بـذلـك , فـكـان يـاتي اصحاب الخير و الغنى , فيقول :اطردوا هذه المراة التي تغشاكم , فانها تعالج
صـاحـبـهـا, و تلمسه بيدها, فالناس يتقذرون طعامكم من اجلها, فجعلوا لايدنونهامنهم , و يقولون :
تباعدي و نحن نطعمك , و لاتقربينا.و قد ذكر ابن جرير, و ابن ابي حاتم الكثير من هذه الروايات في تفسيريهما, منها : ما هو موقوف ,
و بعضها مرفوع الى النبي (ص ), و كذلك ذكر ابن جرير, و البغوي , و غيرهما, عند تفسير قوله
تـعـالى : (و ايوب اذ نادى ربه اني مسني الضرو انت ارحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به من
ضـر و آتـيـنـاه اهـلـه و مـثـلهم معهم رحمة من عندنا و ذكرى للعابدين ) ((589)) الكثير من
الاسرائيليات .فقد رويا قصة ايوب و بلائه عن وهب بن منبه , في بضع صحائف , و قد التبس فيها الحق بالباطل , و
الصدق بالكذب ((590)) .و قال ابن كثير في تفسيره عند هذه الاية : ((و قد روي عن وهب بن منبه في خبره ـ يعني ايوب
ـ قـصـة طـويـلة , ساقها ابن جرير, و ابن ابي حاتم بالسند عنه , و ذكرها غير واحد من متاخري
المفسرين , و فيها غرابة , تركناها لحال الطول .و مـن الـعـجـيب ان الحافظ ابن كثير وقع فيما وقع فيه غيره في قصة ايوب , من ذكر الكثير من
الاسـرائيـلـيات و لم يعقب عليه ((591)) , مع ان عهدنا به انه لايذكر شيئا من ذلك الا و ينبه على
مصدره , و من اين دخل في الرواية الاسلامية , و لااظن انه يرى في هذا انه مما تباح روايته فـقـد ذكر انه يقال : انه اصيب بالجذام في سائر بدنه , و لم يبق منه سليم سوى قلبه و لسانه , يذكر
بـهـمـا اللّه حتى عافه الجليس , و صار منبوذا في ناحية من البلد, و لم يبق احد من الناس يحنو عليه
غـيـر زوجـته , و تحملت في بلائه ما تحملت ,حتى صارت تخدم الناس , بل قد باعت شعرها بسبب
ذلـك , ثـم قـال : و قد روي , انه مكث في البلا مدة طويلة , ثم اختلفوا في السبب المهيج له على هذا
الدعا, فقال الحسن ـ يعني البصري ـ و قتادة : ابتلي ايوب (ع ) سبع سنين و اشهرا, ملقى على كناسة
بـني اسرائيل , تختلف الدواب في جسده , ففرج اللّه عنه , و اعظم له الاجر, و احسن عليه الثنا و
قـال وهب بن منبه :مكث في البلا ثلاث سنين , لايزيد و لاينقص و قال السدي : تساقط لحم ايوب ,
حتى لم يبق الا العصب و العظام ثم ذكر قصة طويلة .ثم ذكر ما رواه ابن ابي حاتم بسنده , عن الزهري , عن انس بن مالك : ان النبى (ص ) قال :.((ان نـبـي اللّه ايـوب لـبـث به بلاؤه ثماني عشرة سنة , فرفضه القريب و البعيد, الا رجلين من
اخوانه , كانا من اخص اخوانه له ,كانا يغدوان اليه و يروحان , فقال احدهما لصاحبه : تعلم ـ واللّه ـ
لـقد اذنب ايوب ذنبا مااذنبه احد من العالمين , فقال له صاحبه : و ما ذاك ؟ قال : منذ ثماني عشرة سنة
لـم يـرحـمـه اللّه , فيكشف ما به فلما راحا اليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له ,فقال ايوب (ع ) :
مـاادري ما تقول , غير ان اللّه يعلم اني كنت امر على الرجلين يتنازعان , فيذكران اللّه , فارجع الى
بـيـتـي , فاكفرعنهما كراهية ان يذكرا اللّه الا في حق قال : و كان يخرج في حاجته , فاذا قضاها
امـسكت امراته بيده , حتى يبلغ , فلما كان ذات يوم ابطات عليه , فاوحى اللّه الى ايوب في مكانه : ان
اركض برجلك هذا مغتسل بارد و شراب )).و قال ابن كثير : رفع هذا الحديث غريب جدا ((592)) , و قال الحافظ ابن حجر : و اصح ما ورد
فـي قـصته ما اخرجه ابن ابي حاتم و ابن جرير, و صححه ابن حبان و الحاكم , بسند عن انس : ان
ايوب ثم ذكر مثل ذلك .و الـمـحـقـقـون من العلما على ان نسبة هذا الى المعصوم (ص ) اما من عمل بعض الوضاعين الذين
يـركـبـون الاسـانـيـد للمتون ,او من غلط بعض الرواة , و ان ذلك من اسرائيليات بني اسرائيل و
افـتـرااتهم على الانبيا على ان صحة السند في مصطلحهم لاتنافي ان اصله من الاسرائيليات , و ابن
حجر على مكانته في الحديث ربما يوافق على تصحيح ما يخالف الادلة العقلية و النقلية , كما فعل في
قصة الغرانيق , و هاروت و ماروت , و كل ما روي موقوفا او مرفوعا لايخرج عما ذكره وهب بن
منبه , في قصة ايوب , التي اشرنا اليها آنفا, و ما روي عن ابن اسحاق ايضا, فهو مما اخذ عن وهب , و
غيره .و هذا يدل اعظم الدلالة على ان معظم ما روي في قصة ايوب مما اخذ عن اهل الكتاب الذين اسلموا,
و جا القصاصون المولعون بالغرائب , فزادوا في قصة ايوب , و اذاعوها, حتى اتخذ منها الشحاذون ,
و المتسولون وسيلة لاسترقاق قلوب الناس ,و استدرار العطف عليهم .
الحق في هذه القصة
و قـد دل كـتـاب اللّه الصادق , على لسان نبيه محمد الصادق , على ان اللّه تبارك و تعالى ابتلى نبيه ايـوب (ع ) في جسده ,و اهله , و ماله , و انه صبر حتى صار مضرب الامثال في ذلك , و قد اثنى اللّهعليه هذا الثنا المستطاب , قال عز شانه : (اناوجدناه صابرا نعم العبد انه اواب ), فالبلا مما لايجوز
ان يـشـك فـيـه ابدا, و الواجب على المسلم ان يقف عند كتاب اللّه ,و لايتزيد في القصة كما تزيد
زنـادقـة اهـل الـكـتـاب , و الـصـقـوا بـالانبيا ما لايليق بهم , و ليس هذا بعجيب من بني اسرائيل
الـذيـن لم يتجراوا على انبيا اللّه و رسله فحسب , بل تجراوا على اللّه تبارك و تعالى و نالوا منه , و
فـحشوا عليه , و نسبوا اليه ما قامت الادلة العقلية و النقلية المتواترة على استحالته عليه سبحانه و
تـعالى من قولهم : (ان اللّه فقير و نحن اغني) ((593)) , و قولهم :(يد اللّه مغلولة غلت ايديهم و
لعنوا بما قالوا) ((594)) , عليهم لعنة اللّه .و الـذي يـجـب ان نـعـتـقـده انـه ابـتلي , و لكن بلاه لم يصل الى حد هذه الاكاذيب , من انه اصيب
بالجذام ((595)) , و ان جسمه اصبح قرحة , و انه القي على كناسة بني اسرائيل , يرعى في جسده
الدود, و تعبث به دواب بني اسرائيل , او انه اصيب بمرض الجدري .و ايـوب (ع ) اكـرم على اللّه من ان يلقى على مزبلة , و ان يصاب بمرض ينفر الناس من دعوته , و
يـقـززهـم منه , و اي فائدة تحصل من الرسالة , و هو على هذه الحال المزرية , التي لايرضاها اللّه
لانبيائه و رسله ؟.((596)) بدل ان
قومهم , فاين كانت عشيرته فتواريه , و تطعمه ؟ تخدم امراته الناس , بل و تبيع ضفيرتيها في سبيل اطعامه بل اين كان اتباعه , و المؤمنون منه , فهل تخلوا عنه في بلائه ؟ الـحق ان نسج القصة مهلهل , لايثبت امام النقد, و لايؤيده عقل سليم , و لا نقل صحيح , و ان ما اصيب
بـه ايـوب مـن المرض انما كان من النوع غير المنفر, و المقزز, و انه من الامراض التي لايظهر
اثرها على البشرة , كالروماتيزم , و امراض المفاصل , و العظام و نحوها و يؤيد ذلك ان اللّه لما امره
ان يضرب الارض بقدمه , فضرب فنبعت عين , فاغتسل منها و شرب ,فبرا باذن اللّه .قال العلا مة الطبرسي : قال اهل اتحقيق : انه لايجوز ان يكون بصفة يستقذره الناس عليها, لان في
ذلك تنفيرا فاما المرض والفقر و ذهاب الاهل , فيجوز ان يمتحنه اللّه بذلك ((597)) .
32ـ الاسرائيليات في قصة (ارم ذات العماد)
و مـن الاسرائيليات ما يذكره بعض المفسرين كالطبري , و الثعلبي , و الزمخشري , و غيرهم في تـفـسـيـر قـولـه تـعـالـى : (الم تركيف فعل ربك بعاد ارم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد) ((598)) .فـقـد زعموا ان ((ارم )) مدينة , و ذكروا في بنائها و زخارفها ما هو من قبيل الخيال , و رووا في
ذلك انه كان لعاد ابنان : شداد,شديد, فملكا و قهرا, ثم مات شديد و خلص الامر لشداد فملك الدنيا,
فـسمع بذكر الجنة , فقال : ابني مثلها, فبنى ((ارم )) في بعض صحاري عدن , في ثلاثمائة سنة , و
كـان عـمـره تـسـعـمائة سنة , و هي مدينة عظيمة , و سورها من الذهب و الفضة ,و اساطينها من
الـزبرجد و الياقوت و لما تم بناؤها سار اليها باهب ((599)) مملكته , فلما كان منها مسيرة يوم و
ليلة بعث اللّه تعالى صيحة من السما, فهلكوا.و روى وهـب بـن منبه عن عبداللّه بن قلابة : انه خرج في طلب ابل له , فوقع عليها ـ يعني مدينة
((ارم )) ـ, فحمل منها ما قدرعليه , و بلغ خبره معاوية , فاستحضره , و قص عليه , فبعث الى كعب
الاحـبـار, فـسـاله عنها فقال : هي ارم ذات العماد,و سيدخلها رجل من المسلمين في زمانه احمر,
اشقر, قصير, على حاجبه خال , ثم التفت , فابصر ابن قلابة , فقال : هذا و اللّه ذاك الرجل ((600))
.و هذه القصة موضوعة , كما نبه الى ذلك الحفاظ, و آثار الوضع لائحة عليه , و كذلك ما روي : ان
((ارم )) مـدينة دمشق ,و قيل : مدينة الاسكندرية قال السيوطي في ((الدر المنثور)) : و اخرج
عـبد بن حميد, و ابن ابي حاتم , عن عكرمة , قال : ((ارم ))هى دمشق , و اخرج ابن جرير, و عبد
بن حميد, و ابن عساكر عن سعيد المقبري مثله , و اخرج ابن عساكر, عن سعيد بن المسيب , مثله ,
قـال : و اخـرج ابـن جـريـر, و ابـن الـمـنـذر, عن محمد بن كعب القرظي , قال : ((ارم )) هي
الاسكندرية ((601)) .و كل ذلك من خرافات بني اسرائيل , و من وضع زنادقتهم , ثم رواها مسلمة اهل الكتاب فيما رووا,
و حملها عنهم بعض الصحابة و التابعين , و الصقت بتفسير القرآن الكريم .قـال ابـن كـثير في تفسيره : و من زعم ان المراد بقوله : (ارم ذات العماد) : مدينة اما دمشق , او
اسـكـندرية , او غيرهما,ففيه نظر, فانه كيف يلتئم الكلام على هذا (الم تر كيف فعل ربك بعاد ارم
ذات العماد) ان جعل بدلا او عطف بيان ؟ ((602)) ,فانه لايتسق الكلام حينئذ, ثم المراد : انما هو
الاخـبـار عـن اهـلاك الـقبيلة المسماة بعاد, و مااحل اللّه بهم من باسه الذي لايرد, لاان المراد :
الاخـبـار عن مدينة او اقليم , و انما نبهت على ذلك لئلايغتر بكثير مما ذكره جماعة من المفسرين
عن هذه الاية , من ذكر مدينة يقال لها : ارم ذات العماد, مبنية بلبن الذهب و الفضة , و ان حصباها لالئ
و جـواهر, و ترابها بنادق المسك فان هذاكله من خرافات الاسرائيليين , من وضع بعض زنادقتهم ,
لـيـختبروا بذلك القول الجهلة من الناس ان تصدقهم في جميع ذلك و قال فيما روي عن ابن قلابة :
فهذه الحكاية ليس يصح اسنادها, و لو صح الى ذلك الاعرابي فقد يكون اختلق ذلك , او اصابه نوع من
الهوس , و الخيال , فاعتقد ان ذلك له حقيقة في الخارج , و هذا ما يقطع بعدم صحته ((603)) و هذا
قـريـب مما يخبر به كثير من الجهلة , و الطامعين , و المتحيلين من وجود مطالب تحت الارض فيها
قـنـاطـير الذهب و الفضة , فيحتالون على اموال الاغنيا و الضعفة , و السفها, فياكلونها بالباطل , في
صرفها في بخاخير, و عقاقير, و نحو ذلك من الهذيانات , و يطنزون بهم .و الـصـحـيـح في تفسير الاية , ان المراد (بعاد, ارم ذات العماد) قبيلة عاد المشهورة , التي كانت
تسكن الاحقاف , شمالي حضرموت , و هي عاد الاولى , التي ذكرها اللّه سبحانه في سورة النجم , قال
سـبـحـانه : (و انه اهلك عادا الا ولى ), و يقال لمن بعدهم : عاد الاخرة , و هم ولد عاد بن ارم بن
عـوص , بـن سـام , بـن نـوح قـاله ابن اسحاق و غيره , و هم الذين بعث فيهم رسول اللّه هودا(ع )
فـكـذبـوه , و خـالفوه , فانجاه اللّه من بين اظهرهم , و من آمن معه منهم , و اهلكهم (بريح صرصر
عـاتـيـة , سـخرهاعليهم سبع ليال و ثمانية ايام حسوما فترى القوم فيها صرعى كانهم اعجاز نخل
خاوية فهل ترى لهم من باقية ؟) ((604)) .و قـد ذكـر اللّه قـصتهم في القرآن في غير ما موضع , ليعتبر بمصرعهم المؤمنون , فقوله تعالى :
(ارم ذات الـعماد), بدل من ((عاد)) او عطف بيان زيادة تعريف بهم , و قوله تعالى : (ذات العماد),
لانهم كانوا في زمانهم اشد الناس خلقة , و اعظمهم اجساما, و اقواهم بطشا و قيل : ذات الابنية التي
بـنـوهـا, و الـدور, و الـمصانع التي شادوها و قيل : لانهم كانوا يسكنون بيوت الشعر التي ترفع
بـالاعمدة الغلاظ الشدادو الاول اصح و اولى , فقد ذكرهم نبيهم هود بهذه النعمة , و ارشدهم الى
ان يستعملوها في طاعة اللّه ـ تبارك و تعالى ـ الذي خلقهم و منحهم هذه القوة , فقال : (و اذكروا اذ
جعلكم خلف من بعد قوم نوح و زادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلا اللّه لعلكم تفلحون ) ((605)) ,
و قال تعالى : (فاما عاد فاستكبروا في الا رض بغيرالحق و قالوا من اشد منا قوة او لم يروا ان اللّه
الـذي خـلقهم هو اشدمنهم قوة ) ((606)) , و قوله هنا : (التي لم يخلق مثلها في البلا د) اي القبيلة
الـمـعـروفـة الـمـشهورة التي لم يخلق مثلها في بلادهم , و في زمانهم , لقوتهم , و شدتهم , و عظم
تركيبهم .و مـهما يكن من تفسير ذات العماد : فالمراد القبيلة , و ليس المراد مدينة , فالحديث في السورة انما
هـو عـمـن مـضـى مـن الاقوام الذين مكن اللّه لهم في الارض , و لما لم يشكروا نعم اللّه عليهم , و
لم يؤمنوا به و برسله , بطش بهم , و اخذهم اخذ عزيزمقتدر ففيه تخويف لكفار مكة , الذين هم دون
هؤلا في كل شي , و تحذيرهم ان يصيبهم مثل ما اصاب هؤلا.
ما روي في عظم طولهم
و لـيس معنى قوتهم , و عظم خلقهم , و شدة بطشهم انهم خارجون عن المالوف في الفطرة , فمن ثم لانـكـاد نـصدق ما روي في عظم اجسامهم , و خروج طولهم عن المالوف المعروف , حتى في هذهالازمـنة , فقد روى ابن جرير في تفسيره , و ابن ابي حاتم و غيرهما عن قتادة , قال : كنا نحدث ان
((ارم )) قبيلة من عاد, كان يقال لهم : ذات العماد, كانوا اهل عمود, (التي لم يخلق مثلها في البلا د),
قـال : ذكر لنا انهم كانوا اثني عشر ذراعا ((607)) طولا في السما, و هذا من جنس ما روي في
العماليق و اغلب الظن عندنا ان من ذكر لهم ذلك هم اهل الكتاب الذين اسلموا, و انه من الاسرائيليات
المختلقة .و ايضا لانكاد نصدق , ما روي عن المعصوم (ص ) في هذا, فقد روى ابن ابي حاتم , قال : حدثنا ابي ,
قال : حدثنا ابوصالح كاتب الليث , قال : حدثني معاوية ابن صالح , عمن حدثه , عن المقدام بن معديكرب ,
عـن الـنبي (ص ) : انه ذكر (ارم ذات العماد) فقال : ((كان الرجل منهم ياتي الى الصخرة , فيحملها
عـلـى كـاهـلـه , فـيلقيها على اي حي اراد فيهلكهم )) ((608)) و لعل البلا, و الاختلاق فيه من
المجهول , و روى مثله ابن مردويه ((609)) .و اخزى اللّه من نسب مثل هذا الباطل الى النبي (ص ), و لانشك ان هذا من عمل زنادقة اهل الكتاب
و غيرهم , الذين عجزوا ان يقاوموا سلطان الاسلام , فسلكوا في محاربته مسلك الدس , و الاختلاق ,
بـنـسـبة امثال هذه الخرافات الى المعصوم (ص ), و انا لنعجب لمسلم يقبل امثال هذه المرويات التي
تـزري بالاسلام , و تنفر منه , و لاسيما في هذا العصر الذي تقدمت فيه العلوم , و المعارف , و اصبح
ذكر مثل هذا يثير السخرية , و الاستنكار و الاستهزا.الاسـرائيـلـيات و الخرافات فيما يتعلق بعمر الدنيا و بد الخلق , و اسرار الوجود, و تعليل بعض
الظواهر الكونية .و من الاسرائيليات و الموضوعات التي اشتملت عليها كتب التفسير و غيرها كثير مما يتعلق بعمر
الـدنـيـا و بـد الخلق ,و اسرار الوجود, و اسباب الكائنات , و تعليل بعض الظواهر الكونية تعليلا
بـاطـلا غـيـر صـحيح , و قد جا معظمه موقوفا على الصحابة و التابعين , و جا بعضه مرفوعا الى
الـنـبي (ص ), و هنا تكون الطامة , لان هذه الروايات متهافتة باطلة , فنسبتها الى المعصوم (ص ) من
الخطورة بمكان .و كـان هـؤلا الذين وضعوها و الصقوها بالنبي (ص ) زورا, كانوا يدركون ببعد نظرهم انه سياتي
اليوم الذي تتكشف فيه الحقائق العلمية لهذه الامور الكونية , و معرفة التعليلات الصحيحة لسنن اللّه
فـي الـكـون , فـنـسبوا اليه هذه الخرافات , كي يشككوافي عصمة النبي (ص ), و انه ما ينطق عن
الـهوى , و يقللوا الثقة بالانبيا, و هم قوم من الزنادقة الذين جمعوا بين الزندقة ,و العلم , و المعرفة
بـبـعـض الـظواهر, و العلوم الكونية , و هم اعظم الطوائف كيدا للاسلام , لخبث نياتهم , و احكام
كيدهم .و لاندري ماذا يكون موقف الداعي الى اللّه في المجتمعات العلمية , و البيئات المتحضرة اذا ووجه
بمثل هذه الروايات الباطلة التي تغض من شان الاسلام , و هو منها برا؟.و لـو ان هذه المرويات صحت اسانيدها لربما كان للمتمسكين بها, و المنتصرين لها بعض المعذرة ,
اما و هي ضعيفة اسانيدها, واهية مخارجها, فالواجب ردها و لا كرامة نعم , ان معظم هذه المرويات
فـي الامـور الـكـونـيـة تخالف مخالفة ظاهرة ,المقررات و الحقائق العلمية التي اصبحت في حكم
البديهيات و المسلمات ككروية الارض , و دورانها, و سبب حدوث الخسوف و الكسوف و نحوها,
و الانـتـصـار لهذه المرويات التي تصادم الحقائق العلمية الثابتة , مما يعود على الاسلام بالضررو
الـنقص , و ينفر منه المفكرون و ذووالعلم , و المعرفة , بل هي اضر على الاسلام من طعن اعدائه
فيه .
ما يتعلق بعمر الدنيا
فـقـد ذكروا في عمر الدنيا انه سبعة آلاف سنة , و ان النبي محمدا(ص ), بعث في آخر السادسة , فـقـد ورد ذلـك مـرفـوعـا الـى الـنـبـي (ص ), و حـكـم عـلـيه ابن الجوزي بالوضع في كتابه((الموضوعات )), و احر به ان يكون مختلقا مكذوبا على رسول اللّه (ص ).و كـذلك جا بعض هذه الاخبار موقوفا على ابن عباس )) ورد ذكر ذلك في كتب التفسير, و بعض
كتب الحديث , و كتب التواريخ و نحوها, و قد قال السيوطي : انها صحيحة و لاندري ماذا يقول المنتصرون لمثل هذه الاباطيل , فيما هو ثابت من ان عمر الدنيا اضعاف اضعاف
ذلـك , حتى اصبح ذلك من البديهيات المسلمات , و ان التمسك بمثل هذه الروايات اضر على الدين من
طعن اعدائه .و لو ان النبي (ص ) بعث ـ كما يقولون ـ في آخر المائة السادسة , لقامت القيامة من زمن مضى , فظهر
ان الواقع و المشاهدة يكذبان ذلك ايضا, و يردانه .
ما يتعلق بخلق الشمس و القمر
و مـن ذلـك ايـضـا : مـا ذكـره ابن جرير, و ابن ابي حاتم , و ابن مردويه و الثعلبي , و غيرهم من الـمـفـسرين , عند تفسير قوله تعالى : (و جعلنا الليل و النهار آيتين فمحونا آية الليل و جعلنا آيةالـنـهـار مـبـصـرة لـتـبـتغوا فضلا من ربكم و لتعلموا عددالسنين و الحساب و كل شي فصلناه
تفصيلا) ((610)) .فـقد رووا عن ابن عباس انه قال : سمعت رسول اللّه (ص ) يقول : ((ان اللّه لما ابرم خلقه , فلم يبق
مـن خـلقه غير آدم (ع ), خلق شمسا من نور عرشه , فاما ما كان في سابق علم اللّه ان يدعها شمسا,
فـانـه خـلقها مثل الدنيا, ما بين مشارقها و مغاربها, و اما ماكان في سابق علمه ان يطمسها و يحولها
قـمـرا, فانه خلقها مثل الشمس في الضؤ, و انما يرى الناس صغرهما لشدة ارتفاعهما,و لو تركهما
اللّه كـمـا خلقهما في بد الامر لم يعرف الليل من النهار, و لا النهار من الليل , و لكان الاجير ليس له
وقت يستريح فيه ,و لكان الصائم لايدري الى متى يصوم , و متى يفطر, الى ان قال : فارسل جبريل ,
فـامـر جناحه على وجه القمر ثلاث مرات ,و هو يومئذ شمس فمحا عنه الضؤ, و بقي فيه النور,
فـذلـك قـولـه تـعالى : (و جعلنا الليل و النهار آيتين ) فالسواد الذي ترونه في القمر هو اثر ذلك
المحو)).و كذلك روى هذا الباطل ابن ابي حاتم , و ابن مردويه , و سنده واه , لان فيه نوح بن ابي مريم , و هو
وضـاع دجـال , و قـدحـكـم عـلـيـه ابـن الـجوزي بالوضع و الاختلاق ((611)) , و منشؤه من
الاسرائيليات التي الصقت بالنبي زورا, و فيه من الركاكة اللفظية ,و المعنوية ما يشهد بوضعه على
النبي , و ليس عليه شي من نور النبوة .و مـاكان رسول اللّه (ص ) يتعرض للكونيات بهذا التفصيل , و لما سئل عن الهلال لم يبدو صغيرا ثم
يـكبر, حتى يصير بدرا,ثم يصغر؟, اجاب بالفائدة , فقال : (هي مواقيت للناس و الحج ) لان بالاهلة
تـعـرف السنون , و الشهور, و عليها تتوقف مصالح الناس الدينية و الدنيوية , فبها يعرفون حجهم , و
صـومـهم , و اخراج زكاتهم , و حلول آجال ديونهم و نحوها, و ليس من الحكمة التعرض لمثل هذه
الـكـونـيـات بالتفصيل , فتركها لعقول الناس , و ادراكاتهم اولى , و لاسيما انه لايتوقف على معرفة
الامـة لمثل هذه الامور فائدة دينية , و القرآن و السنة النبوية حينما يعرضان للحديث عن الكونيات
يـكـون غـرضـهـما انتزاع العبرة ,و الاستدلال بما اودع فيهما على وجود اللّه ـ جل و علاـ, و
وحـدانيته , و قدرته , و علمه , و سائر صفاته , و لذلك لانقف فيماصح و ثبت من الاحاديث على مثل
هذه التفصيلات التي نجدها في الاثار الضعيفة , و الاسرائيليات الباطلة .
ما يتعلق بتعليل بعض الظواهر الكونية
و مـن ذلك ما يذكره بعض المفسرين , و ما يوجد في بعض كتب الحديث في غروب الشمس , و انها اذا غـربـت ابـتـلعهاحوت , و ما يتعلق بالسماوات , و الاجرام السماوية , و من اي الجواهر هي , والارض و علام استقرت , و انها على ظهر حوت ,و ما يذكرونه في تعليل برودة الابار في الصيف ,
و سـخـونتها في الشتا, و عن منشا الرعد و البرق , و عن منشا السحاب , الى نحو ذلك مما لانصدق
وروده عـن الـمـعـصـوم (ص ) و ما ورد منه موقوفا, فمرجعه الى الاسرائيليات الباطلة , او الى
الزنادقة الذين ارادوا ان يظهروا الاسلام بمظهر الدين الخرافي الذي ينافي العلم , و السنن الكونية .فـقـد روي عن ابي امامة الباهلي : ان رسول اللّه (ص ) قال : ((وكل بالشمس تسعة املاك , يرمونها
بالثلج كل يوم , لولا ذلك مااتت على شي الا احرقته )) رواه الطبراني .و من احد رواته عقير بن معدان , و هو ضعيف جدا, و لو ان الحديث صحيح السند, او ثابت , لتمحلنا,
و قلنا : انه من قبيل التمثيل , اما و هو بهذا الضعف فلتلق به دبر آذاننا.و عـن ابن عمر, قال : ((سئل النبي (ص ) فقيل : ارايت الارض على ما هي ؟ قال : ((الارض على
الما)) قيل : الما على ماهو؟ قال : ((على صخرة )) فقيل : الصخرة على ما هي ؟ قال : ((هي على
ظهر حوت يلتقي طرفاه بالعرش )) الهوا)) رواه البزار عن شيخه عبداللّه بن احمد, يعني ابن شبيب , و هو ضعيف و عن الربيع بن انس
قـال : ((الـسـمـا الـدنـيا موج مكفوف , و الثانية : صخرة , و الثالثة : حديد, و الرابعة : نحاس , و
الـخامسة : فضة ,و السادسة : ذهب , و السابعة : ياقوت )) رواه الطبراني في ((الاوسط)) هكذا
مـوقـوفـا عـلـى الـربـيـع , و فـيه ابوجعفر الرازي , وثقه ابوحاتم و غيره , و ضعفه النسائي و
غيره ((612)) .و روى الطبراني في ((الاوسط)) بسنده , فقال : حدثنا محمد بن يعقوب الاهوازي الخطيب , قال :
حدثنا محمد بن عبدالرحمان بن عبدالصمد السلمي , قال : حدثنا ابوعمران الحراني , قال : حدثنا ابن
جـريج عن عطا, عن جابر بن عبداللّه ,ان خزيمة بن ثابت ـ و هو ليس بالانصاري المشهور ـ كان
فـي عـير لخديجة , و ان النبي (ص ) كان معه في تلك العير, فقال له : يامحمد, ارى فيك خصالا, و
اشـهـد انـك الـنـبـي الـذي يـخـرج من تهامة , و قد آمنت بك , فاذا سمعت بخروجك اتيتك فابطا
عن النبي (ص ), حتى كان يوم فتح مكة اتاه , فلما رآه قال : ((مرحبا بالمهاجر الاول )) و.ثم قال : يا رسول اللّه , اخبرني عن ضؤ النهار, و ظلمة الليل , و عن حر الما في الشتا, و عن برده
في الصيف , و عن البلد الامين , و عن منشا السحاب , و عن مخرج الجراد, و عن الرعد و البرق , و
عن ما للرجل من الولد, و ما للمراة ؟.فـقال رسول اللّه (ص ) : اما ظلمة الليل , و ضؤ النهار, فان الشمس اذا سقطت تحت الارض , فاظلم
الـلـيل لذلك , و اذا اضاالصبح , ابتدرها سبعون الف ملك , و هي تقاعس كراهية ان تعبد من دون اللّه ,
حتى تطلع , فتضي , فيطول الليل بطول مكثها,فيسخن الما لذلك و اذا كان الصيف , قل مكثها, فبرد الما
لـذلـك و امـا الـجـراد, فانه نثرة حوت في البحر, يقال له : ((الابوات )),و فيه يهلك و اما منشا
الـسـحـاب , فـانـه ينشا من قبل الخافقين , و من بين الخافقين تلجمه الصبا و الجنوب , و يستدبره
الـشمال و الدبور و اما الرعد, فانه ملك بيده مخراق ((613)) يدني القاصية , و يؤخر الدانية , فاذا
رفع برقت , و اذا زجر رعدت , و اذاضرب صعقت و اما ما للرجل من الولد, و ما للمراة , فان للرجل
العظام , و العروق , و العصب , و للمراة اللحم , و الدم ,و الشعر و اما البلد الامين , فمكة )).و قـال الـهـيـثـمـي في ((زوائده )) : رواه الطبراني في ((الاوسط)), و فيه يوسف بن يعقوب
ابوعمران , ذكر الذهبي هذا الحديث في ترجمته , و لم يذكر تضعيفه عن احد ((614)) .و الـحق ان الذهبي حكم ببطلان هذا الخبر, و قال : ان راويه عن يوسف بن يعقوب مجهول , و هو
مـحـمـد بـن عـبدالرحمان السلمي المذكور, و احر به ان يكون باطلا, و لقد صدق الامام الحافظ
ابوعبداللّه الذهبي , الذي ابان لنا قيمة هذه المرويات الباطلة , منذ بضعة قرون .و الـيك ما قاله الذهبي بنصه , قال يوسف بن يعقوب ابوعمران عن ابن جريج , بخبر باطل طويل , و
عـنه انسان مجهول و اسمه عبدالرحمان السلمي , قال الطبراني : حدثنا محمد بن يعقوب الاهوازى
الخطيب .ثم ذكر الاسناد الذي ذكرته آنفا, و بعض المتن الا انه قال : ((ان خزيمة بن ثابت الانصارى )), و
قال : ذكره ابوموسى في الطوالات , و روى بعضه عبدان الاهوازي , عن السلمي هذا ((615)) .فـكـيـف يقول الهيثمي : ذكر الذهبي هذا الحديث في ترجمته , و لم ينقل تضعيفه عن احد؟ واللّه ـ الـعـجـب الميزان )) ((616)) , فقد ذكر ما ذكره الذهبي , غير انه قال , عن جابر بن عبداللّه : ان خزيمة بن
ثابت ـ و ليس بالانصاري ـ , كان في عير لخديجة , و ذكر القصة السابقة .و مـا ذكـره الـحـافظ ابن حجر في ((لسان الميزان )) من انه ليس بالانصاري هو الصحيح , فهو
خزيمة بن حكيم السلمي , و يقال له : ابن ثابت ايضا, كان صهر خديجة ام المؤمنين , فهو غير خزيمة
بن ثابت الانصاري , المشهور بانه ذوالشهادتين قطعا ((617)) .و مما يروى في مثل هذا, ما روي عن صباح بن اشرس , قال : ((سئل ابن عباس عن المد و الجزر,
فـقـال : ان ملكا موكلابناموس البحر, فاذا وضع رجله فاضت , و اذا رفعها غاضت )), قال الهيثمي :
رواه احمد, و فيه من لم اعرفه , اقول : و البلاغالبا, انما يكون من المجاهيل .و عـن معاذ بن جبل , عن النبي (ص ) قال : ((المجرة التي في السما هي عرق حية تحت العرش )),
رواه الـطبراني في ((المعجم الكبير)) و ((الاوسط)), و قال : لايروى عن النبي (ص ) الا بهذا
الاسـناد, و فيه : عبدالاعلى بن ابي سحرة , و لم اعرفه ,و بقية رجاله ثقات , اقول : و البلا من هذا
الذي لايعرف .و عـن جـابر بن عبداللّه ـ رضوان اللّه عليه ـ قال : قال رسول اللّه (ص ) : ((يا معاذ, اني مرسلك
الـى قـوم اهل عناد, فاذا سئلت عن المجرة التي في السما فقل : هي لعاب حية تحت العرش )) رواه
الطبراني , و فيه الفضل بن المختار و هو ضعيف ((618)) ,اقول : و احر بمثل هذا ان لايروى الا
من طريق ضعيف .و كـل هـذا الـذي ذكـرناه , و امثاله مما لانصدق وروده عن المعصوم (ص ) و انما هو من اكاذيب
بـنـي اسـرائيـل و خـرافـاتهم ,او من وضع الزنادقة الخبثا, و الصق بالنبي زورا, و ماكان رسول
اللّه (ص ) ليتكلم في الكونيات , و الفلكيات , و اسباب الكائنات بهذا التفصيل , كما حققنا لك آنفا و في
هـذه المرويات من السذاجة العلمية , و التفاهات , ما لايليق بعاقل , فضلا عن اعقل العقلا, الذي ماكان
ينطق عن الهوى .و ايـضـا فـهـذه التعليلات لاتتفق هي و المقررات العلمية المستقرة الثابتة , التي اصبحت في حكم
الـيقينيات اليوم و لاندري ,كيف يكون حال الداعية الى الاسلام اليوم في البلاد المتقدمة في العلم و
المعرفة اذا لهج بمثل هذه الاباطيل التي تضربالدين اكثر مما ينال منه اعداؤه ؟ و لو ان هذه المروى
ات كـانـت فـي كـتـب مـعتمدة من كتب الحديث , و الرواية التي تعنى بذكرالاحاديث الصحيحة و
الـحـسـنـة , لـكان للمنتصرين لها بعض العذر اما و هي كما علمت غير معتد بها لضعف اسانيدها,و
مخالفتها للعقل , و العلم اليقيني , فاضرب بها عرض الحائط و لا كرامة .
ما ذكره المفسرون في الرعد و البرق في كتبهم
و مـعظم كتب التفاسير بالماثور و غيره ذكرت : ان الرعد اسم ملك يسوق السحاب , و ان الصوت الـمـسموع صوت زجره السحاب , او صوت تسبيحه , و ان البرق اثر من المخراق الذي يزجر بهالـسـحـاب , او لـهب ينبعث منه , على ان المخراق من نار,و ذلك عند تفسير قوله تعالى : (و يسبح
الرعد بحمده و الملا ئكة من خيفته ) ((619)) الاية , و يكاد لم يسلم من ذلك احدمنهم , الا ان منهم
من يحاول ان يوفق بين ظاهر الاية و ما قاله الفلاسفة الطبيعيون في الرعد و البرق , فيؤول الاية ,
و مـنـهـم من يبقي الاية على ظاهرها, و ينحى باللائمة على الفلاسفة و اضرابهم , الذين قاربوا ان
يصلوا الى ما وصل اليه العلما في العصرالحديث ففي تفسير الخازن ((620)) قال اكثر المفسرين :
على ان الرعد اسم للملك الذي يسوق السحاب , و الصوت المسموع منه تسبيحه , ثم اورد على هذا
القول ان ما عطف عليه , و هو قوله تعالى : (و الملا ئكة من خيفته ) يقتضي ان يكون المعطوف عليه
مغايرا للمعطوف , لانه الاصل , ثم اجاب : بانه من قبيل ذكر الخاص قبل العام تشريفا و قـد بـسـط الالوسي في تفسيره ـ كما هي عادته ـ الاقوال في الاية , و ذكر ان للعلما في اسناد
الـتـسـبيح الى الرعد قولين :ان في الكلام حذفا, اي سامعو الرعد, او ان الاسناد مجازي من قبيل
الاسناد الى السبب و الحامل عليه , و البا في ((بحمده ))للملابسة , اي يسبح السامعون لذلك الصوت
متلبسين بحمداللّه , فيقولون : سبحان اللّه , و الحمدللّه .و من العلما من قال : ان تسبيح الرعد بلسان الحال لا بلسان المقال , حيث شبه دلالة الرعد على قدرة
اللّه و عـظـمـته ,و احكام صنعته , و تنزيهه عن الشريك و العجز, بالتسبيح و التنزيه , و التحميد
اللفظي , ثم استعار لفظ يسبح لهذاالمعنى و قالوا : ان هذا المعنى انسب .و كـل هـذا من العلما في الحقيقة تخلص من حمل الاية على ظاهرها, و ان المراد بالرعد : الملك
الـمـوكـل بالسحاب ثم قال الالوسي : و الذي اختاره اكثر المحدثين ان الاسناد حقيقي , بنا على ان
الرعد اسم للملك الذي يسوق السحاب فقد روى احمد, و الترمذي و صححه , و النسائي , و آخرون
عـن ابـن عـبـاس ـ رضوان اللّه عليه ـ : ان اليهود سالوا رسول اللّه (ص ),فقالوا : اخبرنا ما هذا
الـرعـد؟ فـقـال (ع ) : ((مـلـك من ملائكة اللّه موكل بالسحاب , بيديه مخراق من نار, يزجر به
الـسـحاب , يسوقه حيث امره اللّه تعالى )), قالوا : فما ذلك الصوت الذي نسمعه ؟ قال : ((صوته ))
قالوا : ((صدقت )).و هـذا الحديث ان صح يمكن حمله على التمثيل , و لكن لايطمئن القلب اليه , و لايكاد يصدق وروده
عن المعصوم (ص ) و انما هو من اسرائيليات بني اسرائيل الصقت بالنبي (ص ) زورا, ثم كيف يتلام ما
روي مع قوله قبل : (هوالذي يريكم البرق خوفا و طمعا و ينشئ السحاب الثقال ), و قوله بعد : (و
يـرسل الصواعق فيصيب بها من يش) ((621)) ,فالاية في بيان قدرة اللّه و عظمته في احداث هذه
الايـات الـكونية , على حسب ما خلقه اللّه في الكون من نواميس , و اسباب عادية نـفـسـر تـسـبـيح ((الرعد)) بلسان الحال , و عطف الملائكة على ((الرعد)) يقتضي ان يكون
((الـرعـد)) غـيـرهـالما ذكرنا, و كان السر في الجمع بينهما بيان انه تواطا على تعظيم اللّه و
تـنـزيـهه الجمادات و العقلا, و ان ما لايعقل منقاد للّه و خاضع كانقياد العقلا سوا بسوا, و لاسيما
الملائكة الذين هم مفطورون على الطاعة و الانقياد.و مـن الـحـق ان نذكر : ان بعض المفسرين كانت لهم محاولات جادة , بنا على ما كان من العلم بهذه
الـظواهر الكونية في عصرهم , في تفسير : الرعد و البرق , كابن عطية (ره ) فقد قال : و قيل : ان
((الرعد)) ريح تخفق بين السحاب و روى ذلك عن ابن عباس , و اعترض عليه ابوحيان , و اعتبر
ذلـك مـن نزغات الطبيعيين , مع ان قول ابن عطية اقرب الى الصواب من تفسير ((الرعد))بصوت
((الـمـلك )) الذي يسوق السحاب , و البرق بضؤ مخراقه و قد حاول الامام الرازي التوفيق بين ما
قاله المحققون من الحكما, و ما ورد في هذه الاحاديث و الاثار, و قد انكر عليه ابوحيان هذا ايضا.ثـم ذكـر الالـوسـي آرا الفلاسفة في حدوث الرعد, و البرق , و تكون السحاب , و انه عبارة عن
ابـخرة متصاعدة قد بلغت في صعودها الى الطبقة الباردة من الهوا, ثم تكثفت بسبب البرد, و لم يقدر
الهوا على حملها, فاجتمعت و تقاطرت , و يقال لها :مطر.هذا, و قد اصابوا في تكون السحاب و نزول المطر, فخر ما وصل اليه العلم اليوم هو هذا و اما في
تكون الرعد, و البرق ,فقد حاولوا, و قاربوا, و ان لم يصلوا الى الحقيقة العلمية المعروفة اليوم .و بـعـد ان ذكـر الالـوسـي الردود و الاعتراضات على ما قاله الفلاسفة , و هي ـ و الحق يقال ـ
لاتنهض ان تكون ادلة في ردكلامهم , قال : و قال بعض المحققين : لايبعد ان يكون في تكون ما ذكر
اسـباب عادية , كما في الكثير من افعاله تعالى , و ذلك لاينافي نسبته الى المحدث الحكيم ـ جل شانه
ـ, و مـن انـصـف لـم يـسعه انكار الاسباب بالكلية , فان بعضها كالمعلوم بالضرورة ,قال : و بهذا انا
اقـول ((622)) و نـحـن ايـضـا بهذا نقول , و كون الظواهر الكونية قد جعل اللّه نواميس خاصة
لحدوثها, لاينافي قط انه سبحانه الخالق للكون , و المدبر له سبحانه , فهو ـ تعالى ـ هو الموجد لهذه
الـنـوامـيـس , و هـو الموجد لهذه السنن التي يسير عليهاالكون , فان بعض هذه النواميس و السنن
اصـبـحت معلومة فانكارها باسم الدين , او التشكيك فيها ـ و منها تكون السحب ,و حدوث الرعد, و
البرق , و الصواعق ـ انما يعود على الدين بالضعف , و يضره اكثر من طعن اعدائه فيه .
اقوال الرسول عند سماع الرعد و رؤية البرق
و قـد وردت احـاديـث اخرى صحاح و حسان , تبين ما كان يقوله (ص ) عند حدوث هذه الظواهر الـكـونية , و هي تدل على كمال المعرفة باللّه , و انه سبحانه هو المحدث لها, و انها تدل على تنزيهاللّه , و تعظيمه , و حمده , فقد اخرج احمد و البخاري في الادب المفرد, و الترمذي , و النسائي , و
غـيرهم , عن ابن عمر قال : ((كان رسول اللّه (ص ) اذا سمع صوت الرعد,و الصواعق قال : اللهم
لاتـقـتـلـنـا بـغضبك , و لاتهلكنا بعذابك , و عافنا قبل ذلك )), لان احتمال الاهلاك و التعذيب بهذه
الايات الكونية امر قريب ممكن .و اخـرج ابـوداود فـي مـراسيله , عن عبداللّه بن ابي جعفر : ان قوما سمعوا الرعد فكبروا, فقال
رسـول اللّه (ص ) : ((اذا سـمـعتم الرعد فسبحوا, و لاتكبروا)), و ذلك لما فيه من التادب بادب
الـقـرآن , و اسـلـوبه , في قوله تعالى : (و يسبح الرعد بحمده ),و لان دلالته على تنزيه اللّه من
النقص و الشريك اولى من دلالته على التعظيم و اخرج ابن ابي شيبة , عن ابن عباس انه (ع ) كان يقول
اذا سـمـع الـرعد : ((سبحان اللّه و بحمده , سبحان اللّه العظيم )) و اخرج ابن ابي شيبة , و ابن
جرير عن ابي هريرة قال :كان (ص ) اذا سمع الرعد قال : ((سبحان من يسبح الرعد بحمده )).فـهـذا هـو الـلائق بـرسـول اللّه (ص ) و بعصمته , لا ما روي من ان الرعد ملك او صوت زجره
للسحاب , و ان البرق اثر سوطه الذي يزجر به السحاب .