نظرة فی کتاب الفِصَل فی الملل والأهواء والنحل لابن حزم الظاهری نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

نظرة فی کتاب الفِصَل فی الملل والأهواء والنحل لابن حزم الظاهری - نسخه متنی

عبدالحسین امینی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



وأمّا ما حسبه مِن أنَّ مبدأ التشيّع كان إجابةً ممَّن خذله الله لدعوة مَن كاد الإسلام، وهو يريد عبد الله بن سبأ، الذي قتله أمير المؤمنين (عليه السلام) إحراقاً بالنار على مقالته الإلحاديَّة، وتبعته شيعته على لعنه والبراءة منه.


فمتى كان هذا الرجس من الحزب العلويِّ حتى تأخذ الشيعة منه مبدأها القويم؟! وهل تجد شيعيّاً في غضون أجيالها وأدوارها ينتمي إلى هذا المخذول ويمتُّ به؟! لكن الرجل أبى إلاّ أن يقذفهم بكلِّ مائنة شائنة، ولو استشفَّ الحقيقة لَعَلِمَ بحقِّ اليقين أنَّ مُلقي هذه البذرة ـ التشيّع ـ هو مشرِّع الإسلام (صلى الله عليه وآله)يوم كان يُسمِّيّ من يوالي عليّاً (عليه السلام)بشيعته، ويُضيفهم إليه ويُطريهم ويدعوا أُمَّته إلى موالاته واتِّباعه، راجع ص78(4).


ولتفاهة هذه الكلمة لا نسهب الإفاضة في ردِّه، ونقتصر على كلمة ذهبيَّة للأستاذ محمَّد كرد علي في خطط الشام 6 ص251، قال: أمّا ما ذهب إليه بعض الكتّاب من أنَّ مذهب التشيّع من بدعة عبد الله بن سبأالمعروف بإبن السوداء، فهو وهمٌ، وقلّة علم بتحقيق مذهبهم، ومَن عَلِمَ منزلة هذا الرجل عند الشيعة وبراءتهم منه ومِن أقواله وأعماله، وكلام علمائهم في الطعن فيه بلا خلاف بينهم في ذلك، عَلِمَ مبلغ هذا القول من الصواب، انتهى.


2 ـ قال: كذب مَن قال: بأنَّ عليّاً كان أكثر الصحابة علماً 4ص136.


ثمَّ بسط القول في تقرير أعلميَّة أبي بكر وتقدُّمه على عليٍّ في العلم ببيانات تافهة، إلى أن قال: عَلِمَ كلُّ ذي حظٍّ من العلم أنَّ الذي كان عند أبي بكر من العلم أضعاف ما كان عند عليٍّ منه.


وقال في تقدُّم عمر على عليٍّ في العلم: عَلِمَ كلُّ ذي حسٍّ علماً ضروريّاً أنَّ الذي كان عند عمر من العلم أضعاف ما كان عند عليٍّ من العلم. إلى أن قال: فبطل قول هذه الوقّاح الجهّال، فإن عاندنا معاندٌ في هذا الباب جاهلٌ أو قليل الحياء لاح كذبه وجهله، فإنّا غير مُهتمّين على حطِّ أحد من الصحابة عن مرتبته.


ج ـ أنا لستُ أدري أأضحك من هذا الرجل جاهلاً؟! أم أبكي عليه مُغفَّلاً؟! أم أسخر منه معتوهاً؟! فإنّ ممّا لا يدور في أيِّ خلد الشكُّ في أنَّ أمير المؤمنين عليّاً (عليه السلام) كان يربوا بعلمه على جميع الصحابة، وكانوا يرجعون إليه في القضايا والمشكلات ولا يرجع إلى أحد منهم في شيء، وأنَّ أوَّل مَن اعترف له بالأعلميَّة نبيُّ الإسلام (صلى الله عليه وآله) بقوله لفاطمة: «أما ترضين إنّي زوَّجتك أوَّل المسلمين إسلاماً وأعلمهم علماً»(5).


وقوله (صلى الله عليه وآله) لها: «زوّجتكِ خير أُمَّتي،أعلمهم علماً، وأفضلهم حلماً، وأوَّلهم سلماً»(6).


وقوله (صلى الله عليه وآله) لها: إنَّه «لأوَّل أصحابي إسلاماً»، أو: «أقدم أُمَّتي سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً»(7).


وقوله (صلى الله عليه وآله): «أعلم أُمَّتي من بعدي عليُّ بن أبي طالب»(8).


وقوله (صلى الله عليه وآله): «عليٌّ وعاء علمي، ووصييّ، وبابي الذي أوتى منه»(9).


وقوله (صلى الله عليه وآله): «عليٌّ باب علمي، ومبيِّن لأُمّتي ما أُرسلت به من بعدي»(10).


وقوله (صلى الله عليه وآله): «عليٌّ خازن علمي»(11).


وقوله (صلى الله عليه وآله): «عليُّ عيبة علمي»(12).


وقوله (صلى الله عليه وآله): «أقضى أُمَّتي عليّ»(13).


وقوله (صلى الله عليه وآله): «أقضاكم عليّ»(14).


وقوله (صلى الله عليه وآله): «يا عليُّ اخصمك بالنبوَّة ولا نبوَّة بعدي، وتخصم بسبع»، إلى أن عدَّ منها: «وأعلمهم بالقضيَّة»، وفي لفظ: «وأبصرهم بالقضيَّة»(15).


وقوله (صلى الله عليه وآله): «قسّمت الحكمة عشرة أجزاء، فاُعطي عليُّ تسعة أجزاء، والناس جزءً واحداً»(16).


وكيف كان (صلى الله عليه وآله) يقول لَمّا يقضي عليٌّ في حياته: «الحمد للهِالذي جعل الحكمة فينا أهل البيت»(17).


وإذا كان عليٌّ باب مدينة علم رسول الله وحكمته بالنصوص المتواترة عنه(18) (صلى الله عليه وآله) فأيُّ أحد يُوازيه؟! أو يُضاهيه!؟ أو يقرب منه في شيء من العلم؟!.


وهذا الحديث ممّا لا شكَّ في صدوره عن مصدر النبوَّة، وقد أفرده بتدوين طرقه غير واحد في مؤلَّفات مستقلّة.


وبعده (صلى الله عليه وآله) عائشة فإنَّها قالت: عليٌّ أعلم الناس بالسنَّة(19).


وعمر بقوله: عليٌّ أقضانا(20).


وقوله: أقضانا عليٌّ(21).


ولعمر كلماتٌ مشهورةٌ تعرب عن غاية احتياجه في العلم إلى أمير المؤمنين، منها قوله غير مرَّة: لولا عليٌّ لهلك عمر(22).


وقوله: اللّهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب(23).


وقوله: لا أبقاني الله بأرض لستَ فيها أبا الحسن(24).


وقوله: لا أبقاني الله بعدك يا عليُّ(25).


وقوله: أعوذ بالله من معضلة ولا أبو حسن لها(26).


وقوله: أعوذ بالله أن أعيش في قوم لستَ فيهم ياأباالحسن(27).


وقوله: أعوذ بالله أن أعيش في قوم ليسَ فيهم أبو الحسن(28).


وقوله: اللهمّ لا تنزل بي شديدة إلاّ وأبو الحسن إلى جنبي(29).


وقوله: لا بقيتُ لمعضلة ليس لها أبو الحسن. ترجمة عليّ بن أبي طالب ص79.


وقوله: لا أبقاني الله إلى أن أدرك قوماً ليس فيهم أبو الحسن. حاشية شرح العزيزي 2 ص417، مصباح الظلام 2 ص56.


وقال سعيد بن المسيِّب: كان عمر يتعوَّذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن(30).


وقال معاوية: كان عمر إذا أشكل عليه شيء أخذه منه(31).


ولمّا بلغ معاوية قتل الإمام قال: لقد ذهب الفقه والعلم بموت ابن ابي طالب. أخرجه أبو الحجّاج البلوي في كتابه «ألف باء» ج1 ص222.


ثمّ الإمام السبط الحسن الزكيّ فإنَّه قال في خطبة له: «لقد فارقكم رجلٌ بالأمس لم يسبقه الأوَّلون، ولا يُدركه الآخرون بعلم»(32).


وقال ابن عبّاس حَبر الأُمَّة: والله لقد أُعطي عليُّ بن أبي طالب تسعةُ أعشار العلم، وأيم الله لقد شارككم في العُشر العاشر(33).


وقال: ما علمي وعلم أصحاب محمَّد (صلى الله عليه وآله) في علم عليٍّ (رضي الله عنه) إلاّ كقطرة في سبعة أبحر(34).


وقال: العلم ستَّة أسداس، لِعليٍّ من ذلك خمسة أسداس، وللنّاس سُدسٌ، ولقد شارَكنا في السّدس حتّى لهو أعلم به منّا(35).


وقال ابن مسعود: قسّمت الحكمة عشرة أجزاء، فاُعطي عليٌّ تسعة أجزاء، والناس جزءً، وعليٌّ أعلمهم بالواحد منها(36).


وقال: أعلم أهل المدينة بالفرائض عليُّ بن أبي طالب(37).


وقال: كنّا نتحدَّث أنَّ أقضى أهل المدينة عليٌّ(38).


وقال: أفرض أهل المدينة وأقضاها عليٌّ(39).


وقال: إنَّ القرآن أُنزل على سبعة أحرف، ما منها حرف، إلاّ وله ظهرٌ وبطنٌ، وإنَّ عليّ بن أبي طالب عنده منه الظاهر والباطن. مفتاح السعادة ج1 ص400.


وقال هشام بن عتيبة في علي (عليه السلام): هو أوّل مَن صلّى مع رسول الله، وأفقهه في دين الله، وأولاه برسول الله(40).


وسُئل عطاء: أكان في أصحاب محمّد أحد أعلم من عليٍّ؟! قال: لا والله ما أعلمه(41).


وقال عديّ بن حاتم في خطبة له: والله لئن كان إلى العلم بالكتاب والسنَّة انِّه ـ يعني عليّاً ـ لأعلم النّاس بهما، ولئن كان إلى الإسلام إنَّه لأخو نبيِّ الله والرأس في الإسلام، ولئن كان إلى الزهد والعبادة انَّه لأظهر الناس زهداً وأنهكهم عبادةً، ولئن كان إلى العقول والنَّحائز(42) إنَّه لأشدُّ الناس عقلاً وأكرمهم نحيزةً(43).


وقال أبو سعيد الخدري: أقضاهم عليّ، وأخرج عبد الرزاق عن قتادة مثله. فتح الباري 8 : 136.


وقد أمتدح جمعٌ من الصحابة أمير المؤمنين (عليه السلام) في شعرهم بالأعلميَّة كحسَّان بن ثابت، وفضل بن عبّاس، وتبعهم في ذلك أُمَّة كبيرةٌ من شعراء القرون الأُولى، لا نطيل بذكرهم المقام.


والأُمَّة بعد أُولئك كلّهم مُجمعةٌ على تفضيل أمير المؤمنين (عليه السلام)على غيره بالعلم، إذ هو الّذي ورث علم النبيِّ (صلى الله عليه وآله)، وقد ثبت عنه بعدّة طرق قوله (صلى الله عليه وآله): إنَّه وصيّه ووارثه. وفيه: قال عليُّ: «وما أرث منك يا نبيَّ الله»؟! قال: «ما ورث الأنبياء من قبلي». قال: «وما ورث الأنبياء من قبلك»؟! قال: «كتاب الله وسنَّة نبيِّهم».


قال الحاكم في المستدرك 3 ص226 في ذيل حديث وراثته النبيَّ دون عمِّه العبّاس ما نصّه: لا خلاف بين أهل العلم أنَّ ابن العمّ لا يرث مع العمِّ، فقد ظهر بهذا الإجماع أنَّ عليّاً ورث العلم من النبىِّ دونهم.


وبهذه الوراثة الثابتة صحَّ عن عليّ (عليه السلام) قوله: «والله انّي لأخوه ووليّه وابن عمِّه ووارث علمه، فمَن أحقُّ به منّي»؟!(45).


وهذه الوراثة هي المُتسالم عليها بين الصحابة، وقد وردت في كلام كثير منهم. وكتبَ محمّد بن أبي بكر إلى معاوية فيما كتب: يا لك الويل، تعدل نفسك بعليّ؟! وهو وارث رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووصيّه(46).


فلينظر الرجل الآن إلى من يوجِّه قوارصه وقذائفه؟! وما حكم من يقول ذلك ومن المفضِّلين النبيُّالأعظم (صلى الله عليه وآله)؟! وأمّا حكم من يقع في الصحابة وفيمن يقع فيه الإمام السبط الحسن وعائشة وعمر بن الخطاب وحبر الأُمَّة ابن عبّاس ونظرائهم، فالمرجع فيه زملاء الرجل وعلماء مذهبه.


3 ـ قال: من قول الإماميَّة كلّها قديماً وحديثاً: إنَّ القرآن مُبدَّلٌ زيد فيه ما ليس منه، ونقص منه كثيرٌ، وبُدِّل منه كثيرٌ، حاشا عليّ بن الحسن(47) بن موسى بن محمّد، وكان إماميّاً يظاهر بالاعتزال مع ذلك، فإنَّه كان يُنكر هذا القول ويُكفِّر مَن قاله(48).


ج ـ ليت هذا المجترئ أشار إلى مصدر فريته من كتاب للشيعة موثوق به، أو حكاية عن عالم من علمائهم تقيم له الجامعة وزناً، أو طالب من روّاد علومهم ولولم يعرفه أكثرهم، بل نتنازل معه إلى قول جاهل من جُهّالهم، أو قرويّ من بسطائهم، أو ثرثار كمثل هذا الرجل يرمي القول على عواهنه.


بذلك، وليس بمتفردٍّ عن قومه في رأيه كما حسبه المغفَّل، وشيخ الطائفة الطوسي في التبيان(52)، وأمين الإسلام الطبرسي في مجمع البيان(53)، وغيرهم.


فهؤلاء أعلام الإماميَّة وحملة علومهم، الكالئين لنواميسهم وعقائدهم قديماً وحديثاً، يوقفونك على مين الرجل فيما يقول، وهذه فرق الشيعة ـ وفي مقدَّمهم الإماميَّة ـ مجمعةٌ على أنَّ ما بين الدفّتين هو ذلك الكتاب الّذي لا ريب فيه، وهو المحكوم بأحكامه ليس إلاّ.


وإن دارت بين شدقي أحد من الشيعة كلمة التحريف، فهو يريد التأويل بالباطل بتحريف الكَلِمِ عن مواضعه، لا الزيادة والنقيصة، ولا تبديل حرف بحرف، كما يقول التحريف بهذا المعنى هو وقومه ويرمون به الشيعة كما مرَّ ص80.


4 ـ قال: من الإماميَّة من يُجيز نكاح تسع نسوة، ومنهم من حرَّم الكُرنْب(54); لأنَّه نَبَتَ على دم الحسين ولم يكن قبل ذلك 4ص182.


ج ـ كنتُ أودّ أن لا يكتب هذا الرجل عزوه المختلق في النكاح قبل مراجعة فقه الإماميّة، حتّى يعلم أنَّهم جمعاء من غير استثناء أحد لا يُبيحون نكاح أكثر من أربع، فإنّ النكاح بالتسع من مختصّات النبيِّ (صلى الله عليه وآله)، وليس فيه أيُّ خلاف بينهم وبين العامَّة.


ولولا أنَّ هذه نسبةٌ مائنةٌ إلى بعض الإماميَّة، لدلَّ القارئ عليه ونوَّه باسمه أو بكتابه، لكنَّه لم يعرفه، ولا قرأ كتابه، ولا سمعتْ اذناه ذكره، غير أنَّ حقده المحتدم أبى إلاّ أن يفتري على بعضهم حيث لم تسعه الفرية على الجميع.


كما كنتٌ أودّ أن لا يُملي عن الكرنب حديثاً يفتري به قبل استطراقه بلاد الشيعة، حتّى يجدهم كيف يزرعون الكرنب ويستمرأون أكله مزيجاً بمطبوخ الأرز ومقلى القمح ]البلغور]، يفعل ذلك علماؤهم والعامَّة منهم وأعوانهم وساقتهم، وما سمعت أُذنا أحد منهم كلمة حظر عن أحد منهم، ولا نُقل عن مُحدِّث أو مؤرِّخ أو لغويٍّ أو قصّاص أوخضرويٍّ بأنَّه نبت على دم الحسين(عليه السلام) ولم يكن قبل ذلك.


لكن الرجل ليس بمنتئى عن الكذب وإن طرق البلاد وشاهد ذلك كلّه بعينه; لأنَّهُ أراد في خصوص المقام تشويه سمعة القوم بكذب لا يُشاركه فيه أحدٌ من قومه.


5 ـ قال: وجدنا عليّاً (رضي الله عنه) تأخَّر عن البيعة ستَّة أشهر، فما أكرهه أبو بكر على البيعة حتّى بايع طائعاً مراجعاً غير مكره ص96.


وقال ص97: وأظرف من هذا كلّه بقاء عليّ مُمسكاً عن بيعة أبي بكر (رضي الله عنه) ستَّة أشهر، فما سألها، ولا أُجبر عليها، ولا كلّفها وهو متصرِّفٌ بينهم في أُموره، فلولا أنَّه رأى الحقَّ فيها واستدرك أمره فبايع طالباً حظَّ نفسه في دينه راجعاً إلى الحقِّ، لما بايع.


دعا الأنصار إلى بيعة سعد بن عبادة، ودعا المهاجرون الى بيعة أبي بكر; وقعد عليٌّ (رضي الله عنه) في بيته لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، ليس معه أحد غير الزبير بن العوام، ثمَّ استبان الحقّ للزبير (رضي الله عنه)فبايع سريعاً، وبقي عليٌّ وحده لا يرقب عليه.


ج ـ أنا لا أحوم حول هذا الموضوع، ولا أُولّي وجهي شطر هذه الأكاذيب الصريحة، ولا أُقابل هذا التدجيل والتمويه على الحقيقة والجناية على الإسلام وتأريخه، لكنِّي أقول: إقرأ هذا ثم أنظر إلى ما ذكره الأُستاذ الفذّ عبد الفتّاح عبدالمقصود في كتابه ـالإمام علي بن أبي طالب ص225 ـ فإنَّه زبدة المخض، قال:


واجتمعت جموعهم ـ آونةً في الخفاء وأُخرى على ملأـ يدعون إلى ابن أبي طالب; لأنَّهم رأوه أولى الناس بأن يلي أُمور الناس، ثم تألَّبوا حول داره يهتفون باسمه ويدعونه أن يخرج إليهم ليردوّا عليه تراثه المسلوب... فإذا المسلمون أمام هذا الحدث محالفٌ أو نصيرٌ، وإذا بالمدينة حزبان، وإذا بالوحدة المرجوَّة شقّان أوشكا على انفصال، ثمَّ لا يعرف غير الله ما سوف تؤول إليه بعد هذا الحال ... فهلاّ كان عليٌّ ـ كابن عبادة ـ حريّاً في نظر ابن الخطّاب بالقتل حتّى لا تكون فتنة ولا يكون انقسام؟!.


كان هذا أولى بعنف عمر إلى جانب غيرته على وحدة الإسلام، وبه تحدَّث الناس ولهجت الألسن كاشفةً عن خلجات خواطر جرت فيها الظنون مجرى اليقين، فما كان لرجل أن يجزم أو يعلم سريرة ابن الخطّاب، ولكنَّهم جميعاً ساروا وراء الخيال، ولهم سندٌ ممّا عرف عن الرجل دائماً من عنف ومن دفعات، ولعلَّ فيهم من سبق بذهنه الحوادث على متن الاستقراء، فرأى بعين الخيال قبل رأي العيون ثبات عليٍّ أمام وعيد عمر لو تقدَّم هذا منه يطلب رضاءه واقراره لأبي بكر بحقِّه في الخلافة، ولعلّه تمادى قليلاً في تصوُّر نتائج هذا الموقف وتخيّل عقباه، فعاد بنتيجة لازمة لا معدى عنها، هي خروج عمر عن الجادَّة، وأخذه هذا «المخالف» العنيد بالعنف والشدَّة!.


وكذلك سبقت الشائعات خطوات ابن الخطَّاب ذلك النهار، وهو يسير في جمع من صحبه ومعاونيه إلى دار فاطمة، وفي باله أن يحمل ابن عمِّ رسول الله ـإن طوعاً وإن كرهاً ـ على اقرار ما أباه حتّى الآن، وتحدَّث أُناسٌ بأنَّ السيف سيكون وحده متن الطاعة!... وتحدَّث آخرون بأنَّ السيف سوف يلقى السيف! ... ثمَّ تحدَّث غير هؤلاء وهؤلاء بأنّ «النار» هي الوسيلة المثلى إلى حفظ الوحدة و إلى «الرضى» والإقرار!.. وهل على ألسنة الناس عقالٌ يمنعها أن تروي قصَّة حطب أمر به ابن الخطّاب فأحاط بدار فاطمة، وفيها عليٌّ وصحبه، ليكون عدّة الإقناع أو عدّة الإيقاع؟...


على أنَّ هذه الأحاديث جميعها ومعها الخطط المدبَّرة أو المرتجلة، كانت كمثل الزبد، أسرع إلى ذهاب ومعها دفعة ابن الخطّاب!.. أقبل الرجل، محنقاً مندلع الثورة، على دار عليٍّ، وقد ظاهره معاونوه ومن جاء بهم فاقتحموها أو أوشكوا على اقتحام، فإذا وجهٌ كوجه رسول الله يبدو بالباب حائلاً من حزن، على قسماته خطوط آلام، وفي عينيه لمعات دمع، وفوق جبينه عبسة غضب فائر وحنق ثائر ...


وتوقّف عمر من خشية وراحت دفعته شعاعاً، وتوقَّف خلفه ـأمام البابـ صحبه الذين جاء بهم، إذ رأوا حيالهم صورة الرسول تطالعهم من خلال وجه حبيبته الزهراء، وغضّوا الأبصار من خزي أو من استحياء، ثمَّ ولَّت عنهم عزمات القلوب وهم يشهدون فاطمة تتحرَّك كالخيال، وئيداً وئيداً بخطوات المحزونة الثكلى، فتقترب من ناحية قبر أبيها .... وشخصت منهم الأنظار وأرهفت الأسماع إليها، وهي ترفع صوتها الرقيق الحزين النبرات، تهتف بمحمَّد الثاوي بقربها، تناديه باكيةً مريرة البكاء:


«يا أبت رسول الله! ... يا أبت رسول الله! ...»


فكأنمَّا زلزلت الأرض تحت هذا الجمع الباغي، من رهبة النداء...


وراحت الزهراء، وهي تستقبل المثوى الطاهر، تستنجد بهذا الغائب الحاضر:


«يا أبت رسول الله! .. ما ذا لقينا بعدك من ابن الخطّاب، وابن أبي قحافة!؟!».


فما تركت كلماتها إلاّ قلوباً صدعها الحزن، وعيوناً جرت دمعاً، ورجالاً ودّوا لو استطاعوا أن يشقّوا مواطئ أقدامهم ليذهبوا في طوايا الثرى مغيَّبين انتهى.


/ 13