بعض ما جا فيه , مع ما في كتب العهدين ((273)) .انك تجد في كتب العهدين مخالفات كثيرة مع شريعة العقل فضلا عن شريعة السما, فمثلا تجد فيها
ما يتنافى و مقام عصمة الانبيا ما يذهلك :.ففي سفر التكوين (اص 19, ع130 ) : ان ابنتي لوط سقتا اباهما الخمر فاضطجعتا معه .و في (الملوك الاول , اص 11) : ان سليمان عبد اوثانا, نزولا الى رغبة نسائه .و في (الخروج , اص 32, ع21 ـ 24) : ان هارون هو الذي صنع العجل و ليس السامرى .كما تفرض التوراة عقوبة البهائم (الخروج , اص 21, ع28 ).و نجاسة من مس ميتا الى سبعة ايام (سفر العدد, اص 19, ع11 ـ 16).و امثالها كثير.3ـ امثلة على المسكوت عنه .و الامـثـلـة على المسكوت عنه في شرعنا على ما جا في كتب السالفين ايضا كثيرة في كثير, كان
شانها شان سائر الاحداث التاريخية التي جات في الكتب القديمة .و لعل الحديث الوارد : ((لاتصدقوا اهل الكتاب و لاتكذبوهم )) ((274)) ناظر الى هذا النوع من
الـمـسـكوت عنه في شرعنا,لانعلم صدقه عن كذبه , لانهم خلطوا الحق بالباطل فلو صد قناه فلعله
الـبـاطـل , او كـذبـناه فلعله الحق قال (ص ) : ((فيخبروكم بحق فتكذبوا به , او بباطل فتصدقوا
به )) ((275)) .و هكذا قال عبداللّه بن مسعود :.((لاتـسـالـوا اهـل الـكتاب , فانهم لن يهدوكم ـ اي لن يخلصوا لكم النصح ـ و قد اضلوا انفسهم ,
فتكذبوا بحق او تصدقوابباطل )) ((276)) .و عـلـيه فيجب الحذر فيما لم نجد صدقه و لا كذبه في الماثور من شرعنا الاسلامي و يلزم اجرا
قواعد النقدو التمحيص ـ التثبت ـ فيما وجدناه في كتب القوم من آثار و اخبار.هـذه قصة يوسف (ص ) جات مواضع عبرها في القرآن و ترك الباقي , و قد تعرض لتفاصيلها العهد
القديم و هكذا سائرقصص الانبيا, و فيها الغث و السمين .
نماذج من اسرائيليات مبثوثة في التفسير
سبق القول بان في التفسير من الاسرائيليات طامات و ظلمات , اصبحت مثارا للشك و الطعن و التقول عـلـى الاسلام و مقدساته و يرجع اكثر اللوم على الاوائل الذين زجوا بتلكم الاساطير اليهودية وغـيـرهـا فـي الـتـفـسـير و الحديث و التاريخ ,و هكذا تساهل اهل الحديث في جمع و ثبت تلكم
الاسـرائيليات في كتبهم , امثال ابي جعفر الطبري , و جلال الدين السيوطي ,و اضرابهما من ارباب
كتب التفسير بالماثور.و قد اخذ على تفسير ابن جرير, انه يذكر الروايات من غير بيان و تمييز بين صحيحها و سقيمها,
و لـعله كان يحسب ان ذكر السند ـ و لو لم ينص على درجة الرواية قوة و ضعفاـ يخلي المؤلف عن
الـمـؤاخـذة و الـتـبـعـات و تفسيره هذا مشحون بالروايات الواهية و المنكرة و الموضوعات و
الاسـرائيليات , و ذلك فيما يذكره في الملاحم و الفتن و في قصص الانبيا,و حتى في مثل قصص
نبينا(ص ) كما في قصة زينب بنت جحش , على ما يرويها القصاص و المبطلون , و امثالها كثير.كما اخذ على تفسير ((الدر المنثور)), انه و ان عزى الروايات الى مخرجيها, لكن لم يبين منزلتها
مـن الصحة و الضعف او الوضع , و ليس كل قارئ يمكنه معرفة ذلك بمجرد ذكر السند او المصدر
المخرج منه , و لاسيما في عصورنا المتاخرة و لعله ايضا من المحدثين الذين يرون ان ابراز السند
او الـمـخرج يخلي من العهدة و التبعة و في الكتاب اسرائيليات و بلاياكثيرة , و لاسيما في قصص
الانـبـيـا, و ذلـك مثل ما ذكره في قصة هاروت و ماروت , و في قصة الذبيح و انه اسحاق , و في
قـصـة يـوسف , و في قصة داود, و سليمان , و في قصة الياس و اسرف في ذكر المرويات في بلا
ايـوب و مـعـظـمـها مما لايصح و لايثبت , و انما هو من الاسرائيليات التي سردها بنو اسرائيل و
اكاذيبهم على الانبيا.و هـذان التفسيران هما الاساس لبث و نشر الاسرائيليات , فيما تاخر من كتب التفسير و سنعرض
منها نماذج :.
1ـ الاسرائيليات في قصة هاروت و ماروت ((277))
روى الـسـيـوطي فـي ((الـدر المنثور)), في تفسير قوله تعالى : (و ما انزل على الملكين ببابل هاروت و ماروت ) ((278)) روايات كثيرة و قصصا عجيبة , رويت عن ابن عمر, و ابن مسعود,و عـلي , و ابن عباس , و مجاهد, و كعب , و الربيع ,و السدي رواها ابن جرير الطبري في تفسيره ,
و ابـن مـردويـه , و الـحاكم , و ابن المنذر, و ابن ابي الدنيا, و البيهقي , و الخطيب في تفاسيرهم و
كتبهم ((279)) .و خلاصتها : انه لما وقع الناس من بني آدم فيما وقعوا فيه من المعاصي و الكفر باللّه , قالت الملائكة
فـي الـسـمـا : اي رب ,هذا العالم انما خلقتهم لعبادتك , و طاعتك , و قد ركبوا الكفر, و قتل النفس
الـحـرام , و اكـل الـمـال الحرام , و السرقة , و الزنى ,و شرب الخمر, فجعلوا يدعون عليهم , و
لايعذرونهم , فقيل لهم : انهم في غيب , فلم يعذروهم و في بعض الروايات : ان اللّه قال لهم : لو كنتم
مـكـانهم لعملتم مثل اعمالهم , قالوا : سبحانك , ما كان ينبغي لنا و في رواية اخرى : قالوا : لا, فقيل
لـهـم :اخـتـاروا مـنكم ملكين آمرهما بامري , و انهاهما عن معصيتي فاختاروا هاروت و ماروت ,
فاهبطا الى الارض , و ركبت فيهماالشهوة , و امرا ان يعبدا اللّه , و لايشركا به شيئا, و نهيا عن قتل
الـنفس الحرام , و اكل المال الحرام , و السرقة , و الزنى و شرب الخمر فلبثا على ذلك في الارض
زمـانـا, يـحكمان بين الناس بالحق , و ذلك في زمان ادريس و في ذلك الزمان امراة حسنها فى سائر
الـنـاس كـحـسـن الـزهـرة فـي سـائر الـكـواكب و انها اتت عليهما فخضعا لها بالقول , و انهما
اراداهـا ((280)) عـلـى نـفـسها, فابت الا ان يكونا على امرها و دينها, و انهما سالاها عن دينها,
فاخرجت لهما صنما, فقالا : لا حاجة لنا في عبادة هذا فذهبا فصبرا ما شااللّه , ثم اتيا عليها, فخضعا
لها بالقول , و اراداها على نفسها, فابت الا ان يكونا على دينها, و ان يعبدا الصنم الذي تعبده , فابيا,فلما
رات انهما قد ابيا ان يعبدا الصنم , قالت لهما : اختارا احدى الخلال الثلاث : اما ان تعبدا هذا الصنم ,
او تـقـتـلا الـنفس ,او تشربا هذا الخمر فقالا : كل هذا لاينبغي , و اهون الثلاثة شرب الخمر, و
سـقـتهما الخمر, حتى اذا اخذت الخمر فيهما وقعابها ((281)) فمر بهما انسان , و هما في ذلك ,
فـخـشيا ان يفشي عليهما, فقتلاه , فلما ان ذهب عنهما السكر, عرفا ما قد وقعا فيه من الخطيئة , و
ارادا ان يـصـعـدا الـى الـسـما, فلم يستطيعا و كشف الغطا فيما بينهما, و بين اهل السما, فنظرت
الـملائكة الى ما قدوقعا فيه من الذنوب , و عرفوا ان من كان في غيب فهو اقل خشية , فجعلوا بعد
ذلك يستغفرون لمن في الارض فلما وقعا فيماوقعا فيه من الخطيئة , قيل لهما : اختارا عذاب الدنيا,
او عـذاب الاخـرة , فـقـالا : اما عذاب الدنيا فينقطع , و يذهب و اما عذاب الاخرة فلا انقطاع له ,
فـاخـتـارا عذاب الدنيا, فجعلا ببابل , فهما بها يعذبان معلقين بارجلهما و في بعض الروايات , انهما
عـلـمـاهـاالـكلمة التي يصعدان بها الى السما, فصعدت , فمسخها اللّه , فهي هذا الكوكب المعروف
بالزهرة ((282)) .و يـذكـر الـسـيـوطي ايـضـا فـي كـتـابـه , مـا رواه ابـن جرير, و ابن ابي حاتم , و الحاكم و
صححه ((283)) , و البيهقي في سننه , عن عائشة : انها قدمت عليها امراة من دومة الجندل , و انها
اخـبـرتـها انها جي لها بكلبين اسودين فركبت كلبا, و ركبت امراة اخرى الكلب الاخر, و لم يمض
غـيـرقـلـيـل , حـتـى وقفتا ببابل فاذا هما برجلين معلقين بارجلهما, و هما هاروت و ماروت , و
استرسلت المراة التي قدمت على عائشة في ذكر قصة عجيبة غريبة .و يـذكـر ايضا : ان ابن المنذر اخرج من طريق الاوزاعي , عن هارون بن رباب , قال : دخلت على
عبدالملك بن مروان و عنده رجل قد ثنيت له وسادة , و هو متكئ عليها, فقالوا : هذا قد لقي هاروت
و مـاروت , فـقـلـت هـذا, قـالوا نعم , فقلت : حدثنارحمك اللّه , فانشا الرجل يحدث بقصة عجيبة
غريبة ((284)) .و كل هذا من خرافات بني اسرائيل , و اكاذيبهم التي لايشهد لها عقل , و لا نقل , و لا شرع , و لم يقف
بعض رواة هذاالقصص الخرافي الباطل عند روايته عن بعض الصحابة و التابعين , و لكنهم اوغلوا
بـاب الاثم , و التجني الفاضح , فالصقوا هذاالزور الى النبى (ص ) و رفعوه اليه فقد قال السيوطى :
اخرج سعيد, و ابن جرير, و الخطيب في تاريخه , عن نافع , قال : سافرت مع ابن عمر, فلما كان من
آخر الليل قال : يا نافع , انظر هل طلعت الحمرا؟ قلت : لا, مرتين او ثلاثا, ثم قلت : قد طلعت قال
:لا مرحبا بها, و لا اهلا قلت : سبحان اللّه من رسول اللّه (ص ), قال :ان الملائكة قالت : يا رب كيف صبرك على بني آدم في الخطايا و الذنوب ؟
قال : اني ابتليتهم و عافيتكم قالوا : لو كنا مكانهم ماعصيناك قال : فاختاروا ملكين منكم , فلم يالوا جهدا
ان يـخـتـاروا فاختاروا هاروت و ماروت , فنزلا, فالقى اللّه عليهم الشبق قلت : و ما الشبق ؟ قال :
الـشـهـوة , فـجـات امـراة يقال لها : الزهرة , فوقعت في قلبيهما, فجعل كل واحد منهما يخفي عن
صـاحبه ما في نفسه , ثم قال احدهما للاخر : هل وقع في نفسك ما وقع في قلبي ؟ قال : نعم فطلباها
لانـفـسـهـما, فقالت : لاامكنكما حتى تعلماني الاسم الذي تعرجان به الى السما, و تهبطان , فابيا, ثم
سـالاها ايضا, فابت , ففعلا, فلما استطيرت طمسها اللّه كوكبا,و قطع اجنحتهما ثم سالا التوبة من
ربـهـمـا, فـخـيرهما بين عذاب الدنيا, و عذاب الاخرة , فاختارا عذاب الدنيا على عذاب الاخرة ,
فـاوحى اللّه اليهما : ان ائتيا ((بابل )) ((285)) فانطلقا الى بابل , فخسف بهما, فهما منكوسان بين
السما و الارض , معذبان الى يوم القيامة .ثـم ذكر ايضا رواية اخرى , مرفوعة الى النبي (ص ) لاتخرج في معناها عما ذكرنا ((286)) , و
لايـنـبغي ان يشك مسلم عاقل فضلا عن طالب حديث في ان هذا موضوع على النبي (ص ) مهما بلغت
اسـانـيده من الثبوت , فما بالك اذا كانت اسانيدها واهية ,ساقطة , و لاتخلو من وضاع , او ضعيف , او
مجهول ؟ و قـد حكم بوضع هذه القصة الامام ابوالفرج ابن الجوزي ((287)) , و نص الشهاب العراقي على
ان مـن اعـتـقد في هاروت و ماروت انهما ملكان يعذبان على خطيئتهما مع الزهرة , فهو كافر باللّه
تعالى العظيم ((288)) و قال الامام القاضي عياض في ((الشفا)) : و ما ذكره اهل الاخبار, و نقله
الـمـفـسـرون فـي قـصـة هـاروت و مـاروت , لم يرد فيه شي لا سقيم ((289)) , و لا صحيح
عن رسول اللّه (ص ), و ليس هو شيئا يؤخذ بالقياس .و كذلك حكم بوضع المرفوع من هذه القصة الحافظ عماد الدين ابن كثير و اما ما ليس مرفوعا فبين
ان مـنـشـاه روايات اسرائيلية اخذت عن كعب و غيره الصقها زنادقة اهل الكتاب بالاسلام قال ابن
كـثـيـر فـي تفسيره بعد ان تكلم على الاحاديث الواردة في هاروت و ماروت , و ان روايات الرفع
غريبة جدا : ((و اقرب ما يكون في ذلك انه من رواية عبداللّه بن عمر, عن كعب الاحبار, كما قال
عـبـدالرزاق في تفسيره , عن الثوري , عن موسى بن عقبة , عن سالم بن عبداللّه عن ابن عمر, عن
كـعب :و رفع مثل هذه الاسرائيليات الى النبي كذب و اختلاق , الصقه زنادقة اهل الكتاب , زورا و
بهتانا و ذكر مثل ذلك في البداية و النهاية )) ((290)) .قال ابوشهبة : و هذا الذي قاله ابن كثير هو الحق الذي لاينبغي ان يقال غيره و ليس ادل على هذا من
ان ابـن جـريـر رواهـابـالـسـنـد الـذي ذكـره ابـن كـثـيـر, و بغيره عن ابن عمر, عن كعب
الاحبار ((291)) و لكن بعض الرواة غلطا, او لسؤ نية رفعها و نسبها الى النبى (ص ) و كذا ردها
الـمـحـقـقـون مـن الـمـفـسرين الذين مهروا في معرفة اصول الدين , و ابت عقولهم ان تقبل هذه
الخرافات كالامام الرازي , و ابي حيان , و ابي السعود, و الالوسي .ثـم هذه من ناحية العقل غيرمسلمة , فالملائكة معصومون عن مثل هذه الكبائر, التي لاتصدر الا من
عربيد و قد اخبر اللّه عنهم بانهم لايعصون اللّه ما امرهم , و يفعلون ما يؤمرون كما ورد في بعض
الروايات التي اشرنا اليها آنفا رد لكلام اللّه , و في رواية اخرى : ان اللّه قال لهما : لو ابتليتكما بما
ابتليت به بني آدم لعصيتماني , فقالا : لو فعلت بنا يا رب ما عصيناك من له علم باللّه و صفاته , فضلا عن الملائكة .ثـم كـيـف تـرفـع الـفـاجـرة الـى السما, و تصير كوكبا مضيئا؟ ((الـزهـرة )), و زعموا انه كان امراة ,فمسخت ؟ الا في مكانه , من يوم ان خلق اللّه السماوات و
الارض .و هـذه الخرافات التي لايشهد لها نقل صحيح , و لا عقل سليم هي كذلك مخالفة لما صار عند العلما
الـمحدثين امرايقينيا, و لاادري ماذا يكون موقفنا امام علما الفلك , و الكونيات , اذا نحن لم نزيف هذه
الخرافات , و سكتنا عنها, او انتصرنالها؟ و اذا كـان بعض العلما المحدثين ((292)) مال الى ثبوت مثل هذه الروايات التي لانشك في كذبها,
فهذا منه تشدد في التمسك بالقواعد, من غير نظر الى ما يلزم من الحكم بثبوت ذلك من المحظورات
و نحن لاننكر ان بعض اسانيدها صحيحة او حسنة ,الى بعض الصحابة او التابعين , و لكن مرجعها و
مخرجها من اسرائيليات بني اسرائيل , و خرافاتهم , و الراوي قد يغلط,و بخاصة في رفع الموقوف ,
و قـد حققنا هذا في مقدمات البحث , و ان كونها صحيحة في نسبتها, لاينافي كونها باطلة في ذاتهاو
لـو ان الانـتصار لمثل هذه الاباطيل يترتب عليه فائدة ما, لغضضنا الطرف عن مثل ذلك , و لمابذلنا
غاية الجهد في التنبيه الى بطلانها, و لكنها فتحت على المسلمين باب شر كبير, يجب ان يغلق .قـال الامـام ابـومحمد الحسن بن علي العسكري (ع ) و قد سئل عن الذي يقوله الناس بشان الملكين
هـاروت و ماروت ,و انهما عصيا اللّه , قال : ((معاذ اللّه من ذلك , ان الملائكة معصومون محفوظون
من الكفر و القبائح بالطاف اللّه تعالى .فقد قال اللّه فيهم : (لا يعصون اللّه ما امرهم و يفعلون ما يؤمرون ) ((293)) .و قال : (و له من في السماوات و الا رض و من عنده ـ يعني الملائكة ـ لا يستكبرون عن عبادته
و لا يستحسرون يسبحون الليل و النهار لا يفترون ) ((294)) .و قال ـ في الملائكة ـ : (بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول و هم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم
و ما خلفهم و لا يشفعون الا لمن ارتضى و هم من خشيته مشفقون ) ((295)) .و هـكـذا سـال الـخليفة المامون العباسي الامام على بن موسى الرضا(ع ) عما يرويه الناس من امر
((الزهرة )) و انها كانت امراة ,فتن بها هاروت و ماروت , و ما يرويه الناس من امر ((سهيل )), و
انه كان عشارا باليمن .فـقال الامام : كذبوا في قولهم : انهما كوكبان , و انما كانتا دابتين من دواب البحرو غلط الناس انهما
كوكبان , و ماكان اللّه تعالى ليمسخ اعداه انوارا مضيئة , ثم يبقيهما ما بقيت السما و الارض .و قال الامام جعفر بن محمد الصادق (ع ) في تفسير الاية :.كان بعد نوح (ع ) قد كثرت السحرة و المموهون , فبعث اللّه تعالى ملكين الى نبي ذلك الزمان بذكر
مـا يـسحر به السحرة و ذكر ما يبطل به سحرهم و برد كيدهم فتلقاه النبى عن الملكين و اداه الى
عباد اللّه بامر اللّه , و امرهم ان يقفوا به على السحرو ان يبطلوه , و نهاهم ان يسحروا به الناس و
هذا كما يدل على السم ما هو, و على ما يدفع به غائلته ثم يقال لمتعلم ذلك :هذا السم فمن رايته سم
فادفع غائلته بكذا, و اياك ان تقتل بالسم احدا.و قال الامام ابوجعفر محمد بن علي الباقر(ع ) بشان الشياطين في الاية :.لـمـا مات سليمان النبى (ع ) وضع الشيطان السحر و كتبه في كتاب ثم طواه , و كتب على ظهره :
هذا ما وضع آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم , من اراد كذا فليعمل كذا,
ثـم دفـنـه تحت سرير سليمان , ثم استثاره لهم فقراه , فقال الكافرون : ماكان سليمان يغلبنا الا بهذا,
فـقـال اللّه : (و مـاكـفـر سـلـيـمـان ـ بـاعـمـال السحرـ و لكن الشياطين كفروايعلمون الناس
السحر) ((296)) .اذن فـليس في الاية ما يدل ـ و لو من بعد ـ على هذه القصة المنكرة , و ليس السبب في نزول الاية
ذلك , و انما السبب ان الشياطين في ذلك الزمن السحيق كانوا يسترقون السمع من السما, ثم يضمون
الـى مـا سـمـعـوا اكاذيب يلفقونها, و يلقونها الى كهنة اليهود و احبارهم و قد دونها هؤلا في كتب
يـقـرؤونها, و يعلمونها الناس , و فشا ذلك في زمن سليمان (ع ) حتى قالوا : هذاعلم سليمان و ما تم
لـسـلـيـمان ملكه الا بهذا العلم , و به يسخر الانس , و الجن , و الريح التي تجري بامره و هذا من
افتراات اليهود على الانبيا, فاكذبهم اللّه بقوله : (و ماكفر سليمان و لكن الش ياطين كفروا يعلمون
الناس السحر) ((297)) .ثم عطف عليه : (و ما انزل على الملكين ) فالمراد بما انزل هو ((علم السحر)) الذي نزلا ليعلماه
الـنـاس , حـتى يحذروا منه ,فالسبب في نزولهما هو تعليم الناس ابوابا من السحر, حتى يعلم الناس
الـفرق بين السحر و النبوة , و ان سليمان لم يكن ساحرا,و انما كان نبيا مرسلا من ربه و قد احتاط
الـمـلكان غاية الاحتياط, فماكان يعلمان احدا شيئا من السحر حتى يحذراه , و يقولاله : (انما نحن
فتنة ) اي بلا و اختبار, فلاتكفر بتعلمه و العمل به و اما من تعلمه للحذر منه , و ليعلم الفرق بينه و
بين النبوة و المعجزة , فهذا لا شي فيه , بل هو امر مطلوب , مرغوب فيه , اذا دعت الضرورة اليه و
لـكـن الـناس ماكانوا ياخذون بالنصيحة ,بل كانوا يفرقون به بين المر و زوجه , و ذلك باذن اللّه و
مشيئته .و قد دلت الاية على ان تعل م السحر لتحذير الناس من الوقوع فيه و العمل به مباح , و لا اثم فيه , و
ايضا تعلمه لازالة الاشتباه بينه و بين المعجزة و النبوة مباح , و لا اثم فيه و انما الحرام و الاثم في
تعلمه او تعليمه للعمل به , فهو مثل ما قيل :.
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه
و من لايعرف الشر من الناس يقع فيه .
و من لايعرف الشر من الناس يقع فيه .
و من لايعرف الشر من الناس يقع فيه .
التوراة , حتى كانوايستفتحون به على المشركين قبل ميلاده و بعثته , فلما جاهم ما عرفوا, كفروا
به , و نبذوا كتابهم التوراة , و كتاب اللّه القرآن وراظهورهم , و بدل ان يتبعوا الحق المبين , اتبعوا
الـسـحـر الـذي تـوارثوه عن آبائهم و الذي علمتهم اياه الشياطين و كان الواجب عليهم ان ينبذوا
السحر, و يحذروا الناس من شره , و ذلك كما فعل الملكان : هاروت و ماروت من تحذير الناس من
شـروره ,و الـعـمل به و هذا هو التفسير الصحيح للاية , لا ما زعمه المبطلون الخرفون , و بذلك
يـحـصـل الـتـنـاسـق بين الايات , و تكون الاية متخية متعانقة و لاادري ما الصلة بين ما رووه من
اسرائيليات , و بين قوله : (و ما يعلمان من احد حتى يقولا انما نحن فتنة فلا تكفر ) ((298)) .و الـعـجـب ان مـثـل ابـن جـريـر حـوم حـول مـا ذكرناه في تفسير الاية , ثم لم يلبث ان ذكر ما
ذكر ((299)) .و الـخلاصة : على القارئ ان يحذر من هذه الاسرائيليات , سوا وجدها في كتاب تفسير, او حديث
او تاريخ او مواعظ,او ادب او.
2ـ اسرائيلية في المسوخ من المخلوقات
و يـوغـل بـعـض زنـادقـة اهـل الكتاب , فيضعون على النبى (ص ) خرافات في خلق بعض انواع الـحـيوانات التي زعموا انهامسخت و لو ان هذه الخرافات نسبت الى كعب الاحبار و امثاله او الىبـعـض الـصحابة و التابعين , لهان الامر, و لكن عظم الاثم ان ينسب ذلك الى المعصوم (ص ), و هذا
اللون من الوضع و الدس من اخبث و اقذر انواع الكيد للاسلام و نبى الاسلام .فـقـد قـال السيوطي بعد ما ذكر طامات و بلايا في قصة هاروت و ماروت , من غير ان يعلق عليها
بكلمة :.اخرج الزبير بن بكار في الموفقيات , و ابن مردويه , و الديلمي , عن على : ان النبي (ص ) سئل عن
الـمـسـوخ ((300)) , فـقـال :هـم ثـلاثـة عـشـر : الـفـيـل , و الدب , و الخنزير, و القرد, و
الـجـريـث ((301)) , و الضب , و الوطواط, و العقرب , و الدعموص ,و العنكبوت , و الارنب , و
سـهـيـل , و الـزهـرة فـقيل : يا رسول اللّه , و ما سبب مسخهن ؟ـ و اليك التخريف و الكذب الذي
نبرئ ساحة رسول اللّه منهماـ فقال :.امـا الـفـيل فكان رجلا جبارا لوطيا, لايدع رطبا و لا يابسا و اما الدب فكان مؤنثا يدعو الناس الى
نـفـسـه و اما الخنزير فكان من النصارى الذين سالوا المائدة , فلما نزلت كفروا و اما القردة فيهود
اعـتـدوا في السبت و اما الجريث فكان ديوثا ((302)) , يدعوالرجال الى حليلته و اما الضب فكان
اعـرابـيـا يـسرق الحاج بمحجنه و اما الوطواط فكان رجلا يسرق الثمار من رؤوس النخل و اما
العقرب فكان رجلا لايسلم احد من لسانه و اما الدعموص ((303)) فكان نماما يفرق بين الاحبة و
امـا العنكبوت فامراة سحرت زوجها و اما الارنب فامراة كانت لاتطهر من حيضها و اما سهيل فكان
عشارا باليمن و اما الزهرة فكانت بنتا لبعض ملوك بني اسرائيل افتتن بها هاروت و ماروت الاقبح اللّه من وضع هذا الزور و الباطل , و نسبه الى من لاينطق عن الهوى .و مما لايقضي منه العجب ان السيوطي ذكر هذا الهرا من غيرسند, و لم يعقب عليه بكلمة استنكار و
مثل هذا لايشك طالب علم في بطلانه , فضلا عن عالم كبيرو قد حكم عليه ابن الجوزي بالوضع , و
قد ذكره السيوطي في ((اللا لئ )), و تعقبه بمالايجدي , و كان من الامانة العلمية ان يشير الى هذا
.و بـعـد هذا الكذب و التخريف ينقل السيوطي ما رواه الطبراني في الاوسط بسند ـ ضعيف ـ كذا
قال , عن عمر بن الخطاب , قال : جا جبرئيل الى النبي (ص ) في غير حينه , ثم ذكر قصة طويلة في
وصف النار, و ان النبى بكى , و جبريل بكى ,حتى نوديا : لاتخافا ان اللّه امنكما ان تعصياه ((304))
و اغلب الظن : انه من الاسرائيليات التي دست في الرواية الاسلامية .
3ـ الاسرائيليات في بنا الكعبة : البيت الحرام و الحجر الاسود
و كـذلـك اكـثـر الـسيوطي في تفسيره ((الدر المنثور)) عند تفسير قوله تعالى : (و اذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت و اسماعيل ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم ) ((305)) :.من النقل عن الازرقي , و امثاله من المؤرخين و المفسرين الذين هم كحاطبي ليل , و لايميزون بينالغث و السمين ,و المقبول و المردود, في بنا البيت , و من بناه قبل ابراهيم , اهم الملائكة ام آدم ؟ و
الـحـجـر الاسود, و من اين جا؟ و ما وردفي فضلهما و قد استغرق في هذا النقل الذي معظمه من
الاسرائيليات التي اخذت عن اهل الكتاب بضع عشرة صحيفة ((306)) ,لايزيد ما صح منها او ثبت
عن عشر هذا المقدار.قال ابوشهبة : و لو انه اقتصر على الرواية التي رواها البخاري في صحيحه ((307)) , و رواها
غـيره من العلما, لاراحنا و اراح نفسه , و لما افسد العقول , و سمم النفوس بكل هذه الاسرائيليات ,
التي نحن في غنية عنها, بما تواتر من القرآن , و ثبت من السنة الصحيحة و في الحق : ان ابن جرير
كـان مـقـتـصدا في الاكثار من ذكر الاسرائيليات في هذا الموضع , و ان كان لم يسلم منها,و ذكر
بعضها, و ذلك مثل ما رواه بسنده عن عبداللّه بن عمرو بن العاص , قال : لما اهبط اللّه آدم من الجنة
قـال : اني مهبط معك بيتا يطاف حوله كما يطاف حول عرشي , و يصلى عنده , كما يصلى عند عرشي
فـلـمـا كان زمن الطوفان , رفع , فكان الانبيايحجونه , و لايعلمون مكانه ((308)) , حتى بواه اللّه
ابـراهيم (ص ) و اعلمه , مكانه , فبناه من خمسة اجبل : من حرا, و ثبير,و لبنان , و جبل الطور, و
جبل الخمر.و اعـجـب مـن ذلـك مـا رواه بسنده عن عطا بن ابي رباح , قال : ((لما اهبط اللّه آدم من الجنة كان
رجـلاه فـي الارض , و راسـه فـي الـسـما الـمـلائكة , حتى شكت الى اللّه في دعائها, و في صلاتهافخفضه الى الارض فلما فقد ماكان يسمع
مـنـهـم استوحش حتى شكا ذلك الى اللّه في دعائه و في صلاته , فوجه الى مكة , فكان موضع قدمه
قـرية , و خطوه مفازة , حتى انتهى الى مكة , و انزل اللّه ياقوتة من ياقوت الجنة , فكانت على موضع
البيت الان ,فلم يزل يطوف به , حتى انزل اللّه الطوفان , فرفعت تلك الياقوتة , حتى بعث اللّه ابراهيم
فبناه , فذلك قول اللّه تعالى : (و اذ بوانالا براهيم مكان البيت ) ((309)) الى غير ذلك مما مرجعه
الى اخبار بني اسرائيل و خرافاتهم .و لـم يـصح في ذلك خبر عن المعصوم (ص ) و يرحم اللّه الامام الحافظ ابن كثير, فقد بين لنا منشا
مـعـظم هذه الروايات التي هي من صنع بني اسرائيل , و دس زنادقتهم , فقد قال فيما رواه البيهقي في
((الـدلائل )), مـن طرق عن عبداللّه بن عمرو بن العاص عن النبى (ص ) : ((بعث اللّه جبريل الى
آدم , فامره , ببنا البيت , فبناه آدم , ثم امره بالطواف به , و قال له : انت اول الناس , و هذااول بيت وضع
للناس )).قـال ابن كثير : انه من مفردات ابن لهيعة , و هو ضعيف , و الاشبه ـ و اللّه اعلم ـ ان يكون موقوفا
عـلى عبداللّه بن عمرو بن العاص , و يكون من الزاملتين ((310)) اللتين اصابهما يوم اليرموك , من
كتب اهل الكتاب , فكان يحدث بما فيهما ((311)) .و قال في ((بدايته )) : و لم يجئ في خبر صحيح عن المعصوم ان البيت كان مبنيا قبل الخليل (ع ), و
من تمسك في هذابقوله : (مكان البيت ) فليس بناهض و لا ظاهر, لان مراده : مكانه المقدر في علم
اللّه تعالى , المقرر في قدرته , المعظم عندالانبيا موضعه , من لدن آدم الى زمان ابراهيم ((312)) .
4ـ الاسرائيليات في قصة التابوت
و مـن الاسرائيليات التي التبس فيها الحق بالباطل ما ذكره غالب المفسرين في تفاسيرهم , في قصة طـالـوت , و تنصيبه ملكاعلى بني اسرائيل , و اعتراض بني اسرائيل عليه , و اخبار نبيهم لهم بالايةالـدالـة عـلـى ملكه , و هي التابوت , و ذلك عند قوله تعالى : (و قال لهم نبيهم ان آية ملكه ان ياتيكم
الـتابوت فيه سكينة من ربكم و بقية مما ترك آل موسى و آل هرون تحمله الملا ئكة ان في ذلك لا
ية لكم ان كنتم مؤمنين ) ((313)) .فقد ذكر ابن جرير, و الثعلبي , و البغوي , و القرطبي , و ابن كثير, و السيوطي في ((الدر)), و
غيرهم في تفاسيرهم , كثيرا من الاخبار عن الصحابة و التابعين , و عن وهب بن منب ه , و غيره من
مـسـلمة اهل الكتاب في وصف ((التابوت )), و كيف جا,و علا م يشتمل ؟, و عن ((السكينة )) و
كيف صفتها؟.فـقـد ذكـروا فـي شـان الـتابوت انه كان من خشب الشمشاد ((314)) , نحوا من ثلاثة اذرع في
ذراعـيـن , كـان عـنـد آدم الـى ان مات , ثم عند شيث , ثم توارثه اولاده , الى ابراهيم , ثم كان عند
اسـماعيل , ثم يعقوب , ثم كان في بني اسرائيل , الى ان وصل الى موسى (ع ) فكان يضع فيه التوراة و
مـتـاعا من متاعه , فكان عنده الى ان مات ثم تداوله انبيا بني اسرائيل الى وقت شمويل ,و كان عندهم
حتى عصوا, فغلبوا عليه , غلبهم عليه العمالقة .و هذا الكلام و ان كان محتملا للصدق و الكذب , لكننا في غنية , و لايتوقف تفسير الاية عليه .و قال بعضهم : ان التابوت انما كان في بني اسرائيل , و لم يكن من عهد آدم (ع ), و انه الصندوق الذي
كان يحفظ فيه موسى (ع ) التوراة و لعل هذا اقرب الى الحق و الصواب .و كـذلـك اكـثـروا مـن الـنـقـل فـي ((السكينة )), فروي عن علي بن ابي طالب (ع ) : هي ريح
فجوج ((315)) هفافة , لها راسان و وجه كوجه الانسان .و قال مجاهد : حيوان كالهر, لها جناحان و ذنب , و لعينيه شعاع , اذا نظر الى الجيش انهزم .و قـال محمد بن اسحق , عن وهب بن منبه : ((السكينة )) راس هرة ميتة , اذا صرخت في التابوت
بصراخ هر ايقنوا بالنصرو هذا من خرافات بني اسرائيل و اباطيلهم .و عـن وهـب بـن مـنـبـه ايضا قال : ((السكينة )) روح من اللّه تتكلم , اذا اختلفوا في شي تتكلم ,
فتخبرهم ببيان ما يريدون .و عـن ابـن عـبـاس : ((الـسـكـيـنة )) طست من ذهب , كانت تغسل فيه قلوب الانبيا, اعطاه اللّه
موسى (ع ).و الـحـق انه ليس في القرآن ما يدل على شي من ذلك , و لا فيما صح عن النبي (ص ) و انما هذه من
اخـبـار بني اسرائيل التي نقلها الينا مسلمة اهل الكتاب , و حملها عنهما بعض الصحابة و التابعين , و
مرجعها الى وهب بن منبه , و كعب الاحبار,و امثالهما.قال ابوشهبة : و الذي ينبغي ان تفسر به ((السكينة )) ان المراد بها الطمانينة , و السكون الذي يحل
بالقلب , عند تقويم التابوت امام الجيش فهي من اسباب السكون , و الطمانينة , و بذلك تقوى نفوسهم , و
تـشـتـد مـعـنـوياتهم , فيكون ذلك من اسباب النصر فهو مثل قوله تعالى : (فانزل اللّه سكينته عليه
) ((316)) , اي طمانينته , و ما ثبت به قلبه , و مثل قوله تعالى : (هو الذي انزل السكينة في قلوب
الـمـؤمـنـين ليزدادوا ايمانا مع ايمانهم ) ((317)) , و قوله : (فانزل اللّه سكينته على رسوله و
عـلى المؤمنين و الزمهم كلمة التقوى و كانوا احق بها و اهلها ) ((318)) فالمراد ب((السكينة ))
طمانينة القلوب , و ثبات النفوس .
5ـ الاسرائيليات في قصة قتل داود جالوت
و من الاسرائيليات ما يذكره المفسرون في قصة قتل داود ـ و هو جندي صغير في جيش طالوت ـ جـالوت الملك الجبار,و ذلك عند تفسير قوله تعالى : (فهزموهم باذن اللّه و قتل داود جالوت وآتـاه اللّه الـملك و الحكمة و علمه مما يش و لولا دفع اللّه الناس بعضهم ببعض لفسدت الا رض و
لكن اللّه ذوفضل على العالمين ) ((319)) .فـقد ذكر الثعلبي , و البغوي , و الخازن , و صاحب ((الدر المنثور)), و غيرهم , في تفاسيرهم , ما
خلاصته : انه عبر النهر فيمن عبر مع طالوت ـ ملك بني اسرائيل ـ ايشا : ابوداود, في ثلاثة عشر
ابـنـا لـه , و كـان داود اصغرهم , و كان يرمي بالقذافة ((320)) فلايخطئ , و انه ذكر لابيه امر
قذافته تلك , و انه دخل بين الجبال , فوجد اسدا فاخذ باذنيه , فلم يهجه , و انه مشى بين الجبال ,فسبح ,
فمابقي جبل حتى سبح معه , فقال له ابوه : ابشر فان هذا خير اعطاك اللّه تعالى اياه .فـارسـل جالوت الى طالوت ان ابرز الى , او ابرز الى من يقاتلني , فان قتلني فلكم ملكي , و ان قتلته
فلي ملككم فشق ذلك على طالوت , فنادى في عسكره : من قتل جالوت زوجته ابنتي , و ناصفته ملكي
فهاب الناس جالوت , فلم يجبه احد.فـسـال طالوت نبيهم ان يدعو اللّه تعالى , فدعا اللّه في ذلك , فاتى بقرن فيه دهن القدس , و تنور من
حديد, فقيل : ان صاحبكم الذي يقتل جالوت هو الذي يوضع هذا القرن على راسه , فيغلي الدهن حتى
يـدهـن مـنـه راسه , و لايسيل على وجهه ,بل يكون على راسه كالاكليل ((321)) , و يدخل هذا
التنور فيملؤه , و لايتقلقل فيه .فـدعـا طـالـوت بـنـي اسرائيل , فجربهم , فلم يوافقه منهم احد, فاوحى اللّه الى نبيهم : ان في ولد
((ايـشا)) من يقتل اللّه به جالوت فدعا طالوت ايشا, فقال : اعرض هذا على بنيك , فاخرج له اثني
عـشر رجلا امثال السواري ((322)) , فجعل يعرضهم على القرن ,فلايرى شيئا, فقال لايشا : هل
بقي لك ولد غيرهم ؟ فقال : لا, فقال نبي هذا الزمان : يا رب انه زعم ان لا ولد له غيرهم , فقال اللّه :
كذب , فقال هذا النبي لايشا : ان اللّه كذبك فـقال ايشا : صدق اللّه , يا نبي اللّه , ان لي ابنا صغيرا, يقال له : داود, استحييت ان يراه الناس لقصر
قـامـتـه وحقارته , فخلفته في الغنم يرعاها, و هو فى شعب كذا و كذا و كان داود رجلا قصيرا,
مـسـقاما, مصفارا, ازرق , امعر ((323)) , فدعاه طالوت , و يقال :بل خرج اليه , فوجد الوادي قد
سال بينه و بين الزريبة التي كان يريح اليها, فوجده يحمل شاتين يجيز بهما السيل , و لايخوض بهما
الـما, فلما رآه قال : هذا هو لا شك فيه , هذا يرحم البهائم , فهو بالناس ارحم فدعاه , و وضع القرن
عـلـى راسـه ,ففاض ـ يعني من غير ان يسيل على وجهه ـ فقال طالوت : هل لك ان تقتل جالوت , و
ازوجـك ابـنـتي , و اجري خاتمك في ملكي ؟, قال : نعم , قال : و هل آنست من نفسك شيئا تتقوى به
على قتله ؟ قال : نعم , و ذكر بعض ذلك .فاخذ طالوت داود, و رده الى عسكره و في الطريق مر داود بحجر, فناداه يا داود احملني , فاني
حجر هارون الذي قتل بي ملك كذا, فحمله في مخلاته , ثم مربخر, فناداه قائلا : انه حجر موسى
الذي قتل به ملك كذا, فاخذه في مخلاته , ثم مر بحجرثالث , فناداه قائلا له : احملني , فاني حجرك
الذي تقتل بي جالوت , فوضعه في مخلاته .فلما تصافوا للقتال , و برز جالوت , و سال المبارزة , انتدب له داود, فاعطاه طالوت فرسا, و درعا,
و سـلاحا, فلبس السلاح , و ركب الفرس , و سار قريبا, ثم لم يلبث ان نزع ذلك , و قال لطالوت : ان
لـم ينصرني اللّه لم يغن عني هذا السلاح شيئا قال : نعم .فاخذ داود مخلاته , فتقلدها, و اخذ المقلاع , و مضى نحو جالوت و كان جالوت من اشد الرجال , و
اقواهم , و كان يهزم الجيش وحده , و كان له بيضة فيها ثلاثمائة رطل حديد ((324)) , فلما نظر
الى داود القى اللّه في قلبه الرعب و بعد مقاولة بينهما,و توعد كل منهما الاخر اخرج داود حجرا
مـن مـخـلاتـه , و وضـعه في مقلاعه , و قال : باسم اله ابراهيم , ثم اخرج الاخر و قال :باسم اله
اسـحـاق , و وضـعـه فـي مقلاعه , ثم اخرج الثالث و قال : باسم اله يعقوب , و وضعه في مقلاعه ,
فـصـارت كـلـها حجراواحدا و دور داود المقلاع , و رمى به , فسخر له اللّه الريح , حتى اصاب
الحجر انف البيضة , فخلص الى دماغه , و خرج من قفاه , و قتل من ورائه ثلاثين رجلا, و هزم اللّه
تـعـالـى الجيش , و خر جالوت قتيلا فاخذه يجره , حتى القاه بين يدي طالوت , ففرح جيش طالوت
فرحا شديدا, و انصرفوا الى مدينتهم سالمين , و الناس يذكرون بالخير داود.فـجا داود طالوت , و قال له : انجز لي ما وعدتني , فقال : و اين الصداق ؟ فقال له داود : ما شرطت
عـلـى صـداقـا غـيـر قتل جالوت , ثم اقترح عليه طالوت ان يقتل مئتي رجل من اعدائهم , و ياتيه
بـغـلفهم ((325)) , ففعل , فزوجه طالوت ابنته , و اجرى خاتمه في ملكه فمال الناس الى داود, و
احـبـوه , و اكـثـروا ذكره , فحسده طالوت , و عزم على قتله فاخبر ابنة طالوت رجل من اتباعه ,
فـحذرت داود, و اخبرته بما عزم ابوها عليه و بعد مغامرة من طالوت لقتل داود, و مكيدة و حيلة
من داود, انجى اللّه داود منه فلما اصبح الصباح , و تيقن طالوت ان داود لم يقتل , خاف منه , و توجس
خيفة , و احتاط لنفسه , و لكن اللّه امكن داود منه ثلاث مرات , و لكن لم يقتله ثم كان ان فر داود من
طـالـوت فـي الـبـرية , فرآه طالوت ذات يوم فيها, فاراد قتله , و لكن داوددخل غارا, و امر اللّه
العنكبوت , فنسجت عليه من خيوطها, و بذلك نجا من طالوت , و لجا الى الجبل , و تعبد مع المتعبدين .