بیشترلیست موضوعات 1 ـ الحمد والدعاء 2 ـ توحيد الله 3 ـ خزائن الله.. لا تنفذ 4ـ علاقة الإنسان.. بالله 5 ـ الدعاء ومعالجة الغيب والشهود 6 ـ حاجة الإنسان إلى الله 7 ـ الاعتماد على الله 8 ـ معرفة الرسول 9 ـ معرفة الوصي 10 ـ حجج الله على العباد 11 ـ دور الامام المنتظر 12 ـ اسس الدولة الاسلامية 13 ـ الايمان بالآخرةپاورقيتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الفكرة الاولى: ان هناك علاقة وثيقة بين (خالق الخلق) و(باسط الرزق)، اذ انه حسب ما يبدو لنا من آيات القرآن الحكيم ومن التدبر في طبيعة الكون الذي نعيشه، هو ان خلق الله سبحانه وتعالى للاشياء لم يكن بتحويلها من العدم إلى الوجود، بل ان ذات الاشياء لا تزال هي: العدم. انما الله تعالى رش عليها وميضاً من نور الوجود، فهي موجودة بالله، قائمة به، وربنا هو القيوم على كل شيء ولو ان ربنا ترك الموجودات لحظة واحدة لانعدمت، ولم يبقَ منها شيئ. ان كل هذه السموات العملاقة، وهذا الفضاء اللامتناهي بما فيه من مجرات هائلة، انما هي قائمة باذن الله:*ان الله يمسك السموات والارض ان تزولا، ولئن زالتا إن امسكهما من أحدٍ من بعده*(41/فاطر)ان مفهوم العطاء المستمر والفيض المستمر، هو مفهوم يتناسب مع الرزق، لان الذي اعطى الوجود للاشياء لا يزال يعطي لها تكامل هذا الوجود، واستمراريته واحتياجاته بصورة منتظمة.ان وجودنا بحاجة في استمراره إلى الله سبحانه وتعالى، والوجه الظاهر لهذه الحقيقة هو رزق الله سبحانه وتعالى، فلو امسك الله رزقه عنا، لو امسك هذا الاوكسجين الذي نتنفسه، وهذا الاكل الذي نتغذى به ومن خلاله تنمو خلايا وانسجة جسمنا، لكان مصيرنا الموت بالطبع، ليس الموت وحده، بل والتفتت والتحول إلى تراب.اذن فلو امسك الله تعالى عن الخلق رزقه المستمر، والعطاء المتواصل لانتهى المخلوق، من هنا نكشف مدى العلاقة بين الامرين:(خالق الخلق) و(باسط الرزق) فالذي خلق الخلق هو الذي يبسط الرزق وينشره، والرزق هنا هو اشمل مما يتصوره الإنسان في الوهلة الأولى، اذ انه يشمل كل مقومات الوجود واستمرارية الحياة، (فالق الاصباح) وهذا هو الآخر يرتبط بقضية الرزق واستمراريته، اذ ان الصباح هو خير فرصة للجميع للتحرك والسعي لاكتساب الرزق، والله هو الذي يغلق الصبح ويفجره ليتنفس من بطن الظلام: (فالق الاصباح، ذي الجلال والاكرام)..الفكرة الثانية: ان الرؤية الاسلامية هي رؤية عمومية كلية تربط الموجودات الظاهرة بالغيبيات الباطنة.. والحقائق المركبة بالحقائق المجردة، وهذه الفكرة تتجلى في هذه الفقرة من الدعاء، حيث يربط بين الخلق الاول الذي لم نشهده، وبين الرزق المبسوط المتجدد الذي نراه ونلمسه كلّ لحظة، وهذا الرزق المشهود هو خير دليل على ذلك الخلق الغيبي، وهكذا يربط الدعاء بين ذلك الغيب وهذا الشهود، بين ذلك الماضي وهذا الحاضر، بين ذلك الذي لم نره وهذا الذي لا نزال نراه في كل لحظة، هذا من جهة..ومن جهة أخرى، نرى ان هذه الفقرة تربط بين الخلق الاول والرزق المتجدد وفلق الاصباح وجلال الله واكرامه كمجموعة مترابطة من الحقائق، وبين ان ربنا قريب يسمع النجوى، وبعيد بجلاله وعظمته فهو قريب من جهة، بعيد من جهة، قريب لانه مهيمن، محيط سميع بصير، وبعيد لانه عظيم جليل لا يشبه خلقه، يقول الدعاء: (الذي بَعُدَ فلا يُرى) هل يستطيع الانسان المحدود ان يرى الله سبحانه وتعالى من ان يُرى؟ انه بعيد من هذه الناحية، بعيد عن رؤية العين وبعيد عن أوهام الخيال (وقرُب فشهد النجوى) لو ناجى الانسان صاحبه بصوت منخفض لا يسمعه احد، فان الله سبحانه وتعالى يسمعه قبل صاحبه، ولذلك فهو من هذه الجهة قريب إلى الإنسان، بل هو اقرب اليه من حبل الوريد: «وقَرُبَ فشهد النجوى تبارك وتعالى..)..ان تبارك يرمز إلى سلسلة من اسماء الله الخالق الرازق الباسط القابض. واسم تعالى يرمز إلى سلسلة اخرى من اسماء الله: سبوح قدوس منزه، وكل الاسماء التي تنتهي إلى تقديس الله..«الحمد لله الذي ليس له منازع يعادله، ولا شبيه يشاكله، ولا ظهير يعاضده، قهر بعزته الاعزاء، وتواضع لعظمته العظماء، فبلغَ بقدرته ما يشاء»جاء في حديث مروي عن الامام علي عليه الصلاة والسلام انه قال في صفة المؤمنين:«عظم الخالق في انفسهم فصغر ما سواه» هذه المعادلة تتجلى في قلوب المؤمنين الصادقين فكلما عظم الخالق في انفسهم، كلما صغرت الخلائق في اعينهم، ووجدوا ما دون الله، تافهاً لا يساوي شيئاً ولا يقدر على شيء، لذلك فان قلوبهم لا تتعلق بحطام الدنيا، ولا يدخل فيها حب الماديات.. بل حب ما سوى الله.وفي بعض الكتب: ان عيسى (ع) كان مع بعض الحواريين في بعض سياحته، فمروا على بلدٍ، فلما قربوا منه وجدوا كنزاً على الطريق، فقال من معه: إئذن لنا يا روح الله ان نقيم ههنا ونجد ونحوز هذا الكنز لئلا يضيع، فقال (ع) لهم: اقيموا ههنا وانا ادخل البلد ولي فيه كنز أطلبه، فلما دخل البلد، وجال فيه رأى داراً خربة فدخلها فوجد فيها عجوزة، فقال لها: انا ضيفك في هذه الليلة، وهل في هذه الدار احد غيرك، قالت: نعم لي ا بن مات ابوه وبقي يتيماً في حجري، وهو يذهب إلى الصحاري ويجمع الشوك ويأتي البلد فيبيعها، ويأتيني بثمنها نتعيش به، فهيأت لعيسى (ع) بيتاً، فلما جاء ولدها قالت له: بعث الله لنا في هذه الليلة ضيفاً صالحاً. يسطع من جبينه انوار الزهد والصلاح، فاغتنم خدمته وصحبته، فدخل الابن على عيسى (ع)، وخدمه واكرمه، فلما كان في بعض الليل سأل عيسى (ع) الغلام عن حاله ومعيشته وغيرها، فتفرس (ع) فيه آثار العقل والفطانة والاستعداد للترقي على مدارج الكمال، لكن وجد فيه ان قلبه مشغول بهم عظيم، فقال له: يا غلام ارى قلبك مشغولاً بهمٍّ لا يبرح فاخبرني به لعله يكون عندي دواء دائك، فلما بالغ عيسى (ع) قال: نعم في قلبي همٌ وداء لا يقدر على دوائه احد إلا الله تعالى، فقال: اخبرني به لعل الله يلهمني ما يزيله عنك، فقال الغلام: اني كنت يوماً احمل الشوك إلى البلد فمررت بقصر ابنة الملك فنظرت إلى القصر، فوقع نظري عليها فدخل حبّها شغاف قلبي، وهو يزداد كل يوم ولا أرى لذلك دواء إلا الموت، فقال عيسى (ع): ان كنت تريدها انا احتال لك حتى تتزوجها، فجاء الغلام إلى امه، واخبرها بقوله، فقالت امه: يا ولدي. اني لا اظن هذا الرجل يعد بشيء لا يمكنه الوفاء به، فاسمع له واطعه في كل ما يقول: فلما اصبحوا قال عيسى (ع) للغلام: اذهب إلى باب الملك فاذا اتى خواص الملك ووزراؤه ليدخلوا عليه، قل لهم: ابلغوا الملك عني اني جئته خاطباًكريمته، ثم ائتني واخبرني بما جرى بينك وبين الملك، فاتى الغلام باب الملك، فلما قال ذلك لخاصة الملك. ضحكوا وتعجبوا من قوله، ودخلوا على الملك، واخبروه بما قال الغلام مستهزئين به، فاستحضره الملك، فلما دخل على الملك وخطب ابنته قال الملك مستهزئاً به: انا لا اعطيك ابنتي إلا ان تأتيني من اللآليء واليواقيت والجواهر الكبار كذا وكذا.. ووصف له ما لا يوجد في خزانة ملك من ملوك الدنيا. فقال الغلام: أنا اذهب واتيك بجواب هذا الكلام، فرجع إلى عيسى (ع) فاخبره بما جرى، فذهب عيسى (ع) به إلى خربة كانت فيها احجار ومدر كبار، فدعا الله تعالى فصيّرها كلها من جنس ما طلب الملك واحسن منها، فقال: يا غلام خذ منها ما تريد واذهب به إلى الملك، فلما اتى الملك بها تحيّر الملك واهل مجلسه في امره، وقالوا: لا يكفينا هذا، فرجع إلى عيسى (ع) فاخبره، فقال: اذهب إلى الخربة وخذ منها ما تريد، واذهب بها اليهم، فلما رجع باضعاف ما اتى به اولاً زادت حيرتهم، وقال الملك: ان لهذا شأناً غريباً، فخلا بالغلام واستخبره عن الحال، فاخبره بكل ما جرى بينه وبين عيسى (ع)، وما كان من عشقه لابنته، فعلم الملك ان الضيف هو عيسى (ع)، فقال: قل لضيفك يأتيني ويزوجك ابنتي، فحضر عيسى (ع) وزوجها منه، وبعث الملك ثياباً فاخرة إلى الغلام فالبسها اياه، وجمع بين وبين ابنته تلك الليلة، فلما اصبح طلب الغلام وكلّمه فوجده عاقلاً فهماً ذكياً، ولم يكن للملك ولد غير هذه الابنة، فجعل الغلام ولي عهده ووارث ملكه، وامر خواصه واعيان مملكته ببيعته وطاعته.فلما كانت الليلة الثانية مات الملك فجأة، وأجلسوا الغلام على سرير الملك، واطاعوه، وسلموا اليه خزائنه، فاتاه عيسى (ع) في اليوم الثالث ليودّعه، فقال الغلام: ايها الحكيم ان لك عليّ حقوقاً لا اقوم بشكر واحد منها لو بقيت ابد الدهر، ولكن عرض في قلبي البارحة امر لو لم تجبني عنه لا أنتفع بشيء مما حصّلتها لي. فقال: وما هو؟قال الغلام: انك اذا قدرت على ان تنقلني من تلك الحالة الخسيسة إلى هذه الدرجة الرفيعة في يومين فلم لا تفعل هذا بنفسك، واراك في تلك الثياب، وهذه الحالة، فلما احضى في السؤال. قال عيسى (ع): ان العالم بالله وبدار كرامته، وثوابه، والبصير بفناء الدنيا وخستها ودناءتها، لا يرغب إلى هذا الملك الزائل، وهذه الامور الفانية، وان لنا في قربه تعالى، ومعرفته ومحبته لذات روحانية، لا نعد تلك اللذات الفانية عندها شيئاً.فلما اخبره بعيوب الدنيا وآفاتها ونعيم الاخرة ودرجاتها، قال الغلام: فلي عليك حجة أخرى، لم أخترت لنفسك ما هو اولى واحرى، واوقعتني في هذه البلية الكبرى؟فقال له عيسى (ع): انما اخترت لك ذلك لامتحنك في عقلك وذكائك، وليكون لك الثواب في ترك هذه الامور الميسرة لك اكثر واوفى، وتكون حجة على غيرك.فترك الغلام الملك، ولبس أثوابه البالية، وتبع عيسى (ع) فلما رجع عيسى إلى الحواريين. قال: هذا كنزي الذي كنت أظنه في هذا البلد فوجدته والحمد لله.[8]وحينما تتجلى عظمة الله في نفس الإنسان وتصغر الدنيا في عينه، فان كل مصائب الدنيا ومشاكلها تهون امامه، من هنا نرى ان الانبياء العظام يضربون للبشرية خير الامثلة في الصبر، والاستقامة، والتحدي، ومقاومة الضغوط والمشاكل، ذلك لانه عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في اعينهم، فالنبي ابراهيم عليه الصلاة والسلام، يستجيب لنداء ربه، ويُقدم على ذبح ابنه،ثم بعد ذلك يترك ذريته في أرض لا زرع فيها ولا ضرع، وفي المواجهة مع الطاغوت يُرمى به في لهيب النار، فلا يتكلم ولا حتى بكلمة واحدة، وكذلك النبي نوح الذي صبر تسعمائة وخمسين عاماً يدعو قومه، وهكذا بالنسبة إلى بقية الرسل والانبياء فمن اين حصلوا على هذا التعالي والتكامل؟ كيف تساموا على الدنيا وما فيها؟ كيف استقاموا؟ ان وراءهم ينبوعاً من النور والارادة، ينبوعاً من القوة.انه ينبوع الايمان بالله، فقد تجلت عظمة الله في انفسهم فهانت عليهم الدنيا. ونحن بدورنا مدعوون لكي نعمق هذاا لايمان إلى درجة الاستهانة بكل الصعاب والمشاكل. ان الايمان العميق هو الذي يمنح الإنسان قدرة فائقة على الصمود في سجون الطغاة ومقاومة فريدة لكل اساليب التعذيب. والايمان هو الذي يجعل المؤمن المجاهد يستقبل حكم الاعدام بابتسامة عريضة، لان المشنقة سوف تعرج به إلى الله سبحانه وتعالى.ان الايمان بالله وعظمته لا يجعلنا نفقد توازننا واستقامتنا في لحظات المواجهة الحاسمة مع الحياة.والفقرة التالية من الدعاء تشير إلى هذه الفكرة: (الحمد لله الذي ليس له منازع يعادله ولا شبيه يشاكله)، فليس هناك من ينازع الله، ويكون عدلاً له، ولا شبيه يشبه ربنا (ولا ظهير يعاضده) ثم يقول الدعاء: (قهر بعزته الاعزاء) فكل الاعزاء اذلة ومقهورون لجبار السموات والارض، (وتواضع لعظمته العظماء، فبلغ بقدرته ما يشاء)، ان قدرة الله تعالى لا متناهية، وهي تحيط بكل شيء، وبكل ما يشاء ربنا العزيز القدير.
6 ـ حاجة الإنسان إلى الله
«.. الحمدُ للهِ الذي يُجيبُني حِين اُناديه، ويَسْتُرُ عليّ كُلَ عَوْرَةٍ وَاَنا اَعْصيه، وَيُعَظّمُ النعمةَ عليّ فلا اجازيه، فَكَم مِن مَوْهِبَة هَنيئةٍ قَدْ اَعْطاني، وعَظيمَة مَخُوفَةٍ قَدْ كفاني، وبَهْجْةِ مُونقَةٍ قَدْ اَراني، فَأثني عليهِ حامداً، وَاَذكُرُه مُسَبِّحاً، الحمدُ للهِ الذي لا يُهْتَكُ حِجابُه، ولا يُغْلَقُ بابه، ولا يُرَدُّ سائِلُه، ولا يُخَيَّبُ آمِلُه»يتجلى ذكر الله سبحانه وتعالى، عندما يذكر الانسان اسماءه الحسنى، ويذكِّر نفسه في ذات الوقت باضطراره وضعفه وحاجته إلى الله سبحانه، فلو استطاع الانسان ان يعرف نفسه، وان يصل بمعرفته لنفسه درجة يعلم بها ان كلما اصابه من خير فهو من الله، وما اصابه من شر فهو من نفسه، ويعلم بها ان طبيعته مرتكزة في حل الضعف والعدم والعجز والعجل، لو وصل الانسان إلى هذا المستوى من المعرفة، لوصل إلى قمة العبودية وذروة الطاعة له، فالله سبحانه وتعالى يريد ان يعرفك نفسك من خلال اعمالك الصالحة، واذا عرفت نفسك معرفة حقيقية فانك تستطيع ان تعرف ربك ايضاً:(من عرف نفسه فقد عرف ربه)وبالطبع ليست العملية بهذه السهولة ـ كما قد يتصور بعض الناس ـ اذ ان وصول الانسان إلى هذا المستوى من المعرفة بحاجة إلى عمل كثير ومركز ومستمر كيف؟نستطيع تحديد الاجابة من خلال ما جاء في بعض الاحاديث من: ان الاروح خلقت قبل الاجسام بألفي عام، وانها كانت موجودة في عالم الاشباح وهذا العالم يختلف عن عالم الذر، ثم انتقلت إلى عالم الذرن ومن عالم الذر إلى عالم النسل ومن عالم النسل تنتقل إلى البرزخ، ومن البرزخ إلى يوم القيامة، ومن يوم القيامة إلى المصير النهائي، اما إلى الجنة أو إلى النار.عن علي بن احمد، عن محمد بن ابي عبد الله، عن محمد بن اسماعيل البرمكي عن جعفر بن سليمان، عن ابي ايوب الخزاز، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): لا ي علة جعل الله عزوجل الارواح في الابدان بعد كونها في ملكوته الاعلى في ارفع محل؟ فقال (عليه السلام): (إن الله تبارك وتعالى علم ان الارواح في شرفها وعلوها متى ما تركت على حالها نزع اكثرها إلى دعوى الربوبية دونه عزوجل فجعلها بقدرته في الابدان التي قدر لها في ابتداء التقدير نظراً لها ورحمة بها، واحوج بعضها إلى بعض، وعلق بعضها على بعض، ورفع بعضها على بعض، ورفع بعضها فوق بعض درجات، وكفى بعضها ببعض، وبعث اليهم رسله، واتخذ عليهم حججه مبشرين ومنذرين، يأمرون بتعاطي العبودية والتواضع لمعبودهم بالانواع التي تعبدهم بها، ونصب لهم عقوبات في العاجل وعقوبات في الآجل. ومثوبات في العاجل ومثوبات في الآجل ليرغبهم بذلك في الخير ويزهدهم في الشر، وليذلهم بطلب المعاش والمكاسب، فيعلموا بذلك انهم بها مربوبون وعباد مخلوقون، ويقبلوا على عبادته فيستحقوا بذلك نعيم الابد وجنة الخلد، ويامنوا من النزوع إلى ما ليس لهم بحق.ثم قال (عليه السلام): يا ابن الفضل! انا لله تبارك وتعالى احسن نظراً لعباده منهم لانفسهم، إلا ترى انهم لا ترى فيهم إلا محباً للعلو على غيره حتى أنه يكون منهم لمن قدنزع إلى دعوى الربوبية، ومنهم من نزع إلى دعوى النبوة بغير حقها. ومنهم من نزع إلى دعوى الامامة بغير حقها، وذلك مع ما يرون في انفسهم من النقص والعجز والضعف والمهانة والحاجة والفقر والآلام والمناوبة عليهم والموت الغالب لهم والقاهر لجميعهم ـ يا ابن الفضل ان الله تبارك وتعالى لا يفعل بعباده إلا الاصلح لهم، ولا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس انفسهم يظلمون).[9]والتأكيد على قراءة الادعية المأثورة انما هو من اجل ان تتحول روح الاستقلال، والشعور بالاستغناء والطغيان، إلى روح العبودية والذلة والاحساس بالحاجة إلى الله سبحانه وتعالى، ولا شك ان العبودية والذلة لله سبحانه، تختلف عنها امام الخلق، فالعبودية لله عِزٌّ، والذل امام الله سبحانه وتعالى فخر، واستعطاء الله غنى، لذلك نقرأ في هذه المقطوعة من دعاء الافتتاح:«الحمد لله الذي يجيبني حين اناديه»فانا ضعيف امام الله، واحتاج اليه في كل شؤوني، وحينما اناديه القاه مجيباً (ويستر عليَّ كل عورة وانا اعصيه)، فكل انسان لا يخلو من عورة وعيب، وافتضاح الناس امام بعضهم البعض في الدنيا يعني عجز الانسان عن التعامل مع الاخرين، ولذلك كان الانسان بحاجة إلى ان يستر الله عيوبه في الدنيا والاخرة، إلا اننا احوج إلى ستر الله في الاخرة منا إلى ستره في الدنيا. اذ ان افتضاح عيوب الانسان وتعريته في الدنيا لا يتعدى الدائرة الاجتماعية الضيقة التي يعيش فيها الفرد، وهي عبارة عن عدد محدود من الافراد بينما في يوم القيامة حيث يقف الواحد منا مع مئات المليارات من البشر، امام الله سبحانه وتعالى، فان افتضاح الانسان وتعريته امام هذا العدد الهائل من الناس لامر صعب وشاق للغاية.اذن، فنحن نحمد الله على انه يستر عوراتنا، وحمد الله يجب ان يتجسد في الكف عن معصية الله: «ويستر عليّ كل عورة وأنا أعصيه)فستر الله تعالى على الانسان يجب ان يتحول إلى رادع عن المعصية، وليس دافعاً، للتوغل في الذنوب، واذا لم يكن للانسان ايمان راسخ يمنعه عن المعصية، فلا بد ان يتمتع ـ على الاقل ـ بالحياء من الله الذي يستر العيوب، والعورات عن الخلائق.«ويعظم النعمة عليّ فلا اجازيه»فالله تعالى يبارك لنا في حياتنا، بل كل جزء من حياتنا هو نعمة عظيمة من الله، الزوجة والاولاد نعم من الله، والعزة والحرية والقدرة هي الاخرى نعم من الله، إلا اننا بازاء كل نعم الله العظيمة لا نجازيه، بل نواصل العيش غافلين عن كل ذلك: (ويعظم النعمة عليّ فلا اجازيه.. فكم من موهبة هنيئة قد اعطاني وعظيمة مخوفة قد كفاني).ان مواهب الله غالباً ما تكون واضحة يعرفها الانسان ويلمسها في حياته، واحياناً يشكر الله عليها، إلا ان لطف الله الخفي هو ما يدفعه الله عن الانسان من عظائم الامور والاخطار، فالانسان معرض في اية لحظة لمئات الاخطار والمشاكل: للمرض، والفقر، والهزيمة، والموت. والله تعالى هو الذي يدفع كل ذلك عن الانسان.*له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من امر الله*(11/الرعد)فلكل انسان عدد من الملائكة الذين وكلهم الله به، وهم بمثابة الحراس الذين يحفظونه من التعرض للاخطار، ولو عاد كل واحد منا إلى نفسه لتذكر عشرات الموارد التي كاد يتعرض فيها لاخطار جسيمة، إلا ان يداً غيبية كانت تنقذه، وتدفعه بعيداً عن ذلك.يقول الطب الحديث ان السبب الظاهر لمرض السرطان هو وجود خلية فاسدة في أي منطقة من مناطق الجسم، تقوم هذه الخلية بتوليد المثل فتحول كل الخلايا المجاورة لها إلى خلايا فاسدة ايضا، وحينذاك تتسع الرقعة لتشمل مساحة كبيرة من الجسم يستحيل علاجها على الطب.ويضيف الطب الحديث: ان هذه الخلية الفاسدة هي موجودة في كل جسم منذ الولادة، إلا انها غير نشطة لاسباب غير معروفة طبياً، ويحدث احياناً وفي بعض الاجسام ـ ولاسباب غير معروفة ايضا ـ ان تنشط وتتحرك هذه الخلية الفاسدة وتقوم بافساد اكبر قدر ممكن من الخلايا المجاورة شيئاً فشيئاً.اذن، فكل واحد منا مهدد بالاصابة بهذا المرض الخطير، وكل لحظة من حياتنا يمكن ان تتحول إلى لحظة النهاية والموت بالسرطان، لكن الله سبحانه وتعالى يبعد كل هذه التهديدات وهذه المخاطر عنا، هل نحن نشكره؟ كلا..(فكم من موهبة هنيئة قد اعطاني، وعظيمة مخوفة قد كفاني، وبهجة مونقة قد اراني)، ان كل ما في الحياة من جمال وروعة يعطيه الله لنا، وهو دليل آخر على ضعفنا وحاجتنا إلى رحمته وفضله، ولكن كيف؟احياناً حينما تكون في الصحراء قد ضقت ذرعاً بالظلام والبرد والوحشة فترى الصبح بتألقه وضيائه يقدم عليك فينفتح قلبك، وتنشرح نفسك، وتجدد آمالك، هذه هي البهجة المونقة، والروعة والجمال، واحياناً تكون جالساً عصراً في جو حار وخانق ومزعج، وفجأة ترى السماء قد امتلأت سحاباً وامطرت مطراً حسناً، والجو آخذ في البرد، فتنتعش وتغمرك بهجة مونقة.إذن، فهناك لحظات البهجة والسرور يغمر الله الانسان بها ليشعر انه بحاجة إلى الله دائماً وابداً.. (وبهجة مونقة قد اراني، فاثني عليه حامداً، واذكره مسبّحاً..).فمن جهة اثني على الله أي أذكره بالخير، وأحمده، وفي نفس الوقت اجري ذكر الله على لساني واسبحه وانزهه عن ان يشبه المخلوقين: (الحمد لله الذي لا يُهتك حجابه)، هل استطاع احد ان يصل إلى الله سبحانه وتعالى؟ فحجابه لا يهتك، وهو مستور في سرادقات عرشه وبعزة مجده (ولا يُغلَق بابه)، ابواب الناس تغلق في الليل، حتى اكثر الحكومات عدالة تغلق مكاتبها في فترات معينة من اليوم إلا ان ابواب الله تبقى مفتوحة في أي وقت من الاوقات، يستطيع الانسان ان يطرقها في اية لحظة يحتاج فيها إلى ربه: (ولا يغلق بابه، ولا يرد سائله) وحينما يطرق الانسان باب ربه فانه لابد ان يجد الاجابة الملائمة، فالله لا يرد من يسأله ويدعوه (ولا يخيب آمله)، لا يحتاج الانسان ان يسأل ربه، بل يكفي ان تأمل ربك في قلبك، حتى تجد الله عند قلبك المنكسر، فالله يستحيل ان يخيب آمله، إلا ان الشرط هو ان لا نخادع انفسنا، وان يكون أملنا في الله وحده، لا نشرك به أحداً.
7 ـ الاعتماد على الله
«الحمدُ للهِ الذي يُؤمنُ الخائفين، ويُنَجِّي الصالِحين، ويَرْفَعُ المُستَضعَفِين، ويَضَعُ المُستُكُبرين، وَيُهْلِكُ مُلُوكاً وَيَسْتَخْلِفُ آخَرين، والحمدُ للهِ قاصِم الجَبارين، مُبِيِر الظالمِيِن، مُدرِكِ الهاربِيِن، نكالِ الظالِميِن، صَرِيِخ المُسْتَصْرِخِين، مَوْضِعِ حاجاتِ الطالِبِين، مُعْتَمَدِ المؤمِنين، اَلحَمْدُ للهِ الذي من خشيته ترعد السماء وسكانها، وترجف الارض وعمارها، وتموج البِحارُ، وَمَنْ يَسْبَحُ في غَمَراتِها. اَلحَمدُ لله الذي هَدَانا لِهذا وما كُنّا لِنَهْتَدِيَ لولا اَنْ هَدانا الله، الحَمْدُ للهِ الذي يَخْلُقُ وَلَمْ يُخْلَق، وَيَرْزُقُ ولا يُرْزَق، وَيُطعِمُ ولا يُطعَمْ، وَيُمِيتُ الاحياء، وَيُحيي المَوْتى، وَهو حَيُّ لا يَمُوت، بِيَدِه الخير، وَهو عل كلِ شَيءٍ قّدير..»تعالج الادعية المأثورة واقعاً نفسياً للانسان ينعكس في تصرفاته الاجتماعية، وعندما نتأمل في فقرة من فقرات الدعاء لابد ان نتساءل: أي واقع تعالجه هذه الفقرة؟ واي انحراف تصححه؟ واي ضعف يسعى الدعاء من اجل ان يجيره؟ واي عجز يسعى من اجل ان يقيمه؟وبتعبير اخر: ما هو الهدف المباشر وراء هذه الكلمة أو تلك من الدعاء؟وحينما نتعمق في كل ذلك فانه ينفعنا اولاً في معرفة نواحي الضعف في انفسنا، وثانياً في معرفة كيفية معالجة هذه النواحي عبر الدعاء وعبر ما يثيره في انفسنا من احساسات، وما يعلمنا من دروس.وفي حالة التأمل في كلمة من كلمات الدعاء، يجب ان لا نقتصر على فهم الدعاء فحسب، وانما علينا ان نصل إلى تلك الطريقة التي اتبعها الدعاء من اجل معالجة هذه الناحية من النقص في انفسنا، واذا وصلنا إلى تلك الطريقة فيمكن ان نستفيد منها ولو بصورة غير صورة الدعاء.فمثلاً علينا ان نسأل: من اجل ماذا تسعى هذه الفقرة من الدعاء؟الجواب: انها تجبر ضعفاً موجوداً في واقع النفس البشرية، انه ضعف الانسان امام الطبيعة وخوفه منها، ضعف الانسان امام المجتمع وخشيته منه، ضعف الانسان امام السلطات التي تمثل القوى الاجتماعية وخوفه منها، هذا الضعف لابد أن يجبر لكي يتكامل الانسان، فالانسان الخائف الذي يخشى الطبيعة، أو المجتمع، أو السلطة الفاسدة الحاكمة، لا يكون انساناً متكاملاً ولا مستقلاً، بل اكاد اقول ولا انساناً مؤمناً، لان المؤمن لا يكون جباناً، ان المؤمن الذي يترك دينه خوفاً من الناس وخوفاً من المجتمع وخوفاً من الطبيعة، ماذا ينفعه ايمانه؟ الايمان هو سلاح الانسان ضد الطبيعة، والحصن الذي يحافظ على استقلال المؤمن، فاذا كان هذا الحصن مخترقاً، فكيف ينفع الانسان؟ ماذا ينفع الايمان الذي لا يحصن استقلالك؟ انه يشبه الدواء الذي لا ينفعك في حالة المرض، وانما يفيدك فقط حينما تكون متمتعاً بكامل صحتك.. فما هي فائدة هذا الدواء اذن؟الايمان هو حصن المؤمن وسلاحه، والانسان يستخدم سلاحه ضد عدوه، وضد كل ما يخاف منه، والانسان بطبيعته وفطرته يخشى الطبيعة، ويخشى الظلام، والهوام والدواب، يخشى الظواهر الطبيعية كالرعد والبرق والرياح، ومن هنا نشأت عبادة البشر ـ عبر التاريخ ـ للظواهر الطبيعية، اذ انهم كانوا يخشونها فيتحولون إلى عبادتها، ولذلك كان كل مجتمع يعبد الظاهرة الطبيعية التي يعايشها ويخاف منها، فمنهم من يعبد الرعد، والبرق، والسحاب، ومنهم من يعبد البحر اذا كان يعيش على سواحل البحار، وهناك من يعبد النهر لانه يسكن على شاطئه، وهكذا نجد الاقباط السابقين في مصر كانوا يعبدون النيل لانهم كانوا يعيشون على ضفافه وكانوا يطعمونه كل عام واحدة من اجمل فتياتهم.ولهذا السبب كان جماعة من الناس يعبدون رؤساء العشائر رموز القوة الاجتماعية، وكانت الاصنام عادة رموزاً لقوى اجتماعية معينة.كل ذلك لان في طبيعة الانسان تكمن حالة الانسحاب والتبعية، حالة الذل التي تجعله يعبد ما يخشاه ويخافه.وهذه الفقرة من الدعاء تجبر هذا الضعف البشري، اذ تقول للانسان بانك قوي حتى لو لم تملك السلاح، والقوة المادية، اذ انك تملك التوكل على الله والاعتماد عليه، تملك سلاحاً امضى من أي سلاح، وهو سلاح الدعاء، فعندما تدخل على حاكم فاسد جبار، اقرأ هذا الدعاء لكي تغمر قلبك قوة في المواجهة، وعندما تواجه انحرافاً اجتماعياً، فاقرأ هذا الدعاء حتى يمنحك القدرة على مقاومته وتصحيحه.اذن، فان كل دعاء يعالج واقعاً نفسياً، وضعفاً قائماً في النفس البشرية، وعند التدبر في الدعاء يجب ان نحاول اكتشاف الاهداف المباشرة من وراء كل فقرة، وكلمة، على هذا الاساس نواصل التدبر في هذه الفقرة من دعاء الافتتاح:«الحمد لله الذي يؤمن الخائفين..»الخوف هو الوتر الحساس في حياة الانسان، والذي تؤكد عليه هذه الفقرة من الدعاء في بدايتها، فالذي يخاف ويرتجف من السلطان الجائر، كيف يستطيع مقاومته، والذي يخاف الطبيعة ومظاهرها، كيف يمكنه تسخيرها والاستفادة منها.. اذن باي حبل يستطيع هذا الخائف ان يعتصم حتى يطمئن قلبه، وتسكن نفسه؟ الجواب: بحبل الله الذي يؤمن الخائفين، والمؤمن هو من اسماء الله الحسنى (وينجي الصالحين)، اذا كانت اعمالك صالحة فلا تخشى احداً أو شيئاً لان الله تعالى سوف ينجيك وينقذك اذا واجهت اية مصاعب، (ويرفع المستضعفين)، واذا استضعفك الاخرون.. سلبوا قدراتك واستثمروك اقتصادياً واعلامياً، وغلقوا في وجهك مسارب الحياة والتقدم فان هناك رب العزة الذي يرفع المستضعفين وياخذ بايديهم إلى ساحل النجاة والحياة الحرة الكريمة، ولكن بشرط واحد هو ان تبقى في نفس المستضعف شعلة الامل متوهجة، وان لا ينتهي إلى اليأس والقنوط والاستسلام للواقع الفاسد.(ويضع المستكبرين)، لا يمكن ان يستمر الطغاة والمستكبرون في تسلطهم الظالم على الشعوب المستضعفة، ان هذا لا يتفق مع سنن الله في الحياة، فلابد ان يُدحر الله كل المستكبرين والطواغيت، وان يرفع في مكانهم الذي استُضعفوا ويجعلهم ائمة.(ويهلك ملوكاً ويستخلف آخرين)، ان هؤلاء الملوك، والطغاة، والجبابرة الذين يمسكون بين اصابعهم مصائر الشعوب، ويتلاعبون بمقدرات الامم المستضعفة، لا يشكلون قوة حقيقية في الحياة، فالله القاهر يهلك الملوك ويقضي على الطغاة ويستخلف مكانهم آخرين.(والحمد لله قاصم الجبارين)، الذين يتجبرون في الارض ويحسبون انفسهم انصاف آلهة ويزرعون الخوف والهلع في قلوب الجماهير ويعيثون في الأرض فساداً سوف يقصم الله ظهورهم (قاصم الجبارين مبير الظالمين)، أما الظالمون الذين يظلمون الناس فان الله يهلكهم عن اخرهم ويبيدهم ابادة تامة، وما أكثر عبر الحياة في هذا المجال، فاين هؤلاء الذين كانوا يظلمون الناس في هذه البلاد (إيران)؟لقد ابادهم الله، وشتت شملهم في آفاق الارض، (مُدرك الهاربين)، وهل يستطيع الظالم ان يهرب؟ اجل، قد يهرب من ايدي المظلومين، إلا انه لا يستطيع الهرب من الله القاهر الجبار، فالله مدركه اينما يولي وجهه، فهو (مدرك الهاربين نكال الظالمين)، سوف يعذبهم عذاباً شديداً، (صريخ المستصرخين)، ذلك الذي يستصرخ ربه، ويدعوه إلى اغاثته، فان الله صريخه، أي يجيبه ويكون عند استغاثته. (موضع حاجات الطالبين)، الذين يطلبون من الله حاجاتهم مهما تكن كثيرة، فان الله موضع حاجاتهم يستجيب لهم، فان الآمال والطموحات الكبيرة لا تتحقق إلا بالله، (معتمد المؤمنين)، أما المؤمنون فانهم يعتمدون على الله سبحانه وتعالى ويتوكلون عليه، هذا بالنسبة إلى الطغاة والقوى الاجتماعية.اما في مجال القوى الطبيعية، فيقول الدعاء:(الحمد لله الذي من خشيته ترعد السماء وسكانها)، الانسان يخشى السماء وما فيها من رعود وبروق، ويرجو رحمة الله من السماء ايضا، إلا ان الحقيقة هي غير ذلك، فالسماء لا تشكل خطراً يُخاف منه، اذ ان السماء وسكانها ترتعد من خشية الله سبحانه وتعالى فلماذا نخشى الطبيعة اذن؟(الحمد لله الذي من خشيته ترعد السماء وسكانها، وترجف الارض وعمارها)، فالارض والذين يعمرون الارض ويحيونها يرتجفون خوفاًمن الله وخشيته (وتموج البحار ومن يسبح في غمراتها)، هذه الحيوانات البحرية الهائلة، التي يزن بعضها (100) طن، ويصل طول بعضها ثلاثين متراً، كل هذه ترتعد فرقاً وخشية من رب العالمين..اذن، يجب ان لا يخشى الانسان المؤمن الظواهر الطبيعية.. ان لا يخاف السماء والارض والبحار، فكل هذه مخلوقات لله ومسخرات بأمره.والآن، ما دمنا قد وصلنا إلى هذه المرحلة واكتشفنا بان الملوك، والجبابرة والظالمين والمستكبرين لا يشكلون اية قوة بازاء الله رب العالمين، وانه سوف يبيدهم عن آخرهم، وان السماء والارض والبحار وكل ظواهر الطبيعة ليست عدوة الانسان حتى يخاف منها ويخشاها، بل هي كلها ترتعد وترتجف امام ملكوت الله، علينا اذن ان نحمد الله على هدايته ايانا إلى هذه الحقيقة الايمانية.. لقد كنا سابقاً نخشى مخلوقات الله فنعبدها من دونه، ولكن الله هدانا إلى الصراط السوي.(الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا نهتدي لولا ان هدانا الله)، فالله تعالى هو الذي يعِّرف نفسه بنفسه، ولولا هداية الله للانسان لظلّ سادراً في غوايته، والانسان هو المخلوق العاجز الضعيف الذي يحتاج الله في كل شيء، والله هو الغني القيوم، هو الذي يخلق الاشياء، ولا يخلقه شيء، ويرزق الانسان ولا يحتاج إلى رزق احد، ويُطعم البشر ولا حاجة له إلى الطعام.. بيده الموت والحياة والنشور.. بل هو القادر على كل شيء ولا يعجزه امر:«..الحَمْدُ للهِ الذي يَخْلُقُ وَلَمْ يُخْلَق، وَيَرْزُقُ ولا يُرْزَق، وَيُطعِمُ ولا يُطعَمْ، وَيُمِيتُ الاحياء، وَيُحيي المَوْتى، وَهو حَيُّ لا يَمُوت، بِيَدِه الخير، وَهو عل كلِ شَيءٍ قّدير..»
8 ـ معرفة الرسول
«..اَللَّهُمَّ صَلِّ على محمدٍ عبدِك،ورَسولِك، وَاَمينِك، وصفيَّك، وحَبيبك، وخِيرَتك من خلقك، وحافِظِ سِرَّك، وَمُبَّلِغِ رِسالاتِكَ، اَفضَلأ واَحسَن واَجَمل واَكَمل واَزكى واَنمى واَطيبَ واَطهَرَ واَسْنَى واَكَثْرَ ما صَلَيْتَ وباركْتَ وتَرحَّمْتَ وتَحَنَّنْتَ وسَلَّمْتَ على احدٍ من عبادِك وانبيائِك ورُسُلِك وصِفْوتكَ، واَهلِ الكرامةِ عليكَ مِنْ خَلقِكَ..»كانت الفقرات السابقة من دعاء الافتتاح تركز ـ في الغالب ـ على المفردة الاولى من مفردات الدعاء، وهو: ذكر الله سبحانه وتعالى، والتذلل له في مقام العبودية، اما الفقرات التالية فانها تدعو إلى ترسيخ العقائد الاسلامية، ومن ابرز هذه العقائد بعد ذكر الله وبعد الايمان به ومعرفته، هو معرفة الرسول (ص) ومعرفة الائمة الهداة من آل بيته (ع)، وبالطبع لا تكفي هنا المعرفة الفوقية التي نسميها بالاسلام، بل لابد ان تتحول هذه المعرفة إلى معرفة راسخة في قلب الانسان، تنعكس على اعماله وتصرفاته، وبالذات فيما يخص اولياء الله من الانبياء والصديقين والصالحين، اذ يجب ان تتحول المعرفة إلى حب، والى نوع من الانسجام النفسي يجعل الانسان يتبعهم دون صعوبة، يقول الدعاء:«..اللهم صَلِّ على محمدٍ عبدِك،ورَسولِك، وَاَمينِك، وصفيَّك، وحَبيبك، وخِيرَتك من خلقك، وحافِظِ سِرَّك، وَمُبَّلِغِ رِسالاتِكَ، اَفضَلأ واَحسَن واَجَمل واَكَمل واَزكى واَنمى واَطيبَ واَطهَرَ واَسْنَى واَكَثْرَ ما صَلَيْتَ وباركْتَ وتَرحَّمْتَ وتَحَنَّنْتَ وسَلَّمْتَ على احدٍ من عبادِك وانبيائِك ورُسُلِك وصِفْوتكَ، واَهلِ الكرامةِ عليكَ من خلقك..»تحتوي هذه الفقرة على عدة مفردات ابرزها الصلاة على النبي، ثم الصلاة من طرف خفي على الصديقين والانبياء والصالحين والسابقين على النبي، ومن ثم تحديد صفات النبي (ص). والان لنتأمل في كل فقرة من الفقرات، وفي البدء نسأل: ماذا تعني الصلاة على النبي؟ ولماذا نحن معنيون بهذه الصلاة ونؤكدهاونقدمها بين يدي دعواتنا إلى الله سبحانه وتعالى. لماذا؟ان فلسفة الصلاة على النبي تتحدد من خلال النقاط الثلاث التالية:النقطة الاولى: تحديد العلاقة بيننا وبين الرسول، وهي علاقة الحب والعطاء، لقد بذل الرسول (ص) مجهوداً ضخماً لتبليغ الرسالة الاسلامية، وتحمل المسؤوليات الجسام في هذا السبيل، وقد هدانا الله بسببه، فما هو عطاؤنا للرسول؟نحن لا نملك شيئاً نعطيه لرسول الله (ص)، وهو الاخر لا يطلب منا اجراً، ان نهاية الاعتراف بالشكر للرسول (ص) تكمن في الصلاة عليه، في ان ندعو الله ليجزيه خير الجزاء.إن شكرنا لخدمات رسول الله وجهوده ومساعيه (ص) من اجل انقاذنا وانقاذ البشرية من ظلمات الجهل والجهالة والشرك، هو ان ندعو الله بان يجزيه اجراً حسناً.النقطة الثانية: تحديد العلاقة بين الله والرسول (ص) وهي الاخرى علاقة العطاء، فليس رسول الله ابناً لله سبحانه وتعالى، ولا هو غني عن رب العالمين، بل العكس تماماً، انه عبد ومحتاج إلى الله، وهذه العلاقة هي العلاقة بين رسول الله وبين رب العالمين، لذلك فاننا نطلب من الله ان يعطي للرسول، وهذا لا يكون إلا بسبب حاجة الرسول إلى رحمة الله سبحانه وفضله وعطائه.النقطة الثالثة: كما سبق وان قلنا اذا دعا الانسان بلسان غيره فسوف يُستجاب دعاؤه، فدعاؤك لي مستجاب، ودعائي لك مستجاب ايضاً، وبما اننا قد اذنبنا، فاننا لا نملك وجوهاً كريمة امام الله، وان ذنوباً تحول بيننا وبين الله، لذلك فاننا ندعو لرسول الله ونصلي عليه، وهو (ص) يدعو لنا، ودعاء الرسول شفاعته:* ولو انهم اذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله، واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً* (64/النساء)لو ان الرسول يدعو لنا ويشفع لنا فان دعاءه مستجاب، وهذا لا يعني ان دعاء الرسول أو استغفاره لقومه يحتم على الله شيئاً، ولكن يعني ان وجه الرسول كريم عند الله ونحن نقدم هذا الوجه بين يدي حاجاتنا ونتوسل إلى ربنا فيستجيب الله سبحانه.أما المفردة الاخرى في هذه الفقرة من الدعاء، فهي بيان مواصفات الرسول (ص) وابرزها ما يلي:(إنه عبد الله) اننا نقول عادة اشهد ان محمداً عبده ورسوله، وهذا يعني اننا نقدم صفة العبودية على صفة الرسالة، والسبب في ذلك هو اننا نريد أن ننفي عن انفسنا غبار الشرك، لان الانسان حينما يعظم احداً في نفسه، يقع فريسة لوساوس الشيطان التي تدعوه إلى اشراكه في عبادة الله، لذلك فاننا نؤكد على ان رسول الله (ص) بالرغم من عظمته وشرف مقامه، إلا انه بالتالي عبد الله سبحانه وتعالى، وهذا امر ضروري للغاية، لان كثيراً من الناس حينما يحبون احداً، يدفعهم حبهم لكي يرفعون المحبوب إلى مستوى الالوهية وهذا خطير جداً، اذ ان رفع الاولياء أو الانبياء والصالحين إلى مستوى الالوهية يضع حجاباً بين الانسان وبين الاقتداء بسيرة صاحب الشأن.(ورسولك وامينك)، انه حمل رسالة الله الينا، وكان اميناً في رسالته لم يغير ولم يبدل، ان ايمانناً بامانة رسول الهل يجعلنا نعتقد بان أي مخالفة صغيرة أو كبيرة لرسول الله تعني مخالفة لله سبحانه وتعالى:*وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا*(7/الحشر)(وصفيك)، ان الله تعالى اصطفى الرسول من بين خلقه، أي انه لو كان في عصر الرسول من هو اكثر جدارة بحمل الرسالة لكان الله يجعل رسالته في ذلك الانسان، اذن اختيار الله للرسول انما كان بسبب انه كامل الشخصية، وليس عبثاً ومن دون حكمة.(وحبيبك) والرسول هو حبيب الله، يحبه الله وهو يحب الله، ونحن نحب الرسول، وفي مهرجان الحب يشترك الجميع، فيرتفعون إلى مستوى التفاعل والانسجام.(وخيرتك من خلقك) أي الذي اخترته من خلقك وهذا المعنى قريب من معنى (صفيك).(وحافظ سرك)، فلله تعالى سر مستودع عند رسوله، وهذا السر ينتقل عبر اولياء الله، اذن، هنالك اشياء لم نعلمها، وهي مفهومة للقيادة المعصومة.ان عقولنا مهما سمت فهي لا تصل إلى مستوى عقول القيادة.(ومبلغ رسالاتك)، تبليغ الرسالة ليس عملاً سهلاً لان تبليغ الرسالة يعني ان الانسان يتجرد عن كل شيء:* يا أيها الرسول بلغْ ما اُنزل اليك من ربك وانْ لم تفعلْ فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس* (76/المائدة)أما المفردة الثالثة وهي طبيعة الصلاة، فالدعاء يصف الصلاة على النبي بـ (أفضل واحسن واجمل واكمل وازكى وانمى واطيب واطهر واسنى)فماذا تعني هذه الكلمات؟الجواب: ان الصلاة تعني رحمة الله سبحانه وتعالى لعباده، وهي ليست بشكل واحد ولا بدرجة واحدة، ولا تأتي في ظرف واحد، وان رحمة الله مختلفة درجاتٍ واوقاتٍ وألواناً، ونحن نطلب لرسول الله أفضلها واحسنها واجملها، واكملها وازكاها.. والتعابير هذه تدل على نوع الرحمةالتي تطلبها لرسول الله (ص).ثم ان الصلاة على النبي (ص) لا تعني منع الصلاة على عباد الله الصالحين. ان رحمة الله واسعة تشمل الرسول وغير الرسول، لذلك يقول الدعاء: (.. وأكثر ما صليت وباركت وترحمت وتحننت وسلمت على احد من عبادك وانبيائك ورسلك وصفوتك واهل الكرامة عليك من خلقك)، هذه الصلاة هي من طرف خفي، وبصورة غير مباشرة لانبياء الله والصالحين من عباده وصفوته واهل الكرامة عليه.وهنا يجب ان نشير إلى اننا ـ بالرغم من صلاتنا على الرسول ـ إلا اننا مقصرون بازائه، ذلك لان المطلوب منا هو ان نعرف سيرته وآدابه، واخلاقه الحسنة، ثم نقتدي به عملياً في حياتنا اليومية، إلا اننا نرى الاكثرية الساحقة من المسلمين لا يعرفون سيرة الرسول، ولا يقرأون كتاباً واحداً حول الرسول طيلة حياتهم، فكيف يواجهون غداً رسول الله (ص)؟ان من ابسط حقوق الرسول علينا هو ان نقرأ سيرته ونتعمق في حياته ثم نطبق كل ذلك في سلوكنا بشكل كامل.
9 ـ معرفة الوصي
بسم الله الرحمن الرحيم
«.. اَللَّهُمَّ وَصَلِّ عَلى عَلِيٍّ اَميرِ اْلمُؤْمِنينِ، وَوَصيِ رسولِ ربِ العالمين، عَبْدِكَ وَوَليكَ، واَخي رسولِك، وَحُجَّتِكَ على خلقِك، وآيَتِك الكُبرى، والنَبَأِ اْلعظيمِ..»بعد الصلاة على الرسول، ينتقل الدعاء للصلاة على وصيه وخليفته من بعده وهو الامام علي ابن ابي طالب..ان في صلاتنا ودعائنا للامام علي نفس الفوائد ونفس المفردات التي ذكرناها في الصلاة على النبي محمد (ص)، ونحن ايضاً لا نستطيع ان نقدم للامام علي (ع) الذي غيَر مسار التاريخ والذي اعطانا نموذجاً للحكومة الإسلامية، والذي لم يدعْ طاقة ولا قوة يمتلكها إلا بذلها في سبيل الله، نحن لا نملك ان نقدم له شكراً أو اجراً وانما فقط نستطيع ان نصلي عليه وندعو الله لكي يؤتيه اجره، ويرضيه عنا بما شاء سبحانه وتعالى (اللهم وصل على علي امير المؤمنين ووصي رسول رب العالمين عبدك ووليك واخي رسولك)، كما في الرسول كذلك في الامام، يجب ان لا يدفعنا تعظيمنا له وحبنا اياه، إلى تأليهه، والغلو فيه، فهو عبد الله وولي من اوليائك الصالحين، واخو رسول الله، وحجة الله على خلقه:«وحجتك على خلقك وآيتك الكبرى»في هذه الفقرات تستوقفنا كلمة (وآيتك الكبرى)، فكيف يكون الإمام علي عليه الصلاة والسلام الآية الكبرى لرب العالمين؟قبل ان نجيب عن هذا السؤال لابد ان نشير إلى حقيقة ان كل شيء في الكون هو آية لله سبحانه وتعالى:[وفي كـل شيء لـه آية تـدلّ على انـه واحـد]وتتفاضل آيات الله سبحانه وتعالى، ليس بالنسبة إلى الله، لان الله عزوجل يخلق الكون من دون ان يتعب أو يمسه لغوب، انما اذا اراد شيئاً يقول له: (كن) فيكون، وخلقه لملايين المجرات لا يختلف عن خلقه للبعوضة الصغيرة، وانما تختلف الايات بالتفاضل فيما بينها، وبما اعطاها الله سبحانه وتعالى من قدرات. ومن آيات الله التي نعرفها وهي قريبة منا الملائكة الذين يعتبرون من أعظم آيات الله سبحانه وتعالى، لان ملائكة الله هم الموكلون بالكون، فيهم حملة عرش الله وملائكة السماء وملائكة الارض والبحار، والرياح، والجبال، وكل هذه تستجيب لامر الله عبر ملائكته الموكلين بها، واذا عدنا إلى سورة البقرة نجد ان الله سبحانه وتعالى امر جميع ملائكته بالسجود لآدم ابي البشر!لماذا؟ لان آدم هو خليفة الله، وهو مستودع روح الله سبحانه:*فاذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين*(29/الحجر)ذلك الروح الذي يقول عنه ربنا في آية أخرى:* ويسألونك عن الروح قلْ الروح من امرِ ربي وما أوتيتُم من العلم إلا قليلاً*(85/الأسراء)ويقول سبحانه وتعالى عنه ايضاً:* ليلة القدر خير من الف شهر* تنزل الملائكة والروح فيها باذن ربهم من كل آمر* سلام هي حتى مطلع الفجر*(3 ـ 5/القدر)ان هذا الروح الذي نفخ الله منه في آدم هو من أهم خلق الله، يؤيد به الله عباده المكرمين، لذلك امر الله كل ملائكته فيما بينهم حملة عرشه، والكروبيين، وملائكة السموات والارض، وملائكة المجرات المختلفة كلها، ان يسجدوا لآدم.. لماذا؟ لان آدم فيه الروح! اذن، فان آدم الذي استوعب الروح ونفخ الله فيه من روحه اصبح افضل كل الخلق.واذا كان افضل الخلق، فهو آية كبرى بالنسبة إلى الآيات الأخرى! فالسماء والارض والجبال والمجرات كلها آيات الله، ولكن آدم آية كبرى، لان السماء والارض والجبال والبحار والانهار وكل المخلوقات الأخرى مستجيبة للملائكة، والملائكة بدورها سجدت لآدم عليه الصلاة والسلام، واذا عرفنا بأن خاتم النبيين سيدنا ونبينا محمداً (ص)، هو أشرف وأعظم من كل الانبياء، بل انه مكمل رسالاتهم، لانه خاتمهم. لو عرفنا ذلك فلابد ان نعرف ان وصي خاتم النبيين، والذي هو صنوه ونفسه، حيث يقول ربنا سبحانه وتعالى في آية المباهلة:* وانفسنا وانفسكم*(61/آل عمران)وقد ورد في اكثر تفاسير المسلمين، ان المراد (بانفسنا)، هنا هو الإمام علي عليه الصلاة والسلام، فلابد ان نعرف بان علياً هو افضل من آدم.اذن اذا كانت السموات مستجيبة للملائكة، والملائكة ساجدة لآدم، وعلي أفضل من آدم عليه الصلاة والسلام، فما هي الآية الكبرى لرب العالمين؟ هل السموات؟ أم الملائكة؟ أم ذلك الذي تسجد الملائكة له ولامثاله، أم انه علي ابن ابي طالب، خليفة رسول الله خاتم الانبياء؟وهنا لابد ان نطرح هذا السؤال: لماذا يفضل الله بني آدم على الملائكة، بل على المخلوقات كلها؟الجواب: لان الله حمّل علمه لبني آدم، وحمّل بني آدم شيئاً قد يكون اهم من العلم وهو الحرية والارادة، وجعل المشيئة في قلب بني آدم!أما الملائكة فقد جعل الله لهم الروح وأعطاهم الايمان، والعلم والفضيلة إلا انه لم يعطهم الشهوات!، فالملائكة يعبدون الله دون ان يأخذهم الأرق والنوم والتعب، وعبادتهم لله هي من سجيتهم، أما الحيوانات فالأمر بالنسبة لها اوضح، لان الله لم يعطها العقل ولا العلم ولا الارادة بل هي كتلة من الغرائز والشهوات، فالحيوانات ليست مفضلة على بني آدم، اما الإنسان، فقد اعطاه الله العلم والعقل والارادة، ثم ركب عليه الشهوات، فاذا اتبع هذا الإنسان عقله وعبد الله سبحانه وتعالى، واختار بحريته الكاملة هذا الطريق، كان قريباً إلى الله ومكرماً عنده، لانه كان مخيراً بين ان يهبط وبين ان يرتفع، ولكنه اختار الارتفاع بفعله! فعظمة الإنسان تنبع من انه هو الذي يريد، هو الذي يقرر، اما الملائكة فهي لا تقرر، باعتبارها هي مخلوقة في هذا الاتجاه، تريد ولكن ليس بصعوبة، وعلي ابن ابي طالب يجسد القمة في هذا الارتفاع والسمو بعد رسول الله (ص).إن علياً يحمل جسمه المبارك في غزوة (اُحد) سبعين جراحاً تحتاج إلى العلاج ولكنه، وقبل ان يستريح من عناء القتال والجروح، يأتيه منادي رسول الله (ص) يدعوه إلى الحرب من جديد فيتحمل كل ذلك الاذى والجراح ويتوجه من جديد إلى ساحة الحرب. كان بامكانه أن يأكل مصفى العسل ولباب القمح، وان يلبس افضل الملابس وهو امير المؤمنين والله لم يحرم عليه ذلك ولكنه لم يفعل. كان يقسم الاموال بين الناس بالسوية وكان بامكانه ان لا يفعل ذلك.كان بامكانه ان ينام الليل ولكنه في الليلة الواحدة كان يصلي الف ركعة.كان علي يُغشى عليه في الليل من كثرة الصلاة وعبادة الله، وفي النهار تراه على باب اليتامى والمساكين، وكان لا يترك عبادة إلا واتى بها.يذكر لنا التاريخ إنّ الامامَ علياً كان يأتي إلى المسجد قبيل الفجر فيصلي بالناس الصبح ثم يعقب إلى ان تطلع الشمس وتنتشر، ثم ينتقل من محرابه إلى مكان آخر من المسجد يقضي بين الناس، ويحل مشاكلهم، ثم كان يتركهم ويتحرك في اسواق الكوفة، ينادي في الناس: اتقوا الله، التاجر فاسق حتى يتفقه، عليكم بالفقه ثم التجارة، ثم يتمشى في أزقة الكوفة لعله يجد ذا حاجة لم يجد إلى المسجد سبيلاً، لعله يجد فقيراً، أو مسكيناً فيساعده، أو لعله يجد فساداً فيصلحه. وبعد صلاة الظهرين يأتي إلى بيته ويسأل زوجته: هل عندكم شيء أم أفوت؟ فاذا وجد شيئاً تغدى به، وان لم يكن هناك شيء يقضي ذلك النهار جائعاً، وعندما يصير الليل يصلي صلاة المغرب والعشاء جماعة بالناس ثم يعود إلى العبادة إلى الصباح، فمتى تكون الراحة ومتى يكون النوم؟والآن، ألا يُعتبَر هذا الانسان المثالي آية كبرى من آيات الله؟ إلا إنَ علياً هو تلميذ تربى في حجر الرسول (ص) وهو يقول انني عبد من عبيد محمد، اذن فكل حياة علي هي دليل صادق على حقانية الرسالة الإسلامية، ولذلك كان (النبأ العظيم).ثم كما كان علي آية كبرى في الجهاد، والصبر، والعبادة، والزهد، كذلك هي الزهراء فاطمة بنت محمد، التي تلقت اصول الرسالة في بيت أبيها الرسول.إنها آية كعلي، ولكن بلون آخر وبصورة أخرى، تزهر الزهراء صلوات الله عليها لأهل السماء كما تزهر النجوم لأهل الارض، كانت تقف في محراب عبادتها وكان النور يشع من محرابها إلى عنان السماء، كانت تتعبد وتصلي لربها من اول الليل حتى الصباح، وكانت تدعو للجيران والمؤمنين والمؤمنات ولشيعتها وللرساليين عبر التاريخ ثم المجاهدين، ثم في الصباح يقول لها ابنها الحسن: اماه دعوت لكل الناس ولكن أين نصيبنا نحن.فتقول: يا بني إعلم «الجار ثم الدار»، فاطمة الزهراء هي كفء علي، إلا إنها امرأة وعلي عليه الصلاة والسلام رجل!
10 ـ حجج الله على العباد
«.. وصلِّ على الصِدِّيِقةِ الطاهِرَة، فاطمةَ الزهراء، سَيدِةِ نساءِ العالمين. وصلِّ على سِبْطَي الرحمة، وامامَي الهُدى:الحسنِ والحسينِ، سَيِّدَي شبابِ اَهلِ الجنة. وَصَلِّ على اَئِمةِ المسلمين: علي بن الحسينَ، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والخَلَف الهادي المهدي، حُجَجِكَ على عِبادِك، وأمنائِك في بِلادك.. صلاة كثيرة دائمة..»من هو الحجة؟ ولماذا؟ان معرفة الانسان بالله وبالرسالة والرسول وبالتالي معرفته بيوم البعث والنشور وكل اصول العقيدة الاسلامية، ليست بدرجة واحدة، وانما هي ذات درجات متفاوتة على سلوك الانسان وعلى اخلاقياته وعلى مدى استقامته امام الضغوط التي يتعرض لها، ولا يكفي في المعارف الالهية ـ أو بتعبير شائع في العقائد الاسلامية ـ مجرد الاقتناع الاولي بان لهذا الكون الهاً، كما لا يكفي مجرد الاقتناع بوجود الانبياء ووجود نبينا (ص) وهكذا الائمة (عليهم السلام) بل لا بد أن تتحول القناعة إلى معرفة والمعرفة إلى يقين. والادعية كفيلة ـ اذا تدبرنا فيها ـ بان تحول معارفنا الالهية إلى يقين منا بها، حتى تنعكس هذه المعارف عملياً في سلوكياتنا وفي شخصياتنا وفي مدى إستقامتنا.ولقد غفل ابناء الامة وبالذات علماؤها وقياداتها عن هذا الدور الهام للادعية المأثورة، لذلك فان الدعاء لم يلق ذلك الاهتمام الدراسي المطلوب.وهذه الفقرة من دعاء الافتتاح تذكرنا بدور الائمة عليهم السلام وذلك عبر الصلاة عليهم وعلى جدهم النبي محمد (ص)، إذ أنّ هذا التركيز على الائمة من خلال الصلاة عليهم انما يعمق الصلة بين ابناء الامة وبين قادتهم وائمتهم.ونجد في هذه الفقرة ان الائمة يوصلون بـ (حججك على عبادك، وامنائك في بلادك)، فما هي الحجة؟ ولماذا اختار الله سبحانه وتعالى للامة المرحومة اربعة عشر حجة؟ لماذا لم يكتفِ ربنا الحكيم بسيدنا ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وانما اختار لنا بعد الرسول، الامام علي بن ابي طالب حجة، وفاطمة الزهراء عليها الصلاة والسلام حجة، وإحدى عشر اماماً من نسلها حججاً من قبله على عباده، لماذا؟الجواب: تعني (الحجة) ان هذا الانسان يكون (حجة) بينك وبين الله، اذا اتبعته واطعته وجعلته مقتداك وهاديك، فان الله سبحانه وتعالى يستقبل منك. لا يسألك اكثر من ذلك في يوم القيامة، فاذا اتبعت علي بن ابي طالب واقتديت بسيرته كاملة دون تحريف، فسوف تكون عند الله من الفائزين، لان علي بن ابي طالب هو نسخة تطبيقية من القرآن الحكيم من دون زيادة ولا نقيصة، هو القرآن الناطق وصنو القرآن، قال رسول الله (ص):(إني مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي اهل بيتي، وانهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)وقال:(علي مع القرآن، والقرآن مع علي)اذن فاتباع علي (ع) والاقتداء بسيرته هو اتباع واقتداء بالقرآن الحكيم، اذن، فاذا كان علي هو الصورة المجسدة لقيم الرسالة الالهية، إلى هذه الدرجة فانه يكون (حجة).أما السؤال الثاني فهو لماذا اذن نحن نحتاج إلى اربعة عشر حجة؟انما نحتاج إلى هؤلاء الحجج وبالذات الائمة عليهم الصلاة والسلام لان الزمان يختلف، وقد تكون هذه هي حكمة تعدد الائمة عليهم الصلاة والسلام، فليست الظروف دائماً متشابهة، فقد يكون الاسلام حاكماً في ظرف من الظروف، وقد يكون الكفر هو الحاكم في ظرف آخر، وقد يكون النفاق هو الحاكم في ظرف ثالث.والانسان المسلم قد يكون في ظرف من الظروف سجيناً، وقد يكون شهيداً، وقد يكون حاكماً، وقد يكون عالماً، فصفات الانسان وصفات المجتمع والظروف الاجتماعية وتطورات المجتمع مختلفة ومتفاوتة، هذا من جهة.ومن جهة ثانية: جعل الله سبحانه وتعالى هذا الدين آخر الاديان، ورسولنا محمداً (ص) خاتم النبيين، ولا يأتي بعد رسولنا نبي، ولا بعد كتابنا كتاب، وقد يطول عمر البشرية لملايين السنين، فاننا لا نعرف متى تقوم الساعة:*قل انما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلاّ هو..*(187/الأعراف)اذن، فان البشرية تحتاج إلى حجج وائمة على مختلف الظروف وفي مختلف الحالات، سواء كافراد أو كمجتمعات، فمثلاً: نحن بحاجة إلى امام يعلمنا كيف ينبغي ان يحكم الانسان، يعلمنا ذلك بسيرته لا بكلامه، حتى تكون سيرته لنا حجة نقتدي بها، اننا نحتاج إلى صورة متكاملة للحاكم الاسلامي المثالي، فمن اين نجد هذه الصورة؟ـ: نجدها في علي بن ابي طالب عليه الصلاة والسلام، فبالرغم من ان النبي (ص) ايضاً كان حاكماً، إلا انه لم تبرز معالم الحكومة في وقته بقدر ما تجلت رسالته.أما علي بن ابي طالب فقد كان ـ ولو لفترة قصيرة ـ حاكماً بكل معنى الكلمة.