6ـ الاسرائيليات في قصص الانبيا و الامم السابقة - تفسیر والمفسرون فی ثوبه القشیب جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسیر والمفسرون فی ثوبه القشیب - جلد 2

محمد هادی معرفت

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

فـطـعن الناس في طالوت بسبب داود, و اختفائه , فاسرف طالوت في قتل العلما و العباد, ثم كان ان وقـعـت التوبة في قلبه ,و ندم على ما فعل , و حزن حزنا طويلا, و صار يطلب من يفتيه ان له توبة
فلم يجد, حتى دل على امراة عندها اسم اللّه الاعظم ,فذهب اليها, و امن روعها فانطلقت به الى قبر
((شمويل )), فخرج من قبره و ارشده الى طريق التوبة , و هو ان يقدم ولده و نفسه في سبيل اللّه
حـتـى يقتلوا, ففعل و جا قاتل طالوت الى داود ليخبره بقتله , فكانت مكافاته على ذلك ان قتله و اتى
بنواسرائيل الى داود, و اعطوه خزائن طالوت , و ملكوه على انفسهم و قد استغرق ذلك من تفسير
البغوي بضع صحائف ((326)) .

قال ابوشهبة : و في هذا الذي ذكروه الحق و الباطل , و الصدق , و الكذب , و نحن في غنية عنه بما
في ايدينا من القرآن و السنة و ليس في كتاب اللّه ما يدل على ما ذكروه , و لسنا في حاجة الى شي من
هذا في فهم القرآن و تدب ره , فلاتلق اليه بالا, و ارم به دبر اذنيك , فان فيه تجنيا على من اصطفاه
اللّه ملكا عليهم , و كذبا على نبي اللّه داود.

و اما الامام العلامة ابن كثير, فقد اعرض عن ذكره , و نبه الى انه من الاسرائيليات , فقال في قوله
تـعـالى : (و قتل داودجالوت ) : ذكروا في الاسرائيليات ((327)) انه قتله بمقلاع كان في يده
رماه به فاصابه , فقتله , و كان طالوت قد وعده ان قتل جالوت ان يزوجه ابنته , و يشاطره نعمته , و
يشركه في امره , فوفى له , ثم آل الملك الى داود(ع ) مع ما منحه اللّه من النبوة العظيمة , و لهذا قال
تـعـالـى : (و آتاه اللّه الملك ) الذي كان بيد طالوت , (و الحكمة ) اي النبوة بعد شمويل , (و علمه
ممايش) من العلم الذي اختصه به (ع ).

6ـ الاسرائيليات في قصص الانبيا و الامم السابقة

و قـد جـا فـي كـتـب الـتفسير ـ على اختلاف مناهجهاـ اسرائيليات كواذب , و مرويات بواطل , لايحصيها العد, و ذلك فيمايتعلق بقصص الانبيا و المرسلين و الامم و الاقوام السابقين و قد رويت
عن بعض الصحابة , و التابعين و تابعيهم , و وردبعضها مرفوعا الى النبي (ص ) كذبا, و زورا.

و هذه المرويات و الحكايات لاتمت الى الاسلام , و انما هي من خرافات بني اسرائيل و اكاذيبهم , و
افـتـرااتهم على اللّه ,و على رسله , رواها عن اهل الكتاب الذين اسلموا, او اخذها من كتبهم بعض
الـصحابة و التابعين , او دست عليهم , بل فيها ماحرفوا لاجله التوراة , و ذلك مثل ما فعلوا في قصة
اسحاق بن ابراهيم , و انه هو الذبيح , كما سياتى .

و لايمكن استقصا كل ما ورد من الاسرائيليات , و الا لاقتضى هذا مجلدات كبارا, و لكني ساكتفي
بما هو ظاهر البطلان ,و لايتفق و سنن اللّه في الاكوان , و ما يخل بالعقيدة الصحيحة في انبيا اللّه
و رسله التي يدل عليها العقل السليم , و النقل الصحيح .

7ـ ما ورد في قصة آدم (ع )

(فازلهما الشيطان عنها فاخرجهما مما كانا فيه ) ((328)) .
فـمن تلك الاسرائيليات ما رواه ابن جرير ((329)) في تفسيره بسنده عن وهب بن منبه قال : لما
اسكن اللّه آدم و ذريته او زوجته ـ الشك من ابي جعفر, و هو في اصل كتابه ((و ذريته )) ـ و نهاه
عـن الـشـجـرة , و كـانـت شجرة غصونها متشعبة بعضها في بعض , و كان لها ثمر تاكله الملائكة
لـخـلـدهـم ((330)) , و هـي الـثـمـرة الـتـي نهى اللّه آدم عنها و زوجته , فلما اراد ابليس ان
يـستزلهمادخل في جوف الحية , و كانت للحية اربعة قوائم , كانها بختية ((331)) من احسن دابة
خلقها اللّه فلما دخلت الحية الجنة خرج من جوفها ابليس , فاخذ من الشجرة التي نهى اللّه عنها آدم و
زوجته , فجا بها الى حوا, فقال : انظري الى هذه الشجرة , ما اطيب ريحها, و اطيب طعمها, و احسن
لـونـهـا سـؤاتـهـما فدخل آدم في جوف الشجرة , فناداه ربه : يا آدم اين انت ؟ قال : انا هنا يا رب قال : الا
تـخرج ؟ قال :استحيي منك يا رب قال : ملعونة الارض التي خلقت منها, لعنة يتحول ثمرها شوكا ثم
قال : يا حوا, انت التي غررت عبدي ,فانك لاتحملين حملا الا حملتيه كرها, فاذا اردت ان تضعي ما
فـي بـطـنـك اشـرفت على الموت مرارا و قال للحية : انت التي دخل الملعون في جوفك حتى غر
عبدي , ملعونة انت لعنة تتحول قوائمك في بطنك , و لايكن لك رزق الا التراب , انت عدوة بني آدم , و
هم اعداؤك قال عمرو : قيل لوهب : و ماكانت الملائكة تاكل ((332)) قال
ابن جرير : و روى ابن عباس نحو هذه القصة .

ثـم ذكـر ابـن جـريـر بسنده عن ابن عباس , و عن ابن مسعود, و عن ناس من الصحابة نحو هذا
الكلام ((333)) , و في السند اسباطعن السدي , و عليهما تدور الروايات .

و كـذلـك ذكر السيوطي في ((الدر المنثور)) ما رواه ابن جرير و غيره في هذا, مما روي عن
ابـن عـبـاس , و ابـن مـسعود, و لكنه لم يذكر الرواية عن وهب بن منبه ((334)) , و اغلب كتب
التفسير بالراي ذكرت هذا ايضا و كل هذا من قصص بني اسرائيل الذي تزيدوا فيه , و خلطوا حقا
بباطل , ثم حمله عنهم الضعفا من الصحابة و التابعين , و فسروا به القرآن الكريم .

و لـقـد احسن ابن جرير, فقد اشار بذكره الرواية عن وهب الى ان ما يرويه عن ابن عباس , و ابن
مـسعود, انما مرجعه الى وهب و غيره من مسلمة اهل الكتاب , و ياليته لم ينقل شيئا من هذا, و ياليت
من جا بعده من المفسرين صانوا تفاسيرهم عن مثل هذا و في رواية ابن جرير الاولى ما يدل على ان
الـذيـن رووا عـن وهـب و غـيـره كـانـوا يـشكون فيما يروونه لهم , فقد جا في آخرها : (قال
((335)) قال : يفعل اللّه ما يشا) فهم قد
: قـيـل لـوهـب : و مـاكانت الملائكة تاكل ؟ استشكلوا عليه , كيف ان الملائكة تاكل ؟ و وسـوسة ابليس لادم (ع ) لاتتوقف على دخوله في بطن الحية , اذ الوسوسة لاتحتاج الى قرب و
لا مـشـافـهة , و قد يوسوس اليه و هو على بعد اميال منه و الحية خلقها اللّه يوم خلقها على هذا, و
لم تكن لها قوائم كالبختي , و لا شي من هذا ((336)) .

ما نسب الى ابنى آدم لما قتل احدهما الاخر

و مـن ذلـك : مـا ذكره بعض المفسرين كابن جرير الطبري في تفسيره , و السيوطي في تفسيره ((الـدر المنثور)) في قصة ابني آدم : قابيل , و هابيل , و قتل اولهما الاخر, ما روي عن كعب : ان
الدم الذي على جبل قاسيون هو دم ابن آدم , و عن وهب : ان الارض نشفت دم ابن آدم المقتول , فلعن
ابـن آدم الارض , فـمـن اجل ذلك لاتنشف الارض دما بعد دم هابيل الى يوم القيامة و ان قابيل حمل
هابيل سنة في جراب على عنقه , حتى انتن و تغير, فبعث اللّه الغرابين , قتل احدهما الاخر, فحفر
له , و دفنه برجليه و منقاره , فعلم كيف يصنع باخيه مع ان القرآن عبر بالفا التي تدل على الترتيب و
الـتـعـقـيب من غير تراخ قال تعالى : (فبعث اللّه غرابا يبحث في الا رض ليريه كيف يواري سواة
اخيه ) ((337)) .

و روى ايـضـا : انـه لـما قتله اسود جسده , و كان ابيض , فساله آدم عن اخيه , فقال : ماكنت عليه
وكيلا قال : بل قتلته فلذلك اسود جسدك , الى نحو ذلك .

فكل هذا و امثاله ـ عدا ما جا في القرآن ـ من اسرائيليات بني اسرائيل , و قد جات بعض الروايات
صـريـحة عن كعب ,و وهب و ما جا عن ابن عباس , و مجاهد و غيرهما, فمرجعه الى اهل الكتاب
الذين اسلموا ((338)) .

ما نسب الى آدم (ع ) من قول الشعر

و من الاسرائيليات ما رواه ابن جرير في تفسيره , و ما ذكره السيوطي في ((الدر)) : من ان آدم لما قتل احد ابنيه الاخر, مكث مائة عام لايضحك حزنا عليه , فاتى على راس المائة , فقيل له : حياك
اللّه , و بياك , و بشر بغلام , فعند ذلك ضحك .

و كـذلك ما ذكره من ان آدم (ع ) رثى ابنه بشعر, روى ابن جرير عن علي بن ابي طالب (ع ) قال :
لما قتل ابن آدم اخاه بكى آدم , فقال :.




  • تغيرت البلاد, و من عليها
    تغير كل ذي لون و طعم
    و قل بشاشة الوجه المليح .



  • فوجه الارض مغبد قبيح .
    و قل بشاشة الوجه المليح .
    و قل بشاشة الوجه المليح .



قـال الـسـيـوطي : و اخـرج الخطيب و ابن عساكر عن ابن عباس قال : لما قتل ابن آدم اخاه قال
آدم (ع ) : و ذكر البيتين السابقين باختلاف قليل .

فاجابه ابليس عليه اللعنة :.




  • تنح عن البلاد و ساكنيها
    و كنت بها و زوجك في رخا
    فماانفكت مكايدتي و مكري
    الى ان فاتك الثمن الربيح ((339)) .



  • فبي في الخلد ضاق بك الفسيح .
    و قلبك من اذى الدنيا مريح .
    الى ان فاتك الثمن الربيح ((339)) .
    الى ان فاتك الثمن الربيح ((339)) .



و قـد طعن في نسبة هذه الاشعار الى نبي اللّه آدم الامام الذهبي في كتابه ((ميزان الاعتدال )), و
قال : ان الافة فيه من المخرمي او شيخه ((340)) .

و ما الشعر الذي ذكروه الا منحول مختلق , و الانبيا لايقولون الشعر, و صدق الزمخشري حيث قال
: ((روى ان آدم مـكـث بـعـد قتل ابنه مائة سنة لايضحك , و انه رثاه بشعر, و هو كذب بحت و ما
الشعر الا منحول ملحون و قد صح ان الانبيامعصومون من الشعر)) ((341)) .

و قـد قـال اللّه تـبـارك و تـعـالـى : (و مـاعـلـمناه الشعر و ماينبغي له ان هو الا ذكر و قرآن
مبين ) ((342)) .

و قال الالوسي في تفسيره : و روي عن ميمون بن مهران عن الحبر ابن عباس انه قال : ((من قال :
ان آدم (ع ) قـال شعرا فقدكذب , ان محمدا(ص ) و الانبيا كلهم في النهي عن الشعر سوا و لكن لما
قـتـل قابيل هابيل رثاه آدم بالسريانية , فلم يزل ينقل ,حتى وصل الى يعرب بن قحطان , و كان يتكلم
بـالعربية و السريانية , فنظر فيه , فقدم و اخر, و جعله شعرا عربيا و ذكر بعض علما العربية ان
فـي ذلـك الـشـعـر لحنا, او اقوا, او ارتكاب ضرورة و الاولى عدم نسبته الى يعرب , لما فيه من
الركاكة الظاهرة ((343)) .

قـال ابـوشـهـبـة : و الـحق انه شعر في غاية الركاكة , و الاشبه ان يكون هذا الشعر من اختلاق
اسرائيلي , ليس له من العربية الاحظ قليل , او قصاص يريد ان يستولي على قلوب الناس , بمثل هذا
الهرا.

8ـ الاسرائيليات في عظم خلق الجبارين و خرافة عوج بن عوق

و مـن الاسرائيليات التي اشتملت عليها كتب التفسير, ما يذكره بعض المفسرين , عند تفسير قوله تعالى : (قالوا يا موسى ان فيها قوما جبارين و انا لن ندخلها حتى يخرجوا منها) ((344)) .

فـقـد ذكـر الـجـلال الـسـيوطي في ((الدر)) كثيرا من الروايات في صفة هؤلا القوم , و عظم
اجـسـادهم , مما لايتفق و سنة اللّه في خلقه , و يخالف ما ثبت في الاحاديث الصحيحة , و ذلك مثل ما
اخـرجـه ابـن عبدالحكم عن ابي ضمرة قال : استظل سبعون رجلا من قوم موسى في خف رجل من
الـعماليق اولادها رابضة في فجاج عين رجل من العماليق عباس , قال :امر موسى ان يدخل مدينة الجبارين , فسار بمن معه , حتى نزل قريبا من المدينة , و هي
((اريحا)) فبعث اليهم اثني عشر نقيبا,من كل سبط منهم عين , لياتوه بخبر القوم , فدخلوا المدينة ,
فـراوا امـرا عـظـيما من هيبتهم , و جسمهم و عظمهم , فدخلواحائطا ـ اي بستاناـ لبعضهم , فجا
صـاحـب الحائط ليجني الثمار, فنظر الى آثارهم فتبعهم , فكلما اصاب واحدا منهم اخذه ,فجعله في
كـمـه مع الفاكهة و ذهب الى ملكهم , فنثرهم بين يديه , فقال الملك : قد رايتم شاننا و امرنا, اذهبوا
فـاخـبـروا صـاحبكم ,قال : فرجعوا الى موسى فاخبروه بما عاينوه من امرهم , فقال : اكتموا عنا,
فـجـعـل الرجل يخبر اخاه و صديقه , و يقول : اكتم عني , فاشيع في عسكرهم , و لم يكتم منهم الا
رجـلان : يـوشـع بن نون , و كالب بن يوحنا, و هما اللذان انزل اللّه فيهما : (قال رجلا ن من الذين
يخافون انعم اللّه عليهما ادخلوا عليهم الباب فاذا دخلتموه فانكم غالبون ) ((345)) .

و يـروي ابـن جـريـر بسنده , عن مجاهد, نحوا مما قدمنا, ثم يذكر ان عنقود عنبهم لايحمله الا
خـمـسـة انـفـس , بـيـنـهـم فـي خشبة , و يدخل في شطر الرمانة اذا نزع حبها خمسة انفس او
اربعة ((346)) , الى غير ذلك من الاسرائيليات الباطلة .

خرافة عوج بن عوق ((347))

و مـن الاسرائيليات الظاهرة البطلان , التي ولع بذكرها بعض المفسرين و الاخباريين , عند ذكر الـجـبـاريـن : قـصة عوج بن عوق , و انه كان طوله ثلاثة آلاف ذراع , و انه كان يمسك الحوت ,
فـيـشويه في عين الشمس , و ان طوفان نوح لم يصل الى ركبتيه , و انه امتنع عن ركوب السفينة مع
نـوح , و ان مـوسـى كـان طوله عشرة اذرع و عصاه عشرة اذرع , و وثب في الهوا عشرة اذرع ,
فاصاب كعب عوج فقتله , فكان جسرا لاهل النيل سنة , الى نحو ذلك من الخرافات , و الاباطيل التي
تصادم العقل و النقل , و تخالف سنن اللّه في الخليقة و لاادري كيف يتفق هذا الباطل , هو, و قول اللّه
تبارك و تعالى : (و نادى نوح ابنه و كان في معزل يا بني اركب معنا و لا تكن مع الكافرين قال سوى
الـى جـبـل يعصمني من الم قال لا عاصم اليوم من امر اللّه الا من رحم و حال بينهما الموج فكان من
.
اللهم الا اذا كان عوج اطول من جبال الارض فـمـن تلك الروايات الباطلة المخترعة ما رواه ابن جرير بسنده عن اسباط, عن السدي , في قصة
ذكـرهـا مـن امـر موسى و بني اسرائيل , و بعث موسى النقبا الاثني عشر, و فيها : فلقيهم رجل من
الـجـبارين يقال له : عوج , فاخذ الاثني عشر,فجعلهم في حجزته ((349)) , و على راسه حملة
حـطـب , و انـطـلـق بهم الى امراته , فقال : انظرى الى هؤلا القوم الذين يزعمون انهم يريدون ان
يقاتلونا, فطرحهم بين يديها, فقال : الا اطحنهم برجلي ؟, فقالت امراته : بل خل عنهم , حتى يخبروا
قـومـهـم بما راوا,ففعل ذلك و كذلك ذكر مثل هذا و اشنع منه غير ابن جرير و السيوطي بعض
الـمـفـسـرين و القصيصين , و هي كما قال ابن قتيبة :احاديث خرافة , كانت مشهورة في الجاهلية ,
الصقت بالحديث بقصد الافساد ((350)) .

و اليك ما ذكره الامام الحافظ الناقد ابن كثير في تفسيره , قال : و قد ذكر كثير من المفسرين هاهنا
اخبارا من وضع بني اسرائيل , في عظمة خلق هؤلا الجبارين , و ان منهم عوج بن عنق بنت آدم (ع ),
و انـه كـان طـولـه ثـلاثـة آلاف ذراع و ثلثمائة و ثلاثة و ثلاثون ذراعا, و ثلث ذراع , تحرير
الحساب , و هذا شي يستحى من ذكره , ثم هو مخالف لما ثبت في الصحيحين :ان رسول اللّه (ص ) قال
: ((ان اللّه خلق آدم , وطوله ستون ذراعا, ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الان )), ثم ذكروا : ان هذا
الرجل كان كافرا, و انه كان ولد زنية , و انه امتنع من ركوب سفينة نوح , و ان الطوفان لم يصل الى
ركبتيه و هذا كذب و افترا, فان اللّه تعالى ذكر : ان نوحا دعا على اهل الارض من الكافرين , فقال :
(رب لا تذر على الا رض من الكافرين ديارا) ((351)) و قال تعالى :(فانجيناه و من معه في الفلك
الـمـشـحـون ثـم اغـرقـنا بعد الباقين ) ((352)) و قال تعالى : (لا عاصم اليوم من امر اللّه الا
من رحم ) ((353)) , و اذا كان ابن نوح الكافر غرق , فكيف يبقى عوج بن عنق , و هو كافر, و ولد
زنـية ؟ اعلم ((354)) .

و قال ابن قيم الجوزية , بعد ان ذكر حديث عوج : ((و ليس العجب من جراة من وضع هذا الحديث ,
و كذب على اللّه ,و انما العجب ممن يدخل هذا في كتب العلم من التفسير و غيره , فكل ذلك من وضع
زنادقة اهل الكتاب الذين قصدواالاستهزا, و السخرية بالرسل و اتباعهم )).

قال ابو شهبة : و سوا اكان عوج بن عوق شخصية وجدت حقيقة , او شخصية خيالية , فالذي ننكره
هو : ما اضفوه عليه من صفات و ما حاكوه حوله من اثواب الزور و الكذب و التجرؤ, على ان يفسر
كـتاب اللّه بهذا الهرا و ليس في نص القرآن مايشير الى ما حكوه و ذكروه , و لو من بعد, او وجه
الاحـتـمـال , ثـم اين زمن نوح من زمن موسى (ع ) و ما يدل عليه آية : (قالوا ياموسى ان فيها قوما
جـبـاريـن و انا لن ندخلها حتى يخرجوا منها) ((355)) كان في زمن موسى قطعا, و لا مرية في
هـذا, فـهـل طـالـت الحياة بعوج حتى زمن موسى ؟ اليهود, فكم من علم افسدوا و كم من خرافات و اباطيل وضعوا ((356)) .

9ـ الاسرائيليات في قصة التيه

فمن هذه الاخبار العجيبة التي رويت في قصة التيه , ما رواه ابن جرير بسنده عن الربيع , قال : لما قـال لـهم القوم ما قالوا,و دعا موسى عليهم , اوحى اللّه الى موسى : انها محرمة عليهم اربعين سنة ,
يـتيهون في الارض , فلاتاس على القوم الفاسقين ,و هم يومئذ ستمائة الف مقاتل , فجعلهم فاسقين بما
عصوا, فلبثوا اربعين سنة في فراسخ ستة , او دون ذلك , يسيرون كل يوم جادين , لكي يخرجوا منها,
حـتـى يـمـسـوا و يـنزلوا, فاذا هم في الدار التي منها ارتحلوا, و انهم اشتكوا الى موسى ما فعل
بـهـم ,فـانزل عليهم المن و السلوى ((357)) , و اعطوا من الكسوة ما هي قائمة لهم , ينشا الناشي
فـتكون معه على هيئته و سال موسى ربه ان يسقيهم , فاتى ((بحجر الطور)), و هو حجر ابيض ,
اذا مـا انزل القوم ضربه بعصاه , فيخرج منه اثنتا عشرة عينا, لكل سبط منهم عين , قد علم كل اناس
مـشـربـهـم و كـذلـك روى : ان ثـيـابـهـم ما كانت تبلى , و لاتتسخ و كذلك نقل بعض المفسرين
كالزمخشري و غيره : بانهم كانوا ستمائة الف , و سعة المعسكر اثناعشر ميلا.

و كـذلـك ذكـروا ان الحجر كان من الجنة , و لم يكن حجرا ارضيا و منهم من قال : كان على هيئة
راس انـسـان و منهم من قال :كان على هيئة راس شاة و قيل : كان طوله عشرة اذرع , و له شعبتان
تـتـقـدان في الظلام , الى غير ذلك من تزيدات بني اسرائيل و ليس في القرآن ما يدل على هذا الذي
ذكـروه فـي وصف الحجر, مع انه لو اريد بالحجر الجنس , و ان يضرب اي حجرما, لكان ادل على
القدرة , و اظهر في الاعجاز.

و قـد لاحـظ ابـن خـلـدون ـ من قبل ـ المغالط التي تدخل في مثل هذه المرويات , فقال في مقدمته
المشهورة :.

اعلم ان فن التاريخ فن عزيز المذهب , جم الفوائد, شريف الغاية , اذ هو يوقفنا على احوال الماضين
من الامم في اخلاقهم ,و الانبيا في سيرهم , و الملوك في دولهم , و سياستهم , حتى تتم فائدة الاقتدا
في ذلك لمن يرومه في احوال الدين و الدنيا,فهو محتاج الى مخذ متعددة , و معارف متنوعة , و حسن
نـظـر و تـثبت , يفضيان بصاحبهما الى الحق , و ينكبان به عن المزلا ت و المغالط, لان الاخبار اذا
اعـتـمـد فـيـها على مجرد النقل , و لم تحكم اصول العادة , و قواعد السياسة , و طبيعة العمران ,و
الاحـوال في الاجتماع الانساني , و لو قيس الغائب منها بالشاهد, و الحاضر بالذاهب , فربما لم يؤمن
فيها من العثور, و مزلة القدم , و الحيد عن جادة الصدق , و كثيرا ما وقع للمؤرخين , و المفسرين و
ائمـة الـنقل من المغالط في الحكايات , و الوقائع ,لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثا او سمينا, و
لـم يـعـرضـوها على اصولها, و لا قاسوها باشباهها, و لا سبروها بمعيارالحكمة , و الوقوف على
طـبائع الكائنات و تحكيم النظر و البصيرة في الاخبار, فضلوا عن الحق , و تاهوا في بيدا الوهم و
الـغلط, و لاسيما في احصا الاعداد من الاموال , و العساكر اذا عرضت في الحكايات , اذ هي مظنة
الـكـذب و مـطـيـة الـهذر,و لابد من ردها الى الاصول , و عرضها على القواعد و هذا : كما نقل
الـمـسـعودي و كثير من المؤرخين في جيوش بني اسرائيل ,و ان موسى احصاهم في التيه , بعد ان
اجـاز من كان يطيق حمل السلاح خاصة من ابن عشرين , فما فوقها, فكانوا ستمائة الف او يزيدون ,
و يذهل في ذلك عن تقدير مصر و الشام , و اتساعهما لمثل هذا العدد من الجيوش , لكل مملكة حصة
من الحامية تتسع لها, و تقوم بوظائفها, و تضيق عما فوقها, تشهد بذلك العوائد المعروفة , و الاحوال
المالوفة .

و لـقـد كـان مـلك الفرس و دولتهم اعظم من ملك بني اسرائيل بكثير, يشهد لذلك : ما كان من غلب
بـخـتـنـصر لهم , و التهامه بلادهم , و استيلائه على امرهم , و تخريب بيت المقدس قاعدة ملتهم و
سلطانهم , و هو من بعض عمال مملكة فارس و كانت ممالكهم بالعراقين , و خراسان , و ما ورا النهر,
و الابواب , اوسع من ممالك بني اسرائيل بكثير, و مع ذلك لم تبلغ جيوش الفرس قط مثل هذا العدد و
لا قـريـبـا مـنـه و اعـظـم مـا كانت جموعهم بالقادسية مائة و عشرين الفا, كلهم متبوع , على ما
نـقـله ((سيف )) قال : و كانوا في اتباعهم اكثر من مئتي الف و عن عائشة , و الزهري : ان جموع
رستم التي حف بهم سعد بالقادسية انما كانوا ستين الفا كلهم متبوع .

و ايضا : فلو بلغ بنواسرائيل مثل هذا العدد, لاتسع نطاق ملكهم , و انفسح مدى دولتهم , فان العمالات
و الممالك في الدول , على نسبة الحامية , و القبيل القائمين بها في قلتها و كثرتها حسبما نبين ذلك في
فـصل الممالك من الكتاب الاول ((358)) ,و القوم لم تتسع ممالكهم الى غير الاردن , و فلسطين من
الشام , و بلاد يثرب , و خيبر, من الحجاز, على ما هو المعروف .

و ايـضا : فالذي بين موسى و اسرائيل , ان هو الا اربعة آبا, على ما ذكره المحققون , فان موسى بن
عمران بن يصهر بن قاهث ـ بفتح الها و كسرهاـ بن لاوى ـ بكسر الواو و فتحهاـ بن يعقوب و هو
: اسـرائيل , هكذا نسبه في التوراة و المدة بينهماعلى ما نقله المسعودي , قال : دخل اسرائيل مصر
مع ولده الاسباط, و اولادهم , حين اتوا الى يوسف سبعين نفسا, و كان مقامهم بمصر الى ان خرجوا
مـع موسى (ع ) الى التيه , مئتين و عشرين سنة , تتداولهم ملوك القبط من الفراعنة و يبعد ان يتشعب
الـنـسـل فـي اربـعة اجيال الى مثل هذا العدد سـلـيمان و من بعده ,فبعيد ايضا, اذ ليس بين سليمان و اسرائيل الا احدعشر ابا, و لايتشعب النسل
فـي احـدعشر من الولد الى هذا العدد الذي زعموه , اللهم الا المئين و الالاف , فربما يكون و اما ان
يـتـجاوز هذا الى ما بعدهما من عقود الاعداد فبعيد, و اعتبر ذلك في الحاضر المشاهد, و القريب
المعروف تجد زعمهم باطلا, و نقلهم كاذبا.

قال : و الذي ثبت في ((الاسرائيليات )) ان جنود سليمان كانت اثني عشر الفا خاصة , و ان مقرباته
كـانـت الـفـا, و اربـعـمائة فرس مرتبطة على ابوابه هذا هو الصحيح من اخبارهم , و لايلتفت الى
خرافات العامة منهم , و في ايام سليمان (ع ), و ملكه كان عنفوان دولتهم , و اتساع ملكهم ((359)) .

و هـذا الـفـصـل مـن الـنـفـاسـة بمكان , فلذلك حرصنا على ذكره , لانه يفيدنا في رد الكثير من
الاسرائيليات التي وقعت فيهاالمغالط, و الاخبار الباطلة , و الخرافات التي كانت سائدة في العصور
الاولى .

10ـ الاسرائيليات في : ((المائدة التي طلبها الحواريون ))

و من الاسرائيليات التي ذكرها المفسرون عند تفسير قوله تعالى : (اذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك ان ينزل علينا مائدة من السم قال اتقوا اللّه ان كنتم مؤمنين قالوا نريد ان ناكل
مـنها و تطمئن قلوبنا و نعلم ان قد صدقتناو نكون عليها من الشاهدين قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا
انزل علينا مئدة من السم تكون لنا عيدا لا ولنا, و آخرنا و آية منك , و ارزقنا و انت خير الرازقين
قـال اللّه انـي مـنـزلـهـا عـلـيـكـم فـمـن يـكـفـر بـعـد منكم فاني اعذبه عذابا لا اعذبه احدا
من العالمين ) ((360)) .

و قـد اختلف العلما في المائدة , انزلت ام لا؟ و جمهور العلما ـ سلفا و خلفاـ على نزولها و هذا هو
ظـاهـر القرآن , فقدوعد اللّه , و وعده محقق لا محالة و ذهب الحسن و مجاهد الى انها لم تنزل , و
ذلك لان اللّه سبحانه لما توعدهم على كفرهم ,بعد نزولها بالعذاب البالغ غاية الحد, خافوا ان يكفر
بعضهم , فاستعفوا, و قالوا : لانريدها فلم تنزل , و لاندري ما الحامل لهم على هذا؟ و قـد احـيطت المائدة باخبار كثيرة , اغلب الظن انها من الاسرائيليات , رويت عن وهب بن منبه , و
كعب , و سلمان , و ابن عباس , و مقاتل , و الكلبي , و عطا و غيرهم , بل رووا في ذلك حديثا عن عمار
بـن يـاسر عن النبي (ص ) انه قال : ((انها نزلت خبزا و لحما, و امروا ان لايخونوا, و لايدخروا
لـغـد)) و فـي روايـة : بزيادة ((و لايخبئوا, فخانوا و ادخروا, و رفعوا لغد, فمسخواقردة و
خـنازير)) و رفع مثل هذا الى النبي غلط, و وهم من احد الرواة على ما نرجح فقد روى هذا ابن
جـريـر فـي تفسيره مرفوعا,و موقوفا, و الموقوف اصح , و قد نص على ان المرفوع لا اصل له
الامام ابوعيسى الترمذي , فقال بعد ان روى الروايات المرفوعة : ((هذا حديث قد رواه ابوعاصم و
غـيـرواحد, عن سعيد بن ابي عروبة عن قتادة , عن خلاس عن عمار بن ياسرموقوفا, و لانعرفه
مرفوعا الا من حديث الحسن بن قزعة )), و بعد ان ذكر رواية موقوفة عن ابي هريرة , قال : ((و
هذا اصح من حديث الحسن بن قزعة , و لانعرف للحديث المرفوع اصلا)) ((361)) .

و قـد اخـتـلـفت المرويات في هذا, فروى العوفي عن ابن عباس : انها خوان عليه خبز و سمك ,
يـاكـلـون مـنـه ايـنـمـا نـزلـوا, اذاشـاوا و قال عكرمة عن ابن عباس : كانت المائدة سمكة , و
اريغفة ((362)) و قال سعيد بن جبير عن ابن عباس : انزل على المائدة كل شي الا الخبز و اللحم .

و قـال كـعـب الاحبار : نزلت المائدة تطير بها الملائكة بين السما و الارض , عليها كل الطعام الا
اللحم .

و قال وهب بن منبه : انزلها من السما على بني اسرائيل , فكان ينزل عليهم في كل يوم في تلك المائدة
من ثمار الجنة ,فاكلوا ما شاوا من ضروب شتى , فكان يقعد عليها اربعة آلاف , و اذا اكلوا انزل اللّه
مـكـان ذلـك لـمثلهم , فلبثوا على ذلك ما شااللّه و قال وهب ايضا : نزل عليهم اقرصة من شعير, و
احـوات ((363)) , و حـشـا اللّه بـيـن اضعافهن البركة , فكان قوم ياكلون , ثم يخرجون , ثم يجي
آخـرون فـيـاكـلون , ثم يخرجون , حتى اكل جميعهم , و افضلوا و هكذا لم يتفق الرواة على شي ,
مـمـايـدل عـلى انها اسرائيليات مبتدعة , و ليس مرجعها الى المعصوم (ص ) و الحق ابلج , و الباطل
لجلج , لايت فق عليه غالبا.

و سـنكتفي بذكر الرواية الطويلة التي ذكرها ابن ابي حاتم , في تفسيره بسنده , عن وهب بن منبه ,
عـن ابـي عثمان المهدي عن سلمان الفارسي ـ رضوان اللّه عليه ـ و خلاصتها : ((ان الحواريين لما
سـالـوا عـيـسـى بن مريم (ع ) المائدة كره ذلك , خشية ان تنزل عليهم , فلايؤمنوا بها, فيكون فيها
هـلاكـهـم فـلما ابوا الا ان يدعو لهم اللّه لكي تنزل دعا اللّه , فاستجاب له , فانزل اللّه تعالى سفرة
حـمرا بين غمامتين : غمامة فوقها, و غمامة تحتها, و هم ينظرون اليها في الهوا منقضة من السما,
تهوي اليهم ,و عيسى (ع ) يبكي خوفا من الشرط الذي اتخذ عليهم فيها, فمازال يدعو حتى استقرت
الـسـفـرة بـيـن يديه , و الحواريون حوله يجدون رائحة طيبة , لم يجدوا رائحة مثلها قط, و خر
عـيسى (ع ) و الحواريون سجدا, شكرا للّه تعالى , و اقبل اليهود ينظرون اليهم , فراوا ما يغمهم ثم
انـصـرفـوا, فاقبل عيسى (ع ) و من معه ينظرونها, فاذا هي مغطاة بمنديل , فقال (ع ) : من اجرؤنا
عـلـى كشفه , و اوثقنا بنفسه , و احسننا بلا عند ربه , حتى نراها, و نحمد ربنا سبحانه و تعالى , و
نـاكـل مـن رزقه الذي رزقنا؟ فقالوا : ياروح اللّه و كلمته , انت اولى بذلك , فقام و استانف وضؤا
جديدا, ثم دخل مصلا ه , فصلى ركعات , ثم بكى طويلا, و دعا اللّه تعالى ان ياذن له في الكشف عنها,
و يـجـعل له و لقومه فيها بركة و رزقا, ثم انصرف و جلس حول السفرة و تناول المنديل ,و قال :
بـسـم اللّه خـيـر الـرازقـيـن , و كـشـف عـنـهـا, فاذا عليها سمكة ضخمة مشوية , ليس عليها
بـواسير ((364)) , و ليس في جوفهاشوك , يسيل السمن ((365)) منها, قد نضد حولها بقول من
كل صنف غير الكراث , و عند راسها خل , و عند ذنبها ملح , و حول البقول خمسة ارغفة على واحد
مـنـهـا زيـتـون , و عـلـى الاخر تمرات , و على الاخر خمس رمانات , و في رواية : على واحد
مـنـهـازيـتـون , و عـلـى الـثـانـي عسل , و على الثالث سمن , و على الرابع جبن , و على الخامس
قديد ((366)) فقال شمعون ـ راس الحواريين ـ لعيسى : يا روح اللّه و كلمته , امن طعام الدنيا هذا,
ام مـن طـعـام الجنة ؟, فقال عيسى : اما آن لكم ان تعتبروا بما ترون من الايات , و تنتهوا عن تنقير
المسائل ؟ مااردت بهذا سؤالا ((367)) يا ابن الصديقة , فقال عيسى (ع ) : ليس شي مما ترون من طعام الدنيا,
و لا من طعام الجنة ,انما هو شي ابتدعه اللّه في الهوا بالقدرة الغالبة القاهرة .

فقالوا : يا روح اللّه و كلمته , انا نحب ان يرينا اللّه آية في هذه الاية , فقال (ع ) : سبحان اللّه تعالى
امـا اكـتـفـيتم ؟ طـرية يا سمكة عودي باذن اللّه تعالى كما كنت مشوية ,فعادت , ثم دعاهم الى الاكل فامتنعوا, حتى
يـكـون هو البادئ , فابى , ثم دعا لها الفقرا و الزمنى , و قال : كلوا من رزق ربكم ,و دعوة نبيكم , و
احمدوا اللّه تعالى الذي انزلها لكم , فيكون مهنؤها لكم , و عقوبتها على غيركم , و افتتحوا اكلكم :
باسم اللّه تعالى , و اختتموه : بحمد اللّه ففعلوا, فاكل منها الف و ثلاثمائة انسان : بين رجل و امراة ,
يـصـدرون عـنـها كل واحد منها شبعان يتجشا و نظر عيسى و الحواريون , فاذا ما عليها كهيئته اذ
نـزلـت مـن السما, لم ينقص منها شي , ثم انها رفعت الى السما و هم ينظرون , فاستغنى كل فقير اكل
منها, و برئ كل من اكل منها, و ندم الحواريون و اصحابهم الذين ابوا ان ياكلوا منها ندامة سالت منها
اشفارهم , و بقيت حسرتها في قلوبهم , الى يوم الممات ((368)) .

و كـانـت المائدة اذا نزلت بعد ذلك اقبل اليها بنواسرائيل يسعون من كل مكان , يزاحم بعضهم بعضا
فلما راى ذلك , جعلهانوبا تنزل يوما و لاتنزل يوما, و مكثوا على ذلك اربعين يوما, تنزل عليهم غبا,
عـنـد ارتـفاع النهار, فلاتزال موضوعة يؤكل منها,حتى اذا قالوا ((369)) ارتفعت عنهم الى جو
السما, و هم ينظرون الى ظلها في الارض , حتى تتوارى عنهم ((370)) .

فـاوحى اللّه تعالى الى عيسى (ع ) : ان اجعل رزقي لليتامى , و المساكين , و الزمنى دون الاغنيا من
الـنـاس فلما فعل ذلك ارتاب بها الاغنيا, و عمصوا ذلك , حتى شكوا فيها في انفسهم , و شككوا فيها
الـنـاس , و اذاعـوا في امرها القبيح , و المنكر,و ادرك الشيطان منهم حاجته , و قذف وساوسه في
قـلـوب المرتابين فلما علم عيسى ذلك منهم قال : هلكتم و اله المسيح ,سالتم نبيكم ان يطلب المائدة
لكم الى ربكم , فلما فعل , و انزلها عليكم رحمة و رزقا, و اراكم فيها الايات و العبر, كذبتم بها,و
شـكـكـتـم فيها, فابشروا بالعذاب , فانه نازل بكم الا ان يرحمكم اللّه تعالى و اوحى اللّه تعالى الى
عيسى (ع ) : اني آخذالمكذبين بشرطي , فاني معذب منهم من كفر بالمائدة بعد نزولها عذابا لااعذبه
احـدا مـن العالمين فلما امسى المرتابون بها,و اخذوا مضاجعهم في احسن صورة مع نسائهم آمنين ,
فلما كان في آخر الليل مسخهم اللّه خنازير, فاصبحوا يتبعون الاقذار في الكناسات .

قـال ابـن كـثـير في تفسيره بعد ذكره : ((هذا اثر غريب ((371)) جدا قطعه ابن ابي حاتم في
مواضع من هذه القصة , و قد جمعته اناليكون سياقة اتم , و اكمل , واللّه سبحانه و تعالى اعلم )).

و من هذه الروايات الغريبة دخل البلا على الاسلام و المسلمين , لان غالبها لايصح , و لذا قال الامام
احمد بن حنبل :((لاتكتبوا هذه الاحاديث الغرائب فانها مناكير, و عامتها عن الضعفا)).

و قال الامام مالك : ((شر العلم الغريب , و خير العلم الظاهر الذي قد رواه الناس )).

و قال ابن المبارك : ((العلم : الذي يجيئك من هاهنا و هاهنا)) يعني المشهور الذي رواه الكثيرون
رواهـا الـبيهقي في المدخل , و روي عن الزهري انه قال : ((ليس من العلم ما لايعرف , انما العلم ما
عرف و تواطات عليه الالسن )) ((372)) .

و الـعـمـدة ان اصل القصة ثابت بالقرآن الذي لا شك فيه , و انما موضع الشك في كل هذه التزيدات
التي هي من الاسرائيليات .

و قـد ذكـر الـمـفـسـرون جـمـيـعا كل ما يدور حول قصة المائدة , و ان اختلفوا في ذلك قلة و
كـثـرة ((373)) و العجب ان احدا لم ينبه على اصل هذه المرويات , و المنبع الذي نبعت منه , حتى
ابن كثير و الالوسي ـ و ان كان ابن كثير قد اشار من طرف خفى الى عدم صحة معظم ما روي ـ و
لـعـلـهـم اعـتبروا ذلك مما يباح روايته , و يحتمل الصدق و الكذب , فذكروه من غير انكار له , و
كان عليهم ان ينزهوا التفسير عن هذا و امثاله .

و قـد شـكك في القصة الطويلة التي اختصرناها ابوعبداللّه محمد بن احمد القرطبي , فقال : قلت :
في هذا الحديث مقال ,و لايصح من قبل اسناده ((374)) .

ثـم عـرض بـعـد لـمـا روي مرفوعا, و موقوفا, و ذكر ما قاله الامام ابوعيسى الترمذي : من ان
الموقوف اصح , و ان المرفوع لااصل له ((375)) .

قال ابوشهبة : و لاجل ان نكون على بينة من ان تفسير الايات , و الانتفاع بها, و الاهتدا بهديها ليس
متوقفا على مارووا من اخبار, و قصص , نفسر لك الايات تفسيرا صحيحا, كما هو منهجنا في كل ما
عرضنا له , فاقول و باللّه التوفيق :.

قـال اللّه تـعـالـى : (اذ قـال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك ان ينزل علينا مئدة من
الـسـم) ((376)) اذ :ظرف لما مضى من الزمان , و هو مفعول لفعل محذوف , و التقدير : اذكر يا
محمد ما حدث في هذا الزمن البعيد ليكون دليلاعلى صدق نبوتك , فما كنت معهم , و لا صاحبت اهل
الكتاب , و لم تكن قارئا, و لا كاتبا.

الـحـواريـون : جـمـع حوارى , و هم المخلصون الاصفيا من اتباع عيسى (ع ) و يطلق ايضا على
الاصحاب المخلصين من اتباع الانبيا.

المائدة : الخوان : الذي عليه الطعام , فان لم يكن عليها طعام فهو خوان السما : اما المعروفة او المراد
بها جهة العلو, فانهاقد تطلق و يراد بها كل ما علا.

و لـيـس الـمـراد بـالاستفهام هو اصل الاستطاعة , و انهم ماكانوا يعلمون هذا, لان السائلين كانوا
مـؤمـنين , عارفين , عالمين باللّه و صفاته , بل في اعلى درجات هذه الصفات و انما المراد بالسؤال :
الانزال بالفعل , من قبيل اطلاق السبب و ارادة المسبب ,و المعنى : هل يجيبنا ربك ـ يا نبينا عيسى ـ
الى ذلك ام لا؟.

و قال بعض العلما : ليس ذلك بشك في الاستطاعة , وانما هو تلطف في السؤال , و ادب مع اللّه تعالى
بهذه الصيغة المهذبة , كقول الرجل لاخر : هل تستطيع ان تعتبني على كذا, و هو يعلم انه يستطيع .

و اما قول من قال : انه من قول من كان مع الحواريين , فبعيد لخروجه عن ظاهر الاية , و لاسيما ان
تفسير الاية مستقيم غاية الاستقامة , على ما ذكرنا.

و هذا السؤال اما لفقرهم و حاجتهم , و اما لتعرف فضل نبيهم عيسى , و فضلهم و كرامتهم عند ربهم
.

و امـا مـا روي : ان عـيسى امرهم بصيام ثلاثين يوما, ثم ليسالوا ربهم ما يشاون , فصاموا و سالوا,
فلست منه على ثلج (قال : اتقوا اللّه ان كنتم مؤمنين ).

لـيـس هـذا شـكـا في ايمانهم , و انما هو اسلوب معهود, حملا على التقوى , كما قال تعالى في حق
الـمـؤمـنـيـن الـصـادقـيـن , مـن هـذه الامـة الـمـحـمـدية : (و اطيعوا اللّه و رسوله ان كنتم
مؤمنين ) ((377)) , و المعنى : اتقوا اللّه و لاتسالوه , فعسى ان يكون فتنة لكم , و توكلوا على اللّه
فـي طـلـب الـرزق , او اتـقوا اللّه , و دعوا كثرة السؤال , فانكم لاتدرون ما يحل بكم عند اقتراح
الايـات , لان اللّه سبحانه انما يفعل الاصلح لعباده , (ان كنتم مؤمنين ) من اهل الايمان باللّه , و رسله ,
و لاسـيما انه سبحانه آتاكم من الايات ما فيه غنية عن غيره (قالوا نريد ان ناكل منها) بداوا بالغذا
المادي , ثم ثنوا بالغذا الروحي , فقالوا : (و تطمئن قلوبنا),و هو مثل قول الخليل ابراهيم (ع ) : (و
لكن ليطمئن قلبي ) ((378)) .

/ 28