و عـنـد قـولـه تـعـالى : (و لو ردوه الى الرسول و الى اولى الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه مـنـهـم ) ((725)) يـروي عـن الامام ابي جعفر(ع ) : انهم الائمة المعصومون , و قيل : هم امرا الـسـرايا و الولاة , و قيل : هم اهل العلم و الفقه الملازمين للنبي (ص )قال الجبائي : هذا لايجوز, لان ((اولـى الامـر)), مـن لهم الامر على الناس بولاية قال الشيخ : و الاول اقوى , لانه تعالى بين انهم متى ردوه الى اولي العلم علموه , و الرد الى من ليس بمعصوم , لايوجب العلم , لجواز الخطا عليه بلا خلاف , سوا اكانوا امراالسرايا, او العلما ((726)) .
و عند قوله تعالى : (الا تنصروه فقد نصره اللّه اذ اخرجه الذين كفروا ثانى اثنين اذ هما في الغار, اذ يقول لصاحبه لاتحزن ان اللّه معنا, فانزل اللّه سكينته عليه و ايده بجنود لم تروها و جعل كلمة الذين كفروا السفلى و كلمة اللّه هى العليا و اللّه عزيز حكيم ) ((727)) .
قـال : فـيمن تعود ((الها)) اليه قولان : احدهما : قال الزجاج : انها تعود الى النبي (ص ) و الثاني : قـال الـجبائي : تعود الى ابي بكر, لانه كان الخائف و احتاج الى الامن قال الشيخ : و الاول اصح , لان جميع الكنايات قبل هذا و بعده راجعة الى النبي (ص ) فلايليق ان يتخلل ذلك كله كناية عن غيره .
ثـم قال : و ليس في الاية ما يدل على تفضيل ابي بكر, لان قوله : ((ثاني اثنين )) مجرد الاخبار ان الـنبي (ص ) خرج و معه غيره و كذلك قوله : ((اذ هما في الغار)) خبر عن كونهما فيه و قوله : ((اذ يقول لصاحبه )) لا مدح فيه ايضا, لان تسمية الصاحب لاتفيد فضيلة , الا ترى ان اللّه تعالى قال في صفة المؤمن و الكافر : (قال له صاحبه و هو يحاوره اكفرت بالذي خلقك ) ((728)) , و قوله : ((لاتحزن )) ان لم يكن ذما فليس بمدح , بل هو نهي محض عن الخوف قوله : ((ان اللّه معنا)), قيل :ان المراد به النبي (ص ), و لو اريد به ابوبكر معه لم يكن فيه فضيلة , لانه يحتمل ان يكون ذلك على وجـه الـتهديد الى ان يقول :فاين موضع الفضيلة للرجل لولا العناد ثم اضاف : و لم نذكر هذا للطعن على ابي بكر, بل بى نا ان الاستدلال بالاية على الفضل غير صحيح ((729)) .
و فـي مـسـالـة ((العدل )) و تحكيم العقل في معرفة الصفات , نراه يذهب مذهب اهل الاعتدال في الـنـظـر, فـيؤول الايات على خلاف ما يراه اهل الظاهر من الصفاتيين , من الاشاعرة و اهل القول بالجبر و التشبيه .
مثلا, في قوله تعالى : (ختم اللّه على قلوبهم و على سمعهم و على ابصارهم غشاوة ) ((730)) .
يقول : ((ختم اللّه على قلوبهم )) اي شهد عليها بانها لاتقبل الحق يقول القائل : اراك تختم على كل مـا يـقـول فـلان , اي تـشـهدبه و تصدقه , و ذلك استعارة و قيل : ((ختم )) بمعنى طبع فيها اثرا للذنوب , كالسمة و العلامة , لتعرفها الملائكة فيتبراوا منهم ,و لايوالوهم , و لايستغفروا لهم و قيل : المعنى انه ذمهم بانها كالمختوم عليها في انها لايدخلها الايمان , و لايخرج عنها الكفرقال الشاعر :.
و عند قوله : (صم بكم عمى فهم لا يرجعون ) ((732)) يقول : والمعنى انهم صم عن الحق لايـعـرفـونه , لانهم كانوا يسمعون بذانهم و بكم عن الحق لاينطقون مع ان السنتهم صحيحة , عمي لايـعـرفـون الـحـق و اعـيـنـهـم صـحـيـحـة , كـمـا قـال : (و تراهم ينظرون اليك و هم لا يـبـصـرون ) ((733)) قـال : و هـذا يـدل على ان قوله : (ختم اللّه على قلوبهم ) و (طبع اللّه عـلـيها) ((734)) ليس هو على وجه الحيلولة بينهم و بين الايمان , لانه وصفهم بالصم و البكم و الـعـمى مع صحة حواسهم , و انما اخبر بذلك عن الفهم الكفر و استثقالهم للحق و الايمان , كانهم ما سـمـعـوه و لاراوه , فـلـذلـك قال : (طبع اللّه على قلوبهم ) ((735)) و (اضلهم ) ((736)) و (اصـمـهم و اعمى ابصارهم ) ((737)) و (جعلنا على قلوبهم اكنة ) ((738)) و (فلما زاغوا ازاغ اللّه قـلـوبـهم ) ((739)) و كان ذلك اخبارا عما احدثوه عند امتحان اللّه اياهم , و امره لهم بالطاعة و الايمان , لانه ما فعل بهم ما منعهم من الايمان .
و قـد يـقول الرجل : حب المال قد اعمى فلانا و اصمه , و لايريد بذلك نفي حاسته , لكنه اذا شغله عـن الـحـقوق و القيام بمايجب عليه , قيل : اصمه و اعماه و كما قيل في المثل : حبك الشي يعمي و يصم , و يريدون ما قلناه و قال مسكين الدارمي :.
و قال آخر : اصم عما ساه سميع , فجمع الوصفين ((740)) .
و عند قوله : (كذلك نطبع على قلوب المعتدين ) ((741)) يقول : و ليس المراد بالطبع ـ في الاية ـ المنع من الايمان , لان مع المنع من الايمان لايحسن تكليف الايمان ((742)) .
مجمع البيان ـ في تفسير القرآن لابي علي الطبرسي .
هو امين الاسلام ابو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي , نسبة الى ((طبرس )) على وزان جـعـفـر معرب ((تفرش )) بكسرالرا مدينة عامرة قرب ((ساوة )) من بلاد ايران اما النسبة الى ((طبرستان )) فهو طبري , كما هو معروف .
عـلـم شـامخ من اعلام الامامية , علامة فاضل , جامع اديب , و مفسر فقيه , تتلمذ لدى مشايخ عصره الاجلا, منهم : الشيخ ابوعلي ابن شيخ الطائفة الطوسي , و الشيخ ابوالوفا الرازي , و السيد ابوطالب الـجـرجاني , و السيد ابوالحمد مهدي بن نزارالحسيني القايني , عن الحاكم ابي القاسم عبيداللّه بن عبداللّه الحسكاني , و غيرهم هو من اعلام القرن السادس , توفي سنة (561) على ما ذكره حاجي خليفة في ((كشف الظنون )).
و هو تفسير حاشد بالادب و اللغة و القراات و حججها, و يختص بالاحاطة برا المفسرين السلف و كـان المؤلف قدجعل تفسير ((التبيان )) لشيخ الطائفة اسوة له في هذا المجال , فجعله اصلا بنى عليه زيادات المباني و الفروع , ذكر المؤلف بهذاالشان :.
و قـد خـاض الـعلما قديما و حديثا في علم تفسير القرآن , و اجتهدوا في ابراز مكنونه و اظهار مـصـونه , و الفوا فيه كتباجمة , غاصوا في كثير منها الى اعماق لججه , و شققوا الشعر في ايضاح حـجـجـه , و حـقـقـوا فـي تـنـقيح ابوابه , و تغلغل شعابه , الا ان اصحابنا لم يدونوا في ذلك غير مختصرات , نقلوا فيها ما وصل اليهم في ذلك من الاخبار, و لم يعنوا ببسط المعاني و كشف الاسرار, الا ما جمعه الشيخ الاجل السعيد ابوجعفر محمد بن الحسن الطوسي (قدس سره ) من كتاب التبيان , فـانـه الـكتاب الذي يقتبس منه ضيا الحق , و يلوح عليه روا الصدق , قد تضمن من المعاني الاسرار الـبـديـعـة , و احـتضن من الالفاظ اللغة الوسيعة ,و لم يقنع بتدوينها دون تبيينها, و لابتنميقها دون تحقيقها, و هو القدوة استضي بانواره , و اطا مواقع آثاره .
قـدم على تفسيره مقدمات سبع , بحث فيها عن تعداد آي القرآن , و اسامى القرا المشهورين , و ذكر الـتـفـسـير و التاويل ,و اسامي القرآن , و علومه و فضله و تلاوته , و اثبت فيها صيانة القرآن من التحريف و الزيادة و النقصان , و بين اجماع علماالامامية على ذلك , و اتفاق آرائهم فيه .
منهجه في التفسير.
امـا الـمنهج الذي سار عليه مفسرنا فهو منهج رتيب , يبدا بالقراات , فيذكر ما جا عن اختلاف القراة في الاية , و يعقبهابذكر الحجج التي استندت اليها كل قراة , ثم اللغة ثم الاعراب , و اخيرا المعنى و قـد يـتعرض لاسباب النزول , و القصص التي لها بعض الصلة بالايات و بحق قد وضع تفسيره على احسن ترتيب و اجمل تبويب يقول هو عن تفسيره :.
و ابتدات بتاليف كتاب هو في غاية التلخيص و التهذيب , و حسن النظم و الترتيب , يجمع انواع هذا الـعـلـم و فـنـونـه ,و يحوي فصوصه و عيونه , من علم قراته و اعرابه و لغاته و و غوامضه و مـشكلاته , و معانيه و جهاته , و نزوله و اخباره ,و قصصه و آثاره , و حدوده و احكامه , و حلاله و حـرامه و الكلام عن مطاعن المبطلين فيه , و ذكر ما ينفرد به اصحابنا من الاستدلالات بمواضع كـثـيـرة مـنـه , على صحة ما يعتقدونه من الاصول و الفروع , و المعقول و المسموع , على وجه الاعـتـدال و الاخـتصار, فوق الايجاز و دون الاكثار فان الخواطر في هذا الزمان لاتحتمل اعبا العلوم الكثيرة , و تضعف عن الاجرا في الحلبات الخطيرة , اذ لم يبق من العلما الا الاسما, و من العلوم الا الذما و هو بقية الروح في المذبوح .
قـال : و قـدمت في مطلع كل سورة ذكر مكيها و مدنيها, ثم ذكر الاختلاف في عدد آياتها, ثم ذكر فـضـل تـلاوتـها ثم اقدم في كل آية الاختلاف في القراات , ثم ذكر العلل و الاحتجاجات , ثم ذكر العربية و اللغات , ثم ذكر الاعراب و المشكلات , ثم ذكرالاسباب و النزولات , ثم ذكر المعاني و الاحكام و التاويلات , و القصص و الجهات ثم ذكر انتظام الايات .
ثم اني قد جمعت في عربيته كل غرة لائحة , و في اعرابه كل حجة واضحة , و في معانيه كل قول مـتـيـن , و فـي مشكلاته كل برهان مبين و هو بحمداللّه للاديب عمدة , و للنحوي عدة , و للمقرئ بصيرة , و للناسك ذخيرة , و للمتكلم حجة , و للمحدث محجة , و للفقيه دلالة , و للواعظ آلة .
قـال الـذهبي بشان هذا التفسير : و الحق ان تفسير الطبرسي ـ بصرف النظر عما فيه من نزعات تـشيعية و آرااعتزالية ـ كتاب عظيم في بابه , يدل على تبحر صاحبه في فنون مختلفة من العلم و المعرفة و الكتاب يجري على الطريقة التي اوضحها لنا صاحبه , في تناسق تام , و ترتيب جميل و هو يـجـيد في كل ناحية من النواحي التي يتكلم عنها فاذا تكلم عن القراات و وجوهها اجاد, و اذا تكلم عـن الـمـعـانـي الـلغوية للمفردات اجاد, و اذا تكلم عن وجوه الاعراب اجاد, و اذا شرح المعنى الاجمالي اوضح المراد, و اذا تكلم عن اسباب النزول و شرح القصص استوفى الاقوال و افاض , و اذا تكلم عن الاحكام تعرض لمذاهب الفقها, و جهر بمذهبه و نصره ان كانت هناك مخالفة منه للفقها, و اذا ربـط بـين الايات آخى بين الجمل , و اوضح لنا عن حسن السبك و جمال النظم , و اذا عرض لـمـشـكـلات الـقرآن اذهب الاشكال و اراح البال و هو ينقل اقوال من تقدمه من المفسرين معزوة لاصحابها, و يرجح و يوجه ما يختار منها.
ثـم يـقـول عنه الذهبي : و اذا كان لنا بعض المخذ عليه فهو تشيعه لمذهبه و انتصاره له , و حمله لـكتاب اللّه على ما يتفق و عقيدته , و تنزيله لايات الاحكام على ما يتناسب مع الاجتهادات التي خالف فـيها هو و من على شاكلته و روايته لكثير من الاحاديث الموضوعة غير انه ـ و الحق يقال ـ ليس مغاليا في تشيعه , و لامتطرفا في عقيدته , كما هو شان كثير غيره , من علماالامامية ((743)) .
ثـم يذكر الذهبي امثلة لما ظنه مؤاخذة على مفسرنا الجليل , و حسب انه تعصب لها انتصارا لمذهبه فـي التشيع , في حين انه ادى الكلام حقه و لم يفرط في القول , كما انه لم يفرط كما فرط الاخرون من سائر المفسرين .
مثلا في قصة الخاتم عند تفسير قوله تعالى : (انما وليكم اللّه و رسوله و الذين آمنوا الذين يقيمون الـصـلا ة و يؤتون الزكاة و هم راكعون ) ((744)) نراه يفصل في الكلام عن شان نزول الاية , و دلالتها الصريحة في امامة مولانا اميرالمؤمنين (ع ) بما اتم الحجة و بلغ في البيان .
امـا الاسـتـاذ الذهبي فلم يرقه ذلك , و قال ناقما عليه : و لا شك ان هذه محاولة فاشلة , فان حديث تصدق علي بخاتمه في الصلاة ـ و هو محور الكلام ـ حديث موضوع لا اصل له و قد تكفل العلامة ابن تيمية بالرد على هذه الدعوى في كتابه ((ص 3 ـ 9)) ((745)) .
قلت : اترى ابن تيمية لم يتعصب لمذهبه في النصب لعلى وآل الرسول , في انكاره لمنقبة هي من اكبر المناقب التي نزل بهاالقرآن الكريم , و اذعن لها اهل العلم و التحقيق , في الحديث و التفسير.
ان لـهـذا الـحـديث اسنادا متظافرة ـ ان لم تكن متواترة ـ اوردها جل اهل الحديث , حتى ان الحاكم الـنـيـسـابـوري عـده مـن الاحاديث التي رواها اهل مدينة عن اهل مدينة , فقد رواه الرازيون عن الكوفيين ((746)) , و قد تعددت طرقه و كثرت مخارجه .
قـال ابـن حـجـر الـعـسـقـلانـي : و اذا كـثـرت الـطرق و تباينت مخارجها دل ذلك على ان لها اصلا ((747)) .
كـيـف , و هـذا الحديث قد اخرجها الائمة الحفاظ بعدة اسانيد, و فيها الصحاح صرح بذلك الحافظ ابـوبـكـر ابـن مـردويـه الاصـبهاني , قال : اسناد صحيح , رجاله كلهم ثقات , و هكذا ابن ابي حاتم الرازي ((748)) .
و اورده جـلال الـدين السيوطي , في اسباب النزول , بعدة طرق , و ذكر له شواهد, ثم قال : فهذه شواهد يقوي بعضهابعضا ((749)) .
و قـد اسـتـقـصـى الـعلامة الاميني موارد ذكر الحديث , فانهاه الى (66) موردا في امهات الكتب الحديثية , و كتب المناقب و التفسير و الكلام ((750)) .
و هـذا الـحـديـث مـمـا سارت به الركبان , و انشد فيه الشعرا, منهم حسان بن ثابت شاعر رسول اللّه (ص ) حيث يقول :.
كـل ذلـك يدل على شيوعه و استفاضته بما لايكاد يمكن انكاره , الا من عمى قلبه و اعمته عصبيته امثال الذهبي , و من قبله ابن تيمى ة .
هـذا و قـد ارسـله الفقها و هم ابصر بمواضع الاحاديث ارسال المسلمات , و اخذوه حجة على ان الـفـعل القليل لايبطل الصلاة , و من ثم عدوا هذه الاية من آيات الاحكام , الامر الذي ينم عن اتفاقهم عـلـى صحة الحديث هكذا اورد الجصاص هذه الاية دليلا على جواز العمل اليسير في الصلاة , و روى نزولها في علي (ع ) عن مجاهد و السدي و ابي جعفر و عتبة بن ابي حكيم ((752)) .
كـمـا استوفى الكلام فيه الحاكم الحسكاني و اورده باسناده الى جماعة من كبار الصحابة , امثال : عمار بن ياسر,و المقداد بن الاسود, و جابر بن عبداللّه الانصاري , و عبداللّه بن عباس , و انس بن مـالـك , و ابـي ذر الـغفاري , فضلا عن اقوال التابعين في ذلك , فراجع ((753)) و راجع ـ ايضا ـ فضائل الخمسة للسيد الفيروزآبادي ((754)) .
و تعرض الذهبي لمسائل في الاصول و الفروع مما اختصت الشيعة القول به , مثل : ((الرجعة )) و ((الـمهدي )) و ((التقية ))و ((المسح على الارجل )) و نحوها, مما صرحت به الايات , او جا به النقل المتواتر متوافقا مع ظاهر القرآن و قد اشاد به شيخناالطبرسي في تفسيره حسب مسلكه , في تحكيم ظواهر القرآن عند تزاحم الارا في مسائل الخلاف .
و اخيرا يقول عنه : و الطبرسي معتدل في تشيعه غير مغال فيه , كغيره من متطرفي الامامية , و لقد قـرانا في تفسيره فلم نلمس عليه تعصبا كبيرا, و لم ناخذ عليه انه كفر احدا من الصحابة , او طعن فـيـهـم بما يذهب بعدالتهم و دينهم , كما انه لم يغال في شان علي بما يجعله في مرتبة الاله او مصاف الانبيا, و ان كان يقول بالعصمة .
و كـل ما لاحظناه عليه من تعصبه لمذهب انه يدافع بكل قوة عن اصول مذهبه و عقائد اصحابه كما انـه اذا روى اقـوال المفسرين في آية من الايات , و نقل اقوال المفسرين من اهل مذهبه فيها, نجده يرتضي قول علما مذهبه و يؤيده , بما يظهر له من الدليل ((755)) .
قلت : و قد اسا الظن بالشيعة و لعله تعمد مقيت حيث حسب منهم من يجعل عليا(ع ) في مرتبة الاله , اذ لـم نـجـد مـن ينتمي الى الشيعة من يزعم ذلك , اللهم الا الغلاة و هم خارجون عن الملة , و تحكم الشيعة عليهم بالكفر و الالحاد.
اما مصاف الانبيا, فهو بلوغ مرتبة توازي مرتبة الانبيا في الفضيلة دون النبوة , فهو امر معقول و قد جعل النبي (ص )العلما في مصاف الانبيا, حيث قال : علما امتي كانبيا بني اسرائيل ((756)) و العلما ورثة الانبيا ((757)) و قال بشان علي (ع ) : انت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي حديث متواتر مستفيض , و قد رواه اصحاب الصحاح و المسانيد من اهل الحديث ((758)) .
و امـا الـمسائل التي تعرض لها الذهبي , حيث وقعت مورد تاييد مفسري الشيعة , فاظنها خارجة عن اختصاص مثل الذهبي البعيد عن مسائل الخلاف بين المذاهب الاسلامية , في الاصول و في الفروع , كـل يـدافـع عـن رايـه , و يتكلم حسب فهمه من الكتاب و السنة و العقل الرشيد, ما لم يكن تحميلا ظاهرا, الامر الذي يتحاشاه امثال الطبرسي و قبله الشيخ في ((التبيان )).
و لـيعلم ان في الشيعة جماعة اخبارية هم اصحاب جمود, نظير اخوانهم الحشوية من اهل الحديث فـي السنة و الجماعة ,و لاتحسب الطائفة على حساب هذه الفئة و تفاسير علما الشيعة من لدن شيخ الـطـائفة امثال ((التبيان )) و ((روح الجنان ))و ((مجمع البيان )), كلها على نمط واحد, تفاسير وضعت على اساس معقول لا افراط فيها و لا قصور, و لا فيها شي من التعصب المقيت .
و امـا الـنزعة الاعتزالية التي نسبهم اليها امثال الذهبي , فهي نسبة خاطئة , ان للشيعة الامامية مباني في اصول معارفها قدتتفق مع مشرب الاعتزال , كمسالة العدل في الافعال , و تجريد الذات عن مبادئ الصفات , و تحكيم العقل في معرفة الحسن و القبح في التكليف , و ما الى ذلك و هذا لايعني ان الشيعة اخذت عن المعتزلة و لا العكس , بل هو اتفاق نظر في مسائل من الكلام , كما اتفقت الامة على مسائل في اصول العقيدة و فروع من مسائل الاحكام .
فـفـي مـثـل مسالة ((الهداية و الضلال )) حيث زعم الذهبي ان مفسرنا الجليل وافق المعتزلة في عقيدتهم و دافع عنها, و هدم ما عداها ((759)) انما هو توافق محض , و لعل الشيعة هم الاصل في هذا النظر, لانهم انما اخذوها عن اهل بيت الرسالة , و منهم نشر العلم و المعرفة في ارجا الاسلام .
و كـذا مـسـالة ((الرؤية )) و انكار تاثير السحر لولا اذنه تعالى , و هكذا مسالة ((الشفاعة )) و مـعـرفـة حـقيقة الايمان , و ما اليها فانانرى الذهبي اخذها دليلا على محاكاة الشيعة فيها لاصحاب الاعتزال , و لعل الصواب العكس .
هـو جـمال الدين ابوالفتوح الحسين بن علي بن محمد بن احمد الخزاعي الرازي , من احفاد نافع بن بـديـل بـن ورقاالخزاعي و نافع و ابوه بديل من اصحاب رسول اللّه (ص ), و استشهد نافع و مات بـديـل في حياة الرسول , و اخوه عبداللّه بن بديل استشهد بصفين في ركاب علي (ع ) كانت اسرته مـمـن هاجر الى بلاد فارس و سكنت في مدينة نيسابور, و انتقل جده الى الري , فاشتهر بها و كان جـده ابـوبـكر احمد بن الحسين بن احمد الخزاعي , نزيل الري من تلامذة السيد المرتضى (قدس سره )و تتلمذ على يد السيد ابن زهرة , و الشيخ ابي جعفر الطوسي ايضا.
كـان مترجمنا عالما خبيرا باحوال الرواة و المحدثين , و كان له صيت في ارجا البلاد, كان يرتحل الـيـه رواد الـعـلم و طلاب الحديث و من اشهر تلاميذه ابن شهرآشوب و الشيخ منتجب الدين , و غـيـرهـما من كبار العلما و تتلمذ على ايدي علمامشاهير, امثال الشيخ ابي الوفا عبدالجبار المقري تلميذ الشيخ الطوسي , و الشيخ ابي علي ابن الشيخ , و القاضي عماد الدين الاسترابادي قاضي الري , و جاراللّه الزمخشري و غيرهم .
مـن اشـهـر مـؤلـفاته : التفسير الكبير, المعروف بروح الجنان و روح الجنان , الذي وضعه باللغة الفارسية , التي كانت دارجة ذلك العهد, في بلاد ايران , و ذلك ان احس بحاجة الامة الى تفسير يقرب مـن مـتـناول اهل تلك البلاد, فكان في نثر ادبي بليغ و سبك سهل بديع يقول هو في سبب تاليفه : ان جـمـاعـة مـن اعاظم اهل العلم في بلده التمسوا منه ان يضع لهم تفسيرا يقرب من افهامهم , و يسهل الـتـنـاول مـنـه لدى عامة اهل زمانه , حيث اعوزازهم تفسيرا جامعا و شاملا و سهلا على الناس , فـاجـاب لـمـلـتمسهم و ازاح الاشكال من نفوسهم فوضع تفسيرا جامعا و شاملا, و في نفس الوقت متوسطا بين الايجاز المخل و الاطناب الممل .
فقدم على تفسيره مقدمات , ذكر فيها : اقسام معاني القرآن , و انواع آيه , و اسماه , و معنى السورة و الاية , ثم ثواب تلاوته , و الترغيب في معرفة غريبه , و معنى التفسير و التاويل .
و هو تفسير جيد متين , قد فصل في الكلام عن معضلات الايات , و شرحها شرحا وافيا في اوجز كـلام و اخـصر بيان متعرضا لجوانب مختلفة من الكلام حول الاية , ان كلامية او ادبية او فقهية و نحو ذلك , و انما يتكلم عن علم و معرفة واسعة ,و يؤدي المسالة حقها بايجاز و ايفا.
و لـهـذا التفسير مكانة رفيعة في كتب التفاسير, فكثير من كتب التفسير رست مبانيها على قواعده الركينة و بنت مسائلها على مباحثها الحكيمة هذا الامام الرازي , شيخ المفسرين , بنى تفسيره الكبير عـلى مباني شيخنا ابي الفتوح , فيما فتح اللّه عليه امهات المباحث الجليلة قال العلامة القاضي نوراللّه التستري المرعشي : ان هذا التفسير من خير التفاسير, و قد سمحت به قريحة شيخنا الرازي الوق ادة , و مما لا نظير له في كتب التفسير, في عذوبة الفاظه و سلاسة عباراته , و ظرافة اسلوبه و دقـة اختياره ,و قد بنى عليه الفخر الرازي في تفسيره الكبير, فاخذ منه اللباب , و زاد عليه بعض تـشـكـيـكـاتـه , مـما زاد في الحجم , و لكن الاصل اللباب , هو ما ذكره مفسرنا الرازي ابوالفتوح الكبير ((760)) .
و قد تتبعت مواضع من التفسيرين , فوجدت الامر كما ذكره القاضي , كان الاصل ما ذكره ابوالفتوح الرازي , و جا تحقيق الفخر فرعا عليه و مقتبسا منه , و لو مع زيادات .
مـثـلا عـنـد قوله تعالى : (فسجدوا الاابليس ابى و استكبر و كان من الكافرين ) ((761)) ذهب ابـوالـفتوح الى ان ابليس لم يزل كان كافرا, و ان المؤمن سوف لايكفر, لان الايمان يوجب استحقاق الـثـواب الـدائم , و كـذا الـكـفـر يـوجـب اسـتـحـقاق العقاب الدائم , و الجمع بين الاستحقاقين محال ((762)) .
و هـكـذا جا الاستدلال في ((التفسير الكبير)), قال : الوجه الثاني في تقرير انه كان كافرا ابدا, قـول اصـحاب الموافاة , و ذلك لان الايمان يوجب استحقاق الثواب الدائم , و الكفر يوجب استحقاق الـعـقـاب الدائم , و الجمع بين الثواب الدائم و العقاب الدائم محال , فاذا صدر الايمان من المكلف في وقت ثم صدر عنه ـ و العياذ باللّه ـ بعد ذلك كفر, فاما ان يبقى الاستحقاقان معاو هو محال ـ على ما بيناه ـ او يكون الطارئ مزيلا للسابق , و هو ايضا محال , لان القول بالاحباط باطل ((763)) .
و يـبـحـث الرازي عن قوله : ((و كان من الكافرين )) هل كان هناك كفار غير ابليس حتى يكون واحدا منهم ؟ فيجيب عن ذلك بجوابات , كلها واردة في كلام ابي الفتوح الرازي ((764)) .
اما منهجه في التفسير, فجرى على منوال سائر التفاسير, فيبدا بذكر السورة و اسمائها و فضلها و ثواب قراتها, ثم يذكر جملة من الايات , مع ترجمتها بالفارسية , و يفسرها جملة جملة , فيبدا باللغة و الـنـحـو و الـصـرف , ثـم القراة احيانا ثم ذكراسباب النزول , و التفسير اخيرا, كل ذلك باللغة الفارسية القديمة , و لكن في اسلوب سهل بديع .
و من براعته في اللغة : احاطته بمفردات اللغة الفارسية المرادفة تماما مع مفردات لغة العرب , في مثل : ((فسوس ))مرادفة لكلمة ((الاستهزا)), و ((ديو)) لكلمة ((الشيطان )), لانه من الجن , و الـجـن في الفارسية : ((ديو)) ((765)) و ((پيمان )) لكلمة ((الميثاق )) و ((برفروزد)) لقوله ((استوقد)) و ((دوزخ )) لجهنم , و ((كارشكسته )) بمعنى ((كاركشته )) مرادفة لكلمة ((ذلول )) ((766)) و ((شكمش بياماسامد)) بمعنى ((انتفخ بطنه )) ((767)) و ((خداوندان عـلـم )) بـمـعـنـى ((اولـوا الـعـلـم )) ((768)) و ((خـاك بـاز شـيـارانـد)) بـمـعـنـى ((تـثـيـرالارض )) ((769)) و ((هـمـتـا)) و ((انباز)) بمعنى ((الشريك )) ((770)) و ((سـتـون چـوب دركش گرفت )) بمعنى ((چوب ستون را در بغل گرفت ))مرادفة لقولهم : ((احـتـضـن الشي )) ((771)) و ((ما خواستمانى كه در آن خيرى بودى تا ما نيز به آن خير برسيدمانى )) تعبير فارسى قديم ((772)) و هكذا ((و ما را بپاى , و گوش نما)) مرادفة لكلمة ((راعـنـا)) ((773)) و ((بـا من بازار مى كنى )) ترجمة لعبارة : ((ام الى تشوقت ))من كلام الامـام امـيـرالـمؤمنين (ع ) ((774)) , و ربما قرئ بالسين , و لعل العبارة ترجمة ((تسوقت )) بالسين لتكون ترجمتها ((بازار گرمى مى كنى )).
و اسـتـعمل ((مه )) ـ بكسر الميم ـ بمعنى ((الاكبر)) في قوله : ((هارون در سال امن و عفو زاد و بـه يـكـسـال مه موسى بود)) ((775)) ,و هو في مقابلة ((كه )) ـ بكسر الكاف ـ بمعنى ((الاصغر)) و قد جا في كلام ((سعدي )) الشيرازي .
كما انه لم يتقيد بترجمة ظاهر الكلمة , و انما فسر معناها تفسيرا يتطابق مع العقل و الواقع .
مـثـلا : فـسـر قـوله تعالى : (و اذا خلوا الى شياطينهم ) ((776)) : باذا خلوا الى رؤسائهم و اكـابرهم , لانه فسر ((الشيطان )) بكل متمرد عات , سوا اكان من الجن ام الانس , و حتى الحيوان الخبيث يقال له : شيطان عند العرب , كالافعى في قوله تعالى :(كانه رؤوس الشياطين ) ((777)) اي رؤوس الافاعي و الحيات ((778)) .
و الـمطالع في هذا التفسير يجد براعته الفائقة في مختلف العلوم الاسلامية , و لاسيما الفقه و علم الكلام .
من ذلك نجده عند تفسير قوله تعالى : (ان اللّه يامركم ان تذبحوا بقرة ) ((779)) يبحث هل كان بـنـواسـرائيل مكلفين بالخصوصيات من بد الامر؟ اوليس في ذلك تاخير للبيان عن وقت الخطاب ؟ فـيـقول : هذا عند المعتزلة و اصحاب الحديث و اكثر اهل الكلام غير جائز, لكن السيد المرتضى عـلـم الـهدى اجاز تاخير البيان عن وقت الخطاب الى وقت الحاجة , و ياخذالاية دليلا على صحة مذهب المرتضى ((780)) .
و هـكذا يذهب الى ان المؤمن لايرتد و لايكفر بعد الايمان , و يؤول ما ظاهره الخلاف , مستدلا بان الايـمـان عـمل يستحق صاحبه المثوبة الدائمة , و لا مثوبة مع موافاة الكفر, و كانت عقوبته دائمة ايضا, اذ لايجتمع تداوم الامرين .
قال عند تفسير قوله تعالى : (و اذ قلنا للملا ئكة اسجدوا لا دم فسجدوا الاابليس ابى و استكبر و كان من الكافرين ) ((781)) القائل بان ذلك كفر من ابليس , جعلوا ((كان )) بمعنى ((صار)) اي و صار من الكافرين , لكنه خطا من وجهين :اولا : ذلك عدول عن ظاهر اللفظ بلاضرورة تدعو اليه , ثـانـيـا : جعل العمل الجوارحي كفرا, اي موجبا للكفر, في حين انه يوجب الفسق , حتى و لو كانت كـبـيـرة , عـلـى خـلاف مـذهـب اهـل الاعـتزال , حيث جعلوا فعل الكبيرة موجبا للكفر, و هذا خلاف البرهان .
ثـم اخذ في الاستدلال على ان الايمان لايتعقبه كفر او نفاق , و انما هو كاشف عن عدمه من قبل , و لم يكن سوى ايمان ظاهري لا واقعي قال ـ ما لفظه بالفارسية ـ :.
((و مـذهـب ما آن است كه مؤمن حقيقى , كه خداى تعالى از او ايمان داند, كافر نشود, براى منع دلـيـلـى , و آن دليل آن است كه اجماع امت است كه مؤمن مستحق ثواب ابد بود, و كافر مستحق عقاب ابد بود, و جمع بين استحقاقين بر سبيل تابيدمحال بود, چه استحقاق در صحت و استحالت , تـبع وصول باشد و احباط بنزديك ما باطل است , چنانكه بيانش كرده شود,پس دليل مانع از ارتداد مؤمن اين است كه گفتيم و ابليس هميشه كافر بود و منافق (و كان من الكافرين ) ((782)) .
يـقـول : انـعـقـد اجماع الامة على ان المؤمن يستحق مثوبة دائمة , و كذلك الكافر يستحق عقوبة دائمـة , و الجمع بين تداوم الاستحقاقين محال , ذلك لان الاستحقاق يستدعي بلوغ الثواب و وصوله اليه فاذا كان الايمان متاخرا كفر ما قبله ((الاسلام يجب ما قبله )) ((783)) و اما الكفر المتاخر فلايوجب حبط الايمان , لان من يعمل مثقال ذرة خيرا يره .
و نـجـده يـفـصـل الـكـلام حول الامام الثاني عشر المهدي المنتظر, كلما حن الكلام في تفسيره بالمناسبة .
مـثلا : يقول في تفسير ((الغيب )) من قوله تعالى : (يؤمنون بالغيب ) ((784)) جا في تفسير اهل البيت (ع ) : ان المراد به هوالمهدي (ع ) و هو الغائب الموعود في الكتاب و السنة , اما الكتاب فقوله تـعالى : (وعد اللّه الذين آمنوا منكم و عملواالصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم ) ((785)) .
و امـا الاحـاديث , فكثيرة , منها قوله (ع ) : ((لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطول اللّه ذلك اليوم حتى يخرج رجل من اهل بيتي يواطي اسمه اسمي و كنيته كنيتي , يملا الارض عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما)).
و هـذه الاوصـاف لم تجتمع الا في شخص المهدي المنتظر ـ عجل اللّه تعالى فرجه الشريف ـ ثم يقول : كلما مررنا بية تعرضت لهذا المعنى , استقصينا الاخبار بشانه ((786)) .
و لـه فـي مباحث الهداية و الضلال بحوث مذيلة , و في نفس الوقت ممتعة , استفاض فيها الكلام من جميع جوانبه ((787)) .
ثم انه لايترك موضعا من التفسير يناسب ذكر مسائل الخلاف الا بينه بتفصيل , و ذكر مواقف الشيعة الامامية في ذلك .
مـثلا, عند تفسير قوله تعالى : (و اذ قلنا للملا ئكة اسجدوا لا دم فسجدوا) ((788)) يتعرض لانحا السجود, منها : السجودفي الصلاة , و هو ركن من اركانها ـ و يفسر معنى الركن ـ و سجدة الـسهو, و سجدة الشكر, و سجدة القرآن , و هذه الاخيرة اماواجبة في اربعة مواضع : الم تنزيل , حم السجدة , النجم , اقرا او سنة , ففي احد عشر موضعا, فالمجموع : خمسة عشر موضعاعندنا و عـنـد الشافعي : اربعة عشر موضعا, كلها سنة ثم يفصل في احكام سور العزائم , مما يخص مذهب الامامية , و يذكرمواضع سجود السهو للصلاة , و مذهب سائر المذاهب في ذلك .
و يـذكر علائم المؤمن الخمس : الصلاة احدى و خمسين , و زيارة الاربعين ـ في اليوم العشرين مـن شهر صفربكربلا ـ و التختم باليمين , و تعفير الجبين , و الجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم و يـذكر سبب استحباب زيارة الحسين (ع ) في يوم الاربعين بكربلا, و هو يوم ورود جابر بكربلا, بعد مقتل الحسين باربعين يوما ((789)) .
و مما يمتاز به هذا التفسير, احاطة صاحبه بالتاريخ و السيرة الكريمة , و كذلك بالاحاديث الشريفة فـي مـخـتـلف شؤون الدين , و من ثم تراه في شتى المناسبات يخوض المعركة , و ياتي بلباب القول باستيفا و شمول و قد ياتي على حوادث قل مايوجد في سائر الكتب .
مـن ذلـك حـادثـة يـوم الصريخ , جا بها ذيل الاية رقم (54) من سورة المائدة , حيث قوله تعالى : (فـسوف ياتي اللّه بقوم يحبهم و يحبونه اذلة على المؤمنين اعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل اللّه و لا يخافون لومة لا ئم ).
فذكر اولا غزوة خيبر و فتحها على يد الامام اميرالمؤمنين , و شعر حسان بن ثابت فيه :.
و بـعـد ذلك يذكر غزوة الصريخ , و فيها : خرج ((اسد عويلم )) مبارزا, متترسا بترس حديدي , يبلغ وزنه مئات الامنان , و كان يعادل اربعين فارسا, و هو يرتجز و يقول :.
فبرز اليه علي (ع ) فقده نصفين , ثم اتى النبي (ص ) و هو يقول :.
ضربته بالسيف وسط الهامة
و هـذه الـغـزوة بـهذا الاسم غير معروفة , و لا اثبتها اصحاب السير بهذا الشكل , و انما ذلك من اختصاصات هذا الكتاب ,و كم له من نظير.
و ((اسـد عويلم )) غير معروف , سوى ما ذكره المحقق الشعراني في هامش الكتاب ((799)) و لم نجده فيما ارجعه من مصدر.
و مـمـا امـتـاز به هذا التفسير انه لم يترك موضعا جات مناسبة الوعظ و الارشاد الا و قد استغل الفرصة , و اخذ في الوعظ و الزجر و الترغيب و الترهيب .
مـن ذلـك عـند ذكره لقصة آدم و توبته , و انه انما تقبل اللّه منه التوبة بامور ثلاثة تمثلت في آدم , فـلـيكن ذلك من كل تائب ,و هي : الحيا, و الدعا, و البكا ثم اخذ في الوعظ و الارشاد, متمثلا بقول محمود الوراق :.
هو الميرزا محمد بن محمدرضا بن اسماعيل بن جمال الدين القمي الاصل , المشتهر بالمشهدي , حيث نـشا و تربى بمشهد الامام الرضا(ع ) ـ و ميرزا : مخفف ((ميرزاده )) بمعنى ((وليد الامير)) ـ كان فاضلا اديبا جامعا, و محدثا فقيها, علما من اعلام القرن الثاني عشر, توفي حدود سنة (1125) .
و يظهر من تفسيره هذا انه كان متبحرا في شتى العلوم الاسلامية التي كانت دارجة ذلك العهد, من الفلسفة و الكلام ,و الادب و اللغة , و الفقه و الحديث و قد اضطلع بعلم التفسير و التاويل .
و تـفـسـيره هذا من خير تفاسير ذلك العهد, و هو كما كتبنا في المقدمة حصيلة ما سبقه من امهات تـفـاسير اصحابنا الامامية :النقلية و الاجتهادية , قد جمع فيه من لباب البيان و عباب التعبير, اينما وجـده طي الـكـتـب و الـتـفـاسـير السابقة عليه , و التي كانت راقية لديه فقد اختار حسن تعبير الـبـيضاوي , اقتدا بشيخه الفيض الكاشاني في تفسيره الصافي كما انتخب من اسلوب الطبرسي في ((مجمع البيان )) تبويبه و ترتيبه , مضيفا اليه ما استحسنه من ((كشاف )) الزمخشري و حواشي الـعـلا مة الشيخ البهائي , و كثيرامن تاويلات جات في تفاسير اهل الرمز و الاشارات و قد قرظ تفسيره علمان من اعلام الامة : المجلسي العظيم ,و الخوانساري الكبير, مما يدلك على جلالة قدر هذا التفسير الفخيم .
و بـحـق انـه تـفـسير جامع كامل , مع ايجازه و ايفائه , شمل جوانب مختلفة من الكلام حول تفسير كـلام اللّه , فلم يترك شاردة و لا واردة من الاحاديث الواردة عن ائمة اهل البيت (ع ) الا اوردها و تعرض لها بتفصيل , ثم الادب و اللغة بشكل مستوعب ,ثم مسائل الكلام و الفلسفة و الفقه في مجالاته الـمـنـاسـبـة , و اخـيرا يتعرض لتاويل الاية و تفسير بطونها حسب تعبيره , و من ثم فانه يعد من التفاسير الجامعة الشاملة لكل جوانب التفسير المعهود ذلك الحين .
و قد طبع هذا التفسير عدة طبعات انيقة في عهدنا الحاضر, و هو في متناول العموم .
لابي عبداللّه محمد بن احمد بن ابي بكر الانصاري الخزرجي الاندلسي القرطبي , توفي سنة (671) كان من العلماالعارفين , صاحب تصانيف ممتعة , منها هذا التفسير الذي يعد من امثل التفاسير و اجودها تـصـنيفا و تاليفا و جمعا للاراو الاقوال , مع العناية التامة باللغة و الادب و الفقه و الكلام , و من ثم عده بعضهم من التفاسير الفقهية كما فعله الذهبي و لعله لمناسبة عنوان الكتاب .