تفسير نمونه (الامثل ) - تفسیر والمفسرون فی ثوبه القشیب جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسیر والمفسرون فی ثوبه القشیب - جلد 2

محمد هادی معرفت

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

و قـد بـدا الـمؤلف بمقدمة في بيان هدفه من التفسير و الخطوات الاساسية التي مشى عليها, قال : ((هـل هـذا كـتـاب تفسير,و هل نحن بحاجة الى تفسير جديد امام هذا الحشد من التفاسير, التي
لم تترك جانبا من جوانب المعرفة القرآنية , الا و افاضت في تحليله و توسيعه و تعميقه , من الجوانب
الـلغوية , الى الجوانب البلاغية و الفلسفية , و النفسية و الاجتماعية و ما تزال المحاولات مستمرة
في استحداث آفاق جديدة لتفاسير جديدة ؟ و الجواب : اننا لم نكتب هذه الابحاث .

فـي الـبـدايـة كمحاولة تفسيرية جديدة , بل كانت دروسا قرآنية تلقى على مجموعة من الطلاب
الـمؤمنين المثقفين , من اجل خلق وعي قرآني يركز الوعي الاسلامي على قواعد ثابتة انطلقت هذه
الـدروس فـي خط عملي متحرك يركز على استيحا اجواالقرآن , من اجل ان نعيش تلك الاجوا في
حـيـاتنا الاسلامية الصاعدة , لان القرآن ليس كلمات لغوية تتجمد في معناها اللغوي ,بل هي كلمات
تتحرك في اجوا روحية و عملية )) ((910)) .

و مـن ثـم يـغـلب على التفسير الطابع التربوي بما لكلمة التربية من معنى اصطلاحي , يتجسد في
الارتـقـا بالانسان في كل مجالاته المختلفة , و يسعى الى احداث عملية التكيف و التفاعل بين الكائن
الادمي و بيئته الطبيعية و الاجتماعية , لتحقيق خلافة اللّه في الارض ((911)) .

و هـكـذا يمتاز هذا التفسير باسلوبه الادبي الرائع , مع المزج بينه و بين الاسلوب العلمي المتادب
النزيه , مما يجعل الكتاب رائعا يجذب القارئ اليه جذبا, و يجعله يتفاعل معه مغرما به .

و قد تم تاليف هذا التفسير القيم عام (1399 ه ), و طبع عدة طبعات , و لاتزال تعاد طبعاته , حسب
رغبة الجيل المثقف من الامة في اقتنائه و الاستضائة بانواره , لازال المؤلف مؤيدا مسددا.

تفسير نمونه (الامثل )

هو اول تفسير نموذجي ظهر الى الوجود, و كان قد تعاون عليه جمع من فضلا الحوزة العلمية بقم الـمقدسة , و ذلك خلال مدة (14) سنة (1396 ـ 1410 ه ) و لهذا كان التفسير عملا جماعيا, قد
بـذلـت فـي تـدوينه جهود, و لكن تحت اشراف العلا مة الشيخ ناصر مكارم الشيرازي , احد اعلام
الـعصر, و من المجاهدين في سبيل الدعوة الاسلامية , صاحب تليف اسلامية عريقة ,و صاحب نظر
و راي و اجتهاد.

و هـذا الـتفسير انما دون و كتب ليكون غذا نافعا للجيل المعاصر, و لذلك جا بالاهم من المواضيع
الاسـلامـية , التربوية و الاخلاقية , و متناسبا مع المستوى العام , فكانت خدمة جليلة اسداها الشيخ
مكارم و اعوانه , و قدموها للجيل المتعطش الى فهم معاني القرآن بشكل واسع , و الاستقا من مناهله
الـعذبة جا في المقدمة : ((لكل عصر خصائصه و ضروراته و متطلباته ,و هي تنطلق من الاوضاع
الاجـتـمـاعـيـة و الفكرية السائدة في ذلك العصر, و لكل عصر مشاكله و ملابساته الناتجة عن
تـغـييرالمجتمعات و الثقافات , و هو تغيير لاينفك عن مسيرة المجتمع التاريخية , و المفكر الفاعل
فـي الحياة الاجتماعية , هو ذلك الذي فهم الضرورات و المتطلبات , و ادرك المشاكل و الملابسات
و قد واجهنا دوما اسئلة وردت الينا من مختلف الفئات ,و خاصة الشباب المتعطش الى نبع القرآن عن
الـتـفـسير الافضل , كانت هذه الاسئلة تنطوي ضمنيا على بحث عن تفسير يبين عظمة القرآن عن
تحقيق لا عن تقليد, و يجيب على ما في الساحة من احتياجات و تطلعات و آلام و آمال تفسير يجدي
كـل الـفـئات , و يخلو عن المصطلحات العلمية المعقدة , و نحن نفتقر الى تفسير مثل هذا فالسلف و
الـمـعـاصـرون كـتـبـوا فـي ذلك كثيرا,و لكنها باساليب خاصة بالعلما و الادبا, و على مستويات
رفـيعة )) ((912)) فمن هنا لم يجدوا بدا من الاقدام على مثل هذا التفسيربهذا الشكل الصالح للفهم
الـعـام , الامـر الـذي يـجـعـل مـن هـذا الـتفسير على اهمية كبرى في سبيل التثقيف العام , خدمة
جليلة مشكورة .

و هـذا الـتـفـسير قد كتب بالفارسية في (27) مجلدا, و ترجم الى العربية باسم ((الامثل )) في
(20) مجلدا و طبع عدة مرات .

الكاشف

لـلكاتب العلا مة الشيخ محمدجواد مغنية , من كبار علما لبنان (1322 ـ 1400 ه ) المتخرجين من حـوزة الـنـجـف الاشـرف عين قاضيا شرعيا في بيروت , ثم مستشارا للمحكمة العليا, فرئيسا لها
بـالـوكـالة و عرضت عليه الرئاسة , لكنه رفض و انعزل , وانصرف الى التاليف , فاخرج العديد من
المؤلفات ذوات الاعتبار, منها هذا التفسير القيم , اخرجه في سبع مجلدات , و طبع عدة طبعات .

و كان الشيخ مغنية من الدعاة الى التقريب بين المذاهب , و كتب رسالات و مقالات في مجلة ((رسالة
الاسلام )) بهذا الشان ,و احسن و افاد.

و يـعد تفسيره هذا من النمط الجديد, الذي يتلائم و حاجة المسلمين في هذا العصر و لقد اجاد في
هذا المضمار, و اوجزالكلام حول مفاهيم القرآن الكريم المتوافقة مع متطلبات الزمن , في عبارات
شـيـقـة رصينة , و دلائل متينة معقولة , من غير ان يتغافل عما حققه المفسرون السلف و زاد عليه
الخلف فكان تفسيرا جامعا و شاملا و مجيبا على اسئلة الجيل الحديث , فجزاه اللّه خيرالجزا.

و هـنـاك تـفسير آخر بنفس الاسم ((كاشف )) تفسير فارسي , تعاون على تاليفه , كل من الاستاذ
الـسـيـد محمدباقر حجتي , والاستاذ عبدالكريم الشيرازي , من اساتذة جامعة طهران يقع في
12 مجلدا, و طبع منذ عام (1404 ه ) عدة طبعات .

و يعد تفسيرا جديدا في بيان الشكل الموزون لسور القرآن و نظمها, و مناسبات الايات و السور و
تبيينها و تفسيرها, مع الاهتمام بالبيان اللغوي , و ترجمة تفسيرية موجزة , و ذكر الصور و الاشكال
و الـجـداول الاحـصائية و الرسوم الجغرافية لتوضيح المعنى , مما تتطلبه حاجة الطلبة الجامعيين
الـيـوم و قـد حاولا جهدهما في عرض معلومات قرآنية هي بحاجة للجيل الجديد,مما لايتاح غالبا
العثور عليها في سائر التفاسير او هي بعيدة عن متناول الشباب المثقف في العصر الحاضر فقد كانا
موفقين في هذا الهدف السامي , جزاهما اللّه خيرا.

مخزن العرفان

تـفـسـيـر حافل جامع , هو من خير التفاسير التي انتجها الجيل الجديد, في اسلوب رائع بديع , في خمسة عشر مجلدا, باللغة الفارسية السهلة السلسة , وضعتها مفخرة النسا الايرانيات , السيدة نصرت
بنت السيد محمدعلى امين , من كبار علما اصفهان .

و قـد تفردت اصفهان من بين البلاد الاسلامية , بهذه السيدة الجليلة , التي انصرفت بمجهودها نحو
الـعـلـوم الاسـلامـيـة , حتى نالت درجة عالية من الاجتهاد في الفقاهة و في سائر العلوم الادبية و
الفلسفية و العرفان , فى ارقى درجات .

و هـذه السيدة المعروفة ب ((بانو امين )) قد بذلت جهدها البالغ في تربية النسا الفاضلات في شتى
مـناحي ايران الاسلامية وقد ازدهر البلاد بكثرة من هذه النسا العالمات , و لاتزال تزدهر البلاد
بـالـتوسع في سبيل تثقيف المراة المسلمة ثقافة اسلامية عريقة و رائقة , كل ذلك بفضل جهود هذه
السيدة الفاضلة الواعية .

و تـوفيت سنة (1403 ه ) عن عمر ناهز التسعين , فلقد عاشت سعيدة و ماتت حميدة فرحمة اللّه
عليها و بارك في علمهاباقيات صالحات .

و لها في شتى العلوم و المعارف الاسلامية كتب و رسائل قيمه , لاتزال موضع انتفاع طلا ب العلم و
رواد المعرفة .

و التفسير وضع على اسلوب تربوى , يعمد الى تزكية النفس , ثم الى تهذيب الاخلاق , في شكل جيد
بديع و يعد من خيرالاثار, فجزاها اللّه خير الجزا الصالحات .

و هـناك تفاسير اخر باللغتين الفارسية و العربية , دونت اخيرا على اثر النهضة الدينية و الحركة
الـثـقافية , في ربوع ايران الاسلامية نطوي الكلام عن ذكرها, و نحيل الطالب الى ما جمعه الفاضل
الـعلامة السيد محمدعلى ايازي في موسوعته القيمة ((المفسرون حياتهم و منهجهم )) و هو كتاب
حـافل جامع لانواع التفاسير التي زخرت بها البلاد الاسلامية و لاسيما في العصرالحاضر, جزاه
اللّه خيرا.

تفاسير ادبية

هـنـاك تفاسير غلب عليها الطابع الادبي , النحو و البلاغة و سائر علوم اللغة , و امتازت بالتعرض لهذه الجوانب من تفسيرالقرآن , نذكر الاهم منها :.

الكشاف

للعلامة جاراللّه الزمخشري هو ابوالقاسم , محمود بن عمر الخوارزمي ولد سنة (467) و توفي سـنة (538 ه ) كان معتزلي الاعتقاد, متجاهرا بعقيدته , و بنى تفسيره هذا على مذهب الاعتزال ,
طـاعـنـا فـي تـفاسير حادت عن جادة العقل بظواهر هي متنافية مع نص الشرع و هو تفسير قيم
لم يسبق له نظير في الكشف عن جمال القرآن و بلاغته و سحر بيانه , فقد امتاز المولف بالمامه بلغة
العرب و المعرفة باشعارهم و الاحاطة بعلوم البلاغة و البيان و الاعراب و لقد اضفى هذا النبوغ
الـعلمي الادبي على تفسير الكشاف ثوبا جميلا, لفت اليه انظار العلما, و علق به قلوب المفسرين , و
مـن ثـم اثـنـى عـليه كثير من اولي البصائرفي الادب و التفسير و الكلام غير ان اصحاب الراي
الاشعري نقموا عليه صراحته بمذهب الاعتزال , و تاويله لكثير من ظواهرالايات المنافية مع دليل
العقل .

ان نظرة الزمخشري في دلالة الايات الكريمة نظرة ادبية فاحصة , و كان فهمه لمعاني الايات فهما
عميقا غير متاثر بمذهب كلامي خاص , فهو لاينظر في الايات من زاوية مذهب الاعتزال , كما رموه
بـذلـك بل من زاوية فهم انسان حر, عاقل اريب ,و يحلل الايات تحليلا ادبيا في ذوق عربى اصيل ,
الامر الذي يتحاشاه اتباع مذهب الاشعري .

مثلا عند ما تعرض لتفسير قوله تعالى : (وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة ) ((913)) يقول : و
الوجه عبارة عن الجملة و الناضرة : من نضرة النعيم الى ربها ناظرة : تنظر الى ربها خاصة لاتنظر
الى غيره و هذا معنى تقديم المفعول , الا ترى الى قوله : (الى ربك يومئذ المستقر) ((914)) , (الى
ربـك يـومـئذ الـمـسـاق ) ((915)) , (الـى اللّه تـصـيـر الامـور) ((916)) , (و الـى
اللّه المصير) ((917)) , (و اليه ترجعون ) ((918)) , (عليه توكلت و اليه انيب ) ((919)) كيف
دل فيها التقديم على معنى الاختصاص ,و معلوم انهم ينظرون الى اشيا لايحيط بها الحصر, و لاتدخل
تحت العدد, في محشر يجتمع فيه الخلائق كلهم , فان المؤمنين نظارة ذلك اليوم , لانهم الامنون الذين
لاخوف عليهم و لا هم يحزنون فاختصاصه بنظرهم اليه , لو كان منظورا اليه , محال ,فوجب حمله
عـلـى مـعنى يصح معه الاختصاص و الذي يصح معه , ان يكون من قول الناس : انا الى فلان ناظر ما
يصنع بي , تريدمعنى التوقع و الرجا و منه قوله القائل :.




  • و اذا نظرت اليك من ملك
    و البحر دونك زدتني نعما.



  • و البحر دونك زدتني نعما.
    و البحر دونك زدتني نعما.



و سمعت سروية مستجدية بمكة وقت الظهر, حين يغلق الناس ابوابهم , و ياوون الى مقائلهم , تقول :
((عيينتي نويظرة الى اللّه و اليكم )) و المعنى : انهم لايتوقعون النعمة و الكرامة الا من ربهم , كما
كانوا في الدنيا لايخشون و لايرجون الا اياه ((920)) .

انـظـر الى هذا التحقيق الانيق الذي سمحت به قريحة مثل الزمخشري العلامة الاديب الاريب , و
لـكن اصحاب الراي المعوج لم يرقهم هذا البيان الكافي الشافي , فجعلوا يهرولون حوله في ضجيج و
عويل , زاعمين انه خالف راي اهل السنة ,و اول القرآن وفق مذهب الاعتزال .

هذا ابن المنير الاسكندري تراه يهاجم الزمخشري في لحن عنيف , قائلا : ما اقصر لسانه عند هذه
الاية , فكم له يدندن و يطبل في جحد الرؤية , و يشقق القبا و يكثر و يتعمق , فلما فغرت هذه الاية
فـاها, صنع في مصادمتها بالاستدلال و ما يعلم ان المتمتع برؤية جمال وجه اللّه تعالى لايصرف عنه
طـرفـه , و لايـؤثـر عليه غيره , كما لايصرف العاشق اذا ظفر برؤية محبوبه النظر عنه , فكيف
بـالـمـحـب للّه اذا احظاه النظر الى وجهه الكريم نسال اللّه ان يعيذنا من مزالق البدعة و مزلا ت
الشبهة ((921)) .

و يـقـول الـشيخ محمد عليان ـ في الهامش ايضا ـ : عدم كونه تعالى منظورا اليه , مبني على مذهب
المعتزلة , و هو عدم جواز رؤيته تعالى و مذهب اهل السنة جوازها.

و قـال الـشـيخ احمد مصطفى المراغي (الى ربها ناظرة ) : اي تنظر الى ربها عيانا بلا حجاب قال
جـمهور اهل العلم : المرادبذلك ما تواترت به الاحاديث الصحيحة , من ان العباد ينظرون الى ربهم
يـوم الـقـيـامـة , كما ينظرون الى القمر ليلة البدر قال ابن كثير : و هذا بحمد اللّه مجمع عليه من
الـصـحـابة و التابعين و سلف هذه الامة , كما هو متفق عليه بين ائمة الاسلام و هداة الانام و روى
الـبـخاري :((انكم سترون ربكم عيانا)) و روى الشيخان : ((ان ناسا قالوا : يا رسول اللّه (ص )
هل نرى ربنا يوم القيامة ؟فقال : هل تضارون في رؤية الشمس و القمر ليس دونهما سحاب ؟ قالوا :
لا, قال : فانكم ترون ربكم كذلك )) ((922)) .

و قـد اكـثـر اهـل الـحـديـث مـن روايـات بهذا الشان , اخذ بظاهرها السلف , و من تبعهم من اهل
الظاهر ((923)) .

و اسـتـدل شـيـخ اهـل السنة ابوالحسن الاشعري بهذه الاية على جواز رؤية اللّه في الاخرة , و
اسـتـشهد بموضع ((الى )) من هذه الاية , قال : (وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة ) اي رائية , اذ
ليس يخلو النظر من وجوه ثلاثة : اما نظر الاعتبار, كما في قوله تعالى : (افلا ينظرون الى الابل
كـيـف خـلـقـت ) ((924)) , او نـظـر الانـتـظـار, كـمـا فـي قـولـه تعالى : (ما ينظرون الا
صـيحة واحدة ) ((925)) , او نظر الرؤية اما الاول فلايجوز, لان الاخرة ليست بدار اعتبار و
كذا الثاني , لان النظر اذا ذكر مع الوجه فمعناه نظر العينين اللتين في الوجه , و لان نظر الانتظار
لايـقـرن بـ ((الى )), كما في قوله تعالى : (فناظرة بم يرجع المرسلون ) ((926)) قال :فان قال
قـائل : لم لايجوز ان يراد ((الى ثواب ربها ناظرة ))؟ قيل له : ثواب اللّه غيره , و قد قال تعالى :
(الـى ربـهـا نـاظـرة ), و لم يقل : الى غيره ناظرة , و القرآن على ظاهره , و ليس لنا ان نزيله عن
ظاهره الا لحجة ((927)) .

امـا اهـل العدل و التنزيه فكانت نظرتهم في توحيد اللّه نظرة في غاية السموو الرفعة , فطب قوا
قـوله تعالى : (ليس كمثله شي ) ((928)) ابدع تطبيق , و فصلوه خير تفصيل , و حاربوا الانظار
الـوضـعـية التي تثبت ان للّه تعالى جسما, و ان له وجهاو يدين و عينين , و له جهة فوقية , و عرش
يـسـتـوي عليه جالسا, و انه يرى بالابصار, الى آخر ما قالته الاشاعرة و اذنابهم من المشب هة و
الـمـجـسمة فاتى اهل العدل و سموا على هذه الانظار, و فهموا من روح القرآن : تجريد اللّه عن
المادية , فساروا في تفسيرها تفسيرا دقيقا واسعا, و اولوا ما يخالف هذا المبدا, و سلسلوا عقائدهم
تسلسلا منطقيا.

و قـد فـصـل الـكـلام ـ فـي نـفـي رؤيته تعالى ـ القاضي عبد الجبار في كتابه ((شرح الاصول
الخمسة )) ((929)) و اوفى البحث حقه و هكذا الخواجا نصير الدين الطوسي في مختصر العقايد
((التجريد)) ((930)) .

و مـلخص الكلام في نفي الرؤية : ان النظر بالعين عبارة عن اشعاع نوري يحيط بالجسم المرئي ,
الامـر الذي يستدعي مقابلة و مواجهة , و هو يلازم الجسمية و الاية الكريمة تصف موقف المؤمنين
فـي ذلـك الـيوم , انهم على رغم اهواله الجسام مبتهجون مسرورون , ليس لشي الا لانهم منصرفون
بـكليتهم عن غيره تعالى , و متوجهون بكل وجودهم الى اللّه و النظر بهذا المعنى يتعدى ب ((الى ))
كما جا في قول السروية , و قول الشاعر :.




  • اني اليك لما وعدت لناظر
    نظر الفقير الى الغني الموسر.



  • نظر الفقير الى الغني الموسر.
    نظر الفقير الى الغني الموسر.



و كانت عائشة تنكر اشد الانكار امكان رؤيته تعالى بالابصار ففي حديث مسروق عنها المتفق عليه
قال : قلت لعائشة :يا امتاه , هل راى محمد ربه ليلة المعراج ؟ فقالت : لقد قف شعري مما قلت مـن ثـلاث , مـن حدثكهن فقد كذب : من حدثك ان محمدا راى ربه فقد كذب , و قد اعظم على اللّه
الفرية , ثم قرات (لا تدركه الابصار و هو يدرك الابصار و هواللطيف الخبير ) ((931)) , و من
حـدثـك انه يعلم ما في غد فقد كذب , ثم قرات (و ماتدري نفس ماذا تكسب غدا) ((932)) , ومن
حـدثـك انـه (ص ) كتم شيئا من الدين , فقد كذب ثم قرات (يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك
) ((933)) .

هـذا حديث متفق عليه رواه الشيخان و غيرهما من اصحاب الصحاح ((934)) و هكذا كان مجاهد
يـقـول في آية القيامة (الى ربها ناظرة ) : تنتظر ثواب ربها في حديث رواه عبد بن حميد عنه , قال
الحافظ ابن حجر : سنده الى مجاهد صحيح ((935)) .

و مـن ثـم فـان النابهين من الامة , و لاسيما في عصر متاخر, هبوا ينكرون امكان رؤيته تعالى على
الاطـلاق , اذا كان المقصودمن الرؤية الاحاطة بذاته المقدسة بتحديق العين اليه , فانه محال البتة ,
فانه ملازم للتقابل و الجسمية المحالين عليه سبحانه .

قـال صـاحـب الـمنار في وجل من اصحابه في الخروج من مذهب اسلافه : و اما رؤية الرب تعالى
فـربـما قيل بادئ الراي : ان آيات النفي فيها اصرح من آيات الاثبات , كقوله تعالى : (لن تراني ), و
قـوله تعالى : (لا تدركه الابصار) فهما اصرح دلالة على النفي من دلالة قوله تعالى : (وجوه يومئذ
ناضرة الى ربها ناظرة ) على الاثبات , فان استعمال النظر بمعنى الانتظار, كثير في القرآن و كلام
العرب , كقوله : (ما ينظرون الا صيحة واحدة ) ((936)) , (هل ينظرون الا تاويله ) ((937)) ,
(هـل ينظرون الا ان ياتيهم اللّه في ظلل من الغمام و الملائكة ) ((938)) و ثبت انه استعمل بهذا
الـمـعنى متعديا ب ((الى )), و لذلك جعل بعضهم وجه الدلالة فيه على المعنى الاخر ـ و هو توجيه
الـبـاصـرة , الـى ما تراد رؤيته ـ انه اسند الى الوجوه , و ليس فيها ما يصحح اسناد النظراليها الا
العيون الباصرة , و هو في الدقة كما ترى (اي ليس ذلك ظاهر الاية ظهورا عرفيا) ((939)) و
لصاحب المنار هنا في توجيه و تاويل كلام اهل السنة كلام طويل , لايستغني الباحث عن مراجعتها.

و لنا ايضا بحث مستوف بمسالة الرؤية عرضناه في بحث المتشابهات ((940)) .

اعتماده على التاويل و التمثيل

و هكذا نجد الزمخشري يعتمد في تفسيره على ضروب من التاويل و المجاز و التمثيل , فيحمل ما ظـاهـره الـتـنـافـي مع العقل او الاصول المتلقاة من الشرع , على ضرب من التمثيل و الاستعارة و
المجاز, الامر الذي اثار نعرات خصومه اهل السنة و الجماعة , ناقمين عليه تصريفه لظواهر آيات
القرآن الحكيم .

مثلا نجده عند تفسير الاية (72) من سورة الاحزاب , يقول :.

قوله : (انا عرضنا الامانة ) و هو يريد بالامانة الطاعة , فعظم امرها و فخم شانها, و فيه وجهان :.

احدهما : ان هذه الاجرام العظام من السماوات و الارض و الجبال , قد انقادت لامر اللّه عزوعلا,
انقياد مثلها, و هو مايتاتى من الجمادات , و اطاعت له الطاعة التي تصح منها و تليق بها, حيث لم تمتنع
عـلى مشيئته و ارادته ايجادا و تكويناو تسوية على هيت مختلفة و اشكال متنوعة , كما قال : (قالتا
اتـيـنـا طـائعين ) ((941)) و اما الانسان فلم تكن حاله ـ فيما يصح منه من الطاعات , و يليق به من
الانـقـيـاد لاوامـر اللّه و نـواهـيـه , و هـو حيوان عاقل صالح للتكليف ـ مثل حال تلك الجمادات
فيمايصح منها و يليق بها من الانقياد, و عدم الامتناع .

و المراد بالامانة , الطاعة , لانها لازمة الوجود, كما ان الامانة لازمة الادا.

و عرضها على الجمادات , و اباؤها و اشفاقها : مجاز.

و اما حمل الامانة , فمن قولك : فلان حامل للامانة و محتمل لها, تريد انه لايؤديها الى صاحبها حتى
تـزول عن ذمته و يخرج عن عهدتها, لان الامانة كانها راكبة للمؤتمن عليها و هو حاملها الا تراهم
يـقولون : ركبته الديون ولي عليه حق , فاذااداها لم تبق راكبة له و لا هو حامل لها و نحوه قولهم :
لايـمـلـك مـولـى لمولى نصرا, يريدون انه يبذل النصرة له و يسامحه بها,و لايمسكها كما يمسك
الخاذل و منه قول القائل :.




  • اخوك الذي لاتملك الحس نفسه
    و ترفض عند المحفظات الكتائف ((942)) .



  • و ترفض عند المحفظات الكتائف ((942)) .
    و ترفض عند المحفظات الكتائف ((942)) .



اي لايمسك الرقة و العطف امساك المالك الضنين ما في يده , بل يبذل ذلك و يسمح به و منه قولهم :
ابغض حق اخيك ,لانه اذا احبه لم يخرجه الى اخيه و لم يؤده , و اذا ابغضه اخرجه و اداه .

فـمعنى (فابين ان يحملنها و اشفقن منها و حملها الانسان ) ((943)) : فابين الا ان يؤدينها, و ابى
الانـسـان الا ان يـكـون مـحتملا لها لايؤديها, ثم وصف بالظلم لكونه تاركا لادا الامانة , و بالجهل ,
لاخطائه ما يسعده مع تمكنه منه , و هو اداؤها.

و الـثـانـي : ان ما كلفه الانسان بلغ من عظمه و ثقل محمله , انه عرض على اعظم ما خلق اللّه من
الاجـرام و اقـواه و اشده , ان يتحمله و يستقل به , فابى حمله و الاستقلال به و اشفق منه و حمله
الانسان على ضعفه و رخاوة قوته انه كان ظلوما جهولا,حيث حمل الامانة ثم لم يف بها, و ضمنها ثم
خاس بضمانه فيها ((944)) .

قال : و نحو هذا من الكلام كثير في لسان العرب , و ما جا القرآن الا على طرقهم و اساليبهم و من
ذلـك قـولـهم : لو قيل للشحم اين تذهب , لقال : اسوي العوج و كم لهم من امثال على السنة البهائم و
الـجمادات و تصور مقالة الشحم محال , و لكن الغرض ان السمن في الحيوان مما يحسن قبيحه , كما
ان العجف مما يقبح حسنه فصور اثر السمن فيه تصويرا هو اوقع في نفس السامع , و هي به آنس , و
له اقبل , و على حقيقته اوقف .

و كذلك تصوير عظم الامانة و صعوبة امرها و ثقل محملها و الوفا بها.

و هنا تقوم امام الزمخشري صعوبات و مشاكل , يصورها لنا في سؤاله :.

فـان قلت : قد علم وجه التمثيل في قولهم للذي لايثبت على راي واحد : اراك تقدم رجلا و تؤخر
اخـرى , لانـه مـثـلت حاله في تميله و ترجحه بين الرايين , و تركه المضي على احدهما بحال من
يـتـردد فـي ذهـابـه , فـلايجمع رجليه للمضي في وجهه و كل واحد من الممثل و الممثل به , شي
مستقيم , داخل تحت الصحة و المعرفة و ليس كذلك ما في هذه الاية , فان عرض الامانة على الجماد
و اباه و اشفاقه محال في نفسه , غير مستقيم , فكيف صح بنا التمثيل على المحال و ما مثال هذا الا ان
تشبه شيئا, و المشبه به غير معقول .

و لكن الزمخشري لاتوقفه هذه الصعوبات , بل نراه يتخلص منها بكل دقة و براعة , حيث يقول :.

قـلت : الممثل به في الاية و في قولهم : ((لو قيل للشحم اين تذهب )) و في نظائره , مفروض , و
الـمـفـروضات تتخيل في الذهن كما المحققات : مثلت حال التكليف في صعوبته , و ثقل محمله بحاله
المفروضة لو عرضت على السماوات و الارض و الجبال لابين ان يحملنها و اشفقن منها ((945)) .

قـال الـذهـبـي : و هـذه الطريقة التي يعتمد عليها الزمخشري في تفسيره اعني طريقة الفروض
الـمـجـازيـة , و حمل الكلام الذي يبدو غريبا في ظاهره , على انه من قبيل التعبيرات التمثيلية او
التخييلية قد اثارت حفيظة خصمه السني ابن المنير الاسكندري عليه , فاتهمه باشنع التهم في كثير
من المواضع التي تحمل هذا الطابع , و نسبه الى قلة الادب و عدم الذوق ((946)) .

فـمـثـلا عـنـد ما يعرض الزمخشري لقوله تعالى : (لو انزلنا هذا القرآن على جبل لرايته خاشعا
مـتـصدعا من خشية اللّه ,و تلك الامثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون ) ((947)) نراه يقول : هذا
تـمـثيل و تخييل , كما مر في آية عرض الامانة , و قد دل عليه قوله تعالى : (و تلك الامثال نضربها
للناس ) و الغرض توبيخ الانسان على قسوة قلبه و قلة تخشعه عند تلاوة القرآن ,و تدبر قوارعه
و زواجره ((948)) .

و لكن هذا قد اغضب ابن المنير, فقال معقبا عليه : و هذا مما تقدم انكاري عليه فيه , افلا كان يتادب
بـادب الايـة , حـيـث سمى اللّه هذا مثلا, و لم يقل : و تلك الخيالات نضربها للناس الهمنا اللّه حسن
الادب معه , و اللّه الموفق .

غـير ان الزمخشري ولع بهذه الطريقة , فمشى عليها من اول تفسيره الى آخره , و لم يقبل المعاني
الـظاهرة التي اخذ بها اهل السنة و حسبوها اقرب الى الصواب , كما لاينفك عن التنديد باهل السنة
الـذيـن يـقبلون هذه المعاني الظاهرة و يقولون بها,و كثيرا ما ينسبهم من اجل ذلك الى انهم من اهل
الاوهـام و الـخـرافات , كما عرفت من هجوه لهم في الشعر المتقدم و قدسماهم اهل الحشو, عند
تفسيره لاية (36) من سورة آل عمران (و اني اعيذها بك و ذريتها من الشيطان الرجيم ) قال : و
مـايـروى من الحديث : ((ما من مولود يولد الا و الشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخا من مس
الشيطان اياه الا مريم و ابنها))فاللّه اعلم بصحته فان صح فمعناه : ان كل مولود يطمع الشيطان في
اغـوائه الا مـريـم و ابنها, فانهما كانا معصومين و كذلك كل من كان في صفتهما, كقوله تعالى : (لا
غـويـنـهـم اجـمعين الا عبادك منهم المخلصين ) ((949)) و استهلاله صارخا من مسه , تخييل و
تصوير لطمعه فيه , كانه يمسه و يضرب بيده عليه , و يقول : هذا ممن اغويه , و نحوه من التخييل
قول ابن الرومي :.




  • لما تؤذن الدنيا به من صروفها
    يكون بكا الطفل ساعة يولد.



  • يكون بكا الطفل ساعة يولد.
    يكون بكا الطفل ساعة يولد.



و امـا حـقـيقة المس و النخس كما يتوهم اهل الحشو فكلا و لو سلط ابليس على الناس بنخسهم ,
لامتلات الدنيا صراخاو عياطا مما يبلونا به من نخسه ((950)) .

و اليك امثلة اخرى لتقف على مقدار تمسكه بهذه الطريقة :.

فـفـي سـورة الـبـقـرة عند قوله تعالى : (وسع كرسيه السماوات و الا رض ) ((951)) يذكر
الـزمخشري في معنى ((الكرسي )) اربعة اوجه , و يقول في الوجه الاول منها : ان كرسيه لم يضق
عـن السماوات و الارض لبسطته و سعته , و ما هو الا تصوير لعظمته و تخييل فقط, و لا كرسي
ثـمـة , و لا قـعود, و لا قاعد, كقوله تعالى : (و ما قدروا اللّه حق قدره و الا رض جميعا قبضته
يوم القيامة و السماوات مطويات بيمينه ) ((952)) من غير تصور قبضة و طى و يمين , و انما هو
((953)).
؟ الامر الذي لم يرتض ابن المنير, و من ثم عقبه بقوله : قوله : ((ان ذلك تخييل للعظمة )) سؤ ادب
في الاطلاق , و بعد في الاصرار, فان التخييل انما يستعمل في الاباطيل و ما ليست له حقيقة صدق ,
فـان يـكـن مـعـنى ما قاله صحيحا فقد اخطا في التعبيرعنه بعبارة موهمة , لا مدخل لها في الادب
الشرعي و سياتي له امثالها مما يوجب الادب ان يجتنب .

و فـي سـورة الاعـراف عـنـد تـفـسـيـر آيـة الـميثاق يقول : و قوله : (الست بربكم قالوا بلى
شـهـدنا) ((954)) من باب التمثيل و معنى ذلك : انه نصب لهم الادلة على ربوبيته و وحدانيته , و
شهدت بها عقولهم و بصائرهم التي ركبها فيهم , و جعلها مميزة بين الضلالة و الهدى , فكانه اشهدهم
عـلى انفسهم و قررهم , و قال لهم : الست بربكم , و كانهم قالوا : بلى انت ربنا, شهدناعلى انفسنا و
اقـررنـا بـوحـدانيتك و باب التمثيل واسع في كلام اللّه تعالى و رسوله (ع ) و في كلام العرب و
نـظـيره قوله تعالى :(انما قولنا لشى اذا اردناه ان نقول له كن فيكون ) ((955)) , (فقال لها و للا
رض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين ) ((956)) .

و قوله :.




  • اذ قالت الانساع للبطن الحق
    قدوما فضت كالفنيق المحنق ((957)) و قوله :.



  • قدوما فضت كالفنيق المحنق ((957)) و قوله :.
    قدوما فضت كالفنيق المحنق ((957)) و قوله :.






  • قـالـت لـه ريح الصبا قرقار
    و اختلط المعروف بالانكار ((958))



  • و اختلط المعروف بالانكار ((958))
    و اختلط المعروف بالانكار ((958))



قال الذهبي : و لكن ابن
المنير السني لم يرض هذا من الزمخشري بطبيعة الحال , و لذا تعقبه بقوله : اطلاق التمثيل احسن
و قدورد الشرع به اما اطلاق التخييل على كلام اللّه تعالى فمردود, و لم يرد به سمع , و قد كثر
انـكارنا عليه لهذه اللفظة ثم ان القاعدة مستقرة على ان الظاهر ما لم يخالف المعقول يجب اقراره على
مـا هـو عليه , فلذلك اقره الاكثرون على ظاهره و حقيقته ,و لم يجعلوه مثالا اما كيفية الاخراج و
المخاطبة فاللّه اعلم بذلك ((959)) .

و مـسالة ((التمثيل )) و ((التخييل )) يستعملها الزمخشري بحرية اوسع فيما ورد من الاحاديث
الـتي يبدو ظاهرها مستغربا,و قد مر كلامه في حديث مس الشيطان و نخسه للمواليد, الامر الذي
اثار ثائرة خصمه السني الذي لم يرتض هذا الصنيع من خصمه المعتزلي , فتراه يتورك عليه بقوله :
امـا الـحـديـث فـمـذكور في الصحاح متفق على صحته , فلا محيص له اذن عن تعطيل كلامه (ع )
بتحميله ما لايحتمله , جنوحا الى اعتزال منتزع , في فلسفة منتزعة , في الحاد, ظلمات بعضها فوق
بعض ((960)) .

امتهانه بشان القرا

و هـكذا نجد الزمخشري قد اغاظ خصومه اهل الظاهر و المقلدة من اهل السنة و الجماعة , حيث رفض حجية القراات حجية تعبدية , حتى و لو كانت على خلاف الفصحى من اللغة , اذ لم تثبت حجيتها
بهذه السعة و الاطلاق , فاذاما تعارضت قراة مع المقرر من لغة العرب الفصحى , نجد العلما المحققين
امثال الزمخشري يرفضون تلك القراة , حفاظا على سلامة القرآن ,من خلل في فصاحته العليا, الامر
الذي لم يرتضه المقلدة من اهل الظاهر, فهبوا يهاجمونه باشنع القذائف .

هـذا ابن عامر قارئ دمشق , و هو احد القرا السبعة قرا : (و كذلك زين لكثير من المشركين قتل
اولا دهـم شـركـاؤهـم ) ((961)) برفع ((قتل )) و نصب ((اولادهم )) و جر((شركائهم ))
باضافة ((قتل )) الى ((شركائهم )) مع الفصل بالمفعول به ,و قراة ((زى ن )) مبنيا للمفعول .

فـانكر عليه الزمخشري و عد قراته هذه سمجة مردودة , قال : و اما قراة ابن عامر فشي لو كان
في مكان الضرورات و هو الشعر, لكان سمجا مردودا, كما سمج و رد :.

فزججتها بمزجة
زج القلوص ابي مزادة ((962)) .

فكيف به في الكلام المنثور, فكيف به في القرآن المعجز بحسن نظمه و جزالته .

قال : و الذي حمله على ذلك , ان راى في بعض المصاحف ((شركائهم )) مكتوبا باليا و لو قرا بجر
الاولاد و الـشـركـا, لان الاولاد شـركـاؤهـم فـي امـوالـهـم , لوجد في ذلك مندوحة عن هذا
الارتكاب ((963)) .

و فـي ذلـك امـتـهـان بـشـان ابن عامر ((964)) و استهانة بشان قراته غيرالمستندة الى حجة
معتبرة ((965)) , الامر الذي اثار نعرات القوم ضده و جعلوه يقذفونه باقبح الشتائم هذا ابن المنير
الاسـكندري الهائم في تيه ضلاله , يعلو بنشيجه في ذلك , يقول في حدة و غضب : لقد ركب المصنف
فـي هذا الفصل متن عميا, و تاه في تيها, و انا ابرا الى اللّه , و ابرئ حملة كتابه و حفظة كلامه مما
رماهم به , فانه تخيل ان القرا ـ ائمة الوجوه السبعة ـ اختار كل منهم حرفا قرا به اجتهادا لا نقلا
و سـمـاعـا, فـلـذلك غلط ابن عامر في قراته هذه و لم يعلم الزمخشري ان ابن عامر قرا بها, يعلم
ضـرورة ان الـنبي (ص ) قراها على جبرائيل كماانزلها عليه كذلك , و تواترت عن النبي (ص ) و
لولا عذر ان المنكر ليس من اهل الشانين : علم القراة و علم الاصول , لخيف عليه الخروج من ربقة
الدين , و انه على هذا العذر لفي عهدة خطرة و زلة منكرة ((966)) .

و قال ابوحيان الاندلسي : ((و اعجب لعجمي ضعيف في النحو يرد على عربي صريح محض قراة
متواترة , موجودنظيرها في ((لسان العرب )) في غيرما بيت , و اعجب لسؤ ظن هذا الرجل بالقرا
الائمـة الـذيـن تخيرتهم هذه الامة لنقل كتاب اللّه شرقا و غربا, و قد اعتمد المسلمون على نقلهم
لضبطهم و معرفتهم و ديانتهم و لا التفات لقول ابي علي الفارسي : هذا قبيح قليل في الاستعمال و قال
قبل ذلك : و لا التفات الى قول ابن عطية : و هذه قراة ضعيفة في استعمال العرب )) ((967)) .

و قال الكواشي ـ هو احمد بن يوسف ابوالعباس الموصلي صاحب تفسير, توفي سنة (680 ه ) ـ :
((كـلام الـزمـخـشري يشعر بان ابن عامر ارتكب محظورا, و انه غير ثقة , لانه ياخذ القراة من
الـمصحف لا من المشايخ , و مع ذلك اسندها الى النبي (ص ) و ليس الطعن في ابن عامر طعنا فيه , و
انما هو طعن في علما الامصار, حيث جعلوه احد القرا السبعة المرضية ,و في الفقها حيث لم ينكروا
عليه , و انهم يقراونها في محاريبهم , و اللّه اكرم من ان يجمعهم على الخطا)).

و قـال التفتازاني : هذا اشد الجرم , حيث طعن في اسناد القرا السبعة و رواياتهم , و زعم انهم انما
يقراون من عند انفسهم و هذه عادته , يطعن في تواتر القراات السبع , و ينسب الخطا تارة اليهم , كما
في هذا الموضع , و تارة الى الروايات عنهم و كلاهما خطا)) ((968)) .

و تـقـلد الالوسي عبارة ابن المنير : ((و قد ركب في هذا الكلام عميا و تاه في تيها, فقد تخيل ان
القرا ائمة الوجوه السبعة اختار كل منهم حرفا قرا به اجتهادا لا نقلا و سماعا, كما ذهب اليه بعض
الـجهلة , فلذلك غلط ابن عامر في قراته هذه و اخذيبين منشا غلطه , و هذا غلط صريح يخشى منه
الكفر و العياذ باللّه تعالى فان القراات السبع متواترة جملة و تفصيلا عن افصح من نطق بالضاد(ص )
فـتـغـلـيـط شـي مـنـهـا فـي معنى تغليط رسول اللّه (ص ) بل تغليط اللّه , نعوذ باللّه سبحانه من
ذلك )) ((969)) .

تهاجمه على اهل السنة

كما و لم يقصر الزمخشري في تهاجمه على خصومه من اهل السنة , فلم يدع فرصة اثنا تفسيره الا و قـذفـهـم بقذائف لاذعة و قرعهم بمقامع دامغة قال الذهبي : و ان المتتبع لما في ((الكشاف )) من
الجدل المذهبي , ليجد ان الزمخشري قد مزجه في الغالب بشي من المبالغة في السخرية و الاستهزا
بـاهـل الـسـنة , فهو لايكاد يدع فرصة تمر بدون ان يحقرهم و يرميهم بالاوصاف المقذعة , فتارة
يـسـمـيـهـم الـمـجـبرة , و اخرى يسميهم الحشوية , و ثالثة يسميهم المشبهة , و احيانا يسميهم
الـقـدريـة ,تـلك التسمية التي اطلقها اهل السنة على منكري القدر, فرماهم بها الزمخشري , لانهم
يـؤمـنون بالقدر كما جعل حديث الرسول (ص ) الذي حكم فيه على القدرية انهم مجوس هذه الامة ,
مـنـصبا عليهم , و ذلك حيث قال عند تفسيره لقوله تعالى (و اما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على
الـهدى ) ((970)) : و لو لم يكن في القرآن حجة على القدرية الذين هم مجوس هذه الامة , بشهادة
نبيها(ص ) ـ و كفى به شاهدا ـ الا هذه الاية لكفى بها حجة ((971)) .

كـمـا سـماهم بهذا الاسم و رماهم بانهم يحيون لياليهم في تحمل الفاحشة , ينسبونها الى اللّه تعالى ,
حـيث قال عند تفسيره لقوله تعالى (قد افلح من زكاها و قد خاب من دساها) ((972)) : و اما قول
من زعم ان الضمير في ((زكى )) و ((دسى )) للّه تعالى ,و ان تانيث الضمير الراجع الى ((من ))
لانـه في معنى النفس , فمن تعكيس القدرية الذين يوركون ((973)) على اللّه قدرا هو بري منه و
متعال عنه و يحيون لياليهم في تمحل فاحشة ينسبونها اليه ((974)) .

و الـظـاهـرة الـعـجـيبة في خصومة الزمخشري , انه يحرص كل الحرص على ان يحول الايات
الـقـرآنـيـة التي وردت في حق الكفار, الى ناحية مخالفيه في العقيدة من اهل السنة , ففي سورة آل
عـمـران حـيـث يـقـول تـعـالـى : (و لا تـكـونـوا كـالـذيـن تـفرقواو اختلفوا من بعد ما جاهم
الـبـيـنات ) ((975)) , نجد الزمخشري بعد ما يعترف بان الاية واردة في حق اليهود و النصارى
يـجوزان تكون واردة في حق مبتدعي هذه الامة , و ينص على انهم ((المشبهة )) و ((المجبرة ))
و ((الحشوية )) و اشباههم ((976)) .

و في سورة يونس , حيث يقول تعالى : (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه و لماياتهم تاويله ) ((977)) ,
يقول : بل سارعوا الى التكذيب بالقرآن و فاجاوه في بديهة السماع قبل ان يفقهوه و يعلموا كنه امره ,
و قـبل ان يتدبروه و يقفوا على تاويله و معانيه ,و ذلك لفرط نفورهم عما يخالف دينهم , و شرادهم
عن مفارقة دين آبائهم , كالناشئ على التقليد من ((الحشوية )) اذا احس بكلمة لاتوافق ما نشا عليه و
الفه و ان كانت اضوا من الشمس في ظهور الصحة و بيان الاستقامة انكرها في اول وهلة , و اشماز
مـنـهـاقبل ان يحس ادراكها بحاسة سمعه , من غير فكر في صحة او فساد, لانه لم يشعر قلبه الا
صحة مذهبه و فساد ما عداه من المذاهب ((978)) .

و لـقد اظهر الزمخشري تعصبا قويا لمذهبه , الى حد جعله يخرج خصومه السنيين من دين اللّه , و
هـو الاسـلام , و ذلك حيث يقول عند تفسيره لقوله تعالى (شهد اللّه انه لا اله الا هو و الملا ئكة و
اولـوا الـعلم ) ((979)) : فان قلت : ما المراد باولي العلم الذين عظمهم هذا التعظيم , حيث جمعهم
معه و مع الملائكة في الشهادة على وحدانيته و عدله ؟.

/ 28