22ـ الاسرائيليات في قصة اصحاب الكهف - تفسیر والمفسرون فی ثوبه القشیب جلد 2

This is a Digital Library

With over 100,000 free electronic resource in Persian, Arabic and English

تفسیر والمفسرون فی ثوبه القشیب - جلد 2

محمد هادی معرفت

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

((ان بـنـي اسرائيل لمااعتدوا, و علوا, و قتلوا الانبيا, بعث اللّه عليهم ملك فارس (بختنصر), و كـان اللّه ملكه سبعمائة سنة ((489)) , فسار اليهم , حتى دخل بيت المقدس , فحاصرها, و فتح , و
قـتـل على دم زكريا سبعين الفا, ثم سبى اهلها, و بني الانبيا, و سلب حلي بيت المقدس , و استخرج
مـنـهـا سـبعين الفا, و مائة الف عجلة من حلي , حتى اوردها بابل )) ((490)) , قال حذيفة : فقلت يا
رسول اللّه لقد كان بيت المقدس عظيما عنداللّه , قال : اجل , بناه سليمان بن داود من ذهب , و در, و
يـاقـوت ,و زبـرجد, و كان بلاطة من ذهب , و بلاطة من فضة , و عمده ذهبا, اعطاه اللّه ذلك , و
سـخر له الشياطين ياتونه بهذه الاشيا في طرفة عين , فسار (بختنصر) بهذه الاشيا, حتى دخل بها
بـابـل , فـاقـام بنواسرائيل في يديه مائة سنة , تعذبهم المجوس , و ابناالمجوس , فيهم الانبيا, و ابنا
الانبيا, ثم ان اللّه رحمهم فاوحى الى ملك من ملوك فارس ـ يقال له : (كورش ) و كان مؤمناـ ان سر
الى بقايا بني اسرائيل حتى تستنقذهم , فسار (كورش ) ببني اسرائيل , و حلي بيت المقدس , حتى رده
اليه .

فـاقـام بـنـواسـرائيـل مـطـيـعـين اللّه مائة سنة , ثم انهم عادوا في المعاصي , فسلط اللّه عليهم
(بـطـيانموس ), فغزا بابنا من غزا مع بختنصر, فغزا بني اسرائيل , حتى اتاهم بيت المقدس , فسبى
اهـلـها, و احرق بيت المقدس , و قال لهم : يا بني اسرائيل , ان عدتم في المعاصي عدنا عليكم بالسبا,
فـعـادوا فـي الـمـعـاصـي , فـسـيـر اللّه عـلـيـهـم الـسبا الثالث , ملك رومية , يقال له : (فاقس
بن اسبايوس ) ((491)) فغزاهم في البر و البحر فسباهم , و سبى حلي بيت المقدس , و احرق بيت
الـمقدس بالنيران , فقال رسول اللّه (ص ) : هذا من صنعة حلي بيت المقدس , و يرده المهدي الى بيت
المقدس , و هو الف سفينة , و سبعمائة سفينة , يرسي بها على ((يافا)), حتى تنقل الى بيت المقدس , و
بها يجمع اللّه الاولين و الاخرين و الغريب من ابن جرير, كيف استجاز ان يذكرهذا الهرا, و هذه
الـتـخـريـفات عن المعصوم (ص ), و كان عليه ان يصون كتابه عن ان يسوده بامثال هذه المرويات
الباطلة ((492)) .

قال الامام الحافظ ابن كثير :.

((و قـد روى ابـن جـريـر في هذا المكان حديثا اسنده عن حذيفة مرفوعا مطولا, و هو حديث
مـوضـوع لامحالة , لايستريب في ذلك من عنده ادنى معرفة بالحديث , و العجب كل العجب كيف راج
عليه مع جلالة قدره , و امامته , و قد صرح شيخنا ابوالحجاج المزي بانه موضوع مكذوب , و كتب
ذلك على حاشية الكتاب ـ يعني كتاب تفسير ابن جريرـ و قد وردت في هذا آثاركثيرة اسرائيلية ,
لم ار تطويل الكتاب بذكرها, لان منها ما هو موضوع من وضع بعض زنادقتهم , و منها ما قد يحتمل ان
يـكون صحيحا, و نحن في غنية عنها و للّه الحمد, و فيما قص اللّه علينا في كتابه غنية عما سواه
من بقية الكتب قبله , و لم يحوجنا اللّه ,و لا رسوله اليهم , و قد اخبر اللّه عنهم انهم لماطغوا و بغوا,
سلط اللّه عليهم عدوهم , فاستباح بيضتهم , و سلك خلال بيوتهم ,و اذلهم , و قهرهم جزا وفاقا, و ما
ربك بظلا م للعبيد, فانهم كانوا قد تمردوا و قتلوا خلقا كثيرا من الانبيا و العلما ((493)) .

قال ابوشهبة : و هذا هو الحق الذي ينبغي ان يصار اليه في الاية , و القصص القرآني لايعني بذكر
الاشـخاص , و لا الاماكن ,لان الغرض منه العبرة , و التذكير, و التعليم و التاويل و الذي دلت عليه
الاية انهم افسدوا مرتين في الزمن الاول , و ظلمواو بغوا, فسلط اللّه عليهم في الاولى من اذلهم و
سباهم , و لايعنينا ان يكون هذا (سنجاريب ) او (بختنصر) و جيشه , اذلايترتب على العلم به فائدة
تذكر, و سلط اللّه عليهم في الثانية من اذلهم , و سا وجوههم , و دخل المسجد الاقصى , فافسدفيه ,
و دمـر, و لايـعنينا ان يكون هذا الذي نكل بهم هو (طيطوس ) الروماني او غيره , لان المراد من
سـيـاق قـصـتـه : مـا قـضاه اللّه على بني اسرائيل انهم اهل فساد, و بطر, و ظلم , و بغي , و انهم
لماافسدوا و طغوا, و تجبروا سلط اللّه عليهم من عباده من نكل بهم , و اذلهم , و سباهم , و شردهم ,
ثـم ان الايـات دلـت ايـضـا على ان بني اسرائيل لايقف طغيانهم , و بغيهم , و افسادهم عند المرتين
الاوليين , بل الاية توحي بان ذلك مستمر الى ما شا اللّه , و ان اللّه سيسلط عليهم من يسومهم العذاب ,
و يـبـطـش بـهـم , و يرد ظلمهم و عدوانهم , قال عز شانه : (عسى ربكم ان يرحمكم و ان عدتم
((494)) بلى .
, اليس في قوله هذا انذارو وعيد لهم الى يوم القيامة ؟ و مـا يـؤكـد هـذا الانـذار و الوعيد قوله تعالى : (و اذ تاذن ربك ليبعثن عليهم الى يوم القيامة من
يـسـومهم سو العذاب ان ربك لسريع العقاب و انه لغفور رحيم ) ((495)) , فهل يسلط اللّه عليهم
الـيـوم مـن يرد ظلمهم و بغيهم , و طردهم اهل فلسطين من ديارهم , و اغتصاب الديار, و استذلال
العباد, و استهانتهم بالقيم الخلقية , و الحقوق الانسانية ؟.

ذلـك مـا نـرجـو, و ما ذلك على المسلمين بعزيز, لو وحدوا الكلمة , و جمعوا الصفوف , و اخذوا
الحذر و الاهبة , و اعدوالهم العدة , فاللهم حقق و اعن .

22ـ الاسرائيليات في قصة اصحاب الكهف

و مـن قـصص الماضين التي اكثر فيها المفسرون من ذكر الاسرائيليات قصة اصحاب الكهف , فقد ذكر ابن جرير, و ابن مردويه , و غيرهما الكثير من اخبارهم التي لايدل عليها كتاب اللّه تعالى , و
لايتوقف فهم القرآن و تدبره عليها.

فمن ذلك ما ذكره ابن جرير في تفسيره , عن ابن اسحق , صاحب السيرة في قصتهم , فقد ذكر نحو
ثـلاث ورقات , و ذكر عن وهب بن منبه , و ابن عباس ومجاهد اخبارا كثيرة اخرى ((496)) , و
كـذلك ذكر السيوطي في ((الدر المنثور)) ((497)) , الكثير مما ذكره المفسرون عن اصحاب
الـكـهـف , عن هويتهم , و من كانوا؟ و في اي زمان و مكان وجدوا؟ و اسمائهم ؟ و اسم كلبهم ؟ و
اهوقطمير ام غيره ؟ و عن لونه اهو اصفر ام احمر؟ بل روى ابن ابي حاتم من طريق سفيان , قال :
رجـل بـالكوفة يقال له :عبيد ـ و كان لايتهم بالكذب ـ قال : رايت كلب اصحاب الكهف احمر, كانه
كـسـا انبجاني ((498)) , و لاادري كيف كان لايتهم بالكذب , و ما زعم كذب لا شك فيه , فهل بقي
كـلـب اصـحـاب الكهف حتى الاسلام ؟ قـرية , و روى ذلك عن كعب الاحبار, و من قائل : انه واد بفلسطين , بقرب ايلة , و قيل : اسم جبل
اصـحاب الكهف الى غير ذلك مع ان الظاهر انه كما قال كثير من السلف : انه الكتاب او الحجر الذي
دون فـيه قصتهم و اخبارهم , او غيرذلك , مما اللّه اعلم به , فهو فعيل بمعنى مفعول , اي مرقوم , و
في الكتاب الكريم : (و ما ادراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون ) ((499)) (و ما ادراك ما
سجين كتاب مرقوم ) ((500)) .

و فـي هـذه الاخبار : الحق و الباطل , و الصدق و الكذب , و فيها ما هو محتمل للصدق و الكذب , و
لـكـن فـيـما عندنا غنية عنه , و لا فائدة من الاشتغال بمعرفته و تفسير القرآن به , كما اسلفنا, بل
الاولى و الاحسن ان نضرب عنه صفحا, و قد ادبنا اللّه بذلك , حيث قال لنبيه بعد ذكر اختلاف اهل
الـكـتـاب فـي عدد اصحاب الكهف : (قل ربي اعلم بعدتهم مايعلمهم الا قليل فلا تمار فيهم الا مرآ
ظاهرا و لا تستفت فيهم منهم احدا) ((501)) .

و غالب ذلك ما اشرنا اليه و غيره متلقى عن اهل الكتاب الذين اسلمواو حمله عنهم بعض الصحابة و
الـتـابـعـين لغرابته و العجب منه , قال ابن كثير في تفسيره : ((و في تسميتهم بهذه الاسما, و اسم
كلبهم , نظر في صحته و اللّه اعلم ـ, فان غالب ذلك متلقى من اهل الكتاب , و قد قال تعالى : (فلا تمار
فيهم الا مرآ ظاهرا) اي سهلا هينا لينا, فان الامر في معرفة ذلك لايترتب عليه كبير فائدة (و لا
تستفت فيهم منهم احدا) اي فانهم لا علم لهم بذلك الا ما يقولونه من تلقا انفسهم , رجمابالغيب , اي من
غـير استناد الى كلام معصوم , و قد جاك اللّه يا محمد بالحق الذي لا شك فيه و لا مرية فيه , فهو
المقدم على كل ما تقدمه من الكتب و الاقوال )) ((502)) .

23ـ الاسرائيليات في قصة ذي القرنين

و من الاسرائيليات التي طفحت بها بعض كتب التفسير ما يذكرونه في تفاسيرهم , عند تفسير قوله تـعـالى : (و يسالونك عن ذي القرنين قل ساتلوا عليكم منه ذكرا انا مكنا له في الا رض و آتيناه من
كل شى سببا فاتبع سببا ) ((503)) .

و قد ذكر ابن جرير في تفسيره بسنده , عن وهب بن منبه اليماني ـ و كان له علم بالاحاديث الاولى
ـ انـه كان يقول :((ذوالقرنين رجل من الروم , ابن عجوز من عجائزهم , ليس لها ولد غيره , و كان
اسمه الاسكندر, و انما سمي ذاالقرنين , ان ((504)) صفحتي راسه كانتا من نحاس , فلما بلغ و كان
عـبدا صالحا, قال اللّه له : يا ذاالقرنين اني باعثك الى امم الارض , و هي امم مختلفة السنتهم , و هم
جميع اهل الارض , و منهم امتان بينهما طول الارض كله , و منهم امتان بينهما عرض الارض كله ,
و امم في وسط الارض منهم الجن و الانس , و ياجوج و ماجوج ثم استرسل في ذكر اوصافه , و ما
وهـبـه اللّه من العلم و الحكمة ,و اوصاف الاقوام الذين لقيهم , و ما قال لهم , و ما قالوا له , و في اثنا
ذلـك يـذكـر مـا لايـشـهـد لـه عـقـل و لا نـقـل و قد سود بهذه الاخبار نحو اربعة صحائف من
كـتـابـه ((505)) , و كـذلـك ذكر روايات اخرى في سبب تسميته بذي القرنين , بما لايخلو عن
تـخليطو تخبط و قد ذكر ذلك ـ عن غير ابن جريرـ السيوطي في ((الدر)), قال : ((و اخرج
ابـن اسحاق , و ابن المنذر, و ابن ابي حاتم ,و الشيرازي في الالقاب , و ابوالشيخ , عن وهب بن منبه
الـيـمـانـي ـ و كان له علم بالاحاديث الاولى ـ انه كان يقول : كان ذوالقرنين رجلا من الروم , ابن
عجوز من عجائزهم , ليس لها ولد غيره , و كان اسمه الاسكندر, و انما سمي ذاالقرنين , ان صفحتي
راسه كانتا من نحاس )) ((506)) و انا لااشك في ان ذلك مما تلقاه وهب عن كتبهم , و فيها ما فيها
من الباطل و الكذب ,ثم حملها عنه بعض التابعين , و اخذها عنهم ابن اسحق و غيره من اصحاب كتب
الـتفسير و السير و الاخبار و لقد اجاد و افادالامام الحافظ ابن كثير, حيث قال في تفسيره : ((و
قد ذكر ابن جرير هاهنا عن وهب بن منبه اثرا طويلا, عجيبا في سيرذي القرنين , و بنائه السد, و
كـيـفـيـة مـا جـرى لـه , و فـيـه طول , و غرابة , و نكارة , في اشكالهم , و صفاتهم و طولهم , و
قصربعضهم , و آذانهم و روى ابن ابي حاتم عن ابيه في ذلك احاديث غريبة , لاتصح اسانيدها, و اللّه
اعلم )) ((507)) و حتى لو صح الاسناد فيها, فلا شك في انها من الاسرائيليات , لانه لا تنافي بين
الامرين , فهي صحيحة الى من رويت عنه , لكنها في نفسها من قصص بني اسرائيل الباطل , و اخبارهم
الكاذبة .

و لـو ان هـذه الاسـرائيليات وقف بها عند منابعها, او من حملها عنهم من الصحابة و التابعين , لكان
الامر محتملا, و لكن الاثم , و كبر الكذب ان تنسب هذه الاخبار الى النبي (ص ) و لو انها كما اسلفنا
كـانت صحيحة في معناها و مبناها لماحل نسبتهاالى رسول اللّه ابدا, فما بالك و هي اكاذيب ملفقة , و
اخبار باطلة ؟ و قـد روى ابـن جـريـر و غـيره عند تفسير قوله تعالى : (و يسالونك عن ذي القرنين ) حديثا
مرفوعا الى النبي (ص ) قال :.

((حـدثـنا ابوكريب قال : حدثنا زيد بن حباب , عن ابن لهيعة , قال : حدثني عبدالرحمان بن زياد بن
انـعم , عن شيخين من تجيب , انهما انطلقا الى عقبة بن عامر, فقالا له : جئنا لتحدثنا, فقال : كنت يوما
اخدم رسول اللّه (ص ), فخرجت من عنده ,فلقيني قوم من اهل الكتاب , فقالوا : نريد ان نسال رسول
اللّه (ص ) فاستاذن لنا عليه , فدخلت عليه فاخبرته , فقال : ما لي و مالهم , ما لي علم الا ما علمني اللّه ,
ثـم قـال : اسـكـب لي ما, فتوضا, ثم صلى , قال : فمافرغ حتى عرفت السرور على وجهه , ثم قال :
ادخلهم على , و من رايت من اصحابي , فدخلوا, فقاموا بين يديه , فقال : ان شئتم سالتم فاخبرتكم عما
تـجـدونـه فـي كـتـابـكم مكتوباو ان شئتم اخبرتكم , قالوا : بلى , اخبرنا, قال : جئتم تسالون عن
ذي الـقرنين , و ما تجدونه في كتابكم : كان شابامن الروم , فجا, فبنى مدينة مصر الاسكندرية , فلما
فرغ جاه ملك فعلا به في السما, فقال له : ما ترى ؟ فقال : ارى مدينتي ,و مدائن , ثم علا به , فقال : ما
تـرى ؟ فـقـال : ارى مـديـنـتـي , ثـم عـلا به , فقال : ما ترى ؟ قال : ارى الارض , قال : فهذا اليم
مـحيطبالدنيا, ان اللّه بعثني اليك تعلم الجاهل , و تثبت العالم , فاتى به السد, و هو جبلان لينان يزلق
عنهما كل شي , ثم مضى به حتى جاوز ياجوج و ماجوج , ثم مضى به الى امة اخرى , وجوههم وجوه
الـكلاب , يقاتلون ياجوج و ماجوج , ثم مضى به حتى قطع به امة اخرى يقاتلون هؤلا الذين وجوههم
وجـوه الـكـلاب , ثم مضى حتى قطع به هؤلا الى امة اخرى قد سماهم )) ((508)) , ثم عقب ذلك
بسرد المرويات في سبب تسميته بذي القرنين .

و ذكر السيوطي في ((الدر المنثور)) ((509)) مثل ذلك , و قال : انه اخرجه ابن عبدالحكم في
((تاريخ مصر)), و ابن ابي حاتم ,و ابوالشيخ , و البيهقي في ((الدلائل )).

و كـل هـذا من الاسرائيليات التي دست على النبي (ص ) و لو شئت ان اقسم بين الركن و المقام ان
رسول اللّه (ص ) ماقال هذا, لاقسمت , و ابن لهيعة ضعيف في الحديث .

و قد كشف لنا الامام الحافظ ابن كثير عن حقيقة هذه الرواية في تفسيره , و انحى باللائمة على ما
رواهـا, فـقال : ((و قد اوردابن جرير هاهنا, و الاموي في مغازيه , حديثا اسنده ـ و هو ضعيف ـ
عـن عقبة بن عامر : ان نفرا من اليهود جاوا يسالون النبي (ص ) عن ذي القرنين , فاخبرهم بما جاوا
له ابتدا, فكان فيما اخبرهم به : انه كان شابا من الروم , و انه بنى الاسكندرية ,و انه علا به ملك في
الـسـمـا و ذهب به الى السد, و راى اقواما وجوههم مثل وجوه الكلاب )) و فيه طول و نكارة , و
رفعه لايصح , و اكثر ما فيه انه من اخبار بني اسرائيل .

و الـعـجـب ان ابـازرعة الرازي مع جلالة قدره ساقه بتمامه في كتاب ((دلائل النبوة )), و ذلك
غـريـب مـنـه , فيه من النكارة انه من الروم , و انما الذي كان من الروم الاسكندر الثاني , و هو ابن
فـيـلبس المقدوني , الذي تؤرخ به الروم , و كان وزيره ارسطاطاليس ,الفيلسوف المشهور, و اللّه
اعلم ((510)) .

و من هو ذوالقرنين ؟

قـال ابـوشهبة : و الذي نقطع به انه ليس الاسكندر المقدوني , لان ما ذكره المؤرخون في تاريخه لايـتفق و ما حكاه القرآن الكريم عن ذي القرنين , و الذي نقطع به ايضا انه كان رجلا مؤمنا صالحا,
مـلك شرق الارض و غربها, و كان من امره ما قصه اللّه تعالى في كتابه , و هذا ماينبغي ان نؤمن به ,
و نـصـدقـه اما معرفة هويته , و ما اسمه ؟, و اين , و في اي زمان كان ؟ فليس في القرآن , و لا في
السنة الصحيحة ما يدل عليه , على ان الاعتبار بقصته , و الانتفاع بها, لايتوقف على شي من ذلك , و
تلك سمة من سمات القصص القرآني , و خصيصة من خصائصه انه لايعني بالاشخاص , و الزمان , و
المكان , مثل ما يعني بانتزاع العبرة منها, و الاستفادة منها, فيما سيقت له .

24ـ الاسرائيليات في قصة ياجوج و ماجوج

من الاسرائيليات التي اتسمت بالغرابة , و الخروج عن سنة اللّه في الفطرة , و خلق بني آدم ما ذكره بعض المفسرين في تفاسيرهم , عند قوله تعالى : (قالوا يا ذاالقرنين ان ياجوج و ماجوج مفسدون في
الا رض فهل نجعل لك خرجا على ان تجعل بيننا و بينهم سدا) ((511)) .

فـقـد ذكـروا عن ياجوج و ماجوج الشي الكثير من العجائب و الغرائب , قال السيوطي في ((الدر
الـمـنـثـور)) ((512)) : اخـرج ابن ابي حاتم , و ابن مردويه , و ابن عدي , و ابن عساكر, و ابن
الـنـجـار, عن حذيفة قال : سالت رسول اللّه (ص ) عن ياجوج ,و ماجوج , فقال : ((ياجوج و ماجوج
امـة , كـل امـة اربـعـمـائة الـف امة , لايموت احدهم حتى ينظر الى الف رجل من صلبه , كل حمل
السلاح )) قلت : يا رسول اللّه , صفهم لنا, قال : ((هم ثلاثة اصناف : صنف منهم امثال الارز)) قلت :
و مـا الارز؟ قـال : ((شـجـربـالـشـام طول الشجرة عشرون و مائة ذراع في السما قال رسول
اللّه (ص ) : هـؤلا الـذيـن لايـقوم لهم جبل , و لا حديد و صنف منهم يفترش احدى اذنيه , و يلتحف
بـالاخـرى , لايـمرون بفيل , و لا وحش , و لا جمل , و لا خنزير الا اكلوه , و من مات منهم اكلوه ,
مقدمتهم بالشام و ساقتهم يشربون انهار المشرق , و بحيرة طبرية )).

و قـد ذكـر ابـن جـرير في تفسيره هذه الرواية و غيرها من الروايات الموقوفة , و كذلك صنع
الـقـرطـبي في تفسيره و اذا كان بعض الزنادقة استباحوا لانفسهم نسبة هذا الى رسول اللّه (ص )
فكيف استباح هؤلا الائمة ذكر هذه المرويات المختلقة المكذوبة على رسول اللّه في كتبهم ؟ و هـذا الـحـديـث المرفوع نص الامام ابوالفرج ابن الجوزي ـ في موضوعاته و غيره ـ على انه
((513)).
فكيف يذكره في تفسيره و لايعقب عليه ؟ و حـق له ان يكون موضوعا, فالمعصوم (ص ) اجل من ان يروى عنه مثل هذه الخرافات و في كتب
الـتـفـسير من هذا الخلطو احاديث الخرافة شي كثير, و رووا في هذا عن عبداللّه بن عمرو, و
عـبداللّه بن عمر, و عبداللّه بن مسعود, و عن كعب الاحبار و لكي تتاكد ان ما رفع الى رسول اللّه
انـما هي اسرائيليات , و قد نسبت الى النبي زورا و كذبا, نذكر لك ما روي عن كعب , قال : ((خلق
ياجوج و ماجوج , ثلاثة اصناف : صنف كالارز, و صنف اربعة اذرع طول , و اربعة اذرع عرض , و
صنف يفترشون آذانهم , و يلتحفون بالاخرى , ياكلون مشائم ((514)) نسائهم )).

و عـلـى حين نراهم يذكرون من هول و عظم خلقهم ما سمعت , اذ هم يروون عن ابن عباس )) انه
قال : ((ان ياجوج و ماجوج شبر, و شبران , و اطولهم ثلاثة اشبار, و هم من ولد آدم )), بل رووا
عنه انه قال : قال رسول اللّه (ص ) : ((بعثني اللّه ليلة اسري بي الى ياجوج و ماجوج , فدعوتهم الى
دين اللّه و عبادته فابوا ان يجيبوني , فهم في النار, مع من عصى من ولد آدم و ابليس )).

و العجب ان السيوطي قال عن هذا الحديث : ان سنده واه و لاادري لم ذكره مع وها سنده ؟ تـفسيره : و اخرج عبد بن حميد, و ابن المنذر, و الطبراني و البيهقي في البعث , و ابن مردويه , و
ابـن عـسـاكر عن ابن عمر, عن النبي (ص ) قال :((ان ياجوج و ماجوج من ولد آدم , و لو ارسلوا
لافسدوا على الناس معايشهم , و لايموت رجل منهم الا ترك من ذريته الفافصاعدا, و ان من ورائهم
ثلاث امم : تاويل , و تاريس , و منسك )).

قال : و اخرج احمد, و الترمذي ـ و حسنه ـ و ابن ماجه , و ابن حبان , و الحاكم ـ و صححه ـ, و
ابـن مردويه و البيهقي في البعث , عن ابي هريرة , عن رسول اللّه (ص ) قال : ((ان ياجوج و ماجوج
يـحفرون السد كل يوم , حتى اذا كادوا يرون شعاع الشمس , قال الذي عليهم : ارجعوا, فستفتحونه
غـدا, و لايستثنى , فاذا اصبحوا وجدوه قد رجع كما كان , فاذا اراد اللّه بخروجهم على الناس قال
الـذي عـليهم : ارجعوا, فستفتحونه ان شا اللّه و يستثنى ((515)) , فيعودون اليه , و هو كهيئته
حـيـن تـركـوه , فـيـحفرونه , و يخرجون على الناس , فيستقون المياه , و يتحصن الناس منهم في
حـصـونـهم , فيرمون بسهامهم الى السما,فترجع مخضبة بالدما, فيقولون : قهرنا من في الارض , و
عـلـونا من في السما, قسوا, و علوا, فيبعث اللّه عليهم نغفا ((516)) في اعناقهم فيهلكون )), قال
رسـول اللّه (ص ) : ((فـوالـذي نـفـس مـحـمد بيده ان دواب الارض لتسمن , و تبطر, و تشكر
شكرا ((517)) من لحومهم )) ((518)) .

و مهما كان سند مثل هذا فهو من الاسرائيليات عن كعب و امثاله , و قد يكون رفعها الى النبي غلطا و
خـطا من بعض الرواة , او كيدا يكيد به الزنادقة اليهود للاسلام و اظهار رسوله بمظهر من يروي
مـا يـخالف القرآن , فالقرآن قد نص بما لايحتمل الشك على انهم لم يستطيعوا ان يعلوا السد, و لا ان
ينقبوه , قال تعالى : (فمااسطاعوا ان يظهروه و ما استطاعوا له نقبا) ((519)) .

و الـيك ما ذكره ابن كثير هنا في تفسيره , قال بعد ان ذكر من رواه : و اخرجه الترمذي من حديث
ابي عوانة , عن قتادة , ثم قال : غريب لايعرف الا من هذا الوجه , و اسناده جيد قوى , و لكن متنه في
رفـعـه نـكـارة , لان ظـاهر الاية يقتضي انهم لم يتمكنوامن ارتقائه , و لا من نقبه , لاحكام بنائه و
صلابته و شدته و لكن هذا قد روي عن كعب الاحبار, انهم قبل خروجهم ياتونه ,فيلحسونه , حتى
لايـبـقـى مـنه الا القليل , فيقولون : غدا نفتحه فياتون من الغد و قد عاد كما كان , فيلحسونه حتى
لايبقى منه الا القليل , فيقولون كذلك , فيصبحون , و هو كما كان , فيلحسونه , و يقولون : غدا نفتحه ,
و يـلـهـمـون ان يـقولوا : ان شا اللّه ,فيصبحون , و هو كما فارقوه , فيفتحونه , و هذا متجه و لعل
اباهريرة تلقاه من كعب , فانه كان كثيرا ما كان يجالسه , و يحدثه ,فحدث به ابوهريرة , فتوهم بعض
الرواة عنه انه مرفوع , فرفعه , و اللّه اعلم ((520)) .

و مـن الاسـرائيـلـيات المستنكرة في هذا ما روي ان ياجوج و ماجوج خلقا من مني خرج من آدم ,
فـاخـتـلط بالتراب ,و زعموا : ان آدم كان نائما فاحتلم , فمن ثم اختلط منيه بالتراب و معروف ان
الانبيا لايحتلمون , لان الاحتلام من الشيطان .

قـال ابن كثير : و هذا قول غريب جدا, لا دليل عليه , لا من عقل و لا من نقل , و لايجوز الاعتماد
هاهنا على ما يحكيه بعض اهل الكتاب , لما عندهم من الاحاديث المفتعلة , و اللّه اعلم ((521)) .

و الخلاصة :.

ان اصـحاب الكهف , و ذاالقرنين , و ياجوج و ماجوج , حقائق ثابتة لاشك , و كيف لا؟ و قد اخبر بها
الكتاب الذي لاياتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه و لكن الذي ننكره اشد الانكار هذه الخرافات و
الاساطير التي حيكت حولهم , و تدسست الى المرويات الاسلامية , و اللّه و رسوله بريئان منها, و
انما هي من اخبار بني اسرائيل و اكاذيبهم , و تحريفاتهم .

25ـ الاسرائيليات في قصة بلقيس ملكة سبا

و من الاسرائيليات ما ذكره بعض المفسرين , عند تفسير قوله تعالى : (قيل لها ادخلي الصرح فلما راتـه حسبته لجة و كشفت عن ساقيها قال انه صرح ممرد من قوارير قالت رب اني ظلمت نفسي و
اسلمت مع سليمان للّه رب العالمين ) ((522)) .

فـقـد ذكر ابن جرير, و الثعلبي , و البغوي , و الخازن , و غيرهم ((ان سليمان اراد ان يتزوجها,
فـقـيل له : ان رجليها كحافرالحمار, و هي شعرا الساقين , فامرهم , فبنوا له هذا القصر على هذه
الـصفة , فلما راته حسبته لجة , و كشفت عن ساقيهالتخوضه , فنظر سليمان , فاذا هي احسن الناس
قـدمـا و سـاقـا, الا انـهـا كـانـت شـعرا الساقين , فكره ذلك , فسال الانس , ما يذهب هذا؟ قالوا :
الـمـوسـى ((523)) , فـقـالت بلقيس : لم تمسني حديدة قط, و كره سليمان ذلك , خشية ان تقطع
سـاقـيـهـا, فسال الجن ,فقالوا : لاندري , ثم سال الشياطين فقالوا : انا نحتال لك حتى تكون كالفضة
البيضا, فاتخذوا لها النورة ((524)) و الحمام , فكانت النورة و الحمام من يومئذ)) ((525)) .

و قـد روي هـذا عـن ابـن عـبـاس ـ رضوان اللّه عليه ـ و مجاهد, و عكرمة , و محمد بن كعب
القرظي , و السدي , و ابن جريج و غيرهم .

و روي ايـضـا انـها سالت سيدنا سليمان عن امرين , قالت له : اريد ما ليس من ارض و لا من سما فسال سليمان الانس ,ثم الجن , ثم الشياطين , فقالت الشياطين : هذا هين , اجر الخيل , ثم خذ عرقها,
ثم املا منه الانية , فامر بالخيل فاجريت , ثم اخذالعرق , فملا منه الانية و سـالـته عن لون اللّه فوثب سليمان عن سريره , و فزع من السؤال , و قال : لقد سالتني يا رب عن
امر, انه ليتعاظم في قلبي ان اذكره لك , و لكن اللّه انساه , و انساهم ما سالته عنه .

و ان الـشـيـاطـيـن خافوا لو تزوجها سليمان , و جات بولد, ان يبقوا في عبوديته , فصنعوا له هذا
الـصـرح الـمـمـرد ((526)) , فظنته ما, فكشفت عن ساقيها لتعبره , فاذا هي شعرا, فاستشارهم
سليمان , ما يذهبه ؟ فجعلت له الشياطين النورة ((527)) .

قال ابن كثير في تفسيره , بعد ان ذكر بعض المرويات : و الاقرب في مثل هذه السياقات انها متلقاة
عـن اهـل الكتاب , مماوجد في صحفهم , كرواية كعب , و وهب , فيما نقلاه الى هذه الامة من اخبار
بني اسرائيل من الاوابد ((528)) , و الغرائب ,و العجائب مما كان , و ما لم يكن , و مما حرف , و بدل ,
و نسخ و قد اغنانا اللّه عن ذلك بما هو اصح منه , و انفع , و اوضح ,و ابلغ , و للّه الحمد و المنة .

و الـحق ان سليمان (ع ) اراد ببنائه الصرح ان يريها عظمة ملكه , و سلطانه , و ان اللّه ـ سبحانه و
تعالى ـ اعطاه من الملك , و من اسباب العمران و الحضارة ما لم يعطها, فضلا عن النبوة التي هي فوق
الملك , و التي دونها اية نعمة , و حاشالسليمان (ع ) و هو الذي سال اللّه ان يعطيه حكما يوافق حكمه
ـ اي اللّه ـ , فـاوتيه ان يتحايل هذا التحايل , حتى ينظر الى ما حرم اللّه عليه , و هما ساقاها, و هو
اجل من ذلك و اسمى .

و لـولا انها رات من سليمان ما كان عليه من الدين المتين , و الخلق الرفيع , لمااذعنت اليه لم ا دعاها
الى اللّه الواحد الحق ,و لماندمت على ما فرط منها من عبادة الكواكب و الشمس , و اسلمت مع سليمان
للّه رب العالمين .

26ـ الاسرائيليات في هدية ملكة سبا لسيدنا سليمان

و مـن الاسـرائيـلـيات ما ذكره كثير من المفسرين , كابن جرير, و الثعلبي , و البغوي , و صاحب ((الدر)), في الهدية التي ارسلتهابلقيس الى سيدنا سليمان (ع ), و اليك ما ذكره البغوي في تفسيره ,
و ذلك عند تفسير قوله تعالى : (و اني مرسلة اليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون ) ((529)) .

قال البغوي :.

فاهدت اليه وصفا و وصائف قال ابن عباس : البستهم لباسا واحدا كي لايعرف الذكر من الانثى و قال
مجاهد : البس الغلمان لباس الجواري , و البس الجواري البسة الغلمان و اختلفوا في عددهم , فقال ابن
عباس : مائة وصيف , و مائة وصيفة ((530)) و قال مجاهد و مقاتل : مئتا غلام , و مئتا جارية و قال
قتادة و سعيد بن جبير و غيرهما : ارسلت اليه بلبنة من ذهب في حرير, و ديباج .

و قـال وهب و غيره : عمدت بلقيس الى خمسمائة غلام , و خمسمائة جارية , فالبست الغلمان لباس
الـجـواري , و جـعـلت في سواعدهم اساور من ذهب , و في اعناقهم اطواقا من ذهب , و في آذانهم
اقراطا, و شتوفا مرصعات بانواع الجواهرو البست الجواري لباس الغلمان : الاقبية و المناطق , و
حملت الجواري على خمسمائة رمكة ((531)) , و الغلمان على خمسمائة برذون ((532)) , على
كـل فـرس لـجـام من ذهب مرصع بالجواهر, و غواشيها من الديباج الملون و بعثت اليه خمسمائة
لبنة من ذهب و خمسمائة لبنة من فضة , و تاجا مكللا بالدر و الياقوت و ارسلت اليه المسك و العنبر
و الـعـود, و عـمدت الى حقة ,فجعلت فيها درة ثمينة غيرمثقوبة , و خرزة مثقوبة معوجة الثقب و
ارسـلت مع الهدية رجالا من عقلا قومها, و كتبت معهم كتابا الى سليمان بالهدية و قالت : ان كنت نبيا
فميز لي بين الوصائف و الوصفا, و اخبرني بما في الحقة قبل ان تفتحها,و اثقب الدر ثقبا مستويا, و
ادخل خيطا في الخرزة المثقوبة من غير علاج انس و لا جن .

و رووا ايضا : ان سليمان (ع ) امر الجن ان يضربوا لبنات الذهب و لبنات الفضة , ففعلوا, ثم امرهم
ان يفرشوا الطريق من موضعه الذي هو فيه الى تسعة فراسخ ميدانا واحدا, بلبنات الذهب و الفضة و ان يـعدوا في الميدان اعجب دواب البرو البحر, فاعدوها ثم قعد على سريره , و امر الشياطين
ان يـصـطفوا صفوفا فراسخ , و امر الانس فاصطفوا فراسخ , و امرالوحوش و السباع و الهوام و
الـطـيـر, فـاصـطـفـوا فـراسخ عن يمينه و عن يساره , فلما دنا القوم من الميدان , و نظروا الى
مـلـك سـلـيـمان , و راوا الدواب التي لم تر اعينهم مثلها تروث على لبن الذهب و الفضة , تقاصرت
انـفـسهم , و رموا بما معهم من الهداياثم كان ان استعان سليمان بجبريل و الشياطين , و الارضة في
الاجابة عما سالته عنه ((533)) .

و معظم ذلك مما لانشك انه من الاسرائيليات المكذوبة ((534)) , و اي ملك في الدنيا يتسع لفرش
تـسـعـة فراسخ بلبنات الذهب و الفضة ؟ الـمـرويـات و ان مـن روى ذلـك من السلف فانمااخذه عن مسلمة اهل الكتاب و ماكان اجدر بكتب
التفسير ان تنزه عن مثل هذا اللغو و الخرافات التي تدسست الى الرواية الاسلامية فاسات اليها.

27ـ الاسرائيليات في قصة الذبيح و انه اسحاق

و مـن الاسـرائيـليات ما يذكره كثير من المفسرين , عند تفسير قوله تعالى : (و قال اني ذاهب الى ربـي سيهدين رب هب لى من الصالحين فبشرناه بغلا م حليم , فلما بلغ معه السعى قال يا بنى اني ارى
فـي الـمنام اني اذبحك فانظر ماذا ترى قال يابت افعل ما تؤمر ستجدني ان ش اللّه من الصابرين فلما
اسـلـمـا و تـلـه لـلـجـبـيـن ((535)) و ناديناه ان ي ابراهيم قد صدقت الرؤيا اناكذلك نجزي
الـمـحـسـنـين ان هذا لهو البلا المبين و فديناه بذبح عظيم و تركنا عليه في الا خرين سلا م على
ابـراهـيـم كـذلك نجزي المحسنين ان ه من عبادنا المؤمنين و بشرناه باسحاق نبيا من الصالحين و
باركنا عليه و على اسحاق و من ذريتهمامحسن و ظالم لنفسه مبين ) ((536)) .

فـقـد روى كـثـيـر مـن المفسرين , منهم ابن جرير ((537)) , و البغوي ((538)) , و صاحب
((الـدر)) ((539)) فـي هـذا روايات كثيرة , عن بعض الصحابة و التابعين و كعب الاحبار : ان
الذبيح هو اسحاق .

و لم يقف الامر عند الموقوف على الصحابة و التابعين , بل رفعوا ذلك زورا الى النبي (ص ).

روى ابـن جـريـر, عـن ابـي كريب , عن زيد بن حباب , عن الحسن بن دينار, عن علي بن زيد بن
جدعان , عن الحسن , عن الاحنف بن قيس عن العباس بن عبدالمطلب , عن النبي (ص ) قال : ((الذبيح
اسحاق )).

و هو حديث ضعيف ساقط لايصح الاحتجاج به , فالحسن بن دينار متروك , و شيخه علي بن زيد بن
جدعان منكرالحديث ((540)) .

و اخـرج الـديـلمي في مسند الفردوس بسنده عن ابي سعيد الخدري , قال : قال رسول اللّه (ص ) :
((ان داود سـال ربـه مسالة ,فقال : اجعلني مثل ابراهيم , واسحاق , ويعقوب , فاوحى اللّه اليه : اني
ابتليت ابراهيم بالنار فصبر, و ابتليت اسحاق بالذبح فصبر, و ابتليت يعقوب فصبر)).

و بما اخرجه الدارقطني , و الديلمي في مسند الفردوس بسندهما عن ابن مسعود, قال : قال رسول
اللّه (ص ) : ((الذبيح اسحاق )).

و هي احاديث لاتصح و لاتثبت , و احاديث الديلمي في مسند الفردوس شانها معروف , و الدارقطني
ربما يخرج في سننه ما هو موضوع ((541)) .

و اخـرج الـطبراني في ((الاوسط)), و ابن ابي حاتم في تفسيره , من طريق الوليد ابن مسلم , عن
عبدالرحمان بن زيد بن اسلم , عن ابيه عن عطا بن يسار, عن ابي هريرة , قال : قال رسول اللّه (ص )
: ((ان اللّه تـعالى خيرني بين ان يغفر لنصف امتي او شفاعتي , فاخترت شفاعتي و رجوت ان تكون
اعـم لامـتي , و لولا الذي سبقني اليه العبد الصالح لعجلت دعوتي , ان اللّه تعالى لما فرج عن اسحاق
كـرب الـذبـح قيل له يا اسحاق : سل تعطه قال : اما واللّه لاتعجلنها قبل نزغات الشيطان , اللهم من
مات لايشرك باللّه شيئا قد احسن فاغفر له )) ((542)) .

و عبدالرحمان بن زيد, بن اسلم , ضعيف , و يروي المنكرات , و الغرائب فلايحتج بمروياته و قال
ابـن كـثير : الحديث غريب منكر, و اخشى ان يكون فيه زيادة مدرجة , و هو قوله : ((ان اللّه لما
فـرج )) و ان كان محفوظا, فالاشبه انه اسماعيل ,و حرفوه باسحاق , الى غير ذلك من الاخبار, و
فـيـهـا مـن الموقوف و الضعيف , و الموضوع كثير و متى صح حديث مرفوع في ان الذبيح اسحاق
قبلناه , و وضعناه على العين و الراس , و لكنها كما رايت لم يصح منها شي .

و الحق ان المرويات في ان الذبيح اسحاق هي من اسرائيليات اهل الكتاب , و قد نقلها من اسلم منهم ,
كـكعب الاحبارو حملها عنهم بعض الصحابة و التابعين تحسينا للظن بهم , فذهبوا اليه و جا بعدهم
الـعـلـمـا فاغتروا بها, و ذهبوا الى ان الذبيح اسحاق ((543)) و ما من كتاب من كتب التفسير, و
السير, و التواريخ الا و يذكر فيه الخلاف بين السلف في هذا, الا ان منهم من يعقب ببيان وجه الحق
في هذا, و منهم من لايعقب اقتناعا بها, او تسليما لها.

و حـقـيـقة هذه المرويات انها من وضع اهل الكتاب , لعداوتهم المتاصلة من قديم الزمان للنبي الامي
الـعـربي , فقد ارادوا ان لايكون لاسماعيل الجد الاعلى للنبي فضل انه الذبيح حتى لاينجر ذلك الى
النبي (ص ), و الى المسلمين .

تحريفهم للتوراة

و لاجـل ان يكون هذا الفضل لجدهم اسحاق (ع ) لا لاخيه اسماعيل حرفوا التوراة في هذا, و لكن اللّه ابـى الا ان يغفلوا عمايدل على هذه الجريمة النكرا, و الجاني غالبا يترك من الاثار ما يدل على
جـريـمته , و الحق يبقى له شعاع , و لو خافت , يدل عليه , مهما حاول المبطلون اخفا نوره , و طمس
مـعالمه فقد حذفوا من التوراة لفظ ((اسماعيل )), و وضعوا بدله لفظ ((اسحاق )),و لكنهم غفلوا
عن كلمة كشفت عن هذا التزوير, و ذاك الدس المشين .

نص التوراة

ففي التوراة (الاصحاح الثاني و العشرون ـ فقره 2) : ((فقال الرب : خذ ابنك وحيدك الذي تحبه اسـحـاق , و اذهـب الـى ارض الـمـريـا, و اصـعـده هناك محرقة على احد الجبال الذي اقول لك
)) ((544)) .

و لـيـس ادل عـلى كذب هذا, من كلمة ((وحيدك )), و اسحاق (ع ) لم يكن وحيدا قط لاسماعيل نحو اربع عشرة سنة , كما هو صريح توراتهم في هذا و قد بقي اسماعيل (ع ) حتى مات
ابوه الخليل , و حضر وفاته , و دفنه , و اليك ما ورد في هذا :.

ففي سفر التكوين (الاصحاح السادس عشر الفقرة 16) ما نصه :.

((و كان ابرام ـ يعني ابراهيم ـ ابن ست و ثمانين سنة , لما ولدت هاجر اسماعيل لابرام )), و في
سـفر التكوين : (الاصحاح الحادي و العشرون فقرة 5) ما نصه : ((و كان ابراهيم ابن مائة سنة ,
حين ولد له اسحاق ابنه )).

و في الفقرة (9) و ما بعدها ما نصه :.

(9) ورات سـارة ابن هاجر المصرية الذي ولدته لابراهيم يمرح (10) فقالت لابراهيم : اطرد
هـذه الـجارية و ابنها, لان ابن هذه الجارية لايرث مع ابني اسحاق (11) فقبح الكلام جدا في عيني
ابراهيم لسبب ابنه (12) فقال اللّه لابراهيم : لايقبح في عينيك من اجل الغلام , و من اجل جاريتك ,
فـي كـل مـا تقول سارة اسمع لقولها, لانه باسحاق يدعى لك نسل (13) و ابن الجارية ايضا ساجعله
امة , لانه نسلك )) ((545)) الى آخر القصة .

فما قولكم يا ايها اليهود المحرفون ؟ هـي مـن توراتكم التي تعتقدون صحتها, و تزعمون انها ليست محرفة بروايات ان الذبيح اسحاق , بعد ما تاكدتم تحريف التوراة في هذا؟.

و قـد دل الـقـرآن الكريم , و دلت التوراة , و رواية البخاري و غيره على ان الخليل ابراهيم (ع )
اسـكـن هاجر و ابنها عند مكان البيت المحرم , حيث بنى فيما بعد, و قامت مكة بجواره و قد عبرت
الـتوراة بانهما كانا في برية فاران , و فاران هي مكة , كما يعبرعنها في العهد القديم و هذا هو الحق
فـي ان قصة الذبح كان مسرحها بمكة و منى , و فيها يذبح الحجاج ذبائحهم اليوم و قدحرف اليهود
النص الاول و جعلوه ((جبل المريا)), و هو الذي تقع عليه مدينة اورشليم القديمة ـ مدينة القدس
اليوم ـ ليتم لهم ما ارادوا, فابى الحق الا ان يظهر تحريفهم و قـد ذكـر ابـن كثير : ان في بعض نسخ التوراة ((بكرك )) ((546)) بدل ((وحيدك )) و هو
اظهر في البطلان , و ادل على التحريف , اذلم يكن اسحاق بكرا للخليل بنص التوراة , كما ذكرنا آنفا
.

الذبيح هو اسماعيل (ع )

و الـحـق ان الـذبيح هو اسماعيل (ع ), و هو الذي يدل عليه ظواهر الايات القرآنية , و الاثار عن الصحابة و التابعين , و منها ماله حكم الرفع بتقرير النبي (ص ) له .

/ 28