8ـ ابن جريج - تفسیر والمفسرون فی ثوبه القشیب جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسیر والمفسرون فی ثوبه القشیب - جلد 2

محمد هادی معرفت

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

و كان كثيراما يسمع الحديث من اهل الكتاب و لاسيما كعب الاحبار, فيسنده الى النبى او احد كبار صحابته تدليساو تمويها على العامة .

فـقـد روى مسلم عن بسر بن سعيد, قال : اتقوا اللّه و تحفظوا من الحديث فواللّه لقد رايتنا نجالس
اباهريرة فيحدث عن رسول اللّه (ص ) و يحدث عن كعب الاحبار, ثم يقوم , فاسمع بعض من كان معنا
يـجـعل حديث رسول اللّه (ص ) عن كعب ,و حديث كعب عن رسول اللّه (ص ) و في رواية : يجعل ما
قاله كعب عن رسول اللّه (ص ) و ما قاله رسول اللّه (ص ) عن كعب فاتقوااللّه و تحفظوا في الحديث .

و قـال يزيد بن هارون : سمعت شعبة يقول : ابوهريرة كان يدلس , اي يروي ما سمعه من كعب و ما
سـمـعـه مـن رسـول اللّه (ص ) و لايميز هذا من هذا و قال ابن قتيبة : و كان ابوهريرة يقول : قال
رسـول اللّه (ص ) كـذا, و انـمـا سـمـعـه من الثقة عنده فحكاه و كانت عائشة اشدهم انكارا على
ابي هريرة و ممن اتهم اباهريرة بالكذب عمر و عثمان و علي و غيرهم , فكماقال الاستاذ الرافعي
: ((كان اول راوية اتهم في الاسلام )) ((219)) .

و الحديث بشان تدليس ابي هريرة و انكار الصحابة عليه ذوشجون , عرضه بتفصيل الاستاذ ابورية
في كتابيه : ((شيخ المضيرة )), و ((الاضوا)) و كان هذا العرض القصير مستقى منه ((220)) .

اخـذ ابوهريرة عن كعب الاحبار الشي الكثير, غير ان السئ الذي كان يرتكبه , اسناد ما سمعه من
كعب الى رسول اللّه (ص ) كما نوهنا عنه .

قـال ابـوريـة : ذكـر عـلما الحديث في باب ((رواية الصحابة عن التابعين , او رواية الاكابر عن
الاصـاغـر)) ان ابـاهـريـرة و العبادلة ((221)) و معاوية و انس و غيرهم , قد رووا عن كعب
الاحبار اليهودي الذي اظهر الاسلام خداعا, و طوى قلبه على يهوديته .

قـال : و يبدو ان اباهريرة كان اكثر الصحابة انخداعا به , و ثقة فيه , و رواية عنه و عن اخوانه ,
مـن سـائر اهـل الـكـتـاب و يـتبين من الاستقرا ان كعب الاحبار قد سلط قوة دهائه على سذاجة
ابي هريرة لكي يستحوذ عليه , و ينيمه ليلقنه كل ما يريد ان يبثه في الدين الاسلامي , من خرافات و
اوهام و كان له في ذلك اساليب غريبة و طرق عجيبة .

فقد روى الذهبي في ((طبقات الحفاظ)) في ترجمة ابي هريرة ان كعبا قال فيه ـ اي في ابي هريرة
ـ : ما رايت احدا لم يقراالتوراة , اعلم بما فيها من ابي هريرة فـانـظر مبلغ دها هذا الكاهن و مكره بابي هريرة , الذي يتجلى في درس تاريخه انه كان رجلا فيه
غـفـلـة و غرة , اذ من اين يعلم ابوهريرة ما في التوراة و هو لايعرفها, و لو عرفها لمااستطاع ان
يقراها.

ومـمـا يدلك على ان هذا الحبر الداهية قد طوى اباهريرة تحت جناحه حتى جعله يردد كلام هذا
الكاهن بالنص , و يجعله حديثا مرفوعا الى النبى , ما نورد لك شيئا منه .

روى الـبزار عن ابي هريرة : ان النبي (ص ) قال : ان الشمس و القمر ثوران في النار يوم القيامة فقال الحسن : و ما ذنبهما؟فقال : احدثك عن رسول اللّه , و تقول : ما ذنبهما؟ و هذا الكلام نفسه قد قاله كعب بنصه , فقد روى ابويعلى الموصلي , قال كعب : يجا بالشمس و القمر
يوم القيامة كانهماثوران عقيران , فيقذفان في جهنم , يراهما من عبدهما ((222)) .

و روى الـحـاكم في ((المستدرك )) و الطبراني ـ و رجاله رجال الصحيح ـ عن ابي هريرة : ان
الـنـبي قال : ان اللّه اذن لي ان احدث عن ديك رجلاه في الارض و عنقه مثبتة تحت العرش , و هو
يقول : سبحانك ما اعظم شانك و هذا الكلام من قول كعب , و نصه : ان للّه ديكا عنقه تحت العرش و براثنه في اسفل الارض , فاذا
صاح صاحت الديكة ,فيقول : سبحان القدوس الملك الرحمان لا اله غيره ((223)) .

و روى ابـوهريرة : ان رسول اللّه قال : النيل و سيحان و جيحان و الفرات من انهار الجنة , و هذا
الـقـول نـفـسه قاله كعب :اربعة انهار الجنة وضعها اللّه في الدنيا : فالنيل نهر العسل في الجنة , و
الفرات نهر الخمر في الجنة , و سيحان نهر الما في الجنة ,و جيحان نهر اللبن في الجنة ((224))
.

و قال ابن كثير في تفسيره : ان حديث ابي هريرة في ياجوج و ماجوج , و نصه ـ كما رواه احمد ـ
عن ابي هريرة : ان ياجوج و ماجوج ليحفرون السد كل يوم حتى اذا كادوا يرون شعاع الشمس , قال
الـذين عليهم : ارجعوا فستحفرونه غدا,فيعودون و قد روى احمد هذا الحديث عن كعب , قال ابن
كـثـيـر : لعل اباهريرة تلقاه من كعب , فانه كثيراما كان يجالس كعباو يحدثه ((225)) و بين في
مواضع كثيرة من تفسيره ما اخذه ابوهريرة من كعب .

و فـي الـصـحـيـحين من حديث ابي هريرة : ان اللّه خلق آدم على صورته و هذا الكلام قد جا في
الاصـحاح الاول من التوراة (العهد القديم ) و نصه هناك : ((و خلق اللّه الانسان على صورته , على
صورة اللّه خلقه )) ((226)) .

و روى مـسـلـم عن ابي هريرة : اخذ رسول اللّه (ص ) بيدي خلق فيها الجبال يوم الاحد,و خلق الشجر يوم الاثنين , وخلق المكروه يوم الثلاثا, و خلق النور يوم
الاربـعـا, و بـث فـيها الدواب يوم الخميس , و خلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة و قد روى هذا
الحديث احمد و النسائي ايضا عن ابي هريرة .

قـال الـبـخـاري و ابن كثير و غيرهما : ان اباهريرة قد تلقى هذا الحديث عن كعب الاحبار, لانه
يخالف نص القرآن في انه خلق السماوات و الارض في ستة ايام ((227)) .

قال ابورية : و قد بلغ من دها كعب و استغلاله لسذاجة ابي هريرة و غفلته , ان كان يلقنه ما يريد بثه
فـي الـدين الاسلامي من خرافات و ترهات , حتى اذا رواها ابوهريرة عاد هو فصدق اباهريرة , و
ذلك ليؤكد هذه الاسرائيليات , و ليمكن لها في عقول المسلمين , كان الخبر جا عن ابي هريرة , و هو
في الحقيقة عن كعب الاحبار.

و الـيك مثلا ما رواه احمد عن ابي هريرة ان رسول اللّه قال : ((ان في الجنة لشجرة يسير الراكب
في ظلها مائة عام , اقراوا ان شئتم : و ظل ممدود)) ((228)) .

و لـم يـكـد ابـوهريرة يروي هذا الحديث حتى اسرع كعب , فقال : صدق والذي انزل التوراة على
مـوسـى و الـفرقان على محمد, لو ان رجلا ركب حقة او جذعة ثم دار باعلى تلك الشجرة ما بلغها
حـتـى يـسقط هرما الـعـجـيـب ان يـروي مـثـل هذا الخبر الغريب ايضا وهب بن منبه في اثر غريب , فيرجع اليه من
اراده ((229)) .

هـلـك ابوهريرة سنة (59) عن (80) سنة بقصره بالعقيق , و حمل الى المدينة و دفن بالبقيع , و
صـلـى عـليه الوليد بن عتبة بن ابي سفيان , و كان اميرا على المدينة تكريما له و لما كتب الوليد الى
عـمـه مـعاوية ينعى اليه اباهريرة , ارسل اليه معاوية : ((انظر من ترك , و ادفع الى ورثته عشرة
آلاف درهـم , و احـسـن جوارهم , و افعل اليهم معروفا)) قال ابورية : و هكذايترادف رفدهم له
حتى بعد وفاته ((230)) .

قال السيد رشيد رضا بشان ابي هريرة : كان اسلامه في سنة (7 ه), فصحب رسول اللّه ثلاث سنين
و نـيـفـا, فـاكـثـر احاديثه لم يسمعها من النبي و انما سمعها من الصحابة و التابعين فاذا كان جميع
الـصـحابة عدولا في الرواية ـ كما يقول جمهورالمحدثين ـ فالتابعون ليسوا كذلك , و قد ثبت انه
كـان يـسـمـع مـن كعب الاحبار, و اكثر احاديثه عنه , على انه صرح بالسماع من النبي , في حديث
((خـلـق اللّه الـتـربـة يوم السبت )) و قد جزموا بان هذا الحديث اخذه عن كعب و كان يكثر في
احـاديـثـه الـنقل بالمعنى و الارسال ـ اي لايذكر اسم الصحابي الذي سمع منه ـ و رواية الحديث
بـالـمـعنى كانت مثارا لمشكلات كثيرة كما انه انفرد باحاديث كثيرة , كان بعضها موضع الانكار او
مـظنته لغرابة موضوعها, كاحاديث الفتن و الاخبار ببعض المغيبات , الى غيرها من علل ذكرها اهل
النقد في الحديث ((231)) .

8ـ ابن جريج

هو عبدالملك بن عبدالعزيز بن جريج , من اصل رومي نصراني ولد سنة (80) و مات سنة (150) و هـو من اول من صنف الكتب بالحجاز قال الذهبي : هو قطب الاسرائيليات في عهد التابعين قال : و
لـو انا رجعنا الى تفسير ابن جرير الطبري و تتبعناالايات التي وردت في النصارى , لوجدنا كثيرا
مـمـا يـرويـه ابـن جرير في تفسير هذه الايات يدور على عبدالملك الذي يعبر عنه دائما ب((ابن
جريج )) ((232)) .

قـال عـبـداللّه بـن احـمـد بـن حنبل : قلت لابي : من اول من صنف الكتب ؟ قال : ابن جريج و ابن
ابـي عروبة و كان رحالة في طلب العلم , فقد ولد بمكة ثم طوف في كثير من البلاد و قد رويت عن
ابـن جـريج اجزا كثيرة في التفسير عن ابن عباس , منهاالصحيح و منها غيرالصحيح , لانه لم يقصد
الصحة فيما جمع , بل روى كل ما ذكر في كل آية من صحيح او سقيم ((233)) .

قال الامام مالك بشانه : كان ابن جريج حاطب ليل , لا يبالي من اين ياخذ.

و عن احمد بن حنبل : اذا قال ابن جريج : قال فلان و قال فلان و اخبرت , جا بمناكير و اذا قال :
اخبرني و سمعت ,فحسبك به .

و قـال الـدارقـطـنـي , تـجـنـب تدليس ابن جريج , فانه قبيح التدليس , لايدلس الا فيما سمعه من
مجروح ((234)) .

مبدا نشر الاسرائيليات

قد عرفت منع النبي (ص ) من مراجعة اهل الكتاب , منعه البات , حتى الاستنساخ من كتبهم فضلا عن الرجوع الى اقاويلهم و من ثم لم يكن يجرا احد من الصحابة ان يراجع اهل الكتاب او ياخذ عنهم شيئا
من الاخبار, و ذلك مادام النبى على قيدالحياة .

و في حديث عمر الانف , لما زجره النبى (ص ) على استنساخه عن كتب القوم , قام و قال متندما على
ما فرط منه :((رضيت باللّه ربا, و بالاسلام دينا, و بك رسولا)) ((235)) .

و هـكـذا انـتـهج المسلمون منهجا سليما عن شوب اكدار اهل الكتاب , مدة حياته (ص ), و مدة ايام
ابي بكر, و طرفا من ايام عمر.

ثـم لـمـا توسعت رقعة الاسلام و فاضت بلاد المسلمين بكثرة الوافدين , و فيهم الاجانب عن روح
الاسـلام , ممن لا معرفة له باصول الشريعة , نرى ان هذا السد المنيع قد ازيل , و جعلت اكاذيب اهل
الكتاب تتسرب بين المسلمين , و لم تزل تتوسع دائرتها مع توسع البلاد.

هـذا كـعب الاحبار, اتى بخزعبلاته في هذا العهد, و ابدى عبداللّه بن عمرو بن العاص بمفترياته
عـن زامـلـتـيـه ايضا في هذاالعهد, كما كظ ابوهريرة بمخاريقه في هذا الدور المتاخر عن حياة
الـرسـول و هـكـذا نرى عمر بن الخطاب قد اذن لتميم بن اوس الداري ان يقص قصصه قائما في
الـمـسـجـد الـنـبـوى , عـلانية على رؤوس الاشهاد في هذا العهد ((236)) , كما اصاخ باذنيه
لـمـخـاريق كعب يقول ابن كثير بعد ما ساق الروايات في ان الذبيح هو اسحاق : و هذه الاقوال كلها
ماخوذة عن كعب الاحبار, فانه لمااسلم في الدولة العمرية جعل يحدث عمر عن كتبه قديما, فربما
استمع له عمر, فترخص الناس في استماع ما عنده , و نقلوا ما عنده عنه , غثها و سمينها, وليس لهذه
الامة حاجة الى حرف واحد مما عنده ((237)) .

فـقـد كـان الـعقد الثاني بعد وفاة الرسول (ص ) عهد رواج القصص الاسطورية و الاسرائيليات ,
حـسـبـمـا قـال الـدكـتـور ابـوشهبة :ان بدعة القص قد حدثت في آخر عهد الفاروق : عمر بن
الخطاب ((238)) .

و هل كان هناك نكير على هذا الفعيل ؟.

كان عمر بين حين و آخر يشدد النكير على هذا الصنيع , و لكن من غير تداوم عليه , فكان هناك ـ
رغـم تشديد عمرـ اناس يقومون بنسخ او ترجمة كتب العهد القديم , و التحديث عنها بين المسلمين ,
اما المراجعة الى اهل الكتاب و القص على الناس فقد تعارف و شاع ذلك العهد.

اخـرج الـحافظ ابويعلى الموصلي عن خالد بن عرفطة , قال : كنت جالسا عند عمر, اذ اتي برجل
مـسـكنه السوس ((239)) فقال له عمر : انت فلان بن فلان العبدي ؟ قال : نعم قال : و انت النازل
بـالـسوس ؟ قال : نعم فضربه بقناة معه فقال الرجل : ما لي يااميرالمؤمنين ؟ فجلس , فقرا عليه : (بسم اللّه الرحمن الرحيم الر, تلك آيات الكتاب المبين انا انزلناه قرآنا عربيا
لـعـلـكـم تـعـقلون نحن نقص عليك احسن القصص بما اوحينا اليك هذا القرآن و ان كنت من قبله
لـمن الغافلين ) ((240)) , فقراها عليه ثلاثا و ضربه ثلاثا فقال له الرجل : ما لي يا اميرالمؤمنين ؟
فقال : انت الذي نسخت كتاب دانيال ؟ قال : مرني بامرك اتبعه , قال : انطلق فامحه بالحميم و الصوف
الابـيض , ثم لاتقراه و لاتقرئه احدا من الناس , فلئن بلغني عنك انك قراته او اقراته احدا من الناس
لانهكتك عقوبة .

ثـم قال له عمر : اجلس , فجلس بين يديه , فقال : انطلقت انا فانتسخت كتابا من اهل الكتاب , ثم جئت
بـه في اديم فقال لي رسول اللّه (ص ) : ما هذا في يدك يا عمر؟ الـى علمنا, فغضب رسول اللّه (ص ) حتى احمرت وجنتاه , ثم نودي بالصلاة جامعة , فقالت الانصار :
اغضب نبيكم ؟, السلاح السلاح فجاؤوا حتى احدقوا بمنبر رسول اللّه (ص ),فقال : ((يا ايها الناس
انـي قـد اوتـيـت جـوامـع الـكلم و خواتيمه , و اختصر لي اختصارا, و لقد اتيتكم بها بيضا نقية ,
فـلاتهوكواو لايغرنكم المتهوكون )) قال عمر : فقمت و قلت : رضيت باللّه ربا و بالاسلام دينا و
بك رسولا, ثم نزل رسول اللّه (ص ).

و يقرب من ذلك ما اخرجه الحافظ احمد بن ابراهيم الاسماعيلي عن جبير بن نضير, حدثهم , قال :
ان رجلين كانابحمص في خلافة عمر, فارسل اليهما في من ارسل من اهل حمص , و كانا قد اكتتبا
مـن الـيهود صلاصفة ((241)) , فاخذاها معهمايستفتيان فيها اميرالمؤمنين , يقولون : ان رضيها لنا
اميرالمؤمنين ازددنا فيها رغبة , و ان نهانا عنها رفضناها فلما قدما عليه قالا :انا بارض اهل الكتاب ,
و انا نسمع منهم كلاما تقشعر منه جلودنا, افناخذ منه او نترك ؟ فقال : لعلكما كتبتما منه شيئا : لاقال عمر : ساحدثكما :.

انـطـلـقت في حياة النبي (ص ) حتى اتيت خيبر,فوجدت يهوديا يقول قولا اعجبني , فقلت : هل انت
مـكـتـبـي مما تقول ؟قال : نعم , فاتيت باديم فاخذ يملي على حتى كتبت في الاكراع ((242)) فلما
رجـعت , قلت : يا نبي اللّه ـ و اخبرته ـ قال : ائتني به فانطلقت ارغب عن الشي رجا ان اكون جئت
رسول اللّه (ص ) ببعض ما يحب فلما اتيت به قال : اجلس اقرا علي فقرات ساعة , ثم نظرت الى وجه
رسول اللّه (ص ) فاذا هو يتلون فتحيرت من الفرق ((243)) , فما استطعت ان اجيز منه حرفا فلما
راى الذي بي رفعه ((244)) ثم جعل يتبعه رسما رسما فيمحوه بريقه , و هو يقول : لاتتبعوا هؤلا
فانهم قد هوكوا و تهوكوا ((245)) ,حتى محاه عن آخره حرفا حرفا.

قـال عمر : فلو علمت انكما كتبتما شيئا جعلتكما نكالا لهذه الامة قالا : واللّه مانكتب منه شيئا ابدا
فخرجا بصلاصفتهما,فحفرا لها, فلم يالوا ان يعمقا, و دفناها, فكان آخر العهد منها ((246)) .

و لكن هل اثر تشديد عمر في الحد عن مراجعة اهل الكتاب ؟.

انه لم يشدد على مراجعتهم , و انما شدد على الكتابة من كتبهم كما شدد على كتابة الحديث و من ثم
نـراه قـد اجاز للداري ان يقص على الناس , كما شاع القص في مسجد النبي (ص ) فضلا عن سائر
المساجد ذلك العهد.

و هـكذا سار على منهجه في اجازة القص في المساجد, من جا بعده من الخلفا و اصبح ذلك مرسوما
اسلاميا فيما بعد,كما حث عليه معاوية في اجازته لكعب ان يقص على الناس حسبما عرفت .

و بـعـد, فان عصر الصحابة و هي الفترة بين وفاة النبى (ص ) و ظهور التابعين في عرصة الفتيا و
الـتفسير كان عصر نشؤالاسرائيليات و تسربها في التفسير و الحديث , فضلا عن التاريخ , ذلك ان
غـالبية الشؤون التاريخية كانت مما يرجع عهدها الى تاريخ الامم الماضية و الانبيا الماضين , و كان
المرجع الوحيد لدى العرب حينذاك لمعرفة احوالهم و تواريخهم هي التوراة و اهل الكتاب , فكانوا
يراجعونهم و ياخذون عنهم بهذا الشان .

قـال الاسـتـاذ الذهبي : نستطيع ان نقول : ان دخول الاسرائيليات في التفسير, امر يرجع الى عهد
الـصـحابة , و ذلك نظرالاتفاق القرآن مع التوراة و الانجيل في ذكر بعض المسائل ((247)) مع
فـارق واحد, هو الايجاز في القرآن و البسط و الاطناب في التوراة و الانجيل و لقد كان الرجوع
الـى اهـل الـكـتـاب , مـصـدرا من مصادر التفسير عند الصحابة ((248)) فكان الصحابي اذا مر
عـلـى قـصـة مـن قـصص القرآن يجد من نفسه ميلا الى ان يسال عن بعض ما طواه القرآن منها و
لم يتعرض له , فلايجد من يجيبه على سؤاله سوى هؤلا النفر الذين دخلوا في الاسلام , و حملوا الى
اهله ما معهم من ثقافة دينية , فالقوا اليهم ما القوا من الاخبارو القصص ((249)) .

و نـحـن اذ نصادق الذهبي في ان الصحابة ـ على وجه الاجمال ـ كانوا يراجعون اهل الكتاب , فيما
ابهم عليهم من قصص القرآن , و كان اولئك يلقون اليهم ما كان لديهم من قصص و اساطير.

لـكن لانصادقه في حكمه ذلك على الصحابة على وجه العموم , اذ كان علما الصحابة يابون الرجوع
الـى غـيرهم من ذوي المعلومات الكاسدة , بل كانوا يستنكرون من يراجعهم في قليل او كثير, حيث
وفرة المعلومات الصحيحة لدى علماالاصحاب الكبار و قد كان مستقاها مسائلة الرسول (ص ) مهب
ط الـوحـي و مـعـدن علوم الاولين و الاخرين , فلم يدعوا صغيرة و لاكبيرة الا سالوا عنها الرسول
الكريم .

هـذا ابـن عـباس حبر الامة و ترجمان القرآن ينادي برفيع صوته : هلا من مستفهم او مستعلم و
يـسـتنكر على اولئك الذين يراجعون اهل الكتاب و لديهم الرصيد الاوفر من ذخائر العلوم فقد كان
ابن عباس يسي الظن باهل الكتاب حتى المسلمة منهم .

روى البخاري باسناده الى ابن عباس , كان يقول :.

((يا معشر المسلمين كيف تسالون اهل الكتاب , و كتابكم الذي انزل على نبيه (ص ) احدث الاخبار
باللّه تقراونه لم يشب ((250)) و قد حدثكم اللّه ان اهل الكتاب بدلوا ما كتب اللّه و غيروا بايديهم
الكتاب , فقالوا هو من عنداللّه ليشتروا به ثمناقليلا افلاينهاكم ما جاكم من العلم عن مسائلتهم , و لا
واللّه ما راينا منهم رجلا قط يسالكم عن الذي انزل عليكم )) ((251)) .

و هـذا امـيـرالـمؤمنين على بن ابي طالب , سفط العلم و باب مدينة علم الرسول , و كذا عبداللّه بن
مسعود و ابى بن كعب و امثالهم من اوعية العلم , لم يحتمل بشانهم الرجوع الى كتابى قط و هذا معلوم
بالضرورة من التاريخ .

نـعـم انـما كان يراجع اهل الكتاب من الاصحاب , من لا بضاعة له و لا سابقة علم , امثال عبداللّه بن
عمر بن العاص ,و عبداللّه بن عمرو بن الخطاب , و ابي هريرة و اضرابهم , من المفلسين المعوزين .

و قد سمعت مراجعة عبداللّه بن عمرو بن العاص الى اهل الكتاب و لاسيما زاملتيه اللتين زعم انه
عثر عليهما في واقعة اليرموك , و كذا ابوهريرة تربية كعب الاحبار.

و قد ذكر اصحاب التراجم : ان عبداللّه بن عمر بن الخطاب كان ممن نشر علم كعب , و كان راوية
له .

هـذا عـمـاد الدين ابن كثير عند كلامه عن قصة هاروت و ماروت يحكم بوضع هذه القصة , و ان
مـنشاها روايات اسرائيلية تدور حول ما نقله عبداللّه بن عمر بن الخطاب عن كعب الاحبار, و هي
مما الصقها زنادقة اهل الكتاب بالاسلام , و ان روايات الرفع الى النبي (ص ) غريبة جد ا, قال :.

((و اقرب ما يكون في هذا انه من رواية عبداللّه بن عمر عن كعب الاحبار لا عن النبي (ص ) كما
قـال عبدالرزاق في تفسيره عن الثوري عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر عن كعب الاحبار
و هكذا روى ابن جرير باسناده الى سالم انه سمع ابن عمر يحدث عن كعب الاحبار)) ((252)) .

و هذا ابوهريرة يراجع كعبا و عبداللّه بن سلام في معرفة الساعة في يوم الجمعة , لايوافقها عبد
مـسلم و هو قائم يصلي ,يسال اللّه تعالى شيئا الا اعطاه اياه ((253)) , فيجيباه بانها آخر ساعة من
نـهار يوم الجمعة , فيرد عليهما كيف و هي ساعة لاينبغي الصلاة فيها فيراجع كعب التوراة و يرى
الـحـق مـع ابـي هـريـرة , و كـذا ابـن سـلام , و يـجـيـبـه بان الجلوس في انتظار الصلاة كانه
في الصلاة ((254)) .

و هكذا تداومت مراجعة كتب العهدين و اهل الكتاب على عهد التابعين و تابعي التابعين و من بعدهم ,
على اثر تساهل السلف في ذلك , و صارت مهنة القص على الناس عادة مالوفة بين المسلمين على طول
التاريخ .

فقد كانت هناك فئة تقص بالمساجد, و تذكر الناس بمواعظها و ترغبهم و ترهبهم و لما كان هؤلا
ـ عـلـى امثال اسلافهم المعوزين ـ ليسوا اهل علم و دراية , و كان غرضهم استمالة العوام , فجعلوا
يـختلقون القصص و الاساطير الخرافية , و روجواالاباطيل و في هذا الكثير من الاسرائيليات و
الخرافات العامية , ما يتصادم مع العقيدة الاسلامية , و قد تلقفها الناس منهم , لان من طبيعة العوام الميل
الى العجائب و الغرائب .

يقول ابن قتيبة بشان القصاصين و شعوذتهم :.

انـهم يميلون وجه العوام اليهم , و يستدرون ما عندهم بالمناكير و الاكاذيب من الاحاديث و من شان
الـعـوام القعود عندالقاص ما كان حديثه عجيبا خارجا عن فطر العقول , او كان رقيقا يحزن القلوب
فـان ذكر الجنة قال : فيها الحورا من مسك او زعفران , و عجيزتها ميل في ميل , و يبوئ اللّه وليه
قصرا من لؤلؤة بيضا, فيها سبعون الف مقصورة , في كل مقصورة سبعون الف قبة , و لايزال هكذا في
السبعين الفا, لايتحول عنها ((255)) .

و مـن هـؤلا الـقـصـاص , من كان يبتغي الشهرة و الجاه بين الناس و منهم , من كان يقصد التعيش و
الارتـزاق و مـنهم , من كان سيئ النية خبيث الطوية , يقصد الافساد في عقائد الناس , و ربما حجب
جمال القرآن و تشويه سمعة الاسلام , بما ياتي من تفاسير باطلة و خرافات تتنافى العقول .

قـال ابوشهبة : و قد حدثت بدعة القص في آخر عهد عمر, و فيما بعد صارت حرفة , و دخل فيه
مـن لا خلاق له في العلم ,و قد ساعدهم على الاختلاق , انهم لم يكونوا من اهل الحديث و الحفظ, و
غالب من يحضرهم جهال فجالوا و صالوا في هذاالميدان و اتوا بما لايقضي منه العجب ((256)) .

و يظهر انه اتخذ القصص اداة سياسية ورا ستار التذكير و الترهيب , يستعين بها ارباب السياسات
في دعم سياساتهم و توجيه العامة نحوها, كالتي نشاهدها و قد حدثت في عهد معاوية , و هو اول من
ابدع مزج السياسة بالوعظ الارشادي , و من ثم ارتفع شان القصص حتى اصبح عملا رسميا يعهد الى
رجـال رسميين يعطون عليه اجرا و في كتاب ((القضاة )) للكندي ان كثيرا من القضاة كانوا يعينون
قـصـاصـا ايـضا و اول من قص بمصر سليمان بن عتر التجيبي في سنة (38), و جمع له القضاو
القصص , ثم عزل عن القضا و افرد بالقصص .

و هكذا امر معاوية ـ في هذا الوقت ـ رجالا يقصون في المساجد بعد صلاة الصبح و بعد المغرب ,
يدعون له و لاهل ولايته كل صباح و مسا ((257)) .

و صـورة الـقـصـص : ان يجلس القاص في المسجد و حوله الناس , فيذكرهم اللّه و يقص عليهم
حـكـايـات و احاديث و قصصا عن الامم السالفة , و اساطير و نحو ذلك , و لايتحرون الصدق مادام
الـغـرض هو الترغيب و الترهيب و التوجيه الخاص , مهما كانت الوسيلة , جريا مع قاعدة ((الغاية
تبرر الواسطة )).

قـال الـلـيـث بن سعد : هما قصصان : قصص العامة , و قصص الخاصة فاما قصص العامة فهو الذي
يجتمع اليه النفر من الناس يعظهم و يذكرهم فذلك مكروه لمن فعله و لمن استمعه .

و امـا قـصص الخاصة فهو الذي جعله معاوية , ولى رجلا على القصص , فاذا سلم من صلاة الصبح
جـلـس و ذكـر اللّه و حمده و مجده و صلى على النبي , و دعا للخليفة و لاهل ولايته و حشمه و
جنوده , و دعا على اهل حربه و على المشركين كافة ((258)) .

و قـد نما القصص بسرعة , لانه كان يتفق و ميول العامة , فضلا عن اتفاقها مع الاتجاهات السياسية
الـظـالـمـة فـي الاغـلب و قداكثر القصاص من الاكاذيب و الافتعالات , يصحبها كثير من التهم و
الافتراات , فاتوا بالطامات الكبرى و ضلالات .

و قد عد الغزالي ذلك من منكرات المساجد المحرمة و المبتدعات الباطلة , قال : فلايجوز حضور
مـجلسه , الا على قصداظهار الرد عليه , فان لم يقدر فلايجوز سماع البدعة , قال اللّه تعالى لنبيه :
(فاعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره ) ((259)) .

و قد عرفت ان الامام اميرالمؤمنين (ع ) طردهم من المساجد و استثنى الحسن البصرى , لانه كان
يتحرى الصدق في قوله ((260)) .

و من صفاقاتهم في ذلك , ما روي انه صلى احمد بن حنبل , و يحيى بن معين بمسجد الرصافة فقام بين
ايـديـهم قاص ,فقال : حدثنا احمد بن حنبل و يحيى بن معين , قالا : حدثنا عبدالرزاق عن معمر عن
قـتـادة عن انس , قال : قال رسول اللّه (ص ) : ((من قال : لا اله الا اللّه خلق اللّه من كل كلمة طيرا
منقاره من ذهب و ريشه من مرجان )) و اخذ في قصة نحوا من عشرين ورقة .

فجعل احمد ينظر الى يحيى , و يحيى ينظر الى احمد, يسال احدهما الاخر : هل انت حدثته بهذا؟ قال : واللّه ماسمعت بهذا الا هذه الساعة .

فلما انتهى الخطيب القاص اشار اليه يحيى , فجا متوهما نوالا, فقال له : من حدثك بهذا؟ قال : احمد
بـن حنبل و يحيى بن معين فقال يحيى : انا يحيى بن معين و هذا احمد بن حنبل , ماسمعنا بهذا قط في
حديث رسول اللّه فان كان و لابدمن الكذب فعلى غيرنا فقال القاص : لم ازل اسمع ان يحيى بن معين و
احمد بن حنبل احمقان , ما تحققته الا الساعة فقال له يحيى : و كيف ؟ قال : كانه ليس في الدنيا احمد
بـن حـنـبـل و يـحيى بن معين غيركما لقد كتبت عن سبعة عشر احمد بن حنبل و يحيى بن معين فماكان منهما الا ان رضيا من النقاش بالسلامة ((261)) .

و مـن يـدري , فلعلهما لو اطالا معه القول , لنالهما ما نال الشعبي , فقد دخل مسجدا, فاذا رجل عظيم
اللحية , و حوله اناس يحدثهم , و هو يقول : ان اللّه خلق صورين , في كل صور نفختان قال : فخففت
صـلاتي , ثم قلت له : اتق اللّه يا شيخ , ان اللّه لم يخلق الا صورا واحدا فقال لي : يا فاجر, انا يحدثني
فلان و فلان , و ترد على قلت لهم : ان اللّه خلق ثلاثين صورا في كل صور نفختان ((262)) .

و هكذا كان القصاص مصدر شر و بلا على الاسلام و المسلمين .

اقسام الاسرائيليات

قسم الاستاذ الذهبي , الاسرائيليات تقسيمات ثلاثة :. 1 ـ تقسيمها الى صحيح او ضعيف او موضوع .

2 ـ و الى موافقتها لما في شريعتنا او مخالفتها او مسكوت عنها.

3 ـ و الى ما يتعلق بالعقائد او بالاحكام او بالمواعظ و الحوادث و العبر.

و اخيرا حكم عليها بانها متداخلة , يمكن ارجاع بعضها الى بعض , كما يمكن ان ندخلها تحت الاقسام
الثلاثة التالية :مقبول , و مردود, و متردد فيه بين القبول و الرد ((263)) .

فـالاحـسـن تـقـسيمها ـ حسب تقسيم الدكتور ابي شهبة ـ الى موافق لما في شرعنا, و مخالف , و
مسكوت عنه ((264)) .

و تقسيم آخر ايضا لعله اولى : اما منقول بالحكاية شفاها ـ و هو الاكثر المروي عن كعب الاحبار
و ابـن سلام و ابن منبه و امثالهم ـ او موجود بالفعل في كتب العهدين الموجودة بايدينا اليوم , و هذا
كاكثر ما ينقله ائمة الهدى , و لاسيما الامام ابوالحسن الرضا(ع ) احتجاجا على اهل الكتاب , و ليس
اعتقادا بمضمونه .

ثـم ان الـمنقول شفاها او الموجود عينا اما موافق لشرعنا او مخالف او مسكوت عنه و لكل حكمه
الخاص , نوجزه فيمايلي :.

امـا الـمـنـقولات الشفاهية , حسبما يحكيه امثال كعب و ابن سلام و غيرهما, فجلها ان لم نقل كلها,
موضوع مختلق , لا اساس له , و انما مصدرها شائعات عامية اسطورية , او اكاذيب افتعلها مثل كعب و
ابـن سلام , او عبداللّه بن عمرو و اضرابهم , اذلم نجد في المرويات عن هؤلا مايمكن الوثوق اليه
فهي بمجموعتها مردودة عندنا, حسبما تقتضيه قواعد النقد و التمحيص .

انـنا نسي الظن بامثال هؤلا ممن لم يخلصوا الولا للاسلام و لم يمحضوا النصح للمسلمين , كما لانثق
بـصحة معلوماتهم غير الصادرة عن تحقيق رصين , سوى الاعتماد على الشائعات العامية المبتذلة ان
لـم تكن مفتعلة اننا نجد في طيات كلامهم بعض الخبث و اللؤم المتخذ تجاه موضع الاسلام القويم , و
ربـمـا كـان حـقـدا عـلى ظهور الاسلام و غلبة المسلمين فحاولواالتشويه من سمعة الاسلام و
التزعزع من عقائد المسلمين .

هذا هو الطابع العام الذي يتسم به وجه الاسرائيليات على وجه العموم .

قال الاستاذ احمد امين : و اما كعب الاحبار او كعب بن ماتع اليهودي , كان من اليمن , و كان من اكبر
من تسربت منهم اخبار اليهود الى المسلمين , و كان كل تعاليمه ـ على ما وصل اليناـ شفوى ة , و ما نقل
عنه يدل على علمه الواسع بالثقافة اليهودية و اساطيرها.

قـال : و نـرى ان هـذا الـقـصص هو الذي ادخل على المسلمين كثيرا من اساطير الامم الاخرى
كـاليهودية و النصرانية , كما كان بابا دخل منه على الحديث كذب كثير, و افسد التاريخ بما تسرب
منه من حكاية وقائع و حوادث مزيفة , اتعبت الناقدو اضاعت معالم الحق ((265)) .

و هـكذا قال ابن خلدون فيما سبق من كلامه : فانما يسالون اهل الكتاب قبلهم , و هم اهل التوراة من
الـيهود و من تبع دينهم من النصارى و اهل التوراة الذين بين العرب يومئذ بادية مثلهم , و لايعرفون
مـن ذلـك الا مـا تعرفه العامة من اهل الكتاب ,و معظمهم من حمير الذين اخذوا بدين اليهودية , فلما
اسـلـمـوا بقوا على ما كان عندهم , و هؤلا مثل كعب الاحبار و وهب بن منبه و عبداللّه بن سلام و
امثالهم , فامتلات التفاسير من المنقولات عندهم , و هي اخبار موقوفة عليهم و تساهل المفسرون في
مثل ذلك و ملاوا كتب التفسير بهذه المنقولات , و اصلها ـ كما قلناـ عن اهل التوراة الذين يسكنون
البادية , و لاتحقيق عندهم بمعرفة ما ينقلونه من ذلك ((266)) .

فـعـلـى مـا ذكره العلا مة ابن خلدون تكون جل المنقولات عن هؤلا الكتابيين , لا وثوق بها, حيث
مـصـدرها الشياع القومي ,و لكل قوم اساطيرها المسطرة في تاريخ حياتها, يحكونها و ينقلونها يدا
بـيـد, و هذا التنقل حصل فيها التحريف و التبديل الكثير, بما الحقها بالخرافات و الاوهام , و هؤلا
اصـحـاب الـقـوميات المختلفة , دخلوا في الاسلام و معهم ثقافاتهم و تاريخهم ,اتوا بها و بثوها بين
المسلمين .

قال الاستاذ احمد امين : ان كثيرا من الشعوب المختلفة ذوات التواريخ دخلت في الاسلام , فاخذوا
يدخلون تاريخ اممهم و يبثونه بين المسلمين , اما عصبية لقومهم او نحو ذلك فكثير من اليهود اسلموا
و مـعـهم ما يعلمون من تاريخ اليهودية و اخبارالحوادث , حسبما روت التوراة و شروحها, فاخذوا
يـحـد ثون المسلمين بها, و هؤلا ربطوها بتفسير القرآن احيانا, و بتاريخ الامم الاخرى احيانا ان
شـئت فـاقـرا مـا فـي الجز الاول من ((تاريخ الطبري )) تجد منه الشي الكثير, مثل ما اسند عن
عبداللّه بن سلام , انه تعالى بدا بالخلق يوم الاحد, و فرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة , فخلق فيها
آدم عـلـى عجل ((267)) ـ حسبما جا في التوراة ـ و كثير من هذا النوع روي حول ما ورد في
القرآن من قصص الانبيا.

كـذلـك كان للفرس تاريخ , و كان لهم اساطير, فلما اسلموا رووا تاريخهم و رووا اساطيرهم , و
كـذلـك فعل النصارى فكانت هذه الروايات و الاساطير عن الامم المختلفة مبثوثة بين المسلمين , و
مصدرا من مصادر الحركة التاريخية عندهم ((268)) .

و عليه فنشطب على جميع ما ينقل عن اهل الكتاب فيما يمس تفسير القرآن او تاريخ الانبيا اذا كان
نـقـلا بالشفاه و ليس مستندا الى نص كتاب قديم معتمد, حيث مصدرها الشياع العام , و لا اعتبار به
اصلا و سنورد امثلة لاسرائيليات دخلت على الاسلام , و كان مصدرها الشياع و الاسطورية .

و لـعلك تقول : بعض ما نقل عن اهل الكتاب كان مصدره النقل من الكتاب , اما يكتبونه منه او ينقلونه
عـنـه , كما في زاملتي عبداللّه بن عمرو بن العاص , كان ينقل من كتب زعم العثور عليها في واقعة
يرموك و كما في نسخة عمر بن الخطاب التي جابها الى النبى , اكتتبها من كتب اليهود فيما حسب .

لـكـن لايـذهب عليك ان لا وثوق بنقلهم و لو عن كتاب , مادام الدس و التزوير شيمة يهودية جبلوا
عـليها من قديم (كانوايكتبون الكتاب بايديهم ) اي من عند انفسهم (ثم يقولون هذا من عنداللّه ) كذبا
و زورا (ليشتروا به ثمنا قليلا) ((269)) .

و هـذا هو الذي فهمه ابن عباس منذ اول يومه فحذر الاخذ عنهم بتاتا, قائلا : و قد حدثكم اللّه ان
اهل الكتاب بدلوا ماكتب اللّه و غيروا بايديهم الكتاب , فقالوا هو من عنداللّه ليشتروا به ثمنا قليلا,
افلاينهاكم ما جاكم من العلم عن مسائلتهم ((270)) .

اما المراجعة الى كتب السلف و تواريخهم من يونان او فرس او الهند او اليهود او غيرهم , فان ذلك
شـي آخـر, يـجـب العمل فيه وفق سنن النقد و التمحيص , و على مناهج السبر و التحقيق , حسب
المتعارف المعهود.

امـا الـتـوراة , فـفيها من الغث و السمين الشي الكثير, و هو الكتاب الوحيد الذي احتوى على تاريخ
الانـبـيـا و امـمهم فيماسلف , مصحوبا بالاساطير و الخرافات , شان سائر كتب التاريخ القديمة و
التوراة كتاب تاريخ , قبل ان يكون كتابا سماويا, و انماسميت بالتوراة , لاحتوائها على تعاليم اليهود,
و الـتي جا بها موسى من شرائع وقعت موضع الدس و التحريف , و من ثم فالمراجعة اليها بحاجة الى
نقد و تحقيق , و ليس اخذا براسه .

و في العهد القديم جات تفاصيل الحوادث مما اوجز بها القرآن و طواها في سرد قضايا قصار, اخذا
بـمـواضـع عبرها دون بيان التفصيل , فتجوز المراجعة الى تلكم التفاصيل لرفع بعض المبهمات في
القضايا القرآنية , و لكن على حذر تام وفق التفصيل التالي :.

فـالموجود في كتب السلف ـ فيما يمس المسائل القرآنية ـ اما موافق مع شرعنا في اصول مبانيه و
في الفروع , او مخالف او مسكوت عنه .

فالمخالف منبوذ لامحالة , لان ما خالف شريعة اللّه فهو كذب باطل , و اما المسكوت عنه فالاخذ به و
تركه سوا, شان سائر احداث التاريخ .

و اليك امثلة على ذلك :.

1ـ امثلة على الموافقة :.

اـ جا في المزامير, المزمور (37) عدد (10) :.

((اما الودعا فيرثون الارض و يتلذذون في كثرة السلامة )).

و في عدد (22) : ((لان المباركين منه يرثون الارض و الملعونين منه يقطعون )).

و في عدد (29) : ((الصديقون يرثون الارض و يسكنونها الى الابد)).

و جـا تصديق ذلك في القرآن , في قوله تعالى , في سورة الانبيا/105 : (و لقد كتبنا في الزبور من
بعد الذكر ان الا رض يرثها عبادى الصالحون ) ((271)) .

قوله : (من بعد الذكر) حيث البشارة في مزامير داود (الزبور) جات بعد مواعظ و تذكير.

ب ـ و جا في سفر التثنية اصحاح (32) ع (3) وصية جامعة لنبي اللّه موسى (ص ) جا فيها وصف
الرب تعالى بالعدل و الحكمة و العظمة , على ما جا به القرآن الكريم .

يقول فيها : ((اني باسم الرب انادي , اعطوا عظمة لالهنا, هو الصخر الكامل صنيعه ((272)) , ان
جميع سبله عدل , اله امانة لاجور فيه , صديق و عادل هو)).

ج ـ و جا في لاويين اصحاح (12) ع (4) شريعة الختان , كما هو في الاسلام :.

((و في اليوم الثامن يختن لحم غرلته )) و الغرلة : القلفة , و هي جلدة عضو التناسل .

د ـ و في سفر التثنية اصحاح (14) ع (8) جا تحريم لحم الخنزير, لانه نجس لايجتر.

(( و الخنزير, لانه يشق الظلف , لكنه لايجتر, فهو نجس لكم )).

2ـ امثلة على المخالفة :.

/ 28