الـقـرآن , مـما ابهمه القرآن ابهاما, و لم تكن غاية في اظهاره حينذاك , كما لم تجرا على الخوض في
الـكلام عن الامور الغيبية , التي لاتعرف الا من جهة النصوص الصحيحة الصريحة , بل قررت مبدا
الايـمـان بـمـا جا من ذلك مجملا, و منعت من الخوض في التفصيلات و الجزئيات , في مثل الحياة
الـبـرزخـيـة و الجنة و النار و الحور و القصور و الغلمان و ما شابه ذلك , و هذا مبدا سليم , يقف
حاجزا منيعا دون تسرب شي من خرافات الغيب المظنون , الى المقطوع و المعقول من العقائد.كذلك نجد هذه المدرسة ابعدت التفسير عن التاثر باصطلاحات العلوم و الفنون و الفلسفة و الكلام ,
الـتـي زج بـها في التفسير, بدون ان يكون في حاجة اليها, و لم تتناول من ذلك الا بمقدار الحاجة , و
على حسب الضرورة فقط هذه كلها من الناحية السلبية التي سلكتها هذه المدرسة .و امـا مـن الـناحية الايجابية , فان هذه المدرسة نهجت بالتفسير منهجا ادبيا اجتماعيا, فكشفت عن
بـلاغـة الـقرآن و اعجازه في البيان , و اوضحت معانيه و مراميه , و اظهرت ما فيه من سنن الكون
الاعظم و نظم الاجتماع , و عالجت مشاكل الامة الاسلامية خاصة , و مشاكل الامم عامة , بما ارشد
اليه القرآن , من هداية و تعاليم , و التي جمعت بين خيري الدنيا و الاخرة .كـما وفقت بين القرآن و ما اثبته العلم من نظريات صحيحة و ثابتة , و جلت للناس ان القرآن كتاب
اللّه الخالد, الذي يستطيع ان يساير التطور الزمني و البشري , الى ان يرث اللّه الارض و من عليها.كـمـا دفـعت ما ورد من شبه على القرآن , و فندت ما اثير حوله من شكوك و اوهام , بحجج قوية ,
قذفت بها على الباطل فدمغته فاذا هو زاهق .كـل ذلـك باسلوب شيق جذاب يستهوي القارئ , و يستولي على قلبه , و يحبب اليه النظر في كتاب
اللّه , و يرغبه في الوقوف على معانيه و اسراره .و ايـضا فان هذه المدرسة فتحت في وجه التفسير بابا كان مغلقا عليه , منذ زمن سحيق , انها اعطت
لـعـقـلها حرية واسعة النطاق , و اتاحت للعقل و الفكر البشري مجاله الواسع الذي منحه اللّه له , و
رغبه في ذلك (و انزلنا اليك الذكر لتبين للناس مانزل اليهم و لعلهم يتفكرون ) ((882)) .و من ثم حكمت العقل الرشيد على كل مظاهر الدين , فتاولت ما ظاهره المنافاة مع الحقائق الشرعية
الـثـابـتـة , و التي دعمهاالعقل , و عدلت بها عن ارادة الحقيقة الى المجاز و التمثيل , و بذلك و بهذه
الحرية العقلية الواسعة , جارت اهل العدل في تعاليمها و عقائدها, و التي كان عليها السلف النابهون , و
قذفت بتعاليم الاشاعرة المتجمدة ورا الظهور, و بذلك لم تترك مجالالاحاديث اهل الحشو ان تتدخل
فـي التفسير, و لا في عقائد المسلمين في شي من الاصول و الفروع فقد طعنت في بعض الاحاديث
بالضعف تارة و بالوضع اخرى , رغم ورودها في المجاميع الحديثية الكبرى , امثال البخاري و مسلم
و غـيـرهـما, اذ ان خبر الواحد لاتثبت به عقيدة اجماعا, و لا هو حجة في هذا الباب عند ارباب
الاصول .
اهم رواد هذه المدرسة
رائد هـذه الـمـدرسـة الاول و زعيمها و عميدها, هو الاستاذ الامام الشيخ محمد عبده , الذي بنى اسـاس هـذا الـبـنيان الرفيع ,و فتح باب الاجتهاد في التفسير بعد ما كان مغلقا طيلة قرون , فقد نبذطـريـقة التقليد السلفي , و اعطى للعقل حريته في النقدو التمحيص و سار على منهجه الاجلا من
تـلامـذتـه , امـثال السيد محمد رشيد رضا, و الشيخ محمد محمد القاسمي , و الشيخ احمد مصطفى
المراغي , و من جا بعدهم جاريا على نفس التعاليم , امثال السيد قطب , و الشيخ محمد جواد مغنية , و
الـشـيخ محمد الصادقي , و السيد محمدحسين فضل اللّه , و السيد محمد الشيرازي , و الشيخ سعيد
حـوى , و الاسـتـاذ مـحـمـد عـلي الصابوني , و السيد محمد تقي المدرسي , و الشيخ ناصر مكارم
الـشـيـرازي و الـذي فـاق الـجـمـيـع في هذا المجال , هو العلامة الفيلسوف السيد محمد حسين
الطباطبائي , الذي حاز قصب السبق في هذا المضمار.و اليك بعض الكلام عن اهم ما كتب من جلائل التفسير المدون في هذا العصر :.
المنار (تفسير القرآن العظيم )
تـفـسير حافل جامع و لكنه غير كامل , يشتمل على اثني عشر مجلدا و ينتهي عند الاية (53) من سورة يوسف كان من اول القرآن الى الاية (126) من سورة النسا بانشا الشيخ محمد عبده (المتوفىسنة1323 ه ) و املا السيد رشيد رضا (المتوفى سنة1354 ) و من بعده سار السيد في التفسير
متبعا منهج الشيخ في تفسيره للايات حتى سورة يوسف .كـان الشيخ يلقي دروسه في التفسير بالجامع الازهر على الطلاب لمدة ست سنوات , و كان السيد
رشـيـد رضـا يـكـتـب مـاسـمعه و يزيد عليه بما ذاكره مع الشيخ , و قام بنشر ما كتب في مجلته
((المنار)) و ذلك بعد مراجعة الاستاذ ليقوم بتنقيحه و تهذيبه , او اضافة ما يكمله .قـال الـذهبي : كان الاستاذ الامام , هو الذي قام وحده من بين رجال الازهر بالدعوة الى التجديد, و
الـتـحـرر من قيود التقليد,فاستعمل عقله الحر في كتاباته و بحوثه , و لم يجر على ما جمد عليه
غـيـره من افكار المتقدمين و اقوال السابقين , فكان له من ورا ذلك آرا و افكار خالف بها من سبقه و
هذه الحرية العقلية , و هذه الثورة على القديم , كان لهما اثر بالغ في المنهج الذي نهجه الشيخ لنفسه ,
و سار عليه في تفسيره ((883)) .قـد رسم محمد عبده في تفسيره منهجا تربويا للامة الاسلامية , يبعث مقوماتها, و يثير امجادها, و
يـنـادي بداب القرآن من الشجاعة و الكرامة و الحفاظ, قد حارب جمود الفقها و تقليدهم , و تقديم
الـمـذاهب على القرآن و السنة مكانهما الاول من التشريع , و دعا المسلمين الى استخدام عقولهم و
تفكيرهم ((884)) .و من خصائص هذا التفسير العناية بمشاكل المسلمين الحاضرة , و التوجه الى معالجة اسباب تاخر
الـمـجـتـمـع الاسلامي ,و الى امكان بنا مجتمع قوي , و عودة الامة الى ثورة حقيقية قرآنية على
اوضـاعـهـا الـمتخلفة , و مواجهة الحياة مواجهة علمية صحيحة , و العناية التامة الى الاخذ باسباب
الـحـضارة الاسلامية من جديد, و مواجهة اعدائها, و رد الغزوات الفكرية الاستعمارية التي شنت
على الاسلام عقيدة و تاريخا و حضارة و رجالا, و مناقشتها بالادلة العلمية و الوقائع التاريخية ,و
تفنيدها و اثبات بطلانها من ذاتها.و يتلخص منهج تفسير المنار في البنود التالية :.1ـ الاسلام هو دين العقل و الشريعة , و هو مصدر الخير و الصلاح الاجتماعي .2ـ القرآن لايتبع العقيدة , و انما تؤخذ العقيدة من القرآن .3ـ عدم وجود تعارض بين القرآن و الحقائق العلمية الراهنة .4ـ اعتبار القرآن جميعه وحدة واحدة متماسكة .5 ـ الـتـحـفـظ فـي الاخـذ بما سمي بالتفسير الماثور, و التحذير من الاقاصيص الاسرائيلية و
المكذوبة .6ـ عدم اغفاله الوقائع التاريخية , و التي لها دخل في فهم معاني القرآن الكريم .7ـ استعمال الذوق الادبي النزيه في فهم مرامي الايات الكريمة .8ـ معالجته للمسائل الاجتماعية في الاخلاق و السلوك .9ـ تفسيره للقرآن على ضؤ العلم الحديث القطعي الثابت .10ـ حذره عن الخوض في الامور المغيبة عن الحس و الادراك .11ـ موضعه النزيه تجاه سحر السحرة , و لاسيما بالنسبة الى التاثير في شخصية الرسول .12ـ موقفه الصحيح من روايات اهل الحشو, حتى ولو كانت في الكتب الصحاح .
موقفه من حقيقة الملائكة و الشياطين
و لـقد كان من اثر اعطا الشيخ عبده لنفسه الحرية الواسعة في فهم القرآن الكريم , انا نجده يخالف راي جـمـهور اهل السنة ((885)) , و يذهب على خلاف مذهب الاشعري في الاخذ بالظواهر والـجمود عليها, و ترك الخوض في فهم حقيقتهااو تاويلها, نراه يخالف هذا المسلك السلفي , و يذهب
الـى مـا ذهـب الـيـه اهـل الراي و النظر و التمحيص و اصحاب التاويل ,و قد عبر عنهم الذهبي
بـالـمـعتزلة و ليسوا هم وحدهم بل و اهل القول بالعدل و تحكيم العقل مطلقا فيرى من الملائكة و
الـشـياطين , القوى الفعالة المودعة في عالم الطبيعية , في صالح الحياة او فسادها, اما انها موجودات
مـسـتـقـلة ذوات شمائل و اعضا كشمائل الانسان و اعضائه , حسب ما فهمه الظاهريون من تعابير
الشرع التي هي امثال و استعارات فلا, نظرا لانهاموجودات لاتسانخ وجود الانسان بذاته , و لا هي
على شاكلته .قال في قصة سجود الملائكة لادم و امتناع ابليس (البقرة :34) :.((و ذهـب بـعـض الـمـفـسرين مذهبا آخر في فهم معنى الملائكة , و هو : ان مجموع ماورد في
الـمـلائكة من كونهم موك لين بالاعمال من انما نبات و خلقة حيوان و حفظ انسان و غير ذلك , فيه
ايما الى الخاصة بما هو ادق من ظاهر العبارة , و هو ان هذا النمو في النبات لم يكن الا بروح خاص ,
نفخه اللّه في البذرة , فكانت به الحياة النباتية المخصوصة , و كذلك يقال في الحيوان و الانسان , فكل
امـر كـلـي قائم بنظام مخصوص تمت به الحكمة الالهية في ايجاده , فانما قوامه بروح الهي , سمي
فـي لسان الشرع ملكا, و من لم يبال في التمسية بالتوقيف يسم هذه المعاني ((القوى الطبيعية )), اذا
كـان لايعرف من عالم الامكان الا ماهو طبيعة , او قوة يظهر اثرها في الطبيعة و الامر الثابت الذي
لانزاع فيه , هو ان في باطن الخلقة امرا هو مناطها, و به قوامهاو نظامها, لايمكن لعاقل ان ينكره , و
ان انـكر غير المؤمن بالوحي تسميته ملكا, و زعم انه لا دليل على وجود الملائكة , او انكربعض
المؤمنين بالوحي تسميته قوة طبيعية او ناموسا طبيعيا, لان هذه الاسما لم ترد في الشرع , فالحقيقة
واحـدة و الـعـاقـل لاتحجبه الاسما عن المسميات , و ان كان المؤمن بالغيب يرى للارواح وجودا
لايـدرك كـنـهـه , و الذي لايؤمن بالغيب يقول لااعرف الروح , و لكن اعرف قوة لاافهم حقيقتها, و
لايـعـلـم الا اللّه , عـلـى م يختلف الناس , و كل يقر بوجود شي غير ما يرى و يحس , و يعترف بانه
لايفهمه حق الفهم , و لايصل بعقله الى ادراك كنهه ؟ و ماذا على هذا الذي يزعم انه لايؤمن بالغيب ـ
و قـد اعـترف بما غيب عنه ـ لو قال : اصدق بغيب اعرف اثره , و ان كنت لااقدر قدره , فيتفق مع
المؤمنين بالغيب ,و يفهم بذلك ما يرد على لسان صاحب الوحي , و يحظى بما يحظى به المؤمنون ؟.((يشعر كل من فكر في نفسه , و وازن بين خواطره , عند ما يهم بامر فيه وجه للحق او للخير, و
وجـه لـلـباطل او للشر, بان في نفسه تنازعا, كان الامر قد عرض فيها على مجلس شورى , فهذا
يـورد و ذاك يدفع , و احد يقول : افعل , و آخر يقول : لاتفعل ,حتى ينتصر احد الطرفين , و يترجح
احـد الـخـاطرين , فهذا الشي الذي اودع في انفسنا و نسميه : قوة و فكرا, و هي في الحقيقة معنى
لايدرك كنهه , و روح لاتكتنه حقيقتها, لايبعد ان يسميه اللّه ملكا, او يسمى اسبابه ملائكة , او ماشا
مـن الاسما, فان التسمية لاحجر فيها على الناس , فكيف يحجر فيها على صاحب الارادة المطلقة , و
السلطان النافذ و العلم الواسع قـال : ((فاذا صح الجري على هذا التفسير, فلا يستبعد ان تكون الاشارة في الاية الى ان اللّه تعالى
لـما خلق الارض و دبرهابما شا من القوى الروحانية التي بها قوامها و نظامها, و جعل كل صنف من
الـقوى مخصوصا بنوع من انواع المخلوقات ,لايتعداه و لايتعدى ما حدد له من الاثر الذي خص به ,
خـلـق بعد ذلك الانسان , و اعطاه قوة يكون بها مستعدا للتصرف بجميع هذه القوى , و تسخيرها في
عمارة الارض , و عبر عن تسخير هذه القوى له بالسجود, الذي يفيد معنى الخضوع و التسخير,و
جعله بهذا الاستعداد الذي لا حد له , و التصرف الذي لم يعط لغيره , خليفة اللّه في ارضه , لانه اكمل
الـمـوجودات في الارض ,و استثنى من هذه القوى قوة واحدة , عبر عنها بابليس , و هي القوة التي
لـزهـا اللّه بـهـذا العالم لزا, و هي التي تميل بالمستعدللكمال , او بالكامل الى النقص , و تعارض مد
الـوجـود لترده الى العدم , او تقطع سبيل البقا, و تعود بالموجود الى الفنا,او التي تعارض في اتباع
الـحـق , و تـصـد عن عمل الخير, و تنازع الانسان في صرف قواه الى المنافع و المصالح التي تتم
بهاخلافته , فيصل الى مراتب الكمال الوجودي التي خلق مستعدا للوصول اليها, تلك القوة التي ضللت
آثارها قوما فزعموا ان في العالم الها يسمى اله الشر, و ما هي باله , و لكنها محنة اله لايعلم اسرار
حكمته الا هو.قـال : ((و لـو ان نفسا مالت الى قبول هذا التاويل , لم تجد في الدين ما يمنعها من ذلك , و العمدة على
اطمينان القلب و ركون النفس الى ما ابصرت من الحق )) ((886)) .ثـم يعود في موضع آخر الى تقرير التمثيل في القصة , فيقول : ((و تقرير التمثيل في القصة على
هـذا الـمـذهب هكذا : ان اخبار اللّه الملائكة بجعل الانسان خليفة في الارض هو عبارة عن تهيئة
الارض و قـوى هـذا العالم و ارواحه التي بها قوامه و نظامه , لوجود نوع من المخلوقات يتصرف
فـيها, فيكون به كمال الوجود في هذه الارض و سؤال الملائكة عن جعل خليفة يفسد في الارض ,
لانـه يـعـمـل باختياره , و يعطى استعدادا في العلم و العمل لاحد لهما, هو تصوير لما في استعداد
الانسان لذلك , و تمهيد لبيان انه لاينافي خلافته في الارض و تعليم آدم الاسما كلها, بيان لاستعداد
الانسان لعلم كل شي في هذه الارض , و انتفاعه به في استعمارهاو عرض الاسما على الملائكة و
سـؤالـهـم عـنـها و تنصلهم في الجواب , تصوير لكون الشعورالذي يصاحب كل روح من الارواح
الـمدبرة للعوالم محدودا لايتعدى وظيفته و سجود الملائكة لادم , عبارة عن تسخير هذه الارواح
و الـقوى له , ينتفع بها في ترقية الكون بمعرفة سنن اللّه تعالى في ذلك و ابا ابليس و استكباره عن
الـسـجود, تمثيل لعجزالانسان عن اخضاع روح الشر و ابطال داعية خواطر السؤ التي هي مثار
الـتـنـازع و التخاصم , و التعدي و الافساد في الارض و لولا ذلك لجا على الانسان زمن يكون فيه
افراده كالملائكة بل اعظم , او يخرجون عن كونهم من هذا النوع البشري )) ((887)) .
انكاره على اهل الحديث في روايتهم للطامات
ثـم ان الـشـيخ عبده كان ممن يرى تساهل اهل الحديث في رواياتهم الغث و السمين , غير مبالين في مـتـونها اهي مخالفة لاصول العقيدة ام متنافية مع مباني الاسلام الركينة , الامر الذي يؤخذ على اهلالحشو في الحديث في ذلك .قال بشان قصة زكريا و بشارة الملائكة له بيحيى , و طلبه من اللّه ان يجعل له آية :.((و مـن سـخـافات بعض المفسرين زعمهم ان زكريا(ع ) اشتبه عليه وحي الملائكة و نداؤهم ,
بـوحـي الـشياطين , و لذلك سال سؤال التعجب , ثم طلب آية للتثبت و روى ابن جرير عن السدي و
عـكرمة : ان الشيطان هو الذي شككه في نداالملائكة , و قال له : انه من الشيطان , قال : ((و لولا
الجنون بالروايات مهما هزلت و سمجت , لما كان لمؤمن ان يكتب مثل هذاالهز و السخف , الذي ينبذه
العقل , و ليس في الكتاب ما يشير اليه , و لو لم يكن لمن يروي مثل هذا الا هذا لكفى في جرحه ,و ان
يضرب بروايته على وجهه فعفى اللّه عن ابن جرير اذ جعل هذه الرواية مما ينشر)) ((888)) .و قال فيما جا من الروايات في سحر الرسول (ص ) :.((و قـد رووا هـنـا احاديث في ان النبي (ص ) سحره لبيد بن اعصم , و اثر سحره فيه , حتى كان
يخيل له انه يفعل الشي و هولايفعله , او ياتي شيئا و هو لاياتيه , و ان اللّه انباه بذلك و اخرجت مواد
الـسـحـر مـن بـئر, و عـوفـي (ص ) مـمـا كـان نـزل بـه من ذلك ,و نزلت هذه السورة (سورة
الفلق ) ((889)) .قال : ((و لايخفى ان تاثير السحر في نفسه (ع ) حتى يصل به الامر الى ان يظن انه يفعل شيئا و هو
لايـفعله , ليس من قبيل تاثير الامراض في الابدان , و لا من قبيل عروض السهو و النسيان في بعض
الامور العادى ة , بل هو ماس بالعقل , آخذ بالروح ,و هو مما يصدق قول المشركين فيه : (ان تتبعون
الا رجـلا مسحورا) ((890)) و ليس المسحور عندهم الا من خولط في عقله ,و خيل له ان شيئا
يقع و هو لايقع , فيخيل اليه انه يوحى اليه , و لايوحى اليه .((و قد قال كثير من المقلدين الذين لايعقلون ما هي النبوة و لا ما يجب لها : ان الخبر بتاثير السحر
في النفس الشريفة قدصح , فيلزم الاعتقاد به , و عدم التصديق به من بدع المبتدعين , لانه ضرب من
انكار السحر, و قد جا القرآن بصحة السحرانظركيف ينقلب الدين الصحيح , و الحق الصريح , في
نـظـر الـمـقـلد بدعة , نعوذ باللّه , يحتج بالقرآن على ثبوت السحر, و يعرض عن القرآن في نفيه
السحر عنه (ص ) و عده من افترا المشركين عليه , ويؤول في هذه و لايؤول في تلك , مع ان الذي
قصده المشركون ظاهر, لانهم كانوا يقولون : ان الشيطان يلابسه (ص ) و ملابسة الشيطان تعرف
بـالـسحر عندهم , و ضرب من ضروبه و هو بعينه اثر السحر الذي نسب الى لبيد, فانه خولط في
عقله و ادراكه , في زعمهم و الذي يجب اعتقاده , ان القرآن مقطوع به , و انه كتاب اللّه بالتواتر عن
الـمـعصوم (ص ) فهو الذي يجب الاعتقاد بما يثبته , و عدم الاعتقاد بما ينفيه , و قد جا بنفي السحر
عـنـه (ع ) حيث نسب القول باثبات حصول السحر له الى المشركين اعدائه , و وبخهم على زعمهم
هـذا, فاذا هو ليس بمسحور قطعا و اما الحديث فعلى فرض صحته هو آحاد, و الاحاد لايؤخذ بها
فـي بـاب العقائد, و عصمة النبي (ص ) من تاثيرالسحر في عقله عقيدة من العقايد, لايؤخذ في نفيها
عنه الا باليقين , و لايجوز ان يؤخذ فيها بالظن و المظنون , على ان الحديث الذي يصل الينا من طريق
الاحـاد انـمـا يـحصل الظن عند من صح عنده اما من قامت له الادلة على انه غير صحيح فلا تقوم
به عليه حجة .((و عـلى اي حال فلنا بل علينا ان نفوض الامر في الحديث , و لانحكمه في عقيدتنا, و ناخذ بنص
الكتاب و بدليل العقل ,فانه اذا خولط النبي في عقله ـ كما زعموا ـ جاز عليه ان يظن انه بلغ شيئا و
هو لم يبلغه , او ان شيئا نزل عليه و هو لم ينزل عليه ,و الامر ظاهر لايحتاج الى بيان )) ((891)) .قال الذهبي ناقما على هذه الطريقة التي هي طريقة اهل الاعتزال :.((و هـذا الـحديث الذي يرده الاستاذ الامام , رواه البخاري و غيره ((892)) من اصحاب الكتب
الصحيحة , و ليس من ورا صحته ما يخل بمقام النبوة (و علل عدم الاخلال بانه من قبيل المرض , و
قد عرفت رد الامام عليه باحسن رد) و اضاف قائلا :.((ثـم ان الـحـديـث روايـة الـبخاري و غيره من كتب الصحيح , و لكن الاستاذ الامام , و من على
طريقته , لايفرقون بين رواية البخاري و غيره , فلا مانع عندهم من عدم صحة ما يرويه البخاري ,
كما انه لو صح في نظرهم فهو لايعدو ان يكون خبر آحاد,لايثبت به الا الظن , و هذا في نظرنا هدم
لـلـجانب الاكبر من السنة التي هي بالنسبة للكتاب في منزلة المبين من المبين , و قدقالوا : ان البيان
يـلـتحق بالمبين , قال : ((و ليس هذا الحديث وحده الذي يضعفه الشيخ , او يتخلص منه بانه رواية
آحـاد, بل هناك كثرة من الاحاديث نالها هذا الحكم القاسي )), فمن ذلك ايضا حديث الشيخين ((كل
بـني آدم يمسه الشيطان يوم ولدته امه الا مريم و ابنها)) فانه قال فيه : ((اذا صح الحديث فهو من
قبيل التمثيل لا من باب الحقيقة )) ((893)) .((فـهـو لايـثـق بصحة الحديث رغم رواية الشيخين له , ثم يتخلص من ارادة الحقيقة على فرض
الـصـحـة , بجعل الحديث من باب التمثيل , و هو ركون الى مذهب المعتزلة , الذين يرون ان الشيطان
لاتسلط له على الانسان الا بالوسوسة و الاغوافقط)) ((894)) .قـلت : الحق احق ان يتبع , حتى و لو كان القائل به اصحاب الاعتزال , اذ الحق ضالة المؤمن , اخذها
حـيث وجدها فان كان مذهب اهل الجمود يقضي بالاخذ بالظواهر الظنية , حتى في باب العقائد, التي
تستدعي اليقين فيها, فان مذهب اهل النظرو الاجتهاد, يرى وجوب التدبر في آياته تعالى و التعمق
فيها, ذلك انه دستور القرآن الكريم , و الذي هدى اليه العقل الرشيد.نـعـم لاتـقـاس عـقلية مثل شيخنا الامام الكبيرة , مع ذهنية امثال الذهبي الهزيلة التي اقتنعت بتقاليد
اشعرية سلفية , رغم منافاتها لاصول الشرع و محكمات القرآن الكريم .اولا : لا سـلـطان لابليس على احد, سوى وسوسته و اغوائه , قال تعالى فيما يحكيه عن ابليس لما
قـضـى الامـر : (و مـا كان لي عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لي , فلاتلوموني و لوموا
انفسكم ) ((895)) .ثـانـيـا : لـيـس لـلـشـيـطـان سـلـطـان عـلـى عباد اللّه المخلصين : (ان عبادي ليس لك عليهم
سلطان ) ((896)) فلم يكن لابليس على عباد اللّه المخلصين حتى سلطان الوسوسة و الاغوا, فكيف
بالاستحواذ على عقليتهم الكريمة ((897)) .ثـالـثـا : انى للبيد ان يستحوذ على عقلية مثل الرسول الكريم (ص ) و هو مثال العقل الاول في عالم
الامكان .اذن فـلايـصح ما ورد في ذلك من تاثير السحر على عقله (ع ) و لم يثبت شي من ذلك من طرق اهل
الـبـيت (ع ) اما الوارد في جامع البخاري (ج7 , ص 178) و فتح الباري (ج10 , ص 193) و مسلم
(ج7 , ص 14) فمردود على قائله , و هو من المفتعلات ((898)) .
راي صاحب المنار في الجن
يـرى السيد رشيدرضا ما يراه شيخه و استاذه في الجن , و انه لايرى , و كل من ادعى رؤية الجن فـهو مخطئ في ادراكه ,و لم يصح في ذلك حديث و يرجح ان من ادعى رؤية الجن فذلك وهم منه وتخيل , و لا حقيقة له في الخارج , او لعله راى حيوانا غريبا كبعض القردة , فظنه احد افراد الجن ,
يـقـول هـذا ثـم يعرض في الهامش لذكر حديث ابي هريرة فيمن كان يسرق تمرالصدقة , و اخبار
الـنـبـي (ص ) له بانه شيطان ـ و هو في البخاري ـ و لغيره من الاحاديث التي تدل على ان الانسان
يـرى الـجـنـي و يـبـصره , ثم يقول بعد ان يفرغ من سرده للروايات : و الصواب انه ليس في هذه
الروايات كلها حديث صحيح ((899)) .بـل و نـجده يزيد على ذلك فيجوز ان تكون ميكروبات الامراض نوعا من الجن , و ذلك حيث يقول
عـندما تعرض لتفسيرقوله تعالى في الاية (275) من سورة البقرة : (الذين ياكلون الربا لايقومون
الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ) :((و المتكلمون يقولون : ان الجن اجسام حية خفية
لاتـرى و قد قلنا في ((المنار)) غير مرة : انه يصح ان يقال : ان الاجسام الحية الخفية التي عرفت
في هذا العصر بواسطة النظارات المكبرة و تسمى بالمكروبات , يصح ان تكون نوعا من الجن , و قد
ثبت انهاعلل لاكثر الامراض ((900)) .
تفسير القاسمي (محاسن التاويل )
لجمال الدين ابي الفرج محمد بن محمد المعروف بالقاسمي توفي سنة (1332 ه ) ولد في دمشق , و كان معروفا في الفقه و التفسير و الحديث , و كان من زعما النهضة السياسية ضد الاستعمار في بلادالـشام كان قد تتلمذ على يد الاستاذ الشيخ محمد عبده , فاخذ عنه العلم و السياسة و علم الاجتماع ,
و افرغه فى تفسيره هذا الممتع التزم فيه المؤلف بمتابعة آرا السلف و الاهتمام بنظراتهم في الفقه
و التفسير, مراعيا ما توصل اليه العلم , في شي من الحذر, و من ثم فهو من خير التفاسيرالمعاصرة ,
الـجامعة بين آرا السلف و نظرات الخلف , مراعيا جوانب الاحتياط, و بذلك قد جمع بين الماثور و
الـمعقول , في سبك رائع و جزالة في الالفاظ و دقة في الارا و قد تكلم بلغة اهل عصره في براعة
فائقة , و من ثم طار صيته و اصبح من التفاسير المشار اليها بالبنان .و مـن مـيزات هذا التفسير, اهتمامه البالغ بجانب الاشارات العلمية التي جات في القرآن , انه يعتقد
اشتمال القرآن على اسرار من علوم الكون , و من ثم افتتح فصلا في مقدمة تفسيره اختصاصا بالكلام
عن المسائل الفلكية الواردة في القرآن ,و يتعرض للقضايا الكونية في الخلق و التدبير, و في النهاية
يقول : ((من عجيب امر هذا القرآن ان يذكر امثال هذه الدقائق العلمية العالية , التي كانت جميع الامم
تـجـهلها, بطريقة لاتقف عثرة في سبيل ايمان احد به , في اي زمن كان , مهما كانت معلوماته , فالناس
قـديـما فهموا امثال هذه الايات بما يوافق علومهم , حتى اذا كشف العلم الصحيح عن حقائق الاشيا,
عـلـمـنـاانـهم كانوا واهمين , و فهمنا معناها الصحيح فكان هذه الايات جعلت في القرآن معجزات
لـلمتاخرين , تظهر لهم كلما تقدمت علومهم و هو معجزات للمتاخرين يشاهدونها, و تتجلى لهم كلما
تقدموا في العلم الصحيح )) ((901)) فرغ من تاليف التفسيرسنة (1329 ه ).
تفسير المراغي
هو الشيخ احمد مصطفى المراغي , شقيق الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الازهر في وقته , و تـلميذ الامام الشيخ محمد عبده صاحب تفسير ((المنار)), و الذي وضع تفسيره هذا مشاكلا له , ومستفادا من بحوث شيخه الاستاذ توفي سنة (1371ه ).و تـفـسـيـره هذا من اشمل التفاسير لحاجة العصر في اسلوبه و في طريق سرد المطالب و نضد
المقاصد, متجنبا القصص الاسرائيلية المدسوسة و الخرافات الدخيلة و لايغفل في اي مناسبة اللجؤ
الى علوم الطبيعة فيما يمس فهم كتاب اللّه العزيز,و من ثم فهو تفسير جيد مفيد في ذاته .قـال الـذهبي : ((لم نعرف من رجال هذه المدرسة ـ مدرسة الشيخ محمد عبده ـ رجلا تاثر بروح
الاسـتـاذ الامـام , و نـهج على طريقته من التجديد و اطراح التقليد, و العمل على تنقية الاسلام من
الشوائب التي الصقت به , و تنبيه الغافلين عن هديه و ارشاده , مثل الاستاذ المراغي تربى هذا الرجل
فـي مـدرسة الاستاذ الامام , و تخرج منها و هو يحمل بين جنبيه قلبا مليئابالرغبة في الاصلاح , و
الثورة على كل ما يقف في سبيل الاسلام و المسلمين )) ((902)) .و قـد نـهـج فـي تـفسيره منهج شيخه , نراه لايخوض في مبهمات القرآن بالتفصيل , و لايدخل في
جـزئيـات سـكت عنها القرآن و اعرض عنها الرسول (ص ) فلا الروايات الموضوعة او الضعيفة
بـكـافـيـة عنده حتى يزج بها في تفسيره , و لا الاخبار الاسرائيلية بمقبولة لديه , حتى يجعل منها
شروحا لما اجمله القرآن و سكت عن تفصيله .و مـما يمتاز به هذا التفسير, عنايته باظهار اسرار التشريع , فنراه يهتم اهتماما كبيرا باظهار سر
التشريع الاسلامي , و حكمة التكليف الالهي , ليظهر محاسن الاسلام , و يكشف عن هدايته للناس .كما نجده يعرض لمشاكل المجتمع و اسباب الانحطاط في دول الاسلام , فيعالج كل ذلك بما يفيضه
اللّه عـلـيه من بيان هداية القرآن و ارشاده فقد كان بصيرا بمواطن الدا و اسباب الشفا, فكان يهدف
فـي دروسـه الـى علاجها و استئصالها, و كان كثيرا ما يوجه الخطاب الى ارباب الحل و العقد في
الدولة .و هـكـذا وفق في التوفيق بين القرآن و العلم الحديث , رغم اعتقاده ان القرآن قد اتى باصول عامة
لـكـل مـا يـهم الانسان معرفته و العلم به , و كراهته ان يسلك المفسر للقرآن مسلك من يجر الاية
القرآنية الى العلوم , او العلوم الى الاية , كي يفسرهاتفسيرا علميا يتفق مع نظريات العلم الحديث , و
لـكن مع ذلك كان يرى ان يكون المفسر على شي من العلم ببعض نظريات العلم الحديث , ليستطيع ان
ياخذ منها دليلا على قدرة اللّه , و يستلهم منها مكان العبرة و العظة .
في ظلال القرآن
لسيد بن قطب بن ابراهيم الشاذلي , المستشهد سنة (1386 ه ) على يد طغاة مصر الحاكمة حينذاك نـشا المؤلف في بيئة اسلامية عريقة , و كان والده من المؤمنين المتعهدين , ولد سنة (1326 ه ) فيقرية موشا من محافظة اسيوط, ثم ارتحل الى القاهرة و كانت دراساته العليا هناك كان كاتبا اسلاميا
مـجيدا, له في الاسلاميات كتب و رسائل مفيدة , تهدف الى الحركة الاسلامية المتناسبة مع النهضة
الـعـلـمـيـة الـحـديـثة , فكان تفسيره هذا من خير التفاسير الادبية الاجتماعية الهادفة الى احيا
الـحركة الاسلامية العتيدة فمن اهدافه ازاحة الفجوة العميقة بين مسلمي العصر الحاضر و القرآن
الكريم , و تعريف المسلمين الى المهمة العلمية السياسية التي قام بها القرآن , و بيان الحمية الجهادية
الـتي يهدفها القرآن الكريم الى جنب تربية الجيل المسلم تربية قرآنية اسلامية كاملة , و بيان معالم
هذا الطريق الذي يجب على المسلمين سلوكه .و كان منهجه في التفسير : اولا, عرض آيات مترابطة بعضها مع البعض , في مجموعة منسجمة , و
بـيـان الـهدف الكلي للسورة , ثم للايات المعروضة و تقسيم السور الى دراسات , تقسيما موضوعيا,
لتعتبر كل مجموعة من الايات ذات وحدة موضوعية , و ذات هدف معين خاص .ثـم يـحاول تفسير الايات ـ في ذوق ادبي خالص ـ ببيان الاهداف الكلية التي ترمي اليها الايات , من
غير تعرض للجزئيات ,كما يجتنب من ذكر الاسرائيليات , و الروايات الموضوعة او الضعيفة , كما
يجتنب الخوض في مسائل الخلاف , و هكذايتجنب التعرض للعلوم القديمة و الحديثة التي لا علاقة
لـهـا بفهم معاني الايات الكريمة , و يعتبر التعرض لها جفا بالقرآن , لانه في غنى عنها, يقول هو في
ذلك :.((و اني لاعجب لسذاجة المتحمسين لهذا القرآن , الذين يحاولون ان يضيفوا اليه ما ليس منه , و ان
يـحـملوا عليه ما لم يقصداليه , و ان يستخرجوا منه جزئيات في علوم الطب و الكيميا و الفلك و ما
الـيـها, كانما ليعظموه بهذا و يكبروه ان القرآن كتاب كامل في موضوعه , و موضوعه اضخم من تلك
الـعـلـوم كلها, لانه هو الانسان ذاته الذي يكشف هذه المعلومات و ينتفع بها,و البحث و التجريب و
الـتـطـبـيـق مـن خواص العقل في الانسان , و القرآن يعالج بنا هذا الانسان نفسه , بنا شخصيته و
ضـمـيـره و عـقـله و تفكيره , كما يعالج بنا المجتمع الانساني الذي يسمح لهذا الانسان بانه يحسن
استخدام هذه الطاقات المذخورة فيه )) ((903)) .
الميزان في تفسير القرآن
تـالـيف العلا مة الحكيم السيد محمد حسين الطباطبائي , من رجالات الفكر الاسلامي القلائل الذين انتجتهم الحياة العلمية الاسلامية في العصر الاخير ولد بتبريز سنة (1321 ه ) و توفي بقم سنة(1402 ه ).و هـو تـفسير جامع حافل بمباحث نظرية تحليلية ذات صبغة فلسفية في الاغلب , جمع فيه المؤلف
الـى جانب الانماطالتفسيرية السائدة , امورا مما اثارته النهضة الحديثة في التفسير, فقد تصدى لما
يـثـيـره اعـدا الاسلام من شبهات , و ما يضللون به من تشويه للمفاهيم الاسلامية , بروح اجتماعية
واعية , على اساس من القرآن الكريم , و فهم عميق لنصوصه الحكيمة .و لهذا التفسير القيم مزايا جمة نشير الى اهمها :.1ـ جـمـع بين نمطي التفسير : الموضوعي و الترتيبي , فقد فسر القرآن آية فية و سورة فسورة
لكنه الى جنب ذلك , نراه يجمع الايات المتناسبة بعضها مع البعض , ليبحث عن الموضوع الجامع بينها,
كلما مر بية ذات هدف موضوعي , و كانت لهانظائر منبثة في سائر القرآن .2ـ عنايته التامة بجانب الوحدة الموضوعية السائدة في القرآن , كل سورة هي ذات هدف او اهداف
معينة , هى تشكل بنيان السورة بالذات , فلا تتم السورة الا عند اكتمال الهدف الموضوعي الذي رامته
الـسـورة , و بـذلـك نـجـد السور تتفاوت في عددآيها يقول هو في ذلك : ((ان لكل طائفة من هذه
الـطـوائف من كلامه تعالى التي فصلها قطعا قطعا و سمى كل قطعة سورة نوعا من وحدة التاليف و
الالـتـئام , لايـوجـد بين ابعاض من سورة , و لا بين سورة و سورة , و من هنا نعلم ان الاغراض و
المقاصدالمحصلة من السور مختلفة , و ان كل واحدة منها مسوقة لبيان معنى خاص و لغرض محصل ,
لاتتم السورة الا بتمامه )) ((904)) .3ـ نظرية ((الوحدة الكلية )) الحاكمة على القرآن كله , باشتماله على روح كلية سارية في جميع
آيـاته و سوره , و تلك الروح هي التي تشكل حقيقة القرآن الاصلية السائدة على ابعاضه و اجزائه
يرى المؤلف : ان ورا هذا الظاهر من الفاظ و كلمات و حروف روحا كلية , كانت هي جوهر القرآن
الاصيل , و كانت بمثابة الروح في الجسد من الانسان .قـال فـي ذلـك : ((فـالمحصل من الايات الشريفة ان ورا ما نقرؤه و نعقله من القرآن , امرا هو من
الـقرآن بمنزلة الروح من الجسد, و المتمثل من المثال , و هو الذي يسميه تعالى بالكتاب الحكيم , و
هو الذي تعتمد عليه معارف القرآن , و ليس من سنخ الالفاظ و لا المعاني )) ((905)) .و بذلك و بالذي قبله , تتشكل وحدة السياق في القرآن , كما لايخفى .4ـ الاسـتـعـانة بمنهج ((تفسير القرآن بالقرآن )) فقد حقق المؤلف هذا الامر و اوجده بعيان , اذ
نـراه يـعتمد في تفسيره على القرآن ذاته , فيرى ان غير القرآن غير صالح لتفسير القرآن , بعد ان
كان هو تبيانا لكل شي فياترى كيف يكون القرآن تبيانا لكل شي و لايكون تبيانا لنفسه ؟ لكن التزام تفسير القرآن بنفسه , يتطلب جهدا بالغا و احاطة تامة , و قد لمسناه في مفسرنا العلا مة ,
و وجدناه على قدرة فائقة في ذلك .يـقـول هـو فـي ذلك : ((الطريقة المرضية في التفسير هي ان نفسر القرآن بالقرآن , و نشخص
الـمصاديق و نتعرفها بالخواص التي تعطيها الايات , كما قال تعالى : (و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل
شي ) ((906)) و حاشا القرآن ان يكون تبيانا لكل شي و لايكون تبيانا لنفسه ((907)) .
الفرقان في تفسير القرآن
تاليف الشيخ محمد الصادقي الطهراني , و قد تم تاليفه خلال السنوات (1397 ـ 1407 ه ), و كان بـصـورة مـحـاضرات يلقيها على طلبة العلوم الدينية في الحوزتين النجف و قم و هو تفسير جامعشامل , اتخذ منهج تفسير القرآن بالقرآن حسب الامكان , و هو تحليلي تربوي اجتماعي , مع الاستناد
الـى احـاديـث يراها صحيحة و اخرى ملائمة مع ظواهر القرآن , و لذااحترز عن الاسرائيليات
بـشـكـل قـاطـع , و كـذا عـن الاحاديث الموضوعة و الضعيفة و بما ان المؤلف يعد من الفقها, فان
فـي تـفسيره الشي الكثير من التعرض لمسائل الفقه و الاحكام بصورة مبسطة , و هكذا تجده يفصل
فـي المسائل الكلامية الاعتقادية في نزاهة , كما و يجتنب تحميل القرآن بنظرات العلم الحديث , و
يـرى ان الـقرآن في غنى عن ذلك , اللهم الا اذا رفع بذلك ابهام في اشارات عابرة جات في القرآن ,
على شرط ان تكون النظرية ثابتة , و لذلك نراه يحمل على الشيخ طنطاوي في ولعه بحمل النظريات
الـعـلـمـيـة على القرآن و في ذلك يقول : ((و من ذلك كثير عند المتفرنجين من المفسرين الذين
غرقوا في العلوم و النظريات الجديدة , و نسوا ان القرآن هو علم اللّه , فلن يتبدل , و العلم دوما في
تبدل و تحول من خطا الى صواب و من صواب الى اصوب )) ((908)) .
من هدى القرآن
تـفـسـيـر تـربـوي تـحـليلي شامل , يبحث فيه المؤلف هو السيد محمد تقي المدرسي عن الربط الموضوعي بين الواقع المعاش ,و بين الحقائق الراهنة و الدلائل البينة التي ابانها القرآن الكريم منذاربـعـة عشرقرنا, كمنهج تربوي و اخلاقي , يستهدف وضع الحلول الناجعة لكل مشكلات العصور
الـمـختلفة حتى قيام الساعة قال المؤلف : ((و اعتمدت فيه على منهج التدبر المباشر,انطلاقا مما
بـينته في التمهيد, اي منهج الاستلهام مباشرة من الايات , و العودة الى القرآن ذاته , كلما قصرنا عن
فـهـم بـعـض آياته وفق المنهج الذي علمنا اياه الرسول الكريم و ائمة اهل البيت (ع ) حيث امرونا
بتفسير القرآن ببعضه )) ((909)) فكان تفسيراتحليليا تربويا, لم توجد فيه المعمعات الجدلية , و
لا الخرافات الاسرائيلية , معتمدا شرح الايات و ذكر مقاصدها العالية و اهدافها السامية , و معالجة
ادوا المجتمع معالجة ناجعة موفقة .تم تاليف الكتاب سنة (1405 ه ), في (18) مجلدا, و طبع سنة (1406) بطهران .
من وحي القرآن
تـفـسير تربوي اجتماعي شامل , و يعد من اروع التفاسير الجامعة , النابعة من روح حركية نابضة بـالـحـيـوية الاسلامية العريقة انطلق فيه المؤلف هو السيد محمد حسين فضل اللّه , من المع علماالاسـلام فـي الـقطر اللبناني يعمل في احيا الجوالقرآني في كل مجالات الحياة المادية و المعنوية ,
نـظـير ما صنعه سيد قطب في تفسيره ((في ظلال )), مضيفا عليه تعاليم صادرة عن اهل البيت في
تربية الجيل المسلم , و متناسبا مع كل دور من ادوار الزمان .