لم يرها و يعاينها.(قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا انزل علينا مئدة من السم تكون لنا عيدا لا ولنا و آخرنا) ((379))
.العيد : يوم الفرح و السرور, (لا ولنا) : لاول امتنا (و آخرنا) : لاخر امتنا, او لنا, و لمن بعدنا.(و آية منك ) اي دليلا, و حجة على قدرتك , على كل شي , و على اجابتك لدعوتي , فيصدقوني فيما
ابلغه عنك ,(و ارزقنا) اي من عندك رزقا هنيئا لا كلفة فيه , و لا تعب , (و انت خير الرازقين ) اي
خير من اعطى و رزق , لانك الغني الحميد.(قـال اللّه انـي مـنـزلـهـا عـلـيـكـم فـمـن يـكفر بعد منكم فاني اعذبه عذابا لا اعذبه احدا من
العالمين ) ((380)) , اي (فمن يكفر), اي يكذب بها من امتك يا عيسى , و عاندها, فاني اعذبه عذابا,
لااعـذبه احدا من عالمي زمانكم و هذا على سبيل الوعيد لهم , و التهديد و ليس في الاية ما يدل على
انـهم كفروا, و لا على ان غيرهم قد كفر بها, و لا على انهم استعفوا من نزول المائدة , و انما الذي
دعـا بـعـض الـمفسرين الى هذه الاقوال , ما سمعت من الروايات الاسرائيلية , و هانحن قد فسرنا
الايـات تـفـسـيرا علميا صحيحا من غير حاجة ما الى ما روي , مما يدل دلالة قاطعة على ان مفسر
القرآن في غنية عن الاسرائيليات التي شوهت جمال القرآن و جلاله .
11ـ الاسرائيليات في ((سؤال موسى ربه الرؤية ))
و مـن الاسـرائيليات ما يذكره بعض المفسرين عند تفسير قوله تعالى : (و لما ج موسى لميقاتنا و كـلـمه ربه , قال رب ارني انظر اليك قال لن تراني , و لكن انظر الى الجبل فان استقر مكانه فسوفتراني , فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا,و خرموسى صعقا فلم ا افاق قال سبحانك تبت اليك و انا اول
المؤمنين ) ((381)) , فقد ذكر الثعلبي , و البغوي , و غيرهما عن وهب بن منبه , و ابن اسحاق , قالا
:.((لـمـا سـال موسى ربه الرؤية ارسل اللّه الدواب , و الصواعق , و الظلمة , و الرعد, و البرق و
احـاط بـالـجـبـل الـذي عـليه موسى اربعة فراسخ من كل جانب , و امر اللّه ملائكة السماوات ان
يـعـتـرضـوا عـلـى موسى , فمرت به ملائكة السما الدنيا كثيران ((382)) البقر, تنبع افواههم
بـالـتـسبيح و التقديس باصوات عظيمة كصوت الرعد الشديد, ثم امر اللّه ملائكة السما الثانية ان
اهـبـطوا على موسى , فاعترضوا عليه فهبطوا عليه امثال الاسود, لهم لجب ((383)) بالتسبيح و
الـتـقديس , ففزع العبد الضعيف (ابن عمران ) مماراى , و سمع , و اقشعرت كل شعرة في راسه و
جسده , ثم قال : لقد ندمت على مسالتي , فهل ينجيني من مكاني الذي انا فيه ؟.فـقال له خير الملائكة ((384)) و راسهم : يا موسى اصبر لما سالت , فقليل من كثير ما رايت , ثم
امر ملائكة السما الثالثة ان اهبطوا على موسى , فاعترضوا عليه فهبطوا امثال النسور, لهم قصف , و
رجف , و لجب شديد, و افواههم تنبع بالتسبيح ,و التقديس كجلب الجيش العظيم , الوانهم كلهب النار
ففزع موسى , و اشتد فزعه , و ايس من الحياة , فقال له خير الملائكة :مكانك حتى ترى ما لاتصبر
عليه .ثـم امـر اللّه مـلائكـة الـسما الرابعة ان اهبطوا, فاعترضوا على موسى بن عمران فهبطوا عليه ,
لايـشبههم شي من الذين مروابه قبلهم , الوانهم كلهب النار, و سائر خلقهم كالثلج الابيض , اصواتهم
عـالـية بالتقديس و التسبيح , لايقاربهم شي من اصوات الذين مروا به من قبلهم , فاصطكت ركبتاه , و
ارتعد قلبه , و اشتد بكاؤه , فقال له خير الملائكة و راسهم : يا ابن عمران اصبر لماسالت , فقليل من
كثير ما رايت .ثم امر اللّه ملائكة السما الخامسة ان اهبطوا, فاعترضوا على موسى فهبطواعليه , لهم سبعة الوان ,
فلم يستطع موسى ان يتبعهم بصره , لم يرمثلهم , و لم يسمع مثل اصواتهم , فامتلا جوفه خوفا, و اشتد
حـزنـه , و كـثر بكاؤه , فقال له خير الملائكة و راسهم : يا ابن عمران مكانك , حتى ترى بعض ما
لاتصبر عليه .ثـم امر اللّه ملائكة السما السادسة ان اهبطوا على موسى فاعترضوا عليه فهبطوا عليه في يد كل
مـلك منهم مثل النخلة الطويلة نارا اشد ضؤا من الشمس , و لباسهم كلهب النار, اذا سبحوا و قدسوا
جـاوبـهـم مـن كـان قبلهم من ملائكة السماوات كلهم , يقولون بشدة اصواتهم : سبوح قدوس , رب
الـملائكة و الروح , رب العزة ابدا لايموت و في راس كل ملك منهم اربعة اوجه فلما رآهم موسى
رفـع صـوته , يسبح معهم حين سبحوا, و هو يبكي و يقول : رب اذكرني و لاتنس عبدك , لاادري
اانـفلت مما انا فيه ام لا؟ ان خرجت احترقت , و ان مكثت مت , فقال له كبير الملائكة و راسهم : قد
اوشكت ((385)) يا ابن عمران ان يشتدخوفك , و ينخلع قلبك , فاصبر للذي سالت .ثـم امـر اللّه ان يحمل عرشه ملائكة السما السابعة , فلما بدا نور العرش , انفرج الجبل من عظمة
الـرب جل جلاله و رفعت ملائكة السماوات اصواتهم جميعا, يقولون : سبحان الملك القدوس , رب
العزة ابدا لايموت , بشدة اصواتهم فارتج الجبل ,و اندكت كل شجرة كانت فيه , و خر العبد الضعيف
موسى صعقا على وجهه , ليس معه روحه , فارسل اللّه برحمته الروح ,فتغشاه , و قلب عليه الحجر
الذي كان عليه موسى , و جعله كهيئة القبة , لئلايحترق موسى ((386)) , فاقام موسى يسبح اللّه ,و
يـقـول : آمـنـت بك ربي , و صدقت انه لايراك احد, فيحيا, من نظر الى ملائكتك انخلع قلبه , فما
اعـظمك و اعظم ملائكتك ,انت رب الارباب و اله الالهة و ملك الملوك , و لا يعدلك شي , و لايقوم
لك شي , رب تبت اليك , الحمدللّه لا شريك لك , مااعظمك , و ما اجلك رب العالمين , فذلك قوله تعالى
: (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا), و بعد ان ذكر الاقوال الكثيرة فيماتبدى من نور اللّه , قال : و
وقـع فـي بـعـض الـتفاسير : طارت لعظمته ستة اجبل , وقعت ثلاثة بالمدينة : احد, و ودقان , و
رضوى ,و وقعت ثلاثة بمكة : ثور, و ثبير, و حرا ((387)) .و هـذه الـمرويات و امثالها مما لانشك انها من اسرائيليات بني اسرائيل , و كذبهم على اللّه , و على
الانـبيا, و على الملائكة , فلاتلق اليه بالا و ليس تفسير الاية في حاجة الى هذه المرويات , و الاية
ظاهرة واضحة .و من ذلك ايضا : ما ذكره الثعلبي , و البغوي , و الزمخشري في تفاسيرهم عند قوله تعالى : (و خر
موسى صعقا) اي مغشيا عليه , و ليس المراد ميتا كما قال قتادة .فـقـد قـال الـبـغوي , في بعض الكتب : ان ملائكة السماوات اتوا موسى و هو مغشى عليه , فجعلوا
و
ذكر مثل هذا الزمخشري في تفسيره ((389)) .و هـذا و امـثاله مما لانشك انه من الاسرائيليات المكذوبة , و موقف بني اسرائيل من موسى , و من
جميع انبيا اللّه معروف , فهم يحاولون تنقيصهم ما استطاعوا الى ذلك سبيلا.و قال الالوسي في تفسيره : ((ونقل بعض القصاصين , ان الملائكة كانت تمرعليه حينئذ, فيلكزونه
بارجلهم , و يقولون : ياابن النسا الحيض , اطمعت في رؤية رب العزة ؟)) و هو كلام ساقط لايعول
عـلـيـه بـوجـه , فان الملائكة (ع ) مما يجب تبرئتهم من اهانة الكليم بالوكز بالرجل , و الغض في
الخطاب ((390)) .
12ـ الاسرائيليات في الواح التوراة
و مـن الاسرائيليات ما ذكره الثعلبي و البغوي , و الزمخشري , و القرطبي و الالوسي و غيرهم , عند تفسير قوله تعالى :(و كتبنا له في الا لواح من كل شي موعظة و تفصيلا لكل شي فخذها بقوة ,و امر قومك ياخذوا باحسنها ساوريكم دارالفاسقين ) ((391)) .فقد ذكر في الالواح : مم هي ؟ و ما عددها؟ اقوالا كثيرة عن بعض الصحابة و التابعين , و عن كعب
و وهـب , مـن اهـل الـكـتاب الذين اسلموا, مما يشير الى منبع هذه الروايات , و انها من اسرائيليات
بني اسرائيل , و فيها من المرويات ما يخالف المعقول و المنقول , و اليك ما ذكره البغوي في هذا, قال :
.قـوله تعالى : (و كتبنا له ), يعني لموسى (في الا لواح ), قال ابن عباس : يريد الواح التوراة , و في
الحديث : ((كانت من سدر الجنة , طول اللوح اثناعشر ذراعا)), و جا في الحديث : ((خلق اللّه آدم
بيده , و كتب التوراة بيده , و غرس شجرة طوبى بيده )) ((392)) .و قال الحسن : كانت الالواح من خشب , و قال الكلبي : كانت من زبرجدة خضرا.و قال سعيد بن جبير : كانت من ياقوت احمر, و قال الربيع : كانت الالواح من برد ((393)) .و قال ابن جريج : كانت من زمرد, امر اللّه جبريل حتى جا بها من عدن , و كتبها بالقلم الذي كتب به
الذكر, و استمد من نهر النور و قـال وهـب : امـر اللّه بقطع الالواح من صخرة صما, لينها اللّه له , فقطعها بيده , ثم شققها بيده , و
سـمـع مـوسـى صرير القلم بالكلمات العشر, و كان ذلك في اول يوم من ذي القعدة , و كانت الالواح
عشرة اذرع , على طول موسى و قال مقاتل و وهب : (و كتبنا له في الا لواح ) : كنقش الخاتم .و قال الربيع بن انس : نزلت التوراة و هي سبعون وقر بعير, يقرا الجز منه في سنة , لم يقراها الا
اربعة نفر : موسى ,و يوشع , و عزير, و عيسى ((394)) .فـكـل هذه الروايات المتضاربة التي يرد بعضها بعضا مما نحيل ان يكون مرجعها المعصوم (ص ) و
انما هي من اسرائيليات بني اسرائيل , حملها عنهم بعض الصحابة و التابعين بحسن نية , و ليس تفسير
الايـة متوقفا على كل هذا الذي رووه و من ذلك :ما يذكره بعض المفسرين في قوله تعالى : (من كل
شـى مـوعظة و تفصيلا لكل شي ), فقد جعلوا التوراة مشتملة على كل ماكان و كل ما يكون , و هذا
مـمـا لايعقل , و لايصدق , فمن ذلك : ما ذكره الالوسي في تفسيره , قال : و ما اخرجه الطبراني ,و
البيهقي في ((الدلائل )) عن محمد بن يزيد الثقفي , قال : اصطحب قيس بن خرشة , و كعب الاحبار
حـتـى اذا بـلغا صفين , وقف كعب , ثم نظر ساعة , ثم قال : ليهراقن بهذه البقعة من دما المسلمين شي
لايهراق ببقعة من الارض مثله .فقال قيس : ما يدريك ؟ فان هذا من الغيب الذي استاثر اللّه تعالى به ؟ فقال كعب : ما من الارض شبر الا مكتوب في التوراة التي انزل اللّه تعالى على موسى , مايكون عليه ,
و مايخرج منه الى يوم القيامة و هو من المبالغات التي روي امثالها عن كعب و لانصدق ذلك , و لعلها من الكذب الذي لاحظه عليه ,
مـعاوية بن ابي سفيان على ما اسلفنا سابقا, و لايعقل قط ان يكون في التوراة كل احداث الدنيا الى يوم
القيامة .و الـمحققون من المفسرين سلفا و خلفا, على ان المراد ان فيها تفصيلا لكل شي , مما يحتاجون اليه
فـي الـحـلال و الحرام ,و المحاسن و القبائح مما يلائم شريعة موسى وعصره , الا فقد جا القرآن
الكريم باحكام و آداب , و اخلاق , لاتوجد في التوراة قط.و قد ساق الالوسي هذا الخبر, للاستدلال به لمن يقول : ان كل شي عام , و كانه استشعر بعده , فقال
عقبه : ((ولعل ذكرذلك من باب الرمز, كما ندعيه في القرآن )) ((395)) .و لابـد ان نقول للالوسي و من لف لفه : ان هذا مردود و غير مقبول , و نحن لانسلم بان في القرآن
رموزا, و اشارات لاحداث , و ان قاله البعض , و الحق احق ان يتبع .
13ـ اسرائيلية مكذوبة في سبب غضب موسى لما القى الالواح
و مـن الاسـرائيـليات ما رواه ابن جرير في تفسيره , و البغوي في تفسيره , و غيرهما, في سبب غـضـب سيدنا موسى (ع )حتى القى الالواح من يديه , و ذلك في قوله تعالى : (و لما رجع موسى الىقـومـه غضبان اسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي اعجلتم امر ربكم ؟ و القى الا لواح ((396)) و
اخـذ براس اخيه يجره اليه قال ابن ام ان القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني فلا تشمت بي الا عدآ
و لا تجعلني مع القوم الظالمين ) ((397)) .فـقـد روي عن قتادة انه قال : نظر موسى في التوراة , فقال : رب اني اجد في الالواح امة خير امة
اخـرجت للناس , يامرون بالمعروف و ينهون عن المنكر, اجعلهم امتي قال : تلك امة احمد, قال : رب
انـي اجـد فـي الالـواح امـة هم الاخرون ـ اي آخرون في الخلق ـ سابقون في دخول الجنة , رب
اجـعـلـهـم امـتـي , قـال : تلك امة احمد, قال : رب اني اجد في الالواح امة اناجيلهم في صدورهم ,
يقرؤونها, وكان من قبلهم يقرؤون كتابهم نظرا, حتى اذا رفعوها, لم يحفظوا شيئا, و لم يعرفوه , و
ان اللّه اعـطاهم من الحفظ شيئا لم يعطه احدا من الامم , قال : رب اجعلهم امتي , قال : تلك امة احمد,
قـال : رب انـي اجـد فـي الالـواح امـة يؤمنون بالكتاب الاول , و بالكتاب الاخر, و يقاتلون فصول
الـضـلالة , حتى ليقاتلون الاعور الكذاب , فاجعلهم امتي , قال :تلك امة احمد, قال : رب اني اجد في
الالـواح امـة صـدقـاتهم ياكلونها في بطونهم و يؤجرون عليها, و كان من قبلهم اذا تصدق بصدقة ,
فـقـبـلت منه بعث اللّه نارا فاكلتها, و ان ردت عليه تركت , فتاكلها السباع و الطير, و ان اللّه اخذ
صـدقـاتـهم من غنيهم لفقيرهم , قال : رب فاجعلهم امتي , قال : تلك امة احمد, قال : رب اني اجد في
الالـواح امـة , اذا هم احدهم بحسنة ثم لم يعملهاكتبت له حسنة , فان عملها كتبت له عشر امثالها الى
سبعمائة , رب اجعلهم امتي , قال : تلك امة احمد, قال : رب اني اجد في الالواح امة هم المشفعون , و
المشفوع لهم , فاجعلهم امتي , قال : تلك امة احمد.قال قتادة : فذكر لنا ان نبي اللّه موسى نبذ الالواح , و قال : اللهم اجعلني من امة محمد.لاشك ان آثار الوضع و الاختلاق بادية عليه , و السند مطعون فيه , و هي امور ماخوذة من القرآن ,
و الاحاديث , ثم صيغت هذه الصياغة المريبة , و جعلت على لسان موسى (ع ) و الظاهر المتعين ان القا
سيدنا موسى بالالواح انما كان غضبا و حمية لدين اللّه , و غيرة لانتهاك حرمة توحيد اللّه تبارك و
تعالى .و الـيك ما قاله ابن كثير في تفسيره ((398)) ,قال : ثم ظاهر السياق انه ـ اي سيدنا موسى ـ القى
الالواح غضبا على قومه , و هذاقول جمهور العلما سلفا و خلفاو روى ابن جرير عن قتادة في هذا
قـولا غـريـبـا, لايصح اسناده الى حكاية قتادة و قد رده ابن عطية , و غير واحد من العلما, و هو
جـديـر بالرد, و كانه تلقاه الناقل عن بعض اهل الكتاب , و فيهم كذابون , و وضاعون ,و افاكون , و
زنادقة .و صـدق ابـن كـثـيـر فـيما قال , و يرجح ان يكون من وضع زنادقتهم كي يظهروا الانبيا بمظهر
المتحاسدين , لا بمظهر الاخوان المتحابين .و قال الامام القرطبي عند تفسير قوله تعالى : (و القى الا لواح ) اي مما اعتراه من الغضب و الاسف ,
حين اشرف على قومه , و هم عاكفون على عبادة العجل , و على اخيه في اهمال امرهم , قاله سعيد بن
جبير, و لذا قيل : ((ليس الخبر كالمعاينة )),و لا التفات لما روي عن قتادة ان صح , و لايصح , ان
الـقـاه الالواح انما كان لما راى فيها من فضيلة امة محمد(ص ) و لم يكن ذلك لامته , و هذا قول ردي
لاينبغي ان يضاف الى موسى (ع ) ((399)) .و مـمـا يـؤيد انه من وضع بعض الاسرائيليين الدهاة : ان نحوا من هذا المروي عن قتادة قد رواه
الـثعلبي و تلميذه البغوي عن كعب الاحبار, و لا خلاف الا في تقديم بعض الفضائل و تاخير البعض
الاخر, الا انه لم يذكر القا الالواح في آخره :.((فـلـمـا عـجب موسى من الخير الذي اعطى اللّه محمدا و امته قال : يا ليتني من اصحاب محمد,
فـاوحـى اللّه الـيه ثلاث آيات يرضيه بهن : (يا موسى اني اصطفيتك على الناس برسالا تى و بكلا
مـي ) الى قوله : (دار الفاسقين ) : (و من قوم موسى امة يهدون بالحق و به يعدلون ) ((400)) قال :
فرضي موسى كل الرضا.
14ـ اسرائيليات و خرافات في بني اسرائيل
و مـن الاسـرائيـلـيات و الخرافات ما ذكره بعض المفسرين , عند تفسير قوله تعالى : (و من قوم موسى امة يهدون بالحق و به يعدلون ) ((401)) .فـقد ذكر ابن جرير في تفسير ((402)) هذه الاية خبرا عجيبا, فقال : حدثنا القاسم , قال : حدثناحجاج عن ابن جريج قوله :(و من قوم موسى امة يهدون بالحق و به يعدلون ).قـال : بلغني ان بني اسرائيل لما قتلوا انبياهم , و كفروا, و كانوا اثني عشر سبطا, تبرا سبط منهم
مما صنعوا, و اعتذرواو سالوا اللّه ان يفرق بينهم , و بينهم , ففتح اللّه لهم نفقا في الارض , فساروا,
حتى خرجوا من ورا الصين , فهم هنالك حنفامسلمون , يستقبلون قبلتنا.قـال ابن جريج : قال ابن عباس : فذلك قوله : (و قلنا من بعده لبني اسرائيل اسكنوا الا رض فاذا ج
وعد الا خرة جئنابكم لفيفا) ((403)) .و وعد الاخرة : عيسى بن مريم .قـال ابـن جريج : قال ابن عباس : ساروا في السرب سنة و نصفا, و قال ابن عيينة , عن صدقة , عن
ابي الهذيل , عن السدي :(و من قوم موسى امة يهدون بالحق و به يعدلون ) ((404)) قال : قوم بينكم
و بينهم نهر من شهد, و قد وصف ابن كثير ما رواه ابن جرير : بانه خبر عجيب و قال البغوي في تفسيره ((405)) : قال الكلبي , و الضحاك و الربيع : هم قوم خلف الصين , باقصى
الشرق , على نهر مجرى الرمل , يسمى نهر اردن , ليس لاحد منهم مال دون صاحبه , يمطرون بالليل ,
و يـسقون بالنهار, و يزرعون , لايصل اليهم منا احد,و هم على دين الحق , و ذكر : ان جبريل (ع )
ذهب بالنبي (ص ) ليلة اسري به اليهم , فكلمهم , فقال لهم جبريل : هل تعرفون من تكلمون ؟ قالوا : لا,
فـقـال لـهم : هذا محمد النبى الامى , فمنوا به , فقالوا : يا رسول اللّه , ان موسى اوصانا ان من ادرك
مـنكم احمد, فليقرا عليه مني السلام , فرد النبي (ص ) على موسى و عليهم , ثم اقراهم عشر سور
مـن الـقـرآن نـزلـت بـمـكـة , و امـرهـم بالصلاة و الزكاة , و امرهم ان يقيموا مكانهم , و كانوا
يـسـبتون ((406)) , فامرهم ان يجمعوا, و يتركوا السبت و قيل : هم الذين اسلموا من اليهود في
زمن النبى (ص ) و الاول اصح و هي من خرافات بني اسرائيل و لامحالة , و العجب من البغوي ان يجعل هذه الاكاذيب اصح من القول
الاخـر الـذي هواجدر بالقبول و اولى بالصحة , ونحن لانشك في ان ابن جريج و غيره ممن رووا
ذلك , انما اخذوه عن اهل الكتاب الذين اسلموا, و لايمكن ابدا ان يكون متلقيا عن المعصوم (ص ).و قـال الالـوسـي , بعد ذكر ما ذكرناه : ((و ضعف هذه الحكاية ابن الخازن , و انا لااراها شيئا, و
اظنك لاتجد لها سندا يعول عليه و لو ابتغيت نفقا في الارض , او سلما في السما)) ((407)) .
التفسير الصحيح للاية
و الذي يترجح عندنا : ان المراد بهم اناس من قوم موسى (ع ) اهتدوا الى الحق , و دعوا الناس اليه , و بـالحق يعدلون فيمايعرض لهم من الاحكام و القضايا, و ان هؤلا الناس وجدوا في عهد موسى , وبعده , بل و في عهد نبينا(ص ) و قد بين اللّه تبارك و تعالى بهذا : ان اليهود و ان كانت الكثرة الكاثرة
فـيـهم تجحد الحق و تنكره , و تجور في الاحكام , و تعادي الانبيا,و تقتل بعضهم , و تكذب البعض
الاخـر, و فيهم من شكاسة الاخلاق و الطباع , ما فيهم , فهنالك امة كثيرة منهم : يهدون بالحق ,و به
يـعـدلون , فهم لايتابون عن الحق , ففيه شهادة و تزكية لهؤلا, و تعريض بالكثرة الغالبة منهم , التي
ليست كذلك , و التي جحدت نبوة نبينا محمد(ص ) فيمن جحدها من طوائف البشر, و ناصبته العداوة
و البغضا, و هو ما يشعر به قوله سبحانه قبل : (قل يا ايها الناس اني رسول اللّه اليكم جميعا الذي له
مـلك السماوات و الا رض لا اله الا هو يحيي و يميت فمنوا باللّه و رسوله النبى الا مى الذي يؤمن
باللّه و كلماته و اتبعوه لعلكم تهتدون ) ((408)) , و بذلك تظهر المناسبة بين هذه الاية و التي قبلها
مباشرة , و الايات التي قبل ذلك .امـا مـا ذكـروه فليس هناك ما يشهد له من عقل , و لا نقل صحيح , بل هو يخالف الواقع الملموس , و
المشاهد المتيقن , و قداصبحت الصين و ما وراها معلوما كل شبر فيها, فاين هم ؟, ثم ما هذا النهر من
الـشـهـد؟ التمسك بهذه الروايات التي لا خطام لها, و لا زمام ؟ الـعـصـر الذي نعيش فيه , اذا انتصر لمثل هذه المرويات الخرافية الباطلة ؟ صـحـت اسـانـيـدها لكان لها بسبب مخالفتها للمعقول , و المشاهد الملموس ما يجعلنا في حل من عدم
قـبـولـهـا, فـكيف و اسانيدها ضعيفة واهية ؟ لاينافي كونها من الاسرائيليات .15ـ الاسرائيليات في نسبة الشرك الى آدم و حوا.و من الروايات التي لاتصح , و مرجعها الى الاسرائيليات ما ذكره بعض المفسرين عند تفسير قوله
تـعـالـى : (هـو الـذي خـلـقـكـم من نفس واحدة , و جعل منها زوجها ليسكن اليها ((409)) فلما
تـغشاها ((410)) حملت حملا خفيفا فمرت به فلمااثقلت دعوا اللّه ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن
من الشاكرين فلما آتاهما صالحا جعلا له شرك فيما آتاهما فتعالى اللّه عمايشركون ) ((411)) .و هـذه الاية تعتبر من اشكل آيات القرآن الكريم , لان ظاهرها يدل على نسبة الشرك لادم و حوا,
و ذلـك على ما ذهب اليه جمهور المفسرين : من ان المراد بالنفس الواحدة : نفس آدم (ع ) و بقوله :
(و خـلـق مـنها زوجها) حوا و قد اول العلماالمحققون الاية تاويلا يتفق و عصمة الانبيا في عدم
جواز اسناد الشرك اليهم (ع ) كما سنبين ذلك .
الحديث المرفوع , و الاثار الواردة في هذا
و قـد زاد الطين بلة ما ورد من الحديث المرفوع , و بعض الاثار عن بعض الصحابة و التابعين , في تفسير قوله تعالى :(جعلا له شرك فيما آتاهما فتعالى اللّه عما يشركون ).و قـد اغـتـر بـهـذه الـروايـات كـثـيـر مـن الـمفسرين , كابن جرير ((412)) , و الثعلبي , والـبـغـوي ((413)) و القرطبي ((414)) , و ان كان قد ضعف الروايات , و لم تركن نفسه اليها, و
اعتبرها من الاسرائيليات , و صاحب ((الدر المنثور)) ((415)) .و الـعـجيب ان مفسرا معروفا له في رد الموضوعات و الاسرائيليات يد طولى , و هو الالوسي قد
انـخـدع بـهذه المرويات ,فقال : ((و هذه الاية عندي من المشكلات , و للعلما فيها كلام طويل , و
نـزاع عـريـض , و ما ذكرناه هو الذي يشير اليه الجبائي ,و هو مما لا باس به بعد اغضا العين عن
مخالفته للمرويات )) ثم قال : ((و قد يقال : اخرج ابن جرير عن الحبر : ان الاية نزلت في تسمية
آدم , و حـوا ولـديـهـما بعبد الحارث , و مثل ذلك لايكاد يقال من قبل الراي , و هو ظاهر في كون
الـخبر تفسيرا للاية و انت قد علمت انه اذا صح الحديث فهو مذهبي , و اراه قد صح , و لذلك احجم
كـمـيـت قـلـمـي عـن الـجـري , فـي مـيـدان الـتـاويـل ,كما جرى غيره , و اللّه تعالى الموفق
للصواب )) ((416)) .و بـعض المفسرين اعرض عن ذكر هذه المرويات , وذلك كما صنع صاحب ((الكشاف )), و تابعه
النسفي .و بعض المفسرين عرض لها, ثم بين عدم ارتضائه لها, وذلك كما صنع القرطبي في تفسيره , فقال :
ونـحـو هـذا مذكور في ضعيف الحديث , و في الترمذي و غيره , و في الاسرائيليات كثير ليس لها
اثـبـات , فـلايعول عليها من له قلب , فان آدم و حوا,و ان غرهما باللّه الغرور, فلايلدغ المؤمن من
جـحر مرتين , على انه قد سطر, و كتب , قال : قال رسول اللّه (ص ) : ((خدعهمامرتين : خدعهما
في الجنة , و خدعهما في الارض )) ((417)) .و لكن فارس هذه الحلبة و هو ابن كثير, فقد نقد المرويات نقدا علميا اصيلا, على مناهج المحدثين
و طريقتهم في نقدالرواة , و بين اصل هذه المرويات , و ان مرجعها الى الاسرائيليات .و لـنـذكـر كلام ابن كثير بنصه , و بطوله لنفاسته , و شدة الحاجة اليه في هذا المقام , قال : يذكر
الـمفسرون هاهنا آثارا,و احاديث , ساوردها و ابين ما فيها, ثم نتبع ذلك ببيان الصحيح في ذلك ـ ان
شا اللّه ـ و به الثقة .قـال الامام احمد في مسنده : حدثنا عبدالصمد (قال ) ((418)) : حدثنا عمر بن ابراهيم , (قال ) :
حدثنا قتادة , عن الحسن , عن سمرة عن النبي (ص ) قال :.((و لـمـا ولدت حوا طاف بها ابليس , و كان لايعيش لها ولد, فقال : سميه عبدالحارث , فانه يعيش ,
فـسـمته عبدالحارث ,فعاش , و كان ذلك من وحي الشيطان و امره )), و هكذا رواه ابن جرير عن
محمد بن بشار بندار, عن عبدالصمد ابن عبدالوارث به ((419)) , و رواه الترمذي في تفسير هذه
الايـة , عـن محمد بن المثنى , عن عبدالصمد, به , و قال : هذا حديث حسن غريب ـ يعني انفرد به ـ
راويـه لانـعرفه الا من حديث عمر بن ابراهيم , و رواه بعضهم عن عبدالصمد, و لم يرفعه , يعني
لم ينسبه الى النبي (ص ).و رواه الـحـاكـم فـي مـسـتـدركـه , مـن حديث عبدالصمد مرفوعا, ثم قال : هذا حديث صحيح
الاسـناد ((420)) , و لم يخرجاه ,و رواه الامام ابومحمد, ابن ابي حاتم , في تفسيره , عن ابي زرعة
الـرازي , عـن هـلال بـن فياض , عن عمر بن ابراهيم به ـ اي ببقية السند ـ مرفوعا, و كذا رواه
الحافظ ابوبكر بن مردويه , في تفسيره , من حديث شاذ بن فياض , عن عمر بن ابراهيم مرفوعا.قلت : ـ اي ابن كثيرـ و شاذ هو : هلال , و شاذ لقبه .و الغرض : ان هذا الحديث معلول من ثلاثة اوجه :.احدها : ان عمر بن ابراهيم هذا هو البصري , و قد وثقه ابن معين , و قال ابوحاتم الرازي : لايحتج
به , و لكن رواه ابن مردويه من حديث المعتمر, عن ابيه , عن الحسن , عن سمرة مرفوعا.الثاني : انه قد روى من قول سمرة نفسه , ليس مرفوعا, كما قال ابن جرير : حدثنا ابن عبدالاعلى ,
(قال ) : حدثنا المعتمرعن ابيه , (قال ) : حدثنا بكر بن عبداللّه , عن سليمان التيمي , عن ابي العلا بن
الشخير عن سمرة بن جندب , قال : ((سمى آدم ابنه عبدالحارث )).و الثالث : ان الحسن نفسه فسر الاية بغير هذا, فلو كان هذا عنده عن سمرة مرفوعا لما عدل عنه ,
قـال ابن جرير : حدثناابن وكيع (قال ) : حدثنا سهل بن يوسف , عن عمرو, عن الحسن : (جعلا له
شـركـ فـيما آتاهما), قال : كان هذا في بعض اهل الملل , و لم يكن بدم و حدثنا ((421)) محمد بن
عـبـدالاعـلى : (قال ) : حدثنا محمد بن ثور, عن معمر قال : قال الحسن : عنى بها ذرية آدم , و من
اشـرك مـنـهـم بعده , يعني : (جعلا له شرك فيما آتاهما) و حدثنا ((422)) بشر (قال ) : حدثنا
يـزيـد, (قال ) :حدثنا سعيد عن قتادة , قال : كان الحسن يقول : هم اليهود و النصارى , رزقهم اللّه
اولادا, فهودوا و نصروا ((423)) .و قـال ابن كثير : و هذه اسانيد صحيحة عن الحسن (رض ) انه فسر الاية بذلك , و هو من احسن
التفاسير, و اولى ماحملت عليه الاية , و لو كان هذا الحديث عنده محفوظا عن رسول اللّه (ص ) لما
عدل عنه هو, و لا غيره , و لاسيما مع تقواه للّه ,و ورعه .فهذا يدلك على انه موقوف على الصحابي , و يحتمل انه تلقاه من بعض اهل الكتاب : من آمن منهم مثل
كـعـب ,او وهـب بـن مـنـبه و غيرهما, كما سياتي بيانه , الا اننا برئنا من عهدة المرفوع , و اللّه
اعلم ((424)) .فـامـا الاثار فقال محمد بن اسحاق بن سيار, عن داود بن الحصين , عن عكرمة , عن ابن عباس قال :
((كانت حوا تلدلادم (ع ) اولادا فيعبدهم للّه , و يسميهم عبداللّه , و عبيداللّه و نحو ذلك , فيصيبهم
الـموت , فاتاهما ابليس , فقال : انكما لوسميتماه بغير الذي تسميانه به لعاش , قال : فولدت له رجلا,
فـسماه عبدالحارث , ففيه انزل اللّه يقول : (هو الذي خلقكم من نفس واحدة ) الى آخر الاية , و قال
الـعوفي عن ابن عباس , قوله في آدم : (هو الذي خلقكم من نفس واحدة ), الى قوله :(فمرت به ) :
شكت احملت ام لا؟ (فلما اثقلت دعوا اللّه ربهما) الاية , فاتاهما الشيطان , فقال : هل تدريان ما يولد
لـكما؟ ام هل تدريان ما يكون ابهيمة , ام لا؟, و زين لهما الباطل , انه غوى مبين , و قد كانت قبل ذلك
ولدت ولدين , فماتا, فقال لهماالشيطان : انكما ان لم تسمياه بي , لم يخرج سويا, و مات كما مات الاول ,
فسميا ولدهما عبدالحارث , فذلك قوله :(فلماآتاهما صالحا جعلا له شرك فيما آتاهما) الاية .و قـال عـبـداللّه بن المبارك , عن شريك , عن خصيف , عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس في قوله
تعالى : (فلما آتاهماصالحا جعلا له شرك فيما آتاهما) قال اللّه تعالى : (فلما تغشاها) آدم (حملت ),
اتـاهـما ابليس ـ لعنه اللّه ـ فقال : اني صاحبكما الذي اخرجتكما من الجنة , لتطيعاني , او لاجعلن له
قرني ايل ((425)) , فيخرج من بطنك , فيشقه , و لافعلن ,و لافعلن , يخوفهما, فسمياه ((426))
عبدالحارث , فابيا ان يطيعاه , فخرج ميتا, ثم حملت , يعني الثانية فاتاهما, فقال لهما مثل الاول , فابيا ان
يـطـيـعـاه , فـخـرج مـيتا, ثم حملت الثالثة , فاتاهما ايضا فذكر لهما, فادركهما حب الولد, فسمياه
عبدالحارث , فذلك قوله تعالى : (جعلا له شرك فيما آتاهما) رواه ابن ابي حاتم .و قد نسب هذا الاثر الى ابن عباس و جماعة من اصحابه : كمجاهد, و سعيد بن جبير, و عكرمة و
من الطبقة الثانية :قتادة , و السدي , و غير واحد من السلف , و جماعة من الخلف و من المفسرين من
المتاخرين : جماعات لايحصون كثرة و كان اصله ماخوذ من اهل الكتاب , فانهم رووا عن ابن عباس
عن ابي بن كعب , كما رواه ابن ابي حاتم , قال : حدثنا ابي ,(قال ) : حدثنا ابوالجماهر, (قال ) : حدثنا
سعيد ـ يعني ابن بشيرـ عن عقبة , عن قتادة , عن مجاهد, عن ابن عباس , عن ابي بن كعب , قال :.لـمـا حـملت حوا اتاها الشيطان , فقال لها : اتطيعيني و يسلم لك ولدك ؟ سميه عبدالحارث , فلم تفعل
فولدت , فمات , ثم حملت , فقال لها مثل ذلك , فلم تفعل , ثم حملت الثالثة , فجاها فقال : ان تطيعيني يسلم ,
و الا فانه يكون بهيمة , فهيبهما,فاطاعا.قال : و هذه الاثار يظهر عليها ـ و اللّه اعلم ـ انها من آثار اهل الكتاب ثم بين ان اخبار اهل الكتاب
على ثلاثة اقسام :.1 فمنها : ما علمنا صحته مما بايدينا من كتاب او سنة .2 و منها : ما علمنا كذبه بما دل على خلافه من الكتاب و السنة ايضا.3 و منها : ما هو مسكوت عنه , فهو الماذون في روايته بقوله (ع ) : ((حدثوا عن بني اسرائيل و لا
حـرج )) ((427)) , و هـو الـذي لايصدق , و لايكذب , قال : و هذا الاثر من الثاني او الثالث , فيه
نظر ((428)) .قـال : فـامـا من حدث به من صحابي او تابعي , فانه يراه من القسم الثالث ـ يعني ما يحتمل الصدق و
الـكـذب ـ و اما نحن فعلى مذهب الحسن البصري في هذا, و انه ليس المراد من هذا السياق : آدم و
حـوا, و انـمـا الـمـراد مـن ذلـك : المشركون من ذريته , و لهذا قال اللّه تعالى : (فتعالى اللّه عما
يشركون ) ((429)) فذكر آدم و حوا اولا كالتوطئة لما بعدهما من الوالدين , و هوكالاستطراد
مـن الشخص الى الجنس و هذا الذي ذهب اليه ابن كثير في تخريج الحديث و الاثار, هو الذي يجب
ان يـصار اليه ,و هو الذي ندين اللّه عليه , و لاسيما ان التفسير الحق للايتين لايتوقف على شي مما
روي .و المحققون من المفسرين , منهم من نحا منحى ابن كثير, فجعل الاية الاولى في آدم و حوا, و جعل
قـولـه : (فـلماآتاهما صالحا) الاية في المشركين من ذريتهما, اي جعلا اولادهما شركا للّه فيما
آتـاهـمـا, و المراد بهم : الجنس , اي جنس الذكر و الانثى , فمن ثم حسن قوله : (فتعالى اللّه عما
يشركون ) بالجمع , و يكون هذا الكلام من الموصول لفظا المفصول معنى و منهم من جعل الايتين في
ذريـة آدم و حوا, اي خلقكم من نفس واحدة , و هي نفس الذكر, و جعل منها, اي من جنسهازوجها,
و هي الانثى , فلما آتاهما صالحا, اي بشرا سويا كاملا, جعلا اي الزوجان الكافران للّه شركا فيما
آتـاهـمـا, و بذلك ابدلاشكر اللّه كفرانا به و جحودا, و على هذا لايكون لادم و حوا ذكر ما في
الايتين و هنالك تفاسير اخرى , لسنا منها على ثلج ,و لا طمانينة ((430)) .
16ـ الاسرائيليات في سفينة نوح
و مـن الاسـرائيـلـيـات الـتـي اشتملت عليها بعض كتب التفسير, كتفسير ابن جرير, و ((الدر المنثور)), و غيرهما ما روي في سفينة نوح (ع ) فقد احاطوها بهالة من العجائب و الغرائب , من ايخشب صنعت ؟ و ما طولها؟ و ما عرضها؟ و ما ارتفاعها؟,و كيف كانت طبقاتها؟ و ذكروا خرافات
في خلقة بعض الحيوانات من الاخرى , و قد بلغ ببعض الرواة انهم نسبوا بعض هذا الى النبي (ص ),
قـال صـاحب ((الدر)) : و اخرج ابوالشيخ , و ابن مردويه , عن ابن عباس )) عن النبي (ص ) قال :
((كانت سفينة نوح (ع ) لها اجنحة , و تحت الاجنحة ايوان )), اقول : قبح اللّه من نسب مثل هذا الى
النبي (ص ).و اخـرج ابن مردويه عن سمرة بن جندب (رض ) ان رسول اللّه (ص ) قال : ((سام ابوالعرب , و
حـام ابـوالـحـبـش , و يـافث ابوالروم )) و ذكر : ان طول السفينة كان ثلاثمائة ذراع , و عرضها
خـمـسون ذراعا, و طولها في السما ثلاثون ذراعا, و بابها في عرضها, ثم ذكر عن ابن عباس مثل
ذلك : في طولها, و ارتفاعها, ثم قال : و اخرج اسحاق بن بشر, و ابن عساكر, عن ابن عباس : ((ان
نـوحـا لـمـا امر ان يصنع الفلك , قال : يا رب , و اين الخشب ؟, قال : اغرس الشجر, فغرس الساج
عـشـريـن سنة , الى ان قال : فجعل السفينة ستمائة ذراع طولها, و ستين ذراعا في الارض ـ يعني
عـمـقـهاـ , و عرضها ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون ((431)) و امر ان يطليها بالقار ((432)) , و
لـم يكن في الارض قار, ففجر اللّه له عين القار, حيث تنحت السفينة , تغلي غليانا, حتى طلاها,فلما
فـرغ مـنـها جعل لها ثلاثة ابواب , و اطبقها, و حمل فيها السباع , و الدواب , فالقى اللّه على الاسد
الحمى , و شغله بنفسه عن الدواب , و جعل الوحش و الطير في الباب الثاني , ثم اطبق عليهما.و اخـرج ابـن جرير, و ابوالشيخ عن الحسن , قال : ((كان طول سفينة نوح (ع ) الف ذراع و مئتي
ذراع , و عرضها ستمائة ذراع )) و اليك ما ذكره بعد هذا من العجب العجاب , قال :.و اخـرج ابن جرير, عن ابن عباس )) قال : قال الحواريون لعيسى بن مريم (ع ) لو بعثت لنا رجلا
شهد السفينة , فحدثنا عنهافانطلق بهم , حتى انتهى الى كثيب من تراب , فاخذ كفا من ذلك التراب , قال
: اتدرون ما هذا؟ قالوا : اللّه و رسوله اعلم , قال :هذا كعب حام بن نوح , فضرب الكثيب بعصاه , قال
: قـم باذن اللّه , فاذا هو قائم ينفض التراب عن راسه , قد شاب , قال له عيسى (ع ) : هكذا هلكت ؟ قـال : لا, مت و انا شاب , و لكنني ظننت انها الساعة , فمن ثم شبت , قال : حدثنا عن سفينة نوح ,قال :
كـان طـولـهـا الف ذراع , و مئتي ذراع , و عرضها ستمائة ذراع , كانت ثلاث طبقات , فطبقة فيها
الدواب و الوحش , و طبقة فيها الانس , و طبقة فيها الطير فلما كثر ارواث الدواب اوحى اللّه الى
نـوح : ان اغـمز ذنب الفيل , فغمزه , فوقع منه خنزيرو خنزيرة الـفـار جـعـل يـخرب السفينة بقرضه اوحى اللّه الى نوح : ان اضرب بين عيني الاسد,فخرج من
منخره سنور و سنورة , فاقبلا على الفار فاكلاه .و فـي رواية اخرى : ان الاسد عطس , فخرج من منخره سنوران , ذكر و انثى , فاكلا الفار, و ان
الفيل عطس , فخرج من منخره خنزيران , ذكر و انثى , فاكلا اذي السفينة و انه لما اراد الحمار ان
يـدخـل الـسفينة اخذ نوح باذني الحمار, و اخذ ابليس بذنبه , فجعل نوح (ع ) يجذبه , و جعل ابليس
يجذبه , فقال نوح : ادخل شيطان ـ و يريد به الحمارـ فدخل الحمار, و دخل معه ابليس فلما سارت
السفينة جلس ابليس في اذنابها يتغنى , فقال له نوح (ع ) : ويلك من اذن لك ؟ قال :ان قلت للحمار : ادخل يا شيطان , فدخلت باذنك .