تـكـوير الضؤ او تقوسه يستلزم تكوير المضا و تقوسه , لان النور و الظلمة انما يتشكلان باشكال
الـجـسم الواقعين عليه فلو ترجمت الاية بذلك المعنى (التغشية ) ثم دلتنا الادلة على صحة المعنى
الثاني , لكنا قد خسرنا معجزة من معجزات القرآن .قـال الاسـتاذ الشاطر: اني لاخشى ان ينطبق علينا الحديث الشريف : ((لتتبعن سنن من قبلكم شبرا
بشبر و ذراعابذراع , حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لاتبعتموهم .قيل : يا رسول اللّه (ص ) اليهود و النصارى ؟ قال : فمن ؟ ((291)) .
دفاع حاسم
و لـقـد احـسـن الاسـتـاذ مـحـمد فريد وجدي الدفاع عن ((مشروع ترجمة القرآن الى اللغات الاجـنبية )) و اجاب عن اعتراض الاستاذ (الشاطر) قائلا: نحن نعتقد ان القرآن كتاب لا تنقضيعـجـائبه ولا يدرك غوره , كما يعتقد الاستاذ (الشاطر) و لكنا لا نذهب بالغلو في هذا المعنى الى
درجة التعطيل , و اعتباره طلسما تضل العقول في فهمه , و لا تصل منه الى حقيقة ثابتة فان هذا الفهم
يـصـطـدم بـالـقرآن نفسه , فقد وصفه في غير آية بانه آيات بينات , و بانه منزل ليتدبر الناس هذه
الايـات , حـتـى قـال : (و لقد يسرنا القرآن للذكرفهل من مدكر) ((292)) , اي سهلناه للاتعاظ و
كـررت هـذه الايـة اربـع مرات في سورة واحدة الاتعاظ, معمى لا يمكن فكه , و طلسم لا يستطاع حله .نـعم ان المفسرين بعد القرنين الاولين تذرعوا بالفنون الالية التي وضعوها لضبط قواعد اللغة , من :
نـحـو و بيان وبديع و معاني , الى زيادة التعمق في تمحيص الايات لهذا السبب ـ و اكثر هذا التعدد
آلي محض ـ و لكن المعاني لم تخرج قط عن دائرة الفهم , فلم يدع احد ان القرآن لم يفهم في عصر
مـن الـعـصـور, و لا سيما الايات المحكمات و كيف يمكن ان يقال : ان محكمات القرآن لم تفهم على
حقيقتها, و قد انبنى عليها الدين كله عقائده و عباداته و معاملاته ؟ فاللجنة التي ستدعي لترجمة القرآن ستنظر في المعاني التي قررها ائمة التفسير, فان آنسوا في
بـعـضـهـا ـ خـلافـابـينهم ـ عمدوا الى اختيار ما رضيه جمهورهم , مشيرين في الهامش الى بقية
الاحتمالات , فتكون الترجمة قداستوعبت جميع الارا.هـذا فـي آيات العقائد و العبادات و المعاملات و اما الايات الكونية و التاريخية و المتشابهات , فان
الـلـجنة ستترجم معانيها على ما يحتمله اللفظ العربى , و لا تتعرض لشرحها, فمثل قوله تعالى : (و
اللّه الـذي ارسـل الرياح فتثير سحابا) مثل هذه الاية تتولاها لجنة التفسير فتعطي معناها الصحيح
لـلـجـنـة الترجمة لتترجمه ,دون ان تتعرض ـ هذه الاخيرة ـ لما تشير اليه الالفاظ من الدلالات
الـعـلـمـيـة و لـكـنـهـا تـجتهد في ترجمة كلمة ((تثير)) مثلا لتكون واجدة لجميع خصائصها
الـلـغوية ((293)) , تاركة دلالاتها العلمية الى عقول القارئين , تفاديا من الوقوع في مثل هذا الخطا
الـكبير الذي وقع فيه الاستاذ (الشاطر) في هذا الموطن نفسه ((294)) ,و حفظا للقرآن الكريم
مما عسى ان يرجع عنه العلم من مقرراته الحالية , و هو دائم التغير بطبيعته .قال : و هنا يسوغ لنا ان نقول : اذا جرينا على مذهب الاستاذ الشاطر في تفسير الايات و ترجمتها, ثم
رجـع الـعـلـم عـن رايـه الاول , انـعـيد اذ ذاك ترجمة القرآن , ام نترك الترجمة على خطائها و
لكن الترجمة على الاسلوب الذي ذكرناه فلا تجعل محلا لمثل هذا الندم , لان الكلمة قد تبدلت الى ما
يـرادفـهـا في الافادة , من دون التعرض للشرح و البيان , تاركين ذلك الى فهم القرآ, كما هو الحال
بالنسبة الى الكلمة في موضعها من القرآن ((295)) .و امـا الايـات الـتي استشهد بها, فاظنه مشتبها فيها, فضلا عن ان الاختلاف في الترجمة لا يزيد
خطرا عن الاختلاف في التفسير الذي لا محيص عنه البتة .و قـد تـعـرض الاسـتاذ وجدي لبيان الايات على وجه يخالف راي الاستاذ الشاطر, نذكرها على
الترتيب :.اما الاية الاولى التي قال فيها: لكن العلم الحديث كشف لنا ان كل ثمرة فيها ذكر و انثى .فـقال الاستاذ وجدي : هذا خطا, اذ الثمار ليس فيها ذكر و لا انثى على الاطلاق , نعم ان الذكورة و
الانـوثـة مـن اعـضا الازهار لا الاثمار فقد يكون هناك عضوان ذكر و انثى في زهرة واحدة , و
قـديكونان في زهرتين من نفس الشجرة , او في زهور شجرتين مستقلتين و هذا اللقاح النباتي كان
معروفا منذاقدم العصور, حتى ان عرب الجاهلية كانوا يعرفونه , فكانوا يلقحون اناث النخيل بالطلع
المستخرج من ذكورها.اذن فـلم يكن هذا المعنى خافيا على المفسرين القدامى , و من ثم اخذوا الاية حسب مفهومها الظاهر
اللغوي , وهو الصحيح , بعد ملاحظة آية اخرى جا فيها وصف الجنتين اللتين وعد اللّه بهما المتقين ,
قال تعالى : (فيهمامن كل فاكهة زوجان ) ((296)) و لا يمكن صرف هذه الاية بحال من الاحوال الى
المعنى الذي اراده الاستاذ(الشاطر).و الايـة الـثـانـيـة , الـتي جعل لفظة ((تثير)) فيها اشارة الى ((عملية التبخير)) بفعل الحرارة
والـريـاح , فالمعروف في علم الطبيعة ان عملية التبخير ـ في المياه و الرطوبات ـ انما تقوم على
فـعل الحرارة المركزية للارض , و الحرارة الجوية للشمس , اما الرياح فلا دور لها في ذلك , و لم
يقل به احد من العلما.و قد كان العلما منذ خمسمائة عام قبل ميلاد المسيح (ع ) يعرفون تكون الابخرة الارضية , التي هي
المؤلفة للسحب و هذه كتب الطبيعيات القديمة شاهدة بذلك , و ليس امرا اكتشفه العلم حديثا.و الايـة الـثالثة ـ التي زعم ((الاوتاد)) فيها هي الاهرام ـ فلا يمكن المصادقة عليه , بعد ان كان
السبب فى اطلاق ((الوتد)) على الجبل باعتبار تاثيره في ضبط الارض عن الميدان و عن التفتت و
الانـدثـار, الامـر الذي يرجع الى ضخامته و صلابته , مما لا تناسب بينه وبين اكبر هرم من اهرام
مـصر, الذي يبلغ ارتفاعه مائة و خمسين مترا, و طول قاعدته عن ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثين مترا
فـايـن ذلـك مـن جبل ((هماليا)) الذي يزيد ارتفاعه عن ثمانية آلاف متر وثمانمائة متر, و يشغل
شمالي الهند كله او جبال انده في امريكا الجنوبية التي يبلغ طول قاعتها نحو سبعة آلاف كيلومترا,
و ارتفاعها بضعة آلاف متر لا جرم كان اطول الاهرام لا يساوي اصغر تلال الارض , فلا يتناسب
والاطـلاق وتد الارض عليه , اذ لا مناسبة حينذاك على ان ((الاهرام )) هي قبور فراعنة مصر
مـمـن سـبـقوا فرعون موسى نحو ثلاثة آلاف عام , و لم يكن هذا الاخير ممن شيدها, فكيف يصح
نسبتها اليه ؟ و الاية الرابعة , و كذا الخامسة , فان الذي ذكره احتمال , لا نستبعد امكان الدلالة عليه اجمالا, لكن
لـيـس مـن الـحـتم , فهو احتمال كسائر الاحتمالات التي تحتملها جل آيات الذكر الحكيم , كما قال
عـلـي (ع ): ((القرآن حمال ذو وجوه )), لكن لا يرتبط الامر و قضية امكان الترجمة بشكل يبقى
احتمالات اللفظ على حالها في الترجمة ,كما هي في الاصل .و على اية حال فليست الترجمة بذاتها مما يتنافى و احتمالات لفظ القرآن , ان كانت الترجمة ـ كما
ذكره الاستاذ وجدي ((297)) ـ قائمة على اصولها حسبما عرفت .
الترجمة من الوجهة الشرعية
سبق ان الغاية من الترجمة هي الايفا بمفاهيم القرآن و ايضاح ما يحويه هذا الكتاب السماوى الخالد, ايـضاحابسائر اللغات لسائر الامم , تقريبا لهم الى تعاليم القرآن و آداب الاسلام و احكامه و سننه ,الامـر الـذي لا بـاس به ـ فضلا عن كونه من ضرورة الدعا الى الاسلام ـ مادام لا تعتبر الترجمة
قـرآنـا, بـل ترجمة له محضا فلا تشملهااحكام القرآن الخاصة به , و انما شانها شان التفسير الذي
وضع على اساس الايجاز و الايفا حسب المستطاع .و امـا الـحديث الماثور عن رسول اللّه (ص ): ((تعلموا القرآن بعربيته )), فانما هو حث على تعلم
الـعربية , حيث عبادات الاسلام عربية , و على كل مسلم ان يتقنها مهما امكن قال الامام الصادق (ع ):
((تعلموا العربية فانها كلام اللّه الذي كلم به خلقه و نطق به للماضين )) و روى ابن فهد الحلي في
((اعي ص 18)) عن الامام الجواد(ع ), قال : ما استوى رجلان في حسب و دين قط الا كان
افـضلهما عند اللّه ـ عز و جل ـ اادبهما قال الراوي : قلت : قد علمت فضله عند الناس في النادي و
المجلس , فما فضله عند اللّه ؟ قال (ع ): بقراة القرآن كماانزل , و دعائه من حيث لا يلحن , و ذلك ان
الدعا الملحون لا يصعد الى اللّه .هـذا ان اريـد قـراة الـقـرآن ذاتـه , و ليس نهيا عن تفسيره او ترجمته بغير لغة العرب اذادعت
الـضـرورة الـى ذلك , كما نبهنا و مع ذلك فقد اجيز القراة بلحن غير عربي لمن يتعذر عليه التلهج
بـلـهـجـة الـعرب قال النبي (ص ): ((ان الرجل الاعجمي من امتي ليقرا القرآن بعجميته , فترفعه
الملائكة على عربيته )) ((298)) .
وثائق شرعية
لـم يبحث علماؤنا السلف (ره ) عن مسالة ((ترجمة القرآن الى سائر اللغات )) بحثا مستوفى يشمل جـوانـب الـمسالة و في تمام ابعادها بتفصيل , و انما جا كلامهم عن الترجمة عرضا عند التكلم فيشروط القراة في الصلاة و يبدو من كلماتهم هناك : ان الترجمة في حد ذاتها لا ضير فيها, و من ثم
وقـع الـبحث منهم في جوازقراتها في الصلاة بدلا عن الفاتحة بحثا ثانويا, مفروغا عن جواز اصل
الترجمة ذاتها.كما انه في طول حياة المسلمين , قام رجال من اهل الفضيلة و الادب بترجمة القرآن ,تماما او بعض
آيه و سوره , عرضا على اناس كانوا لا يحسنون العربية ((299)) , و كان ذلك بمراى و مسمع من
فقها الاسلام من غير نكير منهم , مما ينبؤك عن تسالمهم على الجواز, و لا سيما للهدف المذكور.نعم صدرت ـ اخيرا ـ فتاوي بشان جواز الترجمة , و كتب كثيرون حول المسالة , نقضاو ابراما اما
الـفقها فقد توافقوا على الجواز, بشروط ذكروها, و قد نوهنا عن طرف منها و نورد هنا بعضا من
تلك النظرات و الارا:.
فتوى الحجة كاشف الغطا
جا فيما كتبه سماحة الحجة الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطا ـ تغمده اللّه برحمته ـ جوابا على استفتاالاستاذ عبد الرحيم محمد علي , بشان جواز ترجمة القرآن الى اللغات الاجنبية ـ ما نصه ـ:.((اذا امـعـنـا الـنظر في هذه القضية نجد ان اعجاز القرآن الذي ادهش العلما, بل و ادهش العالم ,يـرجـع الى امرين :فصاحة المباني الى فصاحة الالفاظ, و بلاغة الاساليب و التراكيب و الثاني قوة
الـمـعـاني و ما في القرآن من التشريع البديع و الوضع الرفيع , و الاحكام الجامعة في صلاح البشر
عـامـة مـن الـعبادات و الاجتماعيات , يعني من اول كتاب الطهارة الى الحدود و الديات , بعد العقائد
الـمـبرهنة في التوحيد و النبوة و المعاد و بالجملة فقدتكفل القرآن بصلاح عامة البشر معاشهم و
مـعادهم بما لم يات بمثله اى كتاب سماوى , و اى شريعة من الشرائع السابقة و لا شك ان الترجمة
مـهما كانت من القوة و البلاغة في اللغة الاجنبية فانها لا تقدر على الاتيان بهابلسان آخر, مهما كان
المترجم قويا ماهرا في كلتا اللغتين العربية و الاجنبية فاذا صحت الترجمة و لم يكن فيهااي تغيير
و تـحـريـف , فـهـي جائزة , بل نقلها واجب على المقتدر فردا كان او جماعة , لان فيها ابلغ دعوة
للاسلام ودعاية للدين , و يشمله قوله تعالى : (و لتكن منكم امة يدعون الى الخير) ((300)) و اى
خـير اهم و اعظم من الدعوة الى الاسلام قديم , و لم يذكر احد من علمائناالافاضل (ره ) المنع عنها, و اذا جاز بالفارسية جاز بغيرها قطعا و
بـهـذا الـبيان لا حاجة الى التمسك باصالة الاباحة و نحوها, فان الامر اوضح و اصح و اجلى من ان
يحتاج الى دليل او اصل اصيل , و حسبنا اللّه و نعم الوكيل )) ((301)) .
نظرة الامام الخوئي
لـسـيـدنـا الاسـتاذ الامام الخوئي ـ دام ظله ـ نظرة وافية بشان ترجمة القرآن الى سائر اللغات , ذكرها في ملحق كتابه ((البيان )) مع اشارة اجمالية الى شروطها الاولية , و اليك نصها:.((لـقـد بـعـث اللّه نبيه لهداية الناس فعززه بالقرآن , و فيه كل ما يسعدهم و يرقى بهم الى مراتبالكمال و هذا لطف من اللّه لا يختص بقوم دون آخر, بل يعم البشر عامة و قد شات حكمته البالغة ان
يـنزل قرآنه العظيم على نبيه بلسان قومه , مع ان تعاليمه عامة و هدايته شاملة , و لذلك فمن الواجب
ان يفهم القرآن كل احد ليهتدي به و لاشك ان ترجمته مما يعين على ذلك , و لكنه لا بد ان تتوفر في
الـتـرجـمة براعة و احاطة كاملة باللغة التي ينقل منها القرآن الى غيرها, لان الترجمة مهما كانت
متقنة لا تفي بمزايا البلاغة التي امتاز بها القرآن , بل و يجري ذلك في كل كلام , اذ لا يؤمن ان تنتهي
الـتـرجـمة الى عكس ما يريد الاصل و لا بد اذن في ترجمة القرآن من فهمه , و ينحصر فهمه في
امـور ثلاثة : 1ـ الظهور اللفظي الذي تفهمه العرب الفصحى , 2ـ حكم العقل الفظري السليم , 3ـ ما
جـا من المعصوم في تفسيره و على هذا تتطلب احاطة المترجم بكل ذلك لينقل منها معنى القرآن الى
لـغـة اخـرى و اما الارا الشخصية التي يطلقها بعض المفسرين في تفاسيرهم , و لم تكن على ضؤ
تـلـك الموازين , فهي من التفسير بالراي و ساقطة عن الاعتبار, و ليس للمترجم ان يتكل عليها في
تـرجـمته و اذاروعي في الترجمة كل ذلك , فمن الراجح ان تنقل حقائق القرآن و مفاهيمه الى كل
قـوم بـلـغتهم , لانها نزلت للناس كافة و لا ينبغي ان تحجب ذلك عنهم لغة القرآن , ما دامت تعاليمه و
حقائقه لهم جميعا)) ((302)) .
كتاب شيخ الازهر
جـا فـي كـتاب رسمي قدمه شيخ الجامع الازهر الاسبق الشيخ محمد مصطفى المراغي الى رئيس مجلس الوزرا المصري عام (1355ه ق ) ما نصه :.((اشـتغل الناس قديما و حديثا بترجمة معاني القرآن الكريم الى اللغات المختلفة , و تولى ترجمتهافراد يجيدون لغاتهم و لكنهم لا يجيدون اللغة العربية , و لا يفهمون الاصطلاحات الاسلامية , الفهم
الذي يمكنهم من ادامعاني القرآن على وجه صحيح , لذلك حدث في التراجم اخطا كثيرة , و انتشرت
تـلك التراجم و لم يجد الناس غيرها, فاعتمدوا عليها في فهم اغراض القرآن الكريم و فهم قواعد
الشريعة الاسلامية , فاصبح لزاما على امة اسلامية كالامة المصرية التي لها المكان الرفيع في العالم
الاسـلامي ان تبادر الى ازاحة هذه الاخطا, و الى اظهار معاني القرآن الكريم نقية في اللغات الحية
لدى العالم .و لهذا العمل اثر بعيد في نشر هداية الاسلام بين الامم التي لا تدين بالاسلام , ذلك ان اساس الدعوة
الـى الـديـن الاسلامي انما هو الادلا بالحجة الناصعة و البرهان المستقيم و في القرآن من الحجج
الباهرة و الادلة الدامغة ما يدعو الرجل المنصف الى التسليم بالدين و الاذعان له .و فـائدة اخرى للامم الاسلامية التي لا تعرف العربية و تشرئب اعناقها الى اقتطاف ثمرات الدين
مـن مـصدرهاالرفيع , فلا تجد امامها الا تراجم قد ملئت بالاخطا فاذا ما قدمت لها ترجمة صحيحة
تـصـدرهـا هـياة لها مكانتهاالدينية في العالم , اطمانت اليها و ركنت الى انها تعبر عن الوحي الالهي
تعبيرا دقيقا.و نـرى ان عـهـد حضرة صاحب الجلالة الملك فؤاد الذي تمت فيه اعمال جليلة لخير الاسلام و
المسلمين , خليق بان يتم هذا المشروع الجليل , اطال اللّه بقا جلالته نصيرا للعلم و الدين .لـذلـك اقـترح : ان يقرر مجلس الوزرا ترجمة معاني القرآن الكريم ترجمة رسمية , على ان تقوم
بـذلـك مـشيخة الازهر بمساعدة وزارة المعارف , و ان يقرر مجلس الوزرا الاعتماد اللازم لذلك
المشروع الجليل , فارجوالنظر في هذا)).و هـناك كتاب رسمي آخر من وزير المعارف المصرية الى رئيس مجلس الوزرا, بشان تاييد كتاب
شيخ الازهر و التاكيد من انجاز الطلب ((303)) .
فتوى علما الازهر
قـدم الـى هياة علما الازهر استفتا بشان ترجمة القرآن الى سائر اللغات , ضمنه الشروط المقررة لهذاالمشروع فكان الجواب هي الموافقة الصريحة .و اليك نص الاستفتا مشفوعا بجوابه :.((ما قول السادة اصحاب الفضيلة العلما في السؤال الاتي بعد ملاحظة المقدمات الاتية ؟.1ـ لا شـبهة في ان القرآن الكريم اسم للنظم العربي الذي نزل على سيدنا محمد بن عبد اللّه (ص )و لا شـبـهـة ايضافي انه اذا عبر عن معاني القرآن الكريم بعد فهمها من النص العربى باية لغة من
اللغات , لا تسمى هذه المعاني ولا العبارات التي تؤدى هذه المعاني قرآنا.2ـ و مـمـا لا خـلاف فيه ايضا ان الترجمة اللفظية , بمعنى نقل المعاني مع خصائص النظم العربي
المعجز مستحيلة .3ـ وضـع الـناس تراجم للقرآن الكريم بلغات مختلفة اشتملت على اخطا كثيرة , واعتمد على هذه
الـتراجم بعض المسلمين الذين لا يعرفون اللغة العربية , و بعض العلما من غير المسلمين ممن يريد
الوقوف على معاني القرآن الكريم .4ـ و قد دعا هذا التفكير في نقل معاني القرآن الكريم الى اللغات الاخرى على الوجه الاتي : يراد ـ
اولا ـ فـهم معاني القرآن الكريم بوساطة رجال من خيرة علما الازهرالشريف , بعد الرجوع لارا
ائمـة الـمفسرين , و صوغ هذه المعاني بعبارات دقيقة محدودة ثم نقل المعاني التي فهمها العلما, الى
الـلغات الاخرى , بوساطة رجال موثوق باماناتهم و اقتدارهم في تلك اللغات , بحيث يكون مايفهم في
تلك اللغات من المعاني هو ما تؤديه العبارات العربية التي يضعها العلما.فهل الاقدام على هذا العمل جائز شرعا او هو غير جائز؟.هـذا مـع الـعـلـم بانه سيوضع تعريف شامل يتضمن ان الترجمة ليست قرآنا, و ليس لها خصائص
الـقـرآن , و ليست هي ترجمة كل المعاني التي فهمها العلما, و انه ستوضع الترجمة وحدها بجوار
النص العربي للقرآن الكريم )).و جا الجواب ما نصه :.((الـحـمـد للّه و الـصـلاة و الـسلام على رسول اللّه (ص ) و بعد فقد اطلعنا على جميع ما ذكر
بـالاسـتـفـتا المدون بباطن هذا, و نفيد بان الاقدام على الترجمة على الوجه المذكور تفصيلا في
السؤال , جائز شرعا, و اللّه سبحانه و تعالى اعلم )).و قد وقعه كبار علما الازهر و اسماؤهم كما يلى :.محمود الدنياوي عضو جماعة كبار العلما, و شيخ معهد طنطا.عبدالمجيد اللبان شيخ كلية اصول الدين , و عضو جماعة كبار العلما.ابراهيم حمروش شيخ كلية اللغة العربية و عضو جماعة كبار العلما.محمد مامون الشناوي شيخ كلية الشريعة و عضو جماعة كبار العلما.عبدالمجيد سليم مفتي الديار المصرية و عضو جماعة كبار العلما.محمد عبداللطيف الفحام وكيل الجامع الازهر و عضو جماعة كبار العلما.دسوقي عبد اللّه البدري عضو جماعة كبار العلما.احمد الدلبشاني عضو جماعة كبار العلما.يوسف الدجوي عضو جماعة كبار العلما.محمد سبيع الذهبي شيخ الحنابلة و عضو جماعة كبار العلما.عبدالرحمان قراعة عضو جماعة كبار العلما.احمد نصرعضو جماعة كبار العلما.محمد الشافعي الظواهري عضو جماعة كبار العلما.عبدالرحمان عليش الحنفي عضو جماعة كبار العلما.و عـقـب شيخ الجامع الازهر محمد مصطفى المراغي على الفتوى المذكورة بالنص التالي , و ابدى
موافقته لهم في الجواب و هذا نصه :.((بسم اللّه الرحمن الرحيم وجهت هذا السؤال الى حضرات اصحاب الفضيلة جماعة كبار العلما و
اني اوافقهم على ما راوه )).رئيس جماعة كبار العلما.محمد مصطفى المراغي .
قرار مجلس الوزرا المصري
اقر مجلس الوزرا المصري المشروع و وافق عليه , و ادخل عليه عشرة آلاف جنيه في ميزانية الـسـنة الجديدة ,لتنفيذ بعضها في ميزانية وزارة المعارف , و بعضها في ميزانية الجامع الازهر, وبعضها في ميزانية المطبعة الاميرية و اصبح المشروع نافذ المفعول من الوجهة القانونية , و استوفى
الاجراات من الناحيتين العلمية والرسمية , و هذا قرار مجلس الوزرا المصري كما يلي :.((بـعـد الاطـلاع على كتاب فضيلة شيخ الجامع الازهر, و كتاب سعادة وزير المعارف العمومية ,
بـشـان تـرجـمة معاني القرآن الكريم , و مع تقدير مجلس الوزرا لمشقة هذا العمل و صعوبته , و
منعالاضرار التراجم المنتشرة الى الان , راى بجلسته المنعقدة في (12 ابريل / 1936م ) الموافقة
على ترجمة معاني القرآن الكريم , ترجمة رسمية تقوم بها مشيخة الجامع الازهر, بمساعدة وزارة
المعارف العمومية , و ذلك وفقا لفتوى جماعة كبار العلما, و اساتذة كلية الشريعة )) ((304)) .
محاولة دون تنفيذ القرار
تـكـتـلت الجماعة المعارضة بزعامة الشيخ محمد سليمان نائب المحكمة الشرعية العليا, و قاومت الـمـشروع مقاومة عنيفة و انحاز اليهم شخصيات كبيرة , امثال الشيخ محمد الاحمدي الظواهري ,شيخ الجامع الازهرالسابق و العضو في هياة كبار العلما, فلم يشهد الاجتماع الذي عقدته هياة كبار
الـعلما لاقرار المشروع , و لم يوافق عليه , اضف الى ذلك انه ارسل كتابا الى علي ماهر پاشا رئيس
الوزارة السابقة , يحمله على رفض المشروع .و عقد مقاومو المشروع اجتماعات , و اسسوا جمعية لمقاومته , و وزعوا بعض نشرات , و طافوا
بمضابط في الاسواق , يسالون الناس توقيعها, فوقعها كثيرون يعدون بالالوف , و رفعوها الى البرلمان
و اصـدر فـريـق كبير من العلما فتوى ضد المشروع , و في مقدمتهم الشيخ موسى الغراوي رئيس
الـمـحـكمة الشرعية العليا السابق , وغيره من قضاة المحاكم الشرعية و رؤسائها, و رفعوها الى
البرلمان .و تـالـف حـزب في البرلمان , بزعامة الشيخ عباس الجمل المحامي الشرعي , يضم عددا كبيرا من
النواب والشيوخ لمقاومة المشروع , و الالحاح بحذف المخصصات المرصدة له في الميزانية .و ارسل فريق من اهل الشام و فلسطين و العراق كتبا الى رئيس الوزرا (النحاس پاشا) يطلبون اليه
بـكـل الـحـاح و يـستحلفونه باسم الايمان الذي يملا صدره و باسم القرآن و الدين , ان يحول دون
ترجمة القرآن .فـكـانـت مغبة هذه النعرات المعارضة ان حالت دون تحقيق المشروع و اوقفته وشيك تنفيذه و قام
الـنـحاس پاشابحل المشكلة شكليا, فقرر ترجمة تفسير جديد للقرآن دون ترجمة نفسه , و بذلك
حاول ارضا كلا الفريقين ظاهريا, و تخلص بنفسه عن خوض المعركة , فانتهت بهذا الشكل الاسمي
الباهت ((305)) .
مناقشات فقهية
سـبـق ان فـقـهـا الامامية متفقون على ان الترجمة ليست قرآنا, ذلك الكتاب العلي الحكيم , الذي لا يـمسه الاالمطهرون فبالتالي لا تجري عليها الاحكام الخاصة بالقرآن , التي منها جواز القراة بها فيالصلاة و قدعرفت كلام المحقق الهمداني : عدم اجزا الترجمة عن القراة في الصلاة , حتى للعاجز
عن النطق بالعربية و هذااجماع من علمائنا ـ قديما و حديثا ـ ان الترجمة ليست قرآنا اطلاقا.امـا سـائر المذاهب , فقد ذهب ابوحنيفة الى جواز قراة الترجمة بدلا عن القرآن نفسه , مطلقا سوا
اقدر على العربية ام عجز عنها, و استدل على ذلك بان القرآن الواجب قراته في الصلاة , هى حقيقة
الـقـرآن و مـعـنـاه الـذي نـزل عـلـى قـلـب رسـول اللّه (ص ) لقوله تعالى : (و انه لفي زبر الا
ولين ) ((306)) , (ان هذا لفي الصحف الاولى صحف ابراهيم و موسى ) ((307)) , و الضمير في
((انه )), و الاشارة في ((ان هذا)) انما هو للقرآن , و معلوم انه لم يكن في تلك الصحف الا معانيه .و ايـضـا قـوله تعالى : (و اوحي الي هذا القرآن لانذركم به و من بلغ ) ((308)) و انما ينذر كل
قـوم بـلسانهم ((309)) و زاد السرخسي استدلال ابي حنيفة بما روى ان الفرس كتبوا الى سلمان
الـفـارسـي , ان يـكـتـب لـهم الفاتحة بالفارسية , فكانوا يقراون ذلك في صلاتهم حتى لانت السنتهم
للعربية ((310)) .اما صاحباه (ابو يوسف و محمد) فقد اجازا قراة الترجمة للعاجز عن العربية دون القادر عليها, و
بـذلـك افـتى الشيخ محمد بخيت مفتي الديار المصرية في فتوى له لاهل الترانسفال , قال فيها: ((و
تجوز القراة و الكتابة (اي للقرآن ) بغير العربية للعاجز عنها, بشرط ان لا يختل اللفظ و لا المعنى
فـقد كان تاج المحدثين الحسن البصري يقرا القرآن في الصلاة بالفارسية الـعـربـية )) و قد ارسل بها الى مسلمي الترانسفال سنة (1903م ) و نشرتها مجلة المنار في ذلك
الحين ((311)) .و بقية المذاهب وافقوا الامامية في المنع اطلاقا, فلا يجوز عندهم قراة الفاتحة بغير العربية على
كل حال ((312)) .و هـكـذا افتى الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الجامع الازهر (1932م ) بالجوازللعاجز عن
العربية .قـال ـ فـي رسـالته التي كتبها بهذا الشان ـ : ((و انتهي من البحث في هذه المسالة الى ترجيح راي
قـاضـيـخان و من تابعه من الفقها, و هو وجوب القراة في الصلاة بترجمة القرآن للعاجز عن قراة
النظم العربي )).و قـال ـ ردا عـلـى المانعين و منهم صاحب الفتح ـ : ((ان حجة المانع هو ان ترجمة القرآن ليست
قرآنا, و ما كان كذلك كان من كلام الناس , فهو مبطل للصلاة قال : و هذا الاستدلال غير صحيح , لان
الترجمة و ان كانت غيرقرآن , لكنها تحمل معاني كلام اللّه , لا محالة و معاني كلام اللّه ليست كلام
الـنـاس قال : و عجيب ان توصف معاني القرآن بانها من جنس كلام الناس , بمجرد ان تلبس ثوبا آخر
غير الثوب العربي , كان هذا الثوب هو كل شي )) ((313)) .قال السيد محمد العاملي ـ في شرح كلام المحقق الحلي : ((و لا يجزئ المصلي ترجمتها)) ـ:.((هذا الحكم ثابت باجماعنا, و وافقنا عليه اكثر علما سائر المذاهب , لقوله تعالى :(انا انزلناه قرآنا
عربيا) ((314)) , و لان الترجمة مغايرة للمترجم , و الا لكانت ترجمة الشعرشعرا)) ((315))
.و امـا اسـتدلال ابي حنيفة بانه جا ذكر القرآن في ((زبر الاولين )) و في ((الصحف الاولى )),
فـهـذا يـعـني وصفه ونعته , و ليس نفسه قال الطبرسي : اي و ان ذكر القرآن و خبره جا في كتب
الاولين على وجه البشارة به وبمحمد(ص ) لا بمعنى انه تعالى انزله على غير محمد ((316)) .و قـال ـ في آية الصحف الاولى ـ : يعني ان هذا الذي ذكر من فلاح المتزكي الى تمام ما في الايات
الاربع , لفي الكتب الاولى فقد جا فيها ذكر فلاح المصلي و المتزكي و ايثار الناس الحياة الدنيا على
الاخرة , و ان الاخرة خير و ابقى ((317)) و هذا لا يعني نفس الكتاب و انه مذكور بذاته في تلك
الصحف , ليستلزم ذلك ان يكون ذكرالمعاني ذكرا للقرآن نفسه .و قـال الـسـيد العاملي ـ في آية البلاغ ـ : الانذار بالقرآن لا يستلزم نقل اللفظ بعينه , اذمع ايضاح
الـمعنى يصدق انه انذرهم به , بخلاف صورة النزاع ((318)) يعني ان هناك فرقا بين قولنا: انذر
بـهذا القرآن ,و قولنا: اقرا بهذا القرآن فان الاول لا يستدعي حكاية نفس القرآن و نقله بالذات الى
المنذرين , بل يكفي تخويفهم بما يستفاد من القرآن من الوعد و الوعيد و هذا بخلاف الثاني المستلزم
تلاوة نفسه كما في قراة الصلاة .قـال ابـن حـزم : ((و مـن قرا ام القرآن او شيئا منها او شيئا من القرآن , في صلاته مترجما بغير
الـعـربـية , او بالفاظعربية غير الالفاظ التي انزل اللّه تعالى , عامدا لذلك , او قدم كلمة او اخرها
عـامـدا لذلك , بطلت صلاته , و هوفاسق , لان اللّه تعالى قال : ((قرآنا عربيا)) و غير العربي ليس
عربيا, فليس قرآنا و احالة رتبة القرآن ((319)) تحريف كلام اللّه تعالى , و قد ذم اللّه تعالى قوما
فعلوا ذلك , فقال : ((يحرفون الكلم عن مواضعه )).((و قال ابوحنيفة : تجزئه صلاته و احتج له من قلده بقول اللّه تعالى : ((و انه لفي زبر الاولين )).((قـال علي ((320)) : لا حجة لهم في هذا, لان القرآن المنزل علينا على لسان نبينا(ص )لم ينزل
عـلـى الاولين , و انمافي زبر الاولين ذكره و الاقرار به فقط, و لو انزل على غيره (ع ) لما كان
آية له و لا فضيلة له , و هذا لا يقوله مسلم .((و مـن كـان لا يـحـسـن الـعـربـيـة فـليذكر اللّه تعالى بلغته , لقوله تعالى : (لا يكلف اللّه نفسا
الاوسـعـهـا) ((321)) و لا يحل له ان يقرا ام القرآن و لا شيئا من القرآن مترجما على انه الذي
افـتـرض عـلـيـه ان يـقـراه ,لانـه غـير الذي افترض عليه كما ذكرنا, فيكون مفتريا على اللّه
تعالى )) ((322)) .و امـا فـتـوى الشيخ محمد بخيت لاهل الترانسفال , فقد تشابه عليه الحسن بصاحبه , لان الذي كان
يقرا في الصلاة بالفارسية هو حبيب العجمي صاحب الحسن البصري .قال ـ في شرح مسلم الثبوت ـ : ((يجوز القرآن بالفارسية للعذر ـ و هو عدم العلم بالعربية و عدم
انـطلاق اللسان بها ـ و قد سمعت من بعض الثقات ان تاج العرفا و الاوليا الحبيب العجمي صاحب تاج
المحدثين و امام المجتهدين الحسن البصري كان يقرا في الصلاة بالفارسية لعدم انطلاق لسانه باللغة
العربية )) ((323)) .و اما حديث ترجمة سلمان للفاتحة , و قراة الفرس لها في صلاتهم , فلم نعثر على مستند له وثيق , و
انما ارسله السرخسي عن ابي حنيفة ارسالا, لا يعلم مصدره و لعل الترجمة ـ على فرض الثبوت ـ
كانت لمجرد العلم بمعناها لا للقراة بها في الصلاة
ترجمة القرآن ضرورة دعائية
و بعد, فاذ قد جازت ترجمة القرآن في حد ذاتها, ترجمة معنوية وافية بافادة معاني القرآن كملا, فعندئذ نقول :.ان تـرجمة القرآن الى سائر اللغات اصبحت ضرورة دينية و واجبا اسلاميا عاما (وجوبا بالكفاية )و كان من وظيفة كل مسلم يحمل رسالة اللّه في طيات وجوده , ان يهتم بهذا الامر الذي يمس صميم
الاسلام , لغرض انتشار الدعوة و بث تعاليم الاسلام عبر الخافقين .الاسـلام ديـن الـبشرية عامة (و ما ارسلناك الا كافة للناس بشيرا و نذيرا) ((324)) , (تبارك
الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) ((325)) فلا يخص امة دون اخرى و لا جيلا
دون جـيـل , و كـان في ذمة كل مسلم متعهد بدينه الاهتمام ببث الدعوة و نشرها بين الملا, وظيفة
ديـنية في الصميم (ولتكن منكم امة يدعون الى الخير و يامرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و
اولـئك هـم الـمـفـلـحـون ) ((326)) (و كـذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهدا على الناس و
يكون الرسول عليكم شهيدا) ((327)) .و لا شك ان القرآن هو السند الوثيق الوحيد لبنا الدعوة و نشر تعاليم الاسلام , و قد نزل بيانا للناس
(هـذا بـيـان للناس و هدى و موعظة للمتقين ) ((328)) فكان حقيقا ان يبين للناس (و انزلنا اليك
الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم و لعلهم يتفكرون ) ((329)) .فـالـمـنع عن ترجمته و بثها بين الناس كتمان لما انزله اللّه من البينات و الهدى (ان الذين يكتمون
مـاانـزلـنـا مـن الـبـيـنـات و الـهـدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب اولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم
اللاعنون ) ((330)) .قال تعالى ـ عن لسان نبيه ـ : (و اوحي الي هذا القرآن لانذركم به و من بلغ ) ((331)) .ان في القرآن مقاصد عالية و مطالب سامية , هي ذوات اهداف عالمية كبرى عبر الافاق و مر الايام ,
يجب بثها والاعلام بها لكافة الانام , مما لا يتم الا بتعميم نشر القرآن و عرضه على العالمين جميعا,
الامر الذي لا يمكن الابترجمة معانيه الى كل اللغات الحى ة في العالم كله .امـا و لـو اهـمـلـت هذه الامة بالقيام بهذه المهمة , و تقاعست عن الاتيان بواجبها الديني الفرض , و
قـصرت دون ادا رسالة اللّه في الارض , فان اللّه تعالى سوف يستبدل بهم قوما غيرهم ثم لا يكونوا
امثالهم (و ان تتولوايستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا امثالكم ) ((332)) .و قـد عـرفت ان الاوائل كانوا يجيزون ترجمة معاني القرآن لاقوام كانوا جديدي عهد بالاسلام ,
مـمـن لم تكن لهم سابقة المام باللغة العربية , فكانت تعرض عليهم الاية مصحوبة بترجمتها, لغرض
افهام معاني الذكر الحكيم وبيان مقاصده و تعاليمه الرشيدة لملا الناس .لا شـك ان فـي الـهـجرة الاولى (الى الحبشة ) حيث عرضت آي من القرآن الكريم على حاضري
مجلس النجاشي من الوزرا و اعيان الدولة , قد ترجمت ما تليت من آي الذكر الحكيم , باللغة الحبشية
(الامـهرية ), اذ لم يكن الحضور يحسنون العربية بطبيعة الحال , و في ذلك يقول صدر الافاضل : و
انـي اعتقد ان جعفر بن ابي طالب (ع )كان يجيد اللغة الحبشية , و هو الذي قام بترجمة الايات التي
تـلاهـا حـيـنـذاك من سورة مريم ((333)) , فكان ذلك التاثير العجيب في نفوس القوم و لا سيما
الـنـجاشي نفسه , حيث قال : (( و اللّه ان كلام محمد, لا يختلف شيئا عن تعاليم سيدنا المسيح )), و
بكى بكا شديدا.و هكذا لما طلب الراجا (رائك مهروق ) ـ الذي كان اميرا على منطقة الرور ـ من عبداللّه بن عمر
بـن عـبـد الـعـزيـز, مندوب الحكومة الاسلامية هناك سنة (230ه ق ) ان يفسر القرآن له , اي
يـتـرجمه بالهندية و عند انجاز الطلب على يد كاتب قدير, يقول المترجم : فانتهيت من التفسير الى
سورة (يس ) حتى وصلت الى الاية (قال من يحيي العظام و هي رميم قل يحييها الذي انشاها اول مرة
وهـو بـكـل خـلق عليم ) ((334)) قال : فلما فسرت له هذا ـ اي ترجمته له باللغة السنسكرتية
(الـهـندية القديمة )خر من سريره على الارض واضعا خده عليها و هي مبتلة , فتاثر وجهه من بلة
الارض , و قـال ـ بـاكيا ـ : ((هذا هوالرب المعبود, و الذي لا يشبه شي )) و كان قد اسلم سرا,
فكان بعد ذلك يخلو بنفسه في بيت عزلة يعبد اللّه و يناجي ربه سرا ((335)) .هـذا مـن نـاحية , و من ناحية اخرى ان كثيرا من الناس قاموا ـ في زعمهم ـ ينقل القرآن الى لغات
كـثيرة وترجمات متعددة , قد بلغت المت في خمس و ثلاثين لغة حية في العالم المتمدن اليوم و قد
طبعت بعض هذه التراجم عدة طبعات بل عشرات الطبعات , فقد طبعت الترجمة الانجليزية التي قام
بها (سيل ) اكثر من اربعين مرة و هكذا بالنسبة الى تراجم فرنسية و المانية و ايطالية و فارسية و
تركية و اوردية و صينية و جاوية , الى غيرها من لغات العالم الحية .و مـن هـؤلا الـمترجمين من يحمل عدا للاسلام و المسلمين عداوة ظاهرة , و منهم من تعوزه كفاة
المقدرة على ترجمة تامة , وافية بمعاني القرآن , و هذا الاخير لا يقل ضررة عن الاول الذي يتعمد
الدس و التزوير فمن هذا و ذاك قد حصل تحريف في معاني القرآن كثيرا, الامر الذي يعود ضرره
فـي نـهـاية المطاف الى كيان الاسلام و المسلمين , فضلا عن الاخطا الفاحشة التي وقعت في هكذا
تراجم , قام بهاغير الاهل .اذن يـنـبـغي ان لا نقف ـ نحن ابنا الاسلام و دعاته ـ مكتوفي الايدي ملجمين بلجام العار و الشغار,
مصممي الاخواه تجاه هذه الحوادث الفادحة و الحقائق المرة الماثلة بين ايدينا, نحن المسلمين .و قـد تصدى لترجمة القرآن ـ لغرض خبيث ـ قبل ثمانية قرون , مطران مسيحي يدعى ((يعقوب
بن الصليبي ))ترجمه الى السريانية , و نشرت خلاصتها سنة (1925م ) و تابع هذا المطران احبار
و رهبان كانوا اسبق من غيرهم في هذا الميدان , و اللّه اعلم بما يبيتون ((336)) .قال العلامة ابو عبد اللّه الزنجاني : و ربما كانت اول ترجمة الى اللغة اللاتينية ـ لغة العلم في اروپا
ـ و ذلـك سنة (1143م ) بقلم ((كنت )) الذي استعان في عمله ببطرس طليطلي و عالم ثان عربي ,
و كـان الغرض من الترجمة عرضه على ((دي كلوفي )) و بقصد الرد على القرآن الكريم , و في
عـام (1594م ) اصـدر ((هـنـكـلـمان )) ترجمته , وجات على الاثر (1598م ) طبعة مرانشى
مصحوبة بالردود ((337)) .و بـعد, فاي عذر يبديه زعما الامة تجاه هذا التلاعب باساس الدين ؟ هذاالتناوش المقيت بمقدسات الاسلام من قريب و بعيد, لولا قيام المضطلعين باعبا رسالة الاسلام ـ
حـفظا على ناموس الدين ـ فيستعيدوا نشاطهم بامر الشريعة الغرا, و يؤلفوا لجنة مركزية من علما
مـبـرزين , فيقدموا الى العالم تراجم صحيحة من القرآن الكريم , معترفا بها رسميا من مراجع دينية
صالحة , فيكون ذلك مكافحة صريحة مع تلكم المناوشات الخبيثة , و مقابلة عملية تجاه اعدا الاسلام .و سنوفي لك نماذج خاطئة في نهاية المقال دليلا على ضرورة القيام بهذه المقابلة الايجابية .
تراجم اسلامية عريقة
قـد عـرفـت حـديـث تـرجـمـة (سـلـمـان الـفـارسـي ) لـسـورة الـحـمـد, بطلب من فرس الـيـمـن الـمـسلمين ((338)) و هكذا قام دعاة الاسلام و علما المسلمين بتراجم لسور و آياتقـرآنية , لغرض افهام معانيهالسائر الامم ممن دخلوا في الاسلام , و كانوا لا يحسنون فهم العربية
آنذاك .و اضخم هياة علمية قامت بترجمة القرآن , مصحوبة بترجمة اكبر موسوعة تفسيرية , في اواس
ط الـقرن الرابع للهجرة , هم علما ماورا النهر (شرقي بلاد ايران ) بطلب من السلطان منصور بن نوح
الساماني (350ـ365).