الولاء والبـراءة - دراسات و بحوث مؤتمر الامام الحسین (ع) جلد 1

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

دراسات و بحوث مؤتمر الامام الحسین (ع) - جلد 1

مجمع العالمی لاهل البیت (ع)

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



الولاء والبـراءة

الشيخ محمّد مهدي الصفي


مشاهد الولاء في زيارة وارِث:


في هذه الزيارة هناك ثلاثة مشاهد للولاء، هي:


1 - التسليم: وهو قوله السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله.2 - الشهادة، قوله: اشهد انّك الاءمام البرّ التقي الرضي.3 - الموقف، قوله: قلبي لقلبكم سلم وأمري لامركم متّبع.


وضمن هذه المراحل الثلاث يعبّر الزائر عن ولائه للحسين(ع) فيالمعركة الكبري التي وقف فيها ابو عبدالله في مواجهة طاغية عصره،ويعبّر عن كل الجذور التاريخية لهذه المعركة الكبري وامتداداتها اءلياليوم.


والولاء - اءذن - يتجسّد في هذه الزيارة ضمن مفاهيم ثلاثة، هي:


1 - طرح السلام والامن والمحبّة (التسليم).


2 - طرح الثقة المطلقة: (الشهادة بالاءمامة واءقامة الصلاة والامربالمعروف والنهي عن المنكر).


3 - طرح الموقف النظري والعمل تجاه محور الولاية.


وسنعرض فيما يلي هذه المشاهد الثلاثة للولاء في زيارة وارث.المشهد الاوّل، التسليم:


وهو أوّل مشاهد الولاء، ويكون ضمن ثلاث فقرات:الاُولي: (السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله...الثانية: (السلام عليك يابن محمّد المصطفي..الثالثة: (السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره).


والتسليم من عناصر الولاء، ويعني: ترك المشاكسة والمشاققةوالاختلاف واللجاج والعناد داخل النفس وعلي سطح السلوك.


وفي داخل النفس يعني: اءزالة عوامل البغضاء والكراهية والضغينةوالاختلاف في الرأي عن النفس، واءحلال المحبّة والمودّة والانسجامالنفسي محلّها، ويعني علي سطح السلوك: ترك المخالفة والمشاكسةواللجاج والعناد والشقاق، ومعني كل ذلك هو الطاعة والانقياد والتسليم.


اءلا ان الطاعة هذه طاعة نابعة عن انسجام نفسي ومحبّة ومودّة،وليست طاعة نابعة عن الاءجبار والاءكراه.


وعلاقة الاُمّة بمحور الولاء علاقة التسليم، كما ان علاقتها بأعداء هذاالمحور هي البراءة والحرب والبغضاء داخل النفس، وعلي سطح السلوكوهذه العلاقة - التسليم لمحور الولاية - تأتي في خاتمة الصلاة في السلام:(السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته) وأن حصيلة الصلاة للعبدوحصيلة هذا العروج الروحي اءلي الله تعالي، والذي يفتتحه العبد بالتكبير؛حصيلة هذا العروج اءلي الخالق الرحلة الروحية اءلي الله تعالي؛ وهي التسليموالطاعة والانقياد والمحبّة والمودّة لمحور الولاية.


و(السلام) لا يُشكّل فقط اساس العلاقة مع محور الولاية، واءنّمايشكّل ايضاً اساس العلاقة مع الاُمّة المسلمة الملتفة حول هذه الولاية.


وقد اعتبر الاءسلام (السلام) تحية بين المؤمنين، وجعل هذه التحيةالشاملة في خاتمة الصلاة (السلام علينا وعلي عباد الله الصالحين).


وهذا الاهتمام بنشر السلام بين أعضاء هذه الاُمّة جاء للتأكيد علينوع العلاقة القائمة بين افراد وأعضاء الاُمة المسلمة. وان هذه العلاقةقائمة علي اساس من ترك المشافعة والمخالفة والتصادم مع الاُمة المسلمةواءزالة البغضاء والضغائن والكراهية من النفوس، واءحلال المحبّة والمودّةفي النفوس، والانسجام والوفاق والتعاون والتناصر في السلوك.المشهد الثاني، الشهادة:


والشهادة هي طرح الثقة والاءيمان بمحور الولاية، ولابدّ ان تنضمهذه الثقة المطلقة اءلي جنب التسليم المطلق.


والشهادة تأتي ضمن ثلاث فقرات:


1 - الشهادة برسالة الحسين(ع) وقضيّته وعمله.


(أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف،ونهيت عن المنكر، واطعت الله ورسوله حتّي أتاك اليقين).


و(اقمت الصلاة) هنا غير اداء الصلاة، فاءن اداء الصلاة تكليفشخصي وفريضة شخصية، واءقامة الصلاة رسالة وقضية في حياة الاءنسانالمؤمن.


اءن اءقامة الصلاة هي تثبيت الصلاة والارتباط بالله في حياة الناس،ودعوة البشرية لمقاطعة محاور الطاغوت، واءقامة الصلاة لله علي وجهالارض، واءقامة الصلاة اءعلان الصلاة واءعطاؤها دوراً فاعلاً ومؤثراً فيحياة الاءنسان، ثم (وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر) فلم يكنالحسين(ع) يبتغي في خروجه علي يزيد مُلكاً او سلطاناً او جاهاً، واءنّماكان يعمل لتثبيت دعائم المعروف وهدم اُسس المنكر، واءقامة محورالولاية لله، وهدم محور الطاغوت.


وقد خطب الحسين(ع) يوم عاشوراء فقال: الا ترون اءلي الحق لا يُعملبه، واءلي الباطل لا يُتناهي عنه؟ ليرغب المؤمن في لقاء الله، واءنّي لا أري الموت اءلاّسعادة، والحياة مع الظالمين اءلاّ برم.


وفي منزل (البيضة) خطب الحسين(ع) في أصحاب الحُرّ فقال:(ياايّها الناس اءن رسول الله قال: مَن رأي سلطاناً جائراً، مستحلاّ لحرام الله، ناكثاً لعهدهمخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالاءثم والعدوان فلم يُغيّر عليه بفعلولاقول، كان حقاً علي الله ان يُدخله مدخله.


الا واءن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمان،واظهروا الفساد وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفي، واحلّوا حرام اللهوحرّموا حلاله)


فلم يكن الحسين(ع) يطلب سلطاناً او مالاً وهو يري انّه يستقبلالموت في سفره هذا، واءنّما كان يري حاكماً جائراً، يُفسد في الارضويهلك الحرث والنسل، ويحلّل حرام الله، ويتجاوز حدود الله.


فنهض الحسين(ع) بالعصبة المؤمنة التي احتفت به في كربلاءلفضح الطاغية وكسره والتشهير به، وتوعية الرأي العام الاءسلامي المضلَّلبحقيقته واءفساده في الارض، وتسقيطه امامه وانتزاع الاُمّة من محورالطاغوت واءعادتها اءلي محور الولاية الاءلهية.


2 - الشهادة بالطهر والنزاهة للحسين(ع)، النزاهة من كل اءثم وذنب،والعصمة من كل خطأ وزلل وعصيان، والشهادة بطهارة نفسهوسلوكه(ع)؛ تلك الطهارة التي اهّلتاهل هذا البيت الطاهر لاستلاممسؤولية الاءمامة والولاية من الله تعالي في عباده.


(اءنّما يُريد الله ليذهب عنكم الرجساهل البيت ويُطهّركم تطهيراً)


والشهادة بأن هذه النزاهة وهذا الطهر طهر موروث خلفاً عن سلف.وقد شاء الله تعالي ان يحتفظ بهذا الطهر في هذه السلالة الطيّبة عبر تأريخطويل من الحضارات الجاهلية التي سادت حياة الاءنسان، ورغم تلكالظلمات (الحضارات الجاهلية) فاءن الدور الاءلهي استمر في حياة الاءنسان،واستمر هذا الطهر رغم انجاس الجاهلية ودون ان يتلوث ويلبس شيئاً منمدلهمّات ثيابها.


وقد اصطفي الله تعالي هذه السلالة المباركة للاءمامة في حياة الاءنسانعبر العصور المختلفة.


(اءن الله اصطفي آدم ونوحاً وآل اءبراهيم وآل عمران علي العالمين ذُريّة بعضهامن بعض والله سميع عليم)


ولنقرأ هذه الفقرة من الشهادة في زيارة وارث:أشهد انّك كنت نوراً في الاصلاب الشامخة والارحام المطهرة، لم تنجّسكالجاهلية بأنجاسها، ولم تلبسك من مدلهمّات ثيابه.


ولا استطيع تجاوز هذه الفقرة دون ان أشير اءلي جمال التعبير في هذهالفقرة؛ فاءن الطهر في هذا البيت الطاهر حصيلة اللقاح بين اصلاب شامخةوارحام مطهرة. اصلاب شمخت وترفّعت عما يتساقط حوله الناس منمتاع الحياة الدنيا وزخرفها، وأرحام طهرت وسلمت من اوضار واوساخوأدناس الحضارات الجاهلية التي تناوبت علي حياة الاءنسان.


3 - الشهادة بموقع الحسين(ع) من حياة الاُمّة ومركزه القيادي الذيوضعه الله فيه، وما آتاه الله تعالي من الاءمامة والولاية علي المسلمينوالشهادة، وبموضعه في قيادة الاُمّة وهدايتها، وصلته بالله تعالي،وموضوع ذريته الطاهرة أيضاً في قيادة الاُمّة واءمامتها وهدايتها اءلي اللهتعالي.أشهد انّك من دعائم الدين وأركان المؤمنين، وأشهد انّك الاءمام البرّ التقي،الرضي، الزكي، الهادي المهدي، واشهد ان الائمة من ولدك كلمة التقوي، واعلامالهدي والعروة الوثقي والحجّة علياهل الدنيالمشهد الثالث، الموقف:


وهو مرحلة التعبير عن الولاء بعد (التسليم) و(الشهادة). والموقفهنا في (الاءيمان والرأي) وفي (العمل). فالموقف في (الاءيمان والرأي)يتجسّد بقول الزائر (اءنّي بكم مؤمن وباءيابكم موقن بشرائع ديني وخواتيمعملي وقلبي لقلبكم سلم)


والموقف في (العمل) هو قوله:


(وامري لامركم متّبع)


أي انّه يقول: انّي مؤمن بولايتكم واءمامتكم وقيادتكم.


وأصدق دليل علي الصدق في هذه الدعوة: اءنّني اُسلمكم شرائع دينيوخواتيم عملي؛ فليس بشيء أعزّ علي الاءنسان من شرائع دينه الذييدين به لله تعالي وخواتيم عمله الذي يختم به حياته، حيث لايمكن انيتلافي منه شيئاً، فاءن في الاءمكان تلافي ما أفرط الاءنسان من بداياتأعماله وأواسطها بالتوبة ومراجعة النفس وتصحيح العمل. اما خواتيمالعمل فهي التي تقود الاءنسان اءلي عاقبة، وهي التي تقرّر عاقبة الاءنسانومصيره.


وليس من شيء أدل علي الثقة بهم:، والصدق في الولاء لهم منأن يأخذ الاءنسان منهم: شرائع دينه وخواتيم عمله.


ثم هذا التسليم المطلق: هو اسمي معاني (السلم) لانّه تسليم لا يشوبهشقاق، ولا يعكّره ريب في اعماق النفوس: تسليم القلب للقلب (وقلبيلقلبكم سلم)، فهو انسجام القلوب وتلاقي القلوب وتفاهم القلوب، واماالموقف في (العمل) فيتجسّد في : وامري لامركم متبع ويمثّل ذلكالتبعيّة المطلقة والانقياد التام وهو يعود اءلي التسليم لامر الله تعالي.والموقف هنا اءيمان مطلق وتسليم مطلق وثقة مطلقة في النفس،ويستتبعه الالتزام الكامل والتبعيّة الكاملة في مقام العمل.


وورد أيضاً في زيارة الحسين(ع) الخاصّة في يوم عرفة:انا سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم وعدوّ لمن عاداكم، وولي لمنوالاكم اءلي يوم القيامة.


وفي زيارة الاربعين الخاصّة:


(اشهد انّي بكم مؤمن وباءيّابكم موقن بشرائع ديني وخواتيم عملي، وقلبيلقلبكم سلم وأمري لامركم متّبع، ونصرتي لكم معدّة، حتّي يأذن الله؛ فمعكم معكم لامع عدوّكم، صلوات الله عليكم وعلي ارواحكم واجسادكم وشاهدكم وغائبكم)


فالزائر يقول هذا بأن النصرة معدّة وجاهزة، انتظر فيها اءذن الله تعالي،ولست أبخل بنصرتي عنكم وعن نُصرة أوليائكم.


ثم بعد ذلك يأتي هذا النشيد الولائي الرائع وهذه النغمة الاءيمانيةالعذبة.


(فمعكم، معكم لا مع عدوّكم)


ليؤكّد الولاء من خلال تكرار المعيّة (فمعكم، معكم) ومن خلالالاءيجاب والسلب والولاء والبراءة (لا مع عدوّكم).


وفي زيارة أول رجب المخصوصة ترد هذه التلبية الولائية لداعيالله، الذي وقف يوم عاشوراء في كربلاء، يدعو البشرية اءلي العودة اءلي اللهوتحطيم الطاغوت وكسر كبريائه وجبروته، والعودة اءلي عبودية الله.لبيّك يا داعي الله، اءن كان لم يجبك بدني عند استغاثتك ولساني عنداستنصارك، فقد اجابك قلبي.


واءن أفضل التلبية هي تلبية القلب، فاءذا فاتتنا تلبية داعي الله بأبداننافي كربلاء، فاءن قلوبنا التي عمّرها الله تعالي بولائه وولاء اوليائه لا تنفكعن تلبيته، والاءستجابة لدعوته في مقارعة الظالمين وكسر شوكتهموسلطانهم، وتعبيد الناس لله، وتحكيم شريعة الله تعالي وحدوده في حياةالاءنسان، وانتزاع الاءنسان من محور الطاغوت اءلي محور الولاء لله تعالي.البراءة هي الوجه الخر للولاية:


ثم يأتي - بعد ذلك - دور الوجه الخر لمسألة الولاية وهو البراءة،فلا ولاية من دون البراءة، واءن الولاء والبراءة وجهان لقضية واحدة،وشطران من حقيقة واحدة.


ويصدق الاءنسان في ولائه بقدر ما يصدق في براءته؛ فاءن الولاءوحده لا يُكلّف الاءنسان كثيراً، وأكثر ما يصيب الاءنسان من اذي وعناءاءنّما هو في امر البراءة، وليس أيسر من أن يجامل الاءنسان الجميع، ويمدّيده اءلي الجميع ويعيش مع الكل بسلام، ويداري كل العواطفوالاحاسيس، ويلعب علي كل الحبال، ويتجنب الصدام بالجميع، ويوزّعالابتسامة في كل مكان وليرضي الجميع؛ اءن مثل هذا الاءنسان يستطيع انيعيش في رغد وعافية، ويستطيع ان يكسب ودّ الجميع وتعاطفهم.ويستطيع ان يعيش من دون مشاكل ومتاعب، ولكن لا يستطيع ان يرتبطبمحور الولاية الاءلهية علي وجه الارض، ولا يستطيع ان ينتمي اءلي هذهالاُسرة المسلمة التي اعطت ولاءها لله ولرسوله ولاوليائه، ولا يستطيع انيملك موقفاً، ولا يستطيع ان يحب ويبغض ويرضي ويسخط بصدق، ولايستطيع ان يتجاوز حدود المجاملة السياسيّة والاجتماعية في علاقته.


اءن الصدق في التعامل، والموقف في الاحداث، والقوة والجدّيةوالصراحة في المواقف لا تتم من دون ولاء، والولاء لا يتم مندونبراءة.


والبراءة تُكلّف الاءنسان الكثير في علاقاته الاجتماعية وصِلاته فيالمجتمع، وفي الاُسرة، وفي راحته وعافيته، وفي استقراره.


اءن البراءة ضريبة الولاء، والتعب والعناد والاذي ضريبة البراءة،وهذه معادلات أجراها الله تعالي بسننه التي لا تتبدل في حياة الاءنسان عنأبي جعفر الباقر(ع) قال: عشر من لقي الله عزّ وجل بهن دخلالجنة:


1 - شهادة ان لا اءله اءلاّ الله


2 - وان محمّداً رسول الله


3 - والاءقرار بما جاء من عند الله عزّ وجل


4 - واءقام الصلاة


5 - واءيتاء الزكاة


6 - وصوم شهر رمضان


7 - وحج البيت


8 - والولاية لاولياء الله


9 - والبراءة من أعداء الله


10 - واجتناب كل مسكر


وقد ورد في رسالة رسول الله(ص) اءلي النجاشي ملك الحبشة: (واءنّيأدعوك اءلي الله وحده لا شريك له، والموالاة علي طاعته، وان تتبعني،وتوقن بالذي جاءني واءني رسول الله).


وفي رسالته(ص) اءلي اءسقف نجران: اءنّي أدعوكم اءلي عبادة الله من عبادةالعباد، وادعوكم اءلي ولاية الله من ولاية العباد، واءن أبيتم فالجزية، واءن أبيتم آذنتكمبحرب.


فالفاصل بين الاءسلام والكفر اءذن هو الولاية.


وعن رسول الله(ص): اءن أوثق عُري الاءيمان الحب في الله والبغض في الله،وتوالي ولي الله، وتعادي عدوّ الله).


وعن الرضا(ع):روي ان الله أوحي اءلي بعض عبّاد بني اءسرائيل وقد دخل قلبه شيء: امّاعبادتك لي فقد تعزّزت بي، وامّا زهدك في الدنيا فقد تعجّلت الراحة، فهل واليت ليولياً وعاديت لي عدوّاً؟ ثم أمر به اءلي النار نعوذ بالله منه.


وروي ان رجلاً قدم علي أمير المؤمنين(ع)؛ فقال: يا أمير المؤمنين،انّي أحبّك واحب فلاناً وسمّي بعض أعدائه. فقال(ع): امّا الن فأنت اعور،فأمّا ان تعمي وأمّا ان تبصر.


ورؤية الاعور، نصف الرؤية، فهو يري باءحدي عينيه فقط، وكذلكولاء الاءنسان الذي يفقد البراءة، أو لا يجرؤ علي البراءة، ويريد ان يجمعبين الجميع ويُرضي الجميع.


ومثل هذا النمط من الناس لا يبقي أعور اءلي الاخير بنصف الرؤية،فأمّا ان يهديه الله تعالي فتكتمل لديه الرؤية واما ان يفقد هذه الرؤيةالنصفية الضعيفة، فيعمي ويفقد الولاء مطلقاً.


وقيل للصادق(ع): اءن فلاناً يواليكم اءلاّ أنّه يضعف عن البراءة منعدوّكم فقال(ع): هيهات كذّب مَن ادّعي محبّتنا، ولم يتبرّأ من عدوّنا.


والسائل في هذا الحديث دقيق في طرح السؤال: فالشخص الذي هوموضوع السؤال لا يُشك في ولائه، ولكنّه يضعف عن البراءة، وضعفهيجعل موقفه من البراءة مهزوزاً، وضعيفاً ومتميّعاً، ولا يملك القوة الكافيةمن أن يعلن عن موقفه في الولاء والبراءة والوصل والفصل والارتباط،والقاطعة بشكل صريح وحاسم، فيجيبه الاءمام(ع): اءن الولاء الصادق لايمكنان ينفصل عن البراءة، ومَن يجد في نفسه ضعفاً عن البراءة، فهو كاذب في ولائه.


* وفي حديث الاعمش عن الاءمام الصادق(ع)، قال: حب اولياء اللهواجب، والولاية لهم واجبة، والبراءة من اعدائهم واجبة. والبراءة من الناكثينوالقاسطين والمارقين واجبة، والبراءة من الانصاب والازلام أئمة الضلال وقادةالجور كلّهم، اولهم وآخرهم واجبة.


* وعن ابي محمّد الحسن العسكري(ع) عن آبائه: قال: قالرسول الله(ص) لبعض أصحابه ذات يوم: يا عبد الله، أحب في الله، وابغض فيالله، ووال في الله وعادِ في الله، فاءنّه لا تنال ولاية الله اءلاّ بذلك، ولا يجد رجل طعمالاءيمان واءن كثرت صلاته وصيامه حتّي يكون كذلك، وقد صارت مؤاخاة الناسيومكم هذا أكثرها في الدنيا، عليها يتواددون، وعليها يتباغضون، وذلك لا يغني عنهممن الله شيئ.


فقال له: وكيف لي ان اعلم انّي واليت وعاديت في الله عزّ وجل؟ومَن ولي الله عزّ وجل حتّي اُواليه؟ ومَن عدوّه حتّي اُعاديه؟


فأشار له رسول الله(ص) اءلي علي(ع)، فقال: اتري هذا؟ فقال: بلي، قال:ولي هذا ولي الله فواله. وعدوّ هذا عدوّ الله فعاده. قال: وال ولي هذا ولو انّه قاتلابيك وولدك، وعاد عدوّ هذا ولو انّه ابوك او ولدك.


وهذا المضمون قد ورد بشكل كد في حديث الغدير المعروف منرسول الله(ص) مَن كنت مولاه فهذا علي مولاه. اللّهم وال مَن والاه وعادِ مَن عاداهوانصر مَن نصره واخذل مَن خذله.


وقد استوفي العلاّمة حجّة الحق السيد مير حامد حسين الكهنوي؛في الغدير دراسة هذا الحديث الشريف من حيث السند والمتن، فنقلالعلامة الاميني حديث الغدير الشريف عن مائة وعشرة من أصحابرسول الله(ص) بطرق كثيرة، وعن مئات المصادر المعتبرة في الحديثوالتفسير، والتأريخ من المصادر الاءسلامية المعتبرة لدي السنّة والشيعة.


وحديث الغدير من أوضح الاحاديث في تعميق معني الولايةوتشخيصها واءبراز ابعادها الاءيجابية في الولاء وابعادها السلبية في البراءة.وقد صدّر العلامة الاميني كتابه القيّم (الغدير) بحديث عن رسول الله(ص)في هذا المعني نودّ ان نختم به احاديث الولاء والبراءة في هذا الحديث.


عن رسول الله(ص)، قال: مَن سرّه ان يحيي حياتي، ويموت مماتي، ويسكنجنّة عدن عرّفها ربّي فليوال علياً من بعدي، وليوال وليّه، وليقتد بالائمة من بعدي،فأنّهم عترتي، خُلُقوا من طينتي، رزُقوا فهماً وعلماً، وويل للمكذّبين بفضلهم من اُمتي،القاطعين فيهم صلتي لا أنالهم الله شفاعتي.الطوائف الملعونة:


هذا، وقد ورد اللعن والبراءة في زيارة وارث لثلاث أمم وطوائف:


(فلعن الله اُمّة قتلتكولعن الله اُمّة ظلمتكولعن الله اُمّة سمعت بذلك فرضيت به)


1 - الطائفة الاُولي: هي الطائفة التي باشرت قتال الحسين(ع) لعن اللهاُمة اسرجت والجمت وتهيّأت وتنقّبت لقتالك يا مولاي يا أبا عبدالله


2 - الطائفة الثانية: هي الطائفة التي ظلمت الحسين(ع) وجارت عليهومكّنت منه وشايعت وبايعت وظاهرت عليه وخالفته. وهذه الطائفةتشمل كل اُولئك الذين اعدّوا لقتال الحسين(ع)، او مكّنوا منه او خالفوه اوظاهروا عليه، او ساهموا في الاءعداد لقتاله او اعانوا الطاغية في سير قتالسيّد الشهداء بنحو من الانحاء واشياع هؤلاء جميعاً واتباعهم.


وقد ورد اللعن والبراءة علي هذه الطائفة، (وهي طائفة واسعة) بصيغمختلفة في زيارات الحسين(ع) المطلقة والمخصوصة، ففي زيارةعاشوراء المخصوصة: فلعن الله اُمّة اسّست اساس الظلم والجور عليكماهلالبيت ولعن الله اُمة دفعتكم عن مقامكم، وازالتكم عن مراتبكم التي رتّبكم الله فيها.(ولعن الله اُمّة قتلتكم) ولعن الله الممهّدين لهم بالتمكين من قتالكم، برئت اءلي اللهواءليكم منهم ومن اشياعهم واتباعهم.


وأيضاً في زيارة عاشوراء وأبرا اءلي الله ورسوله ممن اسّس اساس ذلكالظلم والجور عليكماهل البيت، وبني عليه بنيانه، وجري في ظلمه وجوره عليكموعلي اشياعكم، وبرئت اءلي الله واءليك منهم.


وفي الزيارة المخصوصة الثانية لعاشوراء والمروّية في المزار القديم:لعن الله اُمّة اسست اساس الظلم لكم، ومهّدت للجور عليكم، وطرقت اءلياذيتكم وتحيفكم، وجارت ذلك في دياركم واشياعكم، برئت اءلي الله عزّ وجلواءليكم منهم ومن اشياعهم واتباعهم.


وكما نري ان هذه الطائفة واسعة تشمل كل اُولئك الذين ساهموا فيقتال الحسين أو مكّنوا من قتاله او اعدّوا له او بايعوا الطاغية علي قتال، اوشايعوا وظاهروا عليه، واشياعهم واتباعهم.


3 - الطائفة الثالثة هي الطائفة التي سمعت بذلك فرضيت به.


وهذه الطائفة ستوقف الاءنسان طويلاً، فمَن هُم اُولئك الذين سمعوابذلك فرضوا به؟ اءن هذه الطائفة ليست بالتأكيد مشاركة في القتال، ولا هيمشاركة في ممارسة الظلم بصورة عمليّة، واءلاّ لكانت تدخل ضمن الطائفةالاُولي والثانية، ولم يكن موجب لاءفرادها بالذكر ثالثاً، فهذه الطائفة لابدّوان تتكون - اءذن - ممّن سمعوا استنصار الحسين(ع) ولم ينصروه،وآثروا العافية علي الوقوف بجانب سيّد الشهداء(ع)، في معركة الطف،وخذلوا سيّد الشهداء(ع)، ولم ينصروه يوم عاشوراء.


وهذه الطائفة لابدّ ان تكون راضية بما حدث في يوم عاشوراء، فلايمكن ان يتم هذا الخذلان والسكوت والقعود عن نصرة ابن بنترسولالله(ص) في معركته مع طاغوت عصره والقعود بعد ذلك عن أخذثاره لولا انّهم كانوا راضين بما حدث. فاءن تخلّف هؤلاء عن الالتحاقبالحسين(ع) وتقاعسهم عن نصرة الحسين، واءيثارهم للعافية في دنياهمعلي آخرتهم ينطوي علي الرضا بما صنع يزيد، واءن لم يكن كذلك فاءنمثل هذا التخلّف والتقاعس واءيثار العافية يؤدّي أخيراً اءلي الرضا بالظلم.


وقد ذُكرت هذه الطائفة في نصوص اُخري للزيارة بصيغ مختلفة،كلّها تنصب في معني التخاذل عن نصرة أبي عبد الله(ع) والتقاعس عنالالتحاق به واءيثار العافية علي الوقوف اءلي جانب سيّد الشهداء(ع)، فقدورد في الزيارة المطلقة الثانية:لعنت اُمّة قتلتكم واُمة خالفتكم، واُمة جحدت ولايتكم واُمة ظاهرت عليكم،واُمة شهدت ولم تستشهد.


وموضع الشاهد من هذا المقطع من الزيارة هو الفقرة الاخيرة (واُمةشهدت ولم تستشهد).


وورد في الزيارة المطلقة السابعة: وأشهد ان قاتِلك في النار. ادين للهبالبراءة ممّن قتلك، وممن قاتلك، وشايع عليك، وممن جمع عليك، وممن سمعصوتك ولم يعنك.


وموضع الشاهد: (وممن سمع صوتك ولم يعنك).


وورد في زيارة ليلة القدر وليلة العيدين:اشهد ان الذين خالفوك وحاربوك والذين خذلوك والذين قتلوك ملعونون عليلسان النبي الاُمّي.


وواضح في هذا النص اءن الطوائف الثلاث الملعونة هي:


1 - الطائفة التي خالفت وظلمت.


2 - الطائفة التي قاتلت الحسين وقتلت.


3 - الطائفة التي خذلت الحسين(ع)، ولم تلب دعوة الحسين(ع) ولمتنصره.


فالذين سمعوا صرخة الحسين(ع) في وجه يزيد وسمعوا نداءالحسين(ع)، وهو يستنصر المسلمين لاءسقاط الطاغية واءنقاذ الاءسلاموالمسلمين من ظلم الطاغية ولم يتحرّكوا، وخذلوا سيّد شباب اهل الجنة،وآثروا عافية دنياهم علي سلامة الخرة، وتخلّفوا عن الالتحاقبالحسين(ع)؛ اُولئك هم مناهل البراءة ومن الذين يستحقّون اللعن.


أجل اءن معركة الطف كانت معركة حقيقيّة في الابعاد العقائديّةوالحضاريّة والسياسيّة؛ ولذلك فهي تتطلب مواقف حقيقيّة من الولاءوالبراءة، وترفض موقف المتفرّج واللامبالاة اليوم كما كانت ترفضهأمس، وتجسّد المواقف المتفرّجة من الموقف المعادي.ما تفعله الصراعات الحضاريّة بالناس:


اءن طبيعة المعارك والصراعات الحضاريّة والعقائديّة انّها تشطر الناساءلي شطرين: شطر مخالف وآخر موافق، ويجري هذا التشطير والانقسامبصورة مستمرّة فيما بعد واءلي ما شاء الله من العصور، وكلّما يكون امتدادالقضيّة اعمق في وجدان الناس، كلّما تكون الثار الحضاريّة المترتّبةعليها واسعة.


ومعركة الطف في قمّة هذه المعارك والصراعات وذلك نظراً اءلي:


اوّلاً - المواجهة والمقابلة العقائديّة والحضاريّة والسياسيّة التي تمّتفي هذه المعركة.


ثانياً - وضوح الطرفين في اتجاهاتها العقائديّة والحضاريّة، فلم يكنيخفي امر الحسين ابن بنت رسول الله وسيّد شباب اهل الجنة علي أحدمن المسلمين، كما لم يكن يخفي امر يزيد بن معاوية ابن آكلة الاكباد،وسلالة الشجرة الملعونة في القرآن علي أحد، ولم يكن يشك أحد (فيذلك التأريخ واءلي اليوم) في ماهيّة وحقيقة الطرفين المتصارعين ومَنمنهما يدعو اءلي الله، ومَن منهما يدعو اءلي النار.


ثالثاً - المأساة الاليمة التي حدثت لسبط رسول الله واهل بيتهوأصحابه في كربلاء يوم عاشوراء.


كل هذه العوامل، وغيرها، تجعل قضيّة الطف قضيّة متميّزة فيالتأريخ، تفرض نفسها علي الاءنسان فرضاً، وتشطر الناس تجاههاشطرين متميّزين كذلك، الشطر الموافق والناصر والمنتمي والمرتبطوالموالي، والشطر المخالف والمعادي. ولا تدع أحداً يقف بين الصفينليتفرج علي المعركة من دون ان يصيبه غبار من المعركة من هنا او هناك.


فلابدّ من موقف محدّد ولابدّ من ولاء وبراءة، فاءن القضيّة باعتبارأبعادها العقائديّة والحضاريّة تهم كل اءنسان، اءذ لا يستطيع اي اءنسان انيقف من قضيّة عقائديّة حضاريّة حسّاسة ومصيريّة موقف اللامبالاةوعدم الاهتمام، وباعتبار وضوح الطرفين في هذه المعركة، فلا يبقيمجال لاحد في التردّد والتأمل، واءن الامر لواضح في الطف لكل ذيعينين؛ فلا يلتبس الحق بالباطل في معركة الطف.يوم الفرقان الاوّل:


ثم اءن البعد المأساوي لهذه المعركة يعطي هذه المعركة زخماً عاطفياًقوياً جدّاً في اعماق النفوس. ولذلك قلنا: اءن هذه المعركة شطرت الناسفي الولاء والبراءة شطرين متميّزين من سنة اءحدي وستين هجريّة اءلياليوم الحاضر واءلي ما شاء الله من العصور.


وهذه الخاصيّة يسمّيها القرآن الكريم بالفرقان، وهو الامر الذييشطر الناس شطرين متميّزين في الولاء والبراءة.


ولقد كان يوم بدر هو يوم الفرقان الاول. في تأريخ الاءسلام، يقولتعالي: (يوم الفرقان، يوم التقي الجمعان).


وذلك لان هذا اليوم الذي اءلتقي فيه المسلمون بالمشركين فيمواجهة عسكرية، قد شطر الناس شطرين متمايزين في الولاء والبراءة.فهو أوّل مواجهة قتاليّة بين التوحيد والشرك في تأريخ الاءسلام. وعلينتائج هذه الحرب الميدانيّة يتوقف مصير البشريّة جميعاً، واءتجاهالحضارة الانسانيّة. صحيح ان الذين وقفوا مع رسول الله(ص) في بدر همثلثمائة او يزيدون، وان الذين وقفوا اءلي جانب قريش لقتال رسول اللهألف او يزيدون قليلاً؛ اءلاّ ان هذه المواجهة كانت اعمق واوسع ممايتراءي لنا لاول مرّة من خلال التاريخ في وادي بدر في السنة الثانيةمنالهجرة.


لقد كان يقف من وراء المشركين من قريش في بدر جبهة عريضةمن الشرك في الجزيرة وخارجها، وتصاعد الاحداث بعد هذا اليوم اثبتتهذه الحقيقة. ولقد كان رسول الله(ص) وقف بهذه العصبة الصغيرة امامجبهة الشرك العريضة. فيوم بدر - اءذن - فرّق البشريّة اءلي شطرينمتمايزين في الولاء: شطر قوامه ثلثمائة مقاتل وخمسة مقاتلين، وشطرآخر قوامه جبهة الشرك العريضة، وبكل اءمكاناتها الواسعة فهو يومالفرقان الاوّل حقاً في تأريخ الاءسلام.


اءن النظرة الساذجة الاُولي لساحة بدر في السنة الثانية من الهجرة لاتلتقي اءلاّ بهذين الجمعين المتقاتلين، ولكن النظرة العميقة الممعنة تلتقيفي هذه الساحة بحضارتين وعقيدتين، تتصارعان علي الوجود، وليسعلي حنفة من تجارة قريش، وتلتقي بجهات عريضة وواسعة، وليس منالف من المقاتلين او يزيدون علي ذلك.


ولم يكن يوم بدر هو يوم الفرقان الذي يشطر الناس في الولاءوالبراءة اءلي شطرين في السنة الثانية من الهجرة فقط، واءنّما يظل يوم بدرهو يوم الفرقان في تأريخ الاءسلام.يوم الفرقان الثاني:


واءذا كان يوم بدر هو يوم الفرقان الاوّل في تاريخ الاءسلام، فاءنيوم عاشوراء هو يوم الفرقان الثاني في تأريخ الاءسلام.


فكان يقف فيه الحسين(ع) مع ثلّة صغيرة مناهل بيته وأصحابه اءليجانب في هذه المعركة المصيريّة، ويقف ابن زياد في جيش واسع فيالطرف الخر من المعركة ومن ورائه يزيد وسلطانه وملكه الواسعوامواله الكثيرة وجيشه واءمكاناته، وكل الموالين له، وكل المستفيدينمنه وكل المضلّلين به، وكل المقاتلين معه وقفوا اءلي جانبه وحتّي كلالمتفرّجين علي الساحة السياسيّة من الذين آثروا العافية، وانتظرواالنتيجة، فوقفوا يتفرّجون علي ساحة الصراع وميدان القتال، وكل اشياعهؤلاء واتباعهم.


ففي يوم عاشوراء اءذن تتوفّر خاصية (الفرقان) بشكل واضح، فقدشطر الناس اءلي شطرين متمايزين في الولاء والاخلاق والفكر والخطوالعقيدة.


ولا يزال هذا اليوم (فرقاناً) في تأريخ الاءسلام يفرق الناس في الولاءوالبراءة اءلي اليوم الحاضر واءلي ما شاء الله من العصور.يوم الفرقان الثالث:


ومادمنا قد اشرنا اءلي يومين من أيام الفرقان في التأريخ الاءسلاميهما: يوم بدر و يوم عاشوراء؛ فلا نستطيع ان نتجاوز هذا الحديثدون ان نشير اءلي اليوم الثالث من أيام الفرقان في التأريخ الاسلامي،والذي يأتي امتداداً ليوم بدر ويوم عاشوراء.


وهو يوم انتصار الثورة الاءسلامية المعاصرة من سنة 1399 ه والذيهو من ايام الله الكبري في التأريخ، والذي سقط فيه نظام بهلوي،وانتصرت فيه الثورة الاءسلامية المعاصرة الكبري بقيادة الاءمامالخميني؛.


اءن هذا اليوم لا يعني فقط سقوط نظام اُسرة بهلوي في تأريخ اءيران،وأنّما يعني اءنتهاء مرحلة من تأريخ الاءسلام، وبداية مرحلة جديدة منالتأريخ.


فاءن القيمة التأريخية لسقوط اُسرة بهلوي وقيام الجمهورية الاءسلاميةتكمن في كونها:


اوّلاً - نهاية لعصر من الخمول والركود والاءستضعاف واليأسوالارتماء في احضان الغرب والشرق، والتخلّف الفكري والسياسيوالعسكري والاقتصادي، والرضوخ لسيادة الاستكبار العالمي، والهزيمةالنفسية أمام موجة الحضارة الغربية.


ثانياً - بداية عصر جديد من التحرك باتجاه الاءسلام وحاكمية دين اللهعلي وجه الارض، وفك القيود والاغلال من الايدي والاقدام، وكسرالطوق السياسي والاقتصادي والعسكري والعلمي والحضاري الذيفرضه علينا الاستكبار الغربي والشرقي، والعودة اءلي الله واءلي الاءسلام،وتعبيد الاءنسان لله وتحكيم شريعة الله في حياة الاءنسان، واءعادة الاعرافوالقيم والاخلاق والحدود الاءسلامية اءلي صلب الحياة من جديد.وبالاءجمال فاءنّه بداية لمرحلة جديدة للتأريخ.


فيوم 22 بهمن - اءذن - هو امتداد حقيقي ليوم عاشوراء، كما كان يومعاشوراء امتداداً واقعياً ليوم بدر.


واءن هذا اليوم يوم مصيري في تأريخ الاءسلام وللاجيال المقبلة، كماكان يوم عاشوراء يوماً مصيرياً في تأريخ الاءسلام.


ونُلخّص فيما يلي أبرز النقاط والعناصر التي تشكّل القيمة الحضاريةللاءنقلاب الاءسلامي الشامل والكبير الذي تحقق في هذا اليوم، وللثورةالاءسلامية الكبري التي انتصرت في هذا اليوم علي الاستكبار العالمي:


1 هذه الثورة ثورة مبدئية بكل معني الكلمة، وهي نوع جديد منالعمل والحركة الثورية في تأريخنا المعاصر، وفي الاجواء السياسيّةالمعاصرة التي لم نألف هذا النوع من العمل والحركة، فهي ثورة التوحيدعلي الشرك، بالمعني الذي فسّرناه في هذا الحديث وهو:


توحيد الولاء والشرك في الولاء؛ فهي تتجه بفك ارتباط الاءنسانالمسلم عن الطاغوت المتمثّل في الاستكبار الشرقي والغربي وعملائهمافي المنطقة. هذا الارتباط الذي يتمثّل في الطاعة والانقياد والاستسلاموالركون اءلي الظالمين والحب والنصرة. وفك ارتباطه بمحاور الولاءالمصطنعة (القوميّة - الوطنيّة - العشائريّة الحزبيّة...) وربط ولائه باللهتعالي ورسوله واوليائه، وتوحيد الولاء لله تعالي، ومقاطعة ومحاربة كلالمحاور الاُخري التي تعمل لاءنتزاع الولاء من الناس. تلك طبيعة الثورةومحتواها.


ومن هنا فاءنّها كانت ثورة العبوديّة لله علي عبودية الطاغوت.


واءن من المهم ان نفهم نحن مسار الثورة الاءسلامية المعاصرةومحتواها، ومن دون ذلك لا نستطيع ان نساهم في دعم واءسنادهذهالثورة.


اءنّها ليست بثورة علي التخلّف العلمي والتقني، ولا هي بثورة عليالتخلّف الاقتصادي والفقر، ولا هي بثورة علي الاستعمار والاستغلال،ولا هي بثورة من اجل تحرير آبار النفط من قبضة ملوك النفط، ولا هيبثورة طبقة علي طبقة اُخري (ثورة طبقية)، ولا هي بثورة المستضعفينعلي المستكبرين، كما حدث في ثورة الزنج في تأريخ الاءسلام. واءنكانت تحتوي علي هذه الاُمور جيمعاً، وتحقّق هذه النتائج كلّها.


واءنّما هي في جوهرها شيء آخر، اءذ انّها ثورة الولاء لله علي المحاورالمصطنعة للولاء، وانّها ثورة التوحيد علي الشرك، وثورة الاءسلام عليالجاهليّة.


وهذه الثورة اءذا حقّقت غايتها علي وجه الارض فلسوف تقضي عليالتخلّف العلمي والثقافي والتقني، وتقضي علي الفقر والتخلّفالاقتصادي، وتقضي علي الاستغلال والاستعمار.


وتقضي علي استثمار آبار النفط من قبل الشركات الاستعمارية.وتقضي علي التلاعب بأموال المسلمين وثرواتهم، وتقضي عليالاستضعاف والاستكبار، وعلي استضعاف طبقة من قبل طبقة اخريوممارسة السيادة لطبقة علي اُخري.


اءن هذه الثورة سوف تحقق كل هذه الغايات، وتحقّق غايات اُخريابعد من هذه الاُمور واسمي منها. ولكن علي ان تحافظ علي جوهرهاومحتواها الحقيقي، فتبقي ثورة التوحيد علي الشرك، ولا تندفع اءليالغايات الفرعية التي تتفرع عنها.


اءن السمة البارزة والاُولي لهذه الثورة هي الربّانيّة، وهذه السمة هيالتي تربطها ببدر وعاشوراء، وبحركة الانبياء: وبمسار الصالحين مناولياء الله. ومتي أفُرغت الثورة من هذه السمة، وتشبعت بالاهدافوالشعارات الجانبية فقدت كل قيمتها وفقدت تأييد الله تعالي لها.


اءن هذه الثورة تختلف اختلافاً جوهرياً عن كل الثورات المعاصرة لنا،كالثورة الفرنسية وثورة اكتوبر والثورات التي قامت في القارة الافريقيةوفي آسيا فيما بعد الحرب العالمية الثانية اءلي اليوم الحاضر.


حيث اءن هذه الثورات - جميعاً - في افضل الفروض - كانت ذاتصفة طبقيّة (ثورة طبقة علي طبقة) او صفة تحررّية (التحرر من نفوذوسيطرة الاستعمار الاجنبي او التحرر من سيطرة حاكم ظالم). ولانستطيع ان نستثني ثورة معاصرة اءلينا عن هذه المنطلقات. واما الثورةالاءسلامية فهي الثورة الوحيدة التي انطلقت من منطلق آخر يختلفاختلافاً نوعيّاً عنها جميعاً؛ فانطلقت باتجاه تحرير الاءنسان من المحاورالبشرية للولاء، مهما كان نوع هذا المحور - ان لم يكن مرتبطاً ولاؤه باللهتعالي -، وتعبيد الاءنسان لله تعالي وتحكيم شريعته في حياة الاءنسان،وترسيخ محور الولاية الاءلهية بكل اءمتداداتها في حياة الاءنسان


2 - اءن هذه الثورة حصيلة جهود كثيرة وكبيرة من قبل كل العاملينفي سبيل الله والمجاهدين وطلائع العمل الاءسلامي، من الذين وعوا محنةتخلّف الاُمّة، وتحمّلوا المسؤولية ونهضوا بأعباء المسؤولية، وتقبّلوا كلالمتاعب التي واجهتهم علي طريق ذات الشوكة؛ وهؤلاء العاملين فيسبيل الله يشكّلون نسبة واسعة وكبيرة من العاملين في سبيل الله، في اقطارشتّي من اقاليم العالم الاءسلامي، وعلي مستويات مختلفة من الثقافة والعلموالنفوذ، وفي اختصاصات شتّي من عقول العمل الاءسلامي، اءن هؤلاءجميعاً وفي عصرنا وقبل هذا العصر لهم دور في بناء قواعد هذه الثورةالمباركة، وفي اءنجاز هذه الحركة الربّانيّة علي وجه الارض، وفي تحريكهذا السيل البشري الهادر الذي زعزع اركان الطاغوت.


اءن الطالب الذي كان يدعو اءلي الله ورسوله وتحكيم شريعة الله بينزملائه الطلبة له دور في بناء الثورة، والعامل له دور في هذه الثورة،والخطيب الذي كان يخطب في المساجد والاجتماعات وينشر هديالاءسلام ووعيه له دور في هذه الثورة، والعالم والكاتب والشاعر الاديبوالمعلّم والنساء والرجال. وكل حملة الرسالة، والذين وضعوا حجراً فيأساس هذه الثورة في مشارق الارض ومغاربها لهم دور وسهم في هذهالثورة المباركة.


اءن هذه الثورة الاءسلامية العملاقة التي زلزلت الارض تحت اقدامالطغاة وهدّدت كيانهم ومصالحهم والتي قادها الاءمام الخميني؛، وتقدمفي طليعتها الشعب الاءيراني المسلم الابي الضيم؛ هذه الثورة الجبارة لمتكن حصيلة فترة زمنيّة محدودة، وجهد جماعة من العاملينوالمجاهدين، واءنّما حصيلة اجيال من العمل في سبيل الله من قبل كلالعاملين في حقول العمل الاءسلامي، كما كانت هذه الثورة حصيلة كلاللام والحرمان والاضطهاد والعذاب والعناء الذي لاقاه المسلمون فيمرحلة الركود والضعف. وساهم في هذه الثورة كل مَن اُضطهد فيسبيلالله، كل مَن اءلتوت السياط علي جسمه في غياهب السجون وكلالدموع، وكل الدماء، وكل الهات، وكل الهجرات التي كانت في سبيل الله.


...أجل اءن هذه الثورة كانت اءنفجاراً هائلاً لكل تلك اللام والمحن،ولو كان الامر في هذه الثورة الاءسلامية يقتصر علي العامل الثاني (ركاماللام والعذاب)؛ لكان من الممكن ان تغلب علي هذه الثورة صفةالغوغائية والتخريب والاءنفعال؛ اءلاّ ان وجود العامل الاول (المبدئيّة)وقوته وفاعليته في تحقيق هذه الثورة المباركة كان عاملاً قوياً في توجيهالثورة وتصحيح مسارها والمحافظة عليها من الانحراف.


لقد كان الفعل الهادف الذي تم خلال هذه المدّة من قبل العاملين فيسبيل الله يصب في مصب خط الاءسلام النقي الخط الفقهي الذي تجسّد فيقيادة الاءمام الخميني، والذي عُرف فيما بعد بخط الاءمام. لقد كان هناكبالتأكيد خطوط انحرافية في العمل الاءسلامي، عن يمين ويسار، ولكنهذه الخطوط لم تكن تشكّل تيار الحركة الاءسلامية القويّة.


اءن التيّار كان يجري في اتجاه الخط الاءسلامي الاصيل، ولقد كانللفقهاء والعلماء والمرجعيّة الاءسلاميّة الرشيدة دور هام في توجيه هذاالتيار وتنظيم مساره والمحافظة عليه.


ومهما كان من امر فاءن هذه الثورة كانت حصيلة كل هذه الجهودواللام، ولقد ساهم في بنائها كل اُولئك العاملين والمحرومين والمعذّبينفي سبيل الله ولهذا السبب بالذات فاءن لهؤلاء العاملين والمعذّبينوالمحرومين علاقة عضويّة قويّة بهذه الثورة، سواء عاشوا في اءيران أمفي العراق أم في جزر اندونيسيا أم في أعماق افريقيا.


فاءن هذه الثورة لهؤلاء جميعاً، وعلي هؤلاء جميعاً المحافظة علي هذهالثورة وحمايتها ضدّ مخططات الاءستكبار العالمي. فاءن هذه الثورةواجهت مخطّطات رهيبة من قبل الاستكبار العالمي الشرقي والغربي،وسوف تستمر هذه المواجهة وتدوم. ومسؤولية المحافظة علي هذهالثورة لا تقتصر فقط علي الشعب الايراني الذي فجّر الثورة، واءنّما تعمالمسؤولية كل ابناء هذه الثورة وبُناتها والمساهمين فيها؛ فليست هذهالثورة ثورة اءقليم كما يحاول اعداء الاءسلام ان يبرّزوها، وكما تنطلياحياناً علي بعض السذج من المسلمين، وليست ثورة اءسلاميّة ايرانيّة،واءنّما هي ثورة اءسلامية شاملة وعميقة ساهم فيها كل العاملين والمعذبينمن المسلمين، وشاء الله تعالي ان تكون نقطة انفجارها في ارض اءيران،وان يكون الشعب الذي يفجّرها هو الشعب الاءيراني المسلم. فأيّة محاولةلاقلمة هذه الثورة وعزلها عن مشاعر واحاسيس وقلوب المسلمين هيخيانة لهذه الثورة، ان كانت من قبل اعداء هذه الاُمّة والمتربّصين بهاالسوء، وهي سذاجة وجهل اءن كانت من قبل هذه الاُمّة، ومن وراء هذهالسذاجة خيانة. والغاية من هذه الخيانة عزل الثورة الاءسلامية عن مشاعرالمسلمين. وعن الرأي العام الاءسلامي وتطويقها مقدمة للاءجهاز عليها.


وعلينا نحن المسلمين ان نواجه هذه المؤامرة بوعي واءنتباه، وبعيداًعن جو الحسّاسيّات، وفي جو من المسؤولية الشرعية.


اءن هذه الثورة ليست ثورة اءقليم، ولا ثورة قوميّة. واءنّما هي ثورةالمسلمين جميعاً في مقابل الكفر العالمي والشرك، واءيران لا تزيد انتكون نقطة بداية لانفجار هذه الثورة.


واءن كل الثورات التي تحدث فيما بعد في اقطار العالم الاءسلامي،وباتجاه هذا الخط الربّاني، تُشكّل مراحل مختلفة لثورة واحدة وشاملة،وهي ليست ثورات اُخري في مقابل هذه الثورة، ولا امتدادات لهذهالثورة، واءنّما هي مراحل مختلفة لثورة واحدة شاملة وقد شاء الله تعالي انتتم المرحلة الاُولي منها في اءيران، وفي احضان هذا الشعب المسلمالمضحّي الشجاع.


أرأيت خط الزلزال والهزّات الارضية التي تنطلق من نقطة، وتمتدعلي منطقة واسعة من الارض بفعل التفاعلات الجيولوجية غير المرئية لنافي عمق الارض؟ كذلك كانت هذه الثورة؛ لقد تم في عمق هذه الاُمّةتفاعلات واسعة وكبيرة وقويّة بتأثير الفعل (العامل الاول) والانفعالات(العامل الثاني) في غياب من رصد الاستكبار العالمي، وحيث كانالاستكبار العالمي يزهو بانتصاراته الكبيرة علي العالم الاءسلامي، ويعيشفي نشوة سلطانه وسيطرته علي العالم الاءسلامي؛ جرت هذه الاءنفعالاتفي أعماق الاُمة الاءسلامية وتفاعلت وتفاقمت، ثم كان الزلزال الذي هزالارض من تحت اقدام حكّام البيت الابيض والكرملين والاليزيه، ولمينتبه هؤلاء الطغاة من نشوة وسكر السلطان اءلاّ بعد ان حدث الزلزال،وكانت نقطة البداية للزلزال في اءيران، اءلاّ ان خط الزلزال كان خطاً طويلاًوممتداً، ولم ينقطع هذا الزلزال الحضاري الكبير، واءنّما يمتد خطه منطهران اءلي بغداد اءلي القدس.


اءن الذي حدث في اءيران في 22 بهمن كان شيئاً أكبر بكثير منتصوراتنا السياسية المحدودة، وكان تحقيقاً لوعد الله سبحانه وتعاليللصالحين المستضعفين من عباده في هذه الاُمة (ونُريد ان نمن علي الذيناستُضعفُوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين.، ونمكّن لهم في الارض)


وعلينا قبل كل شيء ان نعي بصورة جيدة الابعاد الحقيقية لهذهالثورة، وان ننشر هذا الوعي في صفوف المسلمين، لنحبط المؤامراتالتي يحيكها أعداء الاءسلام لتطويق ومحاصرة الثورة الاءسلامية الكبريالمعاصرة في دائرة الاءقليم والقوميّة الفارسية لتنعزل الثورة - بعد ذلك -عن الرأي العام الاءسلامي وعن مشاعر المسلمين.


اءن الذي يتابع كلام الاءمام الخميني؛ قائد الثورة، يجد وعياً دقيقاًلهذه المؤامرة، وسعياً وافراً لاءحباطها.


ومن هنا فاءن ربط مصير المسلمين جميعاً بهذه الثورة سنّة وشيعةوعرباً وفُرساً واتراكاً واكراداً، واءيرانيين وعراقيين ولبنانيين، وعلماءوساسة وعمالاً، وتعميم مسؤولية المحافظة علي هذه الثورة عليالمسلمين جميعاً هو واجب علي كل مسلم؛ اءذ ان هذه الثورة من عملوجهد وعناء كل المسلمين الصالحين، ورسالة هذه الثورة فك الاغلالوكسر القيود عن ايدي واقدام كل المسلمين، ومسؤولية المحافظة عليهذه الثورة من واجب كل المسلمين كذلك، ومن أجل هذه الشموليّةالواسعة في هذه الثورة نجد ان فكرة تصدير الثورة رافقت ولادة هذهالثورة ومن كلمات قائد الثورة بالذات.


اءن مَن يعرف طبيعة وجذور واعماق هذه الثورة يعرف جيداً ان هذهالثورة لا تعترف بالحدود الاقليمية والقومية، وانّها لا تقف من وراءالحدود، تستأذن سدنة هذه الحدود ليفتحوا لها الطريق، اءنّها السيل، لاتستأذن ولا تقف ولا تعترف بالحدود ولا تنتظر ولا تتردّد. ووعي هذهالحقائق ضروري في حماية ودعم الثورة، كما ان تضبيب اُفق الثورةبالحسّاسيّات يساعد في الخط العكسي الذي تعمل عليه العقول المخطّطةللاءستكبار العالمي.


ونحن نضع هذه الحقائق عن هذه الثورة بين يدي هذه الاُمّة المؤمنةومفكّريها وقادتها وعلمائها والعاملين في صفوفها وضميرها الحرّ،الواعي، المستنير؛ ليتحمّلوا مسؤوليتهم عن هذه الثورة بين يدي اللهتعالي.


3 - اءن هذه الثورة من أيّام الفرقان في تأريخ الاءسلام اءذ انّها شطرتالناس تجاهها شطرين: شطر الموالين، وشطر المعادين.


ولكن، ليس للثورة ولاء جديد في قبال الولاء لله ولرسوله ولاوليائه،واءنّما ولاؤها هو من امتداد الولاء لله. اءن هذه الثورة كانت من الاحداثالقليلة النادرة في التأريخ التي لم تسمح لاءنسان ان يقف فيها موقفالمتفرّج واللامبالاة، واءنّما تطلب الموقف من كل الناس، وتفرضالموقف علي كل الناس، لها او عليها.


ومنذ ايام بزوغ هذه الثورة، ومنذ ان اءندلع لهيبها من طهران وجدناكل القلوب المؤمنة والضمائر الحيّة المؤمنة قد تجمّعت حول هذه الثورةوتعاطفت معها من اقصي الجنوب في جزر اندونيسيا اءلي اقصي الشمالمن الولايات الاءسلامية التي يحتلّها الاتحاد السوفيتي، ومن أقصي شرقيآسيا اءلي اقصي المغرب الافريقي.


لقد تجمّعت كل العواطف والاحاسيس والمشاعر الصادقة المؤمنةفي هذه الرقعة الواسعة من الارض حول هذه الثورة المباركة، وكانتتعيش باءهتمام بالغ ساعات ميلاد هذه الدولة المباركة. وحبس التأريخانفاسه ليتابع لحظات هذا الميلاد السعيد، لحظات (عودة الحضارةالربّانيّة) و (عودة سيادة الاءسلام علي وجه الارض) و (حاكميّة الله فيحياة الاءنسان) بعد تلك السنوات العجاف من الركود والخمول والضعفوالهزائم النفسية والاءنصهار المذل في حضارة الاءستكبار الشرقيوالاستكبار الغربي الجاهلي، ونفوذ وسيطرة الكفر العالمي علي اُمّتناوبلادنا وثرواتنا.


وفي مقابل ذلك: فقد احس الظالمون والعتاة والجلاّدون والذين باعوادينهم وضمائرهم، وكل الطغاة والجبّارين في الارض؛ كل اُولئك احسّوابالشرّ، وأحسّوا بالخطر، واحسّوا بأن هناك حدثاً جديداً، وميلاداً جديداًفي طهران، وان الذي يجري في طهران ليس أمراً كسائر الامور التيتجري هنا وهناك، اءنّه نهاية لمرحلة وبداية لمرحلة، ونهاية لحضارةوبداية لحضارة. لقد احس هؤلاء بالشرّ، وبالخطر يفاجئهم علي حينغفلة؛ فأعلنوا عداءهم تجاه الثورة منذ اللحظات الاُولي، ولم يخفواحسّاسيّتهم وتخوّفهم من هذه الثورة من ساعاتها الاُولي.


لقد استقبلت الثورة من قبل طائفتين من الناس: فطائفة استقبلتهابقلوب ملؤها العطف والحب والاءقبال والاءندفاع لنصر الثورة، والدعاء اءليالله بتأييد الثورة، وطائفة اُخري استقبلتها بقلوب حاقدة متخوّفةومتحسّسة، ولم تتمكن من اءخفاء تخوّفاتها وحسّاسيّتها حتّي منذالساعات الاُولي لميلاد هذه الدولة المباركة وانتصار الثورة.


وهذا الاءنشطار في الولاء والبراءة من خصائص ايّام الفرقان فيالتأريخ، ولسوف تبقي هذه الثورة تحتفظ بهذه الخاصية المزدوجة فيمراحلها المختلفة.


4 - ولقد كان من الطبيعي ان يكون ميلاد هذه الدولة المباركةوانتصار هذه الثورة اءيذاناً بصراع ممتد طويل بين الاءسلام والجاهلية فلقدكانت هذه الثورة تمتد لاءسقاط معاقل الجاهليّة والاستكبار علي وجهالارض، واءطلاق ايدي المستضعفين من العقال والقيود وفك الاغلالعنهم، وكسر هيبة القوي الكبري في نفوس المسلمين؛ ولهذا فلا يمكنان يسكت الاستكبار العالمي أمام هذه الموجة الربّانيّة دون اءثارة الفتنوالمتاعب في طريق الدعوة والثورة، ودون ان يعمل علي تطويقومصادرة هذه الثورة.


اءن الذي يتفهّم سنن الله تعالي في التأريخ يستطيع ان يفهم بوضوححتميّة الصراع بين هاتين القوتين: القوة الاءسلامية النامية وقوة الكفرالعالمي، واءن هذا الصراع سوف يكون من اقسي انواع الصراع واطولهواكثره دواماً واستمرارية؛ ذلك ان هذا الصراع صراع علي البقاء كما قلنا،والصراع علي البقاء يطول ويقسو ويستمر، فالصراع منّا صراع في العقيدةوالحضارة، وليس صراعاً علي ماء وطين وعلي نفط وصلب ونحاسحتّي يمكن التفاهم واللقاء، فلا يمكن تجنّب هذا الصراع بحال منالاحوال.


اءن هذه الثورة والدولة قد كسرتا دائرة النفوذ الاستكباري (الشرقيوالغربي) علي العالم الاءسلامي، وخرجت الدولة الاءسلامية لاول مرّة عنمنطقة نفوذ القوي الكبري بشكل كامل، وتعمل الثورة الن لفك هذاالحصار عن كل العالم الاءسلامي. ومن الطبيعي ان يواجه الاستكبار هذهالثورة ودولتها الناشئة بكل انواع الضغوط والمؤامرات من الداخلوالخارج لتحجيمها واستهلاكها وتطويقها.


اءن الحرب العراقية الاءيرانية جزء من هذا المخطّط الاستكباريالرهيب، وجزء من هذا الصراع الحي الذي تحدثنا عنه. والنظام العراقيليس هو الطرف في هذه الحرب، واءنّما هو منفّذ لاءرادة القوي الكبري،والطرف الحقيقي في هذا الصراع هي الدول الكبري التي تتقاسم فيمابينها الشعوب المستضعفة والمضطهدة علي وجه الارض.


اءن الثورة الاءسلامية يجب ان تواجه الصراع الطويل والقاسي، ويجبان تستمر خلال حياتها في مواجهة الامر الواقع الذي لا يمكن تجنّبه،وتعتبر ذلك ضريبة الثورة والاءنجازات الكبري التي تحققها هذه الثورةفي حياة الاءنسان؛ علي ان الثورة لا تستطيع ان تحقق هذه الاءنجازاتالكبري، ولا تستطيع ان تؤهّل أبناءها للقيام بأعمال كبيرة، ومواجهةالتحدّيات الصعبة، من دون ان يتمرّسوا طويلاً في هذا الصراع.


5 - والعاقبة في هذا الصراع للمتقين. ومهما نشك في شيء فلا نشكفي هذه الحقيقة. اءن الاُمة المؤمنة لا تدافع عن نفسها، واءنّما تدافع عن دينالله وشريعة الله وحدوده، ولا تواجه أعداءها واءنّما تواجه أعداء الله. ولاتحارب بحولها وقوّتها واءنّما تحارب بحول الله وقوّته.


فاءذا استوفت هذه الاُمّة الشروط ووضعت ثقتها في الله، واعطتنفسها الله، وتخففت عن التعلّق بالدنيا وحبّها وتحصّنت عن


اهوائها، وقامت لله تعالي مثني وفرادي؛ فاءن الله تعالي ينصرها طال عليهاالامر أم قصر.


فاءن ذلك وعد الله تعالي، ولا يخلف الله وعده. فلنستمع اءلي كتاب اللهالكريم وآياته اءلينا:


(ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين، اءنّهم لهم المنصورون، واءن جندنا لهمالغالبون)


(وكان حقاً علينا نصر المؤمنين)


(اءنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا)


(فاءن حزب الله هم الغالبون)


(وكفي بالله ولياً وكفي بالله نصيراً)


(وكفي بربّك هادياً ونصيراً)


(يا ايّها الذين آمنوا اءن تنصروا الله ينصركم ويثبّت اقدامكم)


اءن المعركة اءذا طالت، واءذا قست، فلن يتركنا الله لاعدائنا، ولن يتخلّيالله تعالي عنا، ولن يخلف الله وعده، تبارك وتعالي عن ذلك علوّ كبيراً.


(هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله)


واءن محنة الصراع اءن طالت فلكي يمتحن الله قلوب عباده، ويعرفالثابتين منهم عن المهزومين - وهو العالم بخفايا القلوب -، ولكي يثبّتالله للمؤمنين قدم صدق علي ارض المعركة، ولكي يتخفّف المؤمنين فيهذا الصراع من حب الدنيا والتعلّق بها. ولكي يزدادوا يقيناً بالله تعالي فيخضّم هذا الصراع؛ فاءن الاءنسان لا يرزق اليقين في ايّام الراحة والعافية كمايناله في ساعات الاءبتلاء.


ولكي يتمرّس المؤمنون علي مواجهة التحدّيات الكبيرة وتجاوزالصعاب في سبيل الله ويزدادوا بأساً وقوّة وشجاعة ولكي يقوي فيقلوبهم الولاء والبراءة، فاءن الولاء يقوي من خلال التضحية والعطاء،والبراءة تقوي من خلال المواجهة والقتال.


وليس هذا الصراع وما يستتبعه من آلام وعناء يخص هذه الثورة اويخص هذا الدين، واءنّما هو سنّة الله تعالي في حياة الصالحين من عباده،الذين يرتضيهم الله تعالي لرحمته، والذين يسكنهم الله تعالي في جنّته مععباده الصادقين.


(ام حسبتم ان تُتركوا، ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم، ولم يتخذوا من دونالله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون)


(ام حسبتم ان تدخلوا الجنة ولمّا يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مسّتهمالبأساء والضرّاء)


اءن نفوسنا الضعيفة لتهوي ان تقتطف النصر من اقرب الطرق وبأيسرالاسباب، وان لا يُكلّفها دينها شيئاً، وان نمدّ ايدينا فننال النصر والاءمامةوالخلافة علي وجه الارض.


لكن الله الحكيم يعلم اءن النصر اءذا جاء يسيراً وعلي غير طريق ذاتالشوكة لا يؤهّل الاءنسان للاءمامة وخلافة الله علي وجه الارض، فيريد اللهتعالي لنا ان نتمرّس ونقوي، ونحقّق حاكميّة دين الله في الحياة عليطريق ذات الشوكة.


(وتودون ان غير ذات الشوكة تكون لكم، ويريد الله ان يحق الحق بكلماتهويقطع دابر الكافرين، ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون)


ولنستمع اءلي هذه اليات البيّنات من كتاب الله من سورة آل عمرانتشرح سنن الله تعالي في الصراع، والعناء والمحبّة، والنصر والفتح فيتسلسل رائع جميل.


(وَلاَتَهِنُواْ وَلاَتَحْزَنُواْ وَأَنتُم الاْعْلَوْن اءِن كُنتُم مُّؤْمِنِين* اءِن يَمْسَسْكُم قَرْح فَقَدْمَس الْقَوْم قَرْح مِّثْلُه وَتِلْك الاْيَّام نُدَاوِلُهَا بَيْن النَّاس وَلِيَعْلَم اللَّه الَّذِين مَنُواْ وَيَتَّخِذَمِنكُم شُهَدَاءَ وَاللَّه لاَيُحِب الظَّالِمِين* وَلِيُمَحِّص اللَّه الَّذِين مَنُواْ وَيَمْحَق الْكَـ'فِرِين*أَم حَسِبْتُم أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّة وَلَمَّا يَعْلَم اللَّه الَّذِين جَاهَدُواْ مِنكُم وَيَعْلَم الصَّـ'بِرِينَ)


وفي هذه اليات المباركة من سورة ل عمران اجابات شافية علي كلالاسئلة التي تخطر علي باب المؤمنين في هذا الصراع الرهيب بينالاءسلام والكفر.


لقد كان المسلمون يظنّون بعد ان نصرهم الله تعالي ببدر.. ان النصرحليف الفئة المؤمنة دائماً، ولا يفارقهم ولا يعدوهم، وانّهم اءذا منوا باللهورسوله وجاهدوا في سبيل الله فلن يتخلفوا عن النصر في حال منالاحوال. فلما اذاقهم الله مرّ الهزيمة في اُحد، وانتكس المسلمون في هذهالمعركة عندما خالف الرماة امر رسول الله(ص) وتخلوا عن مواقعهم بحثاًعن الغنائم.. اهتزّت نفوس المسلمين واهتزّت الثقة في نفوسهم بالنصر،وعادوا يشكّون في ان تكون لهم عاقبة الامر، وغلب الضعف عليالنفوس وتمكن الحزن من نفوسهم علي الذين استشهدوا في هذهالمعركة من سراة المسلمين، ومن الصفوة المؤمنة الذين صدقوا اللهواخلصوا له في العمل والجهاد.


فيعيد الله تعالي الي نفوسهم الثقة بالنصر اولاً ويطمئنهم بان العاقبةللمؤمنين، منهما كانت القروح واللام والانتكاسات والعناء خلال طريقذات الشوكة، ويمسح الضعف والوهن والحزن عن نفوسهم ويثبتافئدتهم وقلوبهم بالنصر والعلو (وَلاَتَهِنُواْ وَلاَتَحْزَنُواْ وَأَنتُم الاْعْلَوْن اءِن كُنتُممُّؤْمِنِينَ).


ثم يذكّرهم الله تعالي ان ما مسّهم من القرح في الحرب لم يخصّهمفقط، واءنّما مس اعداءهم ايضاً، وهذا القرح وما يصيب المقاتلين من اذيوتعب وخسائر من متطلبات المعركة في كل من الطرفين، ولا يمكن انتجري معركة من دون قروح ولام:


(اءِن يَمْسَسْكُم قَرْح فَقَدْ مَس الْقَوْم قَرْح مِّثْلُه...).


وقد جرت سُنّة الله تعالي ان يداول الايام بين الناس فيجعل يوماًللمؤمنين علي الكافرين، وخر للكافرين علي المؤمنين، وينصر هؤلاءفي يوم ويذيقهم مرّ الانتكاسة في يوم خر.. وهكذا يداول بينهم النصر...علي ان العاقبة للمؤمنين فقط. وهذه المداولة لا تغير مشيئة الله تعالي فيان العاقبة للمتقين.


واءنّما يداول الايام بين الناس، ويذيق المؤمنين الشدّة والرخاء،ونشوة النصر حيناً ومرارة الهزيمة حيناً خر ليتميّز الذين منوا وصدقوافي اءيمانهم وثبتوا علي الاءيمان عن المنافقين وضعّاف النفوس واصحابالنفوس المهزومة.


فان مسيرة الدعوة لو كانت محفوفة بالنصر والغنائم دائماً، ومقرونةباليسر والرخاء لتراكمت عليها العناصر المنافقة والعناصر التي تحسنالتسلق، اُولئك الذين يغيبون حين الباس، ويحضرون حين توزيع الغنائم،وتطول السنتهم في المطالبة بالغنائم والحصص.


(فاءذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون اءليك تدور اعينهم كالذي يُغشي عليهمنالموت).


اءن مسيرة الدعوة لو كانت تخلو من المكاره ومرارة الاءنتكاساتلتجمّعت حولها هذه الطائفة من المنافقين، وضعفاء النفوس، واحتلّوا منهاالمواقع الحسّاسّة. واذا ما تولّت هذه الطائفة اُمور الدعوة والمسيرة تعطّلدورها القيادي في حياة الناس، وفقدت الدعوة قدرتها علي التغييروالقيادة وتحوّلت الدعوة من طريق ذات الشوكة في مواجهة الطاغوتاءلي مسيرة مترفة عامرة باللّذات ومتع الحياة، وفقدت كل اءمكاناتها عليالعمل والتغيير والحركة.


فلابدّ في هذه المسيرة بين حين وآخر من اءنتفاضة قويّة تطردالمنافقين وضعفاء النفوس عن موكب هذه الدعوة، وتستخلص المؤمنينالاقوياء الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، واخلصوا لله في عملهم.


فليست مسيرة هذه الدعوة كسائر ما يألفه الناس من مسيراتالانظمة والحكومات التي تطلب الحياة الوديعة المترفة والعافية والابتعادعن المنغّصات حتّي تستطيع ان تعيش مع هؤلاء المنافقين، وتحقّقغاياتها من خلالهم.


امّا عندما تتعرّض هذه المسيرة لللام والمحن والمصائب ومتاعبالطريق والدم والانتكاسات المرّة فاءن جوّ الدعوة يصفو للمؤمنين،وتخلص هذه المسيرة للصفوة الصادقة من المؤمنين المجاهدين، ويتميّزالمؤمنون عن غيرهم (وليعلم الله الذين آمنوا)، وليس هذا فقط فائدةتداول الايام وتناوب النصر والهزيمة والشدّة والرخاء علي المؤمنين،واءنّما لكي يتّخذ الله منهم شهداء وقدوات وأئمة في الارض أيضاً.


فمن خلال هذه المعاناة، ومن خلال مرارة الانتكاسات وقروحالحروب، وآلام المواجهة تتكون في هذه الاُمة شهداء (بمعني شهداءالاعمال من قبيل قوله تعالي: (وكذلك جعلناكم اُمّة وسطاً لتكونوا شهداء عليالناس)... وقدوات دائمة وامثلة في الثبات والصبر والاءيمان.


اءن النماذج الاءيمانية الفريدة في تأريخ البشرية لا تتكون في الحياةالهادئة الوديعة المترفة، واءنّما تتكون في زحام متاعب الحياة، وفي وسطمتاعب العمل، وبين الدماء والدموع.


ولابدّ للمسيرة من هذه النماذج الفريدة في الاءيمان والثبات؛ وهذهالنماذج يتّخذها الله تعالي ويختارها في ظروف المحنة والتداول (ويتّخذمنكم شهداء)، ثم لهذا التداول فائدة ثالثة في تكوين هذه الاُمة وتقويمشخصيّتها؛ وهي ان هذه القروح واللام والمتاعب لتمحّص المؤمنينوتزكيهم وتطهّر قلوبهم من ريب الشك، ومن سلطان الاهواء وتخلّصنفوسهم من نقاط الضعف، فلرب اءنسان مؤمن تخفي عليه نقاط الضعفوالوهن في نفسه في ايام اليسر والعافية، فاءذا جدّ الجدّ واشتد اليأساكتشف نقاط الضعف في نفسه، فأعاد النظر في نفسه وأصلحها.


فلرب ضعف في نفس الاءنسان لا يستطيع ان يسدّه الاءنسان ويصلحهفي أيام العافية، واءنّما تصلحه الشدة والمعاناة. فاءن المعاناة والشدّة كماتصفّي صفوف المؤمنين من المنافقين، كذلك تصفّي نفوس المؤمنينمن نقاط الضعف والوهن والشك، وتمحّص المؤمنين.


امّا بالنسبة اءلي الكافرين فاءن المعاناة والمحنة تمحقهم وتهلكهموتبيدهم، فلا يستطيع اُولئك ان يقاوموا المعاناة والمحنة.


(وليمحص الله الذين آمنوا، ويمحق الكافرين)


وبعد: فليس من الصحيح ان نتصور ان كل مَن شهد هاتين الشهادتينواسلم او آمن بالله ورسوله يدخل الجنة، فاءن في الناس منافقين لا تتجاوزالشهادتان السنتهم، ولا تستقرّ في قلوبهم.


والمؤمنون درجات ومراتب في اءيمانهم، فليس كلّهم بمستوي واحدمن الاءيمان والعمل الصالح.


فهناك المؤمنون الذين يؤثرون العافية علي الجهاد والقتال فيسبيلالله.


وهناك المؤمنون المجاهدون.


وهناك المؤمنون المجاهدون الصابرون.


ومن الخطأ ان نتصور ان هؤلاء جميعاً في الجنة في درجة واحدة.فلكل درجته وبرتبته ومكانته عند الله. وهذه المرتبة والمكانة تتحدّد فيظروف المحنة فقط؛ حيث يتميّز المؤمن عن المنافق، ويتميّزالمجاهدون عن غيرهم من المؤمنين، ويتميّز الصابرون عن غيرهم منالمجاهدين.


(ام حسبتم ان تدخلوا الجنّة، ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم، ويعلمالصابرين).


6 - وهذه الثورة المباركة بداية انعطاف كبير في تأريخ وحضارةالاءنسان، وأمر ذو بال وذو خطر كبير في حياة الاءنسان ومستقبله. والذييستقري الروايات الواردة عن رسول الله(ص) وعناهل بيته لا يشك في انهذه الثورة بخصائصها البارزة وقيادتها سوف تمهّد للانقلاب الكبير فيتأريخ الاءنسان، ولظهور الاءمام المهدي من آل محمّد عجّل الله فرجه.


واءن اليوم الموعود الذي وعدنا الله تعالي به ورسوله بقيام دولةالاءسلام الكبري، وتمكين المستضعفين من الارض وقيام الاءمام المهديبثورته الكبري في الارض لقريب اءن شاء الله، وان هذه الثورة توطّيءالارض لتلك الثورة الكبري، وتمهّد الاُمة لظهور وقيام القائم من آلمحمّد(ع)، وفيما يلي ننقل اءضمامة من هذه الروايات:


عن عبد الله بن مسعود قال: اتينا رسول الله(ص) فخرج اءلينا مستبشراًيعرف السرور في وجهه، فما سألناه عن شيء اءلاّ أخبرنا به، ولا سكتنا الاابتدأنا؛ حتّي مرّت فتية من بني هاشم فيهم الحسن والحسين، فلمّا رآهماءلتزمهم وانهملت عيناه فقلنا: يا رسول الله، ما نزال نري في وجهك شيئاًنكرهه؟ فقال:اءنّااهل بيت، اءختار الله لنا الخرة علي الدنيا، واءنّه سيلقياهل بيتي من بعديتطريداً وتشريداً في البلاد حتّي ترتفع رايات سود في المشرق، فيسألون الحق فلايعطونه، ثم يسألونه فلا يعطونه، ثم يسألونه فلا يعطونه فيُقاتلون فيُنصرون، فمنادركه منكم او من اعقابكم فليأت اءماماهل بيتي ولو حبواً علي الثلج، فاءنها راياتهدي يدفعونها اءلي رجل مناهل بيتي يواطي اءسمه اءسمي واسم ابيه اسم أبي فيملكالارض فيملاها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلم


وروي المجلسي في بحار الانوار ج 51 ص 83 و ج 52 ص 43، عنالاءمام الباقر(ع) قال: كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق فلا يعطونه ثميطلبونه، فاءذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم علي عواتقهم فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه،حتّي يقوموا، ولا يدفعونها اءلاّ اءلي صاحبكم (اي المهدي(ع)) قتلاهم شهداء، امّا اءنّيلو ادركت ذلك لابقيت نفسي لصاحب هذا الامر.


وروي في البحار ج 60 ص 216 عن بعض اصحابنا قال: كنت عندابي عبدالله(ع) جالساً اءذ قرأ هذه الية (فاءذا جاء وعد اُولاهما بعثنا عليكم عباداًلنا اُولي باس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً) فقلنا: جُعلنا فداك!مَن هؤلاء؟ فقال ثلاث مرّات: هم واللهاهل قم، هم واللهاهل قم، همواللهاهل قم.


وروي في البحار ج 60 ص 216 و 446 عن ابي الحسن الرضا(ع)قال: رجل مناهل قم يدعو الناس اءلي الحق يجتمع معه قوم كزبر الحديد لا تزلّهمالرياح العواصف، ولا يملّون من الحرب ولا يجبنون، وعلي الله يتوكّلون، والعاقبةللمتّقين


وروي في البحار ج 60 ص 213 عن علي بن ميمون الصائغ عنالاءمام الصادق(ع) قال: وسيأتي زمان تكون بلدة قم واهلها حُجّة علياهلالخلائق وذلك في زمان غيبة قائمنا اءلي ظهوره، ولولا ذلك لساخت الارض بأهله


وروي بأسانيد اُخري ايضاً عن الاءمام الصادق(ع) انّه ذكر الكوفةوقال: ستخلو الكوفة من المؤمنين، ويأزر عنها العلم كما تأزر الحيّة، يظهر العلمببلدة يقال لها قم، وتصير معدناً للعلم والفضل حتّي لا يبقي في الارض مستضعف فيالدين حتّي المخدرات في الحجال، وذلك عند قرب ظهور قائمنا، فيجعل الله قمواهلها قائمين مقام الحجّة، ولولا ذلك لساخت الارض بأهلها ولم يبق في الارضحجّة فيفيض العلم منها اءلي سائر البلاد في المشرق والمغرب فتتم حجّة الله علي الخلقحتّي لا يبقي احد علي الارض لم يبلغ اءليه الدين والعلم، ثم يظهر القائم ويصير سبباًلنقمة الله وسخطه علي العباد لان الله لا ينتقم من العباد اءلاّ بعد اءنكارهم حجّته


وقال صاحب تفسير الكشّاف ج 4 ص 331 في تفسير قوله تعالي:(واءن تتولّوا يستبدل قوماً غيركم، ثم لا يكونوا امثالكم)، قال: وسئلرسولالله(ص) عن القوم، وكان سلمان اءلي جنبه فضرب علي فخذه، وقال:هذا وقومه. والذي نفسي بيده لو كان الاءيمان منوطاً بالثريا لتناوله رجالمناهل فارس.


فهذه اءضمامة من الروايات التي تشير اءلي استمرارية هذه الثورةالمباركة حتّي ظهور الاءمام المهدي من آل محمّد(ع)، واءن هذه الثورةالمباركة، والتي تتسع رقعتها اءن شاء الله في اجزاء واسعة من المنطقةالاءسلامية من الارض سوف تمهّد لظهور وقيام الاءمام المهدي عجل اللهفرجه.


المجمع العالمي لاهل البيت: قم المقدسة


/ 13