الرياح , و الكهربائية الجوية
ان الـكهربائية التي تتولد في الهوا ـ و التي ذكرنا لك بعض مصادرهاـ يكتسبها السحاب عند تكونه على الايونات التي تحملها تلك الكهربائية في الطبقات العليا الجوية , و لايدرى الان , كيف يفصل اللّهالايـونـات السالبة , من الايونات الموجبة , قبل تكاثف البخار عليها, ان كان هناك فصل لهما؟ ام كيف
يـكـون الـسـحاب عظيم التكهرب اما بنوع من الكهربا, و اما بالنوع الاخر,اذا حدث التكاثف على
الايـونـات , و هـي مـختلطة و مهما يكن من سر ذلك , فان السحاب مكهرب من غير شك , كما اثبت
ذلـك فـرانكلن لاول مرة في عام (1752م ) و كما اثبت غيره , عظم تكهربه بشتى الطرق بعده , و
انت تعرف ان نوعي الكهربائية يتجاذبان , و ان الموجب و الموجب , او السالب و السالب يتدافعان , او
يتنافران , كما تشا ان تقول .هـذا التدافع او التنافر من شانه تفريق الكهربائية , ثم اذا شا اللّه ساق السحاب بالريح , حتى يقترب
السحاب الموجب , من السحاب السالب قربا كافيا, في اتجاه افقي , او في اتجاه راسي او فيما شا اللّه
مـن الاتـجاهات , فاذا اقتربا تجاذبا و من شان اقترابهما هذا ان يزيد في كهربائية مجموع السحاب
بالتاثير, و لايزالان يتجاذبان , و يتقاربان , حتى لايكون محيص من اختلاطهما و اتحاد كهربائيتهما
او مـن اتـحـاد كـهـربـائيـتهما من بعد, و عندئذ تحدث شبه شرارة عظمى كهربائية , هي البرق
الذي كثيرا ما يرى في البلاد الكثيرة الامطار.و ((المطر)) نتيجة لازمة لحدوث ذلك الاتحاد الكهربائي , سوا حدث في هدؤ او بالابراق , فاذا
حدث بهدؤ, حدث بين القطيرات المختلفة في السحابتين , فتجذب كل منها قرينتها او قريناتها, حتى
تـتحد, و تكون قطرة فيها ثقل , فتنزل , و تكبر اثنانزولها بما تكتسب من كهربائية , و ما تجتذب من
قـطيرات , اثنا اختراقها السحاب المكهرب , الذي يكون بعضه فوق بعض في السحاب الركام , اما اذا
حـدث الاتـحـاد الكهربائي في شدة البرق , و عنفه , فانه يحدث لا بين القطيرات , و لكن بين الكتل
من السحاب , و يسهل حدوثه تخلخل الهوا, اي قلة ضغطه في تلك الطبقات .و ((البرق )) يمثل قوة كهربائية هائلة , تستطيع ان تكون فكرة عنها اذا عرفت ان شرارته قد تبلغ
ثلاثة اميال , في طولهااو تزيد, و ان اكبر شرارة كهربائية احدثها الانسان لاتزيد عن بضعة امتار.فـالـحـرارة الناشئة عن البرق لا شك هائلة , فهي تمدد الهوا بشدة , و تحدث مناطق جوية عظيمة
مـخـلـخلة , الضغط داخلهايعادل الضغط خارجها, مادام الهوا داخل المنطقة ساخنا, حتى اذا تشععت
حـرارتـه و بـردت تـلك المناطق برودة كافية , و مااسرع ما تبرد, خف منها الضغط, و صار اقل
كثيرا من ضغط الطبقات الهوائية السحابية المحيطة بها, فهجمت عليها فجاة بحكم الفرق العظيم بين
الـضـغطين و تمددت فيها, وحدث لذلك صوت شديد, هو صوت الرعد و هزيمه , هذا الصوت قد
يـكـون لـه صـدى بـين كتل السحاب , يتردد, فنسميه قعقعة الرعد, اما صوت الشرارة الكهربائية
البرقية , فهو بد الرعد, و يكون ضعيفابالنسبة لهزيمه و قعقعته , لذلك تسمع الرعد ضعيفا في الاول
ثـم يـزداد, كـانـما اوله ايذان بتضخمه , كما قد تؤذن الطلقة الفردة بانطلاق بطاريات برمتها, من
الـمدافع الضخمة في الحروب فالرعد يحدث لا عند اتحاد الكهربائيتين حين يحدث البرق فقط,و
لكن يحدث اكثره بعد ذلك عند تمدد الكتل الهوائية الهاجمة في المنطقة المفرغة , و هي اذا تمددت
بردت برودة شديدة ,فيتكاثف ما فيها من البخار, و من كتل السحاب , فينزل على الارض اما مطرا, و
امـا بـردا, حـسب مقدار البرودة الحادثة في تلك المناطق , و هذا هو السبب في ان الرعد و البرق
يعقبهما في الغالب مطرات شديدة , سوا اكانت المطرة مائية , ام بردية ,و قطرات الما او حبات البرد
تنمو بعد ذلك باختراقها كتل السحاب المتراكم , تحت المنطقة التي حدث فيها التفريغ ((623)) .الصواعق .و قـد يـحـدث التفريغ الكهربائي بين السحاب و الارض , بدلا من بين السحاب و السحاب , و هذا
يكون عادة اذا كان السحاب عظيم الكهربائية , قريبا من الارض , فاذا حدث التفريغ ظهر له كالعادة
ضؤ و صوت , نسمي مجموعهما بالصاعقة , اي ان الصاعقة : تفريغ كهربائي بين السحاب و الارض ,
اذا اصـاب حـيـوانـا او نـباتا احرقه , و هو يحدث اكثر ما يحدث بين الاجسام المدببة على سطح
الارض مـن شجر او نحوه , و بين السحاب , و لذا كان من الخطا الاستظلال بالشجر, او المظلات
في العواصف ذات البرق , على ان الانسان قد استخدم سهولة حدوث التفريغ بين الاجسام المدببة , و
السحاب لوقاية الابنية من الصواعق , و ذلك باقامته على سطوحها قضبانا حديدية او نحاسية , مدببة
الاطـراف , بحيث يكون طرف القضيب المدبب اعلى قليلا من اعلى نقطة في البنا, و الطرف الاخر
متصلا بلوح فلزي مدفون في ارض رطبة , و من شان الاطراف المدببة ان يكون كل منها بابا تخرج
مـنـه الـكـهـربـائيـة المتجمعة على السطح تدريجا الى السحاب الذي يظله , فيحدث التفريغ , اي
الاتـحادبين كهربائية الارض , و كهربائية السحاب تدريجا, فيمتنع ذلك التفريغ الفجائي المعروف
بالصاعقة , على انه اذا نزلت الصاعقة بالبنا رغم ذلك فالارجح جدا انها تصيب القضيب المدب ب اول
مـا تـصـيـب , و تنصرف الكهربائية الى الارض , بدلا من ان تدك البنا, و لذا يسمى مثل هذا القضيب
الـمـدبـب الـواصـل الى الارض بصارفة الصواعق , و قد وجدوا ان السطح الخارجي للقضيب هو
الطريق الذي تمر به الكهربائية الى الارض , لذلك كلما كان هذا السطح اكبر كان الصرف اعظم , و
البنا احصن ,و لذا كانت الصفائح افعل في حفظ الابنية , من مثل كتلتها من الاسلاك ((624)) .
جبل ((قاف )) المزعوم , و حدوث الزلازل
و مـن ذلـك مـا ذكره بعضهم في تفسير قوله تعالى : (ق و القرآن المجيد) ((625)) : فقد ذكرصـاحب ((الدر المنثور)) و غيره ,روايات كثيرة عن ابن عباس ـ رضوان اللّه تعالى عليه ـ قال :
((خلق اللّه من ورا هذه الارض بحرا محيطا بها, ثم خلق من وراذلك البحر جبلا يقال له : (قاف ),
سما الدنيا مرفوعة عليه , ثم خلق اللّه ـ تعالى ـ من ورا ذلك الجبل ايضا مثل تلك الارض سبع مرات ,
و استمر على هذا حتى عد سبع ارضين , و سبعة ابحر, و سبعة اجبل , و سبع سماوات )).و هذا الاثر لايصح سنده عن ابن عباس , و فيه انقطاع , و لعل البلا فيه من المحذوف .و اخرج ابن ابي الدنيا, و ابوالشيخ عنه ايضا, قال : خلق اللّه تعالى جبلا يقال له : قاف , محيط بالعالم ,
و عـروقـه الـى الـصخرة التي عليها الارض , فاذا اراد اللّه تعالى ان يزلزل قرية امر ذلك الجبل
فيحرك العرق الذي يلي تلك القرية , فيزلزلها,و يحركها, ثم تحرك القرية دون القرية .و كـل ذلـك كـمـا قال القرافي لا وجود له , و لايجوز اعتماد ما لا دليل عليه , و هو من خرافات
بـني اسرائيل الذين يقع في كلامهم الكذب , و التغيير, و التبديل , دست على السذج من المفسرين , او
تقبلوها بحسن نية و رووها لغرابتها, لا اعتقادابصحتها, و نحمد اللّه ان وجد في علما الامة من رد
هـذا الـباطل , و تنبه له قبل ان تتقدم العلوم الكونية , كما هي عليه اليوم و من العجيب ان يتعقب كلام
الـقرافي ابن حجر الهيثمي , فقال : ما جا عن ابن عباس مروي من طرق خرجها الحفاظ و جماعة ,
مـمـن التزموا تخريج الصحيح , و قول الصحابي فيما لا مجال للراي فيه , حكمه حكم المرفوع الى
النبي .و لكن نقول للشيخ الهيثمي : ان تخريج من التزم الصحة ليس بحجة , و كم من ملتزم شيئا لم يف به , و
الـشـخص قد يسهوو يغلط مع عدالته , و انظار العلما تختلف , و الحاكم صحح احاديث , حكم عليها
الذهبي و غيره بالوضع , و كذلك ابن جريراخرج روايات في تفسيره , حكم عليها الحافظ بالوضع ,
و الـكـذب و لـو سـلـمنا اسنادها الى ابن عباس , فلاينافي ذلك ان تكون من الاسرائيليات الباطلة ,
الموضوعة عنه .ثـم انـا نـقول للهيثمي و من يرى رايه : اي فائدة نجنيها من ورا هذه المرويات التي لاتتقبلها عقول
تـلامـيـذ الـمـدارس , فضلاعن العلما؟ الـنبي (ص ), و اذا جاز هذا في عصور الجهل و الخرافات فلايجوز اليوم , و قد اصبح رواد الفضا
يـطـوفـون حـول الارض , و يرونها معلقة في الفضا بلا عمد, و لا جبال , و لا بحار, و لاصخرة
استقرت عليها الارض , فهذه الاسرائيليات مخالفة للحس و المشاهدة قطعا, فكيف نتعلق بها؟ قـال الالـوسي : و الذي اذهب اليه ما ذهب اليه القرافي , من انه لا وجود لهذا الجبل بشهادة الحس ,
فقد قطعوا هذه الارض ,برها و بحرها, على مدار السرطان مرات , فلم يشاهدوا ذلك , و الطعن في
صحة الاخبار ـ و ان كان جماعة من رواتها ممن التزم تخريج الصحيح ـ اهون من تكذيب الحس , و
امـر الـزلازل لايـتوقف امرها على ذلك الجبل , بل هي من الابخرة , المتولدة من شدة حرارة جوف
الارض , طلبها الخروج , مع صلابة الارض , فيحصل هذا الاهتزاز, و انكار ذلك مكابرة عند من له
عرق من الانصاف ((626)) , و لاندري لو ان الالوسي عاش في عصرنا هذا, و وقف على ما وقفنا
عليه من عجائب الرحلات الفضائية , ماذاكان يقول ؟, ان كل مسلم ينبغي ان يكون له من العقل الواعي
المتفتح , و النظر الثاقب البعيد.و الـيـك ما قاله عالم ناقد, سبق الالوسي بنحو خمسة قرون ((627)) : فقد قال في تفسيره عند
هذه الاية : و قد روى عن السلف انهم قالوا : (ق ) : جبل محيط بجميع الارض يقال له : جبل قاف , و
كـان هذا ـ و اللّه اعلم ـ من خرافات بني اسرائيل التي اخذها عنهم بعض الناس , لما راى من جواز
الـروايـة عـنـهم , مما لايصدق , و لايكذب و عندي : ان هذا, و امثاله , و اشباهه من اختلاق بعض
زنـادقتهم , يلبسون به على الناس امر دينهم , كما افتري في هذه الامة ـ مع جلالة قدر علمائها, و
حـفـاظـهـا,و ائمتهاـ احاديث عن النبي (ص ), و ما بالعهد من قدم , فكيف بامة بني اسرائيل مع طول
المدى , و قلة الحفاظ النقاد فيهم ,و شربهم الخمور, و تحريف علمائهم الكلم عن مواضعه , و تبديل
كتب اللّه و آياته ((628)) .قال : و قد اكثر كثير من السلف من المفسرين , و كذا طائفة كثيرة من الخلف , من الحكاية عن كتب
اهـل الـكتاب , في تفسيرالقرآن المجيد, و ليس بهم احتياج الى اخبارهم ـ و للّه الحمد و المنة ـ,
حـتـى ان ابامحمد عبدالرحمان بن ابي حاتم الرازي (ره )اورد هنا اثرا غريبا, لايصح سنده عن ابن
عباس , ثم ساق السند, و المتن الذي ذكرناه آنفا.ثـم قال : فاسناد هذا الاثر فيه انقطاع ـ اي راو سقط من رواته ـ و الذي رواه علي بن ابي طلحة ,
عـن ابـن عباس )) في قوله (ق ) : هو اسم من اسما اللّه , و الذي ثبت عن مجاهد ـ و هو من تلاميذ
ابـن عباس الملازمين له , الناشرين لعلمه ـ انه حرف من حروف الهجا, كقوله تعالى : (ص ), (ن ),
(حم ), (طس ), (الم ), فهذه تبعد ما تقدم عن ابن عباس ـ رضوان اللّه عليه ـ ((629)) .
الاسرائيليات في تفسير (ن و القلم )
و من ذلك ما يذكر كثير من المفسرين في قوله تعالى : (ن و القلم ) من انه الحوت الذي على ظهره الارض , و يـسمى ((اليهموت )), و قد ذكر ابن جرير, و السيوطي روايات عن ابن عباس , منها :((اول مـا خـلق اللّه القلم , فجرى بما هو كائن , ثم رفع بخار الما, و خلقت منه السماوات , ثم خلق
الـنـون , فـبـسطت الارض عليه , فاضطرب النون , فمادت الارض ((630)) , فاثبتت بالجبال و قد
روي عـن ابـن عـباس ايضا : انه الدواة , و لعل هذا هو الاقرب , و المناسب لذكر القلم و قد انكر
الزمخشري ورود((نون )) بمعنى الدواة , في اللغة , و روي عنه ايضا : انه الحرف الذي في آخر
كلمة (الرحمن ), و ان هذا الاسم الجليل فرق في (الر) و (حم ) و (ن ).و اضـطـراب الـنقل عنه يقلل الثقة بما روي عنه , و لاسيما الاثر الاول عنه , و الظاهر انه افترا
عليه , او هو من الاسرائيليات الصق به .و الـيـك مـا قـاله الامام ابن قيم الجوزية , قال في اثنا كلامه على الاحاديث الموضوعة : و من هذا
حـديـث ان قـاف : جـبل من زمردة خضرا, محيط بالدنيا كاحاطة الحائط بالبستان , و السما واضعة
اكنافها عليه .و مـن هـذا حـديـث : ان الارض عـلى صخرة , والصخرة على قرن ثور, فاذا حرك الثور قرنه ,
تحركت الصخرة , فهذا من وضع اهل الكتاب الذين قصدوا الاستهزا بالرسل و قال الامام ابوحيان في
تفسيره : لايصح من ذلك شي ماعدا كونه اسما من اسما حروف الهجا ((631)) .
اشهر كتب التفسير بالماثور
اهـم كـتـب تفسير القدما تعتمد الماثور في تفسير القرآن , فيذكرون الاية و يعقبونها بذكر اقوال السلف من الائمة و الصحابة و التابعين , و احيانا مع شي من ترجيح بعض الاقوال , او زيادة استشهادبـية او رواية او انشاد شعر و هذا ديدنهم في التفسير, لايتجاوزونه الا القليل اما التعرض بمعاني
الـفلسفة او الكلام او الادب , فشي حصل مع تاخير عن العهد الاول , و من ثم فجل تفاسير القدما هي
من نمط التفسير بالماثور, و اليك اشهرها :.
1ـ جامع البيان للطبري
مـؤلـف هـذا التفسير هو ابو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الطبري , نسبة الى طـبـرسـتان , هو من اهل آمل ,من بلاد مازندران ـ ايران ـ ولد بها سنة (224), و رحل في طلبالعلم و هو شاب , و طوف الاقاليم , فسمع بمصر والشام و العراق , ثم القى رحله و استقر ببغداد, و
نشر علمه هناك , الى ان توفي بها سنة (310).كـان الـرجـل خبيرا بالتاريخ و باقوال السلف , عالما فاضلا و ناقدا بصيرا و له بعض الاجتهاد في
تـفسيره , و ترجيح بعض الاقوال على بعض و قد اعتبر الطبري ابا للتفسير كما اعتبر ابا للتاريخ ,
و ذلك باعتبار جامعية تفسيره و سعته و شموله و يذكراقوال السلف بالاسانيد مما يستدعي الثقة به
فـي نقله لكنه قد اكثر في النقل عن الضعفا و المجاهيل , و لفيف من المعروفين بالكذب و الاختلاق ,
و لاسـيما جانب اكثاره من نقل الاسرائيليات , بما افسد و شوه وجه التفسير الامر الذي اخذ على
تـفسيرابن جرير, حيث يذكر الروايات من غير تمييز بين صحيحها و سقيمها, و لا تعرض لبيان
ضـعـيـفها عن قويها, و لعله حسب ان ذكر السند ـ و لو لم ينص على درجة الرواية قوة و ضعفا ـ
يرفع المؤاخذة و التبعات عن المؤلف في حين ان تفسيره هذامشحون بالروايات الواهية و المنكرة ,
و الـموضوعات و الاسرائيليات , و لاسيما عندما يتعرض لذكر الملاحم و الفتن ,و قصص الانبيا
بالذات .نـعم كان ابن جرير من المحدثين المكثرين , و من الحشوية الذين يحشون حقائبهم بالغث و السمين ,
و مـمـن وصـفهم الامام الشيخ محمد عبده بجنون التحديث قال في ذيل آية البشارة لزكريا بيحيى :
((و لـولا الـجـنون بالروايات مهما هزلت و سمجت لما كان لمؤمن ان يكتب مثل هذا الهز و السخف
الـذي يـنبذه العقل , و ليس في الكتاب ما يشير اليه و لو لم يكن لمن يروي مثل هذه الروايات الا هذا
لكفى في جرحه , و ان يضرب بروايته على وجهه فعفا اللّه عن ابن جرير اذ جعل هذه الرواية مما
ينشر)) ((632)) .و مـن ثـم فـان تـفسير ابن جرير بحاجة الى نقد فاحص و تمحيص شامل , كاحتياج كثير من كتب
التفسير المشتملة على الموضوع و القصص الاسرائيلي و ليس ذكر السند بعاذر له , و لايجري هنا
قـولهم : من اسند لك فقد حملك البحث عن رجال السند, كما زعمه الاستاذ الذهبي ((633)) , لان
تجويز نشر مثل هذا الخضم من الموضوعات و الاسرائيليات , لعله ذنب لايغفر, كمانوه عنه الامام
عبده .و عـلى اي تقدير, فان مثل تفسير ابن جرير يعد اليوم من خير كتب التفسير الجامعة لارا السلف و
اقوالهم , و لولاه لربماضاعت اكثر هذه الارا, فهو من امهات التفاسير المعتمدة في النقل و التفسير
بـالماثور و نحن نعتمد صحة نقله , و ان كان في المنقول على يديه كثير من الغث و الفاسد, مما الزم
علينا النقد و التمحيص .
منهجه في التفسير و نقد الارا
انـه يـذكر الاية اولا, ثم يعقبها بتفسير غريب اللغة فيها, او اعراب مشكلها, اذا دعت الحاجة الى ذلـك , و ربـمـا يـستشهدباشعار العرب و امثالهم و بعد ذلك ياتي الى تاويل الاية , اي تفسيرها علىالوجه الراجح , فياتي بحديث او قول ماثور ان كان هناك راي واحد اما اذا ازدحمت الاقوال و الارا,
فعند ذلك يذكر كل تاويل على حده , و ربما رجح لدى تضارب الارا احدهاو اتى بمرجحاته ان لغة
او اعتبارا, و ربما فصل الكلام في اللغة و الاعراب , و استشهاده بالشعر و الادب .مثلا نراه عند قوله تعالى : (سوا عليهم اانذرتهم ام لم تنذرهم لايؤمنون ) ((634)) يقول : و تاويل
((سوا)) : معتدل ,ماخوذ من التساوي , كقولك : متساو هذان الامران عندي , و هما عندي سوا, اي
هما متعادلان عندي و منه قول اللّه ـ جل ثناؤه ـ : (فانبذ اليهم على سوا) ((635)) يعني : اعلمهم
و آذنهم بالحرب حتى يستوي علمك و علمهم , بما عليه كل فريق منهم للفريق الاخر فكذلك قوله :
(سـوا عـلـيـهـم ) مـعتدل عندهم اي الامرين كان منك اليهم : الانذار ام ترك الانذار,لانهم كانوا
لايؤمنون , و قد ختمت على قلوبهم و سمعهم و من ذلك قول عبد اللّه بن قيس الرقيات :.
تعذبني الشهبا نحو ابن جعفر
سوا عليها ليلها و نهارها.
سوا عليها ليلها و نهارها.
سوا عليها ليلها و نهارها.
و ليل يقول المر من ظلماته
سوا صحيحات العيون و عورها.
سوا صحيحات العيون و عورها.
سوا صحيحات العيون و عورها.
لانه وقع موقع ((اي )), كماتقول : لانبالي اقمت ام قعدت , و انت مخبر لامستفهم , لوقوع ذلك موقع
((اى )), و ذلـك ان مـعناه ـ اذا قلت ذلك ـ : مانبالي اى هذين كان منك , فكذلك ذلك في قوله : (سوا
عـلـيهم اانذرتهم ام لم تنذرهم ) لما كان معنى الكلام : سوا عليهم اى هذين كان منك اليهم , حسن في
مـوضـعـه مع سوا افعلت ام لم تفعل و قد كان بعض نحويي اهل البصرة يزعم ان حرف الاستفهام ان
مـادخـل مع ((سوا)) و ليس باستفهام , لان المستفهم اذا استفهم غيره فقال : ازيد عندك ام عمرو,
مـسـتثبت صاحبه ايهما عنده ,فليس احدهما احق بالاستفهام من الاخر, فلما كان قوله : (سوا عليهم
اانذرتهم ام لم تنذرهم ) بمعنى التسوية , اشبه ذلك الاستفهام , اذ اشبهه في التسوية , و قد بينا الصواب
في ذلك .فتاويل الكلام : اذا معتدل يا محمد على هؤلا الذين جحدوا نبوتك من احبار يهود المدينة , بعد علمهم
بها, و كتموا بيان امرك للناس بانك رسولي الى خلقي , و قد اخذت عليهم العهد و الميثاق ان لايكتموا
ذلـك و ان يـبـيـنوه للناس , و يخبروهم انهم يجدون صفتك في كتبهم , اانذرتهم ام لم تنذرهم فانهم
لايؤمنون و لايرجعون الى الحق , و لايصدقون بك و بما جئتهم به .كما حدثنا محمد بن حميد, قال : حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن اسحاق عن محمد بن ابي محمد
مـولـى زيـد بـن ثـابت عن عكرمة , او عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : (سوا عليهم اانذرتهم ام
لـم تـنذرهم لايؤمنون ) اي انهم قد كفروا بماعندهم من العلم من ذكر, و جحدوا ما اخذ عليهم من
الـمـيـثـاق لك , فقد كفروا بما جاك و بما عندهم مما جاهم به غيرك ,فكيف يسمعون منك انذارا و
تحذيرا, و قد كفروا بما عندهم من علمك ((636)) .انظر الى هذا التفصيل في مجال الادب , الذي ينبؤك عن سعة اضطلاعه بالادب و باقوال النحاة .و نـراه يـقـول في تاويل قوله ـ جل ثناؤه ـ :(ختم اللّه على قلوبهم و على سمعهم ) ((637)) و
اصل الختم : الطبع ,و الخاتم : الطابع , يقال : منه ختمت الكتاب , اذا طبعته .فان قال لنا قائل : و كيف يختم على القلوب , و انما الختم طبع على الاوعية و الظروف و الغلف ؟.قـيـل : فـان قلوب العباد اوعية لما اودعت من العلوم , و ظروف لما جعل فيها من المعارف بالامور,
فـمعنى الختم عليهاو على الاسماع التي بها تدرك المسموعات , و من قبلها يوصل الى معرفة حقائق
الانبا عن المغيبات , نظير معنى الختم على سائر الاوعية و الظروف .فـان قال : فهل لذلك من صفة تصفها لنا فنفهمها, اهي مثل الختم الذي يعرف لما ظهر للابصار ام هي
بخلاف ذلك ؟ قيل :قد اختلف اهل التاويل في صفة ذلك , و سنخبر بصفته بعد ذكرنا قولهم .ثم ذكر قول مجاهد, باسناده عن الاعمش , قال : ارانا مجاهد بيده فقال : كانوا يرون ان القلب في مثل
هـذا, يـعـنـي الكف فاذااذنب العبد ذنبا ضم منه , و قال باصبعه الخنصر هكذا فاذا اذنب ضم , و قال
بـاصبع اخرى فاذا اذنب ضم , و قال باصبع اخرى هكذا, حتى ضم اصابعه كلها, قال : ثم يطبع بطابع
قال مجاهد : و كانوا يرون ان ذلك الرين .و ذكـر قـولا آخر لبعضهم : ان ((الختم )) هنا كناية عن تكبرهم و اعراضهم عن الاستماع لما
دعـوا اليه من الحق , كما يقال : ان فلانا لاصم عن هذا الكلام , اذا امتنع من سماعه و رفع نفسه عن
تفهمه تكبرا.قـال : و الحق في ذلك عندي ما صح بنظيره الخبر عن رسول اللّه (ص ) و هو ما رواه ابوهريرة ,
قـال : قـال رسـول اللّه (ص ) :ان الـمؤمن اذا اذنب ذنبا كان نكتة سودا في قلبه , فان تاب و نزع و
اسـتـغفر, صقل قلبه , فان زاد زادت حتى يغلف قلبه , فذلك ((الران )) الذي قال اللّه ـ جل ثنائه ـ :
(كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) ((638)) .فاخبر(ص ) ان الذنوب اذا تتابعت على القلوب اغلفتها, و اذا اغلفتها اتاها حينئذ الختم من قبل اللّه و
الطبع , فلايكون للايمان اليها مسلك , و لا للكفر منها مخلص ثم اخذ في مناقشة القول الثاني , و فصل
الكلام فيه على عادته في مناقشة الاقوال ((639)) .هـذا مـنـهجه في التفسير, و هو من خير المناهج المعروفة في التفسير بالماثور, و مناقشة الارا
المتضاربة في التفسير و حقاانه طويل الباع في هذا المجال , سوا في النقل ام في النقاش .
موقفه تجاه اهل الراي في التفسير
انـه يقف في وجه اهل الراي في التفسير موقفا عنيفا, ويرى من اعمال الراي في تفسير كلام اللّه مـخـالفة بينة لظاهر دلائل الشرع , و يشدد في ضرورة الرجوع الى العلم الماثور عن الصحابة والتابعين , و ان ذلك وحده هو علامة التفسير الصحيح فمثلاعند ما تكلم عن قوله تعالى : (ثم ياتي من
بعد ذلك عام فيه يغاث الناس و فيه يعصرون ) ((640)) نجده يذكر ما ورد في تفسيرها عن السلف ,
مـع توجيهه للاقوال و تعرضه للقراات , بقدر ما يحتاج اليه تفسير الاية , ثم يعرج بعد ذلك على من
يـفـسرالقرآن برايه , و بدون اعتماد منه على شي الا على مجرد اللغة , فيفند قوله و يحاول ابطال
رايـه فـيقول ما نصه : ((و كان بعض من لا علم له باقوال السلف من اهل التاويل , ممن يفسر القرآن
برايه على مذهب كلام العرب , يوجه معنى قوله : (و فيه يعصرون ) الى : و فيه ينجون من الجدب
و القحط بالغيث , و يزعم انه من العصر بمعنى المنجاة , كما جا في قول ابي زبيدالطائي :.
صاديا يستغيث غير مغاث
و لقد كان عصرة المنجود.
و لقد كان عصرة المنجود.
و لقد كان عصرة المنجود.
فبات و اسرى القوم آخر ليلهم
و ما كان وقافا بغير معصر.
و ما كان وقافا بغير معصر.
و ما كان وقافا بغير معصر.
فـقـول لا معنى له , لانه خلاف المعروف من كلام العرب , و خلاف ما يعرف من قول ابن عباس : انه
عصر الاعناب و الثمرات ((641)) .
نزعته التعصبية
هـو بـالرغم من ادعا ابن اخته محمد بن العباس ابى بكر الخوارزمي انه شيعى ((642)) نراه يقفعند دلائل الايات الكريمة على فضيلة من فضائل آل الرسول (ص ) موقف اهل النصب , محاولا اخفا
تلك الفضيلة .مـن ذلـك تاويله آية المودة في القربى ((643)) في قريش , لتحمي النبى و تمنعه شر الاعدا, و
نفى بشدة ان يكون المقصود هم اهل بيته الاطيبين .قـال : الايـة خـطـاب مـع قريش لتحفظ قرابته فيهم فتحميه و تمنعه شر الاعدا, فقد طلب اليهم
الموادة لكونهم ذوي رحم له , حتى و ان لم يؤمنوا بهذا الحديث اسفا فقد كان لرسول اللّه (ص ) قرابة
فـي جـميع قريش , فلما كذبوه و ابوا ان يبايعوه , قال : ياقوم اذا ابيتم ان تبايعوني فاحفظوا قرابتي
فيكم , لايكن غيركم من العرب اولى بحفظي و نصرتي منكم .ثـم ذكـر وجوها ثلاثة اخر : طلب الموادة مع قرابته اهل بيته , و طلب القربى الى اللّه و الزلفى
لـديـه تعالى , و صلة الارحام بعضهم مع بعض ثم يحاول ترجيح الوجه الذي ذكره على هذه الوجوه
الثلاثة , و يستند في ترجيحه الى موضع ((في )) في قوله :(المودة في القربى ) يقول : اذ لاوجه
مـعـروفـا لدخول ((في )) في هذا الموضع و كان ينبغى على سائر الوجوه ان يكون التنزيل ((الا
مودة القربى )) او ((المودة بالقربى )) او ((ذا القربى )) على الترتيب .قـال : و اولـى الاقوال في ذلك بالصواب و اشبهها بظاهر التنزيل , قول من قال : معناه قل لااسالكم
عليه اجرا ـ يا معشرقريش ـ الا ان تودوني في قرابتي منكم و تصلوا الرحم التي بيني و بينكم , و
انـما قلت : هذا التاويل اولى بتاويل الاية , لدخول ((في )) في قوله : (الا المودة في القربى ) و لو
كـان معنى ذلك على ما قاله من قال : الا ان تودوا قرابتي او تقربوا الى اللّه , لم يكن لدخول ((في ))
فـي الـكلام في هذا الموضع وجه معروف , و لكان التنزيل ((الا مودة القربى )) ان عنى به الامر
بـمودة قربى الرسول ,او ((الا المودة بالقربى )) او ((ذا القربى )) ان عنى به التودد و التقرب و
فـي دخول ((في )) في الكلام اوضح دليل على ان معناه : الا مودتي في قرابتي منكم , و ان الالف و
الـلام فـي الـمودة ادخلتا بدلا من الاضافة و قوله ((الا )) في هذا الموضع استثنا منقطع ,و معنى
الكلام : ((قل لااسالكم عليه اجرا, لكني اسالكم المودة في القربى )) ((644)) .لـكنها محاولة فاشلة , و في نفس الوقت فاضحة , اذ كيف يخفى على ذي لب ان مثل هكذا مواجهة مما
يـمتنع مع قوم ناكرين و مستهزئين بموقف النبي الكريم , انهم رفضوا دعوته و لجوا في معاندته , و
حـاولوا بكل جهدهم في تقويض دعائم الدعوة و الكسر من شوكتها ثم جا يطالبهم الاجر عليها, او
يرغبهم في نصرته عليها ان هذا الا احتمال موهون , و ازرابمقامه (ص ) المنيع .انـه (ص ) لايـمد يد الوداد الى اعدا اللّه , حتى و لو كانوا ذوي قرابته , فكيف يطالبهم الموادة في
قرباه اوليا تلقون اليهم بالمودة ) ((645)) .و امـا الـذي ذكـره دلـيـلا على اختياره , فليته لم يذكره , اذ يتنافى ذلك تنافيا كليا مع ما لمسناه في
الرجل من براعة في الادب هذا الامام جار اللّه الزمخشري يصرح بنقيض اختيار الطبري و يسلك
مسلكا نزيها مشرفا, و تبعه على ذلك عامة اهل النظرو الاختيار في التفسير.قال : ما معنى قوله : (الا المودة في القربى )؟ فاجاب بقوله :.قـلت : جعلوا مكانا للمودة و مقرا لها, كقولك : لي في آل فلان مودة , و لي فيهم هوى و حب شديد,
تريد : احبهم و هم مكان حبي و محله .قـال : و لـيـست ((في )) بصلة ـ اي متعلقة ـ للمودة , كاللا م اذا قلت : الا المودة للقربى , انما هي
متعلقة بمحذوف تعلق الظرف به في قولك : المال في الكيس , و تقديره : الا المودة ثابتة في القربى و
متمكنة فيها و القربى : مصدر كالزلفى و البشرى ,بمعنى : قرابة و المراد : اهل القربى .قال : روي انها لما نزلت قيل : يا رسول اللّه (ص ) من قرابتك , هؤلا الذين وجبت علينا مودتهم ؟ قال
: عـلـي و فـاطـمـة و ابناهما و اتبعها بروايات اخر في هذا الشان , جزاه اللّه عن آل محمد خير
الجزا ((646)) .
2 ـ تفسير العياشي
تاليف ابي النضر محمد بن مسعود بن محمد بن عياش السلمي السمرقندي المتوفى سنة (320) كان مـن اعلام المحدثين , سمع جماعة من شيوخ الكوفيين و البغداديين و القميين كانت داره معهد علم ودراسـة , و كانت محل روادالحديث بين ناسخ او مقابل او قار او معلق و قد انفق جميع تركة ابيه ـ
ثلاثمئة الف دينار ـ في طلب العلم و تحصيله و بثه و نشره قالوا : و كان اكثر اهل المشرق علما و
ادبا و فضلا و فهما و نبلا في زمانه و كان له مجلسان : مجلس للخواص ,و مجلس للعوام .قال ابن النديم : انه من بني تميم , من فقها الشيعة الامامية , اوحد دهره و زمانه في غزارة العلم .و لـكـتـبـه بـنواحي خراسان شان من الشان و هو شيخ ابي عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز
الـكـشـي , صاحب كتاب الرجال و كتبه ما ينوف على مئتي كتاب و رسالة كان في حداثة سنه عامي
المذهب , ثم استبصر و خدم الاسلام في مصنفاته الكثيرة , و علمه الغزير.و له كتاب ((التفسير)), جمع فيه الماثور من ائمة اهل البيت (ع ) في تفسير القرآن , و لقد اجاد و
افاد, و ذكر الروايات باسانيدها في دقة و اعتبار.غـير ان هذا التفسير لم يصل الينا الا مبتورا فقد بتره اولا ناسخه , حيث اسقط الاسانيد, و اقتصر
عـلى متون الاحاديث ,معتذرا بانه لم يجد في دياره من يكون عنده سماع او اجازة من المؤلف , فلذلك
حـذف الاسانيد و اكتفى بالباقي و من ثم قال المولى المجلسي بشانه : ان اعتذاره هذا اشنع من فعلته
بحذف الاسانيد.و الـجـهـة الاخـرى فـي بـتر الكتاب , عدم العثور على الجز الثاني من جزئي التفسير, فان هذا
الموجود ينتهي الى نهاية سورة الكهف , و لم توجد بقيته .نـعـم هـنـاك بعض المتقدمين , نقلوا منه احاديث باسانيد كاملة , كانت عندهم منه نسخة كاملة , منهم
الحافظ الكبير عبيداللّه بن عبد اللّه الحاكم الحسكاني النيسابوري , من اعلام القرن الخامس , و من
شـيـوخ مـشايخ العلا مة الطبرسي , صاحب التفسيرالاثري القيم ((مجمع البيان )) و ينقل عنه في
تـفـسـيره كثيرا ففي ((شواهد التنزيل )) للحاكم الحسكاني كثير من روايات العياشي ,ينقلها فيه
بالاسانيد التامة ((647)) .منهجه في التفسير.انه يسترسل في ذكر الايات , في ضمن احاديث ماثورة , عن اهل البيت (ع ) تفسيرا و تاويلا للايات
الـكريمة و لايتعرض لنقدها جرحا او تعديلا, تاركا ذلك الى عهدة الاسناد التي حذفت مع الاسف و
يـتـعـرض لـبـعض القراات الشاذة المنسوبة الى ائمة اهل البيت , مما جات في سائر الكتب باسانيد
ضعاف , او مرسلة لا حجية فيها, و القرآن لايثبت بغير التواتر باتفاق الامة .نـراه عـنـدمـا يـتـعـرض لـقوله تعالى : (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى و قوموا للّه
قـانـتين ) ((648)) يسند الى الامام ابي جعفر الباقر(ع ) انه قراها : ((حافظوا على الصلوات و
الصلاة الوسطى و صلاة العصر)) ثم قال : و كذلك كان يقرؤها رسول اللّه (ص ).و في رواية زرارة عنه (ع ) : هي اول صلاة صلا ها رسول اللّه (ص ) و هي وسط صلاتين بالنهار
: صلاة الغداة , و صلاة العصر.و قـال (ع ) في قوله تعالى : (و قوموا للّه قانتين ) : في الصلاة الوسطى , قال : نزلت هذه الاية يوم
الجمعة و رسول اللّه (ص )في سفر, فقنت فيها, و تركها على حالها في السفر و الحضر.و عـن زرارة و محمد بن مسلم , انهما سالا ابا جعفر(ع ) عن هذه الاية , فقال : صلاة الظهر و فيها
فرض اللّه الجمعة , و فيهاالساعة التي لايوافقها عبد مسلم , فيسال خيرا الا اعطاه اللّه اياه .و عـن الامـام الصادق (ع ) قال : الصلاة الوسطى الظهر, (و قوموا للّه قانتين ) : اقبال الرجل على
صلاته , و محافظته على وقتها, حتى لايلهيه عنها و لايشغله شي .و اخـيـرا يذكر تاويلا للاية : ان الصلوات التي يجب المحافظة عليها هم : رسول اللّه , و علي , و
فاطمة , و ابناهما,(و قوموا للّه قانتين ) : طائعين للائمة (ع ) ((649)) .كـمـا انـه عـندما يروي عن الصادق (ع ) تفسير ((السبع المثاني )) بسورة الحمد, يعرج الى نقل
روايات تفسر باطن الاية الى الائمة قال : ان ظاهرها : الحمد, و باطنها : ولد الولد و السابع منها :
القائم (ع ) ((650)) .و مـن ثم فانه عندما يرد في التاويل , نراه غير مراع لضوابط التاويل الصحيح , على ما اسلفنا بيانه ,
من كونه مفهوما عامامنتزعا من الاية بعد الغا الخصوصيات ليكون متناسبا مع ظاهر اللفظ, و ان كانت
دلالته عليه غير بينة .
3 ـ تفسير القمي
مـنسوب الى ابي الحسن علي بن ابراهيم بن هاشم القمي المتوفى سنة (329) من مشايخ الحديث , روى عـنـه الـكـلـيني و كان من مشايخه , واسع العلم , كثير التصانيف , و كان معتمد الاصحاب قالالنجاشي : ثقة ثبت معتمد صحيح المذهب و اكثر رواياته عن ابيه ابراهيم بن هاشم , اصله من الكوفة
و انتقل الى قم يقال : انه اول من نشر حديث الكوفيين بقم , و هوايضا ثقة على الارجح , حسن الحال .و هذا التفسير, المنسوب الى علي بن ابراهيم القمي , هو من صنع تلميذه ابي الفضل العباس بن محمد
بـن الـقاسم بن حمزة بن الامام موسى بن جعفر(ع ) و هو تلفيق من املاات القمي , و قسط وافر من
تفسير ابي الجارود زياد بن المنذرالسرحوب المتوفى سنة (150) كان من اصحاب الامام ابي جعفر
الباقر(ع ) و هو راس الجارودية من الزيدية .فكان ما اورده ابوالفضل في هذا التفسير من احاديث الامام الباقر, فهو من طريق ابي الجارود, و ما
اورده مـن احـاديث الامام الصادق (ع ) فمن طريق علي بن ابراهيم , و اضاف اليهما باسانيد عن غير
طـريـقهما فهو مؤلف ثلاثي الماخذ, و على اى حال فهو من صنع ابي الفضل , و نسب الى شيخه , لان
اكثر رواياته عنه , و لعله كان الاصل فاضاف اليه احاديث ابي الجارودو غيره , لغرض التكميل .و ابـوالـفضل هذا مجهول الحال , لايعرف الا انه علوى , و ربما كان من تلاميذ علي بن ابراهيم , اذ
لم يثبت ذلك يقينا, من غير روايته في هذا التفسير عن شيخه القمي .كما ان الاسناد اليه ايضا مجهول , لم يعرف من الراوي لهذا التفسير عن ابي الفضل هذا.و مـن ثـم فـانـتساب هذا التفسير الى علي بن ابراهيم امر مشهور لا مستند له اما الشيخ محمد بن
يعقوب الكليني , فيروي احاديث التفسير عن شيخه علي بن ابراهيم من غير هذا التفسير, و لم نجد
من المشايخ العظام من اعتمد هذا التفسير او نقل منه .منهجه في التفسير.يبدا هذا التفسير بذكر مقدمة يبين فيها صنوف انواع الايات الكريمة , من ناسخ و منسوخ , و محكم
و متشابه , و خاص و عام , و مقدم و مؤخر, و ما هو لفظه جمع و معناه مفرد, او مفرد معناه الجمع ,
او ماض معناه مستقبل , او مستقبل معناه ماض , و ما الى ذلك من انواع الايات و ليست بحاصرة .و بـعـد ذلـك يبدا بالتفسير مرتبا حسب ترتيب السور و الايات آية فية , فيذكر الاية و يعقبها بما
رواه عـلـي بـن ابـراهيم ,و يستمر على هذا النمط حتى نهاية سورة البقرة و من بدايات سورة آل
عـمـران نراه يمزجه بما رواه عن ابي الجارود, و كذا عن غيره من سائر الرواة , و يستمر حتى
نهاية القرآن .