وتصوير الحرج هنا هو
إن هناك رغبة أو حاجة أكيدة من الحاج كي يرسل اللحوم إلى مستحقيها من الجائعين في أنحاء العالم ، حيث يقول المرحوم الصدر: (ويجب عليه أن يطعم الفقراء من ذبيحته إذا تمكن من ذلك ، قال الله سبحانه وتعالى:
{
فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير
}
ولا يشرط في الفقير هنا الإيمان فإن (لكل كبد حرى أجر) وقد ورد بسند معتبر ـ على الأظهر ـ عن الإمام الصادق
(عليه السلام)
: أنّ عليّ بن الحسين
(عليه السلام)
كان يطعم من ذبيحته الحرورية ، وهم الخوارج الذين يعادون مولانا أمير المؤمنين)(24) .
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ، فإن هذا العمل يرد على بعض المستشكلين على الإسلام ، ومن هنا كان المشروع الذي قام به البنك الإسلامي للتنمية عملا جدياً رائعاً ، وربما كان الأسلوب الوحيد الممكن لذلك ، إلا أن تنفيذ هذا العمل يستلزم أن يغض الحاج النظر عن معرفة وقت ذبح هديه وهو مطمئن لتحقق الذبح ، فقد يتم في اليوم العاشر أو ما بعده ،
(ويؤكد هنا على ضرورة الذبح في أيام التشريق)
، ولا يستطيع أن يبقى في إحرامه دون أن يحلق منتظراً خبر الذبح أو فلنقل: إن ذلك يكلف البنك والحاج مؤونة كبيرة لإبلاغ كل حاج قيامه بالذبح نيابة عنه .
هذا ، وقد دعت مسألة حرمة الإسراف والتبذير بعض العلماء(25) إلى
الإفتاء بالذبح في البلاد الأصلية ، وهو أمر غريب يتنافى مع طبيعة النصوص الإسلامية ، بعد أن صور تنافياً بين إطلاق دليل الأضحية الشامل رعاية الترتيب بين الأعمال الثلاثة يوم العيد حال الاختيار لازمة على الأحوط . . . يمكنهم بعد رمي الجمرة أن يحلوا بالحلق أو التقصير ، لكن أعمال مكة يجب أن تتم بعد تمامية الأعمال الثلاثة .
الشيخ الفاضل اللنكراني
{ أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً
}
(26) وغيرها من الأدلة
القوية الواضحة التي تتقدم على أي دليل ينافيها بالعموم والخصوص من وجه .
أما لو فرضنا أن المورد من تزاحم الملاكين فلا بدّ تقديم الملاك الأهم وهو ملاك الإسراف .
وقد نوقش هذا الاستدلال علمياً .
وعلى أي حال: فإن الفتوى بسقوط الترتيب بهذا المقدار أمر غير بعيد .
ومن هنا جاءت فتاوى العلماء المعاصرين كما يلي:
وقد وجّه السؤال إلى العلماء في مدينة قم حول جواز الحلق أو التقصير في مثل هذه الحالة فأجابوا كما يلي:
في حالة الضرورة يمكن تأخير ذبح الهدي والقيام بالحلق والتقصير والخروج من الإحرام ولكن يجب أن لا تؤدى أعمال مكة قبل الذبح . والله العالم .
الإمام الخامنئي
لا إشكال في عدم مراعاة الترتيب في أعمال منى لمن لم يتمكن من الذبح يوم العيد ، بمعنى أنه يستطيع أن يحلق أو يقصر يوم العيد وينهي إحرامه ثم يذبح في اليوم التالي ، ولكنه إذا تمكن من الذبح يوم العيد فإن تأخيره لتحقيق المورد المسؤول عنه مشكل والله العالم .
الشيخ لطف الله الصافي
يمتد وقت الهدي إلى اليوم الثالث عشر ، ولكن الحاج لايخرج من الإحرام قبل الذبح وإن كان يمكنه بعد الحصول على الهدي وتعيينه باسمه أن يحلق أو يقصر ، ولكنه يبقى محرماً حتى يذبح .
السيد علي السيستاني
رعاية الترتيب بين الأعمال الثلاثة يوم العيد حال الاختيار لازمة على الأحوط ، لكن في فرض السؤال حيث يتأخر ذبح هدي بعض الحجاج إلى اليوم الحادي عشر فإن الحجاج الذين يواجهون مشقة لقاء تأخير الإحلال يمكنهم بعد رمي الجمرة أن يحلوا بالحلق أو التقصير ، لكن أعمال مكة يجب أن تتم بعد تمامية الأعمال الثلاثة .
الشيخ الفاضل اللنكراني
يمكن للحجاج في هذا الفرض بعد رمي الجمرة وشراء وصل الهدي أن يقصروا ويحلوا من إحرامهم .
عند الإمكان يجب أن تؤدى الأعمال مرتبة ، ولو أن الحاج لم يستطع أن يضحي يوم العيد فإنه يحلق أو يقصر ويحل إحرامه ويذبح في اليوم التالي ، وتأخير الذبح في الفرض المذكور لا مانع منه .
الشيخ جواد التبريزي
ونتيجة لهذه الفتاوى ، فقد اشترك في مشروع البنك عام 1423هـ ، 95% أي 500/88 شخص من الحجاج الإيرانيين فقط مما ينبىء عن الأثر الجيد لهذه الفتاوى .
وللمشروع آثاره الرائعة نفسياً وصحيّاً وإعلامياً وحتى فقهياً ، ولا مجال لعرضها .