تفاسير عرفانية (التفسير الرمزي و الاشاري ) - تفسیر والمفسرون فی ثوبه القشیب جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسیر والمفسرون فی ثوبه القشیب - جلد 2

محمد هادی معرفت

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

و هـو تـفسير موجز شامل , يغلب عليه اللون التربوي التحليلي , متناسبا مع مستوى الجيل الحاضر الـتـزم فيه بنص الطبرسي في مجمع البيان مع مراعاة الاختصار يبين فيه مجمل المعنى من دون ان
يـتوسع فيه او يتعرض للادب و البلاغة , و انما يذكراللغة و التفسير الموجز, مع ذكر الاحاديث
الـواردة , عـن النبي او احد الائمة (ع ) بحذف الاسناد, احيانا, كما يتعرض لمواضع الاستدلال في
الـمـذهـب الامـامـي في ظرافة و ايفا و قد الحق بخره بحثا حول العقائد و الاخلاق و القصص ,
كدراسات موضوعية في التفسير, كما تعرض في الختام لجانب من التفسير العلمي لايات متناسبة في
ذلـك و مـن ثـم فهو تفسير جامع في وضعه , و شاف كاف لابنا الجيل الحاضر, لمن اراد الايجاز و
الاختصار.

9ـ تـقـريـب الـقرآن الى الاذهان تفسير مزجي لطيف , شرح معاني الايات على طريقة المزج بين
الاصـل و الشرح , مع بيان اللغة و اسباب النزول لدى الحاجة , و تعرض لمسائل الفقه و الكلام عند
المناسبة بصورة موجزة يقع في ثلاثين جزحسب تجزئة القرآن , و كان تاليفه سنة (1383 ه ) و
تم طبعه سنة (1400 ه).

تاليف الفقيه العلا مة السيد محمد الشيرازي , من اعلام النهضة الاسلامية المعاصرة , صاحب بحوث
و دراسـات اسـلامـيـة مـوسـعـة , و في متنوع جوانبها و له حول القرآن كتابات غير هذا, منها :
((تسهيل القرآن )) في عشرة اجزا, و ((توضيح القرآن )) في ثلاثة اجزا, و ((تبيين القرآن )),
و ((الجنة و النار في القرآن )), لم تخرج الى عالم الطباعة .

10ـ الـنـهـر الماد من البحر المحيط تفسير ادبي , و نحوي لغوي , تاليف ابي حيان محمد بن يوسف
الانـدلسي الغرناطي , المتوفى سنة (745 ه ) اختصره من تفسيره الكبير ((البحر المحيط)) و
طـبـع عـلـى هامشه , و هو تفسير لطيف حوى النكات الادبية الرائعة التي كان اودعها في تفسيره
الكبير, و حذف منه الابحاث الجدلية المسهبة , و لخصها في هذا التفسير قال في المقدمة : لما صنفت
كـتـابـي الـكبير المسمى ب ((البحر المحيط)), عجز عن قطعه لطوله السابح فاجريت منه نهرا
تـجـري عـيـونه ,و تلتقي بابكاره فيه عيونه , لينشط الكسلان في اجتلا جماله , و يرتوي الظمن
بارتشاف زلاله و ربما نشا في هذا النهر ممالم يكن في البحر, و ذلك لتجدد نظر المستخرج للاليه ,
المبتهج بالفكرة في معانيه و معاليه و ما اخليته من اكثر ما تضمنه البحرمن نقوده , بل اقتصرت على
يـواقـيـت عـقـوده , و نـكـبت فيه عن ذكر ما في البحر من اقوال اضطربت بها لججه , و اعراب
متكلف تقاصرت عنه حججه ((1000)) .

و هناك مختصر آخر للبحر المحيط لتاج الدين الحنفي النحوي تلميذ ابي حيان , سماه ((الدر اللقي
ط من البحر المحيط))مطبوع بالهامش ايضا.

تفاسير عرفانية (التفسير الرمزي و الاشاري )

هـنـاك لاهل العرفان الباطني تفاسير وضعت على اساس تاويل الظواهر, و الاخذ ببواطن التعابير دون دلالاتها الظاهرة ,اعتمادا على دلالة الرمز و الاشارة فيما اصطلحوا عليه , مستفادة من عرض
الكلام و جانبه , و ليس من صريح اللفظ و صميم صلبه فقد فرضوا لظواهر التعبير بواطن حملوها
حملا على القرآن الكريم , استنادا الى مجرد الذوق العرفاني الخاص , ورا الفهم المتعارف العام .

و هـي نزعة صوفية ((1001)) قديمة , دخيلة على الاسلام , بعد ان ترجمت الفلسفة اليونانية , في
القرنين الثاني و الثالث ,و تفشت في اوساط عامية كانت بعيدة عن تعاليم اهل البيت (ع ).

و نـحـن اذ نستنكر على هؤلا تاويلاتهم غير المستندة , نرى ان للقرآن ظهرا و بطنا, كما جا في
حديث الرسول الاكرم (ص ) و اسبقنا الكلام عنه , و كان ((الظهر)) عبارة عن المعنى المستفاد من
تـنزيل الاية , و من ظاهر التعبير حسب الاصول المقررة في باب التفهيم و التفهم و اما ((البطن ))
فـهـو عـبارة عن المفهوم العام الشامل , المستنبط من فحوى الاية و تاويلها الى حيث تنطبق عليه من
مـوارد مشابهة , حسب مر الدهور و كان للتاويل ضوابط ذكرنا حدودها و شرائطها, و ليس حسب
الذوق المختلف حسب تنوع السلائق , كما ارتكبه القوم مع الاسف .

كـان الـصـوفـي انـما ينظر الى القرآن نظرة تتمشى مع اهدافه و تتفق مع تعاليمه , حسب النزعة
الصوفية الباطنية , و لم يكن من السهل ان يجد في القرآن صراحة تتفق مع نظرته , او يتمشى بوضوح
مـع نـزعـته , حيث القرآن جا لهداية الناس الى معالم الحياة الكريمة , و جا بتعاليم تتفق مع واقعيات
الـحياة و لم يات لاثبات او دعم نظريات و تعاليم جات غير مالوفة , و لا هي ماسة بواقع الانسان في
هذه الحياة , و انما هي اشيا فرضوها فرضا و احتملوها احتمالا مجردا عن الواقعيات , و ربما كانت
متنافرة مع الفطرة و العقل السليم .

غـير ان الصوفي , زعما منه في امكان الجمع بين الشريعة و الطريقة , يحاول ان يعثر على مقصوده
حيثما وجد الى ذلك سبيلا و لو بالفرض و الاحتمال , و من ثم تراه يتعس ف في تاويل ظواهر الكتاب
و الـسنة من غير هوادة , و يتكلف في حمل الايات القرآنية على معاني غريبة عن روح الشريعة , و
يـتـخبط خبط عشوا بلاتورع و كان ذلك مصداقا لامعا لقوله (ص ) : ((من فسر القرآن برايه فان
اصاب فقد اخطا)) حيث اخطا الطريق لامحالة .

و اولى سمات التفسير الصوفي البارزة , هو التكلم بلاهوادة , و الاخذ في التاويل من غير ضابطة ,
و الاعتماد على سجع الكلام في تكلف ظاهر.

ان التفسير الصوفي لايعتمد على مقدمات علمية و لا براهين منطقية , و لايعلله سبب معقول , و انما
هو شي حسبه قدافيض عليه بسبب اشراقات نورية , جاته من محل ارفع انه يرى من مقامه الصوفي
الـعـرفـاني وصلا الى درجة الكشف و الشهود,لتنكشف له المعاني من سجف العبارات , و تظهر له
الاشـارات القدسية , و تنهل على قلبه من سحب الغيب ما تحمله الايات القرآنية و السنة النبوية , من
معارف سبحانية متعالية عن افهام العامة , هكذا يزعم الصوفي في هواجس خياله .

و بـذلـك افترقت طرائق الصوفية عن مذاهب العلما و الفقها, و طريقتهم القويمة في فهم الكتاب و
الـسنة الشريفة , و من ثم لم يعتبر العلما شيئا من تاويلات الصوفية و من مشى على طريقتهم من اهل
العرفان الباطني المجرد و سيتضح هذا الجانب عند التعرض لتفاسيرهم .

هذا القشيري ـ في تفسيره ((لطائف الاشارات )) ـ يفسر كل بسملة من كل سورة حسبما يحلو له
من مقال او يتوح له من خيال , من غير ضابطة يعتمد عليها او حجة مقبولة .

هو عند تفسير البسملة من سورة الحمد يقول :.

البا في ((بسم اللّه )) حرف التضمين , اي باللّه ظهرت الحادثات , و به وجدت المخلوقات , فما من
حادث مخلوق , و حاصل منسوق , من عين و اثر و غبر, و غير من حجر و مدر, و نجم و شجر, و
رسـم و طلل , و حكم و علل , الا بالحق وجوده ,و الحق ملكه و من الحق بدؤه , و الى الحق عوده ,
فبه وجد من وحد, و به جحد من الحد, و به عرف من اعترف , و به تخلف من اقترف ((1002)) .

لـم نـعـرف حرف التضمين , و لم نعرف كيف فسر البسملة من هذه السورة بهذه المعاني , و لكنه في
سـائر الـسـور يـفـسرهابمعان اخر, و لعله يدعي ان هكذا الهم و اشرق عليه , انظر الى تفسيره
لبسملة سورة البقرة :.

الاسم مشتق من السمو و السمة , فسبيل من يذكر هذا الاسم ان يتسم بظاهره بانواع المجاهدات , و
يـسـمـو بـهـمـته الى محال المشاهدات , فمن عدم سمة المعاملات على ظاهره , و فقد سمو الهمة
للمواصلات بسرائره , لم يجد لطائف الذكر عند قالته ,و لا كرائم القرب في صفا حالته ((1003))
.

و في بسملة سورة آل عمران :.

اختلف اهل التحقيق ـ يعني بهم الصوفية و اهل التاويل ـ في اسم ((اللّه )) هل هو مشتق من معنى ام
لا؟ فكثير منهم قالوا : انه ليس بمشتق من معنى , و هو له سبحانه على جهة الاختصاص , يجري في
وضـعـه مـجـرى اسـما الاعلام في صفة غيره , فاذا قرع بهذا اللفظ اسماع اهل المعرفة لم تذهب
فهومهم و لا علومهم الى معنى غير وجوده سبحانه و حقه و حق هذه القالة ان تكون مقرونة بشهود
القلب , فاذا قال بلسانه : ((اللّه )) او سمع بذانه شهد بقلبه ((اللّه )).

و كما لاتدل هذه الكلمة على معنى سوى ((اللّه )) لايكون مشهود قائلها الا ((اللّه )), فيقول بلسانه
((اللّه )), و يـعـلم بفؤاده ((اللّه )),و يعرف بقلبه ((اللّه )), و يحب بروحه ((اللّه )), و يشهد
بـسـره ((اللّه )), و يتملق بظاهره بين يدي ((اللّه )), و يتحقق بسره ((اللّه )), و يخلوباحواله
((للّه )) و ((في اللّه )), فلايكون فيه نصيب لغير ((اللّه )) و اذا اشرف على ان يصير محوا في
اللّه , للّه , بـاللّه , تـداركـه الـحق سبحانه برحمته , فيكاشفه بقوله : ((الرحمان الرحيم )) استبقا
لـمـهـجـتـهـم ان تـتـلف , و ارادة في قلوبهم ان تنقى , فالتلطف سنة منه سبحانه ,لئلا يفنى اولياؤه
بالكلية ((1004)) .

و في بسملة النسا :.

اخـتـلفوا في ((الاسم )) عماذا اشتق , فمنهم من قال : انه مشتق من السمو, و هو العلو, و منهم من
قـال : انه مشتق من السمة ,و هي الكية و كلاهما في الاشارة , فمن قال : انه مشتق من ((السمو))
فـهـو اسـم من ذكره سمت رتبته , و من عرفه سمت حالته ,و من صحبه سمت همته , فسمو الرتبة
يـوجـب وفـور المثوبات و المبار, و سموالحالة يوجب ظهور الانوار في الاسرار, و سموالهمة
يوجب التحرز عن رق الاغيار.

و مـن قـال : اصـله من ((السمة )), فهو اسم من قصده وسم بسمة العبادة , و من صحبه وسم بسمة
الارادة , و من احب ه وسم بسمة الخواص , و من عرفه وسم بسمة الاختصاص فسمة العبادة توجب
هـيـبة النار ان ترمى صاحبها بشررها, و سمة الارادة توجب حشمة الجنان ان تطمع في استرقاق
صاحبها, مع شرف خطرها, و سمة الخواص توجب سقوط العجب من استحقاق القربة للما و الطينة
على الجملة , و سمة الاختصاص توجب امتحا الحكم عند استيلا سلطان الحقيقة .

و يـقال : اسم من واصله سما عنده عن الاوهام قدره سبحانه و من فاصله وسم بكى الفرقة قلبه , و
على هذه الجملة يدل اسمه ((1005)) .

و في بسملة المائدة :.

سـماع اسم ((اللّه )) يوجب الهيبة , و الهيبة تتضمن الفنا و الغيبة , و سماع ((الرحمان الرحيم ))
يـوجب الحضور و الاوبة ,و الحضور يتضمن البقا و القربة فمن اسمعه ((بسم اللّه )) ادهشه في
كشف جلاله , و من اسمعه ((الرحمان الرحيم )) عيشه بلطف افضاله ((1006)) .

و هـكـذا عـند كل بسملة ياتي بجمل و عبارات ذات تسجيع متكلف فيه الى تمام السور, لكنه عند
سورة قريش , يغيرالاتجاه , و ينسى منهجه الدائر, و يقول :.

((بـسم )), البا في ((بسم )) تشير الى براة سر الموحدين عن حسبان الحدثان , و عن كل شي مما
لـم يكن فكان , و تشير الى الانقطاع الى اللّه في السرا و الضرا و الشدة و الرخا و السين تشير الى
سـكونهم في جميع احوالهم تحت جريان ما يبدو من الغيب , بشرط مراعاة الادب و الميم تشير الى
منة اللّه عليهم بالتوفيق , لما تحققوا به من معرفته , و تخلقوا من طاعته ((1007)) .

و لم هذا التغيير في الاتجاه ؟ و لعله الهم اليه الهاما نـعـم هـناك ما يبرر موقف الصوفية من هذه التاويلات , بانها من تفسير الباطن للقرآن ورا تفسيره
الـظـاهري , مع العلم ان للقرآن ظهرا و بطنا, و لايعني التفسير الباطني نفي التفسير الظاهري , بل
هما معا ثابتان جميعا, و معه لا موضع للانكار عليهم .

قال الاستاذ حسن عباس زكي ((1008)) بصدد الدفاع عن مواضع الصوفية في تاويل القرآن :.

فـالـمـفـسرون من علما الشريعة يقفون عند ظاهر اللفظ و ما دل عليه الكلام من الامر و النهي و
الـقـصص و الاخبارو التوحيد, و غير ذلك , و اهل التحقيق او الصوفية يقرون تفسيرهم هذا, و
يرونه الاصل الذي نزل فيه القرآن و لكن لهم في كلام اللّه مع الاخذ بهذا التفسير الظاهري مذاقات
لايـمـكنهم اغفالها, لانها بمثابة واردات او هواتف من الحق لهم فلاينبغي ان نقف القرآن على تفسير
مـعـيـن على انه المراد, فلانقول كما يقول البعض : ان التفسير الظاهري وحده هو المقصود, كما
لايـرى اهـل التحقيق ان تفسيرهم وحده هو المراد, لان القول بالتفسير الظاهري و حسب , تحديد
لـكلام اللّه غير المحدود, و اخضاع القرآن للغة التي مقياسها العقل المحدود, و الوقوف في تفسير
كـلام اللّه عـند العقل المحدود, عقال عن الانطلاق فيما وراالغيوب , و اغلاق الباب لمذاقات ليس
الـعقل مجالها, لانها لاتخضع لمقاييسه و انما تخضع لشي آخر فوقه , و تدرك بلطيفة اخرى سواه ,
اذن فـهناك ما فوق العقل الا و هو القلب , فان للقلب لغته كما ان للعقل لغته و اذا كانت لغة العقل تدرك
بالالفاظ,و يعبر عنها بالكلمات , فلغة القلب تدرك بالذوق , لانه لايحيط بالتعبير عنها اللفظ.

و لنقرب الى الفهم , فلغة القلب مثل التفاحة , فلن يستطيع من اكلها و احس حلاوتها ان يترجم باللفظ او
يـعب ربالوصف ـ لمن لم ياكلها قبل ـ عن طعمها و مذاقها, و هكذا لاتدرك لغة القلب بوصف او بلفظ,
و انـمـا يـدركـهـا ذوقـلب متذوق ,و لذلك لاتحيط بالتعبير عن لغة القلب العبارة , و انما يعبر عنها
بالاشارة .

فالاشارة ترجمان لما يقع في القلوب من تجليات و مشاهدات , و تلويح لما يفيض به اللّه على صفوته
و احبابه من اسرارفي كلام اللّه و كلام رسوله .

و مـن هنا كانت مذاقات الصوفية و اهل التحقيق في القرآن الكريم , و هم لايرون ان تلك المذاقات
وحـدها هي المرادة ,و انما ياخذونها اشارات من اللّه لهم بعد اقرار ما قاله اهل الظاهر من تفسير,
باعتباره اصل التشريع .

و جـلـى بـعـد ذلـك انه لا مجال لمتعرض ممن ينكر عليهم مذاقاتهم , و يراها ميلا بكلام اللّه عن
مـجراها, ماداموا لاياخذون بمذاقاتهم وحدها, و انما ياخذون بهما مع اقرارهم لتفسير اهل الشرع
فلايعنينا من ذي جدل ان يقول عن هذه الاشارات : انهااحالة لكلام اللّه و تغيير لسياقه و مجراه , لان
ذلـك يـصـدق لـو قـالوا : انه لا معنى للاية الا هذا, و هم لايقولون ذلك , بل يقرون الظواهر على
ظواهرها, و يفهمون عن اللّه ما افهمهم .

و ذلـك مـصـداق الـحـديث الشريف : ((لكل آية ظهر و بطن و حد و مطلع )) فالباطن لايعارض
الظاهر, و الظاهر لايعارض الباطن .

و ذلـك الـنـهـج بـعـيد كل البعد عما نادى به ((الباطنية )) من الاخذ بباطن القرآن لا ظاهره , و
قـصـرهـم مـعاني القرآن على ما ادعوه من تفسيراتهم دون غيره , لانهم بذلك لايقرون الشريعة و
يبطلون العمل بها, و هم لايخضعون دعواهم للنص القرآني , بل يخضعون النص القرآني لدعواهم .

و هنا يزول ما التبس على البعض من ان مذاقات الصوفية في القرآن الكريم , نزعة باطنية , فبينهم و
بـيـنـها آماد و ابعاد, بل انهم لبريئون منها, و لينكرونها كل الانكار, و واضح ذلك من انهم ياخذون
بالباطن بعد الاخذ بالظاهر, و يقرون الحقيقة بعدالاخذ بالشريعة , و يرون ان الحقيقة نفسها اساسها
الشريعة , فالفرق ثمة كبير, و البون شاسع و عظيم .

و لا مـجال بعد هذا الايضاح لانكار من ينكر على الصوفية مذهبهم في الاشارات و ما يختصهم اللّه
به في كلامه و كلام رسوله (ص ) من الاسرار و الفيوضات .

عـلى ان تلك الاشارات امر مشروع اقره الحديث المذكور آنفا ((لكل آية ظاهر و باطن و حد و
مـطـلـع )) فاربابها متبعون لامبتدعون , اختصهم اللّه باسراره في آياته , ليكونوا مصابيح الهدى في
غسق الدجى , كما اقره عمدالدين و ذووالعلم من المؤلفين :.

قـال سـعـدالـدين التفتازاني , في شرح العقائد النسفية : ((و اما ما ذهب اليه بعض المحققين من ان
الـنـصـوص مـصروفة على ظواهرها, و مع ذلك فيها اشارات خفية الى حقائق تنكشف على ارباب
الـسـلـوك , يـمـكـن الـتـطـبـيـق بـيـنها و بين الظواهر المرادة , فهومن كمال الايمان و محض
العرفان )) ((1009)) .

و قال الشيخ زروق : ((نظر الصوفي اخص من نظر المفسر و صاحب فقه الحديث , لان كلا منهما
يعتبر الحكم و المعنى ليس الا , و هو يزيد بطلب الاشارة بعد اثبات ما اثبتاه )).

فـاذا دار الـمـفـسر في حدود اللفظ القرآني , و استنبط منه الفقها ما استنبطوا من احكام , فلاولي
الالباب و ذوي البصائر فيه بعد ذلك من الاسرار و الحقائق ما لاينكشف لسواهم و لايدركه غيرهم ,
و ذلـك لـتـجـدد واردات الـحـق عـلـيـهـم , و دوام تـنزل الفيوضات على قلوبهم , لانهم اهله و
محبوه ((1010)) .

و لـقـد ابـدع الاسـتاذ زكي و ابدى براعته في الدفاع عن حريم الصوفية و تاويلاتهم لنصوص
الـشريعة , لكنه تطوع في الدفاع محاولا التغطية على انحرافات القوم و عدم الافشا, مرورا عليها
مرور الكرام , صونا على عرضهم و عدم هتك نواميسهم و هل الواقعية تساند هذا الدفاع ؟ هذا شي
آخر, و لعل الامر بخلافه .

ان شـريعة اللّه , ظاهرة و باطنة , ذات حقيقة واحدة , و تتجلى خلال اوامره و نواهيه و احكامه و
تـكـالـيـفـه , من عبادات و فرائض و اصول معارف و فروع مسائل , ان قام بها المكلف عن ايمان و
اخـلاص , فـقـد احـتـضن الحقيقة و اصابها و استضابنورها, و كانت له فيها السعادة و النجاة في
الدارين , كما سعد السلف الصالح و بلغوا ساحل النجاة .

اما ان هناك طريقة ورا الشريعة , فمن سلك الطريقة بلغ الحقيقة , و من اقتصر على الشريعة لم ينل
سوى المظاهر دون اللب و الصميم فهذا امر غريب و مبتدع ابتدعه اهل التاويل في عهد متاخر عن
دور الصحابة و التابعين لهم باحسان .

و مـا هـذه الحقيقة الكامنة ورا الشريعة , و التي اتخذها الصوفية طريقة في السلوك و عرفانا الى
الـواقـع الـصـميم ؟ اطوارها و كيفياتها, مما لم يات اللّه بها من سلطان , و انماهي شي ابتدعوها ابتداعا لا مستند لها.

امـا الـواردات (الـهامات ) التي اشار اليها الاستاذ, فشي تدعيه الصوفية و ارباب السلوك الصوفي
الـمـجـرد, و لـيست سوى خواطر و اوهام و هواجس و تخيلات بحتة , لو لم نقل انها من همزات
الشياطين .

نـعـم الـسـلوك الى اللّه كامن ورا الاخلاص في العمل بتكاليف الشريعة و الالتزام بتعاليمه القيمة
مـحضا, و ليس في غير ذلك سوى ابتداع و انحراف عن الحقيقة , ايا كان نمطه و لونه , فرب عمل
كان في اصله مشروعا, لكنه اصبح بسبب ملابسات و زيادات كما او كيفا ضلالة و بدعة , اذ لم يرد
بشانها نص في الكتاب او السنة الشريفة .

و بـالـجـمـلـة فـان الاعمال التي يزاولها اهل القشف في السلوك الصوفي , اعمال غريبة عن روح
الاسلام , و لاينبغي ان نصفهابصفة الحقيقة الربانية كما يزعمون .




  • و كل يدعي وصلا بليلى
    و ليلى لاتقر لهم جوابا.



  • و ليلى لاتقر لهم جوابا.
    و ليلى لاتقر لهم جوابا.



هـذا مـضـافـا الـى وفـرة شـطحات هؤلا ملات دفاترهم و سجلا تهم , لاتدع مجالا لاى تبرير
لـمواضعهم , حتى و لو كان شكليا و سيوافيك نقم العلما على مواضع الصوفية في تاويلاتهم الباطلة ,
عـنـد الـكـلام عـن تفسير السلمي , شيخ القشيري و مقتداه في التفسير و نتعرض هناك لتاويلات
لاتنسجم مع روح الشريعة , و لا هي تتوافق مع لفظ القرآن , لا في ظاهره و لا في باطنه .

و الـحديث الشريف : ((ان للقرآن ظهرا و بطنا)), و ((ان ظهره تنزيله و بطنه تاويله )) لايعني
هـواجـس اهل التصوف او تخيلاتهم المزعومة و قد اسبقنا ان للتاويل (كشف باطن الاية ) شروطا
كـمـا ان للتفسير (فهم ظاهر الاية ) ايضا شروطا, و ليس هذا او ذاك مطلق العنان , يجري حسبما
يشتهيه اهل الاهوا.

و عليك بمراجعة ما ياتي من نماذج من تاويلاتهم التي لاتعدو تخيلات .




  • ايها المدعي سليمى هواها
    انما انت في هواها كواو
    الصقت في الهجا ظلما بعمرو.



  • لست منها و لا قلامة ظفر.
    الصقت في الهجا ظلما بعمرو.
    الصقت في الهجا ظلما بعمرو.



و يجدر بنا ان ننبه على ان تفاسير الصوفية ليست على نمط واحد من الاعتبار او السقوط, بل بين
رفـيـع و وضـيـع ,و اسـلـم تفاسيرهم , هو تفسير القشيري نسبيا, حيث خلوه عن اكثر شطحات
الصوفية المعروفة عنهم و اسلم منه تفسير الميبدي الموسوم ب ((كشف الاسرار و عدة الابرار))
على ما سنذكره .

التنويع في التفسير الباطني

قـد ينوع التفسير الصوفي الى نوعين : نظري و فيضي , حسب تنويع المتصوفة الى تصوف نظري و عـمـلي , ليكون التصوف النظري مبتنيا على البحث و الدراسة , اما التصوف العملي فهو الذي يقوم
على التقشف و التزهد و التفاني في العبادة (الاذكارو الاوراد).

و عليه فالتفسير الصوفي النظري , تفسير اولئك المتصوفة الذين بنوا تصوفهم على مباحث نظرية
فـلسفية , ورثوها من يونان القديمة , و من الصعب جدا ان يجد هؤلا في القرآن ما يتفق و تعاليمهم , و
هـي بـعيدة عن روح القرآن و تعاليم الاسلام , اللهم الا اذا حملوا نظرياتهم على القرآن و اقحموا
عليه اقحاما.

قـال الاستاذ الذهبي : و نستطيع ان نعتبر الاستاذ الاكبر محيي الدين بن عربي , شيخ هذه الطريقة
في التفسير, اذ انه اظهر من خب فيها و وضع , و اكثر اصحابه معالجة للقرآن على طريقة التصوف
النظري ((1011)) .

و امـا التفسير الفيضي , فهو تاويل الايات على خلاف ما يظهر منها, بمقتضى اشارات رمزية , تظهر
لارباب السلوك و الرياضة النفسية , من غير ما دعم بحجة او برهان .

قال الذهبي : و الفرق بينه و بين التفسير الصوفي النظري من وجهين .

اولا : ان الـنظري ينبني على مقدمات علمية تنقدح في ذهن الصوفي اولا ثم ينزل القرآن عليها بعد
ذلك اما التفسيرالفيضي الاشاري فيرتكز على رياضة روحية ياخذ بها الصوفي نفسه حتى يصل الى
درجة تنكشف له فيها من سجف العبارات هذه الاشارات القدسية , و تنهل على قلبه من سحب الغيب ما
تحمله الايات من المعارف السبحانية .

ثـانـيا : ان التفسير الصوفي النظري , يرى صاحبه انه كل ما تحتمله الاية من المعاني , و ليس وراه
معنى آخر يمكن ان تحمل الاية عليه اما التفسير الفيضي الاشاري فلايرى الصوفي انه كل ما يراد
مـن الايـة , بـل يرى ان هناك معنى آخر تحتمله الاية ,و يراد منها اولا و قبل كل شي , و ذلك هو
المعنى الظاهر الذي ينساق اليه الذهن قبل غيره ((1012)) .

لـكـنا لانرى تفاوتا في تفاسير الصوفية , سوى الشدة و الضعف في تاويلاتهم التي يتكلفونها حسب
اذواقهم و سلايقهم ,بلا استناد و لا اساس , و كلها معدود من التفسير بالراي المقيت .

اذ لـم نـر مـن اسـتند منهم على مقدمة علمية و لا برهان واضح , سوى سوانح و خواطر عارضة ,
يحسبونها اشراقات جاتهم من مكان على , و ليس سوى ادعاات فارغة (كسراب بقيعة يحسبه الظمن
ما, حتى اذا جاه لم يجده شيئا) ((1013)) .

نعم هناك منهم من يحاول الجمع بين الظاهر و الباطن , تاليفا بين الشريعة و الطريقة , كالقشيري في
تفسيره , و منهم من يقتصر على الباطن معرضا عن الظاهر, اما منكرا له كالباطنية المحضة , اصحاب
الحسن السباح , و هم الملاحدة , و على نظيرهم الخوارج و القرامطة و كذا بعض تفاسير الصوفية
ممن اقتصروا على محض الباطن , كمحيي الدين بن عربي في تفسيره الباطني المنسوب اليه لكنه مع
ذلـك لـم يـنـكـر الـظـواهـر, و قـد فـسـر الـقـرآن اثـنـا كـتبه تفسيرا آخر حسب الظاهر
المعروف ((1014)) .

و مـثـلـه تـفسير ابي محمد الشيرازي ((عرائس البيان )) جرى في تفسيره على نمط واحد هو
التفسير الاشاري , و لم يتعرض للتفسير الظاهر بحال , و ان كان يعتقد انه لابد منه اولا, كما صرح
بذلك في مقدمة تفسيره , و سنذكره .

اهم تفاسير الصوفية و اهل العرفان

لاهـل الـعـرفان الباطني تفاسير متنوعة في البنا على تاويل الايات , حسب مشاربهم في التصوف و الـعرفان , فمنهم من جمع بين تفسير الظاهر و الباطن فاصلا بينهما كلا على حده , و منهم من مزج
بـيـن الامرين من غير فصل بينهما, و ربما حصل خلطمن ذلك بحيث لايعرف القارئ انه تفسير او
تاويل , و منهم من اقتصر على مجرد التاويل محضا, حسبما نذكر من تفاسيرهم .

1ـ تفسير التستري

و لـقـد بـدا الـتفسير الباطني اعتمادا على تاويل الايات منذ القرن الثالث على يد ابي محمد سهل بن عـبداللّه التستري من مواليد سنة (200 ه) و المتوفى سنة (283 ه) فان له تفسيرا على طريقة
الـصوفية جمعه ابوبكر محمد بن احمد البلدي , و قدطبع بمطبعة السعادة بمصر سنة (1908 م )
فيما لايزيد على مائتي صفحة .

كـان التستري من كبار العارفين , و قد ذكرت له كرامات , و لقى الشيخ ذاالنون المصري بمكة , و
كان صاحب رياضة و اجتهاد وافر اقام بالبصرة زمنا طويلا, و توفي بها.

و تـفـسيره هذا مطبوع في حجم صغير, لم يتعرض فيه المؤلف لتفسير جميع القرآن , بل تكلم عن
آيـات مـحـدودة و مـتفرقة من كل سورة و يبدو ان التفسير مجموعة من اقوال سهل في التفسير,
جـمـعها البلدي المذكور في اول الكتاب , و الذي يقول كثيرا : قال ابوبكر : سئل سهل عن معنى آية
كذا, فقال : كذاو للكتاب مقدمة جا فيها توضيح معنى الظاهر و الباطن و معنى الحد و المطلع , فيقول
: ما من آية في القرآن الا و لها ظاهر و باطن و حد و مطلع فالظاهر : التلاوة , و الباطن : الفهم و
الحد :حلالها و حرامها, و المطلع : اشراق القلب على المراد بها, فقها من اللّه , فالعلم الظاهر علم
عـام , و الفهم لباطنه , و المراد به خاص و يقول في موضع آخر : قال سهل : ان اللّه تعالى ما استولى
وليا من امة محمد(ص ) الا علمه القرآن , اما ظاهرا و اماباطنا قيل له : ان الظاهر نعرفه , فالباطن
ما هو؟ قال : فهمه , و ان فهمه هو المراد ((1015)) .

و نـجـده احـيـانا لايقتصر على التفسير الاشاري وحده , بل ربما ذكر المعاني الظاهرة ثم يعقبها
بـالـمعاني الاشارية و حينمايعرض للمعاني الاشارية لايكون واضحا في كل ما يقوله , بل تارة ياتي
بالمعاني الغريبة التي يستبعد ان تكون مرادة للّه تعالى ,كالمعاني التي يذكرها في تفسير البسملة :.

الـبا : بها اللّه و السين : سنا اللّه و الميم : مجد اللّه و اللّه : هو الاسم الاعظم الذي حوى الاسما
كلها, و بين الالف و اللا م منه حرف مكنى , غيب من غيب الى غيب , و سر من سر الى سر, و حقيقة
من حقيقة الى حقيقة , لاينال فهمه الا الطاهرمن الادناس , الاخذ من الحلال قواما ضرورة الايمان و
الـرحمان : اسم فيه خاصية من الحرف المكنى بين الالف و اللام و الرحيم : هو العاطف على عباده
بالرزق في الفرع , و الابتدا في الاصل , رحمة لسابق علمه القديم ((1016)) .

و بـهـذا النسق فسر ((الم )), و تبعه على ذلك ابوعبدالرحمان السلمي , و من بعدهما من مفسري
الصوفية و اهل العرفان ((1017)) .

و ربما فسر الاية بما لايحتمله اللفظ, و ليس سوى الذوق الصوفي حمله على الاية حملا, من ذلك
مـا ذكـره فـي تـفـسـير الاية (و لا تقربا هذه الشجرة ) ((1018)) : لم يرد اللّه معنى الاكل في
الـحـقـيقة , و انما اراد معنى مساكنة الهمة لشي هو غيره , اي لاتهتم بشئ هو غيري قال : فدم (ع )
لم يعصم من الهمة و الفعل في الجنة , فلحقه ما لحقه من اجل ذلك قال : و كذلك كل من ادعى ما ليس له
و سـاكـنـه قلبه ناظرا الى هوى نفسه , لحقه الترك من اللّه مع ما جبلت عليه نفسه , الا ان يرحمه
اللّه , فـيـعـصـمه من تدبيره و ينصره على عدوه و عليها قال : و آدم لم يعصم عن مساكنة قلبه الى
تدبير نفسه للخلود لما ادخل الجنة , الاترى ان البلا دخل عليه من اجل سكون القلب الى ما وسوست
بـه نـفسه , فغلب الهوى و الشهوة العلم و العقل و البيان و نور القلب ,لسابق القدر من اللّه تعالى , كما
قال (ص ) : الهوى و الشهوة يغلبان العلم و العقل ((1019)) .

و فى اغلب الاحيان يجري في تفسيره مع ظاهر الاية اولا, ثم يعقبه بما سنح له من خواهر صوفية
يـجـعلها تاويلا و تفسيرالباطن الاية من ذلك تفسيره للاية (و الجار ذي القربى و الجار الجنب و
الـصـاحـب بالجنب و ابن السبيل ) ((1020)) حيث يقول بعد ذكره للتفسير الظاهر : و اما باطنها,
فـالـجـار ذي الـقـربى هو القلب , و الجار الجنب هو الطبيعة , و الصاحب بالجنب هو العقل المقتدى
بالشريعة , و ابن السبيل هو الجوارح المطيعة للّه ((1021)) .

و عند تفسيره للاية (ظهر الفساد في البر و البحر بما كسبت ايدي الناس ) ((1022)) يقول : مثل
اللّه الجوارح بالبر, و مثل القلب بالبحر, و هم اعم نفعا و اكثر خطرا هذا هو باطن الاية , الاترى
ان القلب انما سمي قلبا لتقلبه , و بعد غوره ((1023)) .

2ـ حقائق التفسير للسلمي

و ثـانـي تـفـاسـير الصوفية التي ظهرت الى الوجود, تفسير ابي عبدالرحمان السلمي , المسمى ب ((حقائق التفسير)) هوابوعبدالرحمان محمد بن الحسين بن موسى الازدي السلمي , المولود سنة
(330) و الـمـتـوفـى سنة (412) كان شيخ الصوفية و رائدهم بخراسان , و له اليد الطولى في
الـتـصوف , و كان موفقا في علوم الحقائق حسبما اصطلح عليه القوم و كان على جانب كبير من العلم
بالحديث , اخذ منه الحاكم النيسابوري و القشيري صاحب التفسير.

و هذا التفسير من اهم تفاسير الصوفية , و يعد من امهات المراجع للتفسير الباطني لمن تاخر عنه ,
كالقشيري و الشيرازي واضرابهما من اقطاب الصوفية .

و هـو امـتـداد للتفسير الصوفي الذي ابتدعه التستري من ذي قبل و تفصيل فيه , و تحرير واسع
للذوق الصوفي في فهمه لمعاني كلمات اللّه في القرآن العظيم يقول في مقدمته :.

((لـمـا رايـت المتوسمين بعلوم الظاهر قد سبقوا في انواع فرائد القرآن , من قراات و تفاسير و
مشكلات و احكام , و اعراب و لغة , و مجمل و مفصل , و ناسخ و منسوخ , و لم يشتغل احد منهم بفهم
الـخـطـاب على لسان الحقيقة الا آيات متفرقة , احببت ان اجمع حروفا استحسنها من ذلك , و اضم
اقوال مشايخ اهل الحقيقة الى ذلك , و ارتبه على السور, حسب وسعي و طاقتي )) ((1024)) .

غـير ان الاقتصار على المعاني الاشارية , و الاعراض عن المعاني الظاهرة في هذا التفسير, ترك
لـلـعـلما مجالا للطعن عليه ,و لقى معارضات شديدة من معاصريه و ممن اتوا بعده , فاتهم بالابتداع و
التحريف و القرمطة , و وضع الاحاديث على الصوفية .

يقول ابن الصلاح ((1025)) في فتاواه و قد سئل عن كلام الصوفية في القرآن : وجدت عن الامام
ابي الحسن الواحدي المفسر انه قال : صنف ابوعبدالرحمان السلمي ((حقائق التفسير)) فان كان قد
اعتقد ان ذلك تفسير, فقد كفر.

قال : الظن بمن يوثق به منهم انه اذا قال شيئا من امثال ذلك انه لم يذكره تفسيرا, و لا ذهب به مذهب
الـشـرح للكلمة المذكورة من القرآن العظيم , فانه لو كان كذلك , كانوا قد سلكوا مسلك الباطنية , و
انـمـا ذلك ذكر منهم لنظير ما ورد به القرآن , فان النظير يذكر بالنظير, و من ذلك قتال النفس في
الاية الكريمة (يا ايها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار) ((1026)) فكانه قال : امرنا بقتال
الـنـفـس و مـن يـلـيـنـا من الكفار, و مع ذلك فياليتهم لم يتساهلوا في مثل ذلك , لما فيه من الابهام و
الالباس ((1027)) .

قال ابوبكر احمد بن علي الخطيب البغدادي المتوفى سنة (463 ه) ـ و هو قريب عهد به ـ : قال
لـي مـحمد بن يوسف القطان النيسابوري : كان السلمي غير ثقة قال الخطيب : و كان يضع للصوفية
الاحاديث ((1028)) .

و هكذا وصفه ابوالعباس احمد بن تيمية الحراني المتوفى سنة (728 ه) بالوضع و الاختلاق قال
: و مـا يـنـقل في ((حقائق ))السلمي من التفسير عن جعفر بن محمد الصادق (ع ) عامته كذب على
جعفر, كما قد كذب عليه غير ذلك ((1029)) .

قـال الامـام ابـوعبداللّه شمس الدين محمد بن احمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنة (748 ه) في
((تـذكـرة الحفاظ)) : ((الف السلمي حقائق التفسير فاتى فيه بمصائب و تاويلات الباطنية , نسال
اللّه العافية )) ((1030)) .

و قـال فـي تـرجـمـته في ((سير اعلام النبلا)) : ((و للسلمي سؤالات للدارقطني عن احوال
الـمـشـايـخ و الـرواة سـؤال عارف و في الجملة ففي تصانيفه احاديث و حكايات موضوعة و في
((حـقـائق الـتفسير)) اشيا لاتسوغ اصلا, عدها بعض الائمة من زندقة الباطنية , و عدها بعضهم
عرفانا و حقيقة , نعوذ باللّه من الضلال و من الكلام بهوى )) ((1031)) .

و من ثم عد السيوطي المتوفى سنة (911) تفسير السلمي في كتابه ((طبقات المفسرين )) ضمن
التفاسير المبتدعة قال :و انما اوردته في هذا القسم لانه غيرمحمود ((1032)) .

وهـكـذا ذكـر الامـام الـحافظ شمس الدين محمد بن احمد الداودي المتوفى سنة (945 ه ) في
((طـبقات المفسرين )), قال :و كتاب ((حقائق التفسير)) للسلمي قد كثر الكلام فيه , من قبل انه
اقتصر فيه على ذكر تاويلات و محامل للصوفية , ينبو عنها ظاهراللفظ ((1033)) .

و اليك الان نماذج من تاويلات السلمي , مما ينبو عنها لفظ القرآن الكريم :.

قـال فـي الايـة (و لـو انـا كتبنا عليهم ان اقتلوا انفسكم او اخرجوا من دياركم ما فعلوه الا قليل
منهم ) ((1034)) : قال محمد بن الفضل : اقتلوا انفسكم بمخالفة هواها, او اخرجوا من دياركم , اي
اخرجوا حب الدنيا من قلوبكم , ما فعلوه الا قليل منهم في العدد, كثير في المعاني , و هم اهل التوفيق
و الولايات الصادقة ((1035)) .

و فـي سـورة الرعد عند قوله تعالى : (و هو الذي مد الا رض و جعل فيها رواسى ) ((1036))
يـقـول : قال بعضهم : هو الذي بسط الارض و جعل فيها اوتادا من اوليائه و سادة من عبيده , فاليهم
الـمـلـجا و بهم النجاة , فمن ضرب في الارض يقصدهم فازو نجا, و من كان بغيته لغيرهم خاب و
خـسـر سـمعت علي بن سعيد يقول : سمعت ابا محمد الحريري يقول : كان في جوارالجنيد انسان
مصاب في خربة , فلما مات الجنيد و حملنا جنازته , حضر الجنازة , فلما رجعنا تقدم خطوات و علا
مـوضـعـا مـن الارض عـاليا, فاستقبلني بوجهه , و قال : يا ابا محمد, اني لراجع الى تلك الخربة , و
قدفقدت ذلك السيد, ثم انشد شعرا :.




  • و ما اسفي من فراق قوم
    و المدن و المزن و الرواسي
    لم تتغير لنا الليالي
    فكل جمر لنا قلوب
    و كل ما لنا عيون ((1037)) .



  • هم المصابيح و الحصون .
    و الخير و الامن و السكون .
    حتى توفتهم المنون .
    و كل ما لنا عيون ((1037)) .
    و كل ما لنا عيون ((1037)) .



و فـي سـورة الـحـج عـنـد قـولـه تـعـالـى : (الـم تـر ان اللّه انزل من السما ما فتصبح الارض
مـخـضرة ) ((1038)) , يقول : قال بعضهم : انزل مياه الرحمة من سحائب القربة , و فتح الى قلوب
عـباده عيونا من ما الرحمة , فانبتت فاخضرت بزينة المعرفة ,و اثمرت الايمان , و اينعت التوحيد,
اضـات بـالـمحبة فهامت الى سيدها, و اشتاقت الى ربها فطارت بهمتها, و اناخت بين يديه , و عكفت
فـاقبلت عليه , و انقطعت عن الاكوان اجمع ذاك آواها الحق اليه , و فتح لها خزائن انواره , و اطلق
لها الخيرة في بساتين الانس , و رياض الشوق و القدس ((1039)) .

و فـي سورة الرحمان عند قوله تعالى : (فيها فاكهة و النخل ذات الا كمام ) ((1040)) يقول : قال
جـعـفر : جعل الحق تعالى في قلوب اوليائه رياض انسه , فغرس فيها اشجار المعرفة , اصولها ثابتة
فـي اسرارهم , و فروعها قائمة بالحضرة في المشهد, فهم يجنون ثمار الانس في كل اوان , و هو
قـولـه تـعـالى : (فيها فاكهة و النخل ذات الا كمام ) اي ذات الالوان , كل يجتني منه لوناعلى قدر
سعته , و ما كوشف له من بوادي المعرفة و آثار الولاية ((1041)) .

و في سورة الانفطار (ان الابرار لفي نعيم , و ان الفجار لفي جحيم ) ((1042)) يقول : قال جعفر :
النعيم : المعرفة و المشاهدة , و الجحيم : النفوس , فان لها نيرانا تتقد ((1043)) .

و فـي سورة النصر (اذا جا نصر اللّه و الفتح ) ((1044)) يقول : قال ابن عطا اللّه : اذا شغلك به
عـمـا دونـه فـقـد جـاك الـفـتـح مـن اللّه تـعالى , و الفتح : هو النجاة من السجن البشري بلقا اللّه
تعالى ((1045)) .

3ـ لطائف الاشارات للقشيري

/ 28