تفسير الماوردي (النكت و العيون ) - تفسیر والمفسرون فی ثوبه القشیب جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسیر والمفسرون فی ثوبه القشیب - جلد 2

محمد هادی معرفت

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

و قـد وصف المؤلف تفسيره هذا بما يلي : رايت ان اكتب فيه تعليقا وجيزا يتضمن نكتا من التفسير, و اللغات و الاعراب ,و القراات , و الرد على اهل الزيغ و الضلالات , جامعا بين المعاني , و مبينا ما
اشكل منها باقاويل السلف , و من تبعهم من الخلف .

و انتهج في تفسيره منهج سائر التفاسير الجامعة , فيذكر الاية اولا, و يعقبها بذكر مسائل , ياتي فيها
عـلـى شـرح مـواضع الاية جملة جملة , فيشرحها و يبين مواضع اغلاقها, و ربما تعرض لاسباب
النزول , و ذكر القراات و اللغة و الاعراب , و احيانا جاباقوال السلف او الخلف ان مست الحاجة الى
ذلك .

و هـو تـفـسير جيد نافع , جمع بين الاختصار و الايفا بجوانب الكلام , بما يفيد المطالع افادة تامة ,
تجعل المراجع في غنى عن مراجعة امهات كتب التفسير, على وجازته .

و جـعـل لـتـفسيره مقدمة جامعة في عشرين بابا, ذكر فيها مسائل تفيد المراجع قبل الخوض في
التفسير.

و حاول القرطبي في تفسيره هذا نبذ الاسرائيليات و الموضوعات , فتركها حسب وسعه , كما فعله
ابن عطية في ((المحررالوجيز)) و كانا موفقين في هذا السبيل بعض الشي .

تفسير الماوردي (النكت و العيون )

لابـي الـحـسـن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري المتوفى سنة (450)و النسبة الى ((ما ورد)) كـان يـعمل به والده و يبيعه ولد بالبصرة , ثم ارتحل الى بغداد, و فيها سمع الحديث و اخذ
الـفـقـه و انـضم الى حلقات ابي حامد الاسفراييني و لما بلغ اشده تصدر للتدريس آونة في بغداد و
اخـرى فـي الـبـصرة , و تنقل في البلاد لنشر العلم , ثم استقر به المقام في بغداد, فقام بالتدريس و
التحديث و تفسير القرآن و الف فيها كتبه في الادب و الفقه و الحديث و التفسير.

و تفسيره هذا يعد من اوجز التفاسير التي عنيت باللغة و الادب و نقل الارا و نقدها, و المشي على
طريقة اهل النظر في التفسير قال في مقدمة تفسيره :.

((و لـمـا كـان الظاهر الجلي مفهوما بالتلاوة , و كان الغامض الخفي لايعلم الا من وجهين : نقل , و
اجـتـهـاد, جعلت كتابي هذامقصورا على تاويل ما خفي علمه , و تفسير ما غمض تصوره و فهمه و
جـعـلـتـه جامعا بين اقاويل السلف و الخلف , و موضحاعن المؤتلف و المختلف , و ذاكرا ما سنح به
الـخـاطـر مـن معنى يحتمل عبرت عنه بانه محتمل , ليتميز ما قيل مما قلته , و يعلم مااستخرج مما
استخرجته )) ((801)) .

و يعتبر تفسير الماوردي من اهم كتب التفسير, و قد اهتم به كثير من المفسرين المتاخرين عنه ,
كابن الجوزي في تفسيره ((زاد المسير)), و القرطبي في ((الجامع لاحكام القرآن )).

و مـفـسرنا هذا لم يال جهدا في اعمال رايه و ابدا نظره في شرح معاني الايات على طريقة تحكيم
العقل الرشيد نافيا ان يكون ذلك من التفسير بالراي الممنوع , حيث يقول :.

((تـمسك بعض المتورعة , ممن قلت في العلم طبقته , و ضعفت فيه خبرته , و استعمل هذا الحديث
عـلـى ظـاهره , و امتنع ان يستنبط معاني القرآن باجتهاده , عند وضوح شواهده , الا ان يرد بها نقل
صـحيح , و يدل عليها نص صريح و هذا عدول عماتعبد اللّه تعالى به خلقه في خطابهم بلسان عربي
مـبـيـن , قد نبه على معانيه ما صرح من اللغز و التعمية , التي لايوقف عليها الا بالمواضعة الى كلام
حـكـيم , ابان عن مراده , و قطع اعذار عباده , و جعل لهم سبلا الى استنباط احكامه , كما قال تعالى
:(لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) ((802)) و لو كان ما قالوه صحيحا, لكان كلام اللّه غير مفهوم , و
مـراده بـخـطابه غير معلوم ,و لصار كاللغز المعمى , فبطل الاحتجاج به , و كان ورود النص على
تاويله مغنيا عن الاحتجاج بتنزيله , و اعوذ باللّه من قول في القرآن يؤدي الى التوقف عنه , و يؤول
الى ترك الاحتجاج به )) ((803)) .

و قـد اخـذ ذلـك بعضهم عليه , زاعما سد باب الاجتهاد في القرآن , تاركا وراه قوله تعالى : (افلا
يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها) ((804)) .

التفسير الكبير (مفاتيح الغيب )

لـلامام فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين الرازي , المعروف بابن الخطيب , من اصل طبرستاني , نـزل والـده الـري و اشتهربها في ظاهره اشعري شافعي المذهب , صاحب تصانيف ممتعة في فنون
المعارف الاسلامية , مضطلعا بالادب و الكلام و الفلسفة و العرفان قال ابن خلكان : ان كتبه ممتعة , و
قـد انـتشرت تصانيفه في البلاد, و رزق فيها سعادة عظيمة , فان الناس اشتغلوا بها و رفضوا كتب
المتقدمين , توفي سنة (606).

و تـفـسيره هذا من جلائل كتب التفسير, و قد استوفى الكلام فيه , بما وسعه من الاضطلاع بانحا
الـمعارف و فنون العلوم ,و لم يدع براعته متجولة في مختلف مسائل الاصول و الفلسفة و الكلام , و
سائر المسائل الاجتهادية النظرية و العقلية ,و اسهب الكلام فيها, بما ربما اخرجه عن حد الاعتدال
و كثيرا ما يترك وراه لمة من تشكيكات و ابهامات بما يعرقل سبيل الباحثين في التفسير, و لكنه مع
ذلك فانه فتاح لكثير من مغالق المسائل في ابحاث اسلامية عريقة .

اما منهجه في التفسير, فانه يذكر الاية اولا, و يعقبها بموجز الكلام عنها بصورة اجمالية , و يذكر
ان فـيها مسائل , يبحث في كل مسالة عن طرف من شؤون الاية : قراة , و ادبا, و فقها, و كلاما, و ما
اشبه من المباحث المتعلقة بتفسير الاية , و يستوفي الكلام في ذلك في نهاية المطاف و هو من احسن
الاسـالـيب التفسيرية , تتجزا المسائل و تتركز الابحاث , مفصلة كلا في محلها,من غير ان يختل
ط البحث او تتشابك المطالب , و من ثم لايترك القارئ حائرا في امره من البحث الذي ورد فيه .

و مـن طـريف الامر انه لم يجعل لتفسيره مقدمة ليشرح فيها موضعه من التفسير, و الغاية التي اقدم
لاجـلـها على كتابة مثل هذا التفسير الضخم , و السفر الجلل العظيم , و كان لابد ان يشرح ذلك كما
لـم يـذكـر مـنابعه في التفسير, و لا الكتب التي اعتمدهافي مثل هذا التصنيف , في حين انا نعلم انه
اعـتـمـد خـيـر المؤلفات لذاك العهد, و احسن المصنفات في ذلك الزمان , في مثل تفسير ابي مسلم
الاصـفـهـانـي و الـجبائي و الطبري و ابي الفتوح الرازي , و امثالهم من مشايخ عظام و علما اجلة
معروفين حينذاك .

و تـفـسيره هذا, يغلب عليه اللون الكلامي الفلسفي , لاضطلاعه بهذين العلمين , و من ثم نجده يكثر
الـكـلام في ذلك كلمااتاحت له الفرصة , فيغتنمها, و يسهب الكلام في مسائل فلسفية بعيدة الاغوار,
بما ربما اخرجه عن حد تفسير القرآن , الى مباحث جدلية كلامية , و ربما كانت فارغة .

و هل اكمل تفسيره ام تركه ناقصا ليكمله غيره من تلاميذ و احفاد, كما قيل ؟.

قـال ابـن خـلـكان : له التصانيف المفيدة في فنون عديدة , منها تفسير القرآن الكريم , جمع فيه كل
غريب و غريبة , و هو كبيرجدا, لكنه لم يكمله ((805)) .

قـال ابـن حـجر : الذي اكمل تفسير فخر الدين الرازي , هو احمد بن محمد بن ابي حزم نجم الدين
المخزومي القمولي ,المتوفى سنة (727), و هو مصري ((806)) .

و قال حاجي خليفة : صنف الشيخ نجم الدين احمد بن محمد القمولي تكملة له , و قاضي القضاة شهاب
الدين احمد بن خليل الخوئي الدمشقي كمل ما نقص منه ايضا توفي سنة (639) ((807)) .

و قـال ابـن ابـي اصـيبعة المتوفى سنة (668) في ترجمة احمد بن خليل الخوئي : و لشمس الدين
الخوئي من الكتب , تتمة تفسير القرآن لابن الخطيب ((808)) .

و اما الى اي موضع بلغ الامام الرازي من تفسيره ليترك البقية لغيره , فهذا مختلف فيه اختلافا غريبا
:.

يـقول الاستاذ محمد حسين الذهبي : وجدنا على هامش كشف الظنون ما نصه : ((الذي رايته بخ
ط السيد مرتضى نقلا عن ((شرح الشفا)) للشهاب , انه وصل فيه الى سورة الانبيا)) ((809)) .

و احـتـمل بعضهم ان الرازي اتم تفسيره ما عدى سورة الواقعة , حيث فيها بعض التعليق من غيره ,
مـثلا جا ذيل تفسير قوله تعالى : (جزا بما كانوا يعملون ) ((810)) و فيه مسائل , المسالة الاولى
اصولية , ذكرها الامام فخر الدين (ره ) في مواضع كثيرة ,و نحن نذكر بعضها ((811)) .

قـال الاسـتـاذ الـذهبي تعقيبا على هذا الكلام : و هذه العبارة تدل على ان الامام الرازي لم يصل في
تفسيره الى هذه السورة ((812)) .

ثـم ابـدى رايه في حل الاختلاف قائلا : ((و الذي استطيع ان اقوله كحل لهذا الاضطراب هو ان
الامـام الـرازي كتب تفسيره الى سورة الانبيا, فاتى بعده شهاب الدين الخوئي فشرع في تكملة هذا
التفسير, و لكنه لم يتمه , فاتى بعده نجم الدين القمولي فاكمل ما بقي منه كما يجوز ان يكون الخوئي
اكمله الى النهاية , و القمولي كتب تكملة اخرى غير التي كتبها الخوئي و هذا هوالظاهر من عبارة
كشف الظنون )) ((813)) .

قـلـت : و عـلى ذلك , فان الامام الرازي لم يبلغ من تفسيره سوى حوالى النصف , الامر الذي لايمكن
تـصديقه , بل الظاهر انه فسر القرآن كله حتى آخر سورة منه , نظرا لوحدة الاسلوب و المنهج و
القلم و البيان , فضلا عن الشواهد الموفورة , على ان الامام الرازي قد اكمل تفسيره حتى النهاية , الل
هم الا بعض التعليق مما اضيف اليه بعد ذلك , فالحق بالمتن في الاستنساخات المتاخرة .

و نـذكـر شـاهـدا على ذلك انه عند تفسير الاية رقم (22) من سورة الزمر (رقمها39 و رقم
سـورة الانـبـيـا21) فـي تـفسير قوله تعالى : (افمن شرح اللّه صدره للاسلام فهو على نور من
ربـه ) ((814)) يقول : و اعلم انا بالغنا في تفسير سورة الانعام في تفسيرقوله تعالى : (فمن يرد
اللّه ان يـهـديـه يـشـرح صـدره لـلاسـلا م ) ((815)) فـي تفسير شرح الصدر, و في تفسير
الهداية ((816)) .

و امثال هذه العبارة كثيرة في القسم المتاخر من التفسير.

عنايته باهل البيت

لـه عـناية خاصة بل بيت الرسول (ص ) يذكرهم باجلال و اكبار, و يفخم من شانهم , مما ينبؤك عن ولا متين بالنسبة الى العترة الطاهرة , الذين هم عدل القرآن العظيم .

تـجـده يقول عند الكلام عن الجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم : و اما ان علي بن ابي طالب (ع ) كان
يجهر بالتسمية , فقد ثبت بالتواتر, و من اقتدى في دينه بعلي بن ابي طالب فقد اهتدى , و الدليل عليه
قوله (ع ) : ((اللهم ادر الحق مع علي حيث دار)).

ثـم يقول عند ترجيحه للقول بوجوب الجهر : ان راوي قولنا على بن ابي طالب (ع ), و اخيرا يقول :
و عمل علي بن ابي طالب (ع ) معنا, و من اتخذ عليا اماما لدينه فقد استمسك بالعروة الوثقى في دينه و
نفسه ((817)) .

و مـن دابه تعقيب اسما ائمة اهل البيت ب ((السلام عليهم )) كتعقيبه لاسم النبي (ص ) و قد عرفت
تعقيب اسم علي ب ((السلام عليه )), و هكذا في تعقيب اسما سائر الائمة هو عندما يروي عن الامام
جـعـفر بن محمد, يصفه اولا بلقبه الفخيم ((الصادق )) ثم يعقبه ب ((السلام عليه )) قال في تفسير
الـنـعـيـم : قـال جـعفر بن محمد الصادق (ع ) : النعيم : المعرفة و المشاهدة , و الجحيم :ظلمات
الشهوات ((818)) .

و في كثير من عباراته : محمد(ع ), علي (ع ) على سوا, راجع تفسيره لسورة النصر ((819)) و
هـكـذا نـجـده يذكر ائمة اهل البيت باكبار و اجلال , هو عند ما يتعرض لوفرة ذرية الرسول في
تفسير سورة الكوثر, يقول : انظر كم كان فيهم من الاكابر من العلما, كالباقر و الصادق و الكاظم و
الرضا(ع ), و النفس الزكية و امثالهم ((820)) و الذي يجلب النظر انه عقب اسما الائمة الاربعة
فقط ب ((السلام عليهم )), الامر الذي يدل بوضوح على مبلغ تشيعه لال البيت (ع ).

هو عند ما يتعرض لاية المتعة من سورة النسا (24) يقول : انها نسخت في حياة الرسول (ص ), و
يـقـول : انـا لاننكر ان المتعة كانت مباحة , انما الذي نقوله : انها صارت منسوخة و يقول بصدد نهي
عـمـر عـنـها : انه لو كان مراده ان المتعة كانت مباحة في شرع محمد(ص ) و انا انهى عنها, لزم
تكفيره و تكفير كل من لم يحاربه و ينازعه , و يفضي ذلك الى تكفير اميرالمؤمنين ,حيث لم يحاربه و
لم يرد ذلك القول عليه ((821)) .

الـمـقـصود من ((اميرالمؤمنين )) هو الامام علي بن ابي طالب (ع ) يصفه بهذا اللقب الفخم ايام عهد
عـمـر, و يعتقد في شخصيته الكريمة حراسة لدين اللّه و حفظا لحدوده , الامر الذي جرى عليه
اهل الولا لهذا البيت الرفيع , و هكذا تعتقد الشيعة الامامية في ائمتها الاطهار.

و هـكـذا تـمـثـلـه بابيات شعرية تنوه من شان اهل البيت (ع ) في كثير من مواضع تفسيره , منها :
اسـتشهاده بشعرحسان بن ثابت , لغرض بيان ان السجدة ليوسف انما كان من جهة انهم جعلوه قبلة في
سجودهم , و استشهد لذلك بقوله :.




  • ما كنت اعرف ان الامر منصرف
    اليس اول من صلى لقبلتكم
    و اعرف الناس بالقرآن و السنن ((822)) .



  • عن هاشم ثم منها عن ابي الحسن .
    و اعرف الناس بالقرآن و السنن ((822)) .
    و اعرف الناس بالقرآن و السنن ((822)) .



و اما ما نجده احيانا من تحامله على الشيعة و ربما لعنهم بعنوان ((الروافض )) ((823)) فلعله من
عـمـل الـنـسـاخ , اذ لايليق بقلم كاتب اديب , و علامة اريب ان يهدر في سفه الهذر, من يعن بالحمد
لاينطق بما سفه , و لم يحد عن سبيل الحلم و الادب .

ذكـر عـنـد تفسير آية المودة نقلا عن صاحب الكشاف الحديث المعروف : ((من مات على حب آل
محمد مات شهيدا, الاو من مات على حب آل محمد مات مغفورا له , الا و من مات على حب آل محمد
مـات تائبا, الا و من مات على حب آل محمد مات مؤمنا, مستكمل الايمان , الا و من مات على بغض آل
محمد جا يوم القيامة مكتوبا بين عينيه : آيس من رحمة اللّه )).

قـال بعد نقل ذلك : و انا اقول : آل محمد هم الذين يؤول امرهم اليه , فكل من كان امرهم اليه اشد و
اكـمـل كانوا هم الال ,و لاشك ان فاطمة و عليا و الحسن و الحسين كان التعلق بينهم و بين رسول
اللّه اشد التعلقات , و هذا كالمعلوم بالنقل المتواتر, فوجب ان يكونوا هم الال .

و ايضا اختلف الناس في ((الال )) فقيل : هم الاقارب , و قيل : هم امته فان حملناه على القرابة فهم
الال , و ان حملناه على الامة الذين قبلوا دعوته فهم ايضا آل , فثبت ان على جميع التقديرات هم الال
و اما غيرهم فهل يدخلون تحت لفظ الال ؟فمختلف فيه و روى صـاحـب الكشاف : انه لما نزلت هذه الاية قيل : يا رسول اللّه (ص ) من قرابتك هؤلا الذين
وجبت علينا مودتهم ؟فقال : ((على و فاطمة و ابناهما)), فثبت ان هؤلا الاربعة اقارب النبي (ص )
و اذا ثبت هذا وجب ان يكونوا مخصوصين بمزيدالتعظيم .

و يدل عليه وجوه :.

الاول : قوله تعالى : ((الا المودة في القربى )) و وجه الاستدلال به ما سبق .

الـثـانـي : لاشـك ان النبي (ص ) كان يحب فاطمة (س ) قال (ص ) : ((فاطمة بضعة مني يؤذيني ما
يـؤذيها)) و ثبت بالنقل المتواترعن رسول اللّه (ص ) انه كان يحب عليا و الحسن و الحسين , و اذا
ثـبـت ذلـك وجـب على كل الامة مثله , لقوله : (و اتبعوه لعلكم تهتدون ) ((824)) و لقوله تعالى :
(فـليحذر الذين يخالفون عن امره ) ((825)) و لقوله : (قل ان كنتم تحبون اللّه فاتبعوني يحببكم
اللّه ) ((826)) و لقوله سبحانه : (لقد كان لكم في رسول اللّه اسوة حسنة ) ((827)) .

الـثـالث : ان الدعا ((للال )) منصب عظيم , و لذلك جعل هذا الدعا خاتمة التشهد في الصلاة , و هو
قـولـه : ((الـلـهم صل على محمد و على آل محمد, و ارحم محمدا و آل محمد)), و هذا التعظيم
لم يوجد في حق غير الال فكل ذلك يدل على ان حب آل محمد واجب .

و قال الشافعي (رض ) :.




  • يا راكبا قف بالمحصب من منى
    سحرا اذا فاض الحجيج الى منى
    ان كان رفضا حب آل محمد
    فليشهد الثقلان اني رافضي ((828)) .



  • و اهتف بساكن خيفها و الناهض .
    فيضا كما نظم الفرات الفائض .
    فليشهد الثقلان اني رافضي ((828)) .
    فليشهد الثقلان اني رافضي ((828)) .



و نـقـل ابن حجر العسقلاني عن ابن خليل السكوني في كتابه ((الرد على الكشاف )) انه اسند عن
ابن الطباخ : ان الفخر كان شيعيا, يقدم محبة اهل البيت , كمحبة الشيعة , حتى قال في بعض تصانيفه :
((و كان علي (ع ) شجاعا بخلاف غيره )) ((829)) .

و قـال الـطـوفي : انه يورد شبه المخالفين في المذهب , على غاية ما يكون من القوة و التحقيق , ثم
يـورد مذهب اهل السنة و الحق على غاية من الوها (او الدها) قال : و بعض الناس يتهمه في هذا, و
ينسب ذلك الى انه كان ينصر بهذا الطريق , مايعتقده , و لايجسر على التصريح به ((830)) .

و قـال الشيخ محمد بها الدين العاملي في حوادث شهر شوال , يوم عيد الفطر : ((و فيه سنة ست و
ستماة , توفي فخر الدين الرازي , الملقب بالامام , و اصله من مازندران , و ولد بالرى , و كان يميل الى
التشيع , كما لايخفى على من تصفح تفسيره الكبير وقبره بمدينة هرات )) ((831)) .

امام المشككين

و مما اختص به الامام الرازي خوضه في انحا المسائل , من ادب و كلام و فلسفة و اصول , و لكنه لايخرج منها في الاكثرالا و يترك وراه لمة من تشكيكات و ابهامات في وجه المسالة , انه ربما اثار
اشـكالا او اشكالات , لكنه لايجيب عليها الا اجابات ضعيفة و موهونه , يترك القارئ في حيرة , هل
ان مـثـل الامـام الرازي عاجز عن الاجابة لمثل تلكم المسائل , ام هناك تعمد لغرض تقرير الاشكال
حسب نظره ؟ الـمـعـروف عن الرازي انه اشعري المذهب في اصول العقيدة , جبري ظاهري , لكنه عند عرضه
لـمـسـائل الـكلام , يقرر من مذاهب الخلاف بما يضعف به المذهب الاشعري احيانا, و ربما الى حد
الوهن و الافتضاح .

قال نجم الدين الطوفي البغدادي ـ من اعلام القرن السابع ـ : و اجمع ما رايته من التفاسير لغالب علم
التفسير كتاب القرطبي , و كتاب ((مفاتيح الغيب )) للامام الرازي , و لعمري كم فيه من زلة و عيب
و حـكى لي الشيخ شرف الدين النصيبي المالكي : ان شيخه الامام الفاضل سراج الدين المغربي صنف
كتاب ((المخذ على مفاتيح الغيب )) و بين فيه من البهرج و الزيف في نحو مجلدين , و كان ينقم عليه
كـثـيـرا, خصوصا ايراده شبه المخالفين في المذهب و الدين , على غاية ما يكون من القوة , و ايراد
جواب اهل الحق منها على غاية ما يكون من الدها قال الطوفي : و لعمري ان هذا لدابه في غالب كتبه
الكلامية و الحكمية , كالاربعين , و المحصل , و النهاية , و المعالم , و المباحث المشرقية , و نحوها و
بـعض الناس يتهمه في هذاو ينسبه الى انه ينصر بهذا الطريق ما يعتقده , و لايجسر على التصريح
به .

و قال في سبب ذلك : انه كان شديد الاشتياق الى الوقوف على الحق ـ كما صرح به في وصيته التي
امـلاها عندموته ـ فلهذا كان يستفرغ وسعه , و يكد قريحته في تقرير شبه الخصوم , حتى لايبقى
لهم بعد ذلك مقال , فتضعف قريحته عن جوابها على الوجه , لاستفراغه قوتها في تقرير الشبه و نحن
نعلم بالنفسية الوجدانية , ان احدنا اذا استفرغ قو ة بدنه في شغل مامن الاشغال , ضعف عن شغل آخر,
و قـوى الـنفس على وزان قوى البدن غالبا و قد ذكر في مقدمة كتاب ((نهاية العقول )) ما يدل على
صـحـة مـا اقـول , لانه التزم فيه ان يقرر مذهب كل خصم , لو اراد ذلك الخصم تقريره , لما امكنه
الزيادة عليه او اوفى بذلك و لهذا السبب قرر في كتاب ((الاربعين )) ادلة القائلين بالجهة , ثم اراد
الـجـواب عـنـهـا, فما تمكن منه على الوجه , فغالط فيه في موضعين قبيحين , ذكرهما في مواضع
كثيرة ((832)) .

و مما بحث على اصول مذهبه الاشعري في ظاهر الامر ما ذكر عند تفسير الاية (ان الذين كفروا
سوا عليهم اانذرتهم ام لم تنذرهم لا يؤمنون ) ((833)) .

قـال : احـتج اهل السنة ـ يعني بهم الاشاعرة ـ بهذه الاية و كل ما اشبهها من قوله : (لقد حق القول
على اكثرهم فهم لايؤمنون ) ((834)) , و قوله : (ذرنى و من خلقت وحيدا ـ الى قوله ـ سارهقه
صـعودا) ((835)) , و قوله : (تبت يدا ابى لهب ) ((836)) احتجوا بامثال هذه الايات على جواز
تكليف ما لايطاق .

ثم اخذ في تقرير هذا الاحتجاج من وجوه خمسة :.

اولا : انـه تـعالى اخبر عن اشخاص معينين انهم لايؤمنون قط, فلو صدر منهم الايمان , لزم انقلاب
خبر اللّه تعالى الصدق كذبا.

و ثانيا : انه تعالى لما علم منهم الكفر, فكان صدور الايمان منهم مستلزما لانقلاب علمه تعالى جهلا.

و ثالثا : ان وجود الايمان يستحيل ان يوجد مع العلم بعدم الايمان , لانه انما يكون علما لو كان مطابقا
لـلمعلوم , و العلم بعدم الايمان انما يكون مطابقا لو حصل عدم الايمان , فلو وجد الايمان مع العلم بعدم
الايـمـان , لـزم ان يـجتمع في الايمان كونه موجودا و معدوما معا, و هو محال , فالامر بالايمان مع
وجـود عـلم اللّه تعالى بعدم الايمان , امر بالجمع بين الضدين , بل بالجمع بين العدم و الوجود, و كل
ذلك محال .

و رابـعـا : انه تعالى كلف هؤلا ـ الذين اخبر عنهم بانهم لايؤمنون ـ بالايمان البته , و الايمان يعتبر
فـيه تصديق اللّه تعالى في كل ما اخبر عنه , و مما اخبر عنه انهم لايؤمنون قط, فقد صاروا مكلفين
بان يؤمنوا بانهم لايؤمنون قط, و هذا تكليف بالجمع بين النفي و الاثبات .

و خـامـسا : انه تعالى عاب الكفار على انهم حاولوا فعل شي على خلاف ما اخبر اللّه عنه في قوله
(يريدون ان يبدلواكلا م اللّه قل لن تتبعونا كذلكم قال اللّه من قبل ) ((837)) .

فـثـبت ان القصد الى تكوين ما اخبر اللّه تعالى عن عدم تكوينه , قصد لتبديل كلام اللّه , و ذلك منهي
عنه و هاهنا اخبر اللّه تعالى عنهم بانهم لايؤمنون البتة , فمحاولة الايمان منهم تكون قصدا الى تبديل
كـلام اللّه , و ذلـك منهي عنه و ترك محاولة الايمان يكون ايضا مخالفة لامر اللّه تعالى , فيكون الذم
حاصلا على الترك و الفعل .

قـال : فـهذه هي الوجوه المذكورة في هذا الموضع و هذا هو الكلام الهادم لاصول الاعتزال و لقد
كان السلف و الخلف من المحققين معولين عليه في دفع اصول المعتزلة و هدم قواعدهم و لقد قاموا ـ
اي المعتزلة ـ و قعدوا و احتالوا على دفعه فمااتوا بشي مقنع .

هـذه هـي الوجوه الخمسة التي زعم منها دلائل ثابتة تدعم نظرية اصحابه في جواز التكليف بغير
المستطاع , و حسب ان خصومهم اصحاب الاعتزال عجزوا عن ردها مهما اوتوا من حول و قوة .

في حين ان آثار الوهن بادية عليها, لان اساسها العلم الازلي الالهي المتعلق بعدم ايمان الكافر الجاحد
و الحال ان العلم مهما يكن فانه ليس سببا لوقوع المعلوم , بل ان وقوع المعلوم في وقته سبب لحصول
هـذا الـعـلم , فالعلم تبع للمعلوم فلو فرض انهم كانوا يؤمنون , لكان العلم حاصلا بايمانهم فليس العلم
القديم اصلا, بل هو فرع تحقق المعلوم في حينه المتاخر, كما قال ابوالحسين البصري : ان العلم تبع
المعلوم , فاذا فرض الواقع من العبد الايمان , عرف ان الحاصل في الازل للّه تعالى هو العلم بالايمان ,
و الـعـمـدة ان العبد مختار في الكفر و الايمان , فاي منهما تحقق منه , علمه اللّه في الازل , و ليس
علمه تعالى سببا قهريايسلب عن العبد اختياره في العمل .

و هـذا واضـح لـمـن تـدبر, و لااظن خفاه على مثل الامام الرازي صاحب الذهنية الوقادة , و لكن
تـظـاهـرا بـالـدفاع عن مذهبه الرسمي المفروض عليه من قبل السلطات , دعاه الى ذكر مثل هذه
الوجوه البادي عليها الضعف و الوهن و تماشيا مع الجوالحاكم اجبر على الانسجام مع الوضع الراهن
.

و مـن ثـم نـراه ـ عـنـد ما يذكر دلائل اصحاب الاعتزال ـ نراه يذكرها بقوة و دقة و احاطة و
تفصيل , بما لايدع مجالا في امكان قبول تلكم الوجوه الاشعرية .

ذكر دلائل اهل الاعتزال في ثلاث مقامات , اولا : عدم المانع من الايمان و الكفر, و ثانيا : ان العلم
لايوجب منعا في العمل , الثالث : نقض تلكم الوجوه الخمسة ذكرهن باسهاب و تفصيل , نقتطف منها ما
يلي :.

قال : و انا اذكر اقصى ما ذكره اصحاب الاعتزال بعونه تعالى و توفيقه و ذكر وجوها خمسة , في
الـمـقـام الاول ,و خلاصتها : ان القرآن مملؤ من الايات الدالة على انه لا مانع لاحد من الايمان , قال
تعالى : (و ما منع الناس ان يؤمنوا اذجاهم الهدى ) ((838)) , و (ماذا عليهم لو آمنوا) ((839)) ,
(فما لهم لا يؤمنون ) ((840)) .

قـال الـصـاحـب ابن عباد : كيف يامر العبد بالايمان و قد منعه عنه ؟ عليه ؟ و ايـضـا فـان اللّه تـعـالـى قـال : (رسلا مبشرين و منذرين لئلا يكون للناس على اللّه حجة بعد
الـرسـل ) ((841)) , و قال : (و لوانا اهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا ارسلت الينا رسولا
فنتبع آياتك من قبل ان نذل و نخزى ) ((842)) .

فلما بين تعالى انه ما ابقى لهم عذرا الا و قد ازاله عنهم , فلو كان علمه بكفرهم و خبره عن كفرهم
مـانعا لهم عن الايمان ,لكان ذلك من اعظم الاعذار, كما ان الذم على الكفر و الجحود, هو خير دليل
على اختياريته , و عدم وجود مانع قاهر عن الايمان .

و ذكـر في المقام الثاني وجوها عشرة على ان المعلوم لاينقلب عما هو عليه بسبب العلم , لان العلم
انـمـا يتعلق بالمعلوم على ما هو عليه , فان كان ممكنا علمه ممكنا, و ان كان واجبا علمه واجبا, و لا
شـك ان الايـمان و الكفر كل واحد بالنظر الى ذاته ممكن الوجود, فلو صار واجبا بسبب العلم , كان
العلم مؤثرا في المعلوم , و هو باطل بالضرورة .

و ايـضـا فان اللّه تعالى قال : (لايكلف اللّه نفسا الا وسعها) ((843)) و قال : (ما جعل عليكم في
الدين من حرج ) ((844)) و قال : (و يضع عنهم اصرهم و الاغلال التي كانت عليهم ) ((845))
فكيف يكلف اللّه العبيد ما لايطيقون ؟ و فـي الـمـقام الثالث , نقل عن القاضي عبد الجبار جواب المعتزلة عن الاشاعرة , و تخطئة انقلاب
العلم جهلا و الصدق كذباقال الكعبي و ابوالحسين البصري : ان العلم تبع المعلوم , فاذا فرضت الواقع
مـن العبد الايمان عرفت ان الحاصل في الازل للّه تعالى هو العلم بالايمان , و متى فرضت الواقع منه
هو الكفر بدلا عن الايمان عرفت ان الحاصل في الازل هو العلم بالكفر بدلاعن الايمان فهذا فرض
عـلـم بـدلا عـن عـلـم آخر, لا انه تغير العلم قال الامام الرازي : فهذا الجواب هو الذي اعتمده
جمهورالمعتزلة .

قـلت : و قد عرفت قوة استدلالهم , و ضعف دلائل خصومهم , غير ان الامام الرازي ترك وهن تلك
الوجوه و قوة هذه الدلائل بمعرض القارئ و مسمعه , ليحكم هو حسب ذهنيته الفطرية الحاكمة بان
الـعبد مختار في فعله و اللّه تعالى لايكلف بمالايستطاع , الامر الذي يجعل من دلائل اهل الاعتزال
هي الكفة الراجحة , و هذا شي فعله الامام الرازي , عن حسن نية و عن عمد فعله ـ حسب الظاهر ـ
اذ الظاهر انه ليسي الظن بمذاهب اصحابه الاشعريين .

و مما يدلك على ذلك , انه لم يطعن في دلائل اهل الاعتزال , و ذكرها تامة وافية , كما هي عادته في
كل امر يعتقده صحيحا.

ثـم انه بعد ايراد دلائل الطرفين , اورد شبهاته في المسالة و ذكر مقالات تشكيكية , و اسندها الى
اهل التشكيك , ممن فرضهم اهل العناد في مسائل الكلام .

قال : و اعلم ان هذا البحث صار منشا لضلالات عظيمة , فمنها : ان منكري التكاليف و النبوات قالوا
: قـد سـمـعنا كلام اهل الجبر ـ يعنى بهم الاشاعرة ـ فوجدناه قويا قاطعا و هذان الجوابان اللذان
ذكـرهما المعتزلة يجريان مجرى الخرافة , و لايلتفت العاقل اليهما مع الجبر يقبح التكليف , و الجواب الذي ذكره اهل الجبر ضعيف جدا, فصارمجموع الكلامين كلاما
قويا في نفي التكاليف , و متى بطل ذلك بطل القول بالنبوات .

هكذا يلقي التشكيك , عند عرض الارا, سوا المخالف ام المؤالف .

ثـم يذكر مطاعن اخر وجهها الطاعنون في القرآن و في الاسلام , على اثر هذه المناظرة بين اهل
الـجبر و القدر, و يستنتج :ان الرجوع الى العقليات يورث الكفر و الضلال , و لهذا قيل : من تعمق
في الكلام تزندق .

ثـم يذهب في تشكيكاته حيث يشا, و يذكر في اثنائها حكاية طريفة يرويها عن ابن عمر, ان رجلا
قـام الـيه فقال : يااباعبدالرحمان ان اقواما يعملون الكبائر و يقولون : كان ذلك في علم اللّه فلم نجد
بـدا مـنه فغضب و قال : سبحان اللّه , قد كان في علمه انهم يفعلونها, فلم يحملهم علم اللّه على فعلها
حدثني ابي انه سمع رسول اللّه (ص ) يقول : مثل علم اللّه فيكم كمثل السما التي اظلتكم , و الارض
الـتي اقلتكم فكما لاتستطيعون الخروج من السما و الارض , فكذلك لاتستطيعون الخروج عن علم
اللّه تعالى , و كما لاتحملكم السما و الارض على الذنوب , فكذلك لايحملكم علم اللّه تعالى عليها.

و الـمقصود : ان علمه تعالى الازلي محيط بافعال العباد, و لكن من غير ان يكون علمه تعالى سببا و
علة في ايجادها, لان علمه تعالى السابق , تبع لعمل العبد اللا حق , فكيفما يعمل يعلمه تعالى من غير ان
يكون هذا العلم مؤثرا في ارادة العبد.

و هـذا الـمعنى الواضح , لم يدركه مثل الامام الرازي ؟ و لعله تظاهر بعدم الفهم الحكاية : ان في الاخبارالتي يرويها الجبرية و القدرية كثرة , و الغرض من رواية هذا الحديث بيان
انـه لايـليق بالرسول (ص ) ان يقول مثل ذلك , لانه متناقض و فاسد, اما المتناقض فلان الصدر يدل
عـلـى الـجـبـر, و الـذيل صريح في القدر و اما انه فاسد فلان العلم بعدم الايمان و وجود الايمان
متنافيان , فالتكليف بالايمان مع وجود العلم بعدمه تكليف بالجمع بين النفي و الاثبات ((846)) .

قلت : و لعل امامنا الرازي طاعن في ضلاله القديم او متظاهر بذلك .

و من ذلك ايضا, ما ذكره عند تفسير قوله تعالى : (قال انظرني الى يوم يبعثون قال انك من المنظرين
قال فبمااغويتني لا قعدن لهم صراطك المستقيم ) ((847)) .

قـال : احـتـج اصحابنا بهذه الاية في بيان انه لايجب على اللّه رعاية مصالح العبد في دينه و لا في
دنـياه , و تقريره : ان ابليس استمهل الزمان الطويل فامهله اللّه تعالى , ثم بين انه انما استمهله لاغوا
الخلق و اضلالهم و القا الوساوس في قلوبهم , و كان تعالى عالما بان اكثر الخلق يطيعونه و يقبلون و
سـوسته , كما قال تعالى : (و لقد صدق عليهم ابليس ظنه فاتبعوه الا فريقا من المؤمنين ) ((848))
فـثـبـت بـهذا ان انظار ابليس و امهاله هذه المدة الطويلة يقتضي حصول المفاسد العظيمة و الكفر
الـكـبـيـر, فلوكان تعالى مراعيا لمصالح العباد لامتنع ان يمهله و ان يمكنه من هذه المفاسد, فحيث
انظره و امهله , علمنا انه لايجب عليه شي من رعاية المصالح اصلا.

و مما يقوي ذلك انه تعالى بعث الانبيا دعاة الى الخلق , و علم من حال ابليس انه لايدعو الا الى الكفر
و الضلال , ثم انه تعالى امات الانبيا الذين هم الدعاة للخلق , و ابقى ابليس و سائر الشياطين الذين هم
الدعاة للخلق الى الكفر و الباطل , و من كان يريد مصالح العباد امتنع منه ان يفعل ذلك .

قـالت المعتزلة : اختلف شيوخنا في هذه المسالة , فقال الجبائي : انه لايختلف الحال بسبب وجوده و
عـدمـه , و لايضل بقوله احد الا من لو فرضنا عدم ابليس لكان يضل ايضا و الدليل عليه قوله تعالى :
(ما انتم عليه بفاتنين الا من هو صال الجحيم ) ((849)) , و لانه لو ضل به احد لكان بقاؤه مفسدة و
قال ابوهاشم : يجوز ان يضل به قوم , و يكون خلقه جاريا مجرى خلق زيادة الشهوة , فان هذه الزيادة
مـن الـشـهـوة لاتـوجب فعل القبيح الا ان الامتناع منها يصير اشق , و لاجل تلك الزيادة من المشقة
تـحصل الزيادة في الثواب , فكذا هنا بسبب ابقا ابليس يصير الامتناع من القبائح اشد و اشق , و لكنه
لاينتهي الى حدالالجا و الاكراه .

و اجاب الرازي : ان الشيطان لابد ان يزين القبائح , و معلوم ان حال الانسان مع هذا التزيين لايكون
مـسـاويـا مع عدمه فحصول هذا التزيين يوجب الاقدام على القبائح , و هو القا في المفسدة و مسالة
الـزيـادة فـي الـشهوة حجة اخرى لنا في ان اللّه لايراعي مصلحة العباد بسبب خلق تلك الزيادة في
شـهـوة الانـسـان , و حـصول الزيادة في الثواب لا حاجة اليه , حيث دفع العقاب المؤب د من اعظم
الـحاجات , فلو كان اله العالم مراعيا لمصالح العباد لاستحال ان يهمل الاكمل الاعظم , لطلب الزيادة
التي لاحاجة اليها و لا ضرورة ((850)) .

انظر كيف فضح اصحابه بهذا النمط من البحث , و الخوض في مسالة تمس جانب حكمته تعالى , فينفي
كونه تعالى حكيمالايفعل الا عن مصلحة , و المصلحة التي يراعيها الخالق تعالى انما تعود الى العباد
انـفـسـهم , حيث في ذاته تعالى الغنا المطلق كما انه يتنافى و قاعدة الل طف الناشئة عن مقام حكمته
تعالى , بفعل ما يقرب العباد الى الطاعة , و يبعدهم عن المعصية و هواساس التشريع و بعث الانبيا و
انزال الكتب , الامر الذي يعترف به الامام الرازي .

نعم لاشك انه تعالى حكيم لايفعل الا عن مصلحة تعود الى العباد انفسهم , حيث انه تعالى غنى بالذات .

قـال تـعـالى : (انا اوحينا اليك كما اوحينا الى نوح والنبيين من بعده ـ الى قوله ـ رسلا مبشرين و
منذرين لئلا يكون للناس على اللّه حجة بعد الرسل , و كان اللّه عزيزا حكيما) ((851)) .

فقد كان اللّه تعالى عزيزا لايغالب على امره , لكنه لايفعل الا ما تقتضيه حكمته , مراعيا فيها مصلحة
الـعـباد فقد كان في مصلحتهم بعث الرسل و الانبيا و انزال الشرائع , و كان في طبيعتهم اقتضا ذلك
فقد اجاب طلبهم اتماما للحجة عليهم ,فلاتكون للناس على اللّه حجة بعد الرسل .

و قد جا في القرآن حوالي ثمانين موضعا, جا التصريح فيها بانه تعالى حكيم عليم , و حكيم خبير, و
عزيز حكيم , مماينبؤك عن علم و حكمة لايفعل شيئا الا عن احاطة و قدرة و حكمة شاملة .

و اما مسالة خلق ابليس و امهاله و تسليطه على اغوا الناس , فهذا امر يعود الى مصلحة النظام القائم
فـي الخلق , لا شي الا و هو واقع بين قطبين : سلب و ايجاب , جذب و دفع , و بذلك استوى الوجود
فـلـولا دوافع الشرور, لم يكن في الاندفاع نحوالمطلوب الخير كثير فضل , بل لم يكن هنا اندفاع
نحو الخير, حيث لادافع الى الشر.

فالانسان واقع بين دوافع الخير و دوافع الشر على سوا, و هو مختار في الانجذاب الى ايهما شا,
و يملك قدرته في الاختيار و عقله و ارادته التامة في اختيار الخير او الشر فاذا اختار الخير فعن
ارادتـه و تحكيم عقله فكانت فضيلة , و اذا اختارالشر فعن ارادته و الاستسلام لهوى نفسه فكانت
رذيلة و لا فضيلة و لا رذيلة الا اذا كانت هنا دوافع للخير و للشر معا, و كان الانسان يملك ارادته
في الاختيار.

امـا الشيطان فلا سلطة له على الانسان سوى دعوته و بعثه الى فعل الشرور (و ما كان لى عليكم
مـن سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لي ) ((852)) , نعم كان كيد الشيطان ضعيفا ((853)) و ان
اللّه لـهو القوي العزيز ((854)) (كتب اللّه لاغلبن انا و رسلي ان اللّه قوى عزيز) ((855)) ,
(انا لننصر رسلنا و الذين آمنوا في الحياة الدنيا) ((856)) .

و عند تفسير قوله تعالى : (و اذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فاتمهن قال اني جاعلك للناس اماما قال و
من ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) ((857)) .

نراه يبحث عن مسائل الامامة على مذهب الشيعة الامامية , و اشتراطهم العصمة في امام المسلمين , و
يذكر حججهم القاطعة في المسالة , ثم يجيب عليها لا بتلك القوة و المتانة .

قال عند الكلام عن قوله تعالى : (قال لاينال عهدي الظالمين ) : احتج الروافض بهذه الاية على القدح
في امامة الشيخين ,حيث كانا كافرين و كانا حال كفرهما ظالمين , لان الشرك ظلم عظيم فوجب ان
يـصـدق عـليهما في تلك الحالة : انهما لاينالان عهد الامامة البتة , و ايضا فانهما لعدم عصمتهما حال
الامامة , كانا غير صالحين لها.

ثـم حاول الاجابة على ذلك من وجهين : احدهما : ان الاستدلال مبتن على كون المشتق حقيقة فيمن
انـقـضـى عنه المبدا,كما هو حقيقة فيمن تلبس و ليس الامر كذلك , لان المشتق حقيقة فيمن تلبس
بـاتفاق الاصوليين , و لايصدق على من انقضى عنه المبدا و الثاني : ان المراد بالامامة هنا هي النبوة ,
فمن كفر باللّه طرفة عين فانه لايصلح للنبوة ((858)) .

/ 28