحيد ـ في التعليقة ـ : وصفه بالمفسر مدح قال المامقاني : و المتحصل من مجموع ما
ذكر بشانه كون الرجل من الحسان ((709)) , و قد اعتمده الشيخ في تفسيره (التبيان ) كثيرا.و هكذا عده ابن شهر آشوب من اصحاب الامام زين العابدين (ع ) ((710)) .و هو الذي روى قصة الاخنس بن زيد, الذي كان قد وطا جسم الحسين (ع ) و فعل ما فعل , فابتلى
فـي تـلـك الـلـيـلـة بحريق اصابه من فتيلة السراج , فلم تزل به النار, حتى صار فحما على وجه
الما ((711)) .الخامس ـ و هو ايضا حسن ـ : طريق عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج , ابوخالد المكي من اصل
رومـي ,احد الاعلام الثقات , فقيه اهل مكة في زمانه ((712)) قال ابن خلكان : كان عبد الملك احد
العلما المشهورين , ويقال : انه اول من صنف الكتب في الاسلام كانت ولادته سنة (80) و توفي سنة
(150)قال : و جريج , بضم الجيم و فتح الرا و سكون اليا و بعدها جيم ثانية ((713)) .قال الخطيب : و سمع الكثير من عطا بن ابي رباح و غيره و عن احمد بن حنبل , قال : قدم ابن جريج
بغداد على ابي جعفر المنصور, و كان صار عليه دين فقال : جمعت حديث ابن عباس ما لم يجمعه احد
فلم يعطه شيئا.و عـن عـلـى بن المديني : نظرت فاذا الاسناد يدور على ستة ـ فذكرهم ـ قال : ثم صارعلم هؤلا
الـسـتـة الـى اصـحـاب الاصـناف , مم ن يصنف العلم , منهم من اهل مكة عبد الملك بن عبد العزيز
(ابن جريج ) و كان قد تعلم على يد عطا بن ابي رباح , و لزمه سبع عشرة سنة و سئل عطا: من نسال
بعدك ؟ فقال :هذا الفتى , يعني ابن جريج , و كان يصفه بانه سيد اهل الحجاز.و عن احمد بن حنبل : كان ابن جريج من اوعية العلم و قال ابن معين : اصحاب الحديث خمسة , و عد
منهم ابن جريج و قال يحيى بن سعيد القطان : كتب ابن جريج كتب الامانة , و اذا لم يحدثك عن كتابه
لم ينتفع به .قال احمد: اذا قال ابن جريج : اخبرني و سمعت , فحسبك به قال : الذي يحدث من كتاب اصح , و كان
في بعض حفظه ـ اذا حدث حفظا ـ سى قال ابن معين : ابن جريج ثقة في كل ما روي عنه من الكتاب .كـان ابـن جـريج و مالك بن انس (امام المالكية ) قد اخذا الفقه من نافع ولكن ابن جريج كان مفضلا
على مالك فعن احمد بن زهير, قال : رايت في كتاب ابن المديني : سالت يحيى بن سعيد, من اثبت اصحاب
نـافع ؟ قال :ايوب , و عبيد اللّه , و مالك بن انس و ابن جريج اثبت من مالك في نافع قلت : و من ثم كان
مـالـك ينافسه في هذه الفضيلة , و ربما كان يرميه بالخلط قال المخارقي : سمعت مالك ابن انس يقول :
كان ابن جريج حاطب ليل .و اذا كـان مـقدما في الفقه عن نافع , فهو مقدم في التفسير عن عطا بن ابي رباح فقد حدث صالح بن
احمد بن حنبل عن ابيه , قال : عمرو بن دينار و ابن جريج اثبت الناس في عطا ((714)) .و ذكـره ابن حبان في الثقات , و قال : كان من فقها اهل الحجاز و قرائهم و متقنيهم و اضاف : و كان
يدلس ((715)) ,لكن بم كان تدليسه ؟.روى الـبخاري في تفسير (سورة نوح ) حديثين اخرجهما عن طريق ابن جريج , قال :قال عطا عن
ابن عباس فزعم ابو مسعود ـ في الاطراف ـ ان هذا هو عطا الخراساني البلخي نزيل الشام وعطا
هـذا لـم يـسـمـع من ابن عباس , و ابن جريج لم يسمع التفسير من عطا هذا قال ابن حجر: فيكون
((716)).
و من ثم رموه بانه كان يدلس و قد رد ابن حجر على هذا الوهم بما يبرئ ساحة ابن جريج من هذه التهمة , فراجع .و اما حديثه عن ابن عباس فلا ضير فيه بعد ان كان الواسطة ـ و هو ثقة ـ معلوما, الا وهو عطا بن
ابي رباح تلميذ ابن عباس و قد لازمه ابن جريج سبعة عشر عاما يتلقى منه العلم .اذن فقد صح ما ذكره ابن حبان بشان ابن جريج اولا من كونه ثقة ثبتا متقنا, و ان لا منشا للغمز فيه ,
و بـذلـك نـرى انـه كـان موضع اعتماد الائمة من اهل البيت ايضا على ما رواه ثقة الاسلام الكليني
بـاسـنـاده الصحيح عن اسماعيل بن الفضل الهاشمي , قال : سالت ابا عبد اللّه الصادق (ع ) عن المتعة ,
فـقـال : الق عبد الملك بن جريج فسله عنها, فان عنده منها علما فاتيته فاملى على منها شيئا كثيرا في
استحلالها فكتبته , و اتيت بالكتاب ابا عبداللّه (ع ) فعرضت عليه فقال : صدق , و اقر به ((717)) .و قـد استظهر المولى الوحيد البهبهاني من ذلك كون جريج موضع ثقة الامام (ع ), و ممن يرى راي
الـشيعة في فقه الشريعة , و لا سيما ما ذكره ابن اذينة ـ الراوي عن الهاشمي ـ في ذيل الحديث : و
كـان زرارة بـن اعين يقول هذاو حلف انه الحق فهذا من المقارنة الظاهرة بين موضع الرجلين (ابن
جريج و زرارة ) في المسالة ((718)) .و هـكـذا استظهر تشيعه منها كل من المولى محمد تقي المجلسي الاول , و الشيخ يوسف البحراني ,
على ما جافي كلام الحائري ((719)) .و ايـضـا روى الـشـيخ ابوجعفر الطوسي باسناده الى الحسن بن زيد, قال : كنت عندالامام ابي عبد
اللّه (ع ) اذ دخـل عـلـيـه عبد الملك ابن جريج المكي , فقال له ابو عبد اللّه : ما عندك في المتعة ؟
قال :حدثني ابوك محمد بن علي عن جابر بن عبد اللّه الانصاري , ان رسول اللّه (ص ) خطب الناس ,
فـقـال : ايهاالناس , ان اللّه احل لكم الفروج على ثلاثة معان : فرج مورث و هو البتات , و فرج غير
مورث و هو المتعة , وملك ايمانكم ((720)) .و فـي سـؤال الامام منه عما لديه في المتعة , دلالة على عنايته به و لطف سابق كما في الاجابة بانه
حديث ابيك ظرافة و طرافة اما الرواية عن جابر فلعله تغطية لما عسى القوم ينكرون كيف الرواية
عن رسول اللّه (ص ) و لم يدركه و مـسـالـة استحلال المتعة كانت حينذاك من اختصاص خلص الصحابة و التابعين ممن يميلون الى
مـذهب اهل البيت (ع ) امثال ابن مسعود و ابى بن كعب و ابن عباس و جابر بن عبد اللّه و اضرابهم ,
فـلا غـرو ان يـنخرط مثل ابن جريج في تلك الزمرة الفائزة , الامر الذي دعا بابن جريج ان يكافح
الـقوم رايا و عملا ايضا فقد ذكر ابن حجر عن الشافعي , قال : استمتع ابن جريج بسبعين امراة , مع
انه كان من العباد, و كان يصوم الدهر الا ثلاثة ايام من الشهر ((721)) .