اهم رواد هذه المدرسة - تفسیر والمفسرون فی ثوبه القشیب جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسیر والمفسرون فی ثوبه القشیب - جلد 2

محمد هادی معرفت

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

و لقد كان من اثر عدم اغترار هذه المدرسة بالروايات الاسرائيلية , و الاحاديث الموضوعة انها لم تـخـض فـي تعيين ما ابهمه القرآن , من مثل الحروف المقطعة , و بعض الالفاظ المبهمة الواردة في
الـقـرآن , مـما ابهمه القرآن ابهاما, و لم تكن غاية في اظهاره حينذاك , كما لم تجرا على الخوض في
الـكلام عن الامور الغيبية , التي لاتعرف الا من جهة النصوص الصحيحة الصريحة , بل قررت مبدا
الايـمـان بـمـا جا من ذلك مجملا, و منعت من الخوض في التفصيلات و الجزئيات , في مثل الحياة
الـبـرزخـيـة و الجنة و النار و الحور و القصور و الغلمان و ما شابه ذلك , و هذا مبدا سليم , يقف
حاجزا منيعا دون تسرب شي من خرافات الغيب المظنون , الى المقطوع و المعقول من العقائد.

كذلك نجد هذه المدرسة ابعدت التفسير عن التاثر باصطلاحات العلوم و الفنون و الفلسفة و الكلام ,
الـتـي زج بـها في التفسير, بدون ان يكون في حاجة اليها, و لم تتناول من ذلك الا بمقدار الحاجة , و
على حسب الضرورة فقط هذه كلها من الناحية السلبية التي سلكتها هذه المدرسة .

و امـا مـن الـناحية الايجابية , فان هذه المدرسة نهجت بالتفسير منهجا ادبيا اجتماعيا, فكشفت عن
بـلاغـة الـقرآن و اعجازه في البيان , و اوضحت معانيه و مراميه , و اظهرت ما فيه من سنن الكون
الاعظم و نظم الاجتماع , و عالجت مشاكل الامة الاسلامية خاصة , و مشاكل الامم عامة , بما ارشد
اليه القرآن , من هداية و تعاليم , و التي جمعت بين خيري الدنيا و الاخرة .

كـما وفقت بين القرآن و ما اثبته العلم من نظريات صحيحة و ثابتة , و جلت للناس ان القرآن كتاب
اللّه الخالد, الذي يستطيع ان يساير التطور الزمني و البشري , الى ان يرث اللّه الارض و من عليها.

كـمـا دفـعت ما ورد من شبه على القرآن , و فندت ما اثير حوله من شكوك و اوهام , بحجج قوية ,
قذفت بها على الباطل فدمغته فاذا هو زاهق .

كـل ذلـك باسلوب شيق جذاب يستهوي القارئ , و يستولي على قلبه , و يحبب اليه النظر في كتاب
اللّه , و يرغبه في الوقوف على معانيه و اسراره .

و ايـضا فان هذه المدرسة فتحت في وجه التفسير بابا كان مغلقا عليه , منذ زمن سحيق , انها اعطت
لـعـقـلها حرية واسعة النطاق , و اتاحت للعقل و الفكر البشري مجاله الواسع الذي منحه اللّه له , و
رغبه في ذلك (و انزلنا اليك الذكر لتبين للناس مانزل اليهم و لعلهم يتفكرون ) ((882)) .

و من ثم حكمت العقل الرشيد على كل مظاهر الدين , فتاولت ما ظاهره المنافاة مع الحقائق الشرعية
الـثـابـتـة , و التي دعمهاالعقل , و عدلت بها عن ارادة الحقيقة الى المجاز و التمثيل , و بذلك و بهذه
الحرية العقلية الواسعة , جارت اهل العدل في تعاليمها و عقائدها, و التي كان عليها السلف النابهون , و
قذفت بتعاليم الاشاعرة المتجمدة ورا الظهور, و بذلك لم تترك مجالالاحاديث اهل الحشو ان تتدخل
فـي التفسير, و لا في عقائد المسلمين في شي من الاصول و الفروع فقد طعنت في بعض الاحاديث
بالضعف تارة و بالوضع اخرى , رغم ورودها في المجاميع الحديثية الكبرى , امثال البخاري و مسلم
و غـيـرهـما, اذ ان خبر الواحد لاتثبت به عقيدة اجماعا, و لا هو حجة في هذا الباب عند ارباب
الاصول .

اهم رواد هذه المدرسة

رائد هـذه الـمـدرسـة الاول و زعيمها و عميدها, هو الاستاذ الامام الشيخ محمد عبده , الذي بنى اسـاس هـذا الـبـنيان الرفيع ,و فتح باب الاجتهاد في التفسير بعد ما كان مغلقا طيلة قرون , فقد نبذ
طـريـقة التقليد السلفي , و اعطى للعقل حريته في النقدو التمحيص و سار على منهجه الاجلا من
تـلامـذتـه , امـثال السيد محمد رشيد رضا, و الشيخ محمد محمد القاسمي , و الشيخ احمد مصطفى
المراغي , و من جا بعدهم جاريا على نفس التعاليم , امثال السيد قطب , و الشيخ محمد جواد مغنية , و
الـشـيخ محمد الصادقي , و السيد محمدحسين فضل اللّه , و السيد محمد الشيرازي , و الشيخ سعيد
حـوى , و الاسـتـاذ مـحـمـد عـلي الصابوني , و السيد محمد تقي المدرسي , و الشيخ ناصر مكارم
الـشـيـرازي و الـذي فـاق الـجـمـيـع في هذا المجال , هو العلامة الفيلسوف السيد محمد حسين
الطباطبائي , الذي حاز قصب السبق في هذا المضمار.

و اليك بعض الكلام عن اهم ما كتب من جلائل التفسير المدون في هذا العصر :.

المنار (تفسير القرآن العظيم )

تـفـسير حافل جامع و لكنه غير كامل , يشتمل على اثني عشر مجلدا و ينتهي عند الاية (53) من سورة يوسف كان من اول القرآن الى الاية (126) من سورة النسا بانشا الشيخ محمد عبده (المتوفى
سنة1323 ه ) و املا السيد رشيد رضا (المتوفى سنة1354 ) و من بعده سار السيد في التفسير
متبعا منهج الشيخ في تفسيره للايات حتى سورة يوسف .

كـان الشيخ يلقي دروسه في التفسير بالجامع الازهر على الطلاب لمدة ست سنوات , و كان السيد
رشـيـد رضـا يـكـتـب مـاسـمعه و يزيد عليه بما ذاكره مع الشيخ , و قام بنشر ما كتب في مجلته
((المنار)) و ذلك بعد مراجعة الاستاذ ليقوم بتنقيحه و تهذيبه , او اضافة ما يكمله .

قـال الـذهبي : كان الاستاذ الامام , هو الذي قام وحده من بين رجال الازهر بالدعوة الى التجديد, و
الـتـحـرر من قيود التقليد,فاستعمل عقله الحر في كتاباته و بحوثه , و لم يجر على ما جمد عليه
غـيـره من افكار المتقدمين و اقوال السابقين , فكان له من ورا ذلك آرا و افكار خالف بها من سبقه و
هذه الحرية العقلية , و هذه الثورة على القديم , كان لهما اثر بالغ في المنهج الذي نهجه الشيخ لنفسه ,
و سار عليه في تفسيره ((883)) .

قـد رسم محمد عبده في تفسيره منهجا تربويا للامة الاسلامية , يبعث مقوماتها, و يثير امجادها, و
يـنـادي بداب القرآن من الشجاعة و الكرامة و الحفاظ, قد حارب جمود الفقها و تقليدهم , و تقديم
الـمـذاهب على القرآن و السنة مكانهما الاول من التشريع , و دعا المسلمين الى استخدام عقولهم و
تفكيرهم ((884)) .

و من خصائص هذا التفسير العناية بمشاكل المسلمين الحاضرة , و التوجه الى معالجة اسباب تاخر
الـمـجـتـمـع الاسلامي ,و الى امكان بنا مجتمع قوي , و عودة الامة الى ثورة حقيقية قرآنية على
اوضـاعـهـا الـمتخلفة , و مواجهة الحياة مواجهة علمية صحيحة , و العناية التامة الى الاخذ باسباب
الـحـضارة الاسلامية من جديد, و مواجهة اعدائها, و رد الغزوات الفكرية الاستعمارية التي شنت
على الاسلام عقيدة و تاريخا و حضارة و رجالا, و مناقشتها بالادلة العلمية و الوقائع التاريخية ,و
تفنيدها و اثبات بطلانها من ذاتها.

و يتلخص منهج تفسير المنار في البنود التالية :.

1ـ الاسلام هو دين العقل و الشريعة , و هو مصدر الخير و الصلاح الاجتماعي .

2ـ القرآن لايتبع العقيدة , و انما تؤخذ العقيدة من القرآن .

3ـ عدم وجود تعارض بين القرآن و الحقائق العلمية الراهنة .

4ـ اعتبار القرآن جميعه وحدة واحدة متماسكة .

5 ـ الـتـحـفـظ فـي الاخـذ بما سمي بالتفسير الماثور, و التحذير من الاقاصيص الاسرائيلية و
المكذوبة .

6ـ عدم اغفاله الوقائع التاريخية , و التي لها دخل في فهم معاني القرآن الكريم .

7ـ استعمال الذوق الادبي النزيه في فهم مرامي الايات الكريمة .

8ـ معالجته للمسائل الاجتماعية في الاخلاق و السلوك .

9ـ تفسيره للقرآن على ضؤ العلم الحديث القطعي الثابت .

10ـ حذره عن الخوض في الامور المغيبة عن الحس و الادراك .

11ـ موضعه النزيه تجاه سحر السحرة , و لاسيما بالنسبة الى التاثير في شخصية الرسول .

12ـ موقفه الصحيح من روايات اهل الحشو, حتى ولو كانت في الكتب الصحاح .

موقفه من حقيقة الملائكة و الشياطين

و لـقد كان من اثر اعطا الشيخ عبده لنفسه الحرية الواسعة في فهم القرآن الكريم , انا نجده يخالف راي جـمـهور اهل السنة ((885)) , و يذهب على خلاف مذهب الاشعري في الاخذ بالظواهر و
الـجمود عليها, و ترك الخوض في فهم حقيقتهااو تاويلها, نراه يخالف هذا المسلك السلفي , و يذهب
الـى مـا ذهـب الـيـه اهـل الراي و النظر و التمحيص و اصحاب التاويل ,و قد عبر عنهم الذهبي
بـالـمـعتزلة و ليسوا هم وحدهم بل و اهل القول بالعدل و تحكيم العقل مطلقا فيرى من الملائكة و
الـشـياطين , القوى الفعالة المودعة في عالم الطبيعية , في صالح الحياة او فسادها, اما انها موجودات
مـسـتـقـلة ذوات شمائل و اعضا كشمائل الانسان و اعضائه , حسب ما فهمه الظاهريون من تعابير
الشرع التي هي امثال و استعارات فلا, نظرا لانهاموجودات لاتسانخ وجود الانسان بذاته , و لا هي
على شاكلته .

قال في قصة سجود الملائكة لادم و امتناع ابليس (البقرة :34) :.

((و ذهـب بـعـض الـمـفـسرين مذهبا آخر في فهم معنى الملائكة , و هو : ان مجموع ماورد في
الـمـلائكة من كونهم موك لين بالاعمال من انما نبات و خلقة حيوان و حفظ انسان و غير ذلك , فيه
ايما الى الخاصة بما هو ادق من ظاهر العبارة , و هو ان هذا النمو في النبات لم يكن الا بروح خاص ,
نفخه اللّه في البذرة , فكانت به الحياة النباتية المخصوصة , و كذلك يقال في الحيوان و الانسان , فكل
امـر كـلـي قائم بنظام مخصوص تمت به الحكمة الالهية في ايجاده , فانما قوامه بروح الهي , سمي
فـي لسان الشرع ملكا, و من لم يبال في التمسية بالتوقيف يسم هذه المعاني ((القوى الطبيعية )), اذا
كـان لايعرف من عالم الامكان الا ماهو طبيعة , او قوة يظهر اثرها في الطبيعة و الامر الثابت الذي
لانزاع فيه , هو ان في باطن الخلقة امرا هو مناطها, و به قوامهاو نظامها, لايمكن لعاقل ان ينكره , و
ان انـكر غير المؤمن بالوحي تسميته ملكا, و زعم انه لا دليل على وجود الملائكة , او انكربعض
المؤمنين بالوحي تسميته قوة طبيعية او ناموسا طبيعيا, لان هذه الاسما لم ترد في الشرع , فالحقيقة
واحـدة و الـعـاقـل لاتحجبه الاسما عن المسميات , و ان كان المؤمن بالغيب يرى للارواح وجودا
لايـدرك كـنـهـه , و الذي لايؤمن بالغيب يقول لااعرف الروح , و لكن اعرف قوة لاافهم حقيقتها, و
لايـعـلـم الا اللّه , عـلـى م يختلف الناس , و كل يقر بوجود شي غير ما يرى و يحس , و يعترف بانه
لايفهمه حق الفهم , و لايصل بعقله الى ادراك كنهه ؟ و ماذا على هذا الذي يزعم انه لايؤمن بالغيب ـ
و قـد اعـترف بما غيب عنه ـ لو قال : اصدق بغيب اعرف اثره , و ان كنت لااقدر قدره , فيتفق مع
المؤمنين بالغيب ,و يفهم بذلك ما يرد على لسان صاحب الوحي , و يحظى بما يحظى به المؤمنون ؟.

((يشعر كل من فكر في نفسه , و وازن بين خواطره , عند ما يهم بامر فيه وجه للحق او للخير, و
وجـه لـلـباطل او للشر, بان في نفسه تنازعا, كان الامر قد عرض فيها على مجلس شورى , فهذا
يـورد و ذاك يدفع , و احد يقول : افعل , و آخر يقول : لاتفعل ,حتى ينتصر احد الطرفين , و يترجح
احـد الـخـاطرين , فهذا الشي الذي اودع في انفسنا و نسميه : قوة و فكرا, و هي في الحقيقة معنى
لايدرك كنهه , و روح لاتكتنه حقيقتها, لايبعد ان يسميه اللّه ملكا, او يسمى اسبابه ملائكة , او ماشا
مـن الاسما, فان التسمية لاحجر فيها على الناس , فكيف يحجر فيها على صاحب الارادة المطلقة , و
السلطان النافذ و العلم الواسع قـال : ((فاذا صح الجري على هذا التفسير, فلا يستبعد ان تكون الاشارة في الاية الى ان اللّه تعالى
لـما خلق الارض و دبرهابما شا من القوى الروحانية التي بها قوامها و نظامها, و جعل كل صنف من
الـقوى مخصوصا بنوع من انواع المخلوقات ,لايتعداه و لايتعدى ما حدد له من الاثر الذي خص به ,
خـلـق بعد ذلك الانسان , و اعطاه قوة يكون بها مستعدا للتصرف بجميع هذه القوى , و تسخيرها في
عمارة الارض , و عبر عن تسخير هذه القوى له بالسجود, الذي يفيد معنى الخضوع و التسخير,و
جعله بهذا الاستعداد الذي لا حد له , و التصرف الذي لم يعط لغيره , خليفة اللّه في ارضه , لانه اكمل
الـمـوجودات في الارض ,و استثنى من هذه القوى قوة واحدة , عبر عنها بابليس , و هي القوة التي
لـزهـا اللّه بـهـذا العالم لزا, و هي التي تميل بالمستعدللكمال , او بالكامل الى النقص , و تعارض مد
الـوجـود لترده الى العدم , او تقطع سبيل البقا, و تعود بالموجود الى الفنا,او التي تعارض في اتباع
الـحـق , و تـصـد عن عمل الخير, و تنازع الانسان في صرف قواه الى المنافع و المصالح التي تتم
بهاخلافته , فيصل الى مراتب الكمال الوجودي التي خلق مستعدا للوصول اليها, تلك القوة التي ضللت
آثارها قوما فزعموا ان في العالم الها يسمى اله الشر, و ما هي باله , و لكنها محنة اله لايعلم اسرار
حكمته الا هو.

قـال : ((و لـو ان نفسا مالت الى قبول هذا التاويل , لم تجد في الدين ما يمنعها من ذلك , و العمدة على
اطمينان القلب و ركون النفس الى ما ابصرت من الحق )) ((886)) .

ثـم يعود في موضع آخر الى تقرير التمثيل في القصة , فيقول : ((و تقرير التمثيل في القصة على
هـذا الـمـذهب هكذا : ان اخبار اللّه الملائكة بجعل الانسان خليفة في الارض هو عبارة عن تهيئة
الارض و قـوى هـذا العالم و ارواحه التي بها قوامه و نظامه , لوجود نوع من المخلوقات يتصرف
فـيها, فيكون به كمال الوجود في هذه الارض و سؤال الملائكة عن جعل خليفة يفسد في الارض ,
لانـه يـعـمـل باختياره , و يعطى استعدادا في العلم و العمل لاحد لهما, هو تصوير لما في استعداد
الانسان لذلك , و تمهيد لبيان انه لاينافي خلافته في الارض و تعليم آدم الاسما كلها, بيان لاستعداد
الانسان لعلم كل شي في هذه الارض , و انتفاعه به في استعمارهاو عرض الاسما على الملائكة و
سـؤالـهـم عـنـها و تنصلهم في الجواب , تصوير لكون الشعورالذي يصاحب كل روح من الارواح
الـمدبرة للعوالم محدودا لايتعدى وظيفته و سجود الملائكة لادم , عبارة عن تسخير هذه الارواح
و الـقوى له , ينتفع بها في ترقية الكون بمعرفة سنن اللّه تعالى في ذلك و ابا ابليس و استكباره عن
الـسـجود, تمثيل لعجزالانسان عن اخضاع روح الشر و ابطال داعية خواطر السؤ التي هي مثار
الـتـنـازع و التخاصم , و التعدي و الافساد في الارض و لولا ذلك لجا على الانسان زمن يكون فيه
افراده كالملائكة بل اعظم , او يخرجون عن كونهم من هذا النوع البشري )) ((887)) .

انكاره على اهل الحديث في روايتهم للطامات

ثـم ان الـشـيخ عبده كان ممن يرى تساهل اهل الحديث في رواياتهم الغث و السمين , غير مبالين في مـتـونها اهي مخالفة لاصول العقيدة ام متنافية مع مباني الاسلام الركينة , الامر الذي يؤخذ على اهل
الحشو في الحديث في ذلك .

قال بشان قصة زكريا و بشارة الملائكة له بيحيى , و طلبه من اللّه ان يجعل له آية :.

((و مـن سـخـافات بعض المفسرين زعمهم ان زكريا(ع ) اشتبه عليه وحي الملائكة و نداؤهم ,
بـوحـي الـشياطين , و لذلك سال سؤال التعجب , ثم طلب آية للتثبت و روى ابن جرير عن السدي و
عـكرمة : ان الشيطان هو الذي شككه في نداالملائكة , و قال له : انه من الشيطان , قال : ((و لولا
الجنون بالروايات مهما هزلت و سمجت , لما كان لمؤمن ان يكتب مثل هذاالهز و السخف , الذي ينبذه
العقل , و ليس في الكتاب ما يشير اليه , و لو لم يكن لمن يروي مثل هذا الا هذا لكفى في جرحه ,و ان
يضرب بروايته على وجهه فعفى اللّه عن ابن جرير اذ جعل هذه الرواية مما ينشر)) ((888)) .

و قال فيما جا من الروايات في سحر الرسول (ص ) :.

((و قـد رووا هـنـا احاديث في ان النبي (ص ) سحره لبيد بن اعصم , و اثر سحره فيه , حتى كان
يخيل له انه يفعل الشي و هولايفعله , او ياتي شيئا و هو لاياتيه , و ان اللّه انباه بذلك و اخرجت مواد
الـسـحـر مـن بـئر, و عـوفـي (ص ) مـمـا كـان نـزل بـه من ذلك ,و نزلت هذه السورة (سورة
الفلق ) ((889)) .

قال : ((و لايخفى ان تاثير السحر في نفسه (ع ) حتى يصل به الامر الى ان يظن انه يفعل شيئا و هو
لايـفعله , ليس من قبيل تاثير الامراض في الابدان , و لا من قبيل عروض السهو و النسيان في بعض
الامور العادى ة , بل هو ماس بالعقل , آخذ بالروح ,و هو مما يصدق قول المشركين فيه : (ان تتبعون
الا رجـلا مسحورا) ((890)) و ليس المسحور عندهم الا من خولط في عقله ,و خيل له ان شيئا
يقع و هو لايقع , فيخيل اليه انه يوحى اليه , و لايوحى اليه .

((و قد قال كثير من المقلدين الذين لايعقلون ما هي النبوة و لا ما يجب لها : ان الخبر بتاثير السحر
في النفس الشريفة قدصح , فيلزم الاعتقاد به , و عدم التصديق به من بدع المبتدعين , لانه ضرب من
انكار السحر, و قد جا القرآن بصحة السحرانظركيف ينقلب الدين الصحيح , و الحق الصريح , في
نـظـر الـمـقـلد بدعة , نعوذ باللّه , يحتج بالقرآن على ثبوت السحر, و يعرض عن القرآن في نفيه
السحر عنه (ص ) و عده من افترا المشركين عليه , ويؤول في هذه و لايؤول في تلك , مع ان الذي
قصده المشركون ظاهر, لانهم كانوا يقولون : ان الشيطان يلابسه (ص ) و ملابسة الشيطان تعرف
بـالـسحر عندهم , و ضرب من ضروبه و هو بعينه اثر السحر الذي نسب الى لبيد, فانه خولط في
عقله و ادراكه , في زعمهم و الذي يجب اعتقاده , ان القرآن مقطوع به , و انه كتاب اللّه بالتواتر عن
الـمـعصوم (ص ) فهو الذي يجب الاعتقاد بما يثبته , و عدم الاعتقاد بما ينفيه , و قد جا بنفي السحر
عـنـه (ع ) حيث نسب القول باثبات حصول السحر له الى المشركين اعدائه , و وبخهم على زعمهم
هـذا, فاذا هو ليس بمسحور قطعا و اما الحديث فعلى فرض صحته هو آحاد, و الاحاد لايؤخذ بها
فـي بـاب العقائد, و عصمة النبي (ص ) من تاثيرالسحر في عقله عقيدة من العقايد, لايؤخذ في نفيها
عنه الا باليقين , و لايجوز ان يؤخذ فيها بالظن و المظنون , على ان الحديث الذي يصل الينا من طريق
الاحـاد انـمـا يـحصل الظن عند من صح عنده اما من قامت له الادلة على انه غير صحيح فلا تقوم
به عليه حجة .

((و عـلى اي حال فلنا بل علينا ان نفوض الامر في الحديث , و لانحكمه في عقيدتنا, و ناخذ بنص
الكتاب و بدليل العقل ,فانه اذا خولط النبي في عقله ـ كما زعموا ـ جاز عليه ان يظن انه بلغ شيئا و
هو لم يبلغه , او ان شيئا نزل عليه و هو لم ينزل عليه ,و الامر ظاهر لايحتاج الى بيان )) ((891)) .

قال الذهبي ناقما على هذه الطريقة التي هي طريقة اهل الاعتزال :.

((و هـذا الـحديث الذي يرده الاستاذ الامام , رواه البخاري و غيره ((892)) من اصحاب الكتب
الصحيحة , و ليس من ورا صحته ما يخل بمقام النبوة (و علل عدم الاخلال بانه من قبيل المرض , و
قد عرفت رد الامام عليه باحسن رد) و اضاف قائلا :.

((ثـم ان الـحـديـث روايـة الـبخاري و غيره من كتب الصحيح , و لكن الاستاذ الامام , و من على
طريقته , لايفرقون بين رواية البخاري و غيره , فلا مانع عندهم من عدم صحة ما يرويه البخاري ,
كما انه لو صح في نظرهم فهو لايعدو ان يكون خبر آحاد,لايثبت به الا الظن , و هذا في نظرنا هدم
لـلـجانب الاكبر من السنة التي هي بالنسبة للكتاب في منزلة المبين من المبين , و قدقالوا : ان البيان
يـلـتحق بالمبين , قال : ((و ليس هذا الحديث وحده الذي يضعفه الشيخ , او يتخلص منه بانه رواية
آحـاد, بل هناك كثرة من الاحاديث نالها هذا الحكم القاسي )), فمن ذلك ايضا حديث الشيخين ((كل
بـني آدم يمسه الشيطان يوم ولدته امه الا مريم و ابنها)) فانه قال فيه : ((اذا صح الحديث فهو من
قبيل التمثيل لا من باب الحقيقة )) ((893)) .

((فـهـو لايـثـق بصحة الحديث رغم رواية الشيخين له , ثم يتخلص من ارادة الحقيقة على فرض
الـصـحـة , بجعل الحديث من باب التمثيل , و هو ركون الى مذهب المعتزلة , الذين يرون ان الشيطان
لاتسلط له على الانسان الا بالوسوسة و الاغوافقط)) ((894)) .

قـلت : الحق احق ان يتبع , حتى و لو كان القائل به اصحاب الاعتزال , اذ الحق ضالة المؤمن , اخذها
حـيث وجدها فان كان مذهب اهل الجمود يقضي بالاخذ بالظواهر الظنية , حتى في باب العقائد, التي
تستدعي اليقين فيها, فان مذهب اهل النظرو الاجتهاد, يرى وجوب التدبر في آياته تعالى و التعمق
فيها, ذلك انه دستور القرآن الكريم , و الذي هدى اليه العقل الرشيد.

نـعـم لاتـقـاس عـقلية مثل شيخنا الامام الكبيرة , مع ذهنية امثال الذهبي الهزيلة التي اقتنعت بتقاليد
اشعرية سلفية , رغم منافاتها لاصول الشرع و محكمات القرآن الكريم .

اولا : لا سـلـطان لابليس على احد, سوى وسوسته و اغوائه , قال تعالى فيما يحكيه عن ابليس لما
قـضـى الامـر : (و مـا كان لي عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لي , فلاتلوموني و لوموا
انفسكم ) ((895)) .

ثـانـيـا : لـيـس لـلـشـيـطـان سـلـطـان عـلـى عباد اللّه المخلصين : (ان عبادي ليس لك عليهم
سلطان ) ((896)) فلم يكن لابليس على عباد اللّه المخلصين حتى سلطان الوسوسة و الاغوا, فكيف
بالاستحواذ على عقليتهم الكريمة ((897)) .

ثـالـثـا : انى للبيد ان يستحوذ على عقلية مثل الرسول الكريم (ص ) و هو مثال العقل الاول في عالم
الامكان .

اذن فـلايـصح ما ورد في ذلك من تاثير السحر على عقله (ع ) و لم يثبت شي من ذلك من طرق اهل
الـبـيت (ع ) اما الوارد في جامع البخاري (ج7 , ص 178) و فتح الباري (ج10 , ص 193) و مسلم
(ج7 , ص 14) فمردود على قائله , و هو من المفتعلات ((898)) .

راي صاحب المنار في الجن

يـرى السيد رشيدرضا ما يراه شيخه و استاذه في الجن , و انه لايرى , و كل من ادعى رؤية الجن فـهو مخطئ في ادراكه ,و لم يصح في ذلك حديث و يرجح ان من ادعى رؤية الجن فذلك وهم منه و
تخيل , و لا حقيقة له في الخارج , او لعله راى حيوانا غريبا كبعض القردة , فظنه احد افراد الجن ,
يـقـول هـذا ثـم يعرض في الهامش لذكر حديث ابي هريرة فيمن كان يسرق تمرالصدقة , و اخبار
الـنـبـي (ص ) له بانه شيطان ـ و هو في البخاري ـ و لغيره من الاحاديث التي تدل على ان الانسان
يـرى الـجـنـي و يـبـصره , ثم يقول بعد ان يفرغ من سرده للروايات : و الصواب انه ليس في هذه
الروايات كلها حديث صحيح ((899)) .

بـل و نـجده يزيد على ذلك فيجوز ان تكون ميكروبات الامراض نوعا من الجن , و ذلك حيث يقول
عـندما تعرض لتفسيرقوله تعالى في الاية (275) من سورة البقرة : (الذين ياكلون الربا لايقومون
الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ) :((و المتكلمون يقولون : ان الجن اجسام حية خفية
لاتـرى و قد قلنا في ((المنار)) غير مرة : انه يصح ان يقال : ان الاجسام الحية الخفية التي عرفت
في هذا العصر بواسطة النظارات المكبرة و تسمى بالمكروبات , يصح ان تكون نوعا من الجن , و قد
ثبت انهاعلل لاكثر الامراض ((900)) .

تفسير القاسمي (محاسن التاويل )

لجمال الدين ابي الفرج محمد بن محمد المعروف بالقاسمي توفي سنة (1332 ه ) ولد في دمشق , و كان معروفا في الفقه و التفسير و الحديث , و كان من زعما النهضة السياسية ضد الاستعمار في بلاد
الـشام كان قد تتلمذ على يد الاستاذ الشيخ محمد عبده , فاخذ عنه العلم و السياسة و علم الاجتماع ,
و افرغه فى تفسيره هذا الممتع التزم فيه المؤلف بمتابعة آرا السلف و الاهتمام بنظراتهم في الفقه
و التفسير, مراعيا ما توصل اليه العلم , في شي من الحذر, و من ثم فهو من خير التفاسيرالمعاصرة ,
الـجامعة بين آرا السلف و نظرات الخلف , مراعيا جوانب الاحتياط, و بذلك قد جمع بين الماثور و
الـمعقول , في سبك رائع و جزالة في الالفاظ و دقة في الارا و قد تكلم بلغة اهل عصره في براعة
فائقة , و من ثم طار صيته و اصبح من التفاسير المشار اليها بالبنان .

و مـن مـيزات هذا التفسير, اهتمامه البالغ بجانب الاشارات العلمية التي جات في القرآن , انه يعتقد
اشتمال القرآن على اسرار من علوم الكون , و من ثم افتتح فصلا في مقدمة تفسيره اختصاصا بالكلام
عن المسائل الفلكية الواردة في القرآن ,و يتعرض للقضايا الكونية في الخلق و التدبير, و في النهاية
يقول : ((من عجيب امر هذا القرآن ان يذكر امثال هذه الدقائق العلمية العالية , التي كانت جميع الامم
تـجـهلها, بطريقة لاتقف عثرة في سبيل ايمان احد به , في اي زمن كان , مهما كانت معلوماته , فالناس
قـديـما فهموا امثال هذه الايات بما يوافق علومهم , حتى اذا كشف العلم الصحيح عن حقائق الاشيا,
عـلـمـنـاانـهم كانوا واهمين , و فهمنا معناها الصحيح فكان هذه الايات جعلت في القرآن معجزات
لـلمتاخرين , تظهر لهم كلما تقدمت علومهم و هو معجزات للمتاخرين يشاهدونها, و تتجلى لهم كلما
تقدموا في العلم الصحيح )) ((901)) فرغ من تاليف التفسيرسنة (1329 ه ).

تفسير المراغي

هو الشيخ احمد مصطفى المراغي , شقيق الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الازهر في وقته , و تـلميذ الامام الشيخ محمد عبده صاحب تفسير ((المنار)), و الذي وضع تفسيره هذا مشاكلا له , و
مستفادا من بحوث شيخه الاستاذ توفي سنة (1371ه ).

و تـفـسـيـره هذا من اشمل التفاسير لحاجة العصر في اسلوبه و في طريق سرد المطالب و نضد
المقاصد, متجنبا القصص الاسرائيلية المدسوسة و الخرافات الدخيلة و لايغفل في اي مناسبة اللجؤ
الى علوم الطبيعة فيما يمس فهم كتاب اللّه العزيز,و من ثم فهو تفسير جيد مفيد في ذاته .

قـال الـذهبي : ((لم نعرف من رجال هذه المدرسة ـ مدرسة الشيخ محمد عبده ـ رجلا تاثر بروح
الاسـتـاذ الامـام , و نـهج على طريقته من التجديد و اطراح التقليد, و العمل على تنقية الاسلام من
الشوائب التي الصقت به , و تنبيه الغافلين عن هديه و ارشاده , مثل الاستاذ المراغي تربى هذا الرجل
فـي مـدرسة الاستاذ الامام , و تخرج منها و هو يحمل بين جنبيه قلبا مليئابالرغبة في الاصلاح , و
الثورة على كل ما يقف في سبيل الاسلام و المسلمين )) ((902)) .

و قـد نـهـج فـي تـفسيره منهج شيخه , نراه لايخوض في مبهمات القرآن بالتفصيل , و لايدخل في
جـزئيـات سـكت عنها القرآن و اعرض عنها الرسول (ص ) فلا الروايات الموضوعة او الضعيفة
بـكـافـيـة عنده حتى يزج بها في تفسيره , و لا الاخبار الاسرائيلية بمقبولة لديه , حتى يجعل منها
شروحا لما اجمله القرآن و سكت عن تفصيله .

و مـما يمتاز به هذا التفسير, عنايته باظهار اسرار التشريع , فنراه يهتم اهتماما كبيرا باظهار سر
التشريع الاسلامي , و حكمة التكليف الالهي , ليظهر محاسن الاسلام , و يكشف عن هدايته للناس .

كما نجده يعرض لمشاكل المجتمع و اسباب الانحطاط في دول الاسلام , فيعالج كل ذلك بما يفيضه
اللّه عـلـيه من بيان هداية القرآن و ارشاده فقد كان بصيرا بمواطن الدا و اسباب الشفا, فكان يهدف
فـي دروسـه الـى علاجها و استئصالها, و كان كثيرا ما يوجه الخطاب الى ارباب الحل و العقد في
الدولة .

و هـكـذا وفق في التوفيق بين القرآن و العلم الحديث , رغم اعتقاده ان القرآن قد اتى باصول عامة
لـكـل مـا يـهم الانسان معرفته و العلم به , و كراهته ان يسلك المفسر للقرآن مسلك من يجر الاية
القرآنية الى العلوم , او العلوم الى الاية , كي يفسرهاتفسيرا علميا يتفق مع نظريات العلم الحديث , و
لـكن مع ذلك كان يرى ان يكون المفسر على شي من العلم ببعض نظريات العلم الحديث , ليستطيع ان
ياخذ منها دليلا على قدرة اللّه , و يستلهم منها مكان العبرة و العظة .

في ظلال القرآن

لسيد بن قطب بن ابراهيم الشاذلي , المستشهد سنة (1386 ه ) على يد طغاة مصر الحاكمة حينذاك نـشا المؤلف في بيئة اسلامية عريقة , و كان والده من المؤمنين المتعهدين , ولد سنة (1326 ه ) في
قرية موشا من محافظة اسيوط, ثم ارتحل الى القاهرة و كانت دراساته العليا هناك كان كاتبا اسلاميا
مـجيدا, له في الاسلاميات كتب و رسائل مفيدة , تهدف الى الحركة الاسلامية المتناسبة مع النهضة
الـعـلـمـيـة الـحـديـثة , فكان تفسيره هذا من خير التفاسير الادبية الاجتماعية الهادفة الى احيا
الـحركة الاسلامية العتيدة فمن اهدافه ازاحة الفجوة العميقة بين مسلمي العصر الحاضر و القرآن
الكريم , و تعريف المسلمين الى المهمة العلمية السياسية التي قام بها القرآن , و بيان الحمية الجهادية
الـتي يهدفها القرآن الكريم الى جنب تربية الجيل المسلم تربية قرآنية اسلامية كاملة , و بيان معالم
هذا الطريق الذي يجب على المسلمين سلوكه .

و كان منهجه في التفسير : اولا, عرض آيات مترابطة بعضها مع البعض , في مجموعة منسجمة , و
بـيـان الـهدف الكلي للسورة , ثم للايات المعروضة و تقسيم السور الى دراسات , تقسيما موضوعيا,
لتعتبر كل مجموعة من الايات ذات وحدة موضوعية , و ذات هدف معين خاص .

ثـم يـحاول تفسير الايات ـ في ذوق ادبي خالص ـ ببيان الاهداف الكلية التي ترمي اليها الايات , من
غير تعرض للجزئيات ,كما يجتنب من ذكر الاسرائيليات , و الروايات الموضوعة او الضعيفة , كما
يجتنب الخوض في مسائل الخلاف , و هكذايتجنب التعرض للعلوم القديمة و الحديثة التي لا علاقة
لـهـا بفهم معاني الايات الكريمة , و يعتبر التعرض لها جفا بالقرآن , لانه في غنى عنها, يقول هو في
ذلك :.

((و اني لاعجب لسذاجة المتحمسين لهذا القرآن , الذين يحاولون ان يضيفوا اليه ما ليس منه , و ان
يـحـملوا عليه ما لم يقصداليه , و ان يستخرجوا منه جزئيات في علوم الطب و الكيميا و الفلك و ما
الـيـها, كانما ليعظموه بهذا و يكبروه ان القرآن كتاب كامل في موضوعه , و موضوعه اضخم من تلك
الـعـلـوم كلها, لانه هو الانسان ذاته الذي يكشف هذه المعلومات و ينتفع بها,و البحث و التجريب و
الـتـطـبـيـق مـن خواص العقل في الانسان , و القرآن يعالج بنا هذا الانسان نفسه , بنا شخصيته و
ضـمـيـره و عـقـله و تفكيره , كما يعالج بنا المجتمع الانساني الذي يسمح لهذا الانسان بانه يحسن
استخدام هذه الطاقات المذخورة فيه )) ((903)) .

الميزان في تفسير القرآن

تـالـيف العلا مة الحكيم السيد محمد حسين الطباطبائي , من رجالات الفكر الاسلامي القلائل الذين انتجتهم الحياة العلمية الاسلامية في العصر الاخير ولد بتبريز سنة (1321 ه ) و توفي بقم سنة
(1402 ه ).

و هـو تـفسير جامع حافل بمباحث نظرية تحليلية ذات صبغة فلسفية في الاغلب , جمع فيه المؤلف
الـى جانب الانماطالتفسيرية السائدة , امورا مما اثارته النهضة الحديثة في التفسير, فقد تصدى لما
يـثـيـره اعـدا الاسلام من شبهات , و ما يضللون به من تشويه للمفاهيم الاسلامية , بروح اجتماعية
واعية , على اساس من القرآن الكريم , و فهم عميق لنصوصه الحكيمة .

و لهذا التفسير القيم مزايا جمة نشير الى اهمها :.

1ـ جـمـع بين نمطي التفسير : الموضوعي و الترتيبي , فقد فسر القرآن آية فية و سورة فسورة
لكنه الى جنب ذلك , نراه يجمع الايات المتناسبة بعضها مع البعض , ليبحث عن الموضوع الجامع بينها,
كلما مر بية ذات هدف موضوعي , و كانت لهانظائر منبثة في سائر القرآن .

2ـ عنايته التامة بجانب الوحدة الموضوعية السائدة في القرآن , كل سورة هي ذات هدف او اهداف
معينة , هى تشكل بنيان السورة بالذات , فلا تتم السورة الا عند اكتمال الهدف الموضوعي الذي رامته
الـسـورة , و بـذلـك نـجـد السور تتفاوت في عددآيها يقول هو في ذلك : ((ان لكل طائفة من هذه
الـطـوائف من كلامه تعالى التي فصلها قطعا قطعا و سمى كل قطعة سورة نوعا من وحدة التاليف و
الالـتـئام , لايـوجـد بين ابعاض من سورة , و لا بين سورة و سورة , و من هنا نعلم ان الاغراض و
المقاصدالمحصلة من السور مختلفة , و ان كل واحدة منها مسوقة لبيان معنى خاص و لغرض محصل ,
لاتتم السورة الا بتمامه )) ((904)) .

3ـ نظرية ((الوحدة الكلية )) الحاكمة على القرآن كله , باشتماله على روح كلية سارية في جميع
آيـاته و سوره , و تلك الروح هي التي تشكل حقيقة القرآن الاصلية السائدة على ابعاضه و اجزائه
يرى المؤلف : ان ورا هذا الظاهر من الفاظ و كلمات و حروف روحا كلية , كانت هي جوهر القرآن
الاصيل , و كانت بمثابة الروح في الجسد من الانسان .

قـال فـي ذلـك : ((فـالمحصل من الايات الشريفة ان ورا ما نقرؤه و نعقله من القرآن , امرا هو من
الـقرآن بمنزلة الروح من الجسد, و المتمثل من المثال , و هو الذي يسميه تعالى بالكتاب الحكيم , و
هو الذي تعتمد عليه معارف القرآن , و ليس من سنخ الالفاظ و لا المعاني )) ((905)) .

و بذلك و بالذي قبله , تتشكل وحدة السياق في القرآن , كما لايخفى .

4ـ الاسـتـعـانة بمنهج ((تفسير القرآن بالقرآن )) فقد حقق المؤلف هذا الامر و اوجده بعيان , اذ
نـراه يـعتمد في تفسيره على القرآن ذاته , فيرى ان غير القرآن غير صالح لتفسير القرآن , بعد ان
كان هو تبيانا لكل شي فياترى كيف يكون القرآن تبيانا لكل شي و لايكون تبيانا لنفسه ؟ لكن التزام تفسير القرآن بنفسه , يتطلب جهدا بالغا و احاطة تامة , و قد لمسناه في مفسرنا العلا مة ,
و وجدناه على قدرة فائقة في ذلك .

يـقـول هـو فـي ذلك : ((الطريقة المرضية في التفسير هي ان نفسر القرآن بالقرآن , و نشخص
الـمصاديق و نتعرفها بالخواص التي تعطيها الايات , كما قال تعالى : (و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل
شي ) ((906)) و حاشا القرآن ان يكون تبيانا لكل شي و لايكون تبيانا لنفسه ((907)) .

الفرقان في تفسير القرآن

تاليف الشيخ محمد الصادقي الطهراني , و قد تم تاليفه خلال السنوات (1397 ـ 1407 ه ), و كان بـصـورة مـحـاضرات يلقيها على طلبة العلوم الدينية في الحوزتين النجف و قم و هو تفسير جامع
شامل , اتخذ منهج تفسير القرآن بالقرآن حسب الامكان , و هو تحليلي تربوي اجتماعي , مع الاستناد
الـى احـاديـث يراها صحيحة و اخرى ملائمة مع ظواهر القرآن , و لذااحترز عن الاسرائيليات
بـشـكـل قـاطـع , و كـذا عـن الاحاديث الموضوعة و الضعيفة و بما ان المؤلف يعد من الفقها, فان
فـي تـفسيره الشي الكثير من التعرض لمسائل الفقه و الاحكام بصورة مبسطة , و هكذا تجده يفصل
فـي المسائل الكلامية الاعتقادية في نزاهة , كما و يجتنب تحميل القرآن بنظرات العلم الحديث , و
يـرى ان الـقرآن في غنى عن ذلك , اللهم الا اذا رفع بذلك ابهام في اشارات عابرة جات في القرآن ,
على شرط ان تكون النظرية ثابتة , و لذلك نراه يحمل على الشيخ طنطاوي في ولعه بحمل النظريات
الـعـلـمـيـة على القرآن و في ذلك يقول : ((و من ذلك كثير عند المتفرنجين من المفسرين الذين
غرقوا في العلوم و النظريات الجديدة , و نسوا ان القرآن هو علم اللّه , فلن يتبدل , و العلم دوما في
تبدل و تحول من خطا الى صواب و من صواب الى اصوب )) ((908)) .

من هدى القرآن

تـفـسـيـر تـربـوي تـحـليلي شامل , يبحث فيه المؤلف هو السيد محمد تقي المدرسي عن الربط الموضوعي بين الواقع المعاش ,و بين الحقائق الراهنة و الدلائل البينة التي ابانها القرآن الكريم منذ
اربـعـة عشرقرنا, كمنهج تربوي و اخلاقي , يستهدف وضع الحلول الناجعة لكل مشكلات العصور
الـمـختلفة حتى قيام الساعة قال المؤلف : ((و اعتمدت فيه على منهج التدبر المباشر,انطلاقا مما
بـينته في التمهيد, اي منهج الاستلهام مباشرة من الايات , و العودة الى القرآن ذاته , كلما قصرنا عن
فـهـم بـعـض آياته وفق المنهج الذي علمنا اياه الرسول الكريم و ائمة اهل البيت (ع ) حيث امرونا
بتفسير القرآن ببعضه )) ((909)) فكان تفسيراتحليليا تربويا, لم توجد فيه المعمعات الجدلية , و
لا الخرافات الاسرائيلية , معتمدا شرح الايات و ذكر مقاصدها العالية و اهدافها السامية , و معالجة
ادوا المجتمع معالجة ناجعة موفقة .

تم تاليف الكتاب سنة (1405 ه ), في (18) مجلدا, و طبع سنة (1406) بطهران .

من وحي القرآن

تـفـسير تربوي اجتماعي شامل , و يعد من اروع التفاسير الجامعة , النابعة من روح حركية نابضة بـالـحـيـوية الاسلامية العريقة انطلق فيه المؤلف هو السيد محمد حسين فضل اللّه , من المع علما
الاسـلام فـي الـقطر اللبناني يعمل في احيا الجوالقرآني في كل مجالات الحياة المادية و المعنوية ,
نـظـير ما صنعه سيد قطب في تفسيره ((في ظلال )), مضيفا عليه تعاليم صادرة عن اهل البيت في
تربية الجيل المسلم , و متناسبا مع كل دور من ادوار الزمان .

/ 28