تفسیر والمفسرون فی ثوبه القشیب

محمد هادی معرفت

جلد 2 -صفحه : 28/ 12
نمايش فراداده

فـلا عـجـب ان ذهب اليه جمهرة الصحابة , و التابعين , و من بعدهم , و ائمة العلم و الحديث , منهم الصحابة النجبا,و السادة العلما : الامام اميرالمؤمنين علي (ع ), سعيد بن جبير, و مجاهد, و الشعبي , و الـحـسـن الـبـصـري , و مـحمد بن كعب القرظي , و سعيد بن المسيب , و الامام ابوجعفر محمد الباقر(ع ), و ابوصالح , و الربيع بن انس , و ابو عمرو ابن العلا,و احمد بن حنبل و غيرهم , و هو احدى الروايتين , و اقواهما عن ابن عباس .

و في ((زاد المعاد)), لابن القيم : انه الصواب عند علما الصحابة و التابعين فمن بعدهم .

و هـذا الـراي هو المشهور عند العرب قبل البعثة , نقلوه بالتواتر جيلا عن جيل , و ذكره امية بن ابي الصلت في شعر له .

قـال : و لا خلاف بين النسابين ان عدنان من ولد اسماعيل (ع ), و اسماعيل هو القول الصواب عند علما الصحابة و التابعين و من بعدهم و اما القول بانه اسحاق فباطل من عشرين وجها قال ابن تيمية : هـذا الـقول متلقى عن اهل الكتاب , مع انه باطل بنص كتابهم , فان فيه : ((ان اللّه امر ابراهيم بذبح ابنه بكره )), و في لفظ ((وحيده )) و لايشك اهل الكتاب مع المسلمين ان اسماعيل هو بكر اولاده , و الـذي غـر هـؤلا انـه فـي التوراة التي بايديهم : ((اذبح ابنك اسحاق )) قال : و هذه الزيادة من تـحـريـفـهـم و كـذبـهـم , لانها تناقض قوله : ((اذبح بكرك و وحيدك )), و لكن اليهود حسدت بـني اسماعيل على هذا الشرف , و احبوا ان يكون لهم , و ان يسوقوه اليهم , و يختاروه لانفسهم دون المسلمين , و يابى اللّه الا ان يجعل فضله لاهله .

و كـيـف يـسوغ ان يقال : ان الذبيح اسحاق ؟ و اللّه تعالى قد بشر ام اسحاق به , و بابنه يعقوب , قال تعالى : (فبشرناهاباسحاق و من ورآ اسحاق يعقوب ) ((547)) .

فمحال ان يبشرها بان يكون لها ولد, و للولد ولد, ثم يامر بذبحه و لا ريب ان يعقوب (ع ) داخل في الـبـشـارة , و يـدل عليه ايضا ان اللّه ذكر قصة ابراهيم و ابنه الذبيح في سورة الصافات , ثم قال ـ بعدها ـ : (و بشرناه باسحاق نبيا من الصالحين ) ((548)) و هذا ظاهر جدا في ان المبشر به غير الاول , بـل هو كالنص فيه , و غير معقول في افصح الكلام و ابلغه ان يبشر باسحاق بعد قصة يكون فيها هو الذبيح , فتعين ان يكون الذبيح غيره .

و ايـضـا فـلا ريب ان الذبيح كان بمكة , و لذلك جعلت القرابين يوم النحر بها, كما جعل السعي بين الـصـفـا و الـمـروة , و رمي الجمار تذكيرا لشان اسماعيل و امه , و اقامته لذكر اللّه , و معلوم ان اسماعيل و امه هما اللذان كانا بمكة دون اسحاق و امه .

و لـو كـان الذبح بالشام كما يزعم اهل الكتاب , لكانت القرابين و النحر بالشام , لا بمكة , و ايضا فان اللّه سـبحانه سمى الذبيح حليما, لانه لا احلم ممن اسلم نفسه للذبح طاعة لربه , و لما ذكر اسحاق سـمـاه عـليما : (قالوا لا تخف و بشروه بغلا م عليم ) ((549)) و هذا اسحاق بلا ريب , لانه من امـراتـه و هـي المبشرة به , و اما اسماعيل فمن السرية ((550)) , و ايضا فلانهما بشرابه على الـكـبـر و الياس من الولد, فكان ابتلاؤهما بذبحه امرا بعيدا, و اما اسماعيل فانه ولد قبل ذلك الى آخر ما قال ((551)) .

و شهد شاهد من اهلها

و روى ابـن اسـحاق , عن محمد بن كعب القرظي , انه ذكر ذلك لعمر بن عبدالعزيز و هو خليفة , فـقـال له عمر : ان هذالشي ما كنت انظر فيه , و اني لاراه كما قلت ثم ارسل الى رجل كان يهوديا, فاسلم و حسن اسلامه , و كان من علمائهم , فساله :اى ابني ابراهيم امر بذبحه ؟, فقال : اسماعيل ـ واللّه ـ يـا امـيرالمؤمنين , و ان يهود لتعلم بذلك , و لكنهم يحسدونكم و هذا هوالحق الذي يجب ان يـصار اليه قال ابن كثير في تفسيره : ((و الذي استدل به محمد بن كعب القرظي على انه اسماعيل اثبت ,و اصح , و اقوى , و اللّه اعلم )) ((552)) .

قـال ابـوشهبة : و بعد هذا التحقيق و البحث , يتبين لنا ان الصحيح ان الذبيح اسماعيل (ع ), و ان ما روي مـن انـه اسحاق ,المرفوع منه اما موضوع , و اما ضعيف لايصح الاحتجاج به , و الموقوف منه عـلى الصحابة او على التابعين ان صح سنده اليهم هو من الاسرائيليات التي رواها اهل الكتاب الذين اسلموا, و انها في اصلها من دس اليهود, و كذبهم , و تحريفهم للنصوص حسدا منهم فقاتلهم اللّه انى يؤفكون .

و قـد جـاز هذا الدس اليهودي على بعض كبار العلما كابن جرير ((553)) , و القاضي عياض , و الـسـهـيـلـي , فـذهـبـوا الـى انـه اسـحـاق , و تحير بعضهم في الروايات فتوقف , كالسيوطي و ابـن الاثير ((554)) و حاول بعضهم الجمع بينها فزعم ان الذبح وقع مرتين , و الحق : ما وضحناه لك , فلاتجوز, و لاتتوقف و لاتقل بالتكرار, و اللّه الهادي الى الحق .

28ـ الاسرائيليات في قصة الياس (ع )

و من الاسرائيليات التي اشتملت عليها بعض كتب التفسير ما ذكروه في قصة الياس (ع ) عند تفسير قوله تعالى : (و ان الياس لمن المرسلين اذ قال لقومه الا تتقون اتدعون بعلا و تذرون احسن الخالقين اللّه ربكم و رب آبائكم الا ولين فكذبوه فانهم لمحضرون الا عباد اللّه المخلصين و تركنا عليه في الا خرين سلا م على ال ياسين , انا كذلك نجزي المحسنين انه من عبادنا المؤمنين ) ((555)) .

فـقـد روى الـبغوي , و الخازن , و صاحب ((الدر)), و غيرهم , عن ابن عباس , و الحسن , و كعب الاحبار, و وهب بن منبه ,مرويات تتعلق بالياس (ع ).

قال صاحب ((الدر المنثور)) : اخرج ابن عساكر, عن الحسن (رض ) في قوله : (و ان الياس لمن الـمـرسـلين ), قال : ان اللّه تعالى بعث الياس الى بعلبك , و كانوا قوما يعبدون الاصنام , و كانت ملوك بـني اسرائيل متفرقة على العامة , كل ملك على ناحية ياكلها, و كان الملك الذي كان الياس معه يقوم له امره , و يقتدي برايه , و هو على هدى من بين اصحابه , حتى وقع اليهم قوم من عبدة الاصنام , فقالوا له : ما يدعوك الا الى الضلالة و الباطل , و جعلوا يقولون له : اعبد هذه الاوثان التي تعبد الملوك , و هم على ما نحن عليه , ياكلون , و يشربون , و هم في ملكهم يتقلبون , و ماتنقص دنياهم من ربهم الذي تـزعـم انـه باطل , و ما لناعليهم من فضل فاسترجع الياس , فقام شعر راسه , و جلده , فخرج عليه الياس .

قـال الـحسن : و ان الذي زين لذلك الملك امراته , و كانت قبله تحت ملك جبار, و كان من الكنعانيين فـي طـول و جـسـم و حسن , فمات زوجها فاتخذت تمثالا على صورة بعلها من الذهب , و جعلت له حـدقـتـيـن من ياقوتتين , و توجته بتاج مكلل بالدر و الجوهر, ثم اقعدته على سرير, تدخل عليه , فـتـدخنه , و تطيبه , و تسجد له , ثم تخرج عنه فتزوجت بعد ذلك هذاالملك الذي كان الياس معه و كـانـت فـاجـرة قـد قـهـرت زوجـهـا, و وضـعـت الـبـعـل فـي ذلـك الـبيت , و جعلت سبعين سـادنا ((556)) ,فعبدوا البعل فدعاهم الياس الى اللّه فلم يزدهم ذلك الا بعدا, فقال الياس : اللهم ان بـني اسرائيل قد ابوا الا الكفر بك , و عبادة غيرك , فغير ما بهم من نعمتك فاوحى اللّه اليه : اني قد جـعلت ارزاقهم بيدك , فقال : اللهم امسك عنهم القطر ثلاث سنين ,فامسك اللّه عنهم القطر و ارسل الـى الـملك فتاه اليسع , فقال : قل له : ان الياس يقول لك : انك اخترت عبادة البعل على عبادة اللّه , و اتبعت هوى امراتك , فاستعد للعذاب و البلا فانطلق اليسع , فبلغ رسالته للملك , فعصمه اللّه تعالى من شـر الـملك ,و امسك اللّه عنهم القطر, حتى هلكت الماشية و الدواب , و جهد الناس جهدا شديدا و خـرج الـيـاس الـى ذروة جبل , فكان اللّه ياتيه برزق , و فجر له عينا معينا لشرابه و طهوره حتى اصـاب الـنـاس الـجـهد, فارسل الملك الى السبعين , فقال لهم : سلوا البعل ان يفرج ما بنا, فاخرجوا اصنامهم , فقربوا لها الذبائح , و عطفوا عليها, و جعلوا يدعون , حتى طال ذلك بهم , فقال لهم الملك :ان الـه الـيـاس كان اسرع اجابة من هؤلا فبعثوا في طلب الياس , فاتى , فقال : اتحبون ان يفرج عنكم ؟ قـالـوا : نـعـم , قـال : فـاخرجوااوثانكم فدعا الياس (ع ) ربه ان يفرج عنهم , فارتفعت سحابة مثل الترس ((557)) , و هم ينظرون , ثم ارسل اللّه عليهم المطر, فتابواو رجعوا.

قـال : و اخـرج ابـن عـسـاكر, عن كعب , قال : ((اربعة انبيا اليوم احيا, اثنان في الدنيا : الياس و الخضر, و اثنان في السما :عيسى و ادريس )).

قال : و اخرج ابن عساكر, عن وهب , قال : دعا الياس (ع ) ربه , ان يريحه من قومه , فقيل له : انظر يـوم كذا و كذا, فاذا رايت دابة لونها مثل لون النار فاركبها فجعل يتوقع ذلك اليوم , فاذا هو بشي قد اقـبـل على صورة فرس , لونه كلون النار, حتى وقف بين يديه , فوثب عليه , فانطلق به , فكان آخر الـعـهـد بـه , فـكـسـاه اللّه الـريـش , و كـساه النور, و قطع عنه لذة المطعم و المشرب , فصار في الملائكة (ع ).

قـال : و اخـرج ابـن عـسـاكـر, عن الحسن (رض ) قال : الياس (ع ) موكل بالفيافي و الخضر(ع ) بـالـجـبـال , و قـد اعطيا الخلد في الدنيا الى الصيحة الاولى ((558)) , و انهما يجتمعان كل عام بالموسم .

قـال : و اخرج الحاكم , عن كعب , قال : كان الياس صاحب جبال و برية يخلو فيها, يعبد ربه , و كان ضـخـم الـراس ,خميص البطن , دقيق الساقين , في صدره شامة حمرا, و انما رفعه اللّه الى ارض الشام , لم يصعد به الى السما, و هو الذي سماه اللّه ذاالنون ((559)) .

و كـل هـذا من اخبار بني اسرائيل و تزيداتهم , و اختلاقاتهم , و ما روي منها عن بعض الصحابة و الـتـابـعين , فمرجعه الى مسلمة اهل الكتاب ككعب , و وهب و غيرهما, و قد رايت كيف تضارب و تـنـاقض كعب و وهب , فكعب يقول : لم يصعد به الى السما, و يزعم انه ذوالنون , و وهب يقول : انه رفـعه الى السما, و صار في عداد الملائكة (ع ) و ان بعض الروايات تقول :انه الخضر, و البعض الاخر يقول : انه غير الخضر, الى غير ذلك من الاضطرابات و الاباطيل , كزعم مختلق الروايات الاولى :((ان اللّه اوحى الى الياس اني قد جعلت ارزاقهم بيدك ))بينما في بعض الروايات الاخرى : ان اللّه ابى عليه ذلك مرتين , و اجابه في الثالثة , و هكذا الباطل يكون مضطربا لجلجا, و اما الحق فهو ثابت ابلج .

و لـم يقف الامر عند نقل هذه الاسرائيليات عمن ذكرنا, بل بلغ الافترا ببعض الزنادقة و الكذابين الـى نسبة ذلك الى النبي (ص ) كي يؤيد به اكاذيب بني اسرائيل و خرافاتهم , و كي يعود ذلك بالطعن على صاحب الرسالة العامة الخالدة (ص ).

قـال الـسـيـوطي فـي ((الـدر)) : و اخـرج ابن مردويه عن ابن عباس (رض ) قال : قال رسول اللّه (ص ) : ((الخضر هو الياس )).

و اخرج الحاكم و صححه و البيهقي في ((الدلائل )) و ضعفه عن انس (رض ) قال : كنا مع رسول اللّه (ص ) فـي سـفـر, فـنـزلـنـامـنزلا, فاذا رجل في الوادي يقول : اللهم اجعلني من امة محمد الـمـرحومة , المغفورة , المثاب لها, فاشرفت على الوادي , فاذارجل طوله ثلاثمائة ذراع و اكثر, فقال : من انت ؟ قلت : انس , خادم رسول اللّه (ص ), فقال : اين هو؟ قلت : هو ذا يسمع كلامك , قال : فـاتـه و اقرئه مني السلام , و قل له : اخوك الياس يقرئك السلام فاتيت النبي (ص ) فاخبرته , فجا حـتـى عـانـقه ,و قعدا يتحدثان , فقال له : يا رسول اللّه , اني انما آكل في كل سنة يوما, و هذا يوم فطري فكل انت و انا, فنزلت عليهما مائدة من السما, و خبز و حوت و كرفس , فاكلا, و اطعماني , و صليا العصر, ثم ودعني و ودعته , ثم رايته مر على السحاب نحوالسما.

قـال الـحاكم : صحيح الاسناد, و قال الامام الذهبي : بل هو موضوع , قبح اللّه من وضعه , قال ـ اي الذهبي ـ : و ماكنت احسب و لااجوز ان الجهل يبلغ بالحاكم ان يصحح مثل هذا.

و اخلق بهذا ان يكون موضوعا, كما قاله الامام الحافظ الناقد الذهبي .

29ـ الاسرائيليات في قصة داود(ع )

و مـن الاسـرائيـليات التي تخل بمقام الانبيا, و تنافي عصمتهم , ما ذكره بعض المفسرين في قصة سيدنا داود(ع ) عندتفسير قوله تعالى :.

(و هـل اتاك نبا الخصم اذ تسوروا المحراب اذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بـغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق و لا تشطط و اهدنا الى سوآ الصراط ان هذا اخي له تسع و تـسعون نعجة و لى نعجة واحدة فقال اكفلنيها ((560)) و عزني ((561)) في الخطاب قال لقد ظـلـمـك بـسؤال نعجتك الى نعاجه و ان كثيرا من الخلط ليبغي بعضهم على بعض الا الذين آمنوا و عملوا الصالحات و قليل ما هم و ظن داود انما فتناه فاستغفر ربه و خر راكعا و اناب فغفرنا له ذلك و ان له عندنا لزلفى و حسن مب ) ((562)) .

فـقد ذكر ابن جرير, و ابن ابي حاتم , و البغوي , و السيوطي في ((الدر المنثور)) ((563)) من الاخـبـار مـا تقشعر منه الابدان ,و لايوافق عقلا, و لا نقلا, عن ابن عباس , و مجاهد, و وهب بن مـنـبـه , و كـعـب الاحبار, و السدي , و غيرهم ما محصلها : ان داود(ع ) حدث نفسه , ان ابتلي ان يـعتصم , فقيل له : انك ستبتلي و ستعلم اليوم الذي تبتلي فيه , فخذ حذرك , فقيل له : هذااليوم الذي تـبـتلي فيه , فاخذ الزبور ((564)) , و دخل المحراب , و اغلق بابه , و اقعد خادمه على الباب , و قـال : لاتاذن لاحداليوم فبينما هو يقرا الزبور, اذ جا طائر مذهب يدرج بين يديه , فدنا منه , فامكن ان ياخذه , فطار فوقع على كوة المحراب , فدنامنه لياخذه , فطار, فاشرف عليه لينظر اين وقع , فاذا هـو بـامراة عند بركتها تغتسل من الحيض , فلما رات ظله نفضت شعرها,فغطت جسدها به , و كان زوجها غازيا في سبيل اللّه , فكتب داود الى راس الغزاة : ان اجعله في حملة التابوت ((565)) , و كـان حملة التابوت اما ان يفتح عليهم , و اما ان يقتلوا, فقدمه في حملة التابوت , فقتل و في بعض هذه الـروايـات الـبـاطـلـة : انه فعل ذلك ثلاث مرات , حتى قتل في الثالثة , فلما انقضت عدتها, خطبها داود(ع ), فتسور عليه الملكان , و كان ما كان , مما حكاه اللّه تعالى .

و لم يقف الامر عند هذه الروايات الموقوفة عن بعض الصحابة و التابعين , و مسلمة اهل الكتاب , بل جا بعضها مرفوعاالى النبي (ص ).

قـال صـاحـب ((الدر)) : و اخرج الحكيم الترمذي في ((نوادر الاصول )), و ابن جرير, و ابن ابـي حـاتـم بسند ضعيف , عن انس (رض ) قال : سمعت رسول اللّه (ص ) يقول : ((ان داود(ع ) حين نظر الى المراة , قطع ((566)) على بني اسرائيل , و اوصى صاحب الجيش , فقال : اذا حضر العدو فقرب فلانا بين يدي التابوت )), و كان التابوت في ذلك الزمان يستنصر به من قدم بين يدي التابوت , لـم يـرجـع حـتى يقتل او ينهزم معه الجيش , فقتل , و تزوج المراة , و نزل الملكان على داود(ع ) فـسجد, فمكث اربعين ليلة ساجدا, حتى نبت الزرع من دموعه على راسه , فاكلت الارض جبينه , و هـو يقول في سجوده : ((رب زل داود زلة ابعد مما بين المشرق و المغرب , رب ان لم ترحم ضعف داود, و تغفر ذنوبه جعلت ذنبه حديثا في المخلوق من بعده فجاجبريل (ع ) من بعد اربعين ليلة , فقال : يا داود ان اللّه قد غفر لك , و قد عرفت ان اللّه عدل لايميل , فكيف بفلان اذا جا يوم القيامة , فقال : يـا رب دمي الذي عند داود, قال جبريل : ماسالت ربك عن ذلك , فان شئت لافعلن , فقال : نعم , ففرح جبريل ,و سجد داود(ع ), فمكث ما شا اللّه , ثم نزل , فقال : قد سالت اللّه يا داود عن الذي ارسلتني فـيه , فقال : قل لداود : ان اللّه يجمعكما يوم القيامة , فيقول له : هب لي دمك الذي عند داود, فيقول : هـو لـك يا رب , فيقول : فان لك في الجنة ما شئت , و مااشتهيت عوضا و قد رواها البغوي ايضا عن طـريق الثعلبي ((567)) , و الرواية منكرة مختلقة على الرسول و في سند هذه الرواية المختلقة على رسول اللّه (ص ) ابن لهيعة , و هو مضعف في الحديث , و في سندها ايضا يزيد بن ابان الرقاشي , كان ضعيفا في الحديث .

و قال فيه النسائي , و الحاكم ابواحمد : انه متروك , و قال فيه ابن حبان : كان من خيار عباداللّه , من البكائين بالليل , غفل عن حفظ الحديث شغلا بالعبادة , حتى كان يقلب كلام الحسن يجعله عن انس عن النبي (ص ), فلاتحل الرواية عنه الا على جهة التعجب ((568)) .

و قـال الـعـلامـة ابن كثير في تفسيره ((569)) : ((و قد ذكر المفسرون هاهنا قصة , اكثرها مـاخـوذ من الاسرائيليات , و لم يثبت فيهاعن المعصوم حديث يجب اتباعه , و لكن روى ابن ابي حاتم هـنـا حـديـثـا لايصح سنده , لانه من رواية يزيد الرقاشي , عن انس (رض ), و يزيد و ان كان من الصالحين , لكنه ضعيف الحديث عند الائمة )).

و من ثم يتبين لنا كذب رفع هذه الرواية المنكرة الى رسول اللّه (ص ), و لانكاد نصدق ورود هذا عـن الـمعصوم , و انما هي اختلاقات , و اكاذيب من اسرائيليات اهل الكتاب , و هل يشك مؤمن عاقل يقر بعصمة الانبيا, في استحالة صدور هذا عن داود(ع ), ثم يكون على لسان من ؟ على لسان من كان حـريصا على تنزيه اخوانه الانبيا عما لايليق بعصمتهم , و هو نبينامحمد(ص ) و مثل هذا التدبير الـسـيـئ , و الاسـتـرسال فيه على ما رووا, لو صدر من رجل من سوقة الناس و عامتهم , لاعتبر هـذاامـرا مـسـتـهـجـنا مستقبحا, فكيف يصدر من رسول جا لهداية الناس , زكت نفسه , و طهرت سـريـرتـه , و عـصـمه اللّه من الفواحش ماظهر منها و ما بطن , و هو الاسوة الحسنة لمن ارسل اليهم ؟ و لـو ان الـقصة كانت صحيحة لذهبت بعصمة داود, و لنفرت منه الناس , و لكان لهم العذر في عدم الايمان به , فلايحصل المقصد الذي من اجله ارسل الرسل , و كيف يكون على هذه الحال من قال اللّه تـعـالـى في شانه : (و ان له عندنا لزلفى و حسن مب )؟ قال ابن كثير في تفسيرها : ((و ان له يوم الـقيامة لقربة يقربه اللّه بها و حسن مرجع , و هو الدرجات العالية في الجنة لنبوته و عدله التام في مـلكه , كما جا في الصحيح : ((المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن , و كلتا يديه يمين , الـذين يقسطون في اهليهم , و ماولوا)), و قال رسول اللّه (ص ) : ((ان احب الناس الى يوم القيامة و اقـربـهم مني مجلسا امام عادل , و ان ابغض الناس الي يوم القيامة , و اشدهم عذابا امام جائر)) رواه احمد, و الترمذي ((570)) .

و لكي يستقيم هذا الباطل قالوا : ان المراد بالنعجة هي المراة , و ان القصة خرجت مخرج الرمز و الاشـارة , و رووا : ان الـمـلكين لما سمعا حكم داود, و قضاه بظلم صاحب التسع و التسعين نعجة لـصـاحب النعجة , قالا له : و ما جزا من فعل ذلك ؟ قال : يقطع هذا, و اشار الى عنقه و في رواية : ((يـضـرب مـن هاهنا, و هاهنا, و هاهنا)) و اشار الى جبهته , و انفه , و ماتحته , فضحكا, و قالا, ((انت احق بذلك منه , ثم صعدا)).

و ذكر البغوي في تفسيره و غيره , عن وهب بن منبه : ان داود لما تاب اللّه عليه بكى على خطيئته ثلاثين سنة , لايرقا دمعه ليلا و لا نهارا, و كان اصاب الخطيئة , و هو ابن سبعين سنة , فقسم الدهر بـعد الخطيئة على اربعة ايام : يوم للقضا بين بني اسرائيل , و يوم لنسائه , و يوم يسيح في الفيافي , و الـجـبال , و السواحل , و يوم يخلو في دار له فيها اربعة آلاف محراب ,فيجتمع اليه الرهبان فينوح مـعـهـم عـلـى نـفـسـه , فـيـسـاعـدونه على ذلك فاذا كان يوم نياحته يخرج في الفيافي , فيرفع صـوتـه بـالـمـزامـير, فيبكي , و يبكي معه الشجر, و الرمال , و الطير, و الوحش , حتى يسيل من دمـوعـهـم مـثل الانهار, ثم يجي الى الجبال فيرفع صوته بالمزامير, فيبكي , و تبكي معه الجبال , و الـحـجـارة , و الدواب , و الطير, حتى تسيل من بكائهم الاودية , ثم يجي الى الساحل فيرفع صوته بـالمزامير, فيبكي , و تبكي معه الحيتان , و دواب البحر و طير الما و السباع ((571)) و الحق : ان الايـات ليس فيها شي مما ذكروا, و ليس هذا في شي من كتب الحديث المعتمدة , و هي التي عليها المعول , و ليس هناك ما يصرف لفظ النعجة من حقيقته الى مجازه , و لا ما يصرف القصة عن ظاهرها الى الرمز و الاشارة .

و مـا احسن ما قال الامام القاضي عياض : ((لاتلتفت الى ما سطره الاخباريون من اهل الكتاب , الذين بدلوا, و غيروا, و نقله بعض المفسرين , و لم ينص اللّه تعالى على شي من ذلك في كتابه , و لا ورد في حديث صحيح , و الذي نص عليه في قصة داود : (و ظن داود انما فتناه ) و ليس في قصة داود, و اوريا خبر ثابت ((572)) .

و المحققون ذهبوا الى ما ذهب اليه القاضي , قال الداودي : ليس في قصة داود و اوريا خبر يثبت , و لايظن بنبي محبة قتل مسلم , و قد روي عن الامام اميرالمؤمنين (ع ) انه قال : من حدث بحديث داود عـلـى ما يرويه القصاص جلدته مائة و ستين جلدة , و ذلك حد الفرية على الانبيا ((573)) , و هو كلام مقبول و مروى عن الامام الصادق (ع ) ايضا ((574)) .

التفسير الصحيح للايات

و اذا كان ما روي من الاسرائيليات الباطلة التي لايجوز ان تفسر بها الايات , فما التفسير الصحيح لها اذا؟.

و الـجـواب : ان داود(ع ) كان قد وزع مهام اعماله , و مسؤولياته نحو نفسه , و نحو الرعية على الايـام , و خص كل يوم بعمل ,فجعل يوما للعبادة , و يوما للقضا و فصل الخصومات , و يوما للاشتغال بشؤون نفسه و اهله , و يوما لوعظ بني اسرائيل .

فـفـي يـوم العبادة بينما كان مشتغلا بعبادة ربه في محرابه , اذ دخل عليه خصمان تسورا عليه من السور, و لم يدخلا من المدخل المعتاد, فارتاع منهما, و فزع فزعا لايليق بمثله من المؤمنين , فضلا عن الانبيا المتوكلين على اللّه غاية التوكل , الواثقين بحفظه , و رعايته , و ظن بهما سؤا, و انهما جاا لـيـقتلاه , او يبغيا به شرا, و لكن تبين له ان الامر على خلاف ما ظن , و انهماخصمان جاا يحتكمان الـيـه فلما قضى بينهما, و تبين له انهما بريئان مما ظنه بهما, استغفر ربه , و خر ساجدا للّه تعالى تحقيقالصدق توبته و الاخلاص له , و اناب الى اللّه غاية الانابة .

و مـثل الانبيا في علو شانهم , و قوة ثقتهم باللّه و التوكل عليه ان لا تعلق نفوسهم بمثل هذه الظنون بـالابـريا, و مثل هذاالظن و ان لم يكن ذنبا في العادة , الا انه بالنسبة للانبيا يعتبر خلاف الاولى و الالـيق بهم , و قديما قيل : ((حسنات الابرار سيت المقربين )), فالرجلان خصمان حقيقة , و ليسا مـلـكـين كما زعموا, و النعاج على حقيقتها, و ليس ثمة رموز و لا اشارات و هذاالتاويل هو الذي يـوافق نظم القرآن و يتفق و عصمة الانبيا, فالواجب الاخذ به , و نبذ الخرافات و الاباطيل , التي هـي مـن صـنع بني اسرائيل , و تلقفها القصاص و امثالهم ممن لا علم عندهم , و لا تمييز بين الغث و السمين .

30ـ الاسرائيليات في قصة سليمان (ع )

و مـن الاسرائيليات ما يذكره بعض المفسرين عند تفسير قوله تعالى : (و لقد فتنا سليمان و القينا على كرسيه جسدا ثم اناب ) ((575)) .

و قد ذكر الكثير منها في تفاسيرهم , ابن جرير, و ابن ابي حاتم , و الثعلبي , و البغوي , و غيرهم و ذكـر كل ما روي من ذلك من غير تمييز بين الصحيح و الضعيف , و الغث و السمين , السيوطي , في ((الـدر الـمـنـثـور)) و لـيته اذ فعل نقد كل رواية , و بين منزلتها من القبول و الرد, و ما هو من الاسـرائيـلـيـات , و مـا لـيس منها قال السيوطي في ((الدر)) : اخرج النسائي , و ابن جرير, و ابن ابي حاتم , بسند قوي عن ابن عباس قال :.

اراد سـلـيـمان (ع ) ان يدخل الخلا ((576)) , فاعطى الجرادة خاتمه , و كانت جرادة امراته , و كـانت احب نسائه اليه , فجاالشيطان في صورة سليمان , فقال لها : هاتي خاتمي , فاعطته , فلما لبسه , دانت له الجن , و الانس , و الشياطين , فلما خرج سليمان (ع ) من الخلا, قال لها : هاتي خاتمي , فقالت : قـد اعـطيته سليمان , قال : انا سليمان , قالت : كذبت , لست سليمان ,فجعل لاياتي احدا يقول له : انا سـلـيمان الا كذبه , حتى جعل الصبيان يرمونه بالحجارة , فلما راى ذلك عرف انه من امراللّه و قام الشيطان يحكم بين الناس , فلما اراد اللّه تعالى ان يرد على سليمان (ع ) سلطانه القى في قلوب الناس انكار ذلك الشيطان , فارسلوا الى نسا سليمان (ع ) فقالوا لهن : ايكون من سليمان شي ؟ قلن : نعم , انه ((577)) فلما راى الشيطان انه قد فطن له ظن ان و نحن حيض ,و ماكان ياتينا قبل ذلك امـره قـد انـقـطـع , فـكـتـبـوا كـتـبـا فـيـها سحر, و مكر, فدفنوها تحت كرسي سليمان , ثم اثـاروهـا ((578)) , و قـراوهـا على الناس , قالوا : بهذا كان يظهر سليمان على الناس , و يغلبهم فـاكفر الناس سليمان , فلم يزالوا يكفرونه , و بعث ذلك الشيطان بالخاتم , فطرحه في البحر, فتلقته سمكة , فاخذته , و كان سليمان (ع ) يعمل على شط البحر بالاجر فجا رجل , فاشترى سمكا, فيه تلك السمكة التي في بطنها الخاتم , فدعا سليمان (ع ) فقال له : تحمل لي هذا السمك , ثم انطلق الى منزله , فلما انتهى الرجل الى باب داره اعطاه تلك السمكة التي في بطنها الخاتم , فاخذهاسليمان (ع ), فشق بـطنها, فاذا الخاتم في جوفها, فاخذه , فلبسه , فلما لبسه دانت له الانس و الجن و الشياطين , و عاد الـى حاله ,و هرب الشيطان حتى لحق بجزيرة من جزائر البحر, فارسل سليمان (ع ) في طلبه , و كـان شـيـطانا مريدا يطلبونه و لايقدرون عليه حتى وجدوه يوما نائما, فجاوا فبنوا عليه بنيانا من رصـاص , فـاسـتـيقظ, فوثب , فجعل لايثبت في مكان من البيت الا ان دار معه الرصاص , فاخذوه , و اوثقوه , و جاوا به الى سليمان (ع ), فامر به , فنقر له في رخام , ثم ادخل في جوفه , ثم سد بالنحاس , ثـم امـر به , فطرح في البحر, فذلك قوله : (و لقد فتنا سليمان و القينا على كرسيه جسدا ), يعني الشيطان الذي كان تسلط عليه .

و قد روى السيوطي في ((الدر)) روايات اخرى , عن ابن عباس و قتادة , في ان هذا الشيطان كان يـسـمـى صخرا و روي عن مجاهد : ان اسمه آصف , و ان سليمان ساله : كيف تفتنون الناس ؟ الشيطان : ارني خاتمك اخبرك , فلما اعطاه اياه نبذه آصف في البحر, فساح سليمان , و ذهب ملكه , و قـعـد آصـف عـلـى كرسيه , حتى كان ما كان من امر السمكة , و العثور على الخاتم , و رجوع ملك سليمان اليه .

غـيـر ان فـي روايـة قـتـادة , و مـجاهد ان الشيطان لم يسلط على نسا سليمان , و منعهن اللّه منه , فلم يقربهن , و لم يقربنه ((579)) .

و نحن لانشك في ان هذه الخرافات من اكاذيب بني اسرائيل , و اباطيلهم , و ما نسب الى ابن عباس و غـيـره انـمـا تلقوها عن مسلمة اهل الكتاب و ليس ادل على هذا مما ذكره السيوطي في ((الدر)) بالاسناد الى ابن عباس قال : اربع آيات من كتاب اللّه لم ادر ما هي ؟, حتى سالت عنهن كعب الاحبار ـ و حاشاه ان يساله ـ و ذكر منها : و سالته عن قوله تعالى : (و القينا على كرسيه جسدا ثم اناب ) قال : الـشيطان اخذ خاتم سليمان (ع ) الذي فيه ملكه , فقذف به في البحر, فوقع في بطن سمكة ,فانطلق سـلـيـمـان يـطـوف اذ تـصـدق عليه بتلك السمكة فاشتواها, فاكلها, فاذا فيها خاتمه , فرجع اليه ملكه ((580)) .

و كـذا ذكـرهـا مـطولة جدا : البغوي في تفسيره , عن محمد بن اسحاق ـ و حاشاه ـ عن وهب بن منبه ((581)) .

قال الامام القاضي عياض في ((((الشفا)) : ((و لايصح ما نقله الاخباريون من تشبه الشيطان به , و تـسلطه على ملكه , و تصرفه في امته بالجور في حكمه , لان الشياطين لايسلطون على مثل هذا, و قد عصم الانبيا من مثله )) ((582)) و كذلك الحافظ ابن كثيرفي تفسيره ((583)) , قال بعد ان ذكر الكثير منها :.

و هذه كلها من الاسرائيليات , و من انكرها ما قال ابن ابي حاتم : حدثنا علي بن الحسين , قال : حدثنا مـحـمـد بـن الـعـلا,و عثمان بن ابي شيبة , و على بن محمد, قالوا : حدثنا ابومعاوية قال : اخبرنا الاعـمـش , عـن الـمنهال بن عمرو, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس في قوله تعالى : (و لقد فتنا سليمان و القينا على كرسيه جسدا ثم اناب ) قال : اراد سليمان (ع ) ان يدخل الخلا ثم ذكر الرواية الـتـي ذكـرنـاهـا اولا, قـال : لـكنه حديث مفترى و الظاهر انه من افتراات اهل الكتاب , و فيهم طائفة لايعتقدون نبوة سليمان (ع ), فالظاهر انهم يكذبون عليه , و لهذا كان في هذا السياق منكرات , مـن اشـدها ذكر النسا فان المشهورعن مجاهد و غير واحد من ائمة السلف ان ذلك الجني لم يسل ط عـلى نسا سليمان , بل عصمهن اللّه منه , تشريفا, و تكريمالنبيه (ع ) و قد رويت هذه القصة مطولة عـن جـماعة من السلف كسعيد بن المسيب و زيد بن اسلم , و جماعة آخرين , و كلهامتلقاة عن اهل الكتاب , و اللّه سبحانه و تعالى اعلم بالصواب .

قـال ابـوشـهـبة : و هذه الاحاديث كلها اكاذيب , و تلفيقات و لكن بعض الكذبة من بني اسرائيل كان احرص , و ابعد غورامن البعض الاخر, فلم يتورط فيما تورط فيه البعض , من ذكر تسلط الشيطان عـلـى نسا داود(ع ) و ذلك حتى يكون لما لفقه ,و افتراه , بعض القبول عند الناس اما البعض الاخر فـكـان سـاذجا في كذبه , مغفلا في تلفيقه , فترك آثار الجريمة بينة واضحة ,و بذلك اشتمل ما لفقه على دليل كذبه .

و مـن الـعجيب ان الامام السيوطي نبه في كتابه ((تخريج احاديث الشفا)) انها اسرائيليات , تلقاها اهل الحديث عن اهل الكتاب و ليته نبه الى ذلك في التفسير.

و الحق ان نسج القصة مهلهل , عليه اثر الصنعة و الاختلاق , و يصادم العقل السليم , و النقل الصحيح في هذا.

و اذا جـاز لـلـشيطان ان يتمثل برسول اللّه سليمان (ع ), فاي ثقة بالشرائع تبقى بعد هذا؟ يسلط اللّه الشيطان على نسا نبيه سليمان , و هو اكرم على اللّه من ذلك ؟ و اى مـلـك او نـبـوة يتوقف امرهما على خاتم يدومان بدوامه , و يزولان بزواله ؟ التاريخ البشري شيئا من ذلك .

و اذا كـان خـاتـم سـلـيـمـان (ع ) بهذه المثابة , فكيف يغفل اللّه شانه في كتابه الشاهد على الكتب الـسـماوية , و لم يذكره بكلمة ؟ اعرف الناس به , و هي زوجته جرادة ؟ الحق ان نسج القصة مهلهل , لايصمد امام النقد, و ان آثار الكذب و الاختلاق بادية عليها.

نسبة بعض هذه الاكاذيب الى رسول اللّه (ص )

و قـد تـجـرا بـعـض الـرواة , او غلط, فرفع بعض هذه الاسرائيليات الى رسول اللّه (ص ), قال الـسيوطي في ((الدر المنثور)),و اخرج الطبراني في ((الاوسط)) ((584)) , و ابن مردويه بسند ضعيف , عن ابي هريرة قال : قال رسول اللّه (ص ) :.

((ولـد لـسليمان ولد, فقال للشيطان : تواريه من الموت , قالوا : نذهب به الى المشرق , فقال : يصل الـيه الموت , قالوا : فالى المغرب , قال : يصل اليه الموت , قالوا : الى البحار, قال : يصل اليه الموت , قالوا : نضعه بين السما و الارض , قال : نعم ,و نزل عليه ملك الموت , فقال : اني امرت بقبض نسمة طلبتها في البحار, و طلبتها في تخوم الارض فلم اصبها, فبينا انا قاعداصبتها, فقبضتها, و جا جسده , حـتـى وقـع على كرسي سليمان , فهو قول اللّه : (و لقد فتنا سليمان و القينا على كرسيه جسداثم اناب ))).

و هـذا الـحـديث موضوع على رسول اللّه (ص ), و قد يكون ذلك من عمل بعض الزنادقة , او غل ط بـعض الرواة , و قد نبه على وضعه الحافظ ابوالفرج ابن الجوزي , و قال : يحيى ـ يعني ابن كثيرـ يـروي عـن الثقات ما ليس من حديثهم , و لاينسب الى نبي اللّه سليمان ذلك , و وافقه السيوطي على وضعه ((585)) , و لايشك في وضع هذا الا من يشك في عصمة الانبيا عن مثله ,و احر بمثل هذا ان يكون مختلقا على نبينا(ص ), و على نبي اللّه سليمان (ع ), و انما هو من اسرائيليات بني اسرائيل و اكاذيبهم .

و الصحيح في تفسير الفتنة هنا حسبما ذكرناه في التمهيد, ج3 , ص 443 و 444 ان سليمان (ع ) قـال يـوما لاصحابه :لاطوفن الليلة على نسائي لتلد كل واحدة غلاما يضرب بالسيف في سبيل اللّه قال ذلك قاطعا بالامر, فقد تمنى ما لم يكن في استطاعته الا ان يشا اللّه فاراد اللّه تنبيهه على بادرته تلك , فطاف عليهن كلهن لم تحمل منهن سوى واحدة , و جات بسقطميت ((586)) .

31ـ الاسرائيليات في قصة ايوب (ع )

و من القصص التي تزيد فيها المتزيدون , و استغلها القصاصون , و اطلقوا فيها لخيالهم العنان : قصة سيدنا ايوب (ع ), فقدرووا فيها ما عصم اللّه انبياه عنه و صوروه بصورة لايرضاها اللّه لرسول من رسله .

فـقـد ذكـر بعض المفسرين عند تفسير قوله تعالى : (و اذكر عبدنا ايوب اذ نادى ربه اني مسني الـشـيـطان بنصب و عذاب اركض برجلك هذا مغتسل بارد و شراب و وهبنا له اهله و مثلهم معهم رحـمة منا و ذكرى لا ولي الا لباب و خذ بيدك ضغثافاضرب به و لا تحنث انا وجدناه صابرا نعم الـعـبد انه اواب ) ((587)) ذكر السيوطي في ((الدر المنثور)) و غيره , عن قتادة (رض )في قوله تعالى : (و اذكر عبدنا ايوب ), قال : ذهاب الاهل و المال , و الضر الذي اصابه في جسده , قال : ابـتـلـى سبع سنين و اشهرا, فالقي على كناسة بني اسرائيل , تختلف الدواب في جسده , ففرج اللّه عنه , و اعظم له الاجر, و احسن .

قـال : و اخـرج احمد في الزهد, و ابن ابي حاتم , وابن عساكر عن ابن عباس )), قال : ان الشيطان عـرج الـى الـسـما فقال :يا رب سلطني على ايوب (ع ), قال اللّه : قد سلطتك على ماله , و ولده , و لـم اسلطك على جسده , فنزل , فجمع جنوده , فقال لهم : قد سلطت على ايوب (ع ) فاروني سلطانكم , فـصـاروا نـيـرانا, ثم صاروا ما, فبينما هم بالمشرق اذا هم بالمغرب , و بينما هم بالمغرب اذا هم بالمشرق , فارسل طائفة منهم الى زرعه , و طائفة الى اهله , و طائفة الى بقره , و طائفة الى غنمه , و قال : انه لايعتصم منكم الا بالمعروف , فاتوه بالمصائب , بعضها على بعض , فجا صاحب الزرع , فقال : يـا ايوب , الم تر الى ربك , ارسل على زرعك عدوا, فذهب به و جا صاحب الابل , و قال : الم تر الى ربـك , ارسـل على ابلك عدوا, فذهب بها ثم جا صاحب البقر, فقال : الم تر الى ربك ارسل على بقرك عـدوا, فذهب بها و تفرد هو ببنيه , جمعهم في بيت اكبرهم , فبينما هم ياكلون ,و يشربون , اذ هبت ريح , فاخذت باركان البيت , فالقته عليهم , فجا الشيطان الى ايوب بصورة غلام , فقال : يا ايوب , الم تر الـى ربـك جـمع بنيك في بيت اكبرهم , فبينما هم ياكلون , و يشربون , اذ هبت ريح , فاخذت باركان الـبيت , فالقته عليهم فلو رايتهم حين اختلطت دماؤهم و لحومهم بطعامهم , و شرابهم فقال له ايوب : انت الشيطان , ثم قال له : انا اليوم كيوم ولدتني امي ,فقام , فحلق راسه , و قام يصلي , فرن ابليس رنة سـمـع بـها اهل السما, و اهل الارض , ثم خرج الى السما, فقال : اي رب , انه قد اعتصم , فسلطني عـلـيـه , فاني لااستطيعه الا بسلطانك , قال : قد سلطتك على جسده , و لم اسلطك على قلبه , فنزل , فـنفخ تحت قدمه نفخة , قرح ما بين قدميه الى قرنه , فصار قرحة واحدة , و القى على الرماد, حتى بدا حجاب قلبه , فكانت امراته تسعى اليه , حتى قالت له : اما ترى يا ايوب قد نزل بي واللّه من الجهد و الـفـاقة ما ان بعت قروني برغيف , فاطعمك , فادع اللّه ان يشفيك , و يريحك , قال : ويحك , كنا في النعيم سبعين عاما, فاصبري حتى نكون في الضرسبعين عاما, فكان في البلا سبع سنين , و دعا, فجا جبريل (ع ) يوما فاخذ بيده , ثم قال : قم , فقام , فنح اه عن مكانه , و قال : اركض برجلك , هذا مغتسل باردو شراب , فركض برجله , فنبعت عين , فقال : اغتسل , فاغتسل منها, ثم جا ايضا, فقال : اركض بـرجلك فنبعت عين اخرى ,فقال له : اشرب منها, و هو قوله : (اركض برجلك هذا مغتسل بارد و شراب ), و البسه اللّه حلة من الجنة .

فتنحى ايوب , فجلس في ناحية , و جات امراته , فلم تعرفه , فقالت : يا عبداللّه , اين المبتلى الذي كان هـنـا؟ لـعل الكلاب ذهبت به , او الذئاب , و جعلت تكلمه ساعة , فقال : ويحك ,انا ايوب على جسدي , و رد اللّه عليه ماله , و ولده عيانا و مثلهم معهم ((588)) .