قـد جـمـع الـمتقدمون في ذلك و اروعوا, الا ان كتبهم و منقولاتهم تشتمل على الغث و السمين و
الـمقبول و المردود و السبب في ذلك : ان العرب لم يكونوا اهل كتاب و لاعلم , و انما غلبت عليهم
الـبـداوة و الامـيـه , و اذا تـشـوقوا الى معرفة شي مما تتشوق اليه النفوس البشرية , في اسباب
المكونات و بد الخليقة و اسرار الوجود, فانما يسالون عنه اهل الكتاب قبلهم , و يستفيدونه منهم , و
هـم اهل التوراة من اليهود, و من تبع دينهم من النصارى و اهل التوراة الذين بين العرب يومئذ بادية
مثلهم , و لايعرفون من ذلك الا ما تعرفه العامة من اهل الكتاب , و معظمهم من حمير الذين اخذوا بدين
الـيـهودية , فلما اسلموا بقوا على ما كان عندهم مما لاتعلق له بالاحكام الشرعية التي يحتاطون لها,
مـثـل اخـبار بد الخليقة و ما يرجع الى الحدثان و الملاحم و امثال ذلك و هؤلا مثل كعب الاحبارو
وهـب بـن منبه و عبداللّه بن سلام و امثالهم , فامتلات التفاسير من المنقولات عندهم في امثال هذه
الاغـراض اخـبـار مـوقـوفة عليهم و تساهل المفسرون في مثل ذلك , و ملاوا كتب التفسير بهذه
المنقولات , و اصلها ـ كما قلناـ عن اهل التوراة الذين يسكنون البادية و لا تحقيق عندهم بمعرفة ما
ينقلونه من ذلك , الا انهم بعد صيتهم و عظمت اقدارهم , لماكانوا عليه من المقامات في الدين و الملة ,
فتلقيت بالقبول من يومئذ ((142)) .
هل تجوز مراجعة اهل الكتاب ؟
و هل هناك ما يبرر مراجعة اهل الكتاب ؟. زعـم الكثير من الكتاب المتاخرين ـ تبريرا لمواقف لفيف من الصحابة الذين صمدوا على الرجوعاليهم , و لاسيما مسلمة اهل الكتاب ـ ان هناك دلائل على الجواز, اما في زمن متاخر عن المنع الذي
كان في ابتدا الامر, او في شؤون لاتمس احكام الشريعة في مثل القصص و التواريخ , او فيما لم تمس
ه يد التحريف و قد توافق مع ما جا به القرآن الكريم , او نحو ذلك .هـذا ابن تيميه يذكر عن السدى الكبير (هو ابومحمد اسماعيل بن عبدالرحمان الكوفي توفي سنة
127) انـه كـان فـي بـعض الاحيان ينقل ما يحكى من اقاويل اهل الكتاب , التي اباحها ـ فيما زعم ـ
رسـول اللّه (ص ) حيث قال : بلغوا عني و لو آية ,و حدثوا عن بني اسرائيل و لا حرج , و من كذب
على متعمدا فليتبوا مقعده من النار ((143)) , رواه البخاري عن عبداللّه بن عمرو بن العاص و لهذا
كان عبداللّه بن عمرو قد اصاب يوم اليرموك زاملتين ((144)) من كتب اهل الكتاب , فكان يحدث
منهما,بما فهمه من هذا الحديث من الاذن في ذلك ((145)) .قال : و لكن هذه الاحاديث الاسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتقاد, فانها على ثلاثة اقسام :.احدها : ما علمنا صحته مما بايدينا مما يشهد له بالصدق .و الثاني : ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه .و الثالث : ما هو مسكوت عنه , لا من هذا القبيل و لا من هذا القبيل , فلانؤمن به و لانكذبه , و تجوز
حـكايته , لما تقدم ((146)) و غالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود الى امر ديني و لهذا اختلف علما اهل
الكتاب في مثل هذا كثيرا, في مثل اسما اهل الكهف و اسما الطيور التي احياها اللّه لابراهيم , مما لا
فـائدة فـي تـعـيـيـنـه تـعـود عـلى المكلفين في دنياهم و دينهم و لكن نقل الخلاف عنهم في ذلك
جائز ((147)) .و يستدل الذهبي لجواز مراجعة اهل الكتاب و النقل عنهم فيما لايخالف الشريعة بيات , زعم دلالتها
على اباحة الرجوع اليهم , قال :.و اذا نـحـن نـظـرنـا فـي القرآن الكريم , وجدنا من آياته البينات ما يدعو نبي الاسلام و جماعة
المسلمين الى ان يرجعوا الى علما اهل الكتاب من اليهود و النصارى ليسالوهم عن بعض الحقائق التي
جات في كتبهم , و جا بها الاسلام فانكروها,او اغفلوها, ليقيم عليهم الحجة , و لعلهم يهتدون .و مـن هـذه الايات الدالة على اباحة رجوع النبي (ص ) و من تبع دينه من المسلمين الى اهل الكتاب
قـوله تعالى : (فان كنت في شك مما انزلنا اليك فاسال الذين يقراون الكتاب من قبلك لقد جك الحق من
ربـك فـلا تـكـونـن مـن الـمـمـتـريـن ) ((148)) ,و قـولـه : (فاسالوا اهل الذكر ان كنتم لا
تـعـلمون ) ((149)) , و قوله : (و اسال من ارسلنا من قبلك من رسلنا) ((150)) قال :و معناه : و
اسال اممهم و علما دينهم قال الفرا مبينا وجه المجاز في الاية : هم انما يخبرونه عن كتب الرسل ,
فاذا سالهم فكانه سال الانبيا(ع ), و قوله : (و اسالهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر), و قوله
: (فاسال بني اسرآئيل ), و قوله :(سل بني اسرآئيل كم آتيناهم من آية بينة ) ((151)) .قال : كل ما تقدم من امر اللّه لنبيه (ص ) بسؤال اهل الكتاب , يدل على جواز الرجوع اليهم , و لكن لا
في كل شي , بل فيمالم تصل له يد التحريف و التبديل من الحقائق التي تصدق القرآن و تلزم المعاندين
منهم و من غيرهم الحجة ((152)) .قال : و على هذا فما جا موافقا لما في شرعنا تجوز روايته , و عليه تحمل الايات الدالة على اباحة
الرجوع الى اهل الكتاب , و عليه ايضا يحمل قوله (ص ) : ((حدثوا عن بني اسرائيل و لا حرج )),
اذ المعنى : حدثوا عنهم بما تعلمون صدقه .و امـا مـا جـا مـخالفا لما في شرعنا او كان لايصدقه العقل , فلاتجوز روايته , لان حديث الاباحة
لايتناول ما كان كذبا و اما ماسكت عنه شرعنا, و لم يكن ما يشهد لصدقه و لا لكذبه و كان محتملا,
فحكمه ان نتوقف في قبوله فلانصدقه و لانكذبه ,و على هذا يحمل قول النبي (ص ) : ((لاتصدقوا
اهـل الـكـتاب و لاتكذبوهم )) اما روايته فجائز على انها مجرد حكاية لما عندهم ,لانها تدخل في
عموم الاباحة المفهومة , من قوله (ص ) : ((حدثوا عن بني اسرائيل و لا حرج )) ((153)) .و اضـاف قـائلا : مـا ثبت من ان بعض الصحابة كابي هريرة و ابن عباس , كانوا يراجعون بعض من
اسـلـم من اهل الكتاب ,يسالونهم عما في كتبهم , و ما روي من ان عبداللّه بن عمرو بن العاص اصاب
يوم اليرموك زاملتين من كتب اهل الكتاب فكان يحد ث منهما, لايعارض ما رواه البخاري من انكار ابن
عباس على من يسال اهل الكتاب .و لا ما رواه عبدالرزاق في مسنده عن ابن مسعود من نهيه عن سؤال اهل الكتاب بقوله : ((لاتسالوا
اهل الكتاب , فانهم لن يهدوكم و قد اضلوا انفسهم )).و لا مـا رواه احـمـد من انكار الرسول (ص ) على عمر لما اتاه بكتاب اصابه من بعض اهل الكتاب
بقوله : ((امتهوكون فيها ياابن الخطاب )).قال : ((نعم لا تعارض بين هذا و ذاك , لان صحابة الرسول (ص ) كانوا اعرف الناس بامور دينهم , و
كان لهم منهج سديدو معيار دقيق في قبول ما يلقى اليهم من الاسرائيليات , ما كانوا يرجعون اليهم في
كل شي , و انما كانوا يرجعون اليهم لمعرفة بعض جزئيات الحوادث و الاخبار.قال : اما انكار الرسول (ص ) و انكار الصحابة على من كان يرجع اليهم , فقد كان في مبدا الاسلام و
قبل استقرار الاحكام ,مخافة التشويش على عقائدهم و افكارهم ((154)) .قال ابن حجر : ((و كان النهي وقع قبل استقرار الاحكام الاسلامية و القواعد الدينية خشية الفتنة
ثـم لـمـا زال الـمـحـذور وقـع الاذن فـي ذلـك , لـما في سماع الاخبار التي كانت في زمانهم من
الاعتبار)) ((155)) .
مناقشة دلائل الجواز
غـيـر ان هذه الدلائل غير وافية باثبات المطلوب , و لا هي تبرر مراجعة اهل الكتاب في شي من تفسير القرآن الحكيم او تاريخ الانبيا(ع ).ذلك لان اليهود الذين جاوروا العرب كانوا اهل بادية مثلهم ـ كما قال ابن خلدون ـ لا علم لهم و لاتـحـقيق بمعرفة الصحيح من الاخبار, سوى ما شاع لديهم من اخبار عامية مما لايمكن الوثوق بها اما
عـلـمـاؤهم فكانوا اهل دجل و تزوير, كانوا يكتبون الكتاب بايديهم ـ كما حكى عنهم القرآن ـ و
يـزورون الـحـديث و يقولون : هذا من عنداللّه , و ما هو من عنداللّه , ليشتروا به ثمناقليلا, بغية
حطام الدنيا الرذيلة .و مـن ثـم كـان المنع من ذلك شديدا كما عرفت في مناهي النبي و اصحابه الكبار عن ذلك , و لم يدل
على جوازه شي من الاخبار و الاثار.امـا الايـات التي زعموها مبيحة لذلك , فالاستدلال بها عقيم , لانها من باب ((اياك اعني و اسمعي يا
جـارة )) كـان الـخـطاب في ظاهره مع النبي (ص ) غير ان المقصود غيره من المتشككين في امر
الـرسـالة , و ليسوا هم المسلمين ايضا, بل الكفار و المنافقون هم المقصودون , بدليل صدر الاية و
ذيـلها : (فان كنت في شك مما انزلنا اليك فاسال الذين يقراون الكتاب من قبلك لقدجك الحق من ربك
فلا تكونن من الممترين ) ((156)) .و الـعـجب من الذهبي كيف يزعم ان هذه الاية جات رخصة للنبي في مراجعة اهل الكتاب ؟ يشك النبي فيما انزل اليه ؟ لا شـك ان الـمـقصود غيره من الذين كانوا يتشككون في صدق رسالته , و لقد كان المرجع الوحيد
الـذي يـمـكـن اولئك المتشككين اللجؤ اليه هم (اهل الكتاب ) الذين جاوروهم , و ليس النبي (ص )
بمقصود البتة , و لا المسلمون المعتقدون بصحة الرسالة .و هـكذا قوله تعالى : (فاسالوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون بالبينات و الزبر) ((157)) خطاب
محض موجه الى العرب الجاهلي .اما حديث ((حدثوا عن بني اسرائيل و لا حرج )) فهو كناية عن التوسع في تفضيع شانهم , حيث كل
ما حدثته عنهم من رذائل و فضائح فهو حق لا مرية فيه , حيث توسعهم في ارتكاب الاثام و ركوبهم
جـمـيـع الـقـبائح المحتملة بشانهم , كما جا في المثل :((حدث عن البحر و لا حرج )) كناية عن
التوسع في الامر, و انه كل ما قلت عنه فهو صحيح و منه قولهم بشان معن بن زائدة الشيباني و كان
مـن اجواد العرب : ((حدث عن معن و لا حرج )), كناية عن توسعه في المكرمات , فكل ما حدثت
عنه من فضيلة ,فهو صدق واقع ((158)) .فـهـذا تـعـبـير كنائي عن مطلق التوسع في امر ان شينا او زينا, و ليس المقصود التحدث , بمعنى
الرواية و النقل عنهم .و يتايد هذا المعنى , بما ورد في لفظ احمد :.((تـحـدثـوا عـن بـني اسرائيل و لا حرج , فانكم لاتحدثون عنهم بشي الا و قد كان فيهم اعجب
منه )) ((159)) , اي كل ما حدثت عنهم من فضيحة او رذيلة شانئة , فهو صدق , لانهم اوسع فضاحة
و اكثر رذالة مما يحتمل بشانهم .و في لفظه الاخر :.((حدثوا عن بني اسرائيل و لا حرج , و حدثوا عني و لاتكذبوا)) ((160)) .فـفـي هـذه الـمـقـارنـة بـيـن الـتـوسـع في الحديث عن بني اسرائيل , و التقيد لدى الحديث عن
رسـول اللّه (ص ) دلالـة واضـحـة على صدق الحديث عنهم مهما كان الحديث , اما عند التحدث عن
رسـول اللّه (ص ) فـيـجب تحري الصدق , و لئلايكون كذبا عليه فانه من كذب عليه متعمدا فليتبوا
مقعده من النار.
اقطاب الروايات الاسرائيلية
عـندما نتصفح كتب السير و التفاسير و اخبار الملاحم , نجد ان اكثرية ما يروى من الاسرائيليات تكاد تدور على اقطاب ثمانية , كانوا هم الاساس لشياع الاساطير الاسرائيلية بين المسلمين .و هـم : عـبداللّه بن سلام , و كعب الاحبار, و محمد بن كعب القرظي , و وهب بن منبه , و تميم بناوس الداري ,و عبدالملك بن عبدالعزيز بن جريج , و عبداللّه بن عمرو بن العاص , و ابوهريرة .امـا الاولان فهما من مسلمة اهل الكتاب و الثلاثة بعدهما ممن ولدوا عن ابوين كتابيين و الاخيران
اسلما عن شرك و لكن اخذا علمهما ممن سبقهما من اهل الكتاب .اما الخمسة الاول فكانت لهم المامة بثقافات موروثة من اهل الكتاب , لكن لا على حد التحقيق و النقد,
بـل عـلـى حـدالشياع العام ـ حسبما نبه عليه ابن خلدون ـ لانهم كانوا ايضا كاخوانهم العرب , من
البائدة القاطنين في الجزيرة .كـان هـؤلا جـمـيـعا, يقصون على الناس ـ في حلقات اما في اندية او جوامع ـ القصص و الاخبار
الـبـائدة , و يحوكون لهم غرائب الاثار الاساطيرية , و ربما كانت مهيجة , و من ثم كانت لهم اسواق
رائجة في الاوساط العامية , الامر الذي اشاع عنهم الكثير من الاساطير الاسرائيلية , و اخذ عنهم
اهل السير و التاريخ , و ادرجوها ضمن كتبهم في التفسير و الحديث و التاريخ .و اليك المامة قصيرة بحياة هؤلا الاقطاب الثمانية :.
1ـ عبداللّه بن سلام
اسـمـه الحصين بن سلام بن الحارث الاسرائيلي , حليف النوافل من الخزرج , و هم بنو عوف , كان حـبـرا مـن احـبار اليهود,فاسلم عند مقدم النبي (ص ) المدينة , و قيل : قبل وفاته بسنتين , فسماهالنبي (ص ) عبداللّه قال ابن حجر : و كان من بني قينقاع ((161)) .قـيل : انه جا الى النبى (ص ) فقال : اني قد قرات القرآن و التوراة فقال : ((اقرا بهذا ليلة , و بهذا
ليلة )) قال الامام شمس الدين الذهبي : اسناده ضعيف ((162)) .لان الراوي له هو ابراهيم بن ابي يحيى الاسلمي , و هو متروك الحديث و بعضهم اتهمه قال الاستاذ
شـعـيـب الارنـؤوط :فـالـحديث ضعيف جدا, بل يكاد يكون موضوعا, فانه مخالف لحديث جابر بن
عـبـداللّه الانـصاري : ان عمربن الخطاب اتى النبي (ص ) فقال : انا نسمع احاديث من يهود تعجبنا,
افـتـرى ان نـكتب بعضها؟ فقال (ص ) : ((امتهوكون كما تهوكت اليهودو النصارى ؟ لقد جئتكم بها
بيضا نقية و لو كان موسى حيا لما وسعه الا اتباعي )) قال : و هو حديث حسن ((163)) .كان عبداللّه بن سلام ممن يحوك الاحاديث ليستجلب انظار العامة و يرفع بمنزلته لديهم , من ذلك ما
حـاكـه حـول صـفـة رسول اللّه (ص ) في التوراة , كان يمليها على العامة تزلفا اليهم فكان يذكر من
اوصاف الرسول الراهنة , و يقول : وجدتها كذلك في التوراة ((164)) , و كان يدعي انه اعلم اليهود
و اخبرهم بكتب السالفين ((165)) .و قـد حـكـيت حوله احاديث في فضله و نبله , غير انها ضعيفة الاسناد موهونة توفي بالمدينة سنة
(43).
2ـ كعب الاحبار
هـو كـعب بن ماتع الحميري من آل ذي رعين او من آل ذي الكلاع ((166)) و يكنى ابااسحاق , منكبار احبار اليهود, كان ابوه كاهنا, و ورث الكهانة من ابيه ولد قبل الهجرة باثنتين و سبعين سنة , و
اسـلـم بعد وفاة النبي (ص ) في اوائل خلافة عمرو هلك ايام عثمان سنة (32) فقد عاش (104)
سنة .كان من اهل اليمن ـ من يهودهاـ فهاجر الى المدينة عندما اسلم , ثم تحول الى الشام , فاستصفاه معاوية
و جـعـلـه من مستشاريه , لما زعم فيه من كثرة العلم ((167)) و هو الذي امره ان يقص في بلاد
الـشـام , و بـذلـك اصـبح اقدم الاخباريين في موضوع الاحاديث اليهودية المتسربة الى الاسلام و
بـواسطة كعب و ابن منبه و سواهما من اليهود الذين اسلموا تسربت الى الحديث طائفة من اقاصيص
الـتـلـمـود ـ الاسـرائيـليات ـ و ما لبثت هذه الروايات ان اصبحت جزا من الاخبار التفسيرية و
التاريخية في حياة المسلمين .افتجر هذا الكاهن لاسلامه سببا عجيبا ليتسلل به الى عقول المسلمين و قلوبهم فقد اخرج ابن سعد
باسنادصحيح ـ حسبما ذكره ابورية ـ عن سعيد بن المسيب قال : قال العباس بن عبدالمطلب لكعب :
ما منعك ان تسلم على عهدرسول اللّه (ص ) و ابي بكر, حتى اسلمت الان على عهد عمر؟.فقال : ان ابي كتب لي كتابا من التوراة و دفعه الي , و قال : اعمل بهذا و ختم على سائر كتبه , و اخذ
علي بحق الوالد على ولده ان لاافض الخاتم فلما كان الان , و رايت الاسلام يظهر و لم ار باسا, قالت
لـي نـفسي : لعل اباك غيب عنك علما كتمك , فلوقراته ففضضت الخاتم , فقراته , فوجدت فيه صفة
محمد و امته فجئت الان مسلما فوالى العباس ((168)) .قلت : و لايخفى ما في هذا التبرير من تفاهة ان لم يكن في طيها سفاهة تصحبها خباثة .و كان عمر يكرهه و يسي الظن به , لما كان قد افسد في الحديث و اشاع الاكاذيب قال له يوما و قد
احضره : لتتركن الاحاديث او لالحقنك بارض القردة ((169)) , يعني ارض اليهود التي هي اصله و
روى اهـل السير ان الامام اميرالمؤمنين (ع ) كان يذمه , و يقول عنه : ان كعب الاحبار لكذاب و قد
كان منحرفا عن علي (ع ), كما ذكره ابن ابي الحديد ((170)) .و مـن سـخافاته ما روي عن سعد الجاري مولى عمر, قال : ان عمر دعا ام كلثوم ـ و كانت تحته ـ
فـوجدها تبكي فقال لها : ما يبكيك ؟ فقالت : هذا اليهودي ـ تعني كعباـ يقول : انك على باب من ابواب
جهنم فلما جاه قال : يا اميرالمؤمنين لاتعجل على , و الذي نفسي بيده , لاينسلخ ذوالحجة حتى تدخل الجنة .فقال عمر : اي شي هذا, مرة في الجنة و مرة في النار؟ فقال : يا اميرالمؤمنين , و الذي نفسي بيده , انا لنجدك في كتاب اللّه ـ يعني به التوراة ـ على باب من
ابواب جهنم , تمنع الناس ان يقعوا فيها فاذا مت لم يزالوا يقتحمون فيها الى يوم القيامة ((171)) .و يروي الطبري انه جا الى عمر قبل مقتله بثلاثة ايام , و قال له : اعهد, فانك ميت في ثلاثة ايام قال
: و مـا يـدريـك ؟ قـال :اجده في كتاب اللّه في التوراة التوراة ؟ قال : اللهم , لا, و لكن اجد صفتك وحليتك , و انه قد فنى اجلك ((172)) .قال احمد امين تعقيبا على هذه القصة : و هذه القصة ان صحت دلت على وقوف كعب على مكيدة قتل
عمر, ثم وضعهاهو في هذه الصبغة الاسرائيلية كما تدلنا على مقدار اختلاقه فيما ينقل ((173)) .و هـكـذا ذكر ابورية : و ممن اشترك في مؤامرة قتل عمر, و كان له اثر كبير في تدبيرها كعب
الاحبار و هذا لايمتري فيه احدالا الجهلا ((174)) .و ذكـر ابن سعد ان كعبا كان يقول : كان في بني اسرائيل ملك اذا ذكرناه ذكرنا عمر, و اذا ذكرنا
عـمر ذكرناه و كان الى جنبه نبى يوحى اليه فاوحى اللّه الى النبى ان يقول له : اعهد عهدك و اكتب
وصـيـتك فانك ميت الى ثلاثة ايام , فاخبره النبي بذلك فلما كان في اليوم الثالث وقع بين الجدر و بين
الـسـريـر, ثـم جا الى ربه فقال : اللهم ان كنت تعلم اني كنت اعدل في الحكم ,و اذا اختلفت الامور
اتبعت هواك و كنت و كنت , فزدني في عمري حتى يكبر طفلي و تربو امتي فاوحى اللّه الى النبى
انـه قدقال كذا و كذا, و قد صدق , و قد زدته في عمره خمس عشرة سنة , ففي ذلك ما يكبر طفله
و تربو امته .فـلـمـا طـعن عمر قال كعب : لئن سال عمر ربه ليبقينه اللّه فاخبر بذلك عمر, فقال عمر : اللهم ,
اقبضني اليك غير عاجز و لاملوم ((175)) .و ذكر ايضا : لما طعن عمر, جا كعب فجعل يبكي بالباب , و يقول : و اللّه لو ان اميرالمؤمنين يقسم
على اللّه ان يؤخره لاخره فدخل ابن عباس عليه , فقال : يا اميرالمؤمنين , هذا كعب يقول كذا و كذا قال : اذن واللّه لااساله ثم قال : ويل لي و لامي ان لم يغفر اللّه لي ((176)) .و مـن ثـم كـان مـا يحكيه كعب عن الكتب القديمة , ليس بحجة عند احد من اهل العلم و التحقيق , و
لـم يثبته اهل الحديث الاوائل قال شعيب الارنؤوط : و اخطا من زعم انه خرج له البخاري و مسلم ,
فـانهما لم يسندا من طريقه شيئا من الحديث و انماجرى ذكره في الصحيحين عرضا قال : و لم يؤثر
عن احد من المتقدمين توثيق كعب الا ان بعض الصحابة ـ يعني معاوية ـ اثنى عليه بالعلم ((177)) .و قـد سـمعت قول معاوية ـ صديقه الوفى ـ بشانه , حينما حج في خلافته : ان كان من اصدق هؤلا
المحدثين الذين يحدثون عن اهل الكتاب , و ان كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب ((178)) .قـال ابـن حـجر : و روى عنه من الصحابة عبداللّه بن عمر و عبداللّه بن الزبير و ابوهريرة و
مـعـاوية ((179)) , و ذكر ابن عباس ايضا لكنا قد فندنا ذلك بتفصيل و في ((الطبقات )) : ان تبيع
ابن امراة كعب حمل من كعب علما كثيرا ((180)) .قال احمد امين : و اما كعب الاحبار فيهودى من اليمن , و من اكبر من تسربت منهم اخبار اليهود الى
الـمسلمين و قد اخذعنه اثنان , هما اكبر من نشر علمه : ابن عباس على علمه الواسع بالثقافة اليهودية و اساطيرهاجا في ((الطبقات الكبرى )) حكاية عن رجل دخل
الـمـسجد فاذا عامر بن عبداللّه بن عبد قيس جالس الى كتب و بينها سفر من اسفار التوراة و كعب
يقرا و قد لاحظ بعض الباحثين ان بعض الثقات كابن قتيبة و النووي لايروي عنه ابدا و ابن جرير
يروي عنه قليلا ((181)) .قـال الـذهـبي بعد نقل كلام احمد امين : و هذا يدلنا على ان كعبا كان لايزال بعد اسلامه يرجع الى
التوراة و التعاليم الاسرائيلية ((182)) .قلت : اما رواية ابن عباس عن كعب فشي موضوع , و لم تثبت روايته عنه , و هو الناقم على مراجعي
اهـل الـكـتاب على مااسلفنا نعم , كان ابوهريرة لقلة بضاعته كثيراما يراجع اهل الكتاب , و لاسيما
كـعـبا, كان يعد شيخه و مرشده في هذا الطريق و كان ابوهريرة اكثر من نشر عن كعب و افاض
بمعلوماته الجمة عن مثله .قال الاستاذ ابورية ـ و نعم ما قال ـ : ((ان كعبا اظهر الاسلام خداعا, و طوى قلبه على يهوديته ,
و انه سلط قوة دهائه على سذاجة ابي هريرة لكي يستحوذ عليه و ينيمه , ليلقنه كل ما يريد ان يبثه
فـي الـديـن الاسـلامي من خرافات و اوهام و انه قد طوى اباهريرة تحت جناحه حتى جعل يردد
كلامه بالنص , و يجعله حديثا مرفوعا ((183)) .قـال : و قد استطاع هذا اليهودي ان يدس من الخرافات و الاوهام و الاكاذيب في الدين , ما امتلات
بـه كـتـب الـتـفـسـيـرو الـحـديـث و الـتـاريـخ , فشوهتها و ادخلت الشك اليها و مازالت تمدنا
باضرارها ((184)) .
3ـ تميم بن اوس الداري
هو ابورقية , تميم بن اوس بن حارثة او خارجة الداري , اللخمي الفلسطيني و الدار : بطن من لخم , فخدمن يعرب بن قحطان .وفد تميم و اخوه نعيم في وفد كانوا عشرة نفر من بني الدار على رسول اللّه (ص ) بعد منصرفه منتبوك سنة (9) فاسلماو كانا نصرانيين قال ابونعيم : كان تميم راهب عصره و عابد فلسطين يقال :
ان الـنـبـى (ص ) اخذ عنه قصة ((الجساسة )) و الدجال ,فحدث عنه بذلك على المنبر, فكان ذلك
منقبة له ((185)) .و الـتمس من النبي (ص ) ان يهب له قريتين من قرى فلسطين , ان فتح اللّه عليه الشام قال : كانت لنا
جـيـرة من الروم , و لهم قريتان يقال لاحداهما : حبرى و الاخرى بيت عينون , فان فتح اللّه عليك
الشام فهبهما لي قال (ص ) فهما لك و كتب له كتابافلماقام ابوبكر بالامر اعطاه ذلك ((186)) و قيل
: انه جا بالكتاب الى عمر فقال : انا شاهد ذلك فامضاه و ذكر الليث ان النبى (ص )قال له : ((ليس لك
ان تـبـيـع )) فـجـعـلها وقفا عليه قال ابن جريج : فهي في ايدي اهله الى اليوم ((187)) اخرجه
ابوعبيد من طريق عبداللّه بن صالح كاتب الليث عنه ((188)) .و قـد بـالـغ اصـحـاب التراجم بشانه و ذكروا له كرامات و مناقب , منها قصة مدافعته النار حتى
اطـفـاها, كما ذكره ابن حجر,قال : له قصة مع عمر فيها كرامة واضحة لتميم و تعظيم كثير من
عـمـر لـه ـ فـذكرها في ترجمة معاوية بن حرمل ـ و هي : ان معاوية بن حرمل ـ صهر مسيلمة
الـكذاب و الذي ارتدمعه ـ جا الى المدينة تائبا, فلبث في المسجد لايؤوي و لايطعم شيئاقال فاتيت
عـمـر, فـقـلـت : تائب من قبل ان تقدر عليه قال : من انت ؟ قلت : معاوية بن حرمل قال : اذهب الى
خيرالمؤمنين ,فانزل عليه .قـال : و كـان تميم الداري اذا صل ى ضرب بيديه على يمينه و شماله فذهب برجلين , فصليت الى
جـنـبـه فـاخـذنـي , فـاوتينابطعام فبينا نحن ذات ليلة , اذ خرجت نار بالحرة , فجا عمر الى تميم
يـسـتنجده , فقال : قم الى هذه النار فقال : يا اميرالمؤمنين :و من انا امري فـلـم يـزل بـه عـمر حتى قام معه , و تبعتهما فانطلقا الى النار فجعل تميم يحوشها (اي يدفعها الى
الداخل ) بيده حتى دخلت الشعب , و دخل تميم خلفها فجعل عمر يقول : ليس من راى كمن لم ير ثلاثا قال : فخرج و لم تضره النار ((189)) .قـال الذهبي : هذه القصة سمعها عفان من حماد بن سلمة عن الجريري عن ابي العلا عن ابن حرمل
قال : و ابن حرمل لايعرف .قلت : قد اهمل معاوية بن حرمل في كتب ترجمة الرجال .و هـذا الكاهن المسيحي ـ الذي بقيت معه نزعته المسيحية (الرهبنة ) الى ما بعد اسلامه ـ هو اول
مـن سـن القص في المسجد, و تكاد تتفق الروايات على انه اول قاص في الاسلام ((190)) و ذلك
كان على عهد عمر بن الخطاب , و لعله في اواخرولايته روى الزهري عن السائب بن يزيد, قال :
اول مـن قـص تميم الداري , استاذن عمر, فاذن له فقص قائما ((191)) و روى عن ابن شهاب , ان
اول من قص في مسجد رسول اللّه (ص ) تميم الداري , استاذن عمر ان يذكر الناس فابى عليه , حتى
كان آخر ولايته فاذن له ان يذكر الناس في يوم الجمعة قبل ان يخرج عمر و استاذن تميم عثمان بن
عفان فاذن له ان يذكر يومين في الجمعة ,فكان تميم يفعل ذلك .قـال احـمـد امين : و قد نما القصص بسرعة , لانه يتفق و ميول العامة , و اكثر القصاص من الكذب
حـتـى رووا ان الامام اميرالمؤمنين (ع ) طردهم من المساجد, و استثنى الحسن البصري , لتحريه
الصدق ((192)) .و اما قصة ((الجساسة )), فقد ذكر مسلم في كتاب الفتن و اشراط الساعة , باسناده عن الحسين بن
ذكـوان عن ابن بريدة عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس , و كانت من المهاجرات الاول , قالت : سمعت
مـنـادي رسول اللّه (ص ) ينادي : الصلاة جامعة ,فخرجت الى المسجد, فصليت مع رسول اللّه (ص )
فكنت في صف النسا التي تلي ظهور القوم قالت : فلما قضى رسول اللّه (ص ) صلاته جلس على المنبر
و هـو يـضـحك , فقال : ليلزم كل انسان مصلا ه , ثم قال : اتدرون لم جمعتكم ؟ قالوا : اللّه و رسوله
اعـلـم قـال : اني واللّه ماجمعتكم لرغبة و لا لرهبة , و لكن جمعتكم لان تميما الداري كان رجلا
نـصرانيا فجا و بايع و اسلم , و حد ثني حديثا وافق الذي كنت احدثكم عن مسيح الدجال حدثني انه
ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم و جذام , فلعب بهم الموج شهرا في البحر, ثم ارفاوا
الـى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس فجلسوا في اقرب (جمع قارب و هو الزورق ) السفينة
فـدخـلـوا الـجزيرة , فلقيهم دابة اهلب ((193)) كثير الشعر لايدرون ما قبله من دبره من كثرة
الـشـعـر,فقالوا : ويلك ما انت ؟ فقالت : انا الجساسة ((194)) قالوا : و ما الجساسة ؟ قالت : ايها
الـقـوم انـطـلـقوا الى هذا الرجل في الدير(الدير هو القصر) فانه الى خبركم بالاشواق قال (اي
الـداري ) : لـما سمت لنا رجلا فرقنا (اي فزعنا) منها ان تكون (اي الدابة )شيطانة قال : فانطلقنا
سـراعـا حـتى دخلنا الدير, فاذا فيه اعظم انسان رايناه قط خلقا, و اشده وثاقا, مجموعة يداه الى
عنقه مابين ركبتيه الى كعبيه بالحديد قلنا : ويلك ما انت ؟ قال : قد قدرتم على خبري , فاخبروني ما
انتم ؟ قالوا : نحن اناس من العرب فقصوا عليه قصتهم , فقال : اخبروني عن نخل بيسان ((195))
قـلـنا : عن اى شانها تستخبر؟ قال : اسالكم عن نخلها هل تثمر؟قلنا له : نعم قال : اما انه يوشك ان
لاتـثمر قال : اخبروني عن بحيرة الطبرية هي كثيرة الما قال : اما ان ماها يوشك ان يذهب قال : اخبروني عن عين زغر ((196)) قالوا : عن
اي شانها تستخبر؟قال : هل في العين ما, و هل يزرع اهلها بما العين ؟ قلنا له : نعم , هي كثيرة الما,
و اهـلـها يزرعون من مائها قال : اخبروني عن نبى الاميين ما فعل ؟ قالوا : قد خرج من مكة و نزل
يـثـرب قـال : اقـاتله العرب ؟ قلنا : نعم قال : كيف صنع بهم , فاخبرناه انه قدظهر على من يليه من
العرب و اطاعوه قال : قد كان ذلك ؟ قلنا : نعم قال : اما ان ذاك خير لهم ان يطيعوه , و اني اخبركم
عني :انى انا المسيح ((197)) , و انى اوشك ان يؤذن لي في الخروج , فاخرج فاسير في الارض ,
فلاادع قرية الا هبطتها في اربعين ليلة ,غير مكة و طيبة , فهما محرمتان على كلتاهما, كلما اردت
ان ادخل واحدة منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتا ((198)) يصدني عنها, و ان على كل نقب منها
ملائكة يحرسونها.قـالـت : قال رسول اللّه (ص ) و طعن بمخصرته في المنبر : هذه طيبة هذه طيبة هذه طيبة , يعني
المدينة ((199)) .هـذه القصة على غرابتها في سندها ضعف , لانها رويت بطريقين : مسلم في ((الصحيح )), و احمد
في ((المسند)) و كلاهماينتهي الى عامر الشعبي , غير ان الذي يروي عن الشعبي في المسند, هو
مـجـالـد بن سعيد, و كان يكذب في الحديث قال عمرو بن علي : سمعت يحيى بن سعيد يقول لبعض
اصحابه : اين تذهب ؟ قال : الى وهب بن جرير اكتب السيرة عن ابيه عن مجالد بن سعيد كـذبـا كـثـيـرا, لـو شـئت ان يـجعلها الى مجالد كلها عن الشعبي عن مسروق عن عبداللّه , فعل و
قـال ابـوطالب عن احمد : ليس بشي يرفع حديثا كثيرا لايرفعه الناس و قال الدوري عن ابن معين :
لايـحتج بحديثه و قال ابن ابي خيثمة عن ابن معين : ضعيف واهي الحديث كان يحيى بن سعيد يقول :
لـو اردت ان يـرفـع لي مجالد حديثه كله رفعه , الى غيرها من شهادات بضعفه في الحديث , و رفعه
الـحـديـث لـمـكان ضعفه ((200)) و قال محمد بن حبان : كان رذي الحفظ يقلب الاسانيد و يرفع
المراسيل , لايجوز الاحتجاج به ((201)) .و فـي مسند مسلم وقع : ابن بريدة عن الشعبي و ابن بريدة هذا هو عبداللّه بن بريدة اخو سليمان
قـال البزار : فحيث ابهم علقمة و محارب و محمد و كذا الاعمش عند ابن حجر فالمراد : سليمان
بن بريدة و اما من عدا هؤلا حيث ابهموا فهوعبداللّه بن بريدة ((202)) ـ كما هناـ لان الذي ابهم
في اسناد مسلم هو الحسين بن ذكوان .و عبداللّه بن بريدة هذا, قد ضعف حديثه احمد, و كانوا يرجحون اخاه سليمان عليه قال ابراهيم :
لـه عـن ابيه احاديث منكرة و تعجب من الحاكم كيف زعم ان سند حديثه من رواية الحسين بن واقد
عن عبداللّه بن بريدة عن ابيه اصح الاسانيدلاهل مرو ((203)) .
4ـ وهب بن منبه
هـو وهب بن منبه بن كامل اليماني الصنعاني و قال احمد بن حنبل : كان من ابنا فارس قيل : ان منبها من خراسان من اهل هراة , اخرجه كسرى من هراة الى اليمن , فاسلم في عهد النبي و حسن اسلامهفسكن ولده في اليمن , و كان وهب بن منبه يختلف الى هراة و يتفقد امرها كان يقول : قرات بضعة و
سـبـعين كتابا من كتب الانبيا ولد سنة (34) و مات سنة (110) قيل :ضربه يوسف بن عمر حتى
مات ((204)) .و قد اكثر من سرد الاسرائيليات , و نسب اليه قصص كثيرة , كانت مثارا للنيل منه و الطعن عليه ,
حتى رمي بالكذب و التدليس , و افساد عقول المسلمين .
5ـ محمد بن كعب القرظي
هو محمد بن كعب سليم القرظي , كان ابوه من سبى قريظة , من اولاد كهنة اليهود ولد سنة (39) و مات سنة (117) كان يقص في المسجد, فسقط عليه السقف , فمات هو و جماعة معه ((205)) .فقد كان من القصاصين , يقصون على الناس عن كتب السلف و اساطيرهم , و فيها كان حتفه .6ـ عبداللّه بن عمرو بن العاص
قـيـل : كـان اسمه العاص فغيره رسول اللّه (ص ) و سماه عبداللّه اسلم قبل ابيه عمرو, و عمرو اسلم قبل الفتح سنة ثمان ولدقبل الهجرة بسبع سنين , و مات سنة (65) فقد عاش (72) سنة .هـو اول مـن اشـاع الاسـرائيـلـيات بعد وفاة النبي (ص ) زعم انه اصاب يوم اليرموك ((206))زاملتين ((207)) من كتب اليهود,فكان يحدث منهما و يبرر ذلك بما رواه عن رسول اللّه (ص ) من
قـوله : ((حدثوا عن بني اسرائيل و لا حرج )) رواه البخاري باسناده عنه ((208)) هكذا فهم من
هذا الحديث , جواز الرواية عنهم , حسبما ذكره ابن تيمية ((209)) .و اضاف اليه حديثا آخر اختلقه بهذا الشان , قال : رايت فيما يرى النائم كان في احدى اصبعى سمنا
و فـي الاخرى عسلافانا العقهما فلما اصبحت ذكرت ذلك للنبي (ص ), فقال : تقرا الكتابين , التوراة
و الفرقان و من ثم كان يقراهما ((210)) .و كانت له صحيفة يسميها ((الصادقة )) زعم انه كتبها من احاديث الرسول (ص ) عن اجازته له في
كـتـابتها قال : استاذنت النبي (ص ) في كتاب ما سمعت منه فاذن لي فكتبته فكان يسمي صحيفته تلك
الصادقة .قال مجاهد : رايت عنده صحيفة فسالت عنها, فقال : هذه الصادقة , فيها ما سمعت من رسول اللّه (ص )
ليس بينى و بينه فيها احد ((211)) .روى البخاري باسناده الى همام بن منبه عن اخيه وهب , قال : سمعت اباهريرة يقول : ما من اصحاب
رسـول اللّه (ص )احـداكـثـر حـديـثا عنه مني الا ما كان من عبداللّه بن عمرو, فانه كان يكتب و
لااكتب ((212)) .و لقد كان ضعيف الراي وهن السلوك , كان قد صحب اباه في الوقوف مع معاوية في وقعة صفين , في
حـيـن انه كان يعلم انهم كانوا هم الفئة الباغية على ما وصفهم بها رسول اللّه (ص ) و قد اعتذر لذلك
بانه كان لوصية رسول اللّه (ص ) اياه ان يتابع اباه عمرو بن العاص و قد نسي قوله تعالى :.(و اذا قـيل لهم اتبعوا ما انزل اللّه قالوا بل نتبع ما الفينا عليه آبانا او لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا
و لا يهتدون ) ((213)) .و كذا قوله تعالى : (و ان جاهداك على ان تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما) ((214)) .و مع ذلك نراه قد تابع اباه في ضلال كان يعلمه .اخـرج ابـن سعد عن الغنوي , قال : بينا نحن عند معاوية , اذ جاه رجلان يختصمان في راس عمار,
يقول كل واحد منهما,انا قتلته فقال عبداللّه بن عمرو : ليطب به احدكما نفسا لصاحبه , فاني سمعت
رسـول اللّه (ص ) يـقـول : ((تـقـتـلـه الـفـئة الـبـاغـيـة )) فقال معاوية : الاتغني عنا مجنونك يا
((215)) قال : ان ابي شكاني الى رسول اللّه (ص ) فقال : اطع اباك حياو
فـما بالك معنا؟ لاتعصه و انا معكم و لست اقاتل ((216)) .
7ـ ابوهريرة
امـا ابـوهريرة فقد اختلف في اسمه , كما لم يعرف اصله و نسبه و نشاته , و لا شي من تاريخه قبل اسـلامـه , غـيـر ما ذكر هوعن نفسه , من انه كان يلعب بهرة صغيرة , و انه كان معدما فقيرا خاملالذكر, يخدم الناس على شبع بطنه قال : كنت ارعى غنم اهلي , و كانت لي هرة صغيرة , فكنت اضعها
بالليل في شجرة , و اذا كان النهار ذهبت بها معي فلعبت بها, فكنوني ((اباهريرة ))قال : نشات يتيما
و هـاجـرت مسكينا, و كنت اجيرا لبسرة بنت غزوان بطعام بطني و عقبة رجلي , فكنت اخدم اذا
نزلوا,و احدو اذا ركبوا.قـدم ابـوهريرة بعد ان تخطى الثلاثين من عمره , و كان النبي (ص ) حينذاك في غزوة خيبر التي
وقعت عام (7) من الهجرة ,قال ابن سعد : قدم الدوسيون فيهم ابوهريرة و رسول اللّه (ص ) بخيبر
فكلم رسول اللّه (ص ) اصحابه في ان يشركوا اباهريرة في الغنيمة , ففعلوا و لفقره اتخذ سبيله الى
الـصفة (موضع مظلل في موخرة مسجد النبي من الناحية الشمالية ) قال ابوالفدا :و اهل الصفة اناس
فـقـرا لا مـنازل لهم و لا عشائر, ينامون في المسجد و يظلون فيه و كانت صفة المسجد مثواهم ,
فـنـسبوا اليهاو كان اذا تعشى رسول اللّه (ص ) يدعو منهم طائفة يتعشون معه , و يفرق منهم طائفة
على الصحابة ليعشوهم .روى مسلم عنه , قال : كنت رجلا مسكينا اخدم رسول اللّه (ص ) على ملا بطني و في رواية : كنت
الـزم رسول اللّه (ص )على ملا بطني و كان اكولا, اذا كان يطعم في بيت احد الصحابة , كان بعضهم
ينفر منه .و روى الـبـخاري عنه , قال : استقرئ الرجل الاية و هي معي , كي ينقلب بي فيطعمني و كان خير
الـناس للمساكين جعفربن ابي طالب , كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته و روى الترمذي عنه : و
كـنـت اذا سـالـت جعفر عن آية لم يجبني حتى يذهب بي الى منزله قال ابورية : و من اجل هذا كان
جـعـفـر في راي ابي هريرة افضل الصحابة جميعا, فقدمه على ابي بكر و عمرو علي و عثمان و
غيرهم من كبار الصحابة .فقد اخرج الترمذي و الحاكم باسناد صحيح عن ابي هريرة : ما احتذى النعال و لا ركب المطايا و لا
وطئ التراب , بعدرسول اللّه (ص ) افضل من جعفر بن ابي طالب ((217)) .كـان ابـوهـريـرة يـلـقب بشيخ المضيرة (طعام يطبخ باللبن المضر, اي الحامض ) و قد نالت هذه
الـمـضـيرة من عناية العلماو الكتاب و الشعرا ما لم ينله مثلها من اصناف المكل و الحلويات و ظلوا
يتندرون بها و يغمزون اباهريرة قرونا طويلة من اجلها.قـال الـثعالبي , و كان ابوهريرة تعجبه المضيرة جدا, فياكل مع معاوية , فاذا حضرت الصلاة صلى
خلف على (ع ), فاذا قيل له في ذلك , قال : مضيرة معاوية ادسم و اطيب , و الصلاة خلف على افضل و
اتـم و مـن كلامه : ما شممت رائحة اطيب من رائحة الخبز الحار, و ما رايت فارسا احسن من زبد
على تمر ((218)) .و قد اخذ العلما على ابي هريرة كثرة حديثه عن النبي (ص ) مع قلة صحبته و قلة بضاعته حينذاك ,
و مـن ثـم رمـوه بـالـتدليس و الاختلاق كان يسمع الحديث من احد الصحابة ثم يدلس , فيرفعه الى
النبي (ص ).