إطلالة علی مکتسبات الثورة الاسلامیة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

إطلالة علی مکتسبات الثورة الاسلامیة - نسخه متنی

محمدرحیم عیوضی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


2 ـ الدين والسياسة وكفاءة الحكومة الدينية :

ينبغي اعتبار موضوع كفاءة النظام السياسي وفاعليته من جملة المواضيع
الغامضة المضببة المثيرة للجدل بدرجة كبيرة . ذلك إنّ الحكم على الكفاءة أو عدمها
يعزى غالباً إلى التجارب والمطالبات ومشاعر الأفراد والمحللين ، ولا يتسنى أن يكون
له مصداق بين الأنظمة ، بمعنى أن من غير الممكن أن يكون النظام السياسي غير كفوء
مطلقاً ، رغم ما قد ينطوي عليه من نواقص وثغرات في مختلف أجزائه . وإذن ، بصرف
النظر عن تطبيق موضوع الكفاءة على حكومة دينية أو غير دينية ، ينبغي أن لا ننسى أنّ
الأحوال الموضوعية تصنف بين طرفين متناقضين هما الكفاءة المطلقة وعدم الكفاءة
المطلق ، وما يمكن التداول بشأنه ومناقشته هو الاتجاه المستقبلي الذي يمكن التكهن
به في ضوء معطيات الأنشطة الحالية . وإذن فالكفاءة مفهوم نسبي يلفه الغموض إلى حد
كبير . ويعزى غموضه بالدرجة الأولى إلى المعايير والمناطات المستخدمة في اصدار
الأحكام . وبالتالي فإن أي تحليل يرتكز إلى كيفية الوضع القائم من حيث الكفاءة أو
عدم الكفاءة سيغوص في لجة عاتية من الأحكام المسبقة ، تجعل نقده وتشخيص سلامته أو
سقمه متجهاً قبل كل شيء صوب التصورات الخفية التي تخيم بظلالها على رؤية المحلل ،
وبعد ذلك فقط يتسنى فحص الأدلة بدقة وتأن .

نسوق هنا مثالاً من أجل ايضاح الفكرة . نشرت الاكونوميست في السادس من
نيسان 1996 تقريراً اكتنف تصورات جديدة حول التعليم والعمالة ، أوردت فيه أمثلة من
بلدان الولايات المتحدة وبريطانيا واستراليا وألمانيا . ويعد المثال المطروح حول
الولايات المتحدة نموذجاً مناسباً للدخول إلى اشكالية الكفاءة وتحديد معاييرها
ومصاديقها . بحسب تقرير الاكونوميست فإن «وزارة العمل في الولايات المتحدة
الأمريكية تمتلك ميزانية قدرها خمسة مليارات دولار للتعليم الحكومي . يقول القائمون
على التعليم في أمريكا في تقييمهم الآثار الناتجة عن رصد هذا الرقم الكبير على
الكفاءة العملية للمتعلمين ، أنّ : الصفر رقم مناسب ! ويقول جيمز هكمان من جامعة
شيكاغوورئيس قسم باحثي التعليم الحكومي في أمريكا أن رصد هذا المبلغ الكبير لتعليم
الشباب ، لم يكن له أي تأثير في الشباب ما دون الحادية والعشرين . بل أدّى إلى
خسرانهم العائدات التي كان بوسعهم أن يكسبوها عن طريق مزاولة الأعمال غير التخصصية
طوال الفترة التي أمضوها في التعلّم»([30]) .

في ضوء هذه المعطيات ، يتضح التباس مفهوم الكفاءة أكثر من السابق ، خصوصاً
إذا اعتبر الصفر رقماً مناسباً . وعلى ذلك يمكن السؤال : ما هي حقاً الكفاءة
والفاعلية ، وما هو معناها ؟ هل للكفاءة مفهوم محدد بتخوم ومعايير ومناطات واضحة ؟

كما يجوز الاشارة إلى عدم التناسق العملي بين «الخطط» و «النتائج» ،
فالنتائج لا تتطابق ولا تقترب دائماً من الأهداف المرسومة مسبقاً في الخطط . وبهذا
لو افترضنا أن الخطط توضع لبلوغ أهداف معينة ، لا يمكن أن نعزو التباين بين النتائج
والأهداف إلى مجرد ثغرات ونواقص تضمنتها الخطط ، بل إن هذا الأمر يلفت انتباهنا إلى
متغيرات أخرى لا نعرفها أو إننا غفلنا عنها ، ولا بدّ من التحري لاكتشافها وأخذها
بنظر الاعتبار . وحيث إنّ «النتائج» من أوضح المعايير لتقييم الكفاءة والفاعلية
يتسنى الخلوص إلى هشاشة وضعف تحليلات من هذا القبيل تتسم باحادية البعد والنظرة .

تبين لحدّ الآن إجمالاً ، إن مناقشة الكفاءة تستدعي ملاحظة نقطتين :

1 ـ نسبية مفهوم الكفاءة .

2 ـ غموض مفهوم الكفاءة .

وبعبارة أخرى ، فإنّ الكفاءة شأنها شأن مفاهيم مثل «الأمن» و «القوة» مع
إنّها تفتقر لتبلور موضوعي خارجي ، بيد أن لها وجوداً لا سبيل إلى انكاره ، ولا
يتسنى القول إن مناقشة كفاءة أو عدم كفاءة أحد أنواع الأنظمة السياسية مناقشة عقيمة
غير مجدية . ولكن من الضروري التفطن فضلاً عن النقطتين أعلاه ، إلى عامل آخر هو
مجموعة الظروف وطبيعة الزمن التي تكتنف في داخلها موضوع النقاش . ولما كان هذا
الموضوع مما لا يمكن معالجته في الفراغ إذن لا مندوحة للتقييم من مقارنة تأخذنا إلى
مديات أعمق في مفهوم الكفاءة . ففي المقارنة نحتاج إلى معرفة دقيقة وكاملة
للمتغيرات التي نجترح تقييمها ومقارنتها ، ولمعنى ومكانة كل واحدة منها في ظروفها
الخاصة . وبالتالي ، فإن أي استنتاج نهائي حول كفاءة نوع معين من أنظمة الحكم لن
يبدو مستساغاً إلاّ إذا تحاشى أوّلاً اصدار أحكام مطلقة حول كفاءة النظام أو عدم
كفاءته ، وثانياً بما أن هذا المفهوم ناجم عن رؤية تخصصية للقضايا الاجتماعية
بصيغتها العامة ، لذلك يجب أن يتركز على حالات خاصة محددة .

في ضوء ما ذكرناه ، فإن كفاءة الحكومة الدينية مقارنة بسائر الحكومات غير
الدينية ، اشكالية لا يتاح لها من الناحية النظرية أن تتخطى سلسلة من الكليات
العامة . ولكن في خصوص «الجمهورية الاسلامية» كنظام سياسي سعى أن يبني دستوره
وممارساته على أساس قوانين الدين الاسلامي والمذهب الشيعي ، يتسنى الاشارة إلى بعض
الحالات بنحو أكثر تحديداً ، بيد أن تفصيل ذلك يستلزم دراسات ميدانية موسعة على شتى
الصعد ، وتشخيص المشكلات بصورتها التفصيلية الدقيقة . ومثال ذلك ، التحقيق في
النزعات العامة أو الخاصة في سلوك موظفي الدوائر ، أو غيرها من الحالات والموضوعات
المحددة الأخرى التي يمكن أن تتمخض عن نتائج معينة واضحة لا لبس فيها ، ما يضفي على
التحقيق صبغة تطبيقية . وبغير ذلك فإن أي مناقشة لموضوع الكفاءة لن تكون مجدية
مفيدة ، إذ أنّ الهدف الأصلي من التداول في قضية الكفاءة هو تشخيص الثغرات وردمها ،
وليس الغاءً شاملاً للنظام بمفهومه السوسيولوجي .

ما يمكن الالماح إليه نظرياً وبصورة موجزة طبعاً ، هو أنّ الحكومة الدينية
(الاسلامية) تلتزم شروطاً وقواعد رغم انّها مطلوبة لأجل الانسان ، غير أنّ الانسان
ليس هو مصدرها وصانعها . النقطة الرئيسة في هذا المضمار هي وجود «الأحكام» وضرورة
تطبيقها ، الأمر الذي يكشف المنحى الانثروبولوجي في الدين الاسلامي . لقد عالج جان
جاك روسو ضرورة وجود مشرع متعالي على الانسان بدقة مميزة في كتابه المعروف «العقد
الاجتماعي» :

لأجل اكتشاف أفضل القوانين النافعة للأمم لا بدّ من عقل أرقى يرصد ويرى
جميع الشهوات الانسانية لكنه لا يشعر بأي شيء ، ولا تكون له أية صلة بالطبيعة ،
إلاّ أنه يعرفها حق المعرفة . ولا تكون سعادته مرتبطة بنا بيد أنه على
استعداد لمساعدتنا من أجل بلوغ السعادة . وأخيراً يجب أن يكتفي بمفاخر يعلن عنها
بمرور الزمن ، أي أنه يقدم الخدمات خلال قرن من الزمان ، ويحصد النتائج في القرن
التالي([31]) .

والواقع ، بما أنّ الاسلام يتوكأ على الأحكام بوصفها إطاراً للعمل
والممارسات ، وكذلك امكانية تغيير الأحكام الموجودة (الأحكام الثانوية) واستنباط
أحكام جديدة ، لذلك كان من واجب الحكومة الدينية تمهيد الأرضية وتوفير المقدمات
اللازمة لترشيد الانسان باتجاه بلوغ الأهداف المتسامية . وهكذا لا ينهض النسق
الاجتماعي على مجرد الوجدان والوعظ الأخلاقي . وهذه نقطة على جانب كبير من الأهمية
يؤدي اغفالها إلى احباط النقاش حول الحكومة الدينية وضروراتها وما تواجهه من تحديات
ذلك أنّ المائز الرئيس بين الحكومة الدينية (الاسلامية) والحكومات غير الدينية يعود
إلى المعرفة بالانسان وبالعالم وطريقة ادارته . الأخلاق والأحكام والحقوق تشابكه في
الاسلام ، والانسان ـ فرداً ومجتمعاً ـ يفسر حياته ويتحرى معناها ابتناء على مكانته
في نظام الخلقة . أمّا الحكومات غير الدينية فبفصلها بين الدين والسياسة وايحائها
بتفاسير مادية بحتة للحياة ، تقحم ضرورة الحياة ومعناها في غموض عميق وشكوك لا علاج
لها ولا اجابات ناجعة .

هذا ادعاء كان يمكن تأييده والقبول به ، وحسبنا أن نلقي نظرة إلى تجارب عدة
قرون من المكابدات الفكرية العملية للأنظمة السياسية ـ الاجتماعية في العالم
الغربي . فقد حاول الغربيون في العصر الحديث عبر الابتعاد عن قيود دينهم ـ الأمر
الذي شمل كافة الأديان تدريجياً ـ من ناحية ، والافادة من محصلات النزاع بين القوى
الداخلية للأفراد ، وايجاد منظومات اجتماعية وسياسية واقتصادية مؤثرة في السيطرة
على السلوك الفردي والاجتماعي للانسان من ناحية ثانية ، الخلوص إلى صناعة مجتمع
أفضل وأرقى . على أنهم أخفقوا في ذلك ، أو قل إنّهم لم يحرزوا نجاحات ملحوظة .

في كتاب «الأهواء النفسية والمصالح» يستقي آلبرت هيرشمن من مصادر ألمانية
وبريطانية وفرنسية ليعالج الوضع الراهن في الغرب ، ويقول :

الاصرار على أخذ الانسان «كما هو فعلاً» له ايضاحه البسيط . انبثق خلال عصر
النهضة ظن أضحى عقيدة راسخة في القرن السابع عشر ، فحواه أن كتب الأهواء النفسية
المدمرة للانسان ما عاد متاحاً بواسطة فلسفات وعظية حكمية دينية ، إنّما يتعين
التوسل بأساليب جديدة .. عموماً ينبغي انطلاقاً من صياغة نموذج الأفعال الانسانية ،
اكتشاف أساليب أعمق تأثيراً من المواعظ الأخلاقية أو الانذار من العذاب الإلهي([32]) .

ويكتب في خاتمة الكتاب كاستنتاج ذي منحى محافظ تجاه الرأسمالية :

في أحد أبهر وأنفذ ... النقود ] على
الرأسمالية [ جرى التشديد على الطابع الكبتي والاغترابي للرأسمالية . وهو الطابع
الذي يحول دون تمدد «الشخصية الانسانية المتكاملة» . وهذه تهمة تعد من وجهة نظر
الرسالة الحالية غير منصفة بعض الشيء ، إذ لم يكن المتوقع من الرأسمالية غير هذا
أساساً . بل كان المقرر أن تكبت بعض الدوافع والنزعات من أجل خلق شخصية انسانية
تبتعد قدر الامكان عن التعددية في الإبعاد والقدرة على الإدهاش ، وتقترب ما أمكن من
النمطية والاحادية»([33]) .

بملاحظة جوانب كثيرة أشرنا إلى بعضها في السطور السابقة ، يمكن القول أن
هداية الانسان صوب التعالي والحرية والكمال وئدت بقسوة وأفرغت من معناها . بتعبير
آخر ما تحقق في العالم الانساني أثر المساعي الفكرية والعملية لقرون طويلة بدا
ضئيلاً هزيلاً بامتياز مقارنةً مع ما تحقق من تطورات تقنية ، والسبب هو اهمال وكبت
بعض الحاجات الفطرية للانسان ومنها نزعته إلى الدين .

وبهذا ظهرت الحكومات غير دينية نتيجة تأليه الانسان ومركزيته وبث روح
العصبية المجانبة للدين والمحاربة له في تكوين الرؤى وانتقاء السلوكيات ، إلاّ أن
مجتمعات وسياسات أفضل وأكثر انسانية لم تظهر إلى النور نتيجة تلك الانساق النابذة
للدين .

يسوق العلاّمة الطباطبائي دليلاً جد لطيف في هذا الباب إذ يقول : إنّ
القوانين البشرية تشرف على أعمال البشر ، لا على مشاعرهم الداخلية وأحاسيسهم
الخفية ، والحال أنّ الاختلاف ينبع من الشعور الداخلي والأنانية والأحاسيس الخفية([34]) .

ويشير كذلك في بحث حول التباينات المنهجية بين الحكومة الدينية والحكومات
غير الدينية ، إلى جملة نقاط منها ذلك المنهج الذي أوضحه هيرشمن ، أي التوكيد على
«المصلحة» و «النفع» كمرجع في العلاقات الاجتماعية بالمفهوم الواسع للكلمة . يقول
العلاّمة الطباطبائي إن من أكبر التفاوتات بين هذا المنهج والمنهج الاسلامي هو أن
هذه المجتمعات بما أنها تقوم على اساس التمتع واللذة والمصالح المادية ، لذلك
تسودها روح الاستثمار والاستخدام وهي روح التكبر الانساني التي تخضع كل شيء لارادة
الانسان وممارساته العملية . وحتى الانسان تخضعه لارادة الانسان وأعماله . إنّها
روح تسمح بالوصول إلى أي شيء عن أي طريق كان ، والهيمنة على كل شيء يهواه الانسان
ويتمناه لنفسه ولمصلحته . إنّه منهج لا يختلف بشيء عن الاستبداد الملوكي الذي ساد
خلال الأعصار الماضية ، وتحول الآن إلى اجتماع مدني([35]) .

باختصار ، لنا أن نقول أنّ الركون إلى الأحكام الإلهية والقبول بضرورة
تطبيقها ، تجعل الحكومة الدينية أعمق تأثيراً من سائر الحكومات ، باعتبار أنها تفيد
في مقام ادارة الشؤون الانسانية ، من معارف متعالية على البشر . وطبعاً لا ننسى أن
هذا الأمر يعد من أصعب المشاريع على مستوى العمل ، ويحتاج إلى معرفة ووعي وامكانات
كثيرة في شتى المجالات تخول الحكومة الدينية ايجاد مقدمات تسامي الانسان ، وتثمير
مواهبه وتفجير طاقاته .

الموضوع الآخر الذي لا بدّ من الافصاح عنه في هذه العجالة هو الرؤية
التوحيدية في الحكومة الدينية ، والتي تسفر عن انجاز ابداعات وابتكارات مذهلة
باعتبارها نموذجاً ورمزاً لعبودية الله والتحرر من الرضوخ لهيمنة الآخرين . إن نعمة
الحرية والانعتاق من فكرة الاستسلام للآخرين ، تحقق للانسان عزته وكرامته ، وتجعله
قادراً على عدم الضياع وسط تكثرات العالم ، والسير في طريق السعي لادراك الوحدة في
عالم الوجود وتعزيز الرؤية التوحيدية . وهكذا تتبلور روح مناؤة التكبر ومجابهة
المستكبرين كصفة ايجابية على شكل ملكة دائمة في السلوك الفردي والاجتماعي
والحكومي . وكمثال من السلوك الحكومى ، تمكن الاشارة للالتزام بقاعدة نفي السبيل([36]) .

إن أهمية هذه الرؤية تتضح أكثر إذا ما استحضرنا طبيعة التشتت والفصام
السياسي في عصرنا الحاضر ، والتعدديات الكاذبة التي تشيع في العالم اليوم بناءً على
أنانيات البشر ومحوريتهم في تنظيم المطاليب والقيم ، وتتسبب في الكثير من المصائب
والويلات . يثير المفكر الفرنسي ميشيل فوكو نقطة ملفتة في خصوص ماهية السياسة
المعاصرة ، بمقدورها تعميق وعينا لهذه الموضوعة أكثر . فهو يرى أنّ «السياسة ليست
ذلك الشيء الذي تحاول هي اظهاره والايحاء به ، اي تبلور ارادة عامة ،ا نّما السياسة
لا يمكنها العيش والتنفس إلاّ في مناخ تكون فيه تلك الارادة مبضّعة ممزقة مترددة
تائهة ، وغير واضحة حتى في عينيها هي»([37]) .

وعليه ، كلّما تضاعف الوعي التوحيدي للعالم ، ازدادت السياسة انسانيةً ،
وبمقدار ما تخفت الرؤية التوحيدية ، يزداد التشتت والتمزق والتناشز ، وهذا واقع
نشاهده اليوم أمام أعيننا . وبايجاز يتسنى القول بما أنّ الحكومة الدينية تعترف
رسمياً بحضور الدين وقيوده ، فهي تتمتع بصلاحية وامكانية توفيق أعلى من الحكومات
غير الدينية الجانحة إلى إقصاء الدين عن المسرح الاجتماعي . بيد أن هذه المهمة
تستلزم بطبعها كوادرها وامكاناتها الخاصة حتى يتسنى استيعابها والعمل بها . وإذن ،
تربية الانسان هي المتغير الأصلي في نجاح وتحقق الحكومة الدينية .

بخصوص تقييم الآثار العملية لإسهام الدين في السياسة ونظام الحكومة في
ايران بعد انتصار الثورة الاسلامية وضمن اطار الجمهورية الاسلامية ، من الضروري
دائماً استحضار نقطتين : الأولى الأرضية الاجتماعية الرصينة العميقة للدين الاسلامي
والمذهب الشيعي في ايران . والثانية أحقية الدين الاسلامي . الجدير ذكره انّه على
الرغم من عدم امكانية انكار وجود بعض الخرافات والعقائد المنحرفة المحسوبة على
الاسلام ، بيد أن أحقية الاسلام كدين إلهي تخولنا التحدث عن علاقة المخلوق
بالخالق . وهي علاقة شعر بها الايرانيون في شتى أطوار حياتهم فدفعتهم دوماً نحو
الدين ونحو المحافظة المستمرة على هذه العلاقة واستحضارها أثناء المبادرة إلى أي
فعل أو نظر . وبالتالي فمن الواجب عند فحص سلوك الايرانيين وتحليله أخذ هذا المتغير
المهم بنظر الاعتبار . لقد كان للدين وعلماء الدين دور حاسم في توجيه الجماهير
الايرانية صوب الثورة على النظام الشاهنشاهي ، وقد اعتمد قائد الثورة الاسلامية على
العامل الديني في تكريس حقوق الشعب بعد انتصار الثورة الاسلامية ، واتاحة الفرصة
لمساهمة أكيدة للنساء والرجال الايرانيين في مختلف الصعد ، ومنها على سبيل المثال
الحرب المفروضة التي تحولت بفضل العامل الديني إلى ملحمة دفاع مقدس أنتجت قوات مثل
«التعبئة» وأهدت الثقافة التعبوية كمفخرة خالدة ، بينما لم يكن بالمقدور طبق كل
المعايير والقواعد المعروفة ادارتها والسيطرة عليها . كما استطاعت هذه الملحمة في
عالم تسير فيه «الشجاعة» حسب ثقافة قوته العظمى صوب الضمور والاضمحلال([38]) ،
أن تربي أفراداً شجعاناً يصنعون التاريخ ، وتبشر بعالم جديد يقوم على أساس العدل .
إن إحياء ثقافة الاستشهاد أو روح عدم الفزع من الموت على حد تعبير الشهيد
بهشتي ، أدى إلى اضطراب المعادلات المألوفة القائمة على المصالح المادية والأموال
فقط ، وخلقت قوة جديدة تدعمها الحكومة الدينية والقيادة الدينية العارفة بحقيقة
الدين .

إن استعادة استقلال البلاد وانهاء اطماع ونهب الأجانب لخيرات الشعب ، مما
جرى التشديد عليه في الدستور ، وتحقق على المستوى العملي فعلاً ، واليوم فإن إيران
تجرب عهداً جديداً لكنه صعباً بفضل التعاليم الدينية ورصيدها التنفيذي ، والحكومة
الدينية المتمثلة في اطار نظام الجمهورية الاسلامية . انّه عهد تنكرس فيه القدرات
الفتية للجمهورية الاسلامية باضطراد ، ولهذا تواجه تحديات حقيقية من قبل القول
الكبرى والمستكبرة في العالم . وبكلمة أخرى ، فإنّ القوى الكبرى ، أُرغِمت على قبول
ايران الاسلامية وحكومتها الدينية كمنافس قوي ، فراحت تضع المخططات للتأقلم معها أو
القضاء عليها . عموم تدل هذه الحالات على وجود نعمة «الثقة بالنفس» في ايران
الثورة ، وإن بوسع هذه السيمياء معالجة وتذليل جميع الصعوبات . ومن الأمثلة على ذلك
احراز تقدم ملحوظ في التقنية النووية والقدرة على انتاج وتكثير وتجميد خلايا
الانسان الجنينية .

والملفت للانتباه إلى جانب هذه الأمور ، هو صناعة مفهوم القيادة ، وتقديمه
عملياً على مدى عشرة أعوام من ادارة الحكومة بملاحظة تعاليم الدين الاسلامي وقيمه .
إن هذا واقع لا ينكر وقد اعترف به حتى الأعداء ، وتكمن أهميته الكبرى في خلق
«الايمان» بـ «امكانية» التحرك نحو السلطة وامتلاكها في سبيل ترشيد الانسان وتساميه
وتطبيق العدالة . بتعبير آخر ، يمكن الاقتراب من السلطة من دون التلوث بالفساد ،
وليس هذا وحسب بل واستخدامها فى سياق تحقيق العدالة والحرية . هذا في حين يرى
ويعترف المفكر الفرنسي العميق والذكي الكسي دوتوكويل «إن مما لا يمكن اخفاؤه أنّ
المؤسسات والأعراف الديمقراطية تثير الحسد بشدة في قلب الانسان»([39]) .
ويعتقد أن «إن عامة الناس لا تتاح لهم أبداً الفرصة والوسيلة لمثل هذا الاختبار ] سلسلة
دراسات مستفيضة ومعارف منوعة [
فهم يخدعون دائماً بالضرورة . فالنصابون يعرفون أفضل من غيرهم أسرار اجتذاب
الجماهير وارضائهم ، بينما يخفق معظم أصدقاء الجماهير الحقيقيون في هذا الطريق»([40]) .

يذهب توكويل إلى أن عالم السياسة يستلزم حيلاً ومخادعات تزهد الأتقياء
فيها ، فيعزفون عن المشاركة في ميادين السياسة حفظاً لتقواهم وطهارتهم ، والجماهير
عاجزة هي الأخرى عن معرفة المدراء والتنفيذ بين الأفضل ، وبالتالي يتعذر «الانتخاب
الجماهيري» و «القيادة المتقية» في الحكومة الجمهورية . من هنا أمكن القول أن أحد
أعظم مكتسبات الثورة الاسلامية هو قيادتها ، التي رغم أنها تعد من أسباب الصحوة
الثورية واستمرارها ، إلاّ أنّها من ناحية أخرى صنيعة هذا الكفاح الطويل . وهذا على
غرار ما كان يؤمن به هذا القائد الكبير من أن : في القيام لله تتأتّى وتحصل معرفة
الله([41]) .

وعلى هذا ، فقد تمّ تقديم مركباً من القيادة الجماهيرية ومحورية الدين
للعالم المعاصر ، يتعارض بصراحة مع الفهم الشائع لـ «القيادة السياسية» ، خصوصاً
وإنّ النظرة السلبية للدين بل ومعاداة الدين ، لم تترك أي مجال لنظرة ايجابية للجمع
بين القيادة السياسية والدينية ، كمشروع لاستثمار السلطة من أجل حماية مصالح عموم
أفراد المجتمع . ويبدو أن استيعاب القيادة الدينية في عالم سياسي يُعرّف بدون عنصر
الدين ليس له معادِلاته المناسبة . فحينما يراد تصور القيادة في إطاره ،
ستهبط وظيفة القيادة من قمة «الهداية» إلى قاع «السيطرة» ،ولهذا لا يتاح الحديث عن
علاقة بين القائد والجماهير ، وإذا ما وجدت شواهد لذلك ، فلن تكون أكثر من مصاديق
لخداع الجمهور . ومن المناسب أن نعلم أن مفردة السيطرة (كنترل) في الترمينولوجيا
الانگلوساكسونية عادة ما تستخدم بمعنى السلطة والقيادة والادارة وفرض القيود .
فمثلاً ، ادارة شؤون البلاد وقيادة الأنشطة الجماعية من مصاديق السيطرة . ففي
الرؤية الانگلوساكسونية تعتبر كل أنواع التدخل والتأثير في سلوكيات الآخر وقراراته
شكلاً من أشكال السيطرة([42]) .

وعلى هذا ، بادرت قيادة الثورة توكّأً على التربية الدينية وجهادها
المتواصل ، إلى تأسيس وهداية نظام سياسي جديد ، تمتعت فيه حقوق الشعب ، فضلاً عن
الحكام ، بمكانة جد رفيعة . وهذا ما كانت له مصاديقه لا على مستوى الشعارات
والخطابات وحسب ، بل وفي الدستور وعلى المستوى العملي أيضاً ، كاقامة الكثير من
الانتخابات الحرة في البلاد ، كما أن سلوك ومنهج الإمام الخميني كقائد سياسي ـ ديني
للحكومة الايرانية بعد شباط 1979م أدّى إلى استمرارية الثورة الاسلامية حتى بعد
وفاته خلافاً لبعض الآراء والتكهنات ، وإلى معالجة موضوع «البديل» المعقد والحساس
والصعب جدّاً ، بكل يسر وايجابية وسرعة وسهولة ودقة ، وعلى أساس ذات المسار الذي
كان في البداية . فتواصلت القيادة بمعناها الجديد ـ وهو القيادة السياسية إلى جانب
معرفة وملاحظة القيود الدينية ـ على شكل مؤسسة قانونية مؤثرة في تطوير نظام
الجمهورية الاسلامية وتحقيق أهداف الثورة الاسلامية .

والآن ، من الحري أن نسلط الأضواء شيئاً ما على الأرضيات والتجليات
الاجتماعية لعناصر الثقة بالنفس ، والعزة الدينية ، ونماء المعارف العملية ، لنكون
قد تلمسنا بنحو أوضح ظواهر التعاون والتماشي بين الحكومة والجماهير . سنتابع هذا
الموضوع في الأقسام اللاحقة مشددين على محور «تعميق التدين» في ايران بعد انتصار
الثورة الاسلامية .

/ 17