او اقـتضا الضرورة لكنه مع ذلك لايغفل الاحاديث الماثورة عن ائمة اهل البيت , مهما بلغ الاسناد من
ضـعـف و وهـن , او اضـطـراب في المتن , و بذلك قد يخرج عن اسلوبه الذاتي فنراه يذكر بعض
المناكير مما ترفضه العقول , و يتحاشاه ائمة اهل البيت الاطهار لكنه قليل بالنسبة الى سائر موارد
تفسيره فالتفسير في مجموعه تفسير نفيس لولا وجود هذه القلة من المناكير و قد اشرنا الى طرف
من ذلك , عند الكلام عن التفاسيرالمعزوة الى ائمة اهل البيت .
4 ـ تفسير الحويزي (نور الثقلين )
تـالـيـف عـبـد عـلي بن جمعة العروسي الحويزي , من محدثي القرن الحادي عشر, المتوفى سنة (1112) كـان عـلى مشرب الاخبارية , كان محدثا فقيها, و شاعرا اديبا جامعا سكن شيراز و حدثبها, و تتلمذ على يديه جماعة , منهم السيد نعمة اللّه الجزائري , و غيره .انـه جمع ما عثر عليه من روايات معزوة الى ائمة اهل البيت (ع ) مما يرتبط نحو ارتباط بي الذكر
الـحكيم , تفسيرا او تاويلا,او استشهادا او تاييدا و في الاغلب لا مساس ذاتيا للحديث مع الاية في
صـلب مفهومها او دلالتها, و انما تعرض لها بالعرض لغرض الاستشهاد, و نحو ذلك , هذا فضلا عن
ضعف الاسانيد او ارسالها الا القليل المنقول من المجامع الحديثية المعتبرة .و هـو لايـستوعب جمع آي القرآن , كما انه لايذكر النص القرآني , سوى سرده للروايات تباعا,
حسب ترتيب الايات و السورو لايتعرض لنقد الروايات و لاعلاج معارضاتها.يـقـول الـمـؤلف في المقدمة : ((و اما ما نقلت مما ظاهره يخالف لاجماع الطائفة فلم اقصد به بيان
اعـتقاد و لا عمل , و انمااوردته ليعلم الناظر المطلع كيف نقل و عمن نقل , ليطلب له من التوجيه ما
يـخـرجه من ذلك , مع اني لم اخل موضعا من تلك المواضع عن نقل ما يضاده , و يكون عليه المعول في
الكشف و الابدا)) ((651)) .و بذلك يتخلص بنفسه عن مازق تبعات ما اورده في كتابه من مناقضات و مخالفات صريحة , مع اسس
قواعد المذهب الحنيف , و يوكل النظر و التحقيق في ذلك الى عاتق القارئ .و نحن نرى انه قصر في ذلك , اذ كان من وظيفته الاعلام و البيان لمواضع الابهام و الاجمال , كما
فعله المجلسي العظيم في بحار انواره , اذ رب رواية اوهنت من شان الدين فلا ينبغي السكوت عليها
و المرور عليها مرور الكرام , مما فيه اغراالجاهلين احيانا, او ضعضعة عقيدة بالنسبة الى مقام ائمة
اهـل الـبـيـت (ع ) فلم يكن ينبغي نقل الرواية و تركها على عواهنها,الامر الذي اوجب مشاكل في
عقائد المسلمين .مـن ذلـك انـه يـذكـر فـي ذيـل قـوله تعالى : ( ان اللّه لايستحيي ان يضرب مثلا ما بعوضة فما
فـوقـهـا) ((652)) روايـة مـشـوهـة موهونة , و ينسبه الى الامام الصادق (ع ) : ((فالبعوضة :
اميرالمؤمنين , و ما فوقها : رسول اللّه )) ((653)) .كـمـا انه ينقل اخبارا مشتملة على الغلو و الوهن بشان الائمة و يسترسل في نقل الاسرائيليات و
الـموضوعات كما في قصة هاروت و ماروت , و ان الزهرة كانت امراة فمسخت , و ان الملكين زنيا
بـها و نحو ذلك من الاساطير الاسرائيلية و الاكاذيب الفاضحة ((654)) , ملا بها كتابه , و شحنه
شحنا بلا هوادة .منهجه في التفسير.نعم انه يسرد الروايات سردا تباعا من غير هوادة , يذكر الرواية تلو الاخرى ايا كان نمطها, و في
اى بنية كانت صيغتها, انمايذكرها لانها رواية تعرضت لجانب من جوانب الاية باى اشكال التعرض .مثلا ـ في سورة النسا ـ يبدا بذكر ثواب قراتها, فيذكر رواية مرسلة عن النبي (ص ) ان من قراها
فكانما تصدق على كل من ورث ميراثا, و لعل المناسبة ان السورة تعرضت لاحكام المواريث , ثم ياتي
لتفسير قوله تعالى : (يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ) ((655)) فيذكر رواية
: انـهـم قـرابة الرسول و سيدهم اميرالمؤمنين , امروا بمودتهم فخالفوا ماامروا به لم نعرف وجه
المناسبة بين هذا الكلام و الاية الكريمة .ثـم يـروي : ان حـوا انما سميت حوا, لانها خلقت من حي فلو صح , لكان الاولى ان يقال لها : حيا و
هـكـذا يروي ان المراة سميت بذلك , لانها مخلوقة من المر, اي الرجل , لانها خلقت من ضلع آدم ثم
يناقض ذلك بذكر رواية تنفي ان تكون خلقت من ضلع آدم , بل انها خلقت من فاضل طينته .فـي حـين ان الصحيح في فهم الاية : ان حوا خلقت من جنس آدم ليسكن اليها, كما في قوله تعالى :
(خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها) ((656)) .و يـذكـر : ان الـنـسا انما سمين نسا, لان آدم انس بحوا, فلو كان كذلك لكان الاولى ان يقال لهن :
((انسا)).و يـتعرض بعد ذلك لكيفية تزاوج ولد آدم , و ينفي ان يكون قد تزوج الذكر من كل بطن مع الانثى
مـن بطن آخر, لان ذلك مستنكر حتى عند البهائم و بلغه ان بهيمة تنكرت له اخته فنزا عليها, فلما
كشف عنها انها اختها قطع غرموله ((657)) باسنانه و خرمى تا.و هكذا يذكر الروايات تباعا من غير نظر في الاسناد و المتون , و لا مقارنتها مع اصول المذهب او
دلالة العقول .و نـحـن نجل مقام الائمة المعصومين عن الافادة بمثل هذه التافهات الصبيانية , التي تحط من مقامهم
الرفيع , فضلا عن منافاتها مع رفعة شان القرآن الكريم .نـعـم قـد يـوجـد خلال هذه التافهات بعض الكلام المتين , اذ قد يوجد في الاسقاط ما لايوجد في
الاسفاط, لكنه من خلطالسليم بالسقيم , الذي يتحاشاه ائمة اهل البيت (ع ).
5 ـ تفسير البحراني (البرهان )
هو السيد هاشم بن سليمان بن اسماعيل الحسينى البحراني الكتكاني و هي قرية من قرى توبلى من اعمال البحرين توفي سنة (1107) كان من المحدثين الافاضل متتبعا للاخبار جماعا للاحاديث , منغـيـر ان يـتكلم فيها بجرح او تعديل , او تاويل مايخالف العقل او النقل الصريح , كما هو داب اكثر
الاخباريين المتطرفين .و فـي تفسيره هذا يعتمد كتبا لا اعتبار بها امثال : التفسير المنسوب الى الامام العسكري (ع ) الذي
هو من صنع ابي يعقوب يوسف بن محمد بن زياد, و ابي الحسن على بن محمد بن سيار, الاستراباديين
و لم يعلم وجه انتسابه الى الامام الحسن العسكري (ع ) و التفسير المنسوب الى علي بن ابراهيم بن
هاشم القمي و هو من صنع ابي الفضل العباس بن محمد العلوي ,و نسب الى القمي من غير وجه وجيه
و كـتـاب ((الاحـتـجاج )) المنسوب الى الطبرسي و لم يعرف لحد الان و كتاب ((سليم بن قيس
الهلالي )), المدسوس فيه , و غير ذلك من كتب لا اعتبار فيها, فضلا عن ضعف الاسناد او الارسال
في اكثر الاحاديث التي ينقلها من هذه الكتب .و مما يؤخذ على هذا التفسير انه يسند القول في التفسير الى الامام المعصوم , اسنادا راسا, في حين
انـه وجـده في كتاب منسوب اليه صرفا, مثلا يقول : قال الامام ابومحمد العسكري في تفسير الاية
كذا و كذا, الامر الذي ترفضه شريعة الاحتياط في الدين ((658)) .و هـذا التفسير غير جامع للايات , و انما تعرض لايات جا في ذيلها حديث , و لو في شطر كلمة و
مـن ثـم فـهـو تـفـسـير غيركامل , فضلا عن ضعف الاسانيد و ارسالها, و وهن غالبية الكتب التي
اعتمدها, كما هو خال عن اى ترجيح او تاويل , عندمختلف الروايات , ولدى تعارض بعضها مع بعض
.منهجه في التفسير.بـدا الـمؤلف بمقدمة يذكر فيها فضل العلم و المتعلم , و فضل القرآن , و حديث الثقلين , و النهي عن
تفسير القرآن بالراي ,و ان للقرآن ظاهرا و باطنا, و انه مشتمل على اقسام من الكلام , و ما الى ذلك
.و يـبدا التفسير بعد المقدمات بمطلع جا في مقدمة التفسير المنسوب الى علي بن ابراهيم القمي , من
ذكر انواع الايات و صنوفها, حسبما جا في التفسير المنسوب الى محمد بن ابراهيم النعماني , و هى
رسالة مجهولة النسب لم يعرف مؤلفها لحدالان .و بعد ذلك يرد في تفسير الايات حسب ترتيب السور فيذكر الاية اولا ثم يعقبها بما ورد في شانها
من حديث ماثور عن احد الائمة المعصومين , من غير ملاحظة ضعف السند او قوته , او صحة المتن
او سقمه .نـعـم لا يعني ذلك ان الكتاب ساقط كله , بل فيه من الاحاديث الغرر و الكلمات الدرر, الصادرة عن
اهـل بيت الهدى و مصابيح الدجى , مايروي الغليل و يشفي العليل و الكتاب بحاجة الى تمحيص و نقد
و تحقيق , ليمتاز سليمه عن السقيم ,و الصحيح المقبول عن الضعيف الموهون .فالكتاب بمجموعته موسوعة فريدة , جمعت في طيها الاثار الكريمة التي زخرت بها ينابيع العلم و
الهدى , يجدها الباحث اللبيب عند البحث و التنقيب , في هذا التاليف الذي جمع بين الغث و السمين .
6 ـ الدر المنثور في التفسير بالماثور
لـجلال الدين ابي الفضل , عبد الرحمان بن ابي بكر بن محمد السيوطي المتوفى سنة (911) انحدر مـن اسـرة كـان مقرهامدينة اسيوط قيل : كانت الاسرة من اصل فارسي , كانت تعيش في بغداد, ثمارتحلت الى مصر.كـان جلال الدين من اكبر الحفاظ و الرواة , جماعا للاحاديث , مولعا بمطالعة الكتب و النقل عنها, و
بـذلـك اصـبـح راسا في التاليف و التصنيف , و جل تليفه ذات فوائد جمة شريفة , مما يشهد بتبحره
وسعة اطلاعه .و قـد الـف السيوطي تفسيرا مبسطا جمع فيه من الاثار باسانيد الكتب المخرجة منها, ثم اختصره
بحذف الاسانيد, و هوالمعروف اليوم ب((الدر المنثور في التفسير بالماثور)) يقول هو :.فلما الفت كتاب ((ترجمان القرآن )) و هو التفسير المسند عن رسول اللّه (ص ) و اصحابه , و تم
بحمداللّه في مجلدات فكان ما اوردته فيه من الاثار باسانيد الكتب المخرجة منها, رايت قصور اكثر
الـهمم عن تحصيله , و رغبتهم في الاقتصار على متون الاحاديث , دون الاسناد و تطويله , فلخصت
مـنه هذا المختصر, مقتصرا فيه على متن الاثر, مصدرا بالعزو و التخريج الى كل كتاب معتبر, و
سميته ب((الدر المنثور في التفسير بالماثور)) ((659)) .و كـان قـد شرع في تفسير ابسط و اوسع , جامع بين فنون الكلام و انواع التفسير, لكنه لم يعرف
اتمامه يقول عنه : و قدشرعت في تفسير جامع لجميع ما يحتاج اليه من التفاسير المنقولة , و الاقوال
الـمقولة و الاستنباطات و الاشارات و الاعاريب و اللغات و نكت البلاغة و محاسن البدائع و غير
ذلك , بحيث لايحتاج معه الى غيره اصلا, و سميته ب((مجمع البحرين و مطلع البدرين )) و هو الذي
جعلت هذا الكتاب ((الاتقان )) مقدمة له و اللّه اسال ان يعين على اكماله بمحمد و آله ((660)) .و قـد اقتصر المؤلف في الدر المنثور على مجرد ذكر الروايات ذيل كل آية , بلا ان يتكلم فيها او
يـرجح او ينقد او يمحص فهذا التفسير فريد في باب , من حيث الاقتصار على نقل الاثار, و توسعه
فـي ذلـك و مـع ذلـك فانه لم يتحر الصحة , و انما جمع بين الغث و السمين , و اورد فيه الكثير من
الاسـرائيـلـيات و الاحاديث الموضوعة , عن لسان الائمة السلف و من ثم فان الاخذمنه يحتاج الى
امعان نظر و دقة و تمييز.
7 ـ تفسير البرغاني (بحر العرفان )
للمولى صالح بن آغا محمد البرغاني القزويني الحائري المتوفى حدود سنة (1270). لـه ثـلاثـة تفاسير : كبير في سبعة عشر مجلدا, مخطوط, محفوظ في خزانة كتبه , لدى ورثتهبقزوين و وسيط في تسعة مجلدات و صغير في مجلد واحد.اسـتـقصى فيه الاحاديث المروية عن الائمة الاطهار في التفسير, و رتبها حسب ترتيب الايات و
الـسـور, و لكنه انما ذكرالروايات التي زعمها صالحة , و ترك ما زعمه باطلا, صادرا من جراب
النورة حسب تعبيره .فنراه عند سرد روايات بد النسل , يقتصر على رواية التزاوج بالحورية و الجنية , زاعما صحتها,
و يترك رواية تزاوج الذكرمن حمل و الانثى من حمل آخر, لزعم بطلانه .فهو تفسير بالماثور مع اعمال النظر في الاخذ و الترك فحسب .
نمط آخر من التفسير بالماثور
هـنـاك نـمـط آخر من التفسير بالماثور, يفسر القرآن تفسيرا حسب المتعارف , آية فية و جملة فـجـملة , و كلمة فكلمة , حسبمايساعده اللغة و الفهم العرفي , لكنه يعتمد في حل معضلاته و رفعمـبـهماته على الماثور من الروايات فحسب , لا غيرهن من ادوات التفسير, بل و ربما غلب الاعتماد
عـلـى النقل على الاعتماد على العقل و ا عمال النظر و الراي و الاجتهاد, فيظهربمظهر التفسير
النقلي اكثر من ظهوره بمظهر التفسير النظري الاجتهادي .و هـذا كـتفسير المولى الفيض الكاشاني , و تفسير الميرزا محمد المشهدي , و تفسير شب ر, مما
كتب في عهد متقارب ,بعد سنة الالف من الهجرة .و تفسير السمرقندي , و الثعلبي , و الثعالبي , و البغوي , و ابن كثير, و المحرر الوجيز, من تفاسير
اهل السنة , كتبت في القرون الوسطى من الهجرة .اذ كـل ذلك يعد من التفسير بالماثور, نظرا لكثرة الاعتماد على النقل في التفسير, و قلة النظر و
الاجتهاد و اليك بعض الكلام عنها :.
8 ـ تفسير الصافي
للمولى محسن محمد بن المرتضى المعروف بالفيض الكاشاني , المتوفى (1091) هو المحدث الفقيه و الفيلسوف العارف , ولد بكاشان و نشا بها نشاة علمية راقية له تفسير كبير و متوسط و موجز, وسميت على الترتيب ب((الصافي و الاصفى و المصفى )).يـعـتـبـر تفسيره هذا مزجا من الرواية و الدراية , تفسيرا شاملا لجميع آي القرآن , و قد اعتمد
الـمـؤلـف في نقل عباراته على تفسير البيضاوي , ثم على نصوص الاحاديث المروية عن ائمة اهل
البيت .و قدم لتفسيره مقدمة تشتمل على اثني عشر فصلا, بحث فيها عن مختلف شؤون القرآن وفضله و
تلاوته و تفسيره و تاويله .و تعتبر هذه المقدمة من احسن المقدمات التفسيرية , التي اوضح فيها المولف مواضع اهل التفسير في
الـنـقـل و الاعـتـمادعلى الراي , و ما يجب توفره لدى المفسر عند تفسيره للقرآن , من مؤهلات
ضرورية .و هـذه الـفـصـول سـماهن مقدمات : كانت المقدمة الاولى ـ بعد الديباجة ـ في نقل ما جا في فضل
الـقـرآن , و الـوصـية بالتمسك به و الثانية في ان علم القرآن كله عند اهل البيت (ع ), هم يعلمون
ظاهر القرآن و باطنه , علما شاملا لجميع آي القرآن الكريم و الثالثة في ان جل القرآن وارد بشان
اوليا اللّه و معاداة اعدا اللّه و الرابعة في بيان وجوه معاني الايات من التفسيرو التاويل , و الظهر و
الـبـطن , و المحكم و المتشابه , و الناسخ و المنسوخ , و غير ذلك و الخامسة في المنع من التفسير
بالراي و بيان المراد منه و السادسة في صيانة القرآن من التحريف و السابعة في ان القران تبيان لكل
شي , فيه اصول معارف الدين ,و قواعد الشرع المبين و الثامنة في القرآات و اعتبارها و التاسعة في
نـزول القرآن الدفعي و التدريجي و العاشرة في شفاعة القرآن و ثواب تلاوته و حفظه و الحادية
عشرة في التلاوة و آدابها و الثانية عشرة في بيان مصطلحات تفسيرية اعتمدهاالمؤلف في الكتاب .و هـذا الـتفسير ـ على جملته ـ من نفائس التفاسير الجامعة لجل المرويات عن ائمة اهل البيت ان
تفسيرا او تاويلا و ان كان فيه بعض الخلط بين الغث و السمين .منهجه في التفسير.يعتمد اللغة اولا, ثم الاعاريب احيانا, و بعد ذلك يتعرض للماثور من روايات اهل البيت (ع ), معتمدا
على تفسير القمي و العياشي , و غيرها من كتب الحديث المعروفة لكنه لايتحرى الصحة في النقل ,
و يـتـخلى بنفسه لمجرد ذكر مصدر الحديث ,الامر الذي يؤخذ عليه , حيث في بعض الاحيان نراه
يـذكـر الحديث , و كان ظاهره الاعتماد عليه , مما يوجب اغرا الجاهل ,فيظنه تفسيرا قطعيا للاية
الكريمة , و فيه من الاسرائيليات و الروايات الضعاف الشي الكثير.و لـه فـي بعض الاحيان بيانات عرفانية قد تشبه تاويلات غير متلائمة مع ظاهر النص , بل و مع
دليل العقل و الفطرة .مـثـلا نـراه عندما يذكر قصة هاروت و ماروت ـ حسب الروايات الاسرائيلية ـ و تبعا لما ذكره
الـبـيـضاوي في تفسيره : انهماشربا الخمر و سجدا للصنم و زنيا, نراه يؤول ذلك تاويلا غريبا,
يـقول : لعل المراد بالملكين : الروح و القلب , فانهما من العالم الروحاني , اهبطا الى العالم الجسماني ,
لاقامة الحق , فافتتنا بزهرة الحياة الدنيا, و وقعا في شبكة الشهوة , فشربا خمر الغفلة ,و عبدا صنم
الـهوى , و قتلا عقلهما الناصح لهما, بمنع تغذيته بالعلم و التقوى , و محو اثر نصحه عن انفسهما, و
تـهي للزنى ببغي الدنيا الدنية التي تلي تربية النشاط و الطرب فيها الكوكب المسمى بزهرة , فهربت
الـدنـيـا مـنهما و فاتتهما, لما كان من عاداتها ان تهرب من طالبيها, لانها متاع الغرور, و بقي اشراق
حسنها في موضع مرتفع , بحيث لاتنالها ايدي طلا بها, مادامت الزهرة باقية في السما و حملهما حبها
فـي قـلـبـهـما الى ان وضعا طرائق من السحر, و هو ما لطف ماخذه و دق , فخيرا للتخلص منهما,
فاختارا بعد التنبه و عود العقل اليهما اهون العذابين , ثم رفعا الى البرزخ معذبين , و راسهما بعدالى
اسفل ,الى يوم القيامة ((661)) .و لـقد كان الاجدر به ـ و هو الفقيه النابه المحقق ـ ان ينبذ تلكم الروايات الاسرائيلية المشوهة ,
حـتى و لو كانت بصورة الرواية عن اهل البيت افترا عليهم , كان الاجدر به ان يتركها دون ارتكاب
التاويل .
9 ـ تفسير المشهدي (كنز الدقائق و بحر الغرائب )
لـلـمـيـرزا محمد بن محمد رضا بن اسماعيل بن جمال الدين القمي المعروف بالمشهدي , لانه نشا بـمشهد الامام علي بن موسى الرضا(ع ) توفي حدود سنة (1125) و تتلمذ على يد المولى محسنالفيض الكاشاني , و سار على منهجه في التفسير.و تفسيره هذا هو حصيلة ما سبقه من امهات تفاسير اصحابنا الامامية , جمع فيه لباب البيان و عباب
الـتـعبير اينما وجده ,طي الكتب و التليف السابقة عليه فقد اختار حسن تعبير ابي سعيد الشيرازي
البيضاوي ـ كما فعله استاذه و شيخه المقدم المولى الفيض الكاشاني من قبل ـ كما انتخب من اسلوب
الطبرسي في ((المجمع )) ترتيبه و تبويبه , مضيفا اليه ما استحسنه من ((كشاف )) الزمخشري و
((حـواشـي )) الـعلامة الشيخ البهائي , فصار تاليفه مجموعة من خير الاقوال و احسن الاثار كما
صرح هو في مقدمة تفسيره , و حسبما جا في تقريظ العلامة المجلسي , و المحقق الخوانساري على
الكتاب , و راجع مقدمتنا على التفسير.و هـذا التفسير جمع بين العقل و النقل , فاعتمد الماثور من روايات معزوة الى ائمة اهل البيت (ع )
مـردفا لها بما سنح له خاطره من راي و نظر, او وجده في تاليف او اثر, و لم يدع مناسبة ادبية او
كلامية او عرفانية الا اتى فيها ببيان , منتهجا اثرشيخه الفيض في تفسير ((الصافي )).و اما موقفه من الاسرائيليات و الموضوعات فهو موضع الرد و الاجتناب عنها, دون ذكر التفصيل ,
مـثلا يذكر في قصة هاروت و ماروت ما يفندها, حيث يقول : و ما روي انهما مثلا بشرين و ركب
فيهما الشهوة فمحكي عن اليهود.و الـخـلاصة : كان لهذا التفسير مكانته في الجمع بين الرواية و الدراية , و اعطا صورة واضحة
للتفسير عند الامامية ,و يشتمل على ما في كتب التفسير من اللغة و الاعراب و البيان , بشكل موجز
رائع .فـهـو تفسير جامع شامل لجوانب عدة من الكلام , حول تفسير آي القرآن , الامر الذي جعله فذا في
بابه , و فردا في اسلوبه ,و ممتازا على تفاسير جات الى عرصة الوجود, ذلك العهد.و قـد طبع عدة طبعات انيقه في مفتتح هذا القرن ـ الخامس عشر للهجرة ـ احسنها طبعة مؤسسة
دار النشر التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة .
10 ـ تفسير ابن كثير
لـلـحافظ عماد الدين , ابي الفدا, اسماعيل بن عمرو بن كثير, الدمشقي الفقيه المؤرخ الشافعي اخذ عـن ابن تيمية ,و شغف بحبه , و امتحن بسببه قال ابن شهبة في طبقاته : انه كانت له خصوصية بابنتـيمية , و مناضلة عنه , و اتباع له في كثيرمن آرائه و كان يفتي برايه في مسالة الطلاق , و امتحن
بسبب ذلك و اوذي توفي سنة (774), و دفن بمقبرة الصوفية عندشيخه ابن تيمية و كان قد كف
بصره في آخر عمره الذي ناهز السبعين .و هو صاحب التاريخ الذي سماه : ((البداية و النهاية )) فكان مؤرخا مفسرا كابن جرير الطبري .و تفسيره هذا من اشهر ما دون في التفسير الماثور, بل من اجوده , حيث اعتنى فيه مؤلفه بالرواية
عـن مـفـسري السلف ,ففسر كلام اللّه تعالى بالاحاديث و الاثار مسندة الى اصحابها, مع الكلام عما
يحتاج اليه جرحا و تعديلا, و نقدا و تحليلا,و قدم له بمقدمة طويلة , تعرض فيها لكثير من الامور
الـتـي لها تعلق و اتصال بالقرآن و تفسيره و لكن اغلب هذه المقدمة ماخوذبنصه من كلام شيخه ابن
تيمية الذي ذكره في مقدمته , في اصول التفسير.و يمتاز في طريقته في التفسير بان يذكر الاية , ثم يفسرها بعبارة سهلة جزلة , و ان امكن توضيح
الايـة بـيـة او آيات اخرى ذكرها, و قارن بينهما حتى يتبين المعنى و يظهر المراد, و هو شديد
الـعناية و كثير الاحاطة بهذا الجانب من تفسير القرآن بالقرآن , و لعل هذا الكتاب من اكثر ما عرف
من كتب التفسير سردا للايات المتناسبة , و مقارنة بعضها مع البعض , لكشف المعنى المراد.و بعد ذلك يشرع في سرد الاحاديث المرفوعة التي لها تعلق بالاية , و يبين ما يحتج به و ما لايحتج
به منها, ثم يردفهاباقوال الصحابة و التابعين , و من يليهم من علما السلف .و نجده احيانا يرجح بعض الاقوال على بعض , و يضعف بعض الروايات , و يصحح بعضا آخر منها,
و يـعـدل بـعض الرواة ,و يجرح بعضا آخر, و هذا يرجع الى ما كان عليه من المعرفة باصول نقد
الحديث , و معرفة احوال الرجال .و مـمـا يـمتاز به انه ينبه بين حين و آخر الى ما في التفسير الماثور من منكرات الاسرائيليات و
الموضوعات , و يحذر منهاعلى وجه الاجمال تارة , و على وجه التعيين و البيان لبعض منكراتها تارة
اخرى .مـثلا, هو في قصة هاروت و ماروت , يراها متصادمة مع ما ورد من الدلائل على عصمة الملائكة ,
فان كان و لابد فهوتخصيص , كما في شان ابليس على القول بانه من الملائكة , ثم يذكر القصة نقلا
عن الامام احمد في مسنده , يرفعها الى النبي ,لكنه يشكك في صحة السند و رفعه و اخيرا يستغربها
و يـذكـرها ايضا بطريقين آخرين و يستغربهما, و في نهاية الامر يقول :و اقرب ما يكون في هذا
انـه مـن رواية عبداللّه بن عمر عن كعب الاحبار, لا عن النبي , اذن فدار الحديث و رجع الى نقل
كعب الاحبار, عن كتب بني اسرائيل .ثم يذكر الاثار الواردة في ذلك عن الصحابة و التابعين و يذكر عن علي (ع ) انه لعن الزهرة , لانها
فتنت الملكين و يعقبه بقوله : و هذا ايضا لايصح و هو منكر جدا.و يذكر عن ابن مسعود و ابن عباس و عن مجاهد ايضا, ثم يقول : و هذا اسناد جيد الى عبداللّه بن
عمر, و اضاف : و قدتقدم انه من روايته عن كعب الاحبار.و فـي النهاية يقول : و قد روي في قصة هاروت و ماروت عن جماعة من التابعين و قصها خلق من
الـمفسرين من المتقدمين و المتاخرين , و حاصلها راجع في تفصيلها الى اخبار بني اسرائيل , اذ ليس
فـيـهـا حـديـث مـرفـوع صـحيح , متصل الاسناد الى الصادق المصدق المعصوم الذي لاينطق عن
الهوى ((662)) .انظر الى هذا التحقيق الانيق بشان خرافة اسرائيلية غفل عنها اكثر المفسرين .و كـذا فـي قصة البقرة , نراه يقص علينا قصة طويلة مسهبة و غريبة على ما ذكره المفسرون و
يـعقبها بقوله : و هذه السياقات عن عبيدة و ابي العالية و السدي و غيرهم , فيها اختلاف , و الظاهر
انـهـا ماخوذة من كتب بني اسرائيل , و هي مما يجوز نقلها,و لكن لاتصدق و لاتكذب , فلهذا لايعتمد
عليها الا ما وافق الحق عندنا ((663)) .قـولـه : ((و هـي مما يجوز نقلها)) هذا انما تبع في ذلك شيخه ابن تيمية في تجويز الحديث عن
بني اسرائيل , و لكن من غيرتكذيب و لا تصديق و قد تكلمنا في ذلك عند الكلام عن الاسرائيليات ,
و انـه يـجـب نـبذها و عدم نقلها, و لاسيما اذا كانت من الشائعات عندهم , غير مثبتة في كتبهم , و
الاكثر هو من ذلك .و هكذا في تفسير سورة ((ق )), يذكر عن بعض السلف انه جبل محيط بالارض , ثم يعقبه بقوله :
و كـان هـذا ـ و اللّه اعلم ـ من خرافات بني اسرائيل التي اخذها عنهم , مما لايصدق و لايكذب , و
عـنـدي ان هذا و امثاله و اشباهه من اختلاق بعض زنادقتهم , يلبسون به على الناس امر دينهم كما
افـتري في هذه الامة ـ مع جلالة قدر علمائها و حفاظها و ائمتها ـ احاديث عن النبي و ما بالعهد من
قـدم , فـكـيـف بـامة بني اسرائيل مع طول المدى و قلة الحفاظ النقاد فيهم , و شربهم للخمور, و
تـحريف علمائهم الكلم عن مواضعه , و تبديل كتب اللّه و آياته و انما اباح الشارع الرواية عنهم في
قوله : ((حدثوا عن بني اسرائيل و لاحرج )) فيما قد يجوزه العقل , فاما فيما تحيله العقول و يحكم
فيه بالبطلان و يغلب على الظنون كذبه , فليس من هذاالقبيل ((664)) .
11 ـ تفسير ابن عطية (المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز)
هـو ابـومـحـمد عبد الحق بن غالب بن عطية الاندلسي المغربى القرناطي كان عالما شغوفا باقتنا الكتب , فكان فقيها عارفابالاحكام و الحديث و التفسير, نحويا اديبا بارعا في الادب و النظم و النثرتوفي سنة (481).و تـفسيره هذا من اعظم التفاسير بالماثور, حيث ملؤه النقد و التحقيق و التمحيص فكانت له قيمته
العلمية بين كتب التفسير, حيث اضفى مؤلفه عليه من روحه العلمية الفياضة , ما اكسبه دقة و رواجا
و قبولا.يقول ابن خلدون عندما يتعرض لكتب التفسير بالماثور : فكتب الكثير من ذلك و نقلت الاثار الواردة
فـيـه عـن الـصـحـابـة و التابعين , و انتهى ذلك الى الطبري و الواقدي و الثعالبي و امثال ذلك من
الـمفسرين , فكتبوا فيه ما شااللّه ان يكتبوه من الاثارو قد جمع المتقدمون في ذلك و اوعوا, الا ان
كـتـبـهـم و مـنـقـولاتـهم تشتمل على الغث و السمين و المقبول و المردود فامتلات التفاسير من
الـمـنـقـولات عندهم (مسلمة اليهود) في امثال هذه الاغراض (اسباب المكونات ) اخبار موقوفة
عليهم , و ليست ممايرجع الى الاحكام , فتتحرى في الصحة التي يجب بها العمل .و تـساهل المفسرون في مثل ذلك , و ملاوا كتب التفسير بهذه المنقولات , و اصلها ـ كما قلنا ـ عن
اهل التوراة الذين يسكنون البادية , و لاتحقيق عندهم بمعرفة ما ينقلونه من ذلك , الا انهم بعد صيتهم
و عظمت اقدارهم , لما كانوا عليه من المقامات في الدين و الملة , فتلقيت بالقبول من يومئذ.فلما رجع الناس الى التحقيق و التمحيص , و جا ابومحمد بن عطية من المتاخرين بالمغرب , فلخص
تـلـك الـتفاسير كلها,و تحرى ما هو اقرب الى الصحة منها, و وضع ذلك في كتاب متداول بين اهل
المغرب و الاندلس , حسن المنحى و تبعه القرطبي في تلك الطريقة على منهاج واحد, في كتاب آخر
مشهور بالمشرق ((665)) .و بحق هو تفسير محرر من اقاصيص مشوهة اسرائيلية , كانت دارجة لحد ذاك الحين فهو من خير
التفاسير بالماثور, و قدطبع اخيرا, و خرجت منه مجلدات لحد الان .و نجد اباحيان ـ في مقدمة تفسيره ـ يعقد مقارنة بين تفسير ابن عطية و تفسير الزمخشري , فيقول
: و كتاب ابن عطية انقل و اجمع و اخلص و كتاب الزمخشري الخص و اغوص ((666)) .و لـهـذا التفسير مقدمة جامعة نافعة تحتوي على مسائل ذات اهمية , طبعت مستقلة عن التفسير, مع
مقدمة كتاب ((المباني ))قام بنشرهما المستشرق آرثر جفرى , و طبعتا عدة طبعات .
12 ـ تفسير الثعلبي (الكشف و البيان )
هـو ابـواسحاق احمد بن ابراهيم الثعلبي النيسابوري توفي سنة (427) كان راسا في التفسير و الـعربية قال ابن خلكان : كان اوحد زمانه في علم التفسير, و صنف التفسير الكبير الذي فاق غيرهمن التفاسير ((667)) و قال ياقوت : صاحب التصانيف الجليلة ,من التفسير الحاوي انواع الفرائد,
مـن الـمـعـانـي و الاشارات , و كلمات ارباب الحقائق , و وجوه الاعراب و القراات ((668)) و
هوصاحب كتاب ((العرائس )) في قصص الانبيا.من ميزات هذا التفسير : توسعه في اللغة و الادب و الوجوه و القراات , و الاحاطة بكلام السلف , و
الاجـادة فـي نـقـلـهـاو بـسطها فقد كان مفسرنا كثير الشيوخ كثير الحديث صحيح النقل موثوق
بـه ((669)) , غير انه لم يتحر الصحة فيما ينقله من تفاسيرالسلف , و من وقع فيما وقع فيه كثير
مـن الـمـفـسـريـن الـمـكـثرين من النقل و قد جر على نفسه و على تفسيره , بسبب هذه الكثرة
من الاسرائيليات و الموضوعات , ما جره اكثر المفسرين السلف من اللوم و النقد اللاذع و قد اعتمد
روايـات الـشـيـعـة ايضا في تفسيره , الامر الذي اثار العتاب عليه بالخصوص , و الا فهو و سائر
اصحاب التفسير بالماثور سوا.
13 ـ تفسير الثعالبي (الجواهر الحسان )
هو ابو زيد عبد الرحمان بن محمد بن مخلوف الثعالبي , توفي سنة (876)كان من الائمة الرحالين فـي طـلـب العلم و طارصيته بالفضل و الزهد عن الدنيا و اصبح آية في علم الحديث , و خلف كتباكثيرا الفها على نمط اهل الحديث المكثرين .انه يتعرض للقراات احيانا, و يدخل في الصناعة النحوية نقلا عن غيره , و يذكر الروايات الماثور
فـي التفسير, يذكرها بلااسناد, و يخوض الاسرائيليات خوضا بلاهوادة , و فيه من آثار التعصب
الشي الكثير و الخلاصة : ان تفسيره هذا لايوازن نظائره من تفاسير سالفة .
14 ـ منهج الصادقين
للمولى فتح اللّه الكاشاني , فقيه متكلم صاحب نظر و اختيار في التفسير, من علما العهد الصفوي له تـفـسـير باللغة العربية باسم ((زبدة التفاسير)) و هذا التفسير وضعه باللغة الفارسية خدمة لابنابـلاده و هـو اول تـفسير فارسي اشتهر و طبع عدة مرات في عشر مجلدات ثم ظهر تفسير ابي
الـفـتـوح الـرازي فـي عـهـد مـتـاخـر و الـذي سـبقه بقرون و قد اعتمد المفسر على اشهر
الـتـفـاسـيـرالـمعتمدة , منها تفسير ابي الفتوح و مجمع البيان و البيضاوي و الكشاف و قد اعتنى
بالروايات اعتنا البالغ و هو تفسير جيدلطيف .
النمط الثاني التفسير الاجتهادي
التفسير الفقهي (آيات الاحكام ). التفاسير الجامعة .التفسير في العصر الحديث .التفاسير الادبية .التفاسير اللغوية .التفاسير الموجزة .التفاسير العرفانية (التفسير الرمزي .و الاشاري ).النمط الثاني التفسير الاجتهادي .و التفسير الاجتهادي يعتمد العقل و النظر اكثر مما يعتمد النقل و الاثر, ليكون المناط في النقد والـتـمحيص هو دلالة العقل الرشيد و الراي السديد, دون مجرد الاعتماد على المنقول من الاثار و
الاخبار نعم لاننكر ان مزال الاقدام في هذا المجال كثيرة ,و عواقبه وخيمة , و من ثم تجب الحيطة
و الحذر و امعان النظر, بعد التوكل على اللّه و الاستعانة به , الامر الذي يحصل عندحسن النية و
الاخلاص في العمل المستمر, و اللّه من ورا القصد.و العمل الاجتهادي في التفسير شي حصل في وقت مبكر, في عهد التابعين , حيث انفتح باب الاجتهاد
و اعـمـال الراي و النظر في التفسير, و شاع النقد و التمحيص في المنقول من الاثار و الاخبار و
لـم يـزل يـتـوسـع دائرة ذلـك مع تقادم الزمان , و مع تنوع العلوم و المعارف التي ما زالت تتوفر في
الاوساط الاسلامية حينذاك .و قـد اسـبـقـنا ان من ميزات تفسير التابعين , فتح باب الاجتهاد و التوسع فيه , و هكذا داب من جا
بعدهم على التوسع في النظر,و التنوع في ابعاده و مراميه .نـعـم كـانت آفة ذلك ـ لدى الخروج عن دائرة التوقيف , و ولوج باب النظر و اعمال الراي ـ هو
خشية ان ينخرط التفسير في سلك التفسير بالراي الممقوت عقلا, و الممنوع شرعا, حيث لايؤمن
من عاقبة ذلك ان تزل قدم او تهوي الى مكان سحيق , و بالفعل قد سقط اناس كثير.و مـن ثم تجب معرفة حدود ((التفسير بالراي )) و الوقوف على ثغوره , و جوانبه و ابعاده , لغاية
الاجتناب عنه .و نـحن قد اوفينا الكلام حول مسالة ((التفسير بالراي )) ((670)) و يتلخص في ان الممنوع منه
هو ما كان باحد وجهين :.1 ـ الاستبداد بالراي في تفسير كلامه تعالى , فيعتمد ما حانت له نظرته الخاصة , غير مبال بما قاله
الـعلما من قبله , فيعمد الى تفسير آية , اعتمادا على ما فهمه من لغة و ادب مجر د, من غير مراجعة
لاقوال السلف و نظراتهم و توجيهاتهم , و المسالك التي سلكوها في فهم الاية , و ربما كانت قرائن و
دلائل حـافـة , لاينبغي التغافل عنهامن ذلك معرفة اسباب النزول , و شرح الحوادث المقارنة لنزول
الاية , و المناسبة التي استدعت نزولها, و كذا الماثور من كلام النبي و الصحابة الاولين , مما يعين
عـلى فهم كلام اللّه النازل على رسوله و انما يعرف القرآن من خوطب به , فاغفال ذلك و اعفا الاثار
و الـدلائل الـمـكتنفة , حياد عن طريقة العقلا في فهم الكلام , فضلا عن كلامه تعالى , و من استبد
برايه هلك , كما قال الامام اميرالمؤمنين (ع ).و ايـضـا فـان علم التفسير, علم انحدر من نقطة اولى ثم توسع و تنوع , كسائر العلوم التي ورثتها
الـبـشـرية من اسلافها العلماو لاينبغي لعالم ان يعفي ما حققه الاسلاف , و ليس له ان يبدا بما بدا به
الاولون , و الا لم تكن العلوم لتزدهر و تتوسع مع اطرادالزمان .و الـخـلاصـة : ان مـراجعة الدلائل و الشواهد القرآنية , الى جنب اقوال السلف و آرائهم , شرط
اساسي في معرفة كلام اللّه , فمن استبد برايه من دون مراجعة ذلك , هلك و اهلك .و هـذا مـعـنى الحديث الوارد : ((من فسر القرآن برايه فاصاب فقد اخطا)) فلو فرض انه ربما
اصاب الواقع صدفة , لكنه قد اخطاالطريق التي تؤمن عليه الاصابة لدى العقلا.2 ـ ان يعمد الى آية فيحاول تطبيقها على رايه ـ مذهب او عقيدة او سلوك ـ ليبرر موضعه من ذلك ,
او يجعل ذلك داعية لعقيدته او سلوكه , و هو ـ في الاغلب ـ يعلم ان لامساس للاية بذلك , و انما هو
تحميل عليها.و الـعـمـدة : انـه لم يرم فهم معنى الاية و تفسيرها الواقعي , و انما رام دعم مذهبه و عقيدته باي
وسيلة كانت , و منها الاية ان وافق التقدير.فهذا تحميل على الاية , و ليس تفسيرا لها, و من ثم فليتبوا مقعده من النار.روى ابوجعفر الصدوق باسناده الى الامام اميرالمؤمنين (ع ) قال : قال رسول اللّه (ص ) : قال اللّه :
((ما آمن بي من فسر برايه كلامي )) ((671)) .و روى ابـوجـعفر الطبري باسناده عن ابن عباس عن النبي (ص ) قال : ((من قال في القرآن برايه
فليتبوا مقعده من النار)) ((672)) .اذن فـمـن سـلك طريقة العقلا في فهم الكلام , و اعتمد الدلائل و الشواهد, و راجع اقوال السلف
الصالح , ثم اعمل نظره في فهم كلام اللّه , لم يكن مفسرا بالراي , لا مستبدا برايه و لا محملا برايه
على القرآن الكريم , و العصمة باللّه سبحانه .
تنوع التفسير الاجتهادي
و مما يجدر التنبه له , ان التفسير الاجتهادي المبتني على اعمال الراي و النظر, يتنوع تنوعا حسب مواهب المفسرين و قدراتهم العلمية و الادبية , و معطياتهم في العلوم و المعارف , اذ كل صاحب فن وعـلـم انما يجعل من صناعته العلمية وسيلة لفهم القرآن , و ينظر اليه من الزاوية التي كانت مقدرته
متركزة عليها, و من ثم تختلف براعة كل مفسر عن غيره , في الجهة التي كانت قدرته العلمية ابرع
و امـتـن فـصاحب الادب الرفيع , انما يفوق غيره في براعته الادبية في التفسير, و هكذا صاحب
الفلسفة و الكلام و الفقه و اللغة , و حتى صاحب العلوم الطبيعية و الرياضيات و الافلاك , و نحو ذلك
فـكل صاحب مهنة انما يبرع في عمله , اذا خاض التفسير من جهة صناعته , و من زاوية اختصاصه ,
الامر الذي جعل من التفسير متنوعا, حسب معطيات اصحاب التفاسير.