ترجمة القرآن في كفة الميزان - تفسیر والمفسرون فی ثوبه القشیب جلد 1

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسیر والمفسرون فی ثوبه القشیب - جلد 1

محمد هادی معرفت

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

و مـن الـمصطلح المتعارف في القرآن , اعتماده المعهود من قرائن حالية , ليصدر احكاما في صورة قـضـايـاخـارجية ـ اشارة الى المعهود الحاضر حال الخطاب ـ و ليست بقضايا حقيقية , حتى تكون
الاحـكام مترتبة على الموضوعات , متى وجدت و اين وجدت هذه الظاهرة كثيرة الدور في القرآن
الكريم , و ربما زعم زاعم انهاقضايا حقيقية دائمة , و ليست كذلك .

مـثـلا قـوله تعالى : (لتجدن اشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود و الذين اشركوا و لتجدن اقربهم
مـودة لـلـذيـن آمـنـوا الـذيـن قـالـوا انـا نـصـارى ذلـك بـان منهم قسيسين و رهبانا وانهم لا
يستكبرون ) ((245)) .

ليس المراد مطلق اليهود, سوا من عاصر نبي الاسلام ام غيرهم , و لا مطلق من اشرك , و لا مطلق
النصارى بل يهود يثرب ممن عاصر نبي الاسلام , و مشركو قريش , و نصارى نجران , و قيل : وفد
النجاشي ذلك العهد, لانهاحكاية عن امة ماضية اسلم من اسلم منهم , و عاند من عاند.

فـقـد جـا تـعـقيب الاية بقوله : (و اذا سمعوا ما انزل على الرسول ترى اعينهم تفيض من الدمع مما
عـرفـوا مـن الحق , يقولون ربنا امنا فاكتبنا مع الشاهدين و ما لنا لا نؤمن باللّه و ما جانا من الحق و
نـطمع ان يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين فاثابهم اللّه بما قالوا جنات تجري من تحتها الانهار خالدين
فـيـها و ذلك جزا المحسنين والذين كفروا و كذبوا بياتنا ـ يعني بهم اليهود و المشركين ـ اولئك
اصحاب الجحيم ) ((246)) .

و هذا نظير قوله تعالى عن المخلفين من الاعراب : (سيقول لك المخلفون من الاعراب شغلتنااموالنا
و اهلونا) ((247)) اشارة الى خصوص من قعد عن الحرب ايام الرسول (ص ).

و كـذا ((الـنـاس )) فـي قـولـه : (الـذيـن قـال لـهـم الـنـاس ان الـنـاس قـد جـمـعـوا لـكـم
فاخشوهم ) ((248)) حيث المراد بالناس الاول : هم المنافقون المرجفون من اهل المدينة , والناس
الثاني : هم مشركو قريش رهطابي سفيان , بعد هزيمتهم من احد.

و هـكـذا قـولـه تـعالى : (الاعراب اشد كفرا و نفاقا و اجدر ان لا يعلموا حدود ما انزل اللّه على
رسـولـه و اللّه عـليم حكيم ) ((249)) المراد من عاصروا النبي من اهل الجفا و النفاق , كما في
قـولـه :(و مـمـن حولكم من الاعراب منافقون و من اهل المدينة مردوا على النفاق ) ((250)) و
غـيـرذلـك مما وقع هذا التعبير في مواضع من سورة براة (الايات : ../../99/101) حيث
المقصود من الجميع : اعراب المدينة و من حولها.

و جـهـة ثـالـثـة : ايفاؤه بالوفرة الوفيرة من المطالب و مختلف المسائل , في اقصر تعابير و ايسر
كـلـمـات , ربمايكون حجم المطالب اضعاف حجم الكلمات و التعابير و القرآن ملؤه ذلك , و هو من
اختصاصه , ان يدلي باوفرالمعاني في اوجز الالفاظ.

هذه سورة الحجرات على قصرها, و هي ثماني عشرة آية , تحتوي على اكثر من عشرين مسالة من
امهات المسائل الاسلامية العريقة , نزلت بالمدينة , لتنظيم الحياة الاجتماعية العادلة و قد تعرض لها
المفسرون و لا سيما المتاخرين بتفصيل , و تعرضنا لاكثرها في تفسيرناللسورة .

و مـمـا جـا فيها التعرض لقاعدة ((اللطف )) التي هي اساس الشرائع , و مسالة ((الحب في اللّه و
الـبغض في اللّه ))التي هي اساس الايمان , في اقصر عبارة : ( ولكن اللّه حبب اليكم الايمان و زينه
فـي قلوبكم وكره اليكم الكفر و الفسوق و العصيان ) ((251)) فمن لطفه تعالى و عنايته بعباده ان
مـهد لهم اسباب الطاعة و قربها اليهم , ليتمكنوا من طاعة اللّه و يجتنبوا الفسوق و العصيان , و ذلك
بـان زيـن الايمان و الطاعة في قلوبهم , اي ابدى لهم زينة الايمان , بان رفع عن اعينهم غشا التعامي ,
كـمـا انه تعالى كره اليهم العصيان بان اظهرقبحه في اعينهم فكرهوه في ذات انفسهم فالمؤمن انما
يطيع اللّه و هو محبب له الطاعة , و من ثم فانه يقدم على الطاعة في وداعة و طمانينة و يسر, كما
انه يجتنب المعاصي في يسر, لانه عن نفرة لها في نفسه .

و هـذه هـي قاعدة اللطف تمهيد ما يوجب قرب العباد الى الطاعة و بعدهم عن المعصية , مستفادة من
الاية الكريمة .

و شـي آخـر: مسالة ((الحب في اللّه و البغض في اللّه )) و هي اساس الايمان و صلب العقيدة , و
الباعث على الجد في العمل , و من ثم قال الامام الصادق (ع ): ((و هل الايمان الا الحب و البغض , ثم
تـلا الايـة الـكـريـمـة )) ((252)) و قـد قال تعالى : (قل ان كنتم تحبون اللّه فاتبعوني يحببكم
اللّه ) ((253)) .

و امـر ثالث مستفاد من الاية الكريمة : ان هدايته للناس كانت فضلا من اللّه و رحمة , ناشئة عن مقام
فـيـضـه الـقـدوسـي , و لـيـس عـن حـق عليه سبحانه (فلولا فضل اللّه عليكم و رحمته لكنتم
من الخاسرين ) ((254)) , (و ما كنت ترجو ان يلقى اليك الكتاب الا رحمة من ربك ) ((255)) .

فـالانسان بذاته لا يستحق شيئا على ربه , و انما اللّه هو الذي تفضل على الانسان برحمته (الحمد
للّه الـذي هـدانـا لـهذا و ما كنا لنهتدي لولا ان هدانا اللّه ) ((256)) , و من ثم عقب سبحانه الاية
بقوله : (فضلامن اللّه و نعمة و اللّه عليم حكيم ) ((257)) .

و فـي الـسورة اشارة الى مسالة التعاون في الحياة الاجتماعية , جات في قوله تعالى : (يا ايها الناس
انـاخـلـقـنـاكـم مـن ذكـر و انـثـى و جـعـلـنـاكـم شـعـوبا و قبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند
اللّه اتقاكم ) ((258)) .

و فيها الاشارة الى مسالة ((المساواة )) و ان لا شعوبية في الاسلام , و لا عنصرية , و لا قومية , و
ان لا فـضـل لاحدعلى غيره اطلاقا, لا حسبا و لا نسبا, الا بفضيلة التقوى , و هو التعهد في ذات
اللّه .

كـما فيها الاشارة ايضا الى مسالة ((الاخوة الاسلامية )) المتطلبة للايثار و التضحية , فوق قانون
العدل و الانصاف .

و في القرآن كثير من عبارات يسيرة انطوت على مفاهيم ذات احجام كبيرة ,.

كـقـوله تعالى في سورة الانفال : (و ما رميت اذ رميت و لكن اللّه رمى ) ((259)) اشارة الى مسالة
((الامربين الامرين )) و ان لا جبر و لا تفويض , و هي من المسائل المذيلة ذات تفصيل طويل .

و كـقـولـه تـعـالـى فـي سـورة الـواقـعـة : (افـرايـتـم مـا تـحـرثون اانتم تزرعونه ام نحن
الـزارعون ) ((260)) اشارة الى مسالة ((الاستطاعة )) و ان لا استقلال للعباد فيما يتصرفون من
افعالهم الاختيارية .

و الامثلة على ذلك كثيرة و منبثة في القرآن الكريم , غير خفية على الناقد البصير.

و جهة رابعة : قد سلك القرآن في تعاليمه و برامجه الناجحة مسلكا, ينتفع به الجمهور, و يخضع له
الـعلما,و من ثم جا بتعابير يفهمها كل من الصنفين : الجمهور ياخذون بظاهر الكلام و يتصورون له
مـن الـمـعاني ما الفت بها اذهانهم في الامور المحسوسة , و يحسبون فيما ورا محسوسهم ما يشاكل
المحسوس , و يقتنعون بذلك , ويستريح بالهم .

و الـعـلـمـا يعرفون حقيقة الحال التي جات في طي المقال , و ياخذون بلطائف الاشارات و ظرائف
الكنايات التي مثلت لهم الحقيقة في واقع الامر, بما يخضعهم له و يطمئنون اليه .

خـذ لذلك مثلا قوله تعالى ـ تعبيرا عن ذاته المقدسة في عالم الكون ـ : (اللّه نور السماوات و الا
رض ) لـمـا كـان ارفـع الـموجودات في الحس هو النور, ضرب اللّه به المثال , و بهذا النحو من
التصور امكن للجمهور ان يفهموا من الذات المقدسة موجودا اجلى و اظهر فيما ورا الحس , يشبه ان
يكون مثل النور في المحسوس شبهاما, و يقتنعون بذلك .

اما العلما فيرون من هذا التشبيه اقرب ما يكون تصورا من ذاته المقدسة , فليس في عالم المحسوس
مـا يكون على مثاله , و في اخص اوصافه تعالى كالنور الذي هو ظاهر في نفسه , و مظهر لغيره , و
ليس شي في عالم المحسوس (المبصرات ) الا و يكون ظهوره بالنور, اما النور فهو ظاهر بنفسه و
ليس بغيره .

و كذا لا يكون ـ في عالم المحسوس ـ شي اكثر ظهورا و في نفس الوقت اشد خفامن النور, ظاهر
بثاره , خفي بكنهه و حقيقته .

و هـذه هـي نفس صفاته تعالى اذا ما لاحظنا حقيقة وجوده , القائم بذاته , المظهرلغيره , الذي خفيت
حقيقته و ظهرت آثاره , و هو اللّه جل جلاله , و عظمت كبرياؤه .

و هـكـذا نـجد القرآن , في استدلالاته , قد جمع بين اسلوبين يختلفان في شرائطهما, هما: اسلوب
الـخطابة , واسلوب البرهان , ذاك اقناع للجمهور بما يتسالمون به من مقبولات القضايا و مظنوناتها,
و هذا اخضاع للعلمابما يتصادقون عليه من اوليات و يقينيات و من الممتنع في العادة ان يقوم المتكلم
بـاجـابـة ملتمس كلا الفريقين ,ليجمع بين المظنون و المتيقن , في خطاب واحد, الامر الذي حققه
القرآن بعجيب بيانه و غريب اسلوبه .

و قد بحثنا عن ذلك و اتينا بامثلة عليه في مباحثنا عن الاعجاز البياني للقرآن ((261)) .

و جهة خامسة : قد اكثر القرآن من انواع الاستعارة و اجاد في فنونها, و كان لا بد منه و هو آخذ
في توسع المعاني توسع الافاق , في حين تضايقت الالفاظ عن الايفا بمقاصد القرآن , لو قيدت بمعانيها
الموضوعة لهاالمحدودة النطاق .

جـا الـقـرآن بـمعان جديدة على العرب لم تكن تعهدها, و ما وضعت الفاظها الا لمعان قريبة , حسب
حـاجـاتـهـا فـي الحياة البسيطة البدائية القصيرة المدى اما التعرض لشؤون الحياة العليا المترامية
الابعاد, فكان غريبا على العرب الاوائل المتوغلة في الجاهلية الاولى .

و مـن ثـم لـجا القرآن في افادة معانيه و الاشادة بمبانيه الى احضان الاستعارة و الكناية و المجاز,
ذوات الـنـطـاق الـواسـع , حسب ابداع المتكلم في تصرفه بها, و القدرة على الاحاطة في تصريف
الـمباني و الافادة بما يرومه من المعاني و قد ابدع القرآن في الاستفادة بها و تصريفها حيثما شا من
الـمـقـاصـد و الاهـداف , و لـم يعهد له نظير في مثل هذه القدرة و مثل هذه الاحاطة , على مثل هذا
التصرف الواسع الاكناف , الامر الذي ابهر و اعجب و اتى بالاعجاز.

و لـعـل هـذا هو السبب ايضا في عروض التشابه في لفيف من آيات الخلق و التكوين ,نظرا لقصور
الالفاظ عن الايفا بتلك المعارف الجليلة الواسعة الاكناف .

و بـذلـك اصـبـحت لغة القرآن ـ من هذه الجهة ـ ذات طابع خاص , حيث وفرة الاستعارة من النم
ط الراقي , و عروض بعض التشابه بسبب هذا الشموخ و التعالي .

ترجمة القرآن في كفة الميزان

التعريف بالترجمة و اساليبها. نواحي القرآن الثلاث .

الترجمة الحرفية للقرآن .

الترجمة المعنوية (الحرة ).

اخطار الترجمة .

دفاع حاسم .

ترجمة القرآن من الوجهة الشرعية .

وثائق شرعية .

ترجمة القرآن ضرورة دعائية .

كيفية الترجمة و عرضها.

نماذج من تراجم خاطئة .

ترجمة القرآن .

مسائل ثلاث

هناك مسائل ثلاث عن ترجمة القرآن الى سائر اللغات :. اولا: هـل بـالامـكان ترجمة كلام اللّه البليغ الوجيز, الذي نزل هدى للناس , و معجزة خالدة , في
نظمه و اسلوبه ,و في لفظه و معناه جميعا, بما تحدى البشرية لو ياتوا بمثله ؟.

ثـانـيا: لو امكن ذلك ـ نسبيا و ليس من جميع الوجوه ـ فهل يجوز عرضه قرآنا و كتابا للمسلمين ,
على غرار ماينشره اهل الكتاب من تراجم العهدين , باسم التوراة و الانجيل ؟.

ثـالثا: ماذا تكون نظرة الشرع الحنيف ؟ فهل يجري على الترجمة ما يجري على الاصل من احكام و
آثار شرعية , في تلاوته و في قراته في الصلاة , و غير ذلك من احكام شرعية خاصة بالقرآن ؟.

و للعلما ـ قديما و حديثا ـ آرا تختلف مع بعضها البعض , و قد ثار حولها جدل عنيف في عهد قريب ,
و قد توسع حتى سرى الى الصحف و المجلات , فضلا عن كتب و رسائل خصصت بهذاالشان .

و قـبـل ان نـخـوض الـبحث لا بد من : تعرفة الترجمة مفهوما و اسلوبا, و النظر في شرائطها و
مقوماتها الاساسية في اطارها المعقول , فنقول :.

التعريف بالترجمة

الـتـرجـمـة ربـاعـية الوزن , و تكون بمعنى : التبيين و الايضاح و يبدو من القاموس ان ه لا بد من اختلاف اللغة , لانه قال : الترجمان : المفسر للسان و من ثم فالترجمة : نقل الكلام من لغة الى اخرى ,
كـمـا فـي الـمعجم الوسيط اماالتعبير عن معنى بلفظ, بعد التعبير عنه بلفظ آخر, فهذا من التبيين
المحض , و ليس ترجمة اصطلاحا.

و يـجـب فـي الترجمة ان تكون وافية بتمام ابعاد المعنى المراد من الاصل , حتى في نكاته و دقائقه
الـكـلامية ذات الصلة باصل المراد, كناية او تعريضا او تحزنا او تحسرا او تعجيزا, و نحو ذلك
مـن انـحـا الكلام المختلف في الايفا و البيان , و المختلف في الاسلوب و النظم , و غير ذلك مما هو
معروف .

و مـن ثـم يـجـب ان تـتوفر في المترجم صلاحية هذا الشان , بالاحاطة الكاملة على مزايا اللغتين
الـكـلامية , واقفاعلى اسرار البلاغة و البيان في كلتا اللغتين , عالما بمواضع نظرات صاحب المقال
الاصـل , عارفا بالمستوى العلمي الذي حواه الكلام الاصل , قادرا على افراغ تمام المعنى و كماله ـ
بـمـميزاته و دقائقه ـ في قالب آخريحاكيه و يماثله جهد الامكان , الامر الذي قل من ينتدب له من
الكتاب و اصحاب الاقلام , اذ قد زلت فيه اقدام كثير ممن حام حول هذا المضمار الخطير.

خطورة امر الترجمة

قـلنا: ان شرائط الترجمة ثقيلة , و قل من توجد فيه هذه الصلاحية الخطيرة , اذ من الصعب جدا ان يـحـيـط انـسـان عـلـمـا بـاللغتين في جميع مزاياهما الكلامية : اللفظية و المعنوية , عارفا بانواع
الاسـتعارات و الكنايات الدارجة في كلتا اللغتين , قادرا على افراغ جميع مناحي الكلام من قالب الى
قالب آخر, يماثله و يحاكيه تماما.

هذا فضلا عن لزوم ارتقا مستواه العلمي و الادبي الى حيث مستوى الكلام المترجم او ما يقاربه , و
هذا اثقل الشروط و اخطرها عند مزلات الاقدام و مزالق الاقلام .

و سـنذكر نماذج من تراجم قام بها رجال كبار, و لكن لم يسعد لهم الحظ لمواصلة المسيرة بسلام ,
فكم من زلات اعفوها و لا مجال لاعفائها, و لا سيما في مثل كلام اللّه العزيز الحميد.

اساليب الترجمة

اذ كـانت الترجمة نوعا من التفسير و الايضاح بلغة اخرى في ايجاز و ايفا,و بالاحرى هو افراغ الـمـعـنـى مـن قـالب الى قالب آخر اكشف للمراد, بالنسبة الى اللغة المترجم اليها, فلابد ان يعمد
الـمترجم الى تبديل قوالب لفظية الى نظيراتها من غير لغتها, بشرط الوفا بتمام المراد, الامر الذي
يمكن الحصول عليه من وجوه :.

الاول : ان يـعـمد المترجم الى تبديل كل لفظة الى مرادفتها من لغة اخرى , فيضعها بازائها, ثم ينتقل
الى لفظة ثانية بعدها و ثالثة , و هكذا على الترتيب حتى نهاية الكلام .

و هـذه هـي ((الـتـرجمة الحرفية )) او الترجمة تحت اللفظية و هذه اردا انحا الترجمة , و في
الاغـلب توجب تشويشا في فهم المراد او تشويها في وجه المعنى , و ربما خيانة بامانة الكلام , حيث
الـمعهود من هكذا تراجم لفظية هو تغيير المعنى تماما, لان المترجم بهذا النمط انما يحاول التحفظ
عـلـى اسـلـوب الـكـلام الاصل في نظمه وميزاته البلاغية , لياتي بكلام يماثله تماما في النظم و
الاسلوب , الامر الذي لا يمكن بتاتا, بعد اختلاف اللغات في اساليب البلاغة و الادا, و كذا في النكات
و الدقائق الكلامية السائدة في كل لغة حسب عرفها الخاص فرب كناية او تعريض او مثل سائر في
لغة , لا تعرفه لغة اخرى و لا تانس به , فلو عمد المترجم الى ترجمة ذلك بعينه ,لاصبح غير مفهوم
المراد, و ربما استبشعوا مثل هذا التعبير الغريب عن متفاهمهم .

مـثـلا قـولـه تـعـالـى : (و لا تـجـعـل يـدك مـغـلـولة الى عنقك و لا تبسطها كل البسط فتقعد
مـلـومـامـحسورا) ((262)) جا ((غل اليد الى العنق و بسطها كل البسط)), كناية عن القبض و
البسط الفاحش , اي التقتيرو الاسراف في المعيشة و في الانفاق , و هي كناية معروفة عند العرب و
مـانوسة الاستعمال لديهم فلو اريدالترجمة بنفس التعبير من لغة اخرى كان ذلك غريبا عليهم حيث
لـم يـالـفـوه , فربما استبشعوه و انكروا مثل هذاالتعبير غير المفهم , لانهم يتصورون من مثل هذا
الـتـعبير: النهي عن ان يربط انسان يديه الى عنقه برباط من سلاسل و اغلال , او يحاول بسط يديه
يمينا و شمالا بسطا مبالغا فيه و لا شك ان مثل هذا الانسان انما يحاول عبثا و يعمل سفها, لانه يبالغ
فـي اجهاد نفسه و اتعابها من غير غرض معقول , الامر الذي لا ينبغي التعرض له في مثل كتاب اللّه
العزيز الحميد.

الـثـاني : ان يحاول افراغ المعنى في قالب آخر, من غير تقيد بنظم الاصل و اسلوبه البياني , و انما
الـمـلـحوظ هوايفا تمام المعنى و كماله , بحيث يؤدي افادة مقصود المتكلم بغير لغته , بشرط ان لا
يزيد في البسط بما يخرجه عن اطار الترجمة , الى التفسير المحض .

نـعـم ان هـكـذا ((تـرجمة معنوية )) قد تفوت بمزايا الكلام الاصل اللفظية , و هذا لا يضر مادام
سلامة المعنى محفوظة و هذا النمط من الترجمة هو النمط الاوفى و المنهج الصحيح الذي اعتمده
اربـاب الفن لا يتقيدون بنظم الاصل , فيقدمون و يؤخرون , و ينظمون الترجمة حسب اساليب اللغة
الـمـترجم اليها, كما لا يزيدون بكثير على مثال الالفاظ و التعابير التي جات في الاصل فان حصلت
زيادة مطردة فهو من الشرح و التفسير, و ليس من الترجمة المصطلحة في شي .

ذكر الشيخ محمد بها الدين العاملي (1031) ـ نقلا عن الصفوي ـ : ان للترجمة طريقين , احدهما:
طريق يوحنا بن بطريق و ابن الناعمة الحمصي , و هو: ان يعمد الى كل لفظة من الفاظ الاصل لياتي
بـلـفظة اخرى ترادفها في الدلالة فيثبتها, و ينتقل الى اخرى و هكذا, حتى ياتي على جملة ما يريد
ترجمتها, و هي طريقة رديئة لوجهين :.

الاول : انـه قد لا توجد في اللغة المترجم اليها لفظة تقابل الاصل تماما, و من ثم فتقضي الحاجة الى
اسـتـيـرادنـفس الكلمة الاجنبية و استعمالها في الترجمة بلا امكان تبديل , و من ثم كثرت اللغات
الدخيلة اليونانية في مصطلحات العلوم المترجمة الى العربية .

الاخـر: ان خواص التركيب و النسب الكلامية في الاسناد الخبري و سائر الانشاات و المجاز و
الاسـتعارة وما شابه , تختلف اساليبها في سائر اللغات , و ليست تتحد في التعبير و الايفا, فالترجمة
تحت اللفظية قد توجب خللا في الافادة باصل المراد.

امـا الـطـريـق الـثاني ـ و هو طريق حنين بن اسحاق و الجوهري ـ فهو: ان ياتي بتمام الجملة و
يـتـحـصل معناها في ذهنه , ثم يعبر عنها من اللغة الاخرى بجملة تطابقها في افادة المعنى المراد و
ايفائه , سوا اساوت الالفاظ ام خالفتها و هذا الطريق اجود, و لهذا لم يحتج كتب حنين بن اسحاق الى
تـهـذيـب الا فـي العلوم الرياضية , لانه لم يكن قيما بها, بخلاف كتب الطب و المنطق و الطبيعي و
الالهي , فان الذي عربه منها لم يحتج الى الاصلاح ((263)) .

الثالث : ان يبسط في الترجمة و يشرح مقصود الكلام شرحا وافيا, فهذا من التفسير بلغة اخرى , و
ليست ترجمة محضة حسب المصطلح .

و قد تلخص البحث في انحا الترجمة الى ثلاثة اساليب :.

1ـ الترجمة الحرفية , او الترجمة اللفظية , او تحت اللفظية , و هي طريقة مرفوضة وغير موفقة
الى حد بعيد.

2ـ الـتـرجـمة المعنوية , او الترجمة التفسيرية غير المبسطة , و يطلق عليها: الترجمة المطلقة
(المسترسلة ) غيرالمتقيدة بنظم الاصل , و هي طريقة معقولة .

3ـ الترجمة التفسيرية المبسطة , و هي الى الشرح و التفسير اقرب منه الى الترجمة .

و لـنـنظر الان في مسالة ترجمة القرآن الكريم بالذات , من نواحيها المختلفة , و على كلا اسلوبي
الترجمة : الحرفية و المعنوية , فنقول :.

نواحي القرآن الثلاث

للقرآن الكريم نواح ثلاث تجمعن فيه , و بذلك اصبح القرآن كتابا سماويا ذا قدسية فائقة , و ممتازا على سائرالكتب النازلة من السما:.

اولا: كلام الهي ذو قدسية ملكوتية , يتعبد بقراته و يتبرك بتلاوته .

ثانيا: هدى للناس , يهدي الى الحق و الى صراط مستقيم .

ثالثا: معجزة خالدة , دليلا على صدق الدعوة عبر العصور.

تلك نواح ثلاث خطيرة تجمعن في هذا الكتاب , رهن نظمه الخاص في لفظه و معناه , و اسلوبه الفذ
في الفصاحة و البيان , و محتواه الرفيع في نظمه و تشريعاته .

و بعد, فهل بامكان الترجمة ـ من اية لغة كانت ـ الوفا بتلكم النواحي ام ببعضها على الاقل , ام تذهب
بهن جمع ادراج الرياح ؟ امـا الـتـرجـمـة الحرفية فانها تفتقد دلائل الاعجاز اولا, و لا سيما البيانى منها القائم على اعلى
درجـات الـبـلاغـة ,كـمـا تـعوزها تلك القدسية المعهودة بشان القرآن , فلا تجري عليها الاحكام
الـشـرعـيـة المترتبة على هذا العنوان الخاص (القرآن الكريم ), و اخيرا فانها تخون في التادية
احيانا, ان لم يكن في الاغلب .

لكن الترجمة المعنوية ـ الحرة غير المتقيدة بنظم الاصل ـ فانها تواكب اختها غالبا في افتقاد دلائل
الاعـجـاز, وكذا في الذهاب بقدسية القرآن الخاصة بهذا العنوان , نعم سوى الايفا بالمعنى ان قامت
على شروطها اللازمة , واليك التفصيل :.

الترجمة الحرفية للقرآن

الترجمة الحرفية ان كانت بالمثل تماما, فمعناها: افراغ المعنى في قالب لفظي يشاكل قالبه الاول في جميع خصوصياته و مميزاته الكلامية تماما, سوى كونه من لغة اخرى , الامر الذي لا يمكن الاتيان
بـه بشان القرآن بتاتا, لان الاتيان بما يماثل القرآن نظما و اسلوبا, هو الامرالذي تحدى به القرآن
الكريم كافة الناس لو ياتوا بمثله , و قد دلت التجربة على استحالته .

و ان كانت بغير المثل , بان يقوم المترجم بانشا كلام يشاكل نظم القرآن حسب المستطاع , فهذا امر
ممكن في نفسه , الا انه حينئذ يفتقد الكثير من المميزات اللفظية و المعنوية التي كان القرآن مشتملا
عليها, و كانت من دلائل الاعجاز لا محالة .

كـمـا انـه اذا غير الكلام الى غير لفظه و بسوى نظمه و لا سيما بغير لغته , فهذا لا يعد من كلام
الـمـتـكـلـم الاول ,لان من مقومات كلام كل متكلم هو البقا على نفس الكلمات و التعابير و النظم و
الاسـلـوب الـذي جـا في كلامه , فان غير في احد المذكورات , فانه يصبح اجنبيا عنه و لا يعد من
كلامه البتة , الامر الذي لا يحتاج الى مزيد بيان .

و عـلـيـه فـلو كان كلام خاص , يحمل قدسية خاصة , و له احكام خاصة به , و باعتبار انتسابه الى
مـتـكـلـم خاص ,فان هذه الميزة سوف تذهب بادنى تغيير شكلي في كلامه فكيف اذا كان تغييرا في
الكلمات و الالفاظ من غيراللغة , و مغيرا للنظم و الاسلوب ايضا و لو يسيرا, الامر الذي يتحقق في
الترجمة الحرفية لا محالة .

مـن اجـل ذلـك نرى الفقها ((264)) ـ و لا سيما فقها الامامية ـ متفقين على عدم اجزا القراة بغير
الـعـربـية في الصلاة , حتى على العاجز عن النطق بالعربية , و انما يعوض بايات اخرى , او دعا و
تهليل و تسبيح ان امكن اماالفارسية او غيرها فلا تجوز اطلاقا, اللهم الا بعنوان الذكر المطلق , اذا
جوزناه بغير العربية , و فيه اشكال ايضا.

قـال المحقق الهمداني : يعتبر في كون المقرؤ قرآنا حقيقة , كونه بعينه هي المهية المنزلة من اللّه
تـعـالـى عـلى النبي (ص ) مادة و صورة , و قد انزله اللّه بلسان عربى , فالاخلال بصورته التي هي
عـبارة عن الهيئات المعتبرة في العربية بحسب وضع الواضع كالاخلال بمادته , مانع عن صدق كونه
هي تلك الماهية ((265)) .

و قـال : و لا يـجزئ المصلي عن الفاتحة ترجمتها, و لو بالعربية فضلا عن الفارسية , اختيارا بلا
شبهة , فان ترجمتهاليست عين فاتحة الكتاب المامور بقراتها, كي تكون مجزئة ((266)) .

قـال ـ بشان العاجز عن العربية ـ : الاقوى عدم الاعتبار بالترجمة ـ في حالة العجز عن الفاتحة و
بـدلـها (من قرآن غيرها او تحميد و تسبيح ) ـ من حيث هي اصلا, ضرورة عدم كونها قرآنا و لا
مـيـسوره , بعد وضوح ان لالفاظ القرآن دخلا في قوام قرآنيتها نعم بنا على الاجتزابمطلق الذكر
لـدى الـعـجـز عـن قـراة شـي من القرآن مطلقا, او لدى العجز عن التسبيح و التحميد و التهليل
ايـضـا,اتـجه الاجتزا بترجمة الفاتحة و نظائرها, لا من حيث كونها ترجمة للقرآن , بل من حيث
كونها من مصاديق الذكر, و اما ترجمة الايات التي هي من قبيل القصص فلا يجتزئ بها اصلا, بل لا
يجوز التلفظ بها لكونها من الكلام المبطل ((267)) .

و هـذا اجماع من الامامية : ان ترجمة القرآن ليست بقرآن و في ذلك احاديث متظافرة عن النبى و
الائمة الصادقين (ع ):.

قال رسول اللّه (ص ): ((تعلموا القرآن بعربيته )).

و عـن الامـام الـصـادق (ع ) :((تـعـلـمـوا الـعربية , فانها كلام اللّه الذي كلم به خلقه و نطق به
للماضين )) ((268)) .

و لا يزال الفقها يفتون بالمسائل التالية :.

1ـ من لا يعرف قراة الحمد, يجب عليه التعلم .

2ـ و من تعذر عليه تعلمها استبدل من قراتها ما تيسر من سائر آيات القرآن .

3ـ و مـن لـم يـتـيـسـر لـه ذلـك ايضا يعوض عنه بما يعرفه من اذكار و ادعية على قدر سورة
الفاتحة ((269)) , بشرطادائها بالعربية .

4ـ و اذا كانت الترجمة لا تصدق عليها عنوان الذكر او الدعا, فغير جائزة البتة .

5ـ و اذا كانت من قبيل الدعا و الذكر فتجوز في الدرجة الثالثة , بنا على جوازالدعا بغير العربية
في الصلاة , و هو محل خلاف بين الفقها.

و الـخلاصة : ان فقها الامامية متفقون على عدم اجرا احكام القرآن ـ بصورة عامة ـ على ترجمته ,
بـايـة لغة كانت و يوافقهم على هذا الراي اصحاب سائر المذاهب من عدا ابي حنيفة و اصحابه , فقد
اجـازوا في الصلاة قراة ترجمة الفاتحة بالفارسية استنادا الى ما روي : ان الفرس كتبوا الى سلمان
الفارسي (رض ) ان يكتب لهم الفاتحة بالفارسية , فكانوا يقراون ذلك في صلاتهم , حتى لانت السنتهم
للعربية .

امـا ابـوحـنـيفة فقد اجاز ذلك مطلقا, و اما صاحباه (ابو يوسف و محمد) فقد اجازا لمن لا يحسن
الـعـربـيـة ((270)) وكـان الحبيب العجمي ـ صاحب الحسن البصري ـ يقرا القرآن في الصلاة
بالفارسية , لعدم انطلاق لسانه باللغة العربية ((271)) .

و قـد افتى بالجواز ـ عند العجز ـ الشيخ محمد بخيت , مفتي الديار المصرية ـ سابقا ـ فتوى لاهل
الترانسفال ,استنادا الى فعلة الحبيب العجمي ((272)) , و سياتي تفصيل ذلك مشروحا.

هـذا و مـن نـاحية اخرى فان الترجمة الحرفية (تحت اللفظية ) تخون في التادية و لا تفي بافادة
الـمـعنى المراد في كثير من الاحيان , ان لم تشوه المعنى و تشوشه على اذهان القرا و المستمعين ,
على ما سبق بعض الامثلة على ذلك , و سياتي مزيد بيان .

و عـلـيـه فقد صح القول : بان الترجمة الحرفية تذهب بروا الكلام , فضلا عن بلاغته الاولى التي
كـانت من اهل دلائل الاعجاز في القرآن , كما لم يصح اسناد الترجمة الى صاحب الكلام الاول , بعد
تـبـديـله الى غيره لفظا واسلوبا و اخيرا فانها تخون في تادية المراد في كثير من الاحيان , الامر
الذي يحتم ضرورة اجتنابها, و لا سيمافي مثل القرآن العظيم .

الترجمة المعنوية (التفسيرية )

اما الترجمة المعنوية ـ الترجمة الحرة غير المتقيدة بنظام الاصل , ان دعت ضرورة الايفا بالمعنى الى مخالفة النظم ـ فهو امر معقول , و تختلف عن الترجمة الحرفية بوفائها بتمام المراد, و ان كانت
توافقها في الامرين الاولين (انتقاد دلائل الاعجاز و المميزات اللفظية التي كانت في الاصل , و عدم
اجـرا احكام القرآن عليه ) اماالوفا بالمعنى تماما فهو الامر الذي يختص به هذا النوع من الترجمة
الحرة , على شريطة الدقة و الاحاطة , بتمام جهات المعنى المقصودة من الكلام .

و صـاحـب هذا النوع من الترجمة انما يقوم بعملية ايفا المعنى و بيان مقصود الكلام , و هو نوع من
الـشرح والتفسير, و لكن في قالب لفظي متناسب مع الاصل مهما امكن , فهو في الغالب (بل الاكثرية
الساحقة ) متوافق مع الاصل في النظم و الترتيب و حتى في الاسلوب البياني , ان امكن ذلك , و كانت
اللغة المترجمة اليها متقاربة مع اللغة المترجم عنها في تلكم المصطلحات و فنون المحاورة غالبا و
المعهود ان لغات الامم المتجاورة , قريبات بعضهن مع البعض في آفاق التعبير و البيان .

و الترجمة المعنوية , هي الراجحة و المتداولة في الاوساط العلمية و الادبية , منذعهد سحيق , و
هـي الـوسيلة الناجحة لبث الدعوة بين الملا على مختلف لغاتهم و السنتهم , و قد جرت عليهاسيرة
الـمـسـلمين و لا تزال قائمة على ساق و لا شك ان عرض مفاهيم القرآن و حقائقه الناصعة , على
ذوي الاحلام الراجحة من سائر الامم , من انجح الوسائل في ادا رسالة اللّه الى الخلق , التي تحملتها
عـواتق هذه الامة ((273)) , الامر الذي لا يمكن الا بتبيين و ترجمة النصوص الاسلامية ـ كتابا
و سـنة ـ و عرضها بالسن الامم ولغاتهم المالوفة ((274)) و من ثم كانت ترجمة القرآن ترجمة
صحيحة , ضرورة دعائية يستدعيها صميم الاسلام وواقع القرآن , حسبما ياتي .

المنع من الترجمة و اخطارها

لـم تـسبق من علما الاسلام نظرة منع من ترجمة القرآن , بعد ان كانت ضرورة دعائية ,لمسها دعاة الاسـلام مـن اول يـومـه و انما حدث القول بعدم الجواز في عصر متاخر (في القرن الماضي , في
تـركـياالعثمانية , و في مقاطعاتها العربية , مثل سوريا و مصر) و لعلها فكرة استعمارية تبشيرية ,
محاولة لشد حصار قلعة الاسلام , دون نشره و بث تعاليم الاسلام , في المناطق غير العربية .

قال الدكتور علي شواخ : فلو تدبرنا و تعمقنا لوجدنا ان القول بالمنع عاصر فتوى النصارى الغربيين
واسـتـعـمـارهـم لـبـلاد الاسلام , فقد حاولوا تنصير المسلمين بكل وسيلة , و لم يكتفوا بارسال
المبشرين في شتى الملابس , بل منعوا ايضا تدريس اللغة العربية حتى في المستعمرات العربية مثل
شـمـال افريقية و الظاهر انهم ارادوا اتمام حصار قلعة الاسلام بمنع تراجم القرآن بلغات اجنبية ,
فـالـمـسـلمون غير العرب لا يعرفون العربية , ولن يجدوا تراجم القرآن بلغات يعرفونها, فتبقى
الـسـاحة فارغة للديانات الاخرى قال احد المبشرين (و بتعبيراصح : احد المنصرين ) لبعض علما
الاسـلام الساذجين : ((القرآن معجزة حقا, لا تتحمل بلاغته الترجمة لـشـدة الـسـرور ـ و قـال : ((الـفضل ما شهدت به الاعدا اوتستحيل ترجمته )), و تبعه آخرون , و في الخطوة الثانية قالوا: ((القرآن لا تجوز ترجمته ))
.

و لـكـن الانـسـان يـدبـر, و اللّه يـقدر فالنصارى الذين دسوا هذه الفكرة , ظنوا ان العرب سوف
لايـقـومون بترجمة القرآن , و لقد صدق ظنهم بشان العرب اما سائر المسلمين من غير العرب , فان
الـتـاريـخ يـشـهـد بانهم اهتموا بهذاالامر, فقاموا بالترجمة الى لغاتهم على يد علما كانوا عارفين
بـالـعـربـيـة , فـتـرجـمـوه الـى لـغـاتـهم لتدريس ابنائهم وعامة اهل بلادهم الذين لم يدرسوا
العربية ((275)) .

قـال الدكتور شواخ : و هكذا يتضح لنا, ان الحركة ضد ترجمة القرآن الى سائر اللغات , انحصرت
في بلاد العرب ,و بالدولة العثمانية خاصة ((276)) .

و عـلى هذا الغرار ساق الاستاذ الشاطر ـ راس المعارضين ـ ادلة في المنع عن الترجمة , و ذكر
اخـطارا سوف تتجه نحو حامية الاسلام الحصينة (القرآن الكريم ) ان اصبح عرضة للترجمة الى
لغات اجنبية , نذكر اهمها:.

1ـ يـقـول : ان الـترجمة تضيع بالقرآن , كما ضاعت التوراة و الانجيل من جرا ترجمتهما الى غير
لـغتهما الاصل ,فقد ضاع الاصل بضياع لغته و ضياع الناطقين بها فيخشى ان يحل بالقرآن ـ لا سمح
اللّه ـ لو ترجم الى غيرلغته , ما حل باخويه من ذي قبل ((277)) .

قلت : هذا قياس مع الفارق , اذ السبب في ضياع التوراة و كذا الانجيل , انما يعود الى اخفا الاصل عن
الـعامة وابدا تراجمهما المحرفة للناس , لغرض التمويه عليهم كان الاحبار و القساوسة يدابون في
تحريف تعاليم العهدين تحريفا في معاني الكلم دون نص اللفظ, اذ لم يكن ذلك بمقدورهم , فعمدوا الى
تفسيرهما على غيروجهه , و ابدا ذلك الى الملا باسم التعاليم الالهية الاصيلة .

قـال تـعـالـى ـ بـشان التوراة ـ : (الكتاب الذي جا به موسى نورا و هدى للناس تجعلونه قراطيس
تبدونها و تخفون كثيرا) ((278)) , اي تبدون منه مواضع و تخفون اكثره .

و قد اسبقنا ـ في مسالة تحريف الكتاب ـ ان التحريف في العهدين انما يعني التحريف في معناهما, اي
التفسيرعلى غير وجهه , الامر الذي حصل في تراجم العهدين دون نصهما.

قـال تـعـالـى : (قـل يا اهل الكتاب لستم على شي حتى تقيموا التوراة و الانجيل و ماانزل اليكم من
ربكم ) ((279)) و قال : (قل فاتوا بالتوراة فاتلوها ان كنتم صادقين ) ((280)) .

فـالـكـارثـة كل الكارثة انما هي في اخفا نص العهدين الاصليين عن اعين الناس , و هذا هو السبب
الوحيدلضياعهما, دون مجرد ترجمتهما.

امـا القرآن فهو الكتاب الذي يتعاهده المسلمون جيلا بعد جيل , بل العالم كله من مسلم معتقد و آخر
مـحـقق مضطلع , يحرسون على نص القرآن العزيز, و قد قال تعالى : (انا نحن نزلناالذكر و انا له
لـحـافظون ) ((281)) , اي في صدور الرجال و على ايدي الناس , الاوليا و الاعدا جميعا,معجزة
قرآنية خالدة .

2ـ يـقـع ـ بطبيعة الحال ـ اختلاف بين التراجم , لاختلاف السلائق بل العقائد التي يذهب اليها كل
مـذهب من المذاهب , و كذا اختلاف المواهب و الاستعدادات في فهم معاني القرآن و ترجمتها وفق
الافـهـام و الاراالـمـتضاربة , و لهذا الاختلاف في تراجم القرآن آثار سيئة , اذ يستتبعها اختلاف
الاسـتفادة و استنباط الاحكام و الاداب الشرعية , و كل قوم من الاقوام انما يرتاي حسب ما فهم من
الترجمة التي اتيحت له , و ربما لا يدري مدى اختلافها مع سائر التراجم ((282)) .

لكن هذا خروج عن مفروض الكلام , فان للترجمة ضوابط يجب مراعاتها, و لا سيماترجمة القرآن
الكريم , يجب ان تكون تحت اشراف لجنة رسمية , و من هياة علما و ادبا اختصاصيين برعاية حكومة
اسـلامـيـة قاهرة , لا تدع مجالا لتناوش ايدي الاجانب فيجعلوا القرآن عضين , كما هو الشان في
رسم خط المصحف الشريف , و طباعته على اصول مقررة , تحفظه عن الاختلاف و الاضطراب .

نعم يجب ان يعلم كل الامم الاسلامية , ان الترجمة لا تضمن واقع القرآن , و ان المصدر للاستنباط
و اسـتـخـراج الاحـكـام و الـسنن للمجتهدين هو نص القرآن الاصل , ليس ما سواه هذا امر يجب
الاعلان به , فلا يذهب وهم الواهمين الى حيث لا ينبغي .

نـعـم , على كل محقق اسلامي ان يتعلم القرآن بلغته العربية الفصحى , و ليست الترجمة بذاتها لتفي
بمقصوده اوتشبع نهمه .

3ـ ان للقرآن في كثير من آياته حقائق غامضة , قد تخفى على كثير من العلما, و قد يعلمها غيرهم
ممن جابعدهم , و لذلك امثلة كثيرة فلو ترجمنا القرآن وفق معلومنا اليوم , ثم جا الغد ليرتفع مستوى
العلوم و ينكشف من حقائق القرآن ما كان خافيا علينا, فهل نخطئ انفسنا بالعلانية و نغير الترجمة و
نعلن للملا, ان الذي ترجمناه امس اصبح خطا, و ان الصحيح غيره .

فماذا يقول لنا الناس ؟ و ما الذي يضمن بقا ثقتهم اليوم كثقتهم بالامس ؟ ثم ضرب لذلك امثلة :.

1ـ مـنـهـا: قـولـه تـعـالى : (و من كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين ) ((283)) فسر القدامى
((الـزوجين ))بالصنفين ثم جا العلم الحديث ليكشف النقاب عن المعنى الصحيح , و هو ان كل ثمرة
فيها ذكر وانثى ((284)) .

قـال : فلو حصلت الترجمة وفق التفسير الاول لاضاعت على قارئيها تلك الحقيقة التي اظهرها العلم
الحديث 2ـ و مـنـهـا: قوله تعالى : (و اللّه الذي ارسل الرياح فتثير سحابا فسقناه الى بلد ميت ) ((285))
فقدفسر ((تثير)) بمعنى ((تسوق )), و بذلك قد ضاع المعنى البديع الذي اصبح معجزة للقرآن و
هـو ان لـفظ ((تثير)) من الاثارة و هو التهييج , نظير تهييج الغبار و الدخان , و هذا مبدا ((عملية
الـتـبـخـير)) و تكوين الامطار فان التبخيريحصل من الحرارة المركزية و الحرارة الجوية و
الـريح , اي لا بد من هذه العوامل الثلاثة لتكوين ((عملية التبخير)), ثم بعد ذلك تحمل الرياح هذا
البخار الى حيث شا اللّه , و هذا المعنى لم يظهر الا حديثا.

3ـ و مـنها: قوله تعالى : (و فرعون ذي الا وتاد) ((286)) فسروا ((الاوتاد)) بكثرة الجنود,
او انـهـا كـانت مساميراربعة كان يعذب الناس بها و قد تبين الان ان المراد هي هذه الاهرام و هي
تشبه الجبال , و قد عبر القرآن عن الجبال بالاوتاد في قوله تعالى : (الم نجعل الا رض مهادا و الجبال
اوتادا) ((287)) .

4ـ و منها: قوله تعالى : (و الا رض بعد ذلك دحاها) ((288)) فسر ((الدحو)) بعض المفسرين
بالبسط فلوترجم الى هذا المعنى ضاع المعنى الذي يؤخذ من ((الدحو)), و هو التكوير غير التام ,
كـتـكـويـر الـبـيـضـة مع الدوران و لا يزال اهل الصعيد ـ و اصل اكثرهم عرب ـ يعبرون عن
((البيض )) بالدحو او الدحى او الدح .

/ 25