يعني فرجهاـ و زعموا ايضا : ان سفينة نوح (ع )طافت بالبيت اسبوعا, بل رووا عن عبدالرحمان بن
زيـد بن اسلم , عن ابيه , عن جده , عن النبي (ص ) : ((ان سفينة نوح طافت بالبيت سبعا, و صلت عند
المقام ركعتين )) و هـذا مـن تـفاهات عبدالرحمان هذا, و قد ثبت عنه من طرق اخرى , نقلها صاحب التهذيب (ج6 ,
ص 179) عن الساجي ,عن الربيع , عن الشافعي , قال : ((قيل لعبدالرحمان بن زيد بن اسلم : حدثك
ابـوك عـن جـدك , ان رسـول اللّه (ص ) قـال : ((ان سـفـينة نوح طافت بالبيت , و صلت خلف المقام
ركعتين ؟)) قـال الـشـافـعـي فيما نقل في ((التهذيب )) ايضا : ((ذكر رجل لمالك حديثا منقطعا, فقال : اذهب
الى عبدالرحمان بن زيد يحدثك عن ابيه , عن نوح )) و ان لما رست السفينة على الجودي و كان يوم عاشورا صام نوح , و امر جميع من معه من الوحش و
الدواب فصامواشكرا للّه , الى غير ذلك من التخريفات و الاباطيل ((433)) التي لانزال نسمعها,
و امـثالها من العوام و العجائز, و هذا لايمكن ان يمت الى الاسلام بصلة , و انا لننزه المعصوم (ص )
مـن ان يـصـدر عنه ما نسبوه اليه , و انما هي احاديث خرافة اختلقها اليهودو اضرابهم على توالي
الـعـصـور, و كانت شائعة مشهورة في الجاهلية , فلما جا الاسلام نشرها اهل الكتاب الذين اسلموا
بـيـن الـمـسلمين , و اوغل زنادقة اليهود و امثالهم في الكيد للاسلام و نبيه , فزوروا بعضها على
النبي (ص ) و ماكنا نحب لابن جرير,و لا للسيوطي , و لا لغيرهما ان يسودوا صحائف كتبهم بهذه
الـخرافات و الاباطيل فاحذر منها ايها القارئ في اي كتاب من كتب التفسير وجدتها, و الق بها دبر
اذنيك , و كن عن الحق منافحا و للباطل مزيفا.
17ـ الاسرائيليات في قصة يوسف (ع )
و قـد وردت في قصة يوسف (ع ) اسرائيليات و مرويات مختلقة مكذوبة , فمن ذلك ما اخرجه ابن جرير في تفسيره ,و السيوطي في ((الدر المنثور)) وغيرهما, في قوله تعالى : (اذ قال يوسف لابيه يا ابت اني رايت احدعشر كوكبا, و الشمس و القمر رايتهم لى ساجدين ) ((434)) .قال السيوطى : و اخرج سعيد بن منصور, و البزار, و ابويعلى , و ابن جرير, و ابن المنذر, و ابن
ابي حاتم , و العقيلي و ابن حبان في ((الضعفا)), و ابوالشيخ , و الحاكم و صححه ((435)) , و ابن
مردويه , و ابونعيم , و البيهقي معا في ((الدلائل )), عن جابر بن عبداللّه (رض ) قال :.((جـا بـسـتانة يهودي الى النبي (ص ) فقال : يا محمد اخبرني عن الكواكب التي رآها يوسف (ع )
سـاجـدة لـه , ما اسماؤها؟فسكت النبي (ص ) فلم يجبه بشي , فنزل جبريل (ع ) و اخبره باسمائها,
فبعث رسول اللّه (ص ) الى البستاني اليهودي , فقال :((هل انت مؤمن ان اخبرتك باسمائها؟ قال : نعم ,
قـال : جربان , و الطارق , و الذيال , و ذوالكفتان , و قابس , و وثاب ,و عمودان , و الفليق , و المصبح ,
و الـضـروح , و ذوالـفـرغ , و الـضـيـا, و النور ((436)) , رآها في افق السما ساجدة له فلما
قـص يـوسف على يعقوب , قال : هذا امر مشتت يجمعه اللّه من بعد)), فقال اليهودي : اي واللّه انها
لاسماؤها ((437)) .و الـذي يـظـهـر لي انه من الاسرائيليات , و الصقت بالنبي زورا, ثم ان سيدنا يوسف راى كواكب
بصورها لا باسمائها, ثم مادخل الاسم فيما ترمز اليه الرؤيا؟ و مـدار هـذه الـروايـة عـلـى الـحـكم بن ظهير, و قد ضعفه الائمة , و تركه الاكثرون , و قال
الجوزجاني : ساقط ((438)) .و قال الامام الذهبي في ((ميزان الاعتدال )) ((439)) : قال ابن معين : ليس بثقة , و قال مرة : ليس
بـشـي , و قـال الـبخاري : منكرالحديث , و قال مرة : تركوه , و لعله لروايته حديث : ((اذا رايتم
معاوية على منبري فاقتلوه ))
18ـ الاسرائيليات في قوله تعالى
(و لقد همت به و هم بها لولا ان راى برهان ربه ) ((440)) .و من الاسرائيليات المكذوبة التي لاتوافق عقلا و لا نقلا ما ذكر ابن جرير في تفسيره , و صاحب
((الـدر المنثور)) و غيرهمامن المفسرين , في قوله تعالى : (و لقد همت به و هم بها لولا ان راى
برهان ربه ) فقد ذكروا في هم يوسف (ع ) ما ينافي عصمة الانبيا و مايخجل القلم من تسطيره , لولا
ان الـمـقام مقام بيان و تحذير من الكذب على اللّه و على رسله , و هو من اوجب الواجبات على اهل
العلم .فقد رووا عن ابن عباس ـ رضوان اللّه عليه ـ انه سئل عن هم يوسف (ع ) ما بلغ ؟ قال : حل الهميان
ـ يعنى السراويل ـ و جلس منها مجلس الخائن , فصيح به , يا يوسف لاتكن كالطير له ريش , فاذا زنى
قعد ليس له ريش و رووا مثل هذاعن علي (رض ) و عن مجاهد, و عن سعيد بن جبير.و رووا ايضا في البرهان الذي رآه , و لولاه لوقع في الفاحشة بانه نودي : انت مكتوب في الانبيا, و
تعمل عمل السفها,و قيل : راى صورة ابيه يعقوب في الحائط, و قيل : في سقف الحجرة , و انه رآه
عـاضـا عـلـى ابـهـامـه , و انـه لم يتعظ بالندا, حتى راى اباه على هذه الحال بل اسرف واضعو هذه
الاسرائيليات الباطلة , فزعموا انه لما لم يرعو من رؤية صورة ابيه عاضا على اصابعه , ضربه ابوه
يـعقوب , فخرجت شهوته من انامله الافـتـرا,يزعمون ايضا : ان كل ابنا يعقوب قد ولد له اثناعشر ولدا ماعدا يوسف , فانه نقص بتلك
الـشـهـوة الـتـي خرجت من انامله ولدا,فلم يولد له غير احدعشر ولدا بل زعموا ايضا في تفسير
الـبـرهان , فيما روي عن ابن عباس : انه راى ثلاث آيات من كتاب اللّه :قوله تعالى : (و ان عليكم
لـحافظين كراما كاتبين ) ((441)) , و قوله تعالى : (و ما تكون في شان و ماتتلو منه من قرآن و لا
تـعـملون من عمل الاكنا عليكم شهودا اذ تفيضون فيه ) ((442)) , و قوله تعالى : (افمن هو قئم
عـلـى كـل نـفـس بـمـاكسبت ) ((443)) , و قيل : راى (و لا تقربوا الزنا انه كان فاحشة و س
, و مـن البديهي ان هذه الايات بهذا اللفظالعربي لم تنزل على احد قبل نبينا
مـحـمـد(ص ) و ان كان الذين افتروا هذا لايعدمون جوابا, بان يقولوا : راى ما يدل على معاني هذه
الايـات بـلـغـتهم التي يعرفونها, بل قيل في البرهان : انه اري تمثال الملك , و هو العزيز, و قيل :
خـياله ((445)) و كل ذلك مرجعه الى اخبار بني اسرائيل و اكاذيبهم التي افتجروها على اللّه , و
على رسله , و حمله الى بعض الصحابة و التابعين : كعب الاحبار, و وهب بن منبه , و امثالهما.و لـيس ادل على هذا, مما روي عن وهب بن منبه قال : ((لما خلا يوسف و امراة العزيز, خرجت
كف بلا جسد بينهما,مكتوب عليها بالعبرانية : (افمن هو قئم على كل نفس بما كسبت ), ثم انصرفت
الـكـف , و قـامـا مقامهما, ثم رجعت الكف بينهما, مكتوب عليها بالعبرانية (ان عليكم لحافظين كراما
كاتبين يعلمون ما تفعلون ), ثم انصرفت الكف , و قاما مقامهما,فعادت الكف الثالثة مكتوب عليها : (و لا
تـقـربـوا الـزنـا انه كان فاحشة و س سبيلا) و انصرفت الكف , و قاما مقامهما فعادت الكف الرابعة
مـكـتوب عليها بالعبرانية : (و اتقوا يوما ترجعون فيه الى اللّه ثم توف ى كل نفس ما كسبت و هم لا
يظلمون ) ((446)) , فولى يوسف (ع ) هاربا ((447)) .و قـد كان وهب او من نقل عنه وهب ذكيا بارعا, حينما زعم ان ذلك كان مكتوبا بالعبرانية , و بذلك
اجاب عما استشكلناه ,و لكن مع هذا لن يجوز هذا الكذب الا على الاغرار و السذج من اهل الحديث
و لاندري اي معنى يبقى للعصمة بعد ان جلس بين فخذيها, و خلع سرواله ؟ على مروياتهم المفتراة الا و هو مقهور مغلوب ؟ و لو ان عربيدا راى صورة ابيه بعد مماته تحذره من معصية لكف عنها, و انزجر, فاى فضل ليوسف
اذا, و هو نبي من سلالة انبيا؟ بل اى فضل له فى عدم مقارفته الفاحشة , بعد ما خرجت شهوته من انامل قدميه ؟ الا قسرى جبرى ثـم ما هذا الاضطراب الفاحش في الروايات ؟ من العلل التي ردالمحدثون بسببها الكثير من المرويات ؟ ثـم كيف يتفق ما حيك حول نبي اللّه يوسف (ع ) و قول الحق تبارك و تعالى عقب ذكر الهم : (كذلك
لـنـصـرف عـنه السوو الفحش انه من عبادنا المخلصين ) ((448)) , فهل يستحق هذا الثنا من حل
الـتكة , و خلع السروال , و جلس بين رجليها؟ بني اسرائيل و مخرفيهم ؟ بـل كـيـف يتفق ما روى هو و ما حكاه اللّه عن زليخا بطلة المراودة , حيث قالت : (انا راودته عن
نفسه , و انه لمن الصادقين ) ((449)) و هو اعتراف صريح من البطلة التي اعيتها الحيل عن طريق
الـتـزيـن حينا, و التودد اليه بمعسول القول حيناآخر, و الارهاب و التخويف حينا ثالثا, فلم تفلح :
(لئن لم يفعل ما آمره ليسجنن و ليكونا من الص اغرين ) ((450)) .و انـظـر مـاذا كـان جـواب السيد العفيف , الكريم ابن الكريم , ابن الكريم , ابن الكريم : يوسف بن
يعقوب , بن اسحاق , بن ابراهيم (ع ) : (قال رب السجن احب الى مما يدعونني اليه و الا تصرف عني
كـيـدهـن اصـب الـيـهـن و اكن من الجاهلين فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن انه هو السميع
العليم ) ((451)) و قصده (ع ) بقوله : (و الا تصرف عني كيدهن ) :تبرؤ من الحول و الطول , و
ان الـحـول و القوة انما هما من اللّه , و سؤال منه لربه , و استعانة به على ان يصرف عنه كيدهن ,و
هكذا شان الانبيا.بـل قـد شـهـد الشيطان نفسه ليوسف (ع ) في ضمن قوله , كما حكاه اللّه سبحانه عنه بقوله : (قال
فبعزتك لا غوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين ) ((452)) , و يوسف بشهادة الحق السالفة من
المخلصين .و كذلك شهد ليوسف شاهد من اهلها ((453)) , فقال : (ان كان قميصه قد من قبل فصدقت و هو من
الكاذبين و ان كان قميصه قد من دبر فكذبت و هو من الصادقين فلما راى قميصه قد من دبر قال انه
مـن كيدكن ان كيدكن عظيم ) ((454)) , و قداسفر التحقيق عن براة يوسف و ادانة زليخا, امراة
العزيز.فـكيف تتفق كل هذه الشهادات الناصعة الصادقة , و تلك الروايات المزورة ؟ هذه الروايات ابن جريرالطبري , و الثعلبي , و البغوي , و ابن كثير, و السيوطي , و قد مر بها ابن
كثير بعد ان نقلها حاكيا من غير ان ينبه الى زيفها, و هذاغريب و من العجيب حقا ان ابن جرير يحاول ان يضعف في تفسيره مذهب الخلف الذين ينفون هذا الزور و
البهتان , و يفسرون الايات على حسب ما تقتضيه اللغة و قواعد الشرع , و ما جا في القرآن و السنة
الـصـحـيـحة الثابتة , و يعتبر هذه المرويات التي سقنا لك زورا منها آنفا, هى قول جميع اهل العلم
بـتـاويـل الـقرآن الذين يؤخذ عنهم ((455)) , و كذلك تابعه على مقالته تلك الثعلبي و البغوي في
.
و هـذه الـمـرويات الغثة المكذوبة التي ياباها النظم الكريم , و يجزم العقل و النقل باستحالتها على
الانبيا(ع ) هي التي اعتبرها الطبري و من تبعه ((اقوال السلف )) بـل يـسير في خط اعتبار هذه المرويات , فيورد على نفسه سؤالا, فيقول : فان قال قائل : و كيف
يـجـوز ان يـوصـف يـوسـف بمثل هذا و هو للّه نبي ؟ الانبيا ((457)) قاله الواحدي في تفسيره ((البسيط)).و اعـجـب مـن ذلـك ما ذهب اليه الواحدي في ((البسيط)) قال : قال المفسرون الموثوق بعلمهم ,
الـمـرجـوع الى روايتهم ,الاخذون للتاويل , عمن شاهدوا التنزيل :هم يوسف (ع ) بهذه المراة هما
صحيحا, و جلس منها مجلس الرجل من المراة , فلماراى البرهان من ربه زالت كل شهوة منه .و هي غفلة شديدة من هؤلا الائمة لانرضاها, و لولا اننا ننزه لساننا و قلمنا عن الهجر من القول , و
انهم خلطوا في مؤلفاتهم عملا صالحا و آخر سيئا لقسونا عليهم , و حق لنا هذا, و العصمة للّه .و هذه الاقوال التي اسرف في ذكرها هؤلا المفسرون : اما اسرائيليات و خرافات , وضعها زنادقة
اهـل الـكـتاب القدما,الذي ارادوا بها النيل من الانبيا و المرسلين , ثم حملها معهم اهل الكتاب الذين
اسلموا, و تلقاها عنهم بعض الصحابة ,و التابعين .و امـا ان تكون مدسوسة على هؤلا الائمة , دسها عليهم اعدا الاديان , كي تروج تحت هذا الستار, و
بذلك يصلون الى مايريدون من افساد العقائد, و تعكير صفو الثقافة الاسلامية الاصيلة الصحيحة .الفرية على المعصوم (ص ) في قول اللّه تعالى : (ذلك ليعلم انى لم اخنه بالغيب ) ((458)) .و لـكـي يـؤيـدوا باطلهم الذي ذكرناه آنفا, رووا عن الصحابة و التابعين ما لايليق بمقام الانبيا, و
اختلقوا على النبي (ص )زورا, و قولوه ما لم يقله , قال صاحب ((الدر)) :.و اخـرج الفريابي , و ابن جرير, و ابن المنذر, و ابن ابي حاتم , و ابوالشيخ , و البيهقي في ((شعب
الايـمـان )) عن ابن عباس ـ رضوان اللّه عليه ـ قال : لما جمع الملك النسوة قال لهن : انتن راودتن
يـوسف عن نفسه ؟ قلن : (حاش للّه ماعلمنا عليه من سو قالت امراة العزيز الا ن حصحص الحق انا
راودتـه عـن نـفسه و انه لمن الصادقين ) ((459)) , قال يوسف : (ذلك ليعلم انى لم اخنه بالغيب ),
فـغـمـزه جـبـريـل (ع ) فـقـال : و لا حـيـن هـمـمت بها؟ فقال : (و ما ابرئ نفسي ان النفس لا
مارة بالسو) ((460)) .قـال : و اخـرج ابـن جـرير عن مجاهد, و قتادة , و الضحاك , و ابن زيد, و السدي مثله , و اخرج
الحاكم في تاريخه , و ابن مردويه و الديلمي عن انس (رض ) : ان رسول اللّه (ص ) قرا هذه الاية :
(ذلـك لـيـعـلم انى لم اخنه بالغيب )قال : لما قال يوسف ذلك قال له جبريل (ع ) : و لا يوم هممت بما
هممت به ؟ فقال : (و ما ابرئ نفسي ان النفس لا مارة بالسو), قال : و اخرج ابن جرير عن عكرمة
مثله .و اخـرج سـعـيـد بن منصور, و ابن ابي حاتم عن حكيم بن جابر في قوله : (ذلك ليعلم انى لم اخنه
بـالـغـيـب ) قـال جـبـريـل :و لا حين حللت السراويل ؟ الى غير ذلك من المرويات المكذوبة , و
الاسرائيليات الباطلة , التي خرجها بعض المفسرين الذين كان منهجهم ذكر المرويات , و جمع اكبر
قـدر مـنها, سوا منها ما صح و ما لم يصح و الاخباريون الذين لا تحقيق عندهم للمرويات , وليس ادل
عـلـى ذلـك مـن انـها لم يخرجها احد من اهل الكتب الصحيحة , و لا اصحاب الكتب المعتمدة الذين
يرجع اليهم في مثل هذا.
القرآن يرد هذه الاكاذيب
و قـد فـات هـؤلا الـدسـاسـيـن الـكـذابـيـن ان قـولـه تعالى : (ذلك ليعلم انى لم اخنه بالغيب ) الايتين ((461)) , ليس من مقالة سيدنا يوسف (ع ) و انما هو من مقالة امراة العزيز, و هو ما يتفق وسـيـاق الاية , ذلك : ان العزيز لما ارسل رسوله الى يوسف لاحضاره من السجن , قال له : ارجع الى
ربـك , فـاساله ما بال النسوة اللاتي قطعن ايديهن ؟ فاحضر النسوة , و سالهن , و شهدن ببراة يوسف ,
فـلـم تـجـد امراة العزيز بدا من الاعتراف , فقالت : (الان حصحص الحق ) الى قوله : (و ما ابرئ
نـفـسي ان الن فس لا مارة بالسو) فكل ذلك من قولها, و لم يكن يوسف حاضرا ثم , بل كان في السجن ,
فكيف يعقل ان يصدر منه ذلك في مجلس التحقيق الذي عقده العزيز؟.و قـد انـتـصـر لـهـذا الـراي الـذي يوائم السياق و السباق الامام الشيخ محمد عبده , في تفسير
((المنار)) و هو آخر ما رقمه في تفسير القرآن .و هكذا قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (ذلك ليعلم انى لم اخنه بالغيب ) :.تـقـول : انـمـا اعترفت بهذا على نفسي , ليعلم زوجي اني لم اخنه بالغيب في نفس الامر, و لا وقع
الـمحذور الاكبر و انماراودت هذا الشاب مراودة , فامتنع , فلهذا اعترفت ليعلم اني بريئة , (و ان
اللّه لا يهدي كيد الخئنين و ما ابرئ نفسي ) تقول المراة : و لست ابرئ نفسي , فان النفس تتحدث , و
تتمنى , و لهذا راودته , لان (النفس لا مارة بالسو الا ما رحم ربي ) اي الا من عصمه اللّه تعالى (ان
ربي غفور رحيم ).قال : و هذا القول هو الاشهر و الاليق و الانسب بسياق القصة و معاني الكلام , و قد حكاه الماوردي
في تفسيره , و جعله اول الوجهين في تفسير الاية .و بعد ان ذكر بعض ما ذكره ابن جرير الذي ذكرناه آنفا عن ابن عباس , و تلاميذه , و غيره قال : و
الـقـول الاول اقـوى و اظهر,لان سياق الكلام كله من كلام امراة العزيز بحضرة الملك , و لم يكن
يوسف (ع ) عندهم , بل بعد ذلك احضره الملك ((462)) .التفسير الصحيح لقوله تعالى : (و لقد همت به و هم بها).قال ابوشهبة : و الصحيح في تفسير قوله تعالى : (و لقد همت به و هم بها لولا ان راى برهان ربه )
ان الـكـلام تم عند قوله تعالى : (و لقد همت به ) و ليس من شك في ان همها كان بقصد الفاحشة , (و
هم بها لولا ان راى برهان ربه ).الـكلام من قبيل التقديم و التاخير, و التقدير : و لولا ان راى برهان ربه لهم بها, فقوله تعالى : (و
هـم بها), جواب ((لولا))مقدم عليها, و معروف في العربية ان ((لولا)) حرف امتناع لوجود, اي
امتناع الجواب لوجود الشرط, فيكون ((الهم )) ممتنعا,لوجود البرهان الذي ركزه اللّه في فطرته
و الـمـقدم اما الجواب , او دليله , على الخلاف في هذا بين النحويين , و المراد بالبرهان :هو حجة
اللّه الـباهرة الدالة على قبح الزنى , و هو شي مركوز في فطر الانبيا و معرفة ذلك عندهم وصل
الـى عـيـن الـيـقـين , و هوما نعبر عنه بالعصمة , و هي التي تحول بين الانبيا و المرسلين , و بين
وقوعهم في المعصية .و يـرحـم اللّه الامـام جعفر بن محمد الصادق (ع ) حيث قال : البرهان : النبوة التي اودعها اللّه في
صدره , حالت بينه و بين مايسخط اللّه .و هـذا هـو الـقـول الـجزل الذي يوافق ما دل عليه العقل من عصمة الانبيا, و يدعو اليه السابق و
الـلاحق و اما كون جواب ((لولا)) لايجوز ان يتقدم عليها, فهذا امر ليس ذاخطر, حتى نعدل عن
هـذا الـراي الـصـواب , الى التفسيرات الاخرى الباطلة , لهم يوسف (ع ), و القرآن هو اصل اللغة ,
فـورود اى اسـلـوب فـي الـقرآن يكفي في كونه اسلوبا عربيا فصيحا, و في تاصيل اى قاعدة من
الـقـواعد النحوية , فلايجوز لاجل الاخذ بقاعدة نحوية , ان نقع في محظور لايليق بالانبيا كهذاو
الـصحيح ان الجواب محذوف بقرينة المذكور, و هو ما تقدم على ((لولا)), ليكون ذلك قرينة على
الجواب المحذوف .و قـيـل : ان مـا حصل من ((هم يوسف )) كان خطرة , و حديث نفس بمقتضى الفطرة البشرية , و
لـم يـسـتقر, و لم يظهر له اثره قال البغوي في تفسيره : ((قال بعض اهل الحقائق : الهم همان : هم
ثابت , و هو اذا كان معه عزم , و عقد, و رضا, مثل هم امراة العزيز, و العبد ماخوذ به و هم عارض ,
و هـو الـخطرة , و حديث النفس من غير اختيار و لا عزم , مثل هم يوسف (ع ) و العبدغير ماخوذ
بـه , مـا لـم يـتكلم به او يعمل )) ((463)) , و قيل : همت به هم شهوة و قصد للفاحشة , و هم هو
بضربهاو لاادري كيف يتفق هذا القول , و قوله تعالى : (لولا ان راى برهان ربه ).و الـقـول الجزل الفحل هو ما ذكرناه اولا, و صرحت به الرواية الصحيحة عن الامام ابي عبداللّه
جعفر بن محمدالصادق (ع ) و السر في اظهاره في هذا الاسلوب ـ و اللّه اعلم ـ : تصوير المشهد
الـمـثـيـر الـمغري العرم , الذي هياته امراة العزيزلنبي اللّه يوسف , و انه لولا عصمة اللّه له , و
فطرته النبوية الزكية , لكانت الاستجابة لها, و الهم بها امرا محققا و في هذا تكريم ليوسف , و شهادة
له بالعفة البالغة , و الطهارة الفائقة .
19ـ الاسرائيليات في سبب لبث يوسف في السجن
و مـن الاسرائيليات ما يذكره بعض المفسرين في مدة سجن يوسف (ع ) و في سبب لبثه في السجن بـضع سنين , و ذلك عند تفسير قوله تعالى : (و قال للذي ظن ان ه ناج منهما اذكرني عند ربك فانساهالشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين ) ((464)) .فقد ذكر ابن جرير, و الثعلبي , و البغوي , و غيرهم اقوالا كثيرة في هذا, فقد قال وهب بن منبه :
اصـاب ايـوب الـبـلا سبع سنين , و ترك يوسف في السجن سبع سنين , و عذب بختنصر يجول في
السباع سبع سنين ((465)) .و قـال مالك بن دينار : لما قال يوسف للساقي : اذكرني عند ربك قيل له : يا يوسف اتخذت من دوني
وكيلا, لاطيلن حبسك , فبكى يوسف , و قال : يا رب انسى قلبي كثرة البلوى , فقلت كلمة , و لن اعود.و قال الحسن البصري : دخل جبريل (ع ) على يوسف في السجن , فلم ا رآه يوسف عرفه , فقال له :
يـا اخـا الـمـنذرين , اني اراك بين الخاطئين الـسـلام رب الـعـالمين , و يقول لك : اما استحيت مني ان استشفعت بالادميين ؟ لالبثنك في السجن بضع سنين , فقال يوسف : و هو في ذلك عني راض , قال : نعم ,قال : اذا لاابالي .و قال كعب الاحبار : قال جبريل ليوسف : ان اللّه تعالى يقول : من خلقك ؟ قال : اللّه قال : فمن حببك
الـى ابيك ؟ قال :اللّه , قال : فمن نجاك من كرب البئر؟ قال : اللّه , قال فمن علمك تاويل الرؤيا؟ قال
اللّه , قـال : فـمـن صـرف عـنـك الـسـؤ,و الـفـحـشـا؟ قـال : اللّه , قال : فكيف استشفعت بدمي
مثلك ؟ ((466)) فلما انقضت سبع سنين ـ قال الكلبي : و هذه السبع سوى الخمسة ((467)) التي
قـبل ذلك ـ جاه الفرج من اللّه , فراى الملك ما راى من الرؤيا العجيبة , و عجز الملا عن تفسيرها,
تـذكـر الساقي يوسف , و صدق تعبيره للرؤى , فذهب الى يوسف , فعبرها له خير تعبير, فكان ذلك
سـبب نجاته من السجن , و قول امراة العزيز : (الئن حصحص الحق انا راودته عن نفسه و انه لمن
الصادقين ).و اغلب الظن عندنا ان هذا من الاسرائيليات , فقد صورت سجن يوسف على انه عقوبة من اللّه لاجل
الكلمة التي قالها, مع انه (ع ) لم يقل هجرا, و لا منكرا, فالاخذ في اسباب النجاة العادية , و في اسباب
اظهار البراة و الحق , لاينافي قط التوكل على اللّه تعالى و البلا للانبيا ليس عقوبة , و انما هو لرفع
درجاتهم , و ليكونوا اسوة و قدوة لغيرهم , في باب الابتلا و في الحديث الصحيح عن النبي (ص ) :
((اشد الناس بلا الانبيا, ثم الامثل فالامثل )).و قد روى ابن جرير هاهنا حديثا مرفوعا, فقال : حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عمرو بن محمد, عن
ابـراهيم بن يزيد, عن عمرو بن دينار, عن عكرمة , عن ابن عباس مرفوعا, قال : قال النبي (ص ) :
((لو لم يقل ـ يعني يوسف ـ الكلمة التي قالها, مالبث في السجن طول مالبث , حيث يبتغي الفرج من عند
غير اللّه )).و لـو ان هذا الحديث كان صحيحا او حسنا, لكان للمتمسكين بمثل هذه الاسرائيليات التي اظهرت
سـيدنا يوسف بمظهرالرجل المذنب المدان وجهة , و لكن الحديث شديد الضعف , لايجوز الاحتجاج
به ابدا.قال الحافظ ابن كثير : ((و هذا الحديث ضعيف جدا ((468)) , لان سفيان بن وكيع ـ الراوي عنه
ابـن جريرـ ضعيف ,و ابراهيم بن يزيد اضعف منه ايضا, و قد روى عن الحسن و قتادة مرسلا عن
كـل منهما, و هذه المرسلات هاهنا لاتقبل ((469)) ,و لو قبل المرسل من حيث هو في غير هذا
الموطن , و اللّه اعلم )) ((470)) و قد تكلف بعض المفسرين للاجابة عما يدل عليه هذاالحديث و
حـالـه كما سمعت بل تكلف بعضهم , فجعل الضمير في ((فانساه )) ليوسف , و هو غير صحيح , لان
الـضـمير يعود الى الذي نجا منهما, بدليل قوله تعالى بعد ذلك : (و ادكر بعد امة ) فالذي تذكر هو
الـذي انـسـاه الشيطان , و الذي يجب ان نعتقده ان يوسف (ع ) مكث في السجن ـ كما قال اللّه تعالى ـ
بضع سنين .و البضع : من الثلاث الى التسع , او الى العشر, من غير تحديد للمدة , فجائز ان تكون سبعا, و جائز
ان تكون تسعا, و جائزان تكون خمسا, مادام ليس هناك نقل صحيح عن المعصوم (ص ), وكذلك نعتقد
انه لم يكن عقوبة على كلمة , وانما هو بلاو رفعة درجة .
20ـ الاسرائيليات في شجرة طوبى
و مـن الاسـرائيـلـيـات مـا ذكره بعض المفسرين عند تفسير قوله تعالى : (الذين آمنوا و عملوا الصالحات طوبى لهم و حسن مب ) ((471)) .فـمـن ذلـك ما رواه ابن جرير بسنده , عن وهب , قال : ان في الجنة شجرة يقال لها : طوبى , يسيرالـراكب في ظلها مائة عام لايقطعها, زهرتها رياض , و ورقها برود, و قضبانها عنبر, و بطحاؤها
يـاقـوت , و تـرابـها كافور, و وحلها مسك , يخرج من اصلهاانهار الخمر, و اللبن , و العسل , و هي
مـجـلـس لاهـل الـجـنـة , فـبـيـنـمـا هـم فـي مـجـلـسـهم اذ اتتهم ملائكة من ربهم , يقودون
نجبا ((472)) مزمومة بسلاسل من ذهب , وجوهها كالمصابيح حسنا, و وبرها كخز المرعزي من
لـينه , عليها رحال ((473)) الواحها من ياقوت ,و دفوفها من ذهب , و ثيابها من سندس , و استبرق ,
فينيخونها, و يقولون : ان ربنا ارسلنا اليكم لتزوروه , و تسلموا عليه قال :فيركبونها في اسرع من
الـطـائر, و اوطـا مـن الـفراش , نجبا من غير مهنة , يسير الرجل الى جنب اخيه , و هو يكلمه , و
يـناجيه ,لاتصيب اذن راحلة منها اذن الاخرى , و لا برك ((474)) راحلة برك الاخرى , حتى ان
الـشـجـرة لـتتنحى عن طريقهم , لئلا تفرق بين الرجل و اخيه قال : فياتون الى الرحمان الرحيم ,
فـيـسـفـر لـهم عن وجهه الكريم , حتى ينظروا اليه , فاذا راوه قالوا : ((اللهم انت السلام , و منك
السلام , و حق لك الجلال و الاكرام قال : فيقول تعالى عند ذلك : انا السلام , و مني السلام , و عليكم
السلام ,حقت رحمتي , ومحبتي , مرحبا بعبادي الذين خشوني بغيب , و اطاعوا امري قال : فيقولون :
ربـنا لم نعبدك حق عبادتك ,و لم نقدرك حق قدرك , فاذن لنا في السجود قدامك قال : فيقول اللّه : انها
ليست بدار نصب , و لا عبادة , و لكنها دار ملك و نعيم , و اني قد رفعت عنكم نصب العبادة فسلوني ما
شئتم , فان لكل رجل منكم امنيته فيسالونه , حتى ان اقصرهم امنية ليقول : ربي تنافس اهل الدنيا في
دنـيـاهـم , فتضايقوا فيها, رب فتني كل شي كانوا فيه , من يوم خلقتها الى ان انتهت الدنيا,فيقول اللّه
تعالى : لقد قصرت بك امنيتك , و لقد سالت دون منزلتك , هذا لك مني و ساتحفك بمنزلتي , لانه ليس
فـي عطائى نكد, و لا قصر يد قال : ثم يقول : اعرضوا على عبادي ما لم يبلغ امانيهم و لم يخطر لهم
عـلـى بال قال : فيعرضون عليهم حتى يقضوهم امانيهم التي في انفسهم , فيكون فيما يعرضون عليهم
بـراذيـن مـقـرنـة , على كل اربعة منها سرير من ياقوتة واحدة , على كل سرير منها قبة من ذهب
مـفـرغـة , فـي كـل قبة منها فرش من فرش الجنة , متظاهرة , في كل قبة منها جاريتان من الحور
العين ,على كل جارية منهن ثوبان من ثياب الجنة و ليس في الجنة لون الا و هو فيهما, و لا ريح و لا
طـيـب الا قد عبق بهما, ينفذ ضؤوجوههما غلظ القبة , حتى يظن من يراهما انهما دون القبة , يرى
مـخـهما من فوق سوقهما كالسلك الابيض من ياقوتة حمرا,تريان له من الفضل على صاحبته كفضل
الـشـمـس على الحجارة او افضل , و يرى هو لهما مثل ذلك ثم يدخل اليهما فتحييانه و تقب لانه , و
تـعـانقانه , و تقولان له : و اللّه ماظننا ان اللّه يخلق مثلك ثم يامر اللّه تعالى الملائكة فيسيرون بهم
صفا في الجنة ,حتى ينتهي كل رجل منهم الى منزلته التي اعدت له ((475)) .و قـد وصـف ابن كثير في تفسيره هذا الاثر بانه غريب عجيب و ساقه و قد روى هذا الاثر ابن
ابي حاتم بسنده , عن وهب ايضا, و زاد زيادات اخرى ((476)) .
21ـ الاسرائيليات في افساد بني اسرائيل
و مـن الاسـرائيـلـيات في كتب التفسير ما يذكره بعض المفسرين عند قوله تعالى : (و قضينا الى بـنـي اسرائيل في الكتاب لتفسدن في الا رض مرتين و لتعلن علوا كبيرا فاذا ج وعد اولا هما بعثناعليكم عبادا لنا اولي باس شديد فجاسوا خلا ل الديار و كان وعدا مفعولا ثم رددنا لكم الكرة عليهم
و امـددناكم باموال و بنين و جعلناكم اكثر نفيرا, ان احسنتم احسنتم لا نفسكم و ان اساتم فلها فاذا
جا وعد الا خرة ليسووا وجوهكم و ليدخلوا المسجد كما دخلوه اول مرة و ليتبروا ما علواتتبيرا
عسى ربكم ان يرحمكم و ان عدتم عدنا و جعلنا جهنم للكافرين حصيرا) ((477)) .و لـيـس مـن قـصـدنا هنا تحقيق مرتي افسادهم , و من سلط عليهم في كلتا المرتين , فلذلك موضع
آخر ((478)) .و انـما الذي يتصل ببحثنا بيان ما روي من الاسرائيليات في هاتين المرتين , و اسم من سلط عليهم ,
وصـفته و كيف كان ,و الى م صار امره , و قد كانت معظم الروايات في بيان العباد ذوى الباس الشديد
الذين سلطوا عليهم , تدور حول ((بختنصر))البابلي و قد احاطوه بهالة من العجائب و الغرائب , و
الـمـبـالـغـات الـتـي لاتـصـدق و قـد اخرج هذه الروايات ابن جرير في تفسيره ـ و اكثر منها
جـدا ((479)) ـ و ابن ابي حاتم و البغوي ((480)) , و غيرهم , عن ابن عباس , و ابن مسعود, و
عن سعيد بن جبير,و سعيد بن المسيب , و عن السدي , و عن وهب بن منبه , و ابن اسحاق , و غيرهم
و خـرجـهـا مـن غـيـر ذكـر اسـانـيـدهـا, مـع عـزوهـاالـى مخرجيها السيوطي في ((الدر
المنثور)) ((481)) .و فيها ـ و لا شك ـ الكثير من اكاذيب بني اسرائيل التي اختلقها اسلافهم , و تنوقلت عليهم , و رواه
اخلافهم من مسلمة اهل الكتاب الذين اسلموا, و اخذها عنهم بعض الصحابة و التابعين تحسينا للظن
بهم , و رواها من غير تنبيه الى ما فيها.و فـي هـذه الاخـبار الاسرائيلية ما يحتمل الصدق و الكذب , و لكن الاولى عدم الاشتغال به , و ان
لانـفسر القرآن به , و ان نقف عند ما قصه اللّه علينا, من غير ان نفسد جمال القرآن و جلاله , بمثل
هذه الاسرائيليات .و قـد اكثر ابن جرير هنا من النقل عن ابن اسحاق , و في بعضها روى عن ابن اسحاق عمن لايتهم ,
عـن وهـب بـن منبه ((482)) ,و في بعضها بسنده عن وهب بن منبه في ذكر ابن اسحاق , و بذلك
وقفنا على من كان المصدر الحقيقي لهذه المرويات , و انه وهب , و امثاله , من مسلمة اهل الكتاب .و قد سود ابن جرير بضع صفحات من كتابه في النقل عن ابن اسحاق و عن وهب , و لااحب ان انقل
هـذا بنصه , فان في ذلك تسويدا للصفحات , و لكني ساذكر البعض , ليكون القارئ لهذا التفسير على
حذر من مثل ذلك .قـال ابن جرير : حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة , قال : حدثني ابن اسحاق قال : ((كان مما انزل
اللّه على موسى ((483)) في خبره عن بني اسرائيل , و في احداثهم , ما هم فاعلون بعده , فقال : (و
قـضينا الى بني اسرائيل في الكتاب لتفسدن في الا رض مرتين و لتعلن علوا كبيرا) ((484)) الى
قوله : (و جعلنا جهنم للكافرين حصيرا).فـكـانت بنواسرائيل و فيهم الاحداث و الذنوب , و كان اللّه في ذلك متجاوزا عنهم متعطفا عليهم ,
محسنا اليهم , فكان مماانزل بهم في ذنوبهم ما كان قدم اليهم في الخبر على لسان موسى , مما انزل بهم
في ذنوبهم , فكان اول ما انزل بهم من تلك الوقائع : ان ملكا منهم كان يدعى صديقة , و كان اللّه اذا ملك
الـمـلـك عـلـيهم بعث نبيا يسدده , و يرشده , و يكون فيما بينه و بين اللّه , و يحدث اليه في امرهم
لايـنـزل عليهم الكتب , انما يؤمرون باتباع التوراة , و الاحكام التي فيها, و ينهونهم عن المعصية ,و
يدعونهم الى ما تركوا من الطاعة فلما ملك ذلك الملك بعث اللّه معه شعيا بن امصيا, و ذلك قبل مبعث
زكريا, و يحيى و عيسى , و شعيا الذي بشر بعيسى , و محمد, فملك ذلك الملك بني اسرائيل , و بيت
المقدس زمانا, فلما انقضى ملكه ,عظمت فيهم الاحداث , و شعيا معه , بعث اللّه عليهم ((سنجاريب ))
مـلـك بـابل , و معه ستمائة الف راية ((485)) , فاقبل سائرا, حتى نزل نحو بيت المقدس , و الملك
مـريض , في ساقه قرحة , فجا النبي شعيا, فقال له : يا ملك بني اسرائيل ان ((سنجاريب )) ملك بابل
قد نزل بك هو و جنوده , ستمائة الف راية , و قد هابهم الناس , و فرقوا ((486)) منهم فكبر ذلك
عـلـى الملك , فقال : يا نبي اللّه ,هل اتاك وحي من اللّه فيما حدث فتخبرنا به ؟ كيف يفعل اللّه بنا, و
بـسـنجاريب و جنوده ؟ فقال له النبي (ع ) : لم ياتني وحي ,احدث الى في شانك , فبينما هم على ذلك
اوحى اللّه الى شعيا النبي ان ائت ملك بني اسرائيل فمره ان يوصي وصيته ,و يستخلف على ملكه من
شا من اهل بيته , فانك ميت .ثـم اسـتـرسل ابن جرير في الرواية , حتى استغرق ذلك اربع صفحات كبار من كتابه ((487)) ,
لايـشـك الناظر فيها انها من اخباربني اسرائيل , و فيما ذكره ابن جرير عن ابن اسحاق الصدق , و
الكذب , و الحق , و الباطل و لسنا في حاجة اليه في تفسيرالايات .و فـي الافـسـاد الثاني ـ و من سلط عليهم ـ روى ابن جرير ايضا, قال : حدثني محمد بن سهل بن
عـسـكـر, و محمد بن عبدالملك بن زنجويه , قالا : حدثنا اسماعيل بن عبدالكريم , قال : حدثنا ابن
عـبـدالصمد بن معقل , عن وهب بن منبه و حدثناابن حميد, قال : حدثنا سلمة , عن ابن اسحاق , عمن
لايتهم , عن وهب بن منبه اليماني ـ و اللفظ لحديث ابن حميد انه كان يقول ـ يعني وهب بن منبه .قال اللّه تبارك و تعالى لارميا حين بعثه نبيا الى بني اسرائيل : يا ارميا من قبل ان اخلقك اخترتك و لا
مـر عـظيم اختباتك ,فبعث اللّه ((ارميا)) الى ذلك الملك من بني اسرائيل , يسدده , و يرشده و ياتيه
بالخبر من اللّه فيما بينه , و بين اللّه , قال : ثم عظمت الاحداث في بني اسرائيل , و ركبوا المعاصي ,
و اسـتـحـلـوا الـمـحـارم , و نـسـوا ما كان اللّه سبحانه و تعالى صنع بهم , و مانجاهم من عدوهم
((سنجاريب )) و جنوده , فاوحى اللّه الى ارميا : انت ائت قومك من بني اسرائيل , و اقصص عليهم
ما آمرك به , و ذكرهم نعمتي عليهم , و عرفهم احداثهم .و اسـتـرسـل وهـب بن منبه فيما يذكره من اخبار بني اسرائيل , حتى استغرق ذلك من تفسير ابن
جـريـر ثـلاث صـفـحات كبار ((488)) الى غير ذلك , مما ذكره ابن جرير, و ابن ابي حاتم , و
غيرهما, من قصص عجيب غريب في ((بختنصر)) هذا, و ماخرب من البلاد و ماقتل من العباد.
الكذب على رسول اللّه بنسبة هذه الاسرائيليات اليه
و لو ان هذه الاسرائيليات و الاباطيل وقف بها عند رواتها من اهل الكتاب الذين اسلموا, او عند من رواهـا عـنـهم من الصحابة و التابعين لهان الامر, و لكن عظم الاثم ان تنسب هذه الاسرائيليات الىالمعصوم (ص ) صراحة , و لااشك ان هذاالدس من عمل زنادقة اليهود.روى ابـن جـرير في تفسيره , قال : حدثنا عصام بن داود بن الجراح , قال : حدثنا ابي , قال : حدثنا
سفيان بن سعيد الثوري ,قال : حدثنا منصور بن المعتمر, عن ربعي بن حراش , قال : سمعت حذيفة بن
اليمان يقول : قال رسول اللّه (ص ) :.