التوزيع الاستراتيجي لليهود في شبه الجزيرة
وتتضح خارطة
التوزيع الاستراتيجي لليهود في شبه الجزيرة على النحو التالي :
1 ـ يثرب (المدينة)
:
سكن
اليهود يثرب ، وكان يسكن معهم من غير «بني اسرائيل» بطون من العرب ، وظل
اليهود أصحاب يثرب حتى جاء (الأوس والخزرج) ، فنزلوها واستغلوا الخلافات التي
كانت قد وقعت بين اليهود فتغلّبوا عليهم ، وسيطروا على يثرب ، وقسموها فيما
بينهم فلم يبق لليهود أيّ سلطان عليها17 .
وتمركز (بنو
قينقاع) وعددهم حوالي (1000 شخص) في قلب يثرب ، وتمركز (بنو قريظة) وعددهم
حوالي (1500 شخص) في ضواحي يثرب ، باتجاه الجنوب الشرقي ، بمنطقة مهزور على
بعد بضعة أميال من يثرب ، وتمركز (بنو النضير) وعددهم حوالي (1500 شخص) في
ضواحي يثرب ، في اتجاه الغرب ، بمنطقة بُطحان بالعالية على بُعد ميلين أو
ثلاثة من يثرب ، وكانت عامرة بالنخيل والزروع18
ومن
بين اليهود الذين سكنوا يثرب وضواحيها بطون صغيرة أخرى كبني عكرمة وبني ثعلبة
، وبني محمر ، وبني زعورا ، وبني عوف ، وغيرهم ، إلاّ أنّ هذه البطون الصغيرة
كانت تابعة في سياستها للبطون الكبيرة ! كبني قينقاع والنضير وقريظة
.
2 ـ خيبر
:
تمركز (بنو
خيبر) وعددهم حوالي (3000 شخص) على بعد مئة ميل شمال المدينة ، وهم أشد
اليهود قوة ، وأوسعهم ثراءً لخصوبة أرضهم ، وكثرة مزارعهم وبساتينهم ، وضخامة
حصونهم ومتانتها .
وخيبر موضع
غزير المياه ، عرف واشتهر بزراعته ، وبكثرة ما به من نخيل.
وعند إجلاء
اليهود عن خيبر تفرّقوا ، فذهب بعض منهم إلى العراق ، وبعض آخر إلى الشام ،
وبعض منهم الى مصر ، وقد بقوا ـ في كلّ هذه المواضع ـ متعصبين (لخيبر)19 .
3 ـ فدك وتيماء
:
تمركزت فيهما
تجمعات صغيرة تقدّر بحوالي (1000) شخص .
وفدك موضع
غلب عليه اليهود . وسكانهُ مثل أغلب يهود الحجاز ، مزارعون عاشوا على الزراعة
، كما اشتغلوا بالتجارة ، وببعض الحرف التي تخصص فيها اليهود مثل : الصياغة
والحدادة والنجارة .
أما
(تيماء) : فهي من المواضع القديمة ، وتعتبر ملتقى طرق هامة يسلكها التجار .
وقد استبدّ بها اليهود ، فأقاموا بها ، وجعلوها من أهم مستوطناتهم في الحجاز
(وقد نعتت تيماء في بعض الأشعار بتيماء اليهود)20 .
4 ـ وادي القرى
:
وادي القرى
من المواضع التي غصّت باليهود ، فكان أكثر أهله منهم ، وقد حفروا به الآبار ،
وتحالفوا وعاشوا مع الأعراب يعملون بالزرع21 .
والتوزيع
الاستراتيجي لليهود في شبه الجزيرة العربية حقّق لهم الأهداف التالية
:
1 ـ
السيطرة على شمال الحجاز من المدينة حتى حدود الشام (تقدر المسافة بحوالي 400
كم) ، وينطوي هذا الهدف على السيطرة الاقتصادية ، وامتلاك زمام الثروة ـ بكل
مصادرها ـ في هذه المنطقة الغنية بمواردها الطبيعية ، التي عمل اليهود على
استغلالها واستثمارها .
2 ـ
تأمين التجمعات اليهودية من التهديد ، أو الغارات ، أو الغزو ، فان انتشار
التجمعات الفرعية من حول منطقة التجمع الرئيسية في المدينة وخيبر في اتجاه
الشمال والشرق والغرب ، يتيح الفرصة للحصول على معلومات مبكرة عن أي تهديد ،
أضف الى ذلك ما يتيحه أسلوبهم ـ في بناء مستعمراتهم وتحصينها ، وتحصين
منازلها ، وتخزين السلاح والمؤن بها ـ من أسباب الأمن والوقاية والمقدرة
الدفاعية .
3 ـ
تجنب الاحتكاك بقريش التي كانت تمثل أكبر قوة اقتصادية وسياسية وتجارية عربية
; وذلك بالابتعاد عن مكّة ، وتجنب التمركز فيها ، وخاصة أن بها الكعبة التي
يقدّسها العرب ، كأثر من آثار أبيهم إبراهيم وإسماعيل (عليهما
السلام) . هذا فضلا عن أن بيئة مكّة الطبيعية لم تكن تناسب
اليهود ، وكان اقتصادها قائماً على الرحلات والتنقل ، واليهود ليسوا من الصنف
الذي يجمع الثروة بمثل هذا الطريق الشاق ، ولا ممن يستريحون لأولاد إسماعيل ،
والمقدسات التي يقدسها العرب الأميّيون ، والمسلمون فيما بعد .
ويمكن القول
: إنه لو لم يكن للعرب القرشيين في جنوب الحجاز من المقام الأدبي ، والنفوذ
الاقتصادي ، والقدرة العسكرية ; لكان من الممكن للنفوذ اليهودي أن يمتد ويتسع
.
4 ـ
استغلال ظروف المنطقة ، والصراعات للإثراء وتأمين الاستيطان . فقد استغل
اليهود ما كان بين الأوس والخزرج من صراعات وحروب وثارات في الجاهلية بما يلي
، على سبيل المثال :
أ ـ
إقراض الأموال والتعامل بالربا .
بـ
ـ بيع السلاح لكلّ من الطرفين .
جـ
ـ العمل على استمرار الصراع بين الأوس والخزرج ، فتنشغل القبيلتان به عن
مواجهة اليهود ، وفي هذا تأمين لاستيطانهم في المنطقة ، علاوة على ما فيه من
استنزاف لقوى العرب باستمرار ، وقد بلغ مخطط اليهود لتحقيق هذا الهدف حدّ
التحالف مع طرفي الصراع ، فكان بنو قينقاع يحالفون الخزرج ، وبنو النضير
يحالفون الأوس ، وهذا التحالف لم يحقق لهم ما كانوا يحرصون عليه ، وهو ألاّ
يجتمع الأوس والخزرج على اليهود فحسب ، بل حقّق لهم جانباً كبيراً من الأمن،
إذ إن كل فريق من الأوس والخزرج كان حريصاً على حلفائه من اليهود22 .