نقد و تمحيص - تفسیر والمفسرون فی ثوبه القشیب جلد 1

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسیر والمفسرون فی ثوبه القشیب - جلد 1

محمد هادی معرفت

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

و هـنا ياتي ابن عباس ليوضح من موضع هذه العلاقة قال : ((ان العرب كانوا عند الفراغ من حجتهم بـعـد ايـام الـتـشريق , يقفون بين مسجد منى و بين الجبل , و يذكر كل واحد منهم فضائل آبائه في
الـسـماحة و الحماسة وصلة الرحم , و يتناشدون فيها الاشعار, و يتكلمون بالمنثور من الكلام , و
يـريـد كـل واحـد مـنـهم من ذلك الفعل ,حصول الشهرة و الترفع بمثر سلفه فلما انعم اللّه عليهم
بالاسلام امرهم ان يكون ذكرهم لربهم كذكرهم لابائهم او اشد ذكرا)) ((633)) .

و هـكـذا لـما تسال بعضهم : ما وجه قوله تعالى : (فلا جناح عليه ان يطوف بهما) ((634)) اي لا
حـرج عـلـيـه و لا مـاثم في السعي بين الصفا و المروة و ظاهره نفي الباس , اي عدم المنع , و هو
لايـقـتـضـي الـوجوب , مع ان قوله تعالى ـ في صدر الاية ـ : (ان الصفا و المروة من شعائر اللّه )
يستدعي الوجوب , لانه خبر في معنى الامر؟ و قـد كـان ذلك موضع تساؤل منذ او ل يومه اخرج الطبري باسناده الى عمرو ابن حبيش قال : قلت
لـعـبـد اللّه بن عمر: (ان الصفا و المروة من شعائر اللّه , فمن حج البيت او اعتمر فلا جناح عليه
ان يطوف بهما), قال : انطلق الى ابن عباس فاساله فانه اعلم من بقي بما انزل على محمد(ص ).

قـال : فاتيت ابن عباس فسالته , فقال : انه كان عندهما اصنام , فلما اسلموا امسكوا عن الطواف بينهما
حتى انزلت (ان الصفا و المروة من شعائر اللّه ) ((635)) .

كـان الـمـشـركون قد وضعوا على الصفا صنما يقال له : ((اساف )), و على المروة ((نائلة ))فلما
اعتمر رسول اللّه (ص )عمرة القضا تحرج المسلمون عن السعي بينهما, زعما منهم ان السعي بينهما
شـي كـان صـنـعـه الـمـشركون تزلفاالى الصنمين , فانزل اللّه ان لا حرج و لا موضع لما وهمه
اناس ((636)) .

مراجعة اهل الكتاب .
و هل كان ابن عباس يراجع اهل الكتاب في فهم معاني القرآن ؟. سؤال اجيب عليه بصورتين : احداهما مبالغ فيها, و الاخرى معتدلة الى حد ما, كانت مراجعته لاهل
الكتاب ـكمراجعة سائر الاصحاب ـ في دائرة ضيقة النطاق , في امور لم يتعرض لها القرآن , و لا
جـات في بيان النبى (ص ), حيث لم تعد حاجة ملحة الى معرفتها, و لا فائدة كبيرة في العلم بها كعدد
اصـحاب الكهف , و البعض الذي ضرب به موسى من البقرة , و مقدار سفينة نوح , و ما كان خشبها, و
اسـم الغلام الذي قتله الخضر, و اسماالطيور التي احياها اللّه لابراهيم , و نحو ذلك مما لا طريق
الـى مـعـرفـة الصحيح منه فهذا يجوز اخذه من اهل الكتاب , و التحدث عنهم و لا حرج , كما ورد
((حدثوا عن بني اسرائيل و لا حرج )) ((637)) , المحمول على مثل هذه الامور.

قـال ابـن تيمية : و في بعض الاحيان ينقل عنهم (عن بعض الصحابة مثل ابن مسعود و ابن عباس و
كثير من التابعين ) ما يحكونه من اقاويل اهل الكتاب التي اباحها رسول اللّه (ص ), حيث قال : ((بلغوا
عـنـي و لو آية , وحدثوا عن بنى اسرائيل و لا حرج )) رواه البخاري عن عبد اللّه بن عمرو بن
الـعـاص , و لـهـذا كـان عبد اللّه بن عمروقد اصاب يوم اليرموك زاملتين ((638)) من كتب اهل
الـكـتـاب , فـكـان يـحـدث منهما, بما فهمه من هذا الحديث من الاذن في ذلك و لكن هذه الاحاديث
الاسـرائيلية انما تذكر للاستشهاد لا للاعتقاد, فانها من الامور المسكوت عنها, ولم نعلم صدقها و
لا كذبها مما بايدينا, فلا نؤمن به و لا نكذبه , و تجوز حكايته , و غالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود الى
امـر ديـنـي , و قـد ابـهـمـه اللّه في القرآن , لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دنياهم و
لادينهم ((639)) .

و وافـقـه على هذا الراي الاستاذ الذهبي , قال : كان ابن عباس يرجع الى اهل الكتاب و ياخذ عنهم ,
بحكم اتفاق القرآن مع التوراة و الانجيل , في كثير من المواضع التي اجملت في القرآن و فصلت في
كتب العهدين و لكن في دائرة محدودة ضيقة , تتفق مع القرآن و تشهد له اما ما عدا ذلك مما يتنافى مع
القرآن و لايتفق مع الشريعة ,فكان لا يقبله و لا ياخذ به .

قـال : فابن عباس و غيره من الصحابة , كانوا يسالون علما اليهود الذين اعتنقواالاسلام فيما لا يمس
العقيدة او يتصل باصول الدين و فروعه , كبعض القصص و الاخبار الماضية .

قـال : و بـهـذا الـمسلك يكون الصحابة قد جمعوا بين قوله (ص ): ((حدثوا عن بني اسرائيل و لا
حرج )), و قوله : ((لاتصدقوا اهل الكتاب و لا تكذبوهم )) فان الاول محمول على ما وقع فيهم من
الـحـوادث والاخبار, لما فيها من العظة و الاعتبار, بدليل قوله بعد ذلك : ((فان فيهم اعاجيب )) و
الـثاني محمول على ما اذا كان المخبر به من قبلهم محتملا, ولم يقم دليل على صدقه و لا على كذبه
قال : كما افاده ابن حجر, و نبه عليه الشافعي ((640)) .

و امـا الـمـسـتشرقون فقد ذهبوا في ذلك مذاهب بعيدة , بالغوا فيها الى حد ترفضه شريعة النقد و
التمحيص يقول العلامة المستشرق اجنتس جولد تسيهر:.

((و تـرى الـروايـة الاسـلامـية ان ابن عباس تلقى بنفسه ـ في اتصاله الوثيق بالرسول ـ وجوه
الـتفسير التي يوثق بهاوحدها ((641)) و قد اغفلت هذه الرواية بسهولة ـ كما في احوال اخرى
مشابهة ـ ان ابن عباس عند وفاة الرسول كان اقصى ما بلغ من السن (10 ـ 13) سنة .

((و اجـدر مـن ذلـك بالتصديق , الاخبار التي تفيد ان ابن عباس كان لا يرى غضاضة ان يرجع , في
الاحوال التي يخامره فيها الشك , الى من يرجو عنده علمها و كثيرا ما ذكر انه كان يرجع ـ كتابة ـ
في تفسير معاني الالفاظ الى من يدعى (ابا الجلد) و الظاهر انه (غيلان بن فروة الازدي ) الذي كان
يثنى عليه بانه قرا الكتب ((642)) .

((و كـثيرا ما نجد بين مصادر العلم المفضلة لدى ابن عباس , اليهوديين اللذين اعتنقاالاسلام : كعب
الاحـبـار, و عـبـد اللّه بـن سـلام , كما نجد اهل الكتاب على وجه العموم , اي رجالا من طوائف
وردالـتـحذير من اخبارها ـ عدا ذلك ـ في اقوال تنسب الى ابن عباس نفسه ومن الحق ان اعتناقهم
لـلاسـلام قـد سـمـابـهـم عـلـى مـظـنـة الكذب , و رفعهم الى مرتبة مصادر العلم التي لا تثير
ارتيابا ((643)) .

((ولـم يـعـد ابن عباس اولئك الكتابيين الذين دخلوا في الاسلام , حججا فقط في الاسرائيليات و
اخبار الكتب السابقة , التي ذكر كثيرا عنها الفوائد ((644)) , بل كان يسال ايضا كعب الاحبار مثلا
عن التفسير الصحيح للتعبيرين القرآنيين : (ام الكتاب ) ((645)) و (المرجان ) ((646)) .

((كان يفترض عند هؤلا الاحبار اليهود, فهم ادق للمدارك الدينية العامة الواردة في القرآن و في
اقـوال الـرسـول ,و كان يرجع الى اخبارهم في مثل هذه المسائل , على الرغم من ضروب التحذير
الصادرة من جوانب كثيرة فيهم )) ((647)) .

هـذه هـي عـبـارة (جـولد تسيهر) البادي عليها غلوه المفرط بشان مسلمة اليهود, و دورهم في
الـتلاعب بمقدرات المسلمين , الامر الذي لا يكاد يصدق في اجوا كانت السيطرة مع الصحابة النبها,
انما كان ذلك في عهد طغى سطو امية على البلاد و قد اكثروا فيها الفساد, على ما سننبه .

و قد تابعه على هذا الراي الاستاذ احمد امين , قال : و لم يتحرج حتى كبار الصحابة مثل ابن عباس
مـن اخـذقولهم روي ان النبى (ص ) قال : ((اذا حدثكم اهل الكتاب فلا تصدقوهم و لا تكذبوهم ))
ولـكن العمل كان على غير ذلك , و انهم كانوا يصدقونهم و ينقلون عنهم ما حكاه الطبري و غيره عند تفسيرقوله تعالى : (هل ينظرون الا ان ياتيهم اللّه في ظلل من الغمام و
الملائكة ) ((648)) .

و عقبه بقوله : و قد رايت ابن عباس كان يجالس كعب الاحبار و ياخذ عنه ((649)) , اشارة الى ما
سبق من قوله : واما كعب الاحبار او كعب بن ماتع فيهودى من اليمن , و اكبر من تسربت منهم اخبار
اليهود الى المسلمين , اسلم في خلافة ابي بكر او عمر ـ على خلاف في ذلك ـ و انتقل بعد اسلامه
الى المدينة ثم الى الشام و قد اخذ عنه اثنان , هما اكبر من نشر علمه : ابن عباس ـ و هذا يعلل ما في
تفسيره من اسرائيليات ـ و ابوهريرة ((650)) .

نقد و تمحيص

و انـا لـناسف كثيرا ان يغتر كتابنا النقاد ـ امثال الاستاذ احمد امين و الاستاذ الذهبي ـ بتخرصات لفقها اوهام مستوردة , فلنترك المستشرقين في ريبهم يترددون , و لكن ما لنا ـ نحن معاشر المسلمين
ـ ان نحذو حذوهم ونواكبهم في مسيرة الوهم و الخيال ؟ لا شك ان نبها الصحابة امثال ابن عباس كانوا يتحاشون مراجعة اهل الكتاب و يستقذرون ما لديهم من
اسـاطـيـرو قـصـص و اوهـام , و انما تسربت الاسرائيليات الى حوزة الاسلام , بعد انقضا عهد
الـصـحـابة , و عند ما تسيطرالحكم الاموي على البلاد لغرض العيث في الارض و شمول الفساد,
الامر الذي احوجهم الى مراجعة الانذال من مسلمة اليهود و من تبعهم من سفلة الاوغاد.

و سـنـذكـر ان مبدا نشر الاسرائيليات بين المسلمين كان في هذا العهد المظلم بالخصوص , حاشا
الـصـحـابـة و حاشا ابن عباس بالذات ان يراجع ذوي الاحقاد من اليهود, و يترك الخلص من علما
الاسـلام امثال الامام على بن ابي طالب (ع ), و كان سفط العلم و لديه علم الاولين و الاخرين , علما
ورثه من رسول اللّه (ص ) في شمول و عموم .

و قد مر عليك انه كان يستطرق ابواب العلما من الصحابة بغية العثور على اطراف العلم الموروث
مـن الـرسـول الاكـرم (ص ), و قـد سـئل : انـى ادركـت هـذا الـعلم ؟ فقال : بلسان سؤول و قلب
عقول ((651)) .

و الـيـك من تصريحات ابن عباس نفسه , يحذر مراجعة اهل الكتاب بالذات , فكيف ياترى , ينهى عن
شي ثم يرتكبه ؟

التحذير عن مراجعة اهل الكتاب

اخرج البخاري باسناده الى عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة عن ابن عباس , قال : ((يا معشر المسلمين كـيـف تـسـالـون اهـل الكتاب , و كتابكم الذي انزل على نبيه (ص )احدث الاخبار باللّه تقراونه لم
يشب ((652)) , و قد حدثكم اللّه ان اهل الكتاب بدلوا ما كتب اللّه و غيروا بايديهم الكتاب , فقالوا:
هـو مـن عـند اللّه ليشتروا به ثمنا قليلا, افلاينهاكم ما جاكم من العلم عن مسائلتهم , و لا واللّه ما
راينا منهم رجلا قط يسالكم عن الذي انزل عليكم )) ((653)) .

و اخـرج عـن ابـي هريرة قال : كان اهل الكتاب ((654)) يقراون التوراة بالعبرانية و يفسرونها
بـالعربية لاهل الاسلام ,فقال رسول اللّه (ص ): ((لا تصدقوا اهل الكتاب و لا تكذبوهم , و قولوا:
آمنا باللّه و ما انزل الينا و ما انزل اليكم )) ((655)) .

و اخـرج عـبـد الرزاق من طريق حريث بن ظهير, قال : قال عبد اللّه بن عباس : ((لا تسالوا اهل
الكتاب , فانهم لن يهدوكم و قد اضلوا انفسهم , فتكذبوا بحق اوتصدقوا بباطل )) ((656)) .

و هذا الحديث وضح من كلام النبى (ص ) في عدم تصديقهم و لا تكذيبهم , لانهم كانوا يخلطون الحق
بالباطل ,فلايمكن تصديقهم , لانه ربما كان تصديقا لباطل , و لا تكذيبهم , لانه ربما كان تكذيبا لحق ,
فالمعنى : ان لا يعتبرمن كلامهم شي و لا يترتب على مايقولونه شي فلا حجية لكلامهم و لا اعتبار
لاقوالهم على الاطلاق , اذن فلاينبغي مراجعتهم و لا الاخذ عنهم في وجه من الوجوه .

و اخـرج احمد و ابن ابي شيبة و البزاز من حديث جابر, ان عمر اتى النبى (ص )بكتاب اصابه من
بـعـض اهـل الـكتاب , فغضب النبى (ص ), و قال : ((لقد جئتكم بها بيضا نقية , لا تسالوهم عن شي ,
فيخبروكم بحق فتكذبوابه , او باطل فتصدقوا به , و الذي نفسي بيده لو ان موسى كان حيا ما وسعه
الا ان يتبعني )) و في رواية اخرى : ((لاتسالوا اهل الكتاب عن شي )) ((657)) .

تـلـك مـناهي الرسول (ص ) الصريحة في المنع عن مراجعة اهل الكتاب اطلاقا, لا في كبير و لا
صـغـيـر, فـهل يا ترى احدا من صحابته الاخيار خالف اوامره وراجعهم في شي من مسائل الدين و
الـقـرآن ؟ الكتاب و ينقلون عنهم ((658)) .

و اما الذي استشهدوا به على مراجعة مثل ابن عباس لليهود, فكله باطل و زور, لم يثبت منه شي .

امـا الـذي جـا بـه الاسـتـاذ مـثـلا مـن قـولـه تـعـالى : (هل ينظرون الا ان ياتيهم اللّه في ظلل
من الغمام ) ((659)) قال : فاقرا ما حكاه الطبري و غيره عند تفسير الاية .

فـقـد راجـعـنا تفسير الطبري و الدر المنثور و ابن كثير و غيرها من امهات كتب التفسيربالنقل
الماثور ((660)) , فلم نجد فيها ذكرا لكعب و لا مسائلته من قبل احد من الاصحاب , او غيرهم من
التابعين ايضا و لم ندر من اين اخذ الاستاذ هذا المثال , و من الذي عرفه ذلك , فاوقعه في هذا الوهم
الفاضح .

و امـا قوله : كان ابن عباس يجالس كعب الاحبار, و كان اكثر من نشر علمه ((661)) , فكلام اشد
وهـمـا و اكثر جفاعلى مثل ابن عباس الصحابي الجليل , اذ لم نجد و لا رواية واحدة تتضمن نقلا
لابن عباس عن احد من اليهود,فضلا عن مثل كعب الاحبار الساقط الشخصية ((662)) .

نـعـم اشـار المستشرق جولد تسيهر الى موارد, زعم فيها مراجعة ابن عباس لاهل الكتاب , و لعلها
كـانـت مستند الاستاذ احمد امين تقليدا من غير تحقيق و لكنا راجعنا تلك الموارد, فلم نجدهاشيئا,
كسراب بقيعة يحسبه الظمن ما.

منها: ان ابن عباس سال كعب الاحبار عن تفسير تعبيرين قرآنيين : ام الكتاب , و المرجان ((663))
.

روى الـطـبـري بـاسناده الى عبد اللّه بن ميسرة الحراني : ان شيخا بمكة من اهل الشام سمع كعب
الاحبار يسال عن المرجان (الرحمان / 22) فقال : هو البسذ ((664)) .

لكن من اين علم جولد تسيهر ان الذي سال كعبا هو شيخ مكة و زعيمها ابن عباس ؟ و كذا روي عن معتمر بن سليمان عن ابيه عن شيبان , ان ابن عباس سال كعبا عن ام الكتاب (الرعد/
39) فقال :علم اللّه ما هو خالق و ما خلقه عاملون , فقال لعلمه : كن كتابا, فكان كتابا ((665)) .

غـيـر ان شيبان هذا ـ هو ابن عبد الرحمان التميمي مولاهم , النحوي ابومعاوية البصري المؤدب ,
سـكـن الـكـوفـة ثـم انـتـقـل الـى بغداد ـ مات في خلافة المهدي سنة (164) و كان من الطبقة
الـسابعة ((666)) , و عليه فلم يدرك ابن عباس المتوفى سنة (68) و لا كعب الاحبار الذي هلك
في خلافة عثمان سنة (32) فالرواية مرسلة لم يعرف الواسطة , فكانت ساقطة عن الاعتبار.

و ايـضـا روي عن اسحاق بن عبد اللّه بن الحرث عن ابيه , ان ابن عباس سال كعبا عن قوله تعالى :
(يـسـبحون الليل و النهار لا يفترون ) و (يسبحون له بالليل و النهار و هم لا يسامون ) ((667))
فقال : هل يؤودك طرفك ؟ هل يؤودك نفسك ؟ قال : لا, قال : فانهم الهموا التسبيح , كما الهمتم الطرف
و النفس ((668)) .

و عـبـد اللّه هـذا هـو ابـن الـحـارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب , ولد على عهد رسول
اللّه (ص ) بالمدينة واصبح من فقهائها, و تحول الى البصرة و رضيته العامة , و اصطلحوا عليه حين
هـلـك يـزيـد بـن مـعـاويـة تـوفـي سـنـة (84) بـالابوا و دفن بها, و كان خرج اليها هاربا من
الحجاج ((669)) .

غير ان الطبري روى باسناده الى حسان بن مخارق عن عبد اللّه بن الحرث , انه هو الذي سال كعبا
عـن ذلك ,قال : قلت لكعب الاحبار: (يسبحون الليل و النهار لا يفترون ) اما يشغلهم رسالة او عمل ؟
قـال : يـا ابن اخي , انهم جعل لهم التسبيح كما جعل لكم النفس , الست تاكل و تشرب و تقوم و تقعد و
تجي و تذهب و انت تتنفس ؟ قلت : بلى ((670)) .

قـلـت : يـاتـرى , هل كان هو الذي سال كعبا او انه سمع ابن عباس يسال كعبا؟ في حين انه لايقول :
سـمـعـت ابـن عباس يساله , بل مجرد ان ابن عباس ساله , الامر الذي لا يوثق بكون الرواية منتهيه
الى سماع , و الظاهر انه ارسال .

عـلى انه من المحتمل القريب ان السائل هو بالذات , لكن ابنه اسحاق كره نسبة السؤال من مثل كعب
الـى ابـيـه ,فـذكر الحديث عن ابيه مع اقحام واسطة ارسالا من غير اسناد و يؤيد ذلك انه لم تات
رواية غير هذه تنسب الى ابن عباس انه سال مثل كعب , فالارجح في النظر انه مفتعل عليه لا محالة .

و استند جولد تسيهر ـ في مراجعة ابن عباس لاهل الكتاب ـ ايضا الى ما رواه الطبري باسناده الى
ابـي جـهـضـم مـوسى بن سالم مولى ابن عباس , قال : كتب ابن عباس الى ابي جلد (غيلان بن فروة
الازدي , كان قرا الكتب , وكان يختم القرآن كل سبعة ايام و يختم التوراة كل ثمانية ايام ) ((671))
يـسـالـه عـن ((الـبـرق )) فـي قوله تعالى : (هوالذي يريكم البرق خوفا و طمعا) فقال : البرق :
الما ((672)) .

لـكـن في طبقات ابن سعد ((673)) ان ابا الجلد الجوني ـ حي من الازد ـ اسمه جيلان بن فروة ,
كـان يقرا الكتب وزعمت ابنته ميمونة : ان اباها كان يقرا القرآن في كل سبعة ايام , و يختم التوراة
في ستة , يقراها نظرا, فاذا كان يوم يختمها حشد لذلك ناس .

لا شـك انـها مغالاة من ابنته يقول جولد تسيهر: و لا يتضح حقا من هذا الخبر الغامض , الذي زادته
مغالاة ابنته غموضا, اى نسخة من التوراة كان يستخدمها في دراسته ((674)) .

لان الـتـوراة المعهودة اليوم و هي تشتمل على (39) كتابا تكون في حجم كبير, ثم هي قصة حياة
اسرائيل طول عشرين قرنا, و فيها تاريخ حياة انبيا بني اسرائيل و ملوكهم و رحلاتهم و حروبهم
طول التاريخ , و هي بكتب التاريخ اشبه منها بكتب الوحي فهل كان يقرا ذلك كله في ستة ايام ؟ و ما هي
الفائدة في ذلك التكرار؟ عـلى ان راوي الخبر ـ و هو موسى بن سالم ابو جهضم ـ لم يلق ابن عباس و لا ادركه , لانه مولى
آل العباس , وليس مولى لابن عباس ففي نسخة الطبري المطبوعة خطا قطعا قال ابن حجر: موسى
بـن سـالم ابوجهضم مولى آل العباس , ارسل عن ابن عباس و هو من رواة الامام ابي جعفر محمد بن
عـلي الباقر(ع ) ((675)) وفي الخلاصة :موسى بن سالم مولى العباسيين ابوجهضم عن ابي جعفر
الباقر, و عنه الحمادان ((676)) والامام الباقر توفي سنة (114).

و اخـيرا, فان الموارد التي ذكروا مراجعة ابن عباس فيها لاهل الكتاب لا تعدو معاني لغوية بحتة ,
لا تـمس قضاياسالفة عن امم خلت كما زعموا, و لا سيما السؤال عن ((البرق )), و هو لفظ عربي
خـالص , لا موجب للرجوع فيه الى رجال اجانب عن اللغة كيف يا ترى يرجع مثل ابن عباس ـ و هو
عـربي صميم وعارف بمواضع لغته اكثر من غيره ـ الى اليهود الاجانب ؟ للفظ البرق من مفهوم ؟ ثم كيف اقتنع بتفسيره بالما؟اللهم ان هذا الا اختلاق الامـر الذي يقضي بالعجب , كيف يحكم هذا العلامة المستشرق حكمه البات , بان كثيرا ما ذكر انه
كـان يـرجع ـكتابة ـ في تفسير معاني الالفاظ الى من يدعى ابا الجلد؟ ((677)) و يجعل مستنده
هذه المراجعة المفتعلة قطعا, اذكيف يعقل ان يراجع , مثله في مثل هذه المعاني ؟ و اسـخـف من الجميع تبرير ما نسب الى ابن عباس من اقاصيص اسطورية جات عنه , بانه من جرا
رجـوعـه الـى اهل الكتاب في هكذا امور بعيدة عن صميم الدين قال الاستاذ امين : و هذا يعلل ما في
تـفـسيره من اسرائيليات قال ذلك بعد قوله : و كان ابن عباس و ابو هريرة اكبر من نشر علم كعب
الاحبار ((678)) .

و قـال الـدكـتور مصطفى الصاوي : و كثيرا ما ترد عن ابن عباس روايات في بد الخليقة و قصص
الـقـرآن , مـمـا لا يمكن ان يكون قد رجع فيها الا الى اهل الكتاب , حيث يرد هذا القصص مفصلا,
مـثـال هذا تفسيره للاية : (قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدما) ((679)) قال : لكنه حين
يـرجـع الـيهم مستفسرا, فانما يرجع رجوع العالم الذي يعير سمعه لما يقال , ثم يعمل فكره و عقله
فيما يسمع , ثم ينخله مبعدا عنه الزيف ((680)) .

قـلـت : ان كـانت فيما روي عنه في ذلك و امثاله غرابة او غضاضة , فان العتب انما يرجع الى الذي
نسبه الى ابن عباس , ترويجا لاكذوبته , و لا لوم على ابن عباس في كثرة الوضع عليه نعم و لعل هذه
الـكثرة في الوضع عليه آية على تقدير له و اكبار من الوضاع , لكنه في نفس الوقت , رغبة منهم في
ان تـنـفـق بـضـاعـتـهـم , مـوسـومـة بـمن في اسمه الرواج العلمي و قد اعترف بذلك الدكتور
((681)).
, فلماذا حكم عليه ذلك الحكم القاسي ؟ فـالـصـحيح : ان ابن عباس كان في غنى عن مراجعة اهل الكتاب , و عنده الرصيد الاوفى بالعلوم و
المعارف والتاريخ و اللغة , و لا سيما في مثل تلكم الاساطير السخيفة التي كانت كل ما يملكه اليهود
من بضاعة مزجاة كاسدة , بل ان موقف ابن عباس من اهل الكتاب عموما, و من كعب الاحبار خصوصا,
ما يصوره معتزا بدينه كريما على نفسه و ثقافته .

يروى ان رجلا اتى ابن عباس يبلغه زعم كعب الاحبار: انه يجا بالشمس و القمر يوم القيامة كانهما
ثـوران عقيران فيقذفان في النار كذب كعب الاحبار, بل هذه يهودية يريد ادخالها في الاسلام ((682)) .

يقال : لما بلغ ذلك كعبا, اعتذر له بعد و تعلل ((683)) .

و ربما كان كعب يجالس ابن عباس يحاول مراودته العلم فيما زعم , فكان ابن عباس يجابهه بما يح
ط مـن قـيـمته روي انه ذكر الظلم في مجلس ابن عباس , فقال كعب : اني لا اجد في كتاب اللّه المنزل
(يريد التوراة ) ((684)) ان الظلم يخرب الديار, فقال ابن عباس : انا اوجدكه في القرآن , قال اللّه
عز و جل :(فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا) ((685)) .

هـذه حـقـيقة موقف ابن عباس من اليهود كما ترى , و هو اذ كان يدعو الى تجنب الرجوع الى اهل
الـكتاب , لمايدخل بسبب ذلك من فساد على العقول و تشويه على العامة , فكيف يا ترى انه كان يرجع
الـيـهـم رغم نهيه وتحذيره تـقـولـون مـا لاتفعلون , كبر مقتا عند اللّه ان تقولوا ما لا تفعلون ) ((686)) , فحاشا ابن عباس ان
يراجع اهل الكتاب , و حاشاه حاشاه

استعمال الراي و الاجتهاد

و هل استعمل ابن عباس رايه في تفسير القرآن ؟. اذا كـان المراد من الراي , ما انتجه الفكر و الاجتهاد بعد تمام مقدماته المعروفة , فامرطبيعي لا بد
منه , و لايستطيع احد محايدته , انما هو شي كان عليه الاصحاب و العلما من التابعين لهم باحسان .

كـان ابـن عـبـاس كـغيره من الصحابة الذين اشتهروا بالتفسير, يرجعون في فهم معاني القرآن الى
الـقرآن ذاته اولا, و الى ما وعوه من احاديث الرسول (ص ) و اقواله في بيان معاني القرآن , ثم الى
مـايفتح اللّه به عليهم من طريق النظر و الاجتهاد, مع الاستعانة في ذلك بمعرفة اسباب النزول , و
الظروف والملابسات التي نزل فيها القرآن , بالاضافة الى توسعهم في المعارف , و لا سيما مثل ابن
عـباس , كان متوسعا في علومه فيما يتعلق بمواقع النزول و انحائه , و معرفته بالاحكام و التاريخ و
الجغرافية , حسبما مر عليك .

فـالـراي الـمستند الى مثل هذه المقدمات المعروفة المتناسبة بعضها مع البعض , راي ممدوح و امر
طبيعي , ليس ينكر البتة .

هـذا هو المنهج الذي سار عليه ابن عباس في التفسير, لم يحد عن مناهج سائر الصحابة النبها و قد
ساهمت ثقافته العميقة في كثير من جوانب المعرفة , على ان يتالق في منهجه , كما ساعده على ذلك ـ
اضـافة على ماذكرنا ـ تبحره في معرفة مواقع النزول , و استيعابه للمحكم و المتشابه , و القراة و
الاحكام و التاريخ والجغرافية , فضلا عن اللغة و الادب الرفيع .

و هكذا كان ابن عباس بمعارفه الوسيعة يهتم بتعرف كل شي في القرآن , حتى ليقول : اني لاتي على
آيـة مـن كـتـاب اللّه تـعالى , فوددت ان المسلمين كلهم يعلمون منها مثل ما اعلم ((687)) و يقول
مـصـورا مـدى اقـتـداره على استنباط معاني القرآن : لو ضاع لي عقال بعير لوجدته في كتاب اللّه
تـعالى ((688)) قال الجويني : و ما كان له ان يقول ذلك لولا اخذه من كل ثقافة بطرف , و تسخيرها
جميعا لخدمة تفسير القرآن ((689)) .

و لـهـذا ظـل ابـن عـبـاس دوما موضع الاعتبار و التقدير من الصحابة الاولين و من معاصريه من
التابعين , و ممن لحقه بعد, منذ عهد التدوين و لايزال فما اكثر ما يدور اسمه في كتب التفسير على
اخـتـلاف مـناهجها و منازعهاالسياسية و المذهبية حتى الان , فرحمه اللّه من مفسر لكلامه البليغ
الوجيز.

الطرق اليه في التفسير

ذكـر الـسيوطي تسعة طرق الى ابن عباس في التفسير ((690)) , وصف بعضها بالجودة وبعضها
بالوهن حسبما يلى :.

اولها ـ و هو من جيدها ـ : طريق معاوية بن صالح عن على بن ابي طلحة الهاشمي عن ابن عباس قال
احمدبن حنبل : بمصر صحيفة في التفسير, رواها على بن ابي طلحة و لو رحل رجل فيها الى مصر
قاصدا, ما كان كثيراقال ابن حجر: و هذه النسخة كانت عند ابي صالح كاتب الليث , رواها معاوية بن
صـالح عن على بن ابي طلحة عن ابن عباس و هي عند البخاري عن ابي صالح , و قد اعتمد عليها في
صـحـيحه كثيرا فيما يعلقه عن ابن عباس و اخرج منها ابن جرير الطبري , و ابن ابي حاتم , و ابن
المنذر كثيرا, بوسائط بينهم و بين ابي صالح .

و قـد غمز بعضهم في هذا الطريق , حيث ان ابن ابي طلحة لم يسمع التفسير من ابن عباس قال ابن
حـبان : روى عن ابن عباس و لم يره , و مع ذلك عده في الثقات ((691)) قالوا: و انما اخذ التفسير
عـن مـجـاهد او سعيد بن جبير, واسنده الى ابن عباس راسا, و ذلك انه توفي سنة (143) و قد
تـوفي ابن عباس سنة (68), و ما بين الوفاتين (75) سنة , الامر الذي يمتنع معه الرواية عن ابن
عـبـاس مـبـاشـرة قـال الـخـليلي : و اجمع الحفاظ على ان ابن ابي طلحة لم يسمع التفسير من ابن
عباس ((692)) .

و حـاول بـعـضـهـم رميه بالضعف و سؤ الراي و الخروج بالسيف ايضا قال يعقوب بن سفيان : ليس
محمودالمذهب .

قال ابن حجر ـ بصدد رد الاعتراض ـ : اما اسقاط الواسطة فلا ضير فيه بعد ان عرفنا الواسطة
و هـو ثـقـة ((693)) , لاسيما و قد روى عنه الثقات قال صالح بن محمد: روى عنه الكوفيون و
الـشـامـيون ـ لانه انتقل الى حمص ـ , قال ابن حجر: و نقل البخاري من تفسيره رواية معاوية بن
صالح عنه عن ابن عباس شيئا كثيرا.

قـال : و قد وقفت على السبب الذي رمى به الراي بالسيف , و ذلك فيما ذكره ابو زرعة الدمشقي عن
عـلى بن عياش الحمصي , قال : لقي العلا بن عتبة الحمصي على بن ابي طلحة تحت القبة , فقال (على
لـعـلا): يا ابا محمد, تؤخذ قبيلة من قبائل المسلمين فيقتل الرجل و المراة والصبى , لا يقول احد:
اللّه , اللّه استباحة دما بني امية من قبل بني العباس يومذاك و انهم يستحقون ذلك , فطائفة منهم بارتكاب جرائم ,
و طائفة اخرى بالسكوت عما يفعله اخوانهم ) ثم قال على بن ابي طلحة : يا عاجز ـ خطابا مع العلا,
لانه كان من اشياع بني امية ((694)) ـ او ذنب على اهل بيت النبى (ص ) (يريد بهم بني العباس ) ان
اخذوا قومابجرائرهم و عفوا عن آخرين ؟ فقال له العلا: و انه لرايك ؟ قال : نعم فقال له العلا: لا كلمتك من فمي بكلمة ابدا انما احببنا آل محمد
بحبه , فاذاخالفوا سيرته و عملوا بخلاف سنته , فهم ابغض الناس الينا ((695)) .

اذن فلا مغمز فيما يرويه ابن ابي طلحة من تفسير يسنده الى ابن عباس , كما لا ضعف في الاسناد.

قال الخليلي ـ في الارشاد ـ : تفسير معاوية بن صالح قاضي الاندلس عن على ابن ابي طلحة عن ابن
عباس , رواه الكبار عن ابي صالح كاتب الليث , عن معاوية ((696)) .

قـلـت : سـبب الغمز فيه انه كان متاثرا بمدرسة ابن عباس ـ و هو في حمص من بلادالشام في تلك
الاوساط المتاثرة بنفثات آل امية المعادية للاسلام ـ فكان يحمل ولا آل بيت الرسول (ص ) ويعادي
اعداهم , في اوساط ما كانت تتحمله ذلك العهد, و من ثم الصقت به تهما هو منها برا.

الـثـانـي ـ ايـضـا من جيد الطرق ـ : طريق قيس بن الربيع ابي محمد الاسدي الكوفي توفي سنة
(168) عن عطابن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس .

قال جلال الدين : هذه طريق صحيحة على شرط الشيخين و كثيرا ما يخرج منها الفريابي و الحاكم
في مستدركه ((697)) .

و ذكر ابن حجر عن احمد بن حنبل ان قيسا هذا كان يتشيع و لكن قال ابن ابي شيبة : هو عند جميع
اصحابناصدوق و كتابه صالح ((698)) .

و اما عطا بن السائب فكان ممن اخلص الولا لال بيت الرسول (ص ) وفقا لتعاليم اشياخه سعيد و ابن
عـبـاس و غـيـرهما, و له حديث مع الامام على بن الحسين زين العابدين (ع ) ينبؤك عن مدى قربه
لحضرته السنية ((699)) .

الـثالث ـ كذلك جيد الطريق ـ : طريق محمد بن اسحاق صاحب السير و المغازي عن محمد بن ابي
محمد, عن عكرمة او سعيد ـ هكذا بالترديد ـ عن ابن عباس .

و ابـن اسحاق معروف بتشيعه كما ذكره ابن حجر في التقريب , و شيخنا الشهيد الثاني في تعليقته
عـلـى خلاصة الرجال ((700)) قال صاحب الكشف : هو اول من صنف في علم السير, و هو رئيس
اهل المغازي ((701)) .

قـال الـسـيـوطي : و هذه طريق جيدة و اسنادها حسن و قد اخرج منها ابن جرير و ابن ابي حاتم
كثيرا و في معجم الطبراني منها اشيا ((702)) .

الـرابـع ـ و هـو طـريق حسن لا باس به ـ : طريق اسماعيل بن عبد الرحمان ابومحمد القرشي
الـكـوفـي الـسـدي الـكبير, عن ابي مالك و ابي صالح , عن ابن عباس و كذلك عن مرة بن شراحيل
الهمداني عن ابن مسعود, و ناس من الصحابة .

قال جلال الدين : و هذا التفسير يورد منه ابن جرير كثيرا, و كذا الحاكم في مستدركه يخرج منه
اشيا, و يصححه , لكن من طريق مرة عن ابن مسعود, دون الطريق الاول .

و يـرى صـاحـب الـتـراث : انـه مـن الـمـمـكـن جمع نصوص هذا التفسير, و اعادة تكوينه من
جديد ((703)) .

و قـال الـخـلـيلي ـ في الارشاد ـ : و تفسير السدي يورده باسانيد الى ابن مسعود و ابن عباس , و
روى عـن الـسـدي الائمـة مثل الثوري و شعبة لكن التفسير الذي جمعه رواه اسباط بن نصر, و
اسباط لم يتفقوا عليه قال : غيران امثل التفاسير تفسير السد ي ((704)) .

كـان اسـماعيل بن عبد الرحمان السدي ((705)) من الائمة الكوفيين , و كان شديد التشيع هو و
الـكـلـبـي و مـع ذلـك فـقـد وثـقه القوم , و اخرج مسلم عنه احاديث , لانه كان يرجح تعديله على
تـجـريـحـه ((706)) فقد ذكره ابن حبان في الثقات , و قال ابن عدى : له احاديث يرويها عن عدة
شيوخ , و هو عندي مستقيم الحديث صدوق لا باس به ((707)) .

و عده الشيخ ابوجعفر الطوسي من اصحاب الائمة : على بن الحسين زين العابدين , و محمد بن علي
الـبـاقـر, وجعفر بن محمد الصادق (ع ) قال : اسماعيل ابن عبد الرحمان السدي ابو محمد المفسر
الكوفي ((708)) .

قـال الـمولى الوحيد ـ في التعليقة ـ : وصفه بالمفسر مدح قال المامقاني : و المتحصل من مجموع ما
ذكر بشانه كون الرجل من الحسان ((709)) , و قد اعتمده الشيخ في تفسيره (التبيان ) كثيرا.

و هكذا عده ابن شهر آشوب من اصحاب الامام زين العابدين (ع ) ((710)) .

و هو الذي روى قصة الاخنس بن زيد, الذي كان قد وطا جسم الحسين (ع ) و فعل ما فعل , فابتلى
فـي تـلـك الـلـيـلـة بحريق اصابه من فتيلة السراج , فلم تزل به النار, حتى صار فحما على وجه
الما ((711)) .

الخامس ـ و هو ايضا حسن ـ : طريق عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج , ابوخالد المكي من اصل
رومـي ,احد الاعلام الثقات , فقيه اهل مكة في زمانه ((712)) قال ابن خلكان : كان عبد الملك احد
العلما المشهورين , ويقال : انه اول من صنف الكتب في الاسلام كانت ولادته سنة (80) و توفي سنة
(150)قال : و جريج , بضم الجيم و فتح الرا و سكون اليا و بعدها جيم ثانية ((713)) .

قال الخطيب : و سمع الكثير من عطا بن ابي رباح و غيره و عن احمد بن حنبل , قال : قدم ابن جريج
بغداد على ابي جعفر المنصور, و كان صار عليه دين فقال : جمعت حديث ابن عباس ما لم يجمعه احد
فلم يعطه شيئا.

و عـن عـلـى بن المديني : نظرت فاذا الاسناد يدور على ستة ـ فذكرهم ـ قال : ثم صارعلم هؤلا
الـسـتـة الـى اصـحـاب الاصـناف , مم ن يصنف العلم , منهم من اهل مكة عبد الملك بن عبد العزيز
(ابن جريج ) و كان قد تعلم على يد عطا بن ابي رباح , و لزمه سبع عشرة سنة و سئل عطا: من نسال
بعدك ؟ فقال :هذا الفتى , يعني ابن جريج , و كان يصفه بانه سيد اهل الحجاز.

و عن احمد بن حنبل : كان ابن جريج من اوعية العلم و قال ابن معين : اصحاب الحديث خمسة , و عد
منهم ابن جريج و قال يحيى بن سعيد القطان : كتب ابن جريج كتب الامانة , و اذا لم يحدثك عن كتابه
لم ينتفع به .

قال احمد: اذا قال ابن جريج : اخبرني و سمعت , فحسبك به قال : الذي يحدث من كتاب اصح , و كان
في بعض حفظه ـ اذا حدث حفظا ـ سى قال ابن معين : ابن جريج ثقة في كل ما روي عنه من الكتاب .

كـان ابـن جـريج و مالك بن انس (امام المالكية ) قد اخذا الفقه من نافع ولكن ابن جريج كان مفضلا
على مالك فعن احمد بن زهير, قال : رايت في كتاب ابن المديني : سالت يحيى بن سعيد, من اثبت اصحاب
نـافع ؟ قال :ايوب , و عبيد اللّه , و مالك بن انس و ابن جريج اثبت من مالك في نافع قلت : و من ثم كان
مـالـك ينافسه في هذه الفضيلة , و ربما كان يرميه بالخلط قال المخارقي : سمعت مالك ابن انس يقول :
كان ابن جريج حاطب ليل .

و اذا كـان مـقدما في الفقه عن نافع , فهو مقدم في التفسير عن عطا بن ابي رباح فقد حدث صالح بن
احمد بن حنبل عن ابيه , قال : عمرو بن دينار و ابن جريج اثبت الناس في عطا ((714)) .

و ذكـره ابن حبان في الثقات , و قال : كان من فقها اهل الحجاز و قرائهم و متقنيهم و اضاف : و كان
يدلس ((715)) ,لكن بم كان تدليسه ؟.

روى الـبخاري في تفسير (سورة نوح ) حديثين اخرجهما عن طريق ابن جريج , قال :قال عطا عن
ابن عباس فزعم ابو مسعود ـ في الاطراف ـ ان هذا هو عطا الخراساني البلخي نزيل الشام وعطا
هـذا لـم يـسـمـع من ابن عباس , و ابن جريج لم يسمع التفسير من عطا هذا قال ابن حجر: فيكون
((716)).
و من ثم رموه بانه كان يدلس و قد رد ابن حجر على هذا الوهم بما يبرئ ساحة ابن جريج من هذه التهمة , فراجع .

و اما حديثه عن ابن عباس فلا ضير فيه بعد ان كان الواسطة ـ و هو ثقة ـ معلوما, الا وهو عطا بن
ابي رباح تلميذ ابن عباس و قد لازمه ابن جريج سبعة عشر عاما يتلقى منه العلم .

اذن فقد صح ما ذكره ابن حبان بشان ابن جريج اولا من كونه ثقة ثبتا متقنا, و ان لا منشا للغمز فيه ,
و بـذلـك نـرى انـه كـان موضع اعتماد الائمة من اهل البيت ايضا على ما رواه ثقة الاسلام الكليني
بـاسـنـاده الصحيح عن اسماعيل بن الفضل الهاشمي , قال : سالت ابا عبد اللّه الصادق (ع ) عن المتعة ,
فـقـال : الق عبد الملك بن جريج فسله عنها, فان عنده منها علما فاتيته فاملى على منها شيئا كثيرا في
استحلالها فكتبته , و اتيت بالكتاب ابا عبداللّه (ع ) فعرضت عليه فقال : صدق , و اقر به ((717)) .

و قـد استظهر المولى الوحيد البهبهاني من ذلك كون جريج موضع ثقة الامام (ع ), و ممن يرى راي
الـشيعة في فقه الشريعة , و لا سيما ما ذكره ابن اذينة ـ الراوي عن الهاشمي ـ في ذيل الحديث : و
كـان زرارة بـن اعين يقول هذاو حلف انه الحق فهذا من المقارنة الظاهرة بين موضع الرجلين (ابن
جريج و زرارة ) في المسالة ((718)) .

و هـكـذا استظهر تشيعه منها كل من المولى محمد تقي المجلسي الاول , و الشيخ يوسف البحراني ,
على ما جافي كلام الحائري ((719)) .

و ايـضـا روى الـشـيخ ابوجعفر الطوسي باسناده الى الحسن بن زيد, قال : كنت عندالامام ابي عبد
اللّه (ع ) اذ دخـل عـلـيـه عبد الملك ابن جريج المكي , فقال له ابو عبد اللّه : ما عندك في المتعة ؟
قال :حدثني ابوك محمد بن علي عن جابر بن عبد اللّه الانصاري , ان رسول اللّه (ص ) خطب الناس ,
فـقـال : ايهاالناس , ان اللّه احل لكم الفروج على ثلاثة معان : فرج مورث و هو البتات , و فرج غير
مورث و هو المتعة , وملك ايمانكم ((720)) .

و فـي سـؤال الامام منه عما لديه في المتعة , دلالة على عنايته به و لطف سابق كما في الاجابة بانه
حديث ابيك ظرافة و طرافة اما الرواية عن جابر فلعله تغطية لما عسى القوم ينكرون كيف الرواية
عن رسول اللّه (ص ) و لم يدركه و مـسـالـة استحلال المتعة كانت حينذاك من اختصاص خلص الصحابة و التابعين ممن يميلون الى
مـذهب اهل البيت (ع ) امثال ابن مسعود و ابى بن كعب و ابن عباس و جابر بن عبد اللّه و اضرابهم ,
فـلا غـرو ان يـنخرط مثل ابن جريج في تلك الزمرة الفائزة , الامر الذي دعا بابن جريج ان يكافح
الـقوم رايا و عملا ايضا فقد ذكر ابن حجر عن الشافعي , قال : استمتع ابن جريج بسبعين امراة , مع
انه كان من العباد, و كان يصوم الدهر الا ثلاثة ايام من الشهر ((721)) .

/ 25