حقیقة التشیع و منشؤه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

حقیقة التشیع و منشؤه - نسخه متنی

مجمع العالمی لاهل البیت

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

صلاة التراويح سنة أم بدعة

موقف الامام جعفر الصادق(ع) من الغلاة

لقد استفحل أمر الغلاة في زمن الامام الصادق(ع) ، ذلك أنّ الامام(ع)كان قد بدأ بنشر العلوم المختلفة بين تلاميذه، حتى طار صيته في الافاق وكثر أتباعه وتلاميذه، وكان يخبر الناس بكثير من الاُمور التي يجهلونها، والتي تلقاها عن آبائه(ع) ، عن رسول الله(ص) ، فتوهم بعض البسطاء أنّ الامام يعلم الغيب، وأنّ علم الغيب يستلزم الاُلوهية ، وقد استغلّ بعض الدهاة هؤلاء البسطاء لتحقيق أغراضهم في تخريب عقائد الناس، وبخاصة الذين دخلوا في الاسلام حديثاً، من السودان والزط وغيرهم ممن كانوا حديثي عهد بعقائدهم المتوارثة، وكذلك استغلال بعض احتياجاتهم المادية والروحية فحرفوهم عن جادة الصواب، حتى قالوا في الامام الصادق(ع) ما قالوا، فقد روى مالك بن عطية عن بعض أصحاب أبي عبدالله(ع)، قال : خرج إلينا أبو عبدالله (ع) وهو مغضب، فقال: إني خرجت آنفاً في حاجة، فتعرّض لي بعض سودان المدينة فهتف بي: لبيك يا جعفر بن محمد لبّيك، فرجعت عودي على بدئي الى منزلي خائفاً ذعراً مما قال، حتى سجدت في مسجدي لربي وعفّرت له وجهي وذلّلت له نفسي وبرئت إليه مما هُتف بي، ولو أنّ عيسى بن مريم عدا ماقال الله فيه إذاً لصمّ صمّاً لا يسمع بعده، وعميَ عمىً لا يبصر بعده أبداً، وخرس خرساً لا يتكلم بعده أبداً، ثم قال: لعن الله أبا الخطاب وقتله بالحديد([180]).

وروى أبو عمرو الكشّي عن سعد ، قال: حدّثني أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين ابن سعيد بن أبي عمير، عن هشام بن الحكم عن أبي عبدالله(ع) ، قال: إنّ بناناً والسري وبزيعاً لعنهم الله تراءى لهم الشيطان في أحسن ما يكون صورة آدمي من قرنه الى سرّته.

قال: فقلت إنّ بناناً يتأول هذه الاية: (وهو الذي في السماء إله وفي الارض إله)([181]). إنّ الذي في الارض غير إله السماء، وإله السماء غير إله الارض، وأنّ إله السماء أعظم من إله الارض، وأنّ أهل الارض يعرفون فضل إله السماء ويعظّمونه، فقال: والله ما هو إلاّ وحده لا شريك له، إله من في السماوات وإله من في الارضين، كذب بنان عليه لعنة الله، لقد صغّر الله جلّ وعزّ ، وصغّر عظمته([182]).

وروى الكشي بإسناده عن أبي عبدالله(ع) ، في قول الله عزّ جل: (هل اُنبّئكم على من تنزّل الشياطين* تنزّل على كلّ أفّاك أثيم)([183]).

قال(ع): هم سبعة: المغيرة بن سعيد، وبنان ، وصائد، وحمزة بن عمار الزبيدي، والحارث الشامي، وعبدالله بن عمرو بن الحارث، وأبو الخطاب([184]).

وأخرج الكشي عن حمدويه، قال: حدثنا يعقوب، عن ابن أبي عمير، عن عبدالصمد بن بشير عن مصادف، قال: لما أتى القوم الذين أتوا بالكوفة([185]) ودخلت على أبي عبدالله(ع)فأخبرته بذلك، فخرّ ساجداً وألزق جؤجؤه بالارض وبكى، وأقبل يلوذ باصبعه ويقول : بل عبدالله، قنٌّ داخِر، مراراً كثيرة، ثم رفع رأسه ودموعه تسيل على لحيته، فندمت على إخباري إيّاه، فقلت: جعلت فداك، وما عليك أنت ومن ذا؟ فقال: يا مصادف، إن عيسى لو سكت على ما قالت النصارى فيه لكان حقاً على أن يُصمّ سمعه ويعمي بصره، ولو سكتُّ عما قال فيَّ أبو الخطاب لكان حقاً على الله أنّ يصمّ سمعي ويعمي بصري([186]).

وروى الكليني عن سدير، قال: قلت لابي عبدالله(ع): إنّ قوماً يزعمون أ نّكم آلهة يتلون بذلك عليناً قرآناً: (وهو الذي في السماء إله وفي الارض إله)([187]).

فقال : يا سدير! سمعي وبصري وبشري ولحمي ودمي وشعري من هؤلاء براء، برئ الله منهم، ماهؤلاء على ديني ولا على دين آبائي، والله لا يجمعني الله وإياهم يوم القيامة إلاّ وهو ساخط عليهم. قال:

قلت: وعندنا قوم يزعمون أ نّكم رسل يقرأون علينا بذلك قرآناً: (يا أيّها الرُسل كلوا من الطّيبات واعملوا صالحاً إنّي بما تعملون عليم)([188]).

فقال: يا سدير! سمعي وبصري وبشريولحمي ودمي من هؤلاء براء وبرئ الله منهم ورسوله، ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي، والله لا يجمعني الله وإياهم يوم القيامة إلاّ وهو ساخط عليهم. قال:

فقلت: فما أنتم؟ قال: نحن خُزّان علم الله، نحن تراجمة أمر الله، نحن قوم معصومون، أمر الله تبارك وتعالى بطاعتنا، ونهى عن معصيتنا، نحن الحجة البالغة على من دون السماء وفوق الارض([189]).

وكان المغيرة بن سعيد أحد أقطاب الغلاة الذين يستميلون البسطاء بأساليب من الخداع والسحر، ثم يزيّنون لهم الغلوّ في الائمة(ع) ، فتصدّى له الامام الصادق(ع)وأخبر أصحابه بحقيقة هذا المغالي وكشف ألاعيبه وفضحه، فقال لهم يوماً: لعن الله المغيرة ابن سعيد، ولعن يهودية كان يختلف إليها يتعلم منها السحر والشعبذة والمخاريق، إنّ المغيرة كذب على أبي(ع) ، فسلبه الله الايمان، وإنّ قوماً كذبوا عليَّ، مالهم أذاقهم الله حرّ الحديد، فوالله مانحن إلاّ عبيد الذي خلقنا واصطفانا، لا نقدر على ضر ولا نفع إن رحمنا فبرحمته، وان عذبنا فبذنوبنا، والله مالنا على الله من حجة، ولا معنا من الله براءة، وإنّا لميتون و مقبورون ومنشورون ومبعوثون وموقوفون ومسؤولون، مالهم لعنهم الله! فلقد آذوا الله، وآذوا رسول الله(ص)في قبره، وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي(ع) ، وها أنا ذا بين أظهركم ، لحم رسول الله(ص)وجلد رسول الله(ص) ، أبيت على فراشي خائفاً وجلاً مرعوباً، يأمنون وأفزع، ينامون على فرشهم وأنا خائف ساهر وجل، أتقلقل بين الجبال والبراري. أبرأ الى الله ممّا قال فيّ الاجدع البرّاد عبد بني أسد، أبو الخطاب لعنه الله، والله لو ابتلوا بنا وأمرناهم بذلك لكان الواجب أن لا يقبلوه، فكيف وهم يروني خائفاً وجلاً؟ استعدي الله عليهم، واتبرّأ الى الله منهم، اُشهدكم أني امرؤ ولدني رسول الله(ص)إن أطعته رحمني، وان عصيته عذبني عذاباً شديداً، أو أشدّ عذابه.

كما نفى الامام الصادق(ع) ما ينسبه إليه الغلاة من علم الغيب والخلق والرزق وغير ذلك، فعن أبي بصير، قال: قلت لابي عبدالله(ع): إنهم يقولون ، قال: ما يقولون؟ قلت: يقولون: تعلم قطر المطر، وعدد النجوم، وورق الشجر، ووزن ما في البحر، وعدد التراب. فقال: سبحان الله، سبحان الله! والله ما يعلم هذا إلاّ الله.

وقيل له: إنّ فلاناً يقول: إنّكم تقدّرون أرزاق العباد؟ فقال: ما يقدّر أرزاقنا إلاّ الله. ولقد احتجت الى طعام لعيالي ، فضاق صدري، وأبلغت بي الفكرة في ذلك حتى أحرزت قوتهم، فعندها طابت نفسي.

وعن زرارة، قال: قلت للصادق(ع): إنّ رجلاً من ولد عبدالله بن سبأ يقول بالتفويض، قال: وما التفويض؟ قلت: يقولون إن الله عزّ وجلّ خلق محمداً (ص)وعلياً(ع)، ثم فوّض الامر إليهما، فخلقا ورزقا وأحييا وأماتا. فقال(ع): كذب عدو الله، إذا رجعت إليه فاقرأ عليه الاية التي في سورة الرعد: (أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كلّ شيء وهو الواحد القهّار)([190]).

فانصرفت الى الرجل، فأخبرته بما قال الصادق(ع) ، فكأنما ألقمته حجراً، أو قال: كأنما خرس.

وعن المفضّل قال: قال أبو عبدالله(ع) وذكر أصحاب أبي الخطاب والغلاة، فقال لي: يا مفضّل! لا تقاعدهم ولا تواكلهم ولا تشاربهم، ولا تصافحهم ولا توارثهم.

موقف الامام موسى الكاظم(ع) من الغلاة

لقد اُبتلي الامام موسى الكاظم(ع) ـ كما اُبتلي آباؤه ـ بالغلاة الذين قالوا فيه وفيهم أقوالاً ما أنزل الله بها من سلطان. ومن أخطر الغلاة الذين ظهروا في عهد إمامة الكاظم (ع) هو محمد بن بشير، وكان من أصحابه ثم غلا فيه، حتى قال بربوبيته بعد وفاته وادّعى النبوّة لنفسه.

وقد قتل محمد بن بشير وكان سبب قتله أنّه كان معه شعبذة ومخاريق، فكان يظهر الواقفة أنّه ممن وقف على عليّ بن موسى(ع)، وكان يقول في موسى بالربوبية ويدّعي لنفسه

أنّه نبيّ([191]).

وقد تبعه على عقيدته الفاسدة قوم من البسطاء الذين خدعهم وسمّوا بالبشرية لانتسابهم الى عقيدته . ومن عقائدهم الباطلة أنّ العبادات المفروضة عليهم، والواجب أداؤها هي الصلاة والصوم وإعطاء الخمس، أمّا الزكاة والحج وسائر العبادات الاُخرى فهي ساقطة عنهم.

وقالوا بتناسخ الائمة، أي كلّهم إمام واحد ينتقلون من بدن الى بدن.

وقالوا: إنّ المواساة بينهم واحدة في المأكولات والمشروبات والاموال والفروج، وأباحوا اللواط، واستندوا في ذلك الى قوله تعالى: (أو يزوّجهم ذكراناً وإناثاً)([192]).

وعندما توفي الامام موسى الكاظم(ع) ، ادّعى هؤلاء أنّه لم يمت ولكنه غاب واستتر وهو المهدي المبشّر به، وأنه قد استخلف على الاُمة محمد بن بشير وأقامه مقام نفسه.

وقد روى الكشّي عن عليّ بن حديد المدائني ، فقال: سمعت من سأل أبا الحسن الاول ـ يعني موسى الكاظم(ع) ـ فقال: إني سمعت محمد بن بشير يقول : إنّك لست موسى بن جعفر الذي أنت إمامنا وحجّتنا فيما بيننا وبين الله تعالى.

قال، فقال: لعنه الله (ثلاثاً)، أذاقه الله حرّ الحديد، قتله الله أخبث مايكون من قتلة، فقلت له: جعلت فداك، إذا أنا سمعت منه، أوليس حلال لي دمه مباح، كما اُبيح دم السابّ لرسول الله(ص)وللامام؟ فقال: نعم حل والله دمه وأباحه لك ولمن سمع ذلك منه.

قلت: أوليس هذا بسابّ لك؟ قال: هذا سابّ الله وسابّ لرسول الله وسابّ لابائي وسابّي، وأيّ سبّ يقصر عن هذا ولا يفوقه هذا القول؟!

فقلت: أرأيت إذا أتاني لم أخف أن أغمز بذلك بريئاً ثم لم أفعل ولم أقتله، ما عليّ من الوزر؟

فقال: يكون عليك وزره أضعافاً مضاعفة من غير أن ينتقص من وزره شيء، أما علمت أنّ أفضل الشهداء درجة يوم القيامة من نصر الله ورسوله بظهر الغيب وردّ عن الله ورسوله (ص)([193]).

وقد ورد لعن محمد بن بشير على لسان الامام الكاظم(ع)ودعا عليه. روى الكشّي عن عليّ بن أبي حمزة البطائني ، قال: سمعت أبا الحسن موسى(ع)يقول: لعن الله محمد بن بشير وأذاقه حرّ الحديد، إنّه يكذب عليّ، برئ الله منه وبرئت الى الله منه، اللهمّ إني أبرأ إليك مما يدّعي فيَّ ابن بشير ، اللهمّ أرحني منه، ثم قال: يا علي، ما أحد اجترأ أن يتعمّد الكذب علينا إلاّ أذاقه الله حرّ الحديد، وأنّ أبا المغيرة بن سعيد كذب على أبي جعفر(ع) فأذاقه الله حرّ الحديد، وأنّ أبا الخطاب كذب على أبي فأذاقه الله حرّ الحديد، وأنّ محمد بن بشير لعنه الله يكذب عليّ، برئت الى الله منه، اللهم إنّي أبرأ إليك ممّا يدّعيه فيَّ محمّد بن بشير، اللهمّ أرحني منه، اللهمّ إنّي أسألك أن تخلصني من هذا الرجس النجس محمد بن بشير، فقد شارك الشيطان أباه في رحم اُمّه.

وقد استجاب الله دعاء الامام الكاظم(ع) . قال علي بن حمزة: فما رأيت أحداً قُتل بأسوأ قتلة من محمد بن بشير لعنه الله([194]).

موقف الامام علي بن موسى الرضا(ع) من الغلاة

لقد جدّ الامام الرضا(ع) في إكمال مسيرة آبائه(ع) في مجال محاربة الغلوّ وفضح الغلاة والتشهير بهم وتحذير الناس منهم، فعن الحسين بن خالد الصيرفي، قال: قال أبو الحسن الرضا (ع): من قال بالتناسخ فهو كافر ، ثم قال: لعن الله الغلاة، ألا كانوا يهوداً، ألا كانوا نصارى، ألا كانوا مجوساً، ألا كانوا قدرية، ألا كانوا مرجئة، ألا كانوا حرورية. ثم قال(ع) : لا تقاعدوهم ولا تصادقوهم ، وابرؤوا منهم برئ الله منهم([195]).

فالامام الرضا(ع) يعتبر الغلاة أسوأ أصحاب الفرق والاديان الفاسدة والمحرّفة.

وكان يقول في دعائه: اللهمّ إني أبرأ إليك من الحول والقوة، فلا حول ولا قوة إلاّ بك. اللهم إنىّ أبرأ إليك من الذين ادّعوا ما ليس لنا بحق، اللهمّ إني أبرأ إليك من الذين قالوا فينا ما لم نقله في أنفسنا، اللهم لك الخلق والامر، وإياك نعبد وإياك نستعين، اللهم أنت خالقنا وخالق آبائنا الاولين وآبائنا الاخرين، اللهم لا تليق الربوبية إلاّ لك، ولا تصلح الاُلوهيّة إلاّ لك، فالعن النصارى الذين صغّروا عظمتك، والعن المضاهين لقولهم من بريّتك، اللهم إنّا عبيدك وأبناء عبيدك، لا نملك لانفسنا ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، اللهم من زعم أننا أرباب فنحن منه براء كبراءة عيسى بن مريم من النصارى، اللهم إنا لم ندعهم الى ما يزعمون فلا تؤاخذنا بما يقولون، واغفر لنا ما يزعمون، (ربّ لا تذر على الارض من الكافرين ديّاراً* إنّك إن تذرهم يضلّوا عبادك ولا يلدوا إلاّ فاجراً كفّاراً)([196]).

وعن أبي هاشم الجعفري، قال: سألت أبا الحسن الرضا(ع)عن الغلاة والمفوّضة ، فقال: الغلاة كفّار، والمفوّضة مشركون، من جالسهم أو خالطهم أو واكلهم أو شاربهم أو واصلهم أو زوّجهم أو تزوّج منهم أو ائتمنهم على أمانة أو صدّق حديثهم أو أعانهم بشطر كلمة ، خرج من ولاية الله عزّ وجل وولاية رسول الله(ص) وولايتنا أهل البيت([197]).

وقد ذكر الامام الرضا(ع) سبباً مهماً في ظهور الغلوّ، فعن إبراهيم بن أبي محمود، عن الامام الرضا(ع) في حديث قال:

يابن أبي محمود! إنّ مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام: أحدها: الغلو، وثانيها : التقصير في أمرنا، وثالثها: التصريح بمثالب أعدائنا، فإذا سمع الناس الغلوّ فينا كفّروا شيعتنا ونسبوهم الى القول بربوبيتنا، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا مثالب أعدائنا ثلبونا بأسمائنا، وقد قال الله تعالى: (ولا تسبّوا الذين يدعون من دون الله فيسبّوا الله عَدْواً بغير علم)([198]).

يابن أبي محمود! إذا أخذ الناس يميناً وشمالاً ، فالزم طريقنا، فإنّه من لزمنا لزمناه، ومن فارقنا فارقناه([199]).

لقد بيّن الامام الرضا(ع) كيف أنّ الغلاة كانوا سبباً في نسبة الغلو الى الشيعة عامة، ولهذا نجد المؤلّفين في الفرق يعمّمون صفة الغلوّ الى الشيعة مطلقاً وخصوصاً الامامية منهم، اعتماداً على الاخبار التي كان يروّجها الغلاة بين الناس، فيظن المخالفون أنّ هذه الاخبار قد جاءت عن طريق الشيعة عامة فينسبون الغلو إليهم.

كما وقع الكثير من المؤلفين في خطأ فاحش حينما نسبوا الى الشيعة القول بالتشبيه والتجسيم، مع أننا ذكرنا في بيان اُصول عقائد الشيعة، وفي مطلب التوحيد أنّ الشيعة أشد تنزيهاً لله تعالى وأشدّ نفياً للتشبيه والتجسيم من غيرهم.

وقد أوضح الامام الرضا سبب ذلك في حديث حين قال: إنّما وضع الاخبار عنّا في التشبيه والجبر، الغلاة الذين صغّروا عظمة الله تعالى، فمن أحبّهم فقد أبغضنا، ومن أبغضهم فقد أحبّنا، ومن والاهم فقد عادانا، ومن عاداهم فقد والانا، ومن وصلهم فقد قطعنا، ومن قطعهم فقد وصلنا، ومن جفاهم فقد برّنا، ومن برّهم فقد جفانا، ومن أكرمهم فقد أهاننا ومن أهانهم فقد أكرمنا، ومن قبلهم فقد ردّنا، ومن ردّهم فقد قبلنا، ومن أحسن إليهم ، فقد أساء إلينا ومن أساء إليهم فقد أحسن إلينا، ومن صدّقهم فقد كذّبنا، ومن كذّبهم فقد صدّقنا، ومن أعطاهم فقد حرمنا، ومن حرمهم فقد أعطانا، يابن خالد، من كان من شيعتنا فلا يتخذنّ منهم وليّاً ولا نصيراً([200]).

موقف الامام علي بن محمد الهادي(ع) من الغلاة

لقد اُبتلي الامام علي بن محمد الهادي(ع) أيضاً بجماعة من الغلاة ادّعت الاُلوهية في الائمة(ع)، وكان زعيمهم رجل يُدعى محمد بن نصير النميري، وإليه نُسبت فرقة النصيرية، وتابعه عليها شرذمة ،على رأسها فارس بن حاتم القزويني وابن بابا القمي.

قال الكشي: وقالت فرقة بنبوّة محمد بن نصير النميري، وذلك أنّه ادّعى أنه نبيّ رسول، وأنّ علي بن محمد العسكري (ع)أرسله ، وكان يقول بالتناسخ والغلو في أبي الحسن(ع)، ويقول فيه بالربوبية ويقول بإباحة المحارم، ويحلل نكاح الرجال بعضهم بعضاً، ويقول إنّه من الفاعل والمفعول به أحد الشهوات والطيّبات، وأنّ الله لم يحرم شيئاً من ذلك ..وكان محمد بن موسى بن الحسن بن فرات يقوّي أسبابه ويعضده. وذكر أنّه رأى بعض الناس محمد بن نصير عياناً، وغلام له على ظهره، وأنّه عاتبه على ذلك فقال: إنّ هذا من اللذات، وهو من التواضع لله وترك التجبر.

قال نصر بن الصباح: الحسن بن محمد المعروف بابن بابا، ومحمد بن نصير النميري، وفارس بن حاتم القزويني، لعن هؤلاء الثلاثة علي بن محمد العسكري(ع)، وذكر أبو محمد الفضل بن شاذان في بعض كتبه أنّ من الكذّابين المشهورين ابن بابا القمي.

وقال سعد: حدّثني العبيدي ، قال: كتب إليّ العسكري ابتداءً منه: أبرأ الى الله من الفهري والحسن بن محمد بن بابا القمي فابرأ منهما، فإنّي محذّرك وجميع مواليّ ، وإنّي ألعنهما عليهما لعنة الله، مستأكلين يأكلان بنا الناس، فتّانين مؤذيين، آذاهما الله وأركسهما في الفتنة ركساً ، يزعم ابن بابا أني بعثته نبياً وأنه باب، عليه لعنة الله، سخر منه الشيطان فأغواه، فلعن الله مَن قَبِلَ منه ذلك، يا محمد! إن قدرت أن تشدخ رأسه بالحجر فافعل فإنه قد آذاني، آذاه الله في الدنيا والاخرة([201]).

وأخرج الكشيّ عن إبراهيم بن شيبة أنّه كتب للامام الهادي(ع) فقال: جعلت فداك، إنّ عندنا قوماً يختلفون في معرفة فضلكم بأقاويل مختلفة تشمئزّ منها القلوب، وتضيق لها الصدور، ويروون في ذلك الاحاديث ، لا يجوز لنا الاقرار بها لما فيها من القول العظيم، ولا يجوز ردّها ولا الجحود بها إذا نسبت الى آبائك ، فنحن وقوف عليها.

من ذلك أنّهم يقولون ويتأوّلون في معنى قول الله عزّ وجل: (إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)([202]) وقوله تعالى:(وأقيموا الصّلاة وآتوا الزكاة)([203]). معناها رجل ، لا ركوع ولا سجود، كذلك الزكاة معناها ذلك الرجل، لا عدد دراهم ولا إخراج مال. وأشياء تشبهها من الفرائض والسنن والمعاصي، قالوها وصيّروها على هذا الحدّ الذي ذكرت لك، فإن رأيت أن تمنّ على مواليك بما فيه سلامتهم ونجاتهم من الاقاويل التي تصيّرهم الى العطب والهلاك. والذين ادّعوا هذه الاشياء ادّعوا أنّهم أولياء، ودعوا الى

طاعتهم، منهم علي بن حسكة، والقاسم اليقطيني، فما تقول

في القبول منهم جميعاً؟

فكتب(ع) : ليس هذا ديننا فاعتزله([204]).

كما أخرج عن سهل بن زياد الادمي ، قال: كتب بعض أصحابنا الى أبي الحسن العسكري(ع): جعلت فداك يا سيّدي، إنّ عليّ بن حسكة يدّعي أنه من أوليائك، وأنت الاوّل القديم، وأنّه بابك ونبيّك، أمرته أن يدعو الى ذلك، ويزعم أنّ الصلاة والحج والزكاة والصوم، كلّ ذلك معرفتك ومعرفة من كان في مثل حال ابن حسكة فيما يدّعي من البابية والنبوة فهو مؤمن كامل سقط عنه الاستعباد بالصوم والصلاة والحج، وذكر جميع شرائع الدين أنّ معنى ذلك كلّه ما ثبت لك ومال الناس إليه كثيراً، فإن رأيت أن تمنّ على مواليك بجواب في ذلك تنجيهم من الهلكة.

فكتب(ع): كذب ابن حسكة عليه لعنة الله، وبحسبك إني لا أعرفه في مواليّ، ماله؟! لعنه الله! فوالله ما بعث الله محمداً والانبياء قبله إلاّ بالحنيفية والصلاة والزكاة والصيام والحج والولاية، وما دعا محمد(ص) إلاّ الى الله وحده لا شريك له.

وكذلك نحن الاوصياء من ولده عبيدالله لا نشرك به شيئاً، إن أطعناه رَحِمَنا، وإن عصيناه عَذَّبَنا، مالنا على الله من حجة، بل الحجة لله عزّ وجل علينا وعلى جميع خلقه، أبرأ الى الله ممن يقول ذلك وانتفي الى الله من هذا القول، فاهجروهم لعنهم الله، والجئوهم الى ضيق الطريق، فإن وجدت من أحدمنهم خلوة فاشدخ رأسه بالصخر([205]).

ويتبيّن لنا أنّ التهرب من أداء الفرائض كالصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها كان من أسباب هذا الغلوّ.

وقد كشف الامام الصادق(ع) هذه النيّة من الغلاة، عندما سأله أحد أصحابه في مقالة قوم يدّعون أن الحسين(ع) لم يقتل، وأنّه شبّه على الناس أمره.. في حديث طويل، الى أن قال له: يابن رسول الله! فما تقول في قوم من شيعتك يقولون به؟ فقال(ع): ما هؤلاء من شيعتي، وإني بريء منهم ... الى أن قال: لعن الله الغلاة والمفوّضة، فإنّهم صغّروا عظمة الله وكفروا به وأشركوا وأضلّوا فراراً من إقامة الفرائض وأداء الحقوق.

وهكذا يتبيّن لنا بجلاء أنّ الائمة(ع) قد جاهدوا جهاداً مريراً ضد الغلو والغلاة، وكشفوا عن نيّاتهم السيئة وأهدافهم الشرّيرة وحذّروا شيعتهم منهم، كما نصح الامام الصادق(ع) شيعته بقوله: احذروا على شبابكم من الغلاة لا يفسدوهم، فإنّ الغلاة شرّ خلق الله، يصغّرون عظمة الله، يدّعون الربوبية لعباد الله، والله إنّ الغلاة لشرٌّ من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا.. ثم قال(ع): إلينا يرجع الغالي فلا نقبله، وبنا يلحق المقصّر فنقبله، فقيل له: وكيف ذلك؟ قال: لان الغالي قد اعتاد ترك الصلاة والصيام والزكاة والحج، فلا يقدر على ترك عادته والرجوع الى طاعة الله عزّوجل ابداً، وإن المقصّر إذا عرف، عمل وأطاع.

ويتبيّن من الرسائل التي كان يرسلها البعض الى الائمة يستفتونهم فيها حول الغلاة، ويشرحون لهم مقالاتهم مبدين قلقهم من انتشارها بين الشيعة، ما يدل على حرص الشيعة المخلصين على صيانة الدين من الغلاة، وقد وقفوا بوجه الغلاة بكل حزم، وناظروهم وأفحموهم في كثير من الاحيان، وعملوا بأوامر أئمّتهم في مقاطعة اُولئك الغلاة وفضحهم.

في تلك الظروف العصيبة. رغم ملاحقة سلطات الجور لهم والتنكيل بهم والتضييق عليهم.

لقد كان من واجبهم الدفاع عن دينهم وعقيدتهم وحماية الاسلام من الانحراف المتمثّل في اُولئك الغلاة وتحذير الناس منهم، ومناظرتهم، وكشف دجلهم وشعوذتهم وألاعيبهم، في الوقت الذي كانوا لا يملكون سلطة تعينهم على الحدّ من نشاط اُولئك الغلاة ، ولم تكن لهم الحرية الكافية في بثّ عقائدهم التي تمثل الاسلام الصحيح وتقف في وجه الانحراف الاُموي والعباسي، والفرق التي تبثّ الغلوّ والانحراف في أوساط المسلمين.

ورغم كلّ ذلك، فقد أثمرت جهود الشيعة المضنية بفضل الله ورحمته وعنايته، وجهاد أئمّتهم الكرام في الدفاع عن الاسلام الصحيح، وصيانته من سيطرة الانحراف عليه.

الفصل الخامس: حقيقة التشيّع

حقيقــة التشيّـع

لم تحظ طائفة من طوائف الاسلام باهتمام المؤلفين والباحثين قديماً وحديثاً، كما حظيت الشيعة بذلك، ويعود السبب في ذلك إلى اُمور، منها: أنَّ الشيعة كانت على مرّ الايام تمثل المعارضة الجادة للاتجاهات المنحرفة التي تبنّتها الحكومات المتعاقبة على العالم الاسلامي. وكانت تلك الحكومات تجد نفسها مضطرّة لتسخير وسائل إعلامها ضد هذه الطائفة وتسعى في الحطّ منها وإظهارها أمام المسلمين بمظهر الفرقة الزائغة عن الحقّ، وتسميتها بالمبتدعة.

ومن ناحية اُخرى فإن التفاف الشيعة حول أهل البيت(ع) ، والاستهداء بتعاليمهم دون سواهم، وما كان يحظى به أهل البيت النبويّمن محبّة واحترام من قبل المجتمع الاسلامي، كان يثير مخاوف هذه الحكومات من أن يبثّ الشيعة تعاليم أهل البيت بين الناس، الذين كان أغلبهم قد وقعوا ضحية التعاليم المنحرفة التي روّجتها الحكومات الظالمة، ونشر الاحاديث المفتعلة المنسوبة للنبيّ(ص)والتي كانت تحاول اظهار هذه الحكومات على أنّها أنظمة إسلامية تستمدّ شرعيّتها من تعاليم الاسلام. لذا كان لابدّ لها من الوقوف بوجه المدّ الشيعي وتحديده لمنع تسرّب أفكاره الثورية الصحيحة في صفوف المسلمين.

فلم تجد هذه الحكومات والحال هذه بداً من الاهتمام بهذه الطائفة، بتسخير وسائل إعلامها المتاحة للنيل من سمعة هذه الطائفة وتنفير الناس منها بنسبة معتقداتها إلى اُصول فاسدة لا تمتّ الى الاسلام بصلة، أو إظهارها كفرقة أجنبيّة عن المجتمع العربي والاسلامي. ونستعرض فيما يلي باختصار الاراء المختلفة في أصل التشيّع والتي يستهدف منها أصحابها تشويه الحقائق وسترها للحيلولة دون الوصول إليها.

شبهة الاُصول اليهودية:

إنّ أخطر التهم التي توجّه للتشيّع هو زعم أنّ اُصوله يهودية تستمد جذورها من تعاليم عبدالله بن سبأ اليهودي الذي تظاهر بالاسلام في وقت متأخر، ورحل من بلاده ـ اليمن ـ ليطوف الحجاز والشام والعراق ومصر ويبث عقائده الفاسدة بين المسلمين والمتمثلة بالقول بأنّ علياً(ع)وصيّ النبيّ(ص).

يقول فريد وجدي: وكان ابن السوداء (عبد الله بن سبأ) في الاصل يهودياً من أهل الحيرة، فأظهر الاسلام وأراد أن يكون له عند أهل الكوفة سوق ورئاسة، فذكر لهم أنّه يجد في التوراة أنّ لكلّ نبيّ وصياً، وأنّ علياً وصي محمد..([206])

وأصل هذه الرواية في تاريخ الطبري([207]) عن طريق سيف بن عمر المطعون في عدالته بشدة من قبل المحدّثين.([208])

وقد نقل بعض المؤرخين الذين جاءوا بعد الطبري الرواية كما هي حتى صارت مشهورة. فاعتمد عليها المؤلفون في الفرق قديماً وحديثاً دون تمحيص أو تدقيق، وهي الرواية التي قال عنها ابن حجر: لايصح سندها.([209])

ولكنّ المؤلفين لم يلتفتوا إلى هذه الحقيقة، بل ظلّوا يرددونها على مرّ القرون، فقال ابن تيمية: لمّا ذهل أعداء الاسلام من قوة هذا الدين ونفاذ سلطانه وسرعة انتشاره، وقفوا قلقين حيارى، ولم يكن لهم قوة لمقاومته بالسيف، فلجأوا إلى طريق آخر للكيد، وهو الدخول في الاسلام نفاقاً، وهدم بنيان الاسلام من الداخل، وتمزيق وحدة المسلمين بنشر الفتنة، والذي فكّر وقدّر ثم دبّر وخطط له، هو عبد الله بن سبأ وشرذمته.([210])

ويمكن ملاحظة اتجاهين مهمّين فيما يتعلق بشخصية عبد الله ابن سبأ: أحدهما يحاول أن يلصق بهذه الشخصية مهمة إثارة الفتنة في الساحة الاسلامية، وتحميلها أوزار كلّ المشاكل التي ظهرت بين الصحابة في زمن عثمان بن عفّان معتمدة على رواية الطبري الانفة الذكر، والتي تعطي لابن سبأ دوراً اُسطورياً غير معقول ولا منطقي، وتجعل من عدد كبير من خيار الصحابة أتباعاً لهذا اليهودي

المتستّر بزي الاسلام، بينما يفترض الاتجاه الاخر أنّها شخصية من نسج الخيال، للرواية الضعيفة التي أوردها

الطبري عنه.

إنّ بعض المصادر التاريخية تفرض وجود هذه الشخصية ولكنها ترفض الدور الخطير الذي نسب إليها. وذلك لان الروايات التي جاءت في مصادر الشيعة والسنّة ـ عدا رواية الطبري ـ تؤكد أنّ هذه الشخصية قد ظهرت في فترة خلافة علي(ع)، وأنّها قد غلت في شخصيته إلى حدّ التأليه، وأنّ ابن سبأ قد وجد أتباعاً له في هذا الاتجاه المنحرف، ولكن حركته لم تكن بذات خطورة كبيرة كالتي يصوّرها بعض الباحثين لاغراض في النفس، ولوكان ابن سبأ بهذه الدرجة من الاهمية، لما أهملته كتب الحديث المعتمدة لدى الجمهور وبخاصة الصحاح التي تخلو من أي إشارة إليه. وقد فطن بعض المستشرقين والباحثين إلى أنّ لتضخيم دور ابن سبأ أهدافاً سياسية اُخرى للنيل من الشيعة، يقول فلهوزن: والحقّ أنّ التلقيب بلقب السبئيّة إنّما كان يطلق على الشيعة وحدهم، واستعماله الدقيق ينطبق على غلاة الشيعة فحسب، ولكنه كلمة ذم تطلق على جميع الشيعة على السواء.([211])

ويقول الدكتور محمد عمارة: أمّا فيما يختصّ بموضوعنا، موضوع التاريخ لنشأة التشيّع فإنّ وجود ابن سبأ ـ على فرض التسليم بوجوده ـ لايصلح دليلاً على أنّ التشيّع ظهر في ذلك التاريخ([212]).. وحتى الشيعة لا يروون عنه شيئاً من ذلك.. ومن هنا فإنّ عصره لا يصحّ أن يتّخذ بدءاً لتاريخ الشيعة والتشيّع بالمعنى الفني المعروف.([213])

لكن المشكلة أنّ قضية ابن سبأ قد باتت تمسّ بعض عقائد الجمهور التي ساهمت السياسة في تشكيلها. ومن المدهش أن يثور جدل عنيف على صفحات بعض الصحف السعودية ـ كصحيفة الرياض وغيرها ـ بين عدد من الاساتذة والباحثين حول دور ابن سبأ الموهوم، وليس من داع لهذا النقاش إلاّ إصرار بعض الباحثين غير المنصفين لردّ عقائد الشيعة إليه من ناحية، ومن ناحية اُخرى فإنّ بعض الباحثين المنصفين إلى حدّ ما ينظرون إلى ابن سبأ على أ نّه يمثّل جزءاً من عقيدة الجمهور، إذ يقول الدكتور حسن بن فهد الهويمل: والجدل حول ابن سبأ يأخذ ثلاثة مستويات:

المستوى السائد عند المؤرّخين الاسلاميين، وهو ثبوت وجوده وثبوت دوره في الفتنة بكلِّ حجمها المبالغ فيه.

والمستوى الاستشراقي والشيعي المتأخر، وهو انكار وجود ابن سبأ، ومن ثم انكار دوره، وعندما أقول الشيعي المتأخر فإنّما اُشير إلى أنّ المتقدمين من الشيعة لم ينكروا وجود ابن سبأ، وإن نفوا بعض أثره.

والمستوى المتوسط، وهو إثبات وجود ابن سبأ والتقليل من دوره في الفتنة، وهذا ما أميل إليه..

ويأتي الدكتور الهلابي ومن بعده حسن المالكي مع تيّار المتشددين المنكرين لوجود هذه الشخصية. ومع قراءتي لما كتبا ووقوفي على الجهد المبذول في التقصيّ، إلاّ أنني لا أطمئنّ لما ذهبا إليه، ولا أرتاح له; لانّ في نسف هذه الشخصية نسفاً لاشياء كثيرة وتفريغاً لكتب تراثية لكبار العلماء من أمثال: شيخ الاسلام ابن تيمية، وابن حجر، والذهبي وغيرهما، فابن سبأ أو ابن السوداء يشكلّ مذهباً عقائدياً، ويشكّل مواقف اُخرى لوتداعت لكنّا أمام زلزلة تمسّ بنايات كثيرة! ([214])

من هنا يتبيّن أنّ مسألة وجود ابن سبأ ودوره الاُسطوري يشكّل اتجاهاً عقائدياً عند البعض، يترتب على وجوده الحفاظ على قدسية التراث بكلّ ما فيه من غث وسمين، وإن كانت الحقيقة أنّ مسألة ابن سبأ قد أصبحت سلاحاً في أيدي المناوئين للتشيّع، في محاولتهم إلصاق عقائدهم به ليس إلاّ.

([180]) الكافي: 8/226.

([181]) الزخرف: 84 .

([182]) رجال الكشيء: 4/592.

([183]) الشعراء: 221 و222.

([184]) رجال الكشي: 4/591.

([185]) يعني قولهم بربوبية الامام.

([186]) رجال الكشي: 4/588.

([187]) الزخرف: 84.

([188]) المؤمنون: 51.

([189]) اُصول الكافي: 1/269.

([190]) سورة الرعد: 16.

([191]) رجال الكشيء: 6/777.

([192]) الشورى: 50.

([193]) رجال الكشي: 6/778.

([194]) رجال الكشي: 6/779.

([195]) عيون أخبار الرضا(ع): 1/218 باب 46 ح 2 .

([196]) الاعتقادات للشيخ الصدوق: 99، الاية في سورة نوح: 26 و 27 .

([197]) عيون أخبار الرضا(ع): 1/219 باب 46 ح 4.

([198]) الانعام: 108.

([199]) عيون أخبار الرضا(ع): 2/272 باب ما كتبه الرضا(ع) ح 63.

([200]) عيون أخبار الرضا(ع): 2/130 ـ 131، ح 45.

([201]) رجال الكشي: 6/805 الرقم 999 .

([202]) العنكبوت: 45 .

([203]) البقرة: 43 .

([204]) رجال الكشي: 6/803.

([205]) رجال الكشي: 6/804 .

([206]) دائرة المعارف، القرن العشرين: 5/17.

([207]) تاريخ الطبري: 3/378، أحداث سنة 35 هـ .

([208]) قال ابن معين: ضعيف الحديث، وقال مرة: فلس خير منه. وقال أبو حاتم متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي، وقال أبو داود: ليس بشيء. وقال النسائي والدار قطني: ضعيف. وقال ابن عدي: بعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة لم يتابع عليها. وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الاثبات. قال وقالوا: إنّه كان يضع الحديث. قال ابن حجر: بقية كلام ابن حبان: اتهم بالزندقة. وقال البرقاني عن الدارقطني: متروك. وقال الحاكم: اتهم بالزندقة وهو في الرواية ساقط. انظر تهذيب التهذيب: 4/ 259 ـ 260.

([209]) لسان الميزان: 3/289 ترجمة عبد الله بن سبأ.

([210]) الصارم المسلول: 1/246.

([211]) الخوارج والشيعة : 28 .

([212]) قد عرفت سابقاً أنّ التشيع قد بدأ في حياة الرسول الاعظم(ص)، أي في زمان لم يكن فيه أثر وذكر من ابن السوداء.

([213]) الخلافة ونشأة الاحزاب السياسية: 155.

([214]) صحيفة الرياض 4 ربيع الاول 1418 هـ.

/ 10