شيبة , قال : كنت اطوف بالبيت و رجل من قدامي يقول : اللهم اغفر لي , و مااراك تفعل قـنـوطـك اكـثـر من ذنبك ؟ خمسين حديثا, و طارت في الناس , ما اقدر ان ارد منها شيئاو قال ابن لهيعة : دخلت على شيخ و هو
يـبـكـي فـقلت : ما يبكيك ؟ فقال : وضعت اربعمائة حديث ادرجتها ادراجا مع الناس ,فلاادري كيف
اصنع ؟ ((41)) .2ـ الـوضـع لـنصرة المذاهب في اصول الدين و فروعه فان المذاهب و الارا لما تشعبت , جعل كل
فـريق يستفرغ ما بوسعه لاثبات مذهبه و دعم عقيدته , لاسيما بعد ما فتح باب المجادلة و المناظرة
فـي الـمـذاهـب و الارا و لم يكن المقصود من ذلك الا افحام الجانب الاخر مهما بلغ ثمن ذلك , و لو
بالحط من كرامة الدين .فقد روى ابن الجوزي باسناده الى الدارقطني عن ابي حاتم ابن حبان , قال : سمعت عبد اللّه بن علي
يـقول : سمعت محمد بن احمد بن الجنيد يقول : سمعت عبد اللّه بن يزيد المعري يقول عن رجل من
اهـل الـبدع رجع عن بدعته , فجعل يقول : انظروا هذا الحديث ممن تاخذونه , فانا كنا اذا راينا رايا
جعلنا له حديثا.و بـاسناده الى ابن لهيعة قال : سمعت شيخا من الخوارج تاب و رجع , و هو يقول : ان هذه الاحاديث
ديـن , فانظروا عمن تاخذون دينكم , فانا كنا اذا هوينا امرا صيرناه حديثا و عن آخر, قال : كنا اذا
اجـتمعنا استحسنا شيئا جعلناه حديثا ((42)) قال ابورية : و ليس الوضع لنصرة المذاهب محصورا
فـي الـمـبـتـدعة و اهل المذاهب في الاصول , بل ان من اهل السنة المختلفين في الفروع من وضع
احاديث كثيرة لنصرة مذهبه او تعظيم امامه .مـن ذلك ما رواه الاحناف , قدحا في الشافعي و مدحا لابي حنيفة , باسناد رفعوه الى ابي هريرة عن
النبي (ص ) : ((يكون في امتي رجل يقال له : محمد بن ادريس , اضر على امتي من ابليس و يكون في
امتي رجل يقال له : ابوحنيفة , هو سراج امتي )).و قـد رواه الخطيب مقتصرا على ما ذكروه في ابي حنيفة , و قال : موضوع وضعه محمد بن سعيد
الـمـروزي البورقي ,و هكذا حدث به في بلاد خراسان ثم حدث به في العراق , و زاد فيه : ((و
سيكون في امتي رجل يقال له : محمد بن ادريس ,فتنته اضر على امتي من فتنة ابليس )).قـال ابـوريـة : و هـذا الافك مما لايحتاج الى بيان بطلانه , و مع هذا تجد فقها الاحناف المعتبرين
يـذكـرون فـي كتبهم الفقهية شق الحديث الذي يصف ابا حنيفة بانه سراج الامة و يسكنون اليه , بل
يستدلون به على تعظيم امامهم على سائر الائمة .الامر الذي اضطر الشافعية ازا ذلك ان يضعوا في امامهم حديثا يفضلونه على كل امام , و هذا نصه :
((اكرموا قريشا فان عالمها يملا طباق الارض علما)) و انصار الامام مالك لم يلبثوا ان وضعوا في
امـامـهـم هـذا الـحـديـث : ((يخرج الناس من المشرق الى المغرب , فلايجدون اعلم من عالم اهل
المدينة )) و احاديث مشابهة وضعوها بهذا الشان ((43)) .هذا فضلا عن الدس و التزوير فى الاحاديث لنصرة المذهب .هـذا ابوالعباس القرطبي ـ في شرح صحيح مسلم ـ يقول : اجاز بعض فقها اهل الراي , نسبة الحكم
الذي دل عليه القياس الجلى الى رسول اللّه (ص ) نسبة قولية فيقولون في ذلك : قال رسول اللّه (ص ) :
كـذا و كـذا, و لـهـذا نرى كتبهم مشحونة باحاديث تشهد متونها بانها موضوعة , لانها تشبه فتاوي
الفقها, و لاتليق بجزالة كلام سيد المرسلين , كما لايقيمون لها اسنادا.قـال ابـوشامة في مختصر كتابه ((المؤمل )): مما يفعله شيوخ الفقه في الاحاديث النبوية و الاثار
الـمـرويـة , كثرة استدلالهم بالاحاديث الضعيفة على ما يذهبون اليه , نصرة لقولهم , و ينقصون في
الفاظ الحديث , و تارة يزيدون فيه قال : و ما اكثره في كتب ابي المعالي و صاحبه ابي حامد ((44))
.3ـ شـدة الـتـرهـيب و زيادة الترغيب لاجل هداية الناس فقد تساهل الوعاظ و علما الاخلاق في
تـصـحـيـح ما يروونه بهذاالشان , و ربما تنازل بعضهم فاجاز الاختلاق في ذلك , مادام الغرض هو
هـدايـة الناس , و ليس اغواهم فقد كان الوضع للّه , و برربعضهم ذلك بانه انما كذب لرسول اللّه و
لم يكذب عليه .يـقـول ابـوريـة عـن العباد و الصوفية : انه راجت عليهم الاكاذيب و حدثوا عن غير معرفة و لا
بصيرة , فيجب ان لايعتمد على الاحاديث التي حشيت بها كتب الوعظ و الرقائق و التصوف , من غير
بـيـان تخريجها و درجتها و لايختص هذا الحكم بالكتب التي لايعرف لمؤلفها قدم في العلم , ككتاب
((نـزهـة الـمـجـالـس )) المملؤ بالاكاذيب في الحديث و غيره بل ان كتب ائمة العلماك((الاحيا
للغزالي )) لاتخلو من الموضوعات الكثيرة ((45)) .قـلـت : و هكذا بعض كتب الوعظ و الارشاد عندنا, ككتاب ((الانوار النعمانية )) للسيد نعمة اللّه
الـجـزائري , مـمـلؤ بالاكاذيب و المخاريق , و مثله كتاب ((خزائن الجواهر)) للشيخ علي اكبر
النهاوندي فيه من المخاريق الطامات و ايضا كتب المقاتل و المراثي من المتاخرين , ككتاب ((محرق
الـقـلـوب )) لـلـمـولى مهدي النراقي , و كتاب ((اسرار الشهادة )) لاقا بن عابد الدربندي المملؤ
بـالاكـاذيـب و الـطـامات و امثال هذه الكتب كثير مع الاسف , كتبتها ايدي اناس ضعاف العقول , ممن
تساهلوا في امرالدين , و هم يحسبون انهم يحسنون صنعا, سامحهم اللّه .اخـرج ابـن الـجوزي باسناده الى محمود بن غيلان قال : سمعت مؤملا يقول : حدثني شيخ بفضائل
سور القرآن الذي يروى عن ابي بن كعب فقلت للشيخ : من حدثك ؟ قال : حدثني رجل بالمدائن و هو
حـي , فـصـرت اليه فقال : حدثني شيخ بواسطو هو حى , فصرت اليه فقال : حدثني شيخ بالبصرة ,
فـصـرت الـيـه فـقال : حدثني شيخ بعبادان , فصرت اليه فاخذ بيدي فادخلني بيتا فاذا فيه قوم من
الـمتصوفة و معهم شيخ فقال : هذا الشيخ حدثني فقلت : يا شيخ من حدثك ؟ فقال : لم يحدثني احد,و
لـكـنـا رايـنـا الـنـاس قـد رغـبـوا عن القرآن , فوضعنا لهم هذا الحديث ليصرفوا وجوههم الى
القرآن ((46)) .و من ثم قال يحيى بن سعيد القطان : لم نر الصالحين في شئ اكذب منهم في الحديث .و اوله مسلم بانه يجري الكذب على لسانهم و لايتعمدون الكذب ((47)) .قـال الـقـرطبي في ((التذكار)) لا التفات لما وضعه الواضعون و اختلقه المختلقون من الاحاديث
الـكـاذبـة و الاخـبار الباطلة في فضل سور القرآن , و غير ذلك من فضائل الاعمال , و قد ارتكبها
جـمـاعة كثيرة وضعوا الحديث حسبة ـ كما زعموا ـ يدعون الناس الى فضائل الاعمال , كما روي
عـن ابـي عـصـمة نوح بن ابي مريم المروزي و محمد بن عكاشة الكرماني , و احمد بن عبد اللّه
الـجـويـبـاري , و غـيرهم قيل لابي عصمة : من اين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضل سور
الـقـرآن سورة سورة ؟ فقال :اني رايت الناس قد اعرضوا عن القرآن و اشتغلوا بفقه ابي حنيفة و
مغازي محمد بن اسحاق , فوضعت هذا الحديث حسبة و قـال : قد ذكر الحاكم و غيره من شيوخ المحدثين : ان رجلا من الزهاد انتدب في وضع احاديث
فـي فـضل القرآن و سوره فقيل له : لم فعلت هذا؟ فقال : رايت الناس زهدوا في القرآن فاحببت ان
ارغـبهم فيه انا ما كذبت عليه , انما كذبت له .قال تحذيرا من الاحاديث الموضوعة : و اعظمهم ضررا, قوم منسوبون الى الزهد, وضعوا الحديث
حسبة ((48)) .و هذا ميسرة بن عبد ربه ـ كان كذابا وضاعا ـ وضع في فضل قزوين اربعين حديثا قال ابوزرعة :
كان يقول : اني احتسب في ذلك و قال ابن الطباع : قلت لميسرة : من اين جئت بهذه الاحاديث : ((من
قرا كذا فله كذا))؟ قال : وضعته ارغب الناس فيه و قد وصفه جماعة بالزهد.و هكذا كان الحسن ـ الراوي عن المسيب بن واضح ـ ممن يضع الحديث حسبة .و كان نعيم بن حماد يضع الحديث في تقوية السنة ((49)) .و كـان الـهيثم الطائي يقوم عامة الليل بالصلاة , فاذا اصبح يجلس و يكذب , و امثاله كثير من الزهاد
كانوا من الوضاعين حسبة للّه فيما زعموا ((50)) .قـال ابن الجوزي : منهم قوم وضعوا الاحاديث في الترغيب و الترهيب , ليحثوا الناس بزعمهم على
الخير و يزجروهم عن الشر و هذا تعاط على الشريعة , و مضمون فعلهم ان الشريعة ناقصة تحتاج
الى تتمة , فقد اتممناها ثم اسند الى ابي عبداللّه النهاوندي , قال : قلت لغلام خليل : هذه الاحاديث التي
تحدث بها من الرقائق ؟ فقال : وضعناها لنرقق بها قلوب العامة و كان غلام خليل هذا يتزهد و يهجن
شهوات الدنيا و يتقوت الباقلا تصوفا و غلقت اسواق بغداد يوم موته ((51)) .4ـ وضـع الحديث تزلفا لدى الامرا كان بعض ضعفا النفوس من المحدثين الضعيفي الايمان يتزلفون
لدى الامراو السلاطين , بوضع احاديث تروقهم , او تشيد من شناعاتهم في السياسة و الحكم .كان الرشيد يعجبه الحمام و اللهو به , فاهدي اليه حمام , و عنده ابوالبختري القاضي ((52)) , فقال
: روى ابـوهريرة عن النبي انه قال : لا سبق الا في خف او حافر او جناح فزاد جناح و قد وضعها
تـزلفا لدي الرشيد, فاعطاه جائزة سنية و لما خرج قال الرشيد : واللّه لقد علمت انه كذاب , و امر
بـالـحمام ان يذبح فقيل له : و ما ذنب الحمام ؟ قال : من اجله كذب على رسول اللّه (ص ) ((53)) و
حكى ابن الجوزي نظير هذه القصة لغياث بن ابراهيم بمحضر المهدي العباسي ((54)) .و هكذا حدث الرشيد : ان جعفر بن محمد حدثه عن ابيه : ان جبرائيل نزل على النبي (ص ) و عليه
قبا اسود و منطقة و انما قال ذلك , لان ذلك كان شعار العباسيين فدخل يحيى بن معين , فقال له : كذبت
يا عدو اللّه , و قال للشرطية خذوه فقال فيه المعافى التميمي :.
ويل و عول لابي البختري
من قوله الزور و اعلانه
بالكذب في الناس على جعفر.
اذا توافى الناس في المحشر.
بالكذب في الناس على جعفر.
بالكذب في الناس على جعفر.
منه ((55)) .و روى ابن الجوزي عن زكريا بن يحيى الساجي , قال : بلغني ان ابا البختري دخل على الرشيد ـ و
هـو قـاض ـ و هـارون اذذاك يطير الحمام , فقال : هل تحفظ في هذا شيئا؟ فقال : حدثني هشام بن
عروة عن ابيه عن عائشة : ((ان النبي (ص ) كان يطيرالحمام )) فقال هارون : اخرج عني ثم قال :
لولا انه رجل من قريش لعزلته .قـال ابـن الـجـوزي : هـذا الـحـديث من عمل ابي البختري , و اسمه وهب بن وهب كان من كبار
الوضاعين ((56)) .و روى حـديـث القبا الاسود, قال : لما قدم الرشيد المدينة اعظم ان يرقى منبر النبي (ص ) في قبا
اسـود و مـنـطـقـة فـقال ابوالبختري : ((حدثنا جعفر بن محمد عن ابيه قال : نزل جبرئيل على
النبي (ص ) و عليه قبا اسود و منطقة , محتجزا فيهابخنجر)).قـال يـحيى بن معين : وقفت على حلقة ابي البختري و هو يحدث بهذا الحديث , مسندا عن جعفر بن
مـحمد عن ابيه عن جابر فقلت له : كذبت يا عدو اللّه , على رسول اللّه قال : فاخذني الشرط فقلت :
هـذا يـزعـم ان رسـول رب العالمين نزل على النبي و عليه قبا فقالوا لي : هذا واللّه قاص كذاب و
افرجوا عني ((57)) .و الاحـاديـث فـي اولاد العباس و ملكهم , و لا سيما الزي العباسي الذي تزيا به جبرائيل , كثيرة ,
اوردها ابن الجوزي في موضوعاته و فندها خير تفنيد فراجع ((58)) .5ـ الـوضع نزولا مع سياسة الطغاة كان معاويه اول من وضع سياسته على وضع الاحاديث و قلبها,
تمشية مع اهدافه المرتذلة , في التغلب على واقع الاسلام الرفيع .قال الاستاذ ابورية : لابد لنا ان نكشف عن ناحية خطيرة من نواحي الوضع في الحديث , كان لها اثر
بـعـيد في الحياة الاسلامية , و لايزال هذا الاثر يعمل عمله في الافكار العفنة و العقول المتخلفة و
الـنـفـوس الـمـتعصبة ذلك ان السياسة قد دخلت في هذا الامر, و اثرت فيه تاثيرا بالغا, فسخرته
ليؤيدها في حكمها, و جعلته من اقوى الدعائم لاقامة بنائها.و قـد علا موج هذا الوضع السياسي و طغا ماؤه في عهد معاوية الذي اعان عليه و ساعده بنفوذه و
مـاله , فلم يقف وضاع الحديث عند بيان فضله و الاشادة بذكره , بل امعنوا في مناصرته , والتعصب له ,
حـتـى رفعوا مقام الشام الذي يحكمه الى درجة لم تبلغها مدينة الرسول (ص ) و لا البلد الحرام الذي
ولد فيه و اسرفوا في ذلك اسرافا كثيرا, و اكثروا حتى الفت في ذلك مصنفات ((59)) .و ذكر ابن ابي الحديد عن شيخه ابي جعفر الاسكافي : ان معاوية وضع قوما من الصحابة و قوما من
التابعين , على رواية اخبار قبيحة في علي (ع ) تقتضي الطعن فيه و البراة منه , و جعل لهم على ذلك
جعلا يرغب في مثله , فاختلقوا ما ارضاه منهم :ابوهريرة , و عمروبن العاص , و المغيرة بن شعبة , و
من التابعين عروة بن الزبير.روى الـزهري ان عروة بن الزبير حدثه , قال : حدثتني عائشة , قالت : كنت عند رسول اللّه (ص )
اذ اقبل العباس و علي فقال : يا عائشة , ان هذين يموتان على غير ملتي ـ او قال ـ غير ديني .و فـي حـديث آخر عنه , قال : حدثتني عائشة , قالت : كنت عند النبي (ص ) اذ اقبل العباس و علي ,
فقال : يا عائشة , ان سرك ان تنظري الى رجلين من اهل النار, فانظري الى هذين قد طلعا.و امـا عـمـرو بـن الـعـاص فـقـد اخـرج عـنه البخاري و مسلم باسناد متصل اليه , قال : سمعت
رسول اللّه (ص ) يقول : ((ان آل ابي طالب ليسوا لي باوليا انما وليى اللّه و صالح المؤمنين )).و امـا ابـوهـريـرة فـروي عـنـه الـحديث الذي معناه : ان عليا(ع ) خطب ابنة ابي جهل في حياة
رسـول اللّه (ص ) فـاسخطه ,فخطب , و قال : لاها اللّه , لاتجتمع ابنة ولي اللّه و ابنة عدو اللّه ابي
جهل , ان فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها فان كان علي يريد ابنة ابي جهل فليفارق ابنتي , و ليفعل
ما يريد.و ايـضـا روى ابـو جـعـفـر عـن الاعـمـش قـال : لـمـا قـدم ابوهريرة العراق مع معاوية عام
الـجماعة ((60)) , جا الى مسجد الكوفة ,فلما راى كثرة من استقبله من الناس جثا على ركبتيه , ثم
ضرب صلعته مرارا, و قال : يا اهل العراق , اتزعمون اني اكذب على اللّه و على رسوله ((61)) و
احـرق نـفـسـي بالنار بالمدينة ما بين عير الى ثور فمن احدث فيها حدثا فعليه لعنة اللّه و الملائكة و الناس اجمعين )), و
اشهد ان عليا احدث فيهافلما بلغ معاوية قوله اجازه و اكرمه و ولا ه امارة المدينة ((62)) .و ايـضـا روى عـن شـيخه ابي جعفر : ان معاوية بذل لسمرة بن جندب ـ الرجل الوقح ـ مائة الف
درهم حتى يروي ان هذه الاية نزلت في علي بن ابي طالب : (و من الناس من يعجبك قوله في الحياة
الدنيا و يشهد اللّه على ما في قلبه و هو الدالخصام و اذا تولى سعى في الا رض ليفسد فيها و يهلك
الحرث و النسل و اللّه لايحب الفساد) ((63)) و ان الاية الاخرى نزلت في ابن ملجم , و هي قوله
تـعـالـى : (و من الن اس من يشري نفسه ابتغا مرضاة اللّه و اللّه رؤوف بالعباد) ((64)) فلم يقبل ,
فـبـذل له مئتي الف درهم فلم يقبل , فبذل له ثلاثمئة الف فلم يقبل , فبذل له اربعمئة الف فقبل , و روى
ذلك ((65)) .نعم كان معاوية يرى لنفسه ما يضاهي به عليا في مثل مقامه و مرتبته , و من ثم كان يحاول الانتشال من
مقامه الوضيع ليتسن ى له المقابلة مع مثل امير المؤمنين (ع ) فكان يجعل الجعائل للوضع في تفضيله و
تفضيل بلاده التي كان يحكمها, و حاضرة ملكه , كان يجهد جهده في ذلك .قال ابورية : و معاوية ـ كما هو معروف ـ اسلم هو و ابوه يوم فتح مكة , فهو بذلك من الطلقا و كان
كـذلك من المؤلفة قلوبهم الذين كانوا ياخذون ثمنا لاسلامهم و هو الذي هدم مبدا الخلافة الرشيدة
في الاسلام , فلم تقم لها من بعده الى اليوم قائمة و قد اتخذ دمشق حاضرة لملكه , و قد وضعوا فيه و
فـي تـفضيل الشام احاديث نسبوها الى رسول اللّه (ص ) نذكر منها : مااخرجه الترمذي ان النبي قال
لمعاوية : اللهم اجعله هاديا مهديا و في حديث آخر ان النبي قال : اللهم علمه الكتاب و الحساب و قه
العذاب ـ و هناك زيادة ـ : و ادخله الجنة .و عـلـى كـثرة ما جا في فضائل معاوية من احاديث لا اصل لها, فان اسحاق بن راهويه و هو الامام
الكبير و شيخ البخاري قد قال : انه لم يصح في فضائل معاوية شي ((66)) .و لـلعلامة الاميني هنا مقال ضاف بشان المغالاة في فضائل معاوية , و قد اردفها بما ورد في ذمه من
احاديث صحاح لامغمز في اسنادها, جعلنا في غنى عن الكلام فيه هنا, فراجع ((67)) .و هكذا ذكر الاستاذ ابورية : ان اشادة كهان اليهود ـ يريد كعبا و اذنابه ـ الى ان ملك النبي سيكون
بالشام انما هو لامر خبئ في انفسهم و قد تبى ن ان الشام ما كان لينال من الاشادة بذكره و الثنا عليه ,
الا لـقـيام دولة بني امية فيه , تلك الدولة التي قلبت الحكم من خلافة عادلة الى ملك عضوض , و التي
تـحـت كـنـفـها و في ايامها نشات الفرق الاسلامية التي فتت في عضد الدولة الاسلامية و مزقتها
تـمزيقا, و استفاض فيها وضع الحديث فكان جديرا بكهنة اليهود ان ينتهزوا هذه الفرصة و ينفخوا
في نارالفتنة , و يمدوها بجيوش الاكاذيب و الكيد و كان من هذه الاكاذيب ان بالغوا في مدح الشام و
اهله , و ان الخير كل الخير فيه ,و الشر كل الشر في غيره ((68)) .و مـمـا قـالـه هـؤلا الكهنة بهذا الشان : ان ملك النبي سيكون بالشام , روى البيهقي في الدلائل عن
ابي هريرة ـ تلميذكعب ـ مرفوعا : الخلافة بالمدينة و الملك بالشام و عن كعب : اهل الشام سيف من
سيوف اللّه ينتقم اللّه بهم ممن عصاه .و من حديث : ستفتح عليكم الشام , فاذا خيرتم المنازل فيها فعليكم بمدينة يقال لها : ((دمشق )) ـ و
هـي حـاضـرة الامـويـيـن ـ فـانـها معقل المسلمين في الملاحم , و فسطاطها منها بارض يقال لها :
((الغوطة )).و قـد جـعـلوا دمشق هذه , هي الربوة التي ذكرت في القرآن الكريم : (و آويناهما الى ربوة ذات
قـرار و مـعين ) ((69)) و ذلك في حديث مرفوع الى النبي (ص ) و قد جعلها ابوهريرة من مدائن
الـجـنـة ايـضـا في حديث رفعه الى النبي (ص ) هذا نصه : ((اربع مدائن من مدائن الجنة : مكة , و
المدينة , و بيت المقدس , و دمشق )) ((70)) .و هـكـذا نـرى معاوية الذي تعلم من كعب كيف يضع الحديث , يصف نفسه بان النبي (ص ) وعده بانه
سـيلي الخلافة من بعده قال في خطبته لم ا عاد من العراق الى الشام بعد بيعة الامام الحسن (ع ) سنة
(41): ((ايـهـا الـنـاس , ان رسـول اللّه (ص ) قـال : انـك ستلي الخلافة من بعدي , فاختر الارض
المقدسة , فان فيها الابدال )) ((71)) قال ابورية : و ماكاد معاوية يذكر ان الشام ارض الابدال الا و
ظـهـرت احـاديـث مـرفـوعـة عـن هـؤلا الابـدال و قـد اوردهـا الـسـيـوطي في ((الجامع
الصغير)) ((72)) .و بذلك نكشف عن جانب خطير من كيد الدها اليهودي للمسلمين و دينهم و ملكهم .ذلك انهم لم يكتفوا بما قالوه في الشام بل زادوا على ذلك بان جعلوا الطائفة الظاهرة على الحق تكون
في الشام كذلك ,و حتى نزول عيسى الذي قالوا عنه : سيكون بارضه .فـقد جا في الصحيحين : ((لاتزال طائفة من امتي ظاهرين على الحق لايضرهم من خذلهم و لا من
خـالـفهم , حتى ياتي امراللّه و هم كذلك روى البخاري : هم بالشام ((73)) و في رواية ابي امامة
الباهلي : انهم لما سالوا النبي قال : بيت المقدس و اكناف بيت المقدس ((74)) .و في مسلم عن ابي هريرة : ان النبي قال : لايزال اهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة
قال احمد و غيره : هم اهل الشام .و فـي ((كـشـف الخفا)) : ان كعب الاحبار قال : اهل الشام سيف من سيوف اللّه , ينتقم اللّه بهم من
العصاة .قـال ابـوريـة : و لعل العصاة هنا هم الذين لاينضوون تحت لوا معاوية , ويتبعون غيره و غيره هو
الامام اميرالمؤمنين علي بن ابي طالب (ع ) ((75)) .نعم وجد اهل الحقد على الاسلام في معاوية و الشام ارضية خصبة لبذر النفاق و التفريق بين كلمة
الـمسلمين , فعادواعليا(ع ) حيث وجدوه المثال الاتم لحقيقة الاسلام الناصعة , و افرغوا عداهم له
و للاسلام , في قالب الثنا على معاوية و الشام بلد الابدال , فيما اختلقوه .اخـرج ابـن الـجـوزي مـن طـريق عبد اللّه بن احمد بن حنبل , قال : سالت ابي ما تقول في علي و
مـعـاويـة ؟ فـاطرق , ثم قال :ايش اقول فيهما, ان عليا(ع ) كان كثير الاعدا, ففتش اعداؤه له عيبا
فـلـم يـجـدوا, فـعـمـدوا الـى رجـل ـ يـريـد مـعـاوية ـ قد حاربه و قاتله فاطروه , كيدا منهم
لعلي (ع ) ((76)) .قـال ابـن حـجر : فاشار بهذا الى ما اختلقوه لمعاوية من الفضائل مما لا اصل له قال : و قد ورد في
فضائل معاوية احاديث كثيرة , ليس فيها ما يصح من طريق الاسناد و بذلك جزم اسحاق بن راهوية و
النسائي و غيرهما ((77)) .و من طريف الامر, ان البخاري في كتاب ((الفضائل )) نراه عنون الباب الذي خصه بمعاوية , بقوله
: ((بـاب ذكر معاوية )),و لم يجرا ان يعنونه بلفظة ((الفضائل )) كما في سائر الابواب , و بالفعل
لم يات فيه شيئا مذكورا ((78)) , و هكذا ابن الجوزي ((79)) و غيره و من ثم قال ابن حجر في
الشرح : عبر البخاري في هذه الترجمة بقوله ((ذكر)) و لم يقل : ((فضيلة )) و لا ((منقبة )),
لـكـون ((الـفضيله )) لاتؤخذ من حديث الباب ((80)) , اي لاتستفاد فضيلة من الحديث الذي ذكره
تحت هذه الترجمة , و قد عرفت انه لم يصح فيه حديث .و روى الـذهـبـي قـال : سئل النسائي ـ و هو بدمشق ـ عن فضائل معاوية , فقال : الا يرضى راسا
بـراس , حتى يفضل فتوفى بها ((81)) .و هكذا استمر الحال بعد معاوية مادامت السلطة الاموية قائمة فهذا هشام بن عبد الملك نراه يفرض
عـلـى اتـباعه و متملقيه من علما ذلك العصر ان يرووا ان الاية : (والذي تولى كبره منهم له عذاب
عظيم ) ((82)) نزلت في علي (ع ) فاقروه على ذلك ((83)) .6ـ الـوضـع نـزولا مـع رغبة العامة , و رغبة فيما بايديهم من حطام الدنيا و هذه مهنة القصاصين ,
يقصون على الناس القصص و الاساطير البائدة و يحدثونهم الغرائب و العجائب , ليستدروا ما لديهم
من نقود و اعانات و فضول طعام .و قـد كـان وضـع الـحـديـث لارضـا الناس و ابتغا القبول عندهم , و استمالتهم لحضور مجالسهم
الوعظية , و توسيع حلقاتهم , امرا رائجا و لايزال .قال القرطبي في مقدمة تفسيره : منهم (من الوضاع و الكذابين ) قوم من السؤال و المكدين , يقفون في
الاسواق و المساجد, فيضعون على رسول اللّه (ص ) احاديث باسانيد صحاح قد حفظوها, فيذكرون
الموضوعات بتلك الاسانيد ((84)) .قال ابن الجوزي : هناك قوم شق عليهم الحفظ, فضربوا نقد الوقت , و ربما راوا ان الحفظ معروف ,
فاتوا بما يغرب ممايحصل مقصودهم , فهؤلا قسمان , احدهما : القصاص , و معظم البلا منهم يجري ,
لانـهـم يزيدون احاديث تثقف و ترقق ,و الصحاح يقل فيها هذا ثم ان الحفظ يشق عليهم و يتفق عدم
الـديـن , و مـن يحضرهم جهال , فيقولون و لقد حكى لي فقيهان ثقتان عن بعض قصاص زماننا و كان
يـظهر النسك و التخشع , انه حكى لهما, قال : يوم عاشورا, قال رسول اللّه (ص ) : من فعل اليوم كذا
فله كذا, و من فعل كذا فله كذا, الى آخر المجلس فقالا له : و من اين حفظت هذه الاحاديث ؟ فقال :
و اللّه ما حفظتها,و لااعرفها, بل في وقتي قلتها.قـال : و لاجـرم كان القصاص شديدي النعير, ساقطي الجاه , لايلتفت الناس اليهم , فلا لهم دنيا و لا
آخرة و قد صنف بعض قصاص زماننا كتابا فذكر فيه : ((ان الحسن و الحسين دخلا على عمر بن
الخطاب و هو مشغول , فلما فرغ من شغله رفع راسه فرآهما, فقام فقبلهما, و وهب لكل واحد منهما
الـفا, و قال : اجعلاني في حل , فما عرفت دخولكما, فرجعا و شكراه بين يدي ابيهما على (ع ) فقال
على : سمعت رسول اللّه (ص ) يقول : عمر بن الخطاب نور في الاسلام و سراج لاهل الجنة فرجعا
فحدثاه فدعا بدواة و قرطاس و كتب : بسم اللّه الرحمن الرحيم , حدثني سيدا شباب اهل الجنة عن
ابيهما المرتضى عن جدهماالمصطفى انه قال : عمر نور الاسلام في الدنيا و سراج اهل الجنة في
الجنة و اوصى ان تجعل في كفنه على صدره , فوضع فلمااصبحوا وجدوه على قبره , و فيه : صدق
الـحـسـن و الـحـسين و صدق ابوهما و صدق رسول اللّه (ص ) : عمر نور الاسلام و سراج اهل
الجنة )).قـال ابن الجوزي : و العجب بهذا الذي بلغت به الوقاحة الى ان يضيف مثل هذا و ماكفاه حتى عرضه
على كبار الفقها,فكتبوا عليه تصويب ذلك التصنيف فلا هو عرف ان مثل هذا محال و لا هم عرفوا و
هـذا جـهـل متوفر, علم به انه من اجهل الجهال الذين ما شموا ريح النقل , و لعله قد سمعه من بعض
الطرقيين ((85)) .قال الامام احمد بن حنبل : اكذب الناس السؤال و القصاص .و عن ابي قلابة : ما امات العلم الا القصاص .و كان ابو عبد الرحمان يقول : اتقوا القصاص ((86)) .و كان الذي احدث القصص ـ في المساجد ـ هو معاوية بن ابي سفيان فقد اخرج الزبير بن بكار في
اخـبـار المدينة عن نافع و غيره من اهل العلم , قالوا : انما القصص محدث احدثه معاوية حين كانت
الفتنة ((87)) .لـكـن سيوافيك في قصة الاسرائيليات ان القصص في المساجد, حدث في اواخر عهد عمر, حين
اسـتـجازه تميم الداري فاجازه ان يقص قائما في مسجد المدينة ((88)) و هكذا استمر على عهد
عثمان , حتى كان الامام امير المؤمنين (ع ) هو الذي طردالقصاص من المساجد على عهده ((89)) ,
الامر الذي قد اصر معاوية على تدوامه في المساجد, منذ ان اجازه عمر بن الخطاب .و كـان الذي اشاع القص في المساجد هو كعب الاحبار, حيث انتهز الفرصة ايام الفتنة لبث مخاريقه
بين المسلمين كيدابالاسلام , و ذلك ان وجد من سياسة معاوية امكان اشاعة اساطيره بين الناس .كـان كـعـب قـد تـوعـده عـمر بالنفي الى ارض القردة اذا هو روى اسرائيلياته او ما كان يلصقه
بالنبي (ص ) من احاديث خرافة (ستوافيك في حقل الاسرائيليات )فلم يجد كعب تلقا هذا التهديد مناصا
مـن ان يـذعن في غيظ و موجدة , ثم اخذ يسعى في الخفا لكي يحقق اغراضه التي اسلم من اجلها قال
ابـوريـة : و ما لبث ان اتيحت له فرصة المؤامرة التي دبرتها جمعية سرية لقتل عمر, فاشترك هو
فيها, و نفخ في نارها.فـلـمـا خـلا لـه الجو بقتله , اطلق العنان لنفسه لكي يبث ما شا الكيد اليهودي ان يبث من الخرافات
الاسـرائيـلـيـات الـتي تشوه بها الدين , يعاونه في ذلك تلاميذه الكبار امثال : عبد اللّه بن عمرو بن
العاص , و عبد اللّه بن عمر بن الخطاب , و ابي هريرة .و قد درس هذا الكاهن اليهودي في ملامح معاوية تحقيق اهدافه و امكان رواج اسرائيلياته , فلم يدع
تلك الفرصة ,و اغتنمها منذ عهد عثمان .ذلك انه لما اشتعلت نيران الفتنة في زمن عثمان و اشتد زفيرها, حتى التهمت عثمان فقتلته و هو ـ
اي كـعـب الاحبار ـ في بيته , لم يدع هذا الكاهن الماكر هذه الفرصة تمردون ان يبتهلها, بل اسرع
يـنـفـخ في نارها, و يسهم بكيده اليهودي فيها ما استطاع الى ذلك سبيلا و قد كان من كيده في هذه
الفتنة ان ارهص بيهوديته بان الخلافة بعد عثمان ستكون لمعاوية .فقد روى وكيع عن الاعمش عن ابي صالح : ان الحادي كان يحدو بعثمان يقول :.
ان الامير بعده على
و في الزبير خلق رضي ((90)) .
و في الزبير خلق رضي ((90)) .
و في الزبير خلق رضي ((90)) .
فـاتاه , فقال : يا ابااسحاق ما تقول هذا؟ و هاهنا على و الزبير و اصحاب محمد لعله اردف ذلك بقوله : اني وجدت ذلك في التوراة ـ كما هي عادته .و قدر معاوية هذه اليد الجليلة لكعب , و اخذ يغمره بافضاله .و قـد عـرف مـن تـاريخ هذا الكاهن انه تحول الى الشام في عهد عثمان , و عاش تحت كنف معاوية ,
فاستصفاه معاوية لنفسه و جعله من خلصائه , لكي يروي من اكاذيبه و اسرائيلياته ما شا ان يروي في
قصصه , لتاييده , و تثبيت قوائم دولته .و قـد ذكـر ابـن حجر العسقلاني بان معاوية هو الذي امر كعبا بان يقص في الشام ((91)) و هو
الذي بث احاديث تفضيل الشام و اهلها, سوا بنفسه او على يد تلامذته .
اقسام الوضاعين
قسم ابن الجوزي الرواة الذين وقع في حديثهم الموضوع و الكذب و المقلوب الى خمسة اقسام :. القسم الاول : قوم غلب عليهم الزهد و التقشف , فتغفلوا عن الحفظ و التمييزو منهم من ضاعت كتبهاو احـتـرقـت او دفـنـهـا, ثم حدث من حفظه فغلط فهؤلا تارة يرفعون المرسل , و تارة يسندون
الموقوف , و تارة يقلبون الاسناد, و تارة يدخلون حديثا في حديث .و القسم الثاني : قوم لم يعانوا على النقل , فكثر خطاؤهم و فحش , على نحو ما جرى للقسم الاول .و القسم الثالث : قوم ثقات لكنهم اختلطت عقولهم في آخر اعمارهم , فخلطوا في الرواية .و القسم الرابع : قوم متغفلون , فمنهم من كان يلقن فيتلقن , و منهم من يروي حديثا فيظن انه سمعه و
لـم يـسمعه , او يظن جواز اسناد ما لم يسمع و قد قيل لبعضهم : هذه الصحيفة سماعك ؟ فقال : لا, و
لكن مات الذي رواها فرويتها مكانه و منهم من كان بعض اولاده يضع له الحديث , فيدون و لايعلم .و القسم الخامس : قوم تعمدوا الكذب , و هؤلا على ثلاثة اصناف :.الـصـنـف الاول : قـوم رووا الـخطا من غير ان يعلموا انه خطا فلماعرفوا وجه الصواب انفوا ان
يرجعوا, فاصروا على خطائهم ,انفة ان ينسبوا الى غلط.و الـصنف الثاني : قوم رووا عن كذابين و عن ضعفا يعلمونهم , لكنهم دلسوا في اسمائهم فالكذب من
اولئك المجروحين , و الخطا القبيح من هؤلا المدلسين .و الصنف الثالث : قوم تعمدوا الكذب الصريح .و هـؤلا, منهم الزنادقة , وضعوا الحديث قصدا الى افساد الشريعة , و ايقاع الشك في قلوب العامة ,
والتلاعب بالدين ,امثال : ابن ابي العوجا وضع اربعة آلاف حديث و غيره ممن وضعوا كميات كبيرة ,
احلوا بها الحرام و حرموا بها الحلال .و مـنـهم , اصحاب العصبية الجاهلة , كانوا يضعون الحديث نصرة لمذهبهم , و سول لهم الشيطان ان
ذلك جائز.و منهم , اهل التصوف والتقشف , وضعوا الحديث في الترغيب و الترهيب , ليحثوا الناس ـ بزعمهم ـ
على فعل الخيرو ترك الشر, و هذا تعاط على الشريعة , و مضمون فعلهم ان الشريعة ناقصة تحتاج
الى تتمة فقد اتموها.و مـنـهـم , قـوم استجازوا وضع الاسانيد لكل كلام حسن , فقد حدث محمد بن خالد عن ابيه قال :
سمعت محمد بن سعيديقول : لا باس اذا كان الكلام حسنا ان تضع له اسنادا.و مـنـهم قوم وضعوا الحديث تزلفا الى سلطان او نيلا الى نوال , كما وضع غياث بن ابراهيم حديث
((لاسبق في جناح )) تزلفاالى المهدي , و كان يحب الحمام .و منهم من كان يضع الحديث جوابا لسائليه ليحظى منزلة رفيعة لديه .و مـنـهـم من كان يضع الحديث لقدح او مدح في اناس لاغراض مختلفة , كالاحاديث الموضوعة في
قدح و مدح الشافعي و ابي حنيفة .و مـنهم من كان يضع الغريب من الحديث , استجلابا لانظار العامة , كما كان يفعله القصاص , و معظم
الـبـلا مـنـهـم يـجري ,لانهم يزيدون احاديث تثقف و ترقق , و الصحاح يقل فيها هذا لا جرم كان
القصاص شديدي النعير ساقطي الجاه , لا التفات اليهم , ليست لهم دنيا و لا آخرة .و مـن هؤلا القصاص شحاذون , يضعون الحديث و يسندوه الى من شاؤوا, و لاسيما من كان معروفا
لدى العامة بالجاه و القبول .قـال جـعفر بن محمد الطيالسي : صلى احمد بن حنبل و يحيى بن معين في مسجد الرصافة فقام بين
ايديهم قصاص ,فقال : حدثنا احمد بن حنبل و يحيى بن معين , قالا : حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن
قـتادة عن انس , قال : قال رسول اللّه (ص ) : ((من قال : لا اله الا اللّه , خلق اللّه كل كلمة منها طيرا
مـنـقاره من ذهب و ريشه من مرجان )) و اخذ في قصة نحوعشرين ورقة فجعل احمد ينظر الى
يـحـيى , و يحيى ينظر الى احمد, فقال له : انت حدثته بهذا؟ فقال : واللّه ماسمعت بهذا الا الساعة ,
فـلـمـا فـرغ من قصصه و اخذ القطيعات , ثم قعد ينتظر بقيتها, اشار اليه يحيى بيده ان تعال , فجا
متوهما النوال فقال له يحيى : من حدثك بهذا الحديث ؟ فقال : احمد بن حنبل و يحيى بن معين فقال : انا
يحيى و هذا احمد, ماسمعنا بهذا قط في حديث رسول اللّه (ص ) فان كان لابد و الكذب فعلى غيرنا فـقـال لـه : انـت يحيى بن معين ؟ قال : نعم قال : لم ازل اسمع ان يحيى بن معين احمق , ما تحققته الا
الـسـاعـة قـال له يحيى : كيف علمت اني احمق ؟ قال : كان ليس في الدنيا يحيى بن معين و احمد بن
حـنـبـل غـيـركـمـا قـد كـتـبـت عن سبعة عشر احمد بن حنبل و يحيى بن معين فوضع احمد
كمه على وجهه , و قال :دعه يقوم فقام كالمستهزئ بهما ((92)) .
اقطاب الوضاعين
قـال الحافظ ابو عبد الرحمان النسائي ـ صاحب السنن ـ : الكذابون المعروفون بوضع الحديث على رسـول اللّه (ص )اربعة :ابن ابي يحيى بالمدينة , و الواقدي ببغداد, و مقاتل بن سليمان بخراسان , ومحمد بن سعيد بالشام , يعرف بالمصلوب ((93)) .اما ابن ابي يحيى , فهو : ابو اسحاق ابراهيم بن محمد بن ابي يحيى , و اسمه سمعان الاسلمي المدني
روى عن الزهري و يحيى بن سعيد الانصاري , و روى عنه الثوري و الامام الشافعي رمي بالقدر و
التشيع و الكذب قال ابن عدي : لم اجدلابراهيم حديثا منكرا الا عن شيوخ يحتملون و قد حدث عنه
ابـن جريج و الثوري و الكبار له كتاب صنفه في المسانيد اسماه ((الموطا)) اضعاف موطا مالك , و
احاديثه كثيرة , رواه عنه الشافعي بمصر, و كان يكنى عنه و في مسند الشافعي عنه احاديث ,و كان
يـقول عنه : لان يخر ابراهيم من بعد, احب الى من ان يكذب , و كان ثقة في الحديث و قال ابو احمد
ابـن عـدي : سـالت احمد بن محمد بن سعيد ـ يعني ابن عقدة ـ فقلت له : تعلم احدا احسن القول في
ابراهيم غير الشافعي ؟ فقال : نعم , حدثنااحمد بن يحيى الاودي , قال : سمعت حمدان بن الاصبهاني ,
قلت : اتدين بحديث ابراهيم بن ابي يحيى ؟ قال : نعم ثم قال لي احمد بن محمد بن سعيد : نظرت في
حديث ابراهيم كثيرا و ليس بمنكر الحديث قال ابن عدي : و هذا الذي قاله , كماقال و قد نظرت انا
ايـضـا فـي حـديثه الكثير فلم اجد فيه منكرا الا عن شيوخ يحتملون , و انما روي المنكر من قبل
الرواي عنه او من قبل شيخه قال : و هو من جملة من يكتب حديثه .نـعـم يـقال : ان الرجل كان يقع في بعض السلف , و من ثم اتهم و رمي بالاعتزال تارة , و بالرفض و
التشيع اخرى ((94)) .فـي حـيـن ان الرجل مستقيم لاباس به , و لامغمز فيه سوى جانب اخلاصه لاهل البيت و صحبته
لـلائمـة مـن ذريـة الـرسـول (ص ), و قد عده الشيخ ابو جعفر الطوسي من رجال الامامين الباقر
والصادق (ع ) قال : ابراهيم بن محمد بن ابي يحيى ابو اسحاق مولى اسلم , مدنى روى عن ابي جعفر
و ابي عبداللّه (ع ), و كان خاصا بحديثنا, و العامة تضعفه لذلك .