الخاتمة
«فهي في ذكر صفة الأماكن
الشريفة المطهرة غير المشاعر العظيمة ، منها المولد الشريف السيد البشر
وشفيع المحشر ، والمولد الشريف لسيدة النساء . والحَجَر الذي فيه
علامة مرفقه(صلى الله عليه وآله) . والجبّانتان المعلّى
والشبيكة» .
اِعلم يا أخي هداني الله
وإياك أنّ المولد الشريف لسيد البشر ، والشفيع في المحشر ، هو
روضةٌ عالي البناء مزخرفٌ ، له بابان وله محرابٌ في الركن القبلي ،
ومسقط رأسه(صلى الله عليه وآله) قريبٌ منه ، وهو حفرة صغيرة ، عليه
قبّة عود مربعة صغيرة ، مفرجة الجوانب ، عليها كسوة كتان ،
شُغل الإبرة ، قطع ووصل عجيب>43 .
وأما مولد أمير
المؤمنين ، وإمام المتقين ، وقائد الغُرّ الُمحجَّلين عليّ بن أبي
طالب(عليه السلام)في المكان الذي هو مشهورٌ بمكّة فغلطٌ ; لأن مولده
الشريف نفس الكعبة الشريفة>44 ،
ذكره أبو منصور الطبري في كتاب
(إعلام الورى)>45هكذا :
«ولد أمير المؤمنين(عليه
السلام) بمكّة في البيت الحرام يوم الجمعة الثالث عشر من شهر الله الأعظم رجب
بعد عام الفيل بثلاثين سنة ، ولم يولد قطّ في بيت الله تعالى مولودٌ
سواه ، لا قبله ولا بعده ، وهذه فضيلةٌ خَصّه الله تعالى بها
إجلالاً لمحلّه ومنزلته ، وإعلاءً لرتبته . وأمّه فاطمة بنت
أسد بن هاشم بن عبد مناف ، وكانت من رسول الله(صلى الله عليه
وآله)بمنزلة الاُمّ ، وربيّ في حجرها ، وكانت من سابقات المؤمنات
الى الإيمان ، وهاجرت معه الى المدينة ، وكفّنها في قميصه يدرأ به
عنها هوامَّ القبر ، وتوسّد في قبرها; لتأمن بذلك من ضغطة القبر ،
ولقّنها الإقرار بولاية ابنها ـ كما اشتهرت ـ فكان أمير المؤمنين(عليه
السلام) هاشميّاً من هاشميين ، وأوّل من ولده هاشم
مرتين» .
وأمّا مولد سيدة نساء
العالمين ، البتول>46 ،
اُمّ الأئمة النقباء النجباء فاطمة
الزهراء(عليها السلام) فهو روضة عليه راريف في قبلة الرواق ، فيه محرابٌ وفي مؤخره قبة
عالية متوسطة العِظم ، على رأسها هلال نحاس ، بابها قبلي وفضلها
مرويّ ، يقال لها «قبة الوحي» ، ومسقط رأسها(عليها السلام) في مخزن
مستطيل عن يمين الداخل [الى
]القبة ، وهي حفرة
صغيرة ، وعليه قبّة أصغر من قبّة أبيها(صلى الله عليه
وآله) .
وأما علامة مرفقه(صلى الله
عليه وآله) فأنواره لائحة ، ومعجزة للناظرين واضحة ، وهو حفرة
صغيرة في حجر قد بني في جدار دار ، وارتفاعه ذراعان .
وكلّ ما وصفناه في رسالتنا
هذه من الأذرع فمتوسط ذراع الآدمي إلاّ زمزم والحَجَر الأسود فإنهما بذراع
العمل المتعارف بين البنائين .
وأما المُعلّى : جبّانة
عظيمة قد دفن فيها ما لا يُحصى من أهل الكرامات والمقامات ، من أهل
البلد والآفاق .
فالمشهور اليوم من القبور
التي عليها الاتفاق :
قبر سيدة النساء بعد
بنتها ، وفريدة دهرها ، والمعتنية للخيرات ، المطمئنة لقلب
الرسول حين أتاها مُفاجَأً بأول النزول ، وزوجة سيّد المرسلين ، اُمّ
سيّدة نساء العالمين ، جَدّة الأئمة المعصومين(عليهم السلام) خديجة
الكبرى بنت خويلد(عليها السلام) .
والمشهور عندنا قبر جدّ
رسول الله(صلى الله عليه وآله) سيّدنا عبدالمطلب ، وعبد مناف
، وعمّه ومعينه أبو طالب ـ رضي الله عنهم .
وقبر سيد الصّالحين ،
نصير الدين حسين ، وقبر سلطان المحقّقين والمدقّقين استاداي في فنّ
الرِّجال والأحاديث الشريفة والنحو ملا محمد أمين الاسترابادي ـ طاب ثراه ـ
وميرزا محمد الاسترابادي ـ رحمهم الله تعالى .
ومن تفضّلات ربّي الرحيم في
هذه السنة لما توفي ثمرة فؤادي السيّد أبو جعفر محمد الباقر مع والدته ،
وأخوه عليّ نزلَ من بطن أمّه حيّاً ثم ماتت أمّه ـ رحمهما الله ـ بسبب
عدم خروج المشيمة ، ومات عليٌّ بعد أُمّه ـ رحمهم الله وأسكنهم
[الجنّة] بعليّ
وولده ـ [دفنتهم في] ثلاثة من
القبور من الموضع الذي يقف الناس به ويقرأون الفاتحة لخديجة الكبرى(عليها
السلام) قبال صندوقها ، دفنتُ في واحد من القبور
الثلاثة :
اُمّ السيد أبو جعفر سكينة
بيگم ـ رحمها الله ـ التي كانت معينتي في طلب العلم بمكة
المعظمة .
وفي القبر الثاني دفنتُ ثمرة
فؤادي سيد أبو جعفر محمد الباقر ، الذي قرأ في مدة خمس سنين وتسعة
[أشهر] القرآن الى
نصف سورة «إنّا فَتَحنا» وقرأ الأمثلة وبعضاً من التصريف للزنجاني ،
يقرب نصفه .
والثالث : بنيته لنفسي
ودخلت فيه وقرأت التلقين مع بعض سور من القرآن وأودعت فيه ، وأرجو من
الله أن يجعل ذلك التَّلقين كافياً ، فإن كان ظهر سيدنا ومولانا وإمامنا
صاحب العصر والزمان وخليفة الرحمان ـ صلوات الله عليه ـ فلا حاجة الى ذلك
القبر أيضاً ، {ومَا تَدري نَفسٌ بأيّ أرض تَمُوتُ}>47 .
وأما الشبيكة : فهي جبّانة عظيمة أيضاً قد
دفن فيها ناس كثير ، لكن ليس فيها من مشاهير القبور المعتمدة عندنا
شيء .
نصيحة : أيها المؤمنون أنصح نفسي
وإياكم ، اجتهدوا في تعمير دار الآخرة بزيارة هذه الأماكن
المشرّفة وغيرها من أفعال الخير; لأن الآخرة دار القرار ، وفيها
الأنبياء والمرسلون ، والأولياء والصالحون ، وحسن أولئك
رفيقاً .
وذكر علي بن إبراهيم ،
عن الشيخ محمد بن يعقوب الكليني ـ رحمهما الله ـ في تفسيره في سورة
لقمان ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) يحدّث لحمّاد
قال :
«فوعظ لقمان بآثار حتى تفطّر
وانشق ، وكان فيما وعظ به : ياحمّاد الى أن قال : يا بُني إنك
منذ سقطتَ الى الدنيا استدبرتها واستقبلتَ الآخرة ، أنت تسير إليها أقرب
إليك من دار أنت عنها متباعد»>48 .
ولنختم الخاتمة بأسامي جماعة
من المؤمنين الذين اشتغلوا في الكعبة :
محمد الحسين المذكور ،
وسيد أحمد ابن محمد معصوم ، ومحمد علي بن عاشور وأبوه ، وحسن بن
عبدالله السمناني المكّي ، ودرويش حيدرالكشميري ، وميرزا خان
الكشميري ، والحاج حسن علي الأردبيلي ، والحاج معصوم بيك
التبريزي ، وحاجي محمد شفيع التبريزي وولده إبراهيم بيك ، والشيخ طائف
رفيع ولدي أبو جعفر ، وإسماعيل ابن شهيد أوغلي ، والشيخ عبد
علي ، وعبدان للفقير مفلح ونافع .
وألهمني الله تعالى لتاريخ
هذا التأسيس الشريف اقتباساً من الآية الشريفة {وإذْ
يَرفَعُ إبراهيمُ القَواعِدَ مِنَ البيتِ}>49 هذا رفع الله تعالى قواعد البيت .
* * *
تَمَّ صورة ما كتب رحمه الله
تعالى ، والحمد لله الذي وفقنا لإتمام هذه الرسالة
الشريفة .