تفسیر والمفسرون فی ثوبه القشیب

محمد هادی معرفت

جلد 2 -صفحه : 28/ 19
نمايش فراداده

لـكن استدلال الامامية لايتوقف على كون المشتق حقيقة في الاعم ممن تلبس او انقضى عنه المبدا, بـل كما صرح هوايضا : انه في حال التلبس يتوجه الخطاب بعدم اللياقة و النفي تابيد شمل الظالم و وصمه بوصمة العار : انه غير صالح للامامة ابدا و من ثم فان الكافر لايصلح للنبوة حتى و لو تاب و آمن , و لا دليل عليه سوى شمول هذه الاية , حسبما صرح به الرازي نفسه اذن فالاية صالحة لسلب الصلاحية ابدا عمن كفر و اشرك باللّه طرفة عين .

فمن كفر باللّه و اشرك فقد ظلم ربه و ظلم نفسه , و الظالم مسلوب الصلاحية ابدا, حتى بعد توبته و ايـمـانه ايضا, اذ يتوجه اليه حينذاك ـ اي حين ظلمه ـ : لاينالك عهدي ايها الظالم الخائن لربه و هو نفي تابيد مترتب على ظلم , صادر من المكلف و هذا من خاصية الظلم , حيث يترتب عليه حكم عام , نظير السرقة يترتب عليها حكم القطع , فيجب اجراؤه سوا حال سرقته ام بعدها نعم اذا تاب السارق قـبـل امـكـان الـقـبـض عـليه , فانه يسقط حكم القطع , و لكنه بدليل خاص , و الا كان الحكم ثابتا على عمومه .

و مـسـالـتـنا الحاضرة من هذا القبيل , اي من قبيل السرقة و الزنى و شرب الخمر, يثبت احكامها بمجرد الصدور و صدق الموضوع خارجا, و يدوم حتى الاجرا.

فقوله تعالى : الظالم لايناله عهدي , نظير قوله : السارق تقطع يده , و الزاني يجلد, و الشارب يحد, يجري الحكم بعدانقضا المبدا, و لايختص بحال التلبس .

و الامـامة ـ هنا ـ شي ورا النبوة , و هو القدوة للناس , التي ليست سوى امامة الامة مطلقة , لان هذه الامـامـة انـما جات ابراهيم , حال كونه نبيا, فهي رتبة الامامة جاته بعد النبوة , و من ثم فانها تشمل الخلافة التي هي امامة عامة .

و اذا كانت الامامة بهذا المعنى لاتنال من كفر باللّه طرفة عين , فلايصلح للامامة الا من كان معصوما من الخطا و الزلل .

و دلـيـل آخـر تمسك به الامامية , اغفله الرازي , و هو : ان هذه الاية نفت صلاحية من كان يظلم نـفـسـه , و لـو بارتكاب الكبائر,غير الكفر و الشرك فمن يحتمل في شانه ارتكاب المعصية ـ اي لم يكن معصوما ـ لم يطمئن خروجه عن شمول الاية بنفي لياقة الامامة .

و من ثم فانه يشترط في الامام سوا النبي ام خليفته ان يكون معصوما.

مباحث تافهة .

و هناك تجد في هذا التفسير الضخم الفخم بعض ابحاث تافهة , لاتمس مسائل الانسان في الحياة , و لاتفيده علما و لاعملا, تعرض لها الامام الرازي , و اظنه قد تفكه بها, و لم يردها عن جد عقلاني , هذا فضلا عن تلكم المجادلات العنيفة التي اضاع بها كثيرا من صفحات تفسيره , و لقد كان الكف عنها اجدر.

مـن ذلـك تـفـصيله الكلام حول مسالة تافهة للغاية , و هي : المسالة السادسة , في ان السما افضل ام الارض ؟ ((859)) .

و هكذا عند تفسير قوله : ((السما بنا)) ياتي في المسالة الثانية بفضائل السما من وجوه خمسة ثم يـاتي في المسالة الثالثة بفضائل السما, و بيان فضائل ما فيها من الشمس و القمر و النجوم , و يذكر لكل منها وجوها من فضائل ((860)) .

و بهكذا امور لاطائل تحتها يسود كثيرا من صفحات تفسيره , الامر الذي يدل على فراغ وجدة كان يتمتع بهما مفس رناالخبير.

و ربما يرد المسائل , هي بالهزل اشبه منه الى الجد مما لايتناسب و مقام علميته الرفيعة .

مـثـلا : عـند تفسير قوله تعالى : (شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن ) ((861)) يحاول توجيه نزول القرآن في شهررمضان ـ ليلة القدر ـ نزوله الدفعي جملة الى سما الدنيا, ثم نزوله التدريجي الى الارض نجوما يقول : انما جرت الحال على ذلك لما علمه اللّه من المصلحة , فانه لايبعد ان يكون لـلـملائكة الذين هم سكان سما الدنيا مصلحة , او كان فيه مصلحة للرسول (ع ) في توقع الوحي من اقرب الجهات , او كان فيه مصلحة لجبرئيل , حيث كان هو المامور بانزاله و تاديته ((862)) .

تفسير البيضاوي (انوار التنزيل و اسرار التاويل )

الـمؤلف هو القاضي ناصر الدين ابوالخير, عبداللّه بن عمر بن محمد بن علي , البيضاوي الشافعي , نسبة الى بيضا, مدينة كانت مشهورة بفارس , بينها و بين شيراز ثمانية فراسخ , ولي قضا شيراز, و كان اماما بارزا نظارا خيرا كما قال السبكي توفي سنة (685) له مصنفات جيدة اهمها هذا التفسير الذي اعتمد فيه على تفسير ((الكشاف )) للزمخشري .

و هـو تـفـسـيـر جـيـد لطيف , جمع فيه بين حسن العبارة و قوة البيان , و من ثم اعتمده كثير من المفسرين , كالمولى الفيض الكاشاني في تفسيره الصافي , و له نظرات و آرا دقيقة في حل معضلات الايـات , هو عند تفسير قوله تعالى : (اهدنا الصراطالمستقيم ) من سورة الحمد, ينوع الهداية الى مراحل اربعة , مترتبة بعضها اثر بعض , فانما يسال العباد النيل الى مراتب اعلى من هداية اللّه للعباد و هذا تفسير طريف يوجه سؤال الهداية في امثال هذه الاية , ربما لم يسبقه اليه احد من المفسرين .

يـقال : انه اشعري المسلك , و من ثم انه اخذ من تفسير الكشاف كثيرا, لكنه ترك ما فيه من اعتزال , و هذا غير صحيح , لانه يذهب في تفسيره مذهب اهل العدل و التنزيه , و من ثم نراه يؤول كثيرا من ظواهر آيات تنافي دليل العقل .

مـثلا عند تفسير قوله تعالى (الذين ياكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من الـمـس ) ((863)) وجـدنـاه يـقـول : الا قياما كقيام المصروع , و هو وارد على ما يزعمون ان الشيطان يخبط الانسان فيصرع ثم يفسر ((المس )) بالجنون ,و يقول : و هذا ايضا من زعماتهم ان الجني يمس الرجل فيختلط عقله ((864)) .

و هـذا الذي مشى عليه موافق مع مذهب الاعتزال الذي مشى عليه الزمخشري من ان الجن لاتسل ط لـها على الانسان , فيماعدا الوسوسة و الاغوا, حيث قوله تعالى حكاية عن ابليس فى مشهد القيامة : (و ما كان لى عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لي ) ((865)) و قوله تعالى : (و ما كان له عليهم من سلطان ) ((866)) .

و هـذا الـتـفـسـير كما ذكرنا مختصر من تفسير ((الكشاف )) للزمخشري و قد استمدايضا من ((الـتـفـسير الكبير)) للامام الرازي ,و من ((تفسير الراغب )) الاصفهاني , و ضم الى ذلك بعض الاثار الواردة عن الصحابة و التابعين , لكنه اعمل فيه عقله , فضم نه نكتا بارعة , و لطائف رائعة , و استنباطات دقيقة , كل هذا في اسلوب رائع موجز, و عبارة تدق احيانا و تخفى الا على ذي بصيرة ثـاقـبـة , و فطنة نيرة و هو يهتم احيانا بذكر القراات , و ربما ذكر الشواذ ايضا, كما انه يعرض للصناعة النحوية , و لكن بدون توسع واستفاضة , كما انه يتعرض عند آيات الاحكام لبعض المسائل الفقهية بدون توسع منه في ذلك .

و مـمـا يـمتاز به البيضاوي في تفسيره انه مقل جدا من ذكر الروايات الاسرائيلية , و هو يصدر الرواية بقوله : روي او قيل ,اشعارا منه بضعفها.

ثم انه اذا عرض للايات الكونية , فانه لايتركها بدون ان يخوض في مباحث الكون الطبيعية , و لعل هذه الظاهرة سرت اليه عن طريق ((التفسير الكبير)) للامام الرازي .

و اليك من نص عبارته الشارحة لمنهجه في التفسير, و المبينة للمصادر التي اعتمدها او اختصرها في تفسيره , قال في مقدمة تفسيره :.

((و لطالما احدث نفسي بان اصنف في هذا الفن ـ اي التفسير ـ كتابا يحتوي على صفوة ما بلغني من عـظـمـا الـصحابة ,و علما التابعين , و من دونهم من السلف الصالحين و ينطوي على نكات بارعة و لـطائف رائعة , استنبطتها انا و من قبلي من افاضل المتاخرين , و اماثل المحققين , و يعرب عن وجوه الـقـراات الـمـشـهـورة الـمـعـزية الى الائمة الثمانية المشهورين , و الشواذالمروية عن القرا المعتبرين )).

و يـقول في خاتمة الكتاب ما نصه : ((و قد اتفق اتمام تعليق سواد هذا الكتاب المنطوي على فرائد فوائد ذوي الالباب ,المشتمل على خلاصة اقوال اكابر الائمة , و صفوة آرا اعلام الامة , في تفسير الـقـرآن و تـحقيق معانيه , و الكشف عن عويصات الفاظه و معجزات مبانيه , مع الايجاز الخالي عن الاخلال , و التلخيص العاري عن الاضلال )).

يقول عنه صاحب كشف الظنون : ((و تفسيره هذا كتاب عظيم الشان , غني عن البيان , لخص فيه من ((الـكشاف )) ما يتعلق بالاعراب و المعاني و البيان , و من ((التفسير الكبير)) ما يتعلق بالحكمة و الـكلام , و من ((تفسير الراغب )) ما يتعلق بالاشتقاق و غوامض الحقائق و لطائف الاشارات و ضم اليه ما وري زناد فكره من الوجوه المعقولة , فجلا رين الشك عن الصريرة , و زادفي العلم بسطة و بصيرة )) ((867)) .

غـير اننا نجد البيضاوي قد وقع فيما وقع فيه ((الكشاف )) و غيره من المفسرين , من ذكرهم في نـهاية كل سورة حديثااو احاديث في فضلها و فضل قارئها, و قد عرفنا قيمة هذه الاحاديث , و انها موضوعة باتفاق اهل الحديث و لسنا نعرف كيف اغتر بها امثال البيضاوي فرواها, و تابع الزمخشري و امثاله في ذكرها, مع مالهم من مكانة علمية و حصانة عقل و دراية .

و قـد اعـتـذر عـنه صاحب كشف الظنون بقوله : ((و اما اكثر الاحاديث التي اوردها في اواخر الـسـور, فانه لكونه ممن صفت مرآة قلبه , و تعرض لنفحات ربه , تسامح فيه , و اعرض عن اسباب الـتجريح و التعديل , و نحا نحو الترغيب و التاويل , عالمابانها مما فاه صاحبه بزور و دلى بغرور )) ((868)) لكنه اعتذار غير عاذر.

ثم ان هذا الكتاب رزق بحسن القبول عند الجمهور, فعكفوا عليه بالدرس و التحشية , فمنهم من علق تعليقة على سورة منه , و منهم من حشى تحشية تامة , و منهم من كتب على بعض مواضع منه .

تفسير النسفي (مدارك التنزيل و حقائق التاويل )

تـالـيـف ابـي الـبـركات , عبداللّه بن احمد بن محمود النسفي , نسبة الى ((نسف )) من بلاد ماورا النهر ((869)) كان امام زمانه , راسافي الفقه على المذهب الحنفي , بارعا في الحديث و التفسير, و لـه تـصانيف في الفقه و الاصول , و منها هذا التفسير الذي اختصره من ((تفسير البيضاوي )) و من ((الـكـشـاف )) لـلـزمـخـشـري , جـمـع فيه من وجوه الاعراب و القراات , و ضمنه ما اشتمل عليه ((الكشاف )) من النكت البلاغية و المحسنات البديعية , و اورد فيه ما اورده الزمخشري من ا لاسـئلـة و الاجـوبة , لكن لا صريحا بل مدرجا ضمن شرحه للاية توفي سنة (701 ه ق ), و دفن بايذج ـ وزان احمد معرب ((ايذه )) ـ بلدة بين اهواز و اصفهان , من محافظة خوزستان .

و هـناك تفسير آخر بهذا الاسم , لابي حفص نجم الدين عمر بن محمد النسفي الحنفي ايضا, توفي سـنـة (538 ه ق )و قد طبع هذا التفسير ايضا في مجلدين و له ترجمة للقرآن بالفارسية , طبعت سـنة (1353 ش ) بتصحيح الدكتور عبداللّه الجويني و النسفيون كثيرون , غير ان المعروف منهم هما هاذان المفسران .

تفسير ابي السعود (ارشاد العقل السليم الى مزايا الكتاب الكريم )

لابي السعود محمد بن محمد بن المصطفى العمادي , توفي سنة (982) كان من العلما الترك و لازم الـسـلطان سليمان القانوني , و تقلد القضا, و انيط اليه الافتا سنة (952) كان حاضر الذهن , سريع الـبـديهة , يكتب باللغات العربية و الفارسية و التركية , و قد مكنت له معرفته بهذه اللغات الاطلاع على الكثير من المؤلفات .

كـان مـنـهـومـا بـتدريس ((الكشاف )) و ((البيضاوي )) معجبا بهما, و من ثم وضع تفسيره على مـنـوالهما, فجا صورة اخرى عنهمامع تغييرات يسيرة و مع ذلك فهو من اجود التفاسير المشتملة على النكات الادبية و الدقائق البلاغية , فكان غاية في حسن الصوغ و جمال التعبير, و من ثم ذاعت شهرته بين اهل العلم , و شهد له كثير من العلما بانه من خير التفاسير.

و المطالع في تفسيره هذا يجده لا بالطويل الممل , و لا بالقصير المخل , وسطا مشتملا على لطائف و نكات , و فوائدو اشارات .

و مـن مميزات هذا التفسير اقلاله من القصص الاسرائيلية , و ان ذكر منها شيئا فانه يذكره مضعفا له او منكرا, و مبينا منشابطلانه و ذلك كما صنع في قصة هاروت و ماروت , حيث فند ما جا حولها مـن اسـاطـير اسرائيلية , و لهذا نراه قد صنف فيهارسالة خاصة و بين فيها جهات ضعفها و مع ذلك نـجـده لـم يخل من قصص اسرائيلية , كما نجده في قصة داوود و اوريا,و الخرافات التي حيكت حـولـهـا, و قد زعم المؤلف : ان ذلك كان جائزا في شريعة داوود ((870)) هكذا يبرر من غير تبريرو هواشعري في مسلكه , و يفسر الايات في ضؤ ذاك المذهب البائد.

تفسير الالوسي (روح المعاني )

للسيد محمود افندي الالوسي البغدادي المتوفى سنة (1270) كان شيخ علما الاحناف ببغداد, جمع بين المعقول و المنقول , حسبما اوتي من حظ عظيم في التوسع و التتبع كان عالما بمبادئ الاصول و الفروع , محدثا و مفسرا خبيرا و كان ذاحافظة غريبة , كان لايحفظ شيئا الا و قد حضره كان يقول : مـااستودعت ذهني شيئا فخانني تقلد افتا الحنفية سنة (1242),و تولى اوقاف مدرسة المرجانية بـبـغداد و في سنة (1263) انفصل عن منصب الافتا و بقي مشتغلا بتفسير القرآن , حتى اتمه ,و سافر به الى القسطنطينية , ليعرض تفسيره على السلطان عبدالمجيد خان , لينال اعجابه و رضاه .

و تفسيره هذا جامع لارا السلف و اقوال الخلف , مشتملا على مقتطفات كثيرة من تفاسير من تقدمه , كتفسير ابن عطية ,و تفسير ابي حيان , و تفسير الكشاف , و ابي السعود, و ابن كثير, و البيضاوي , و الاكثر من الفخر الرازي و ربما نقد المنقول من هذا التفسير, و لكن قليلا.

و هـو فـي تفسيره يتعصب للمذهب السلفي اصولا و فروعا, باد عليه تعصبه , و لذلك نراه لم يراع ادب الكتابة في كثير من الاحيان .

مـثلا عند تفسيره لقوله تعالى : (اللّه يستهزئ بهم و يمدهم في طغيانهم يعمهون ) ((871)) يقول بـعـد كلام طويل و لجاج عنيف : و اضافته ـ اي الطغيان ـ اليهم , لانه فعلهم الصادر منهم , بقدرهم الـمـؤثـرة بـاذن اللّه تـعالى , فالاختصاص المشعرة به الاضافة , انما هو بهذا الاعتبار, لا باعتبار الـمـحلية و الاتصاف , فانه معلوم لا حاجة فيه الى الاضافة , و لا باعتبار الايجاد استقلالامن غير تـوقـف على اذن الفعال لما يريد, فانه اعتبار عليه غبار, بل غبار ليس له اعتبارفلاتهولنك جعجعة الزمخشري و قعقعته ((872)) .

و هو تفسير فيه تفصيل و تطويل , و احيانا بلا طائل انه يستطرد الى الكلام في الصناعة النحوية , و يـتـوسع في ذلك ربما الى حد يكاد يخرج به عن وصف كونه مفسرا قال الذهبي : و لااحيلك على نقطة بعينها, فانه لايكاد يخلو موضع من الكتاب من ذلك ((873)) .

و هـكـذا يستطرد في المسائل الفقهية مستوعبا آرا الفقها و مناقشاتهم بما يخرجه عن كونه كتاب تـفـسـير الى كتاب فقه اماالمسائل الكلامية فحديثه عنها مسهب ممل لايكاد يخرج من التعصب في الغالب .

كـما لم يفته ان يتكلم عن التفسير الاشاري , بعد الفراغ عن الكلام في تفسير الظاهر من الايات , و هـو في ذلك يعتمد التفسيرالنيسابوري و القشيري و ابن العربي و اضرابهم , و ربما يتيه في وادي الخيال .

و جـمـلة القول فهذا التفسير موسوعة تفسيرية مطولة تطويلا يكاد يخرجه عن مهمته التفسيرية في كثير من الاحيان فتفسيرالالوسي هذا هو اوسع تفسير ظهر بعد الرازي على الطريقة القديمة , بل هو نسخة ثانية من تفسير الرازي مع بعض التغيير ـ ليس بالمهم ـ اذ كل من قرا تفسير الالوسي يـجـده مـعتمدا تفسير الرازي كل الاعتماد, و كان مصدره الاول من مصادره في التفسير, كماقال الاستاذ عبدالحميد ((874)) .

تفسير البلاغي (آلا الرحمان )

للامام المجاهد و العلا مة الناقد الشيخ محمدجواد البلاغي النجفي ولد سنة (1282) و توفي سنة (1352 هـ ) كان ـ رحمه اللّه ـ قد قضى حياته الكريمة في النضال و الدفاع عن حامية الاسلام , قـلـمـا و قـدمـا ((875)) و له في كلا المجالين مواقف مشهودة ومصنفاته في الدفاع عن حريم الاسـلام مـعـروفـة مـنـهـا: ((الرحلة المدرسية )), في ثلاثة اجزا, حاول فيها الرد على شبه الـمسيحيين ضد الاسلام و منها: ((الهدى الى دين المصطفى )), دافع فيه عن كرامة القرآن العتيدة في جزئين كبيرين و غيرهما من كتب ورسائل عنيت باهم المسائل الاسلامية العريقة .

و هذا التفسير من افضلها, حيث كان من آخر تليفه , فكان ادقها و امتنها سوى انه من المؤسف جدا اذ لـم يـمـهـله الاجل ,فقضى نحبه عند بلوغه لتفسير قوله تعالى : (و الذين آمنوا و عملوا الصالحات سـنـدخـلهم جنات تجري من تحتها الا نهارخالدين فيها ابدا لهم فيها ازواج مطهرة و ندخلهم ظلا ظـلـيـلا) ((876)) فاكمل تفسير الاية و لحق بجوار ربه الكريم ليوفيه اجره حسبما وعد في الاية , و الكريم اذا وعد وفى .

و كـان شـيـخنا العلامة البلاغي عارفا باللغات العبرية و الانجليزية و الفارسية الى لغته العربية مجيدا فيها, مما ساعده على مراجعة اهم المصادر للتحقيق عن مبادئ الاديان القديمة , و الوقوف على مبانيها فكانت تليفه في هكذا مجالات ذوات اسنادمتين و اساس ركين .

و تفسيره هذا هادف الى بيان حقائق كلامه تعالى و ابدا رسالة القرآن , في اسلوب سهل متين , يجمع بـيـن الايـجاز و الايفا,و الاحاطة باطراف الكلام , بما لايدع لشبه المعاندين مجالا, و لا لتشكيك الـمـخالفين مسربا هذا الى جنب ادبه البارع و معرفته بمباني الفقه و الفلسفه و الكلام و التاريخ , و لاسيما تاريخ الاديان و اعراف الامم الماضية , و التي حل بها كثيرا من مشاكل اهل التفسير و من ثم كـان مـنهجه في التفسير ذا طابع ادبي كلامي بارع , فرحمة اللّه عليه من مجاهد مناضل في سبيل الاسلام .

التفسير في العصر الحديث

لـم يترك الاقدمون لمن تاخر عنهم كبير جهد في تفسير كتاب اللّه , و الكشف عن معانيه و مراميه , فـقـد تناولوه من اول امرهم بدراسته التفسيرية التحليلية دراسة توسعت و اطردت مع الزمن على تـدرج ملحوظ, و تلون بالوان مختلفة حسبما عرفت و لاشك ان كل ما يتعلق بالتفسير من الدراسات المختلفة قد وفاه هؤلا المفسرون القدامى حقه من البحث و التحقيق , فالنواحي اللغوية و البلاغية و الادبـيـة و الـنـحـوية , و حتى الفقهية و الكلامية و الكونية الفلسفية , كل هذه النواحي و غيرها تـناولوها بتوسع ظاهر ملموس , لم يتركوا لمن جا بعدهم الى ما قبل عصرنا بقليل من عمل جديد او اثـر مـبتكر يقومون به في تفاسيرهم التي دونوها, سوى اعمال ضئيلة لايعدو ان يكون جمعا لاقوال المتقدمين , او شرحا لغامض آرائهم , او نقدا او تفنيدا لما يعتوره الضعف منها, او ترجيحا لراي على راي , مما جعل التفسير يقف وقفة طويلة مليئة بالركود, خالية من التجديد و الابتكار.

و لـقـد ظل الامر على هذا, و بقي التفسير واقفا عند هذه المرحلة ـ مرحلة الركود و الجمود ـ لايـتـعـداها, و لايحاول التخلص منها حتى جا عصر النهضة العلمية الحديثة , فاتجهت انظار العلما الـذيـن لـهم عناية بدراسة التفسير الى ان يتحرروا من قيد هذا الركود, و يتخلصوا من نطاق هذا الـجـمـود, فـنظروا في كتاب اللّه نظرة فاحصة من جديد و ان كان لها اعتماد كبير على مادونه الاوائل فـي الـتـفـسير اثرت في الاتجاه التفسيري للقرآن تاثيرا ملموسا, و غيرت من اتجاهاته الـقديمة , و البسته ثوبا جديدالاينكر, اذ عملت في التخلص من كل الاستطرادات التي حشرت في الـتـفـسـير حشرا و مزجت به على غير ضرورة لازمة ,و ثابرت على تنقية التفسير من القصص الاسرائيلية التي كادت تذهب بجمال القرآن و جلاله , و تمحيص ما جا فيه من الاحاديث الضعيفة او الـمـوضـوعـة على رسول اللّه (ص ) او على اصحابه و الائمة من بعده (ع ) و الباس التفسير ثوبا ادبـيـااجـتماعيا, في صياغة جديدة اظهرت روعة القرآن و جمال بهائه , كما كشفت عن كثير من مـرامـيـه الـدقيقة و اهدافه السامية , في تعرفة الانسان و الحياة و السياسة و الاجتماع , و هكذا حاولت التوفيق بجد بالغ و جهد بين , بين ظواهر القرآن و ما جد من نظريات علمية صحيحة , على تـفـاوت بـين الموقفين في الغلو و الاعتدال كل ذلك من اجل ان يعرف المسلمون و من ورائهم الناس جـمـيـعـا ان الـقرآن هو الكتاب الخالد, الذي يتمشي مع الزمان في جميع اطواره و مراحله و لقد اجادوا و افادوا في هذاالمجال , و لكنهم توسعوا في ذلك , و ربما بلغ ببعضهم حد الافراط و الغلو, بما اخرجهم عن حد الاعتدال .

الوان التفسير في العصر الحديث

كان الجري مع الزمن في التفسير استدعى تنوعه مع تنوع متطلبات العصر و متقلباته , بما نستطيع ان نجمل القول في الوان التفسير في العصر الحديث في الالوان الاربعة التالية , و هي اهمها :.

اولا : اللون العلمي : و هو اول الالوان التي ظهرت الى الوجود, متاثرا بمكتشفات العصر الحديث .

ثـانـيـا : الـلـون الادبـي الاجـتـماعي : و هو ثاني الالوان , المتاثر بالادب المعاصر, و المظاهر الاجتماعية الحاضرة .

ثـالـثـا : الـلـون السياسي : و قد ظهر هذا اللون على اثر التشعبات الحزبية السياسية الحديثة في المجتمع الاسلامي .

رابـعا : اللون العقلي : فقد رافقت الالوان المتقدمة هذا اللون من التفسير العقلي , الذي كان فيه بعض الـمحاولات لتاويل آيات , كانت بظاهرها متنافية مع مظاهر العلم او العقيدة الالحادية , التي اورثتها النهضة الصناعية العلمية , منذ القرن التاسع عشرللميلاد.

و اليك بعض الكلام عن اللونين العلمي و الادبي الاجتماعي , فقد ازدهر العصر الحديث بهما, نتيجة الـوعي الديني الذي ساد اكثر ابنا هذا العصر اما اللونان الاخران : السياسي و العقلي , فهما حصيلة افـكار سياسية متطرفة و اخرى الحادية كافرة ,سيطرت على نفوس ضعيفة , او تشكلات حزبية مـنـحـرفـة , و لم تكن لهم تفاسير شاملة , سوى بضع آيات التقطوها, كانت من المتشابهات , و من ثم اتـبـعوها ابتغا الفتنة و ابتغا تاويلها فهي تفاسير مقطوعة الدابر منبوذة لايعتد بها, فلم نعتمدها و لا كان لهاشان .

1ـ اللون العلمي

ان هـذا الـلـون مـن التفسير الذي يرمي الى جعل القرآن مشتملا على اشارات عابرة الى كثير من اسـرار الطبيعية , التي كشف عنها العلم الحديث , و لاتزال على مسرح الاكتشاف قد استشرى امره فـي الـعـصـر الاخير, و راج لدى بعض المثقفين الذين لهم عناية و شغف بالعلوم , الى جنب عنايتهم بـالقرآن الكريم و كان من اثر هذه النزعة التفسيرية الخاصة , التي تسلطت على قلوب اصحابها, ان اخـرج لـنا المشغوفون بها كثيرا من الكتب و الرسائل التي يحاول اصحابها فيها ان يحملوا القرآن كثيرا من علوم الارض و السما, و ان يجعلوه دالا عليها بطريق التصريح او التلميح , اعتقادا منهم ان هذا بيان لناحية من اهم نواحي صدقه ,و اعجازه , و صلاحيته للبقا.

اهم الكتب التي عنيت بهذا اللون

مـن اهـم هـذه الـكتب التي ظهرت فيها هذه النزعة التفسيرية , كتاب ((كشف الاسرار النورانية الـقـرآنـيـة , فـيـمـا يتعلق بالاجرام السماوية , و الارضية , و الحيوانات , و النباتات , و الجواهر الـمـعـدنـيـة )) تـاليف الطبيب الفاضل محمد بن احمد الاسكندراني ,احد رجال القرن الثالث عشر الـهـجـري , بـرع فـي الـطـب الـروحاني و الجسماني , و كانت له علاقة شديدة في دفع شبهات الاجـانـب التي كانت تثار ضدالدين , و كان له المام بالعلوم الحديثة التي كانت معروفة على عهده , من طـب و صـنـاعة , و العلوم الطبيعية و الكيميا, و طبقات الارض و الحيوان و النبات و من ثم حاول اثبات ان لا منافاة بين الدين و العلم , بل ان احدهما ليكمل الاخر و يؤيده توفي سنة (1306 ه).

و كـتـابه هذا من اوليات الكتب التي ظهرت في هذا الشان , و هو كتاب كبير الحجم , يقع في ثلاث مجلدات , لكن من غيران يستوعب جميع آي القرآن , سوى ما يتعلق بموضوع دراسته الخاصة بحث في الجز الاول عن الحياة و خلق الاحيا في الارض , و في الجز الثاني , عن الاجرام السماوية و عن مظاهر الكون في الارض و السما, و في الجز الثالث , عن اسرارالنباتات و المعادن , و ما الى ذلك .

و قـد ذكر الاسكندراني في هذا الكتاب ان القرآن يحتوي على علوم جمة , على ما جد من نظرات عـلـمـية تؤيد اعجازالقرآن , و يثبت ان عصر العلم الذي يتحدثون عنه قد بينه القرآن في صورة حقائق الكون , و خلق الحيوان , و اسرار النباتات و المعادن .

و ابان في المقدمة غرضه من هذا التاليف , قائلا :.

((و كنت منذ زالت عني تمائم الطفولية , و نيطت بي عمائم الرجولية , ممن شغف بتعلم الطب ليالي و ايـاما, انهمك في دراسته على قدر الطاقة سنين و اعواما, ثم اقمت بدمشق الشام معتنيا بمداواة اهلها الامـاثـل الاعلام , الى ان اجتمعت في محفل سنة (1290 ه ) كان حافلا ببعض الاطبا المسيحيين , فـشـرعـوا يـتـحـادثون في كيفية تكون الاحجار الفحمية , و في انها هل اشير اليها في التوارة و الانجيل ام لا؟ فلم يحصلوا على شي , لاصريحا و لااشارة , ثم وجهوا الى السؤال عن القرآن الكريم هل فيه اشارة الى ذلك ؟ فتصدرت للجواب و تلطفت في التفهيم و الخطاب , قدر طاقتي و وسعي , و تتبعت كلام كثير من العلما,و تفردت في طلبه من كتب التفسير و الطب , مع زيادة الاجتهاد)).

و هـو كـتـاب لطيف في بابه , طريف في اسلوبه , اعتمد فيه آرا القدما و المحدثين , و جد في ذلك حسب امكانه , و افاد,جزاه اللّه خيرا.

و هناك مختصرات في هذا الشان كثيرة جرت على نفس المنوال , فهناك الاطبا و المهندسون و علما اخـتـصـاصـيـون كانت لهم عناية بالدين و بالقرآن الكريم , حاول كل حسب وسعه و حسب طاقته الـعلمية , في الابانة عن وجه اعجاز القرآن , من ناحية اختصاصه و الكتب و الرسائل من هذا القبيل كثيرة و منبثة , ربما تفوق الحصر, و لاتزال تزداد حسب اطراد الزمان ((877)) .

و فـي الـعلما الدينيين ايضا كثير ممن قام بهذا الامر, و كتب في جوانب علمية من القرآن الكريم , امـثـال الـعلامة السيدهبة الدين الشهرستاني المتوفى سنة (1386 ه ) قام بتاليف رسالة يقارن فيها بـعض مسائل الهياة و الفلكيات حسب اشارات جات في الشريعة و في نصوص القرآن الكريم طبعت طـبـعـتـها الاولى في بغداد سنة (1328 ه ) و ترجمت عدة ترجمات منهابالفارسية , مما يدل على اعجاب العلما بهذا الكتاب .

و رسالة الاستاذ عبداللّه باشافكري في مقارنة بعض مباحث الهياة طبعت بالقاهرة سنة (1315 ه).

و رسـالة السيد عبداللّه الكواكبي , و هي عبارة عن مجموعة مقالات له , نشرها في بعض الصحف عـنـدمـا زار مـصـر سـنة (1318 ه ) ثم جمعت ضمن كتاب باسم ((طبائع الاستبداد و مصارع الاستعباد)).

و رسالة اعجاز القرآن للاستاذ مصطفى صادق الرافعي , عقد فيه بحثا عن القرآن و العلوم .

و رسـالـة الاستاذ رشيد رشدي العابري , مدرس الجغرافية في ثانوية التفيض ببغداد, قام بنشرها سنة (1951 م ).

و رسائل من هذا القبيل مبثوثة فوق حد الاحصا.

هـذا, و اكثر علما العصر الحديث نزعة الى التفسير العلمي , و اكبرهم انتاجا هو الشيخ طنطاوي جـوهـري , فانه اكثر من جمع في هذا المجال و اطال في تفسيره ((الجواهر)) و ربما اسهب بما يـخـرجـه عن طور التفسير احيانا يقع في خمسة و عشرين جزا, و الحقه بجز آخر هو المتمم للجز السادس و العشرين و اليك بعض الكلام عن هذا التفسير العجيب .

الجواهر في تفسير القرآن للطنطاوي

هـو الشيخ طنطاوي بن جوهري المصري , توفي سنة (1358 ه ) و تفسيره هذا يعتبر اطول و اول مـن فـسـر القرآن الكريم في ضؤ العلم الحديث , و من قبله محمد احمد الاسكندراني , و لكنه بـصورة غير شاملة , و كذلك جا بعده مفسرا للقرآن بطريقة علمية حديثة محمد عبدالمنعم الجمال في صورة اوجز, حسبما ياتي .

و يرى الشيخ الجوهري ان معجزات القرآن العلمية لازالت تنكشف يوما بعد يوم , كلما تقدمت العلوم و الاكـتـشافات , و ان كثيرا من كنوز القرآن العلمية مازالت مذخورة , يكشف عنها العلم شيئا فشيئا على مر العصور.

و الشيخ الجوهري كان منذ صباه مولعا بهكذا كشائف علمية دينية , مغرما بالعجائب الكونية , و معجبا بالبدائع الطبيعية ,مشوقا الى ما في السما و الارض من جمال و كمال و بها كما يقول هو عن نفسه قال في مقدمة تفسيره :.

((لـمـا تـاملت الامة الاسلامية , و تعاليمها الدينية , الفيت اكثر العقلا و بعض اجلة العلما, عن تلك الـمـعاني معرضين , و عن التفرج عليها ساهين لاهين , فقليل منهم من فكر في خلق العوالم و مااودع فـيـهـا مـن الـغـرائب فاخذت اؤلف كتبا لذلك شتى ,كنظام العالم و الامم , و جواهر العلوم , و التاج الـمـرصـع , و جـمـال العالم و مزجت فيها الايات القرآنية بالعجائب الكونية ,و جعلت آيات الوحي مطابقة لعجائب الصنع )) ((878)) .

لـكـنـه وجـد ان هذه الكتب رغم كثرتها و انتشارها و ترجمتها الى اللغات الاخرى كالاوردية و الـقـازانية الروسية لم تشف غليله , فتوجه الى اللّه ان يوفقه الى تفسير القرآن تفسيرا ينطوي على كل ما وصل اليه البشر من علوم , فوفقه اللّه لتحرير هذاالتفسير الجليل .

و مـفـسـرنـا هـذا يقرر في تفسيره ان في القرآن من آيات العلوم ما يربو على سبعماة و خمسين (750) آيـة , فـي حـيـن ان عـلـم الـفـقـه لاتـزيـد آياته الصريحة على ماة و خمسين (150) آية ((879)) .

و نـجـده كثيرا ما يهيب بالمسلمين ان يتاملوا في آيات القرآن التي ترشد الى علوم الكون , و يحثهم عـلـى الـعمل بما فيها,و يندد بمن يغفل هذه الايات على كثرتها, و ينعى على من اغفلها من السابقين الاولين .

منهج المؤلف في التفسير.

انه يذكر الايات فيفسرها اولا لفظيا مختصرا, لايكاد يخرج بذلك عما في كتب التفسير المالوفة , لـكـنـه سـرعـان مـا يخلص من هذا التفسير الذي يسميه تفسيرا لفظيا و يدخل في ابحاث علمية مستفيضة , يسميها لطائف او جواهر هذه الابحاث عبارة عن مجموعة آرا علما الشرق و الغرب في الـعصر الحديث , ليبين للمسلمين و غيرهم ان القرآن الكريم قد سبق الى هذه الابحاث , و نبه على تـلـك الـعـلوم قبل ان يصل اليها هؤلا العلما و نجده يضع لنا في تفسيره كثيرا من صور النباتات ,و الـحـيـوانـات , و مناظر الطبيعة , و تجارب العلوم , بقصد ان يوضح للقارئ مايقول , توضيحا, يجعل الحقيقة امامه كالامرالمشاهد المحسوس و لقد افرط في ذلك , و جاز حد المجاز.

و مـما يؤخذ عليه : انه قد يشرح بعض الحقائق الدينية بما جا عن افلاطون في جمهوريته , او بما جـا عـن اخـوان الـصفافي رسائلهم , و هو حين ينقلها يبدي رضاه عنها و تصديقه بها, في حين انها تخالف في ظاهرها ما عليه اصحابه السلفيون الاشاعرة ((880)) .

و هـكـذا نراه قد يستخرج كثيرا من علوم القرآن بواسطة حساب الجمل , الذي لانكاد نصدق بانه يوصل الى حقيقة ثابتة قال الذهبي : و انما هي عدوى تسربت من اليهود الى المسلمين , فتسلطت على عقول الكثير منهم .

هـذا, و انـا نجد المؤلف يفسر آيات القرآن تفسيرا يقوم على نظريات علمية حديثة , غير مستقرة فـي ذاتـهـا, و لـم تـمض فترة التثبت منها, و هذا ضرب من التكلف ارتكبه المؤلف , ان لم يكن يذهب بغرض القرآن احيانا, فلا اقل من ان يذهب بروائه و بهائه .

و تـكـفـيك مراجعة عبرى الى هذا التفسير لكي تعرف مغزى هذا النقد الخطير, و قد اتى الذهبي بـنـماذج من هذا النمطالعليل , و استنتج اخيرا : ان الكتاب في ذاته موسوعة علمية , ضربت في كل فـن من فنون العلم بسهم وافر, مما جعل هذاالتفسير يوصف بما وصف به تفسير الامام الرازي , اذ قـيل عنه : ((فيه كل شي الا التفسير)) بل هو احق من تفسير الرازي بهذاالوصف و اولى به و ان دل الـكـتـاب عـلـى شـي , فـهـو ان الـمـؤلف انما يحلق في اجوا خياله , و يسبح حسب زعمه في ملكوت السماوات و الارض , و يطوف في نواح شتى من العلم بفكره و عقله , ليجلي للناس آيات اللّه في الافاق و الانفس , و ليظهر لهم ان القرآن قد جا بكل ما جا به الانسان من علوم و نظريات , تحقيقا لـقـولـه تـعالى : (ما فرطنا في الكتاب من شي ) ((881)) و لكن هذا خروج بالقرآن عن قصده , و انحراف به عن هدفه , و لعله اطاحة بشانه في كثير من الاحيان ,و يبدو من خلال التفسير انه لا قى الـكثير من لوم العلما على مسلكه هذا الذي سلكه في تفسيره , و لم تلق هذه النزعة التفسيرية قبولا لدى كثير من المثقفين .

التفسير الفريد.

و يـتلو تفسير الجواهر, تفسير علمي آخر اوجز منه , هو ((التفسير الفريد)) تاليف العالم الفقيه مـحمد عبدالمنعم الجمال تفسير تحليلي موجز, شامل لجميع آيات القرآن , اهتم مؤلفه بالتوفيق بين الـديـن و الـعـلم , و ان يفسر القرآن على ضؤ العلم الحديث , مسترشدا في ذلك بابحاث من العلما و المفسرين , من دون بسط و استطراد يقول في المقدمة :.

((فـي سـنـة (1949 م ) اجـتمعت في مدينة لندرة ببعض الانجليز, الذين اسلموا حديثا, و كانوا يـلحون على في ان اوافيهم ببعض التفاسير القرآنية , فاضطررت الى اقتنا بعض الكتب التي اهتمت بـتـرجـمة و تفسير الايات القرآنية و قد لاحظت على كثير منها انها لاتستجلي معاني القرآن , او لاتستوعب النواحي العلمية فسالت اللّه ان يوفقني الى تفسير كتابه على ضؤ العلم الحديث )).

ثم بين معيار التوفيق بين الدين و العلم , و حدوده قائلا :.

((و لا مـشـاحة في ان العلوم مهما تقدمت فهي عرضة للزلل , فينبغي ان لايطبق على آياته الكريمة الا ما يكون قد ثبت منهاقطعيا, و كل نظرية علمية تختلف مع آية من آي الذكر الحكيم , لابد انها لم تـصـل بعد الى سبر غور الحقيقة , فلا زالت معجزات القرآن الكريم يكشفها العلم , و لازالت العلوم كلما تقدمت تجلو الغشاوات التي تحجب النور عن عيون الغافلين )).

هذا و قد سلك المؤلف في تفسيره المسلك العلمي الاجتماعي , الملائم للثقافة العربية في وقته , بما يتيسر للناشئة من الشباب المثقف التعرف الى دين الاسلام , و الوقوف على اسرار القرآن و عظمته و هـو تفسير جيد في ذاته , سهل التناول لذوي الثقافات المختلفة , خال عن الاطالة و الاستطرادات المملة , جزى اللّه المؤلف خيرا.

و التفسير يقع في اربع مجلدات , و طبع في القاهرة سنة (1970 م ), (1390 ه).

2ـ اللون الادبي الاجتماعي

يمتاز التفسير في هذا العصر, بتلونه باللون الادبي الاجتماعي , و نعني بذلك ان التفسير لم يعد يظهر عـليه في هذا العصرذلك الطابع التقليدي الجاف , من معالجة مسائل شكلية , كادت تصرف الناس عن هـدايـة القرآن الكريم , و انشغالهم بمباحث فارغة لاتمس روح القرآن و حقيقته و انما ظهر عليه طابع آخر و تلون بلون يكاد يكون جديدا و طارئا على التفسير, ذلك هومعالجة النصوص القرآنية مـعـالـجة تقوم اولا و قبل كل شي على اظهار مواضع الدقة في التعبير القرآني , ثم بعد ذلك تصاغ تلك المعاني التي يهدف القرآن اليها في اسلوب شيق اخاذ, ثم يطبق النص القرآني على ما في الكون و الحياة من سنن الاجتماع و نظم العمران .

هـذه النهضة الادبية الاجتماعية قامت بمجهود كبير في تفسير كتاب اللّه تعالى , قربت القرآن الى افهام الناس , في مستوى عام كان اقرب الى الواقعية من الامس الدابر.

و الـيـك مـن ا مـتيازات هذه المدرسة التفسيرية الحديثة : انها نظرت الى القرآن نظرة بعيدة عن التاثر بمذهب من المذاهب ,فلم يكن منها ما كان من كثير من المفسرين القدامى من التاثر بالمذهب , الى درجة كانت تجعل القرآن تابعا لمذهبه , فيؤول القرآن بما يتفق معه , و ان كان تاويلا متكلفا و بعيدا.

كـمـا انـها وقفت من الروايات الاسرائيلية موقف الناقد البصير, فلم تشوه التفسير بما شوه به في كـثـيـر من كتب المتقدمين , من الروايات الخرافية المكذوبة , التي احاطت بجمال القرآن و جلاله , فاسات اليه و جرات الطاعنين عليه .

كـذلك لم تغتر هذه المدرسة بما اغتر به كثير من المفسرين من الاحاديث الضعيفة او الموضوعة , التي كان لها اثر سيئ في التفسير.