يلملم فقهياً
واستناداً إلى النصوص الشرعية
المتقدّمة وأمثالها أفتى فقهاؤنا بمشروعية اعتبار يلملم محرماً ،
وبشرعية الإحرام منه ، ولا خلاف بينهم في ذلك .
وقد اختلفت عباراتهم في التعبير عن
ذلك بين مطلق ومقيد ، ومنها :
ـ ما جاء في (المقنع) و(الهداية)
للصدوق و(النهاية) و(الجمل) للطوسي و(الشرائع) للمحقق : «ولأهل اليمن
يلملم» .
ـ وفي (المقنعة) للمفيد : «ووقّت
لأهل اليمن يلملم ، وهي ميقاتهم وميقات كلّ من صحبهم من الحاج في طريقهم ومرّ
عليه» .
ـ وفي (الجمل) للمرتضى و(الكافي) لابن
الصلاح و(المراسم) لسلاّر و(الجامع) لابن سعيد : «وميقات أهل اليمن
يلملم» .
ـ وفي (الاصباح) للصهرشتي و(الغنية)
لابن زُهرة : «ولمن حجّ على طريق اليمن يلملم» .
ـ وفي (المهذب) لابن البراج :
«ويلملم وذلك ميقات أهل اليمن ومن حجّ على طريقهم» .
ـ وفي (السرائر) لابن إدريس :
«ووقّت لأهل اليمن جبلا يقال له يلملم ، ويقال ألملم» .
ـ وفي (الإشارة) لابن أبي
الفضل : «أو يلملم ويختص باليمنيين ومَن نحا نحوهم» .
ـ وفي (الوسيلة) لابن حمزة :
«والرابع ميقات أهل اليمن وهو يلملم» .
ـ وفي (القواعد) للعلاّمة و(الابتهاج)
لآل عصفور : «ولليمن جبل يقال له يلملم» .
ـ وفي (اللمعة) للشهيد : «ويلملم
لليمن»7 .
ـ وفي (الهداية) لفتاوى الشيخ يوسف
البحراني : «ويلملم لأهل اليمن ومَن والاهم» .
ـ وفي (العروة) لليزدي : «الرابع
يلملم وهو لأهل اليمن» .
ـ وفي (المنهاج) للحكيم :
«الخامس يلملم وهو ميقات أهل اليمن ومَن عبر على طريقهم إلى مكّة من أهل
الآفاق الأخر» .
ـ وفي (المنهج) للخنيزي :
«ويلملم لأهل اليمن» .
ـ وفي (المناسك) للخوئي :
«الرابع يلملم وهو ميقات من أراد الحج عن طريق اليمن» .
ـ وفي (الموجز) للصدر : «الرابع
يلملم» وهو جبل من جبال تهامة ، ويقال إن بعده عن مكّة يقدر بأربعة
وتسعين كيلومتراً» .
ـ وفي (الرسالة) للخاقاني :
«الميقات الرابع يلملم وهو ميقات أهل اليمن وكلّ مَن جاء على طريق يلملم وجب
عليه الإحرام منه ، ويبعد هذا الميقات عن مكة بأربعة وتسعين
كيلومتراً» .
ـ وفي (المناسك) للگلبايگاني :
«خامساً يلملم وهو جبل من جبال تهامة ، ويبعد عن مكّة المكرّمة أربعة
وتسعين كيلومتراً تقريباً ، وهو ميقات أهل اليمن ومن يمرّ على طريقهم
إلى مكّة من أهل الآفاق والأقطار والأمصار الأخرى» 8.
أطلت بذكر الفتاوى لأُنبه على شيء مهم
هنا ، وهو أن جميع هؤلاء المفتين قصروا ميقات أهل اليمن على
يلملم ، والأمر ـ كما رأينا في النصوص الشرعية من الروايات المذكورة في
أعلاه وأمثالها ـ ليس كذلك ، لأن لليمن طرقاً أخرى لا تمرّ على
يلملم ، وانها تسلك إلى الطائف حيث يكون الميقات قرن المنازل ،
والمحرم المحاذي وادي محرم .
ولأن الفتاوى ـ عادة ـ يفتى بها ليعمل
المقلِد على وفقها ، كان على المفتى تعرف طرق اليمن أولا والمنازل التي
تمر بها إلى مكّة ، ثم الإفتاء في ضوء هذا .
فكان الذي ينبغي أن يعبّر به للافتاء
أن يقال : (يلملم : ميقات من يسلك طريق اليمن التهامي (أو الساحلي)
ماراً به ـ سواء كان من أهل اليمن أو تهامة أو غيرهما) .
وليس هذا الأمر من الإطلاق في التعبير
قاصراً على فقهاء الإمامية ، فقد رأيت فيما لدي من كتب الفقه السني ما
يشارك كتبنا الفقهية في هذا ، ومنه :
ـ ما جاء في (المحلى) لابن حزم
7/70 : «ولمن جاء على طريق اليمن منها أو من جميع البلاد يلملم ،
وهو جنوب مكّة ، ومنه إلى مكّة ثلاثون ميلا» .
ـ وفي (الروض المربع) للبهوتي :
«وميقات أهل اليمن يلملم ، بينه وبين مكّة ليلتان» .
ـ وفي (كتاب الفقه على المذاهب
الأربعة) 1/640 : «والميقات لأهل اليمن والهند يلملم ـ بفتح اللامين
وسكون الميم بينهما ـ وهو جبل من جبال تهامة على مرحلتين من
مكة» .
ـ وفي (فقه السنة) لسيد سابق :
«وميقات أهل اليمن يلملم ، جبل يقع جنوب مكّة ، بينه وبينها 54
كيلومتراً» .
ـ وفي (التحقيق والإيضاح) لابن
باز : «الرابع يلملم وهو ميقات أهل اليمن» .
نعم ، يستثنى من هذه الملاحظة
الإمام الشافعي(رضي الله عنه) فقد تنبه لذلك ، وكانت عباراته وافية
بالمطلوب ، وشاملة لطرق اليمن جميعها .
وقد يرجع هذا إلى أنه ابن مكّة ،
فهو أعرف من سواه بالطرق المؤدية إليها ، قال في (الأُم) 1/152 ـ
153 : «وان قوله (يهل أهل المدينة من ذي الحليفة) إنما هو لأنهم يخرجون
من بلادهم وقد يكون ذو الحليفة طريقهم وأول ميقات يمرون به .
وقوله : (وأهل الشام من الجحفة)
لأنهم يخرجون من بلادهم والجحفة طريقهم وأول ميقات يمرون به ، ليست
المدينة ولا ذو الحليفة طريقهم ، إلاّ أن يعرجوا
إليها .
وكذلك قوله في أهل نجد واليمن ،
لأن كلّ واحد منهم خارج من بلده ، وكذلك أول ميقات يمرون
به .
وفيه معنى آخر أن أهل نجد اليمن يمرون
بقرن ، فلما كانت طريقهم ، ولم يكلفوا أن يأتوا يلملم ، وأن
ميقات يلملم لأهل غور اليمن وتهامتها ممّن هي طريقهم» .
ـ وهنا ملاحظة ثانية هي أن تقدير
المسافة بين يلملم ومكة بــ (54 كم) أو (94 كم) لا تصدق على الطريق
السالك بينهما في عصرنا هذا ، وإنما المراد بها الطريق القديم الذي يمر
بيلملم مباشرة قبل اندثاره .
ولأن المناسك والكتب الفقهية التي
ذكرت فيها هذه التقديرات لفقهاء معاصرين كان ينبغي لهم تقدير المسافة وفق واقعها
الحاضر .
والواقع الحاضر هو أن المسافة بين
مكّة المكرّمة ومن موضع المحاذاة إلى جبل يلملم في مركز يلملم (الوَدْيان)
حوالى 50 كم .
ولهذا لابدّ من ذكر الطرق الراهنة
السالكة إلى مكة من اليمن وتهامة; لأضعها بين يدي الفقهاء الأجلاء للإفادة
منها في مجال الإفتاء ، وهي :
1 ـ اليمن ـ جيزان ـ القنفذة
ـالليث ـ مفرق المُضيليف-المخواة ـ الباحة
ـ الطائف- قرن المنازل(السيل الكبير)- مكة
اليمن ـ
جيزان ـ القنفذة ـالليث ـ مفرق المُضيليف-المخواة ـ الباحة ـ الطائف- وادي محرم-
مكة
اليمن ـ
جيزان ـ القنفذة ـالليث ـ مفرق المُضيليف-محاذاة يلملم ـ مكة
2 ـ اليمن ـ جيزان ـ محايل-المخواة ـ الباحة ـ
الطائف -قرن المنازل (السيل الكبير) ـ مكة
اليمن ـ جيزان ـ محايل-المخواة ـ الباحة ـ الطائف - وادي محرم ـ
مكة
اليمن ـ جيزان ـ
محايل -المضيليف ـ محاذاة يلملم ـ مكة
3 ـ اليمن ـ جيزان ـ
أبها- الباحة ـ الطائف- قرن المنازل (السيل الكبير) ـ
مكة
اليمن ـ
جيزان ـ أبها- الباحة ـ الطائف- وادي محرم ـ
مكة
اليمن ـ
جيزان ـ أبها- محايل -المخواة ـ الباحة ـ
الطائف- قرن (السيل) ـ مكة
اليمن ـ جيزان ـ
أبها- محايل -المخواة ـ الباحة ـ الطائف-
وادي محرم ـ مكة
اليمن ـ
جيزان ـ أبها- محايل -المضيليف ـ
محاذاة يلملم ـ مكة
وبعد هذه التطوافة العلمية لابدّ من
التلميح للترويح بتطوافة أدبية نذكر فيها بعض الشعر العربي ورد فيه ذكر
يلملم ، فقد تغنى الشعراء العرب به مثله مثل المعالم والمعاهد العربية
الأخرى . . . ومنه :
ـ قول أبي دَهْبَل وهب بن زمعة الجمحي
(ت 63هـ ) يصف ناقة له «لم يكن في زمانها أسير منها ولا أحسن»9 :
خرجتُ بها من بطن مكّة بعدما | أصات المنادي للصلاة وأعتما |
فما نام من راع ولا ارتد سامر | من الليل حتى جاوزتْ بي يلملما |
وما ذرَّ قرن الشمس حتى تبينت | بقليبَ نخلا مشرفاً ومخيّما |
ومرَّتْ ببطن الليث تهوي كأنها | تبادر بالإصباح نهباً مقسّماً |
وجازت على البزواء والليل كاسر | جناحيه بالبزواء ورداً وأدهما |
فقلت لها قد تعتِ غير ذميمة | وأصبح وادي البِرْك غيثاً مديما |
ـ قول سلمى بن
المقعد :
ولقد نزعنا من مجالس نخلة | فنجيزُ من حُثُن بياضَ ألملما |
ـ قول طُفيل :
وسلهبة تنضو الجياد كأنها | رداة تدلت من صخور يلملم |
ـ قول ابن مُقبل :
تراعي غوداً في الرواة كأنها | سهيل بدا في عارض من يلملما |
ـ قول السيد جعفر
الحلي :
والليل يشهد لي بأني ساهر | إن طاب للناس الرقاد وهوموا |
من قرحة لو أنه بيلملم | نسفت جوانبه وساخ يلملم |
ـ وقول شاعر الحجازيات الشريف الرضي
من قصيدة له في رثاء والده الحسين الموسوي المتوفى سنة 400هـ والتي
مطلعها :
وسمتك حالية الربيع المرهم | وسقتك ساقية الغمام المرزم |
ملأ الزمان منائحاً وجرائحاً | خَبَطاً ببؤسي في الرجال وأنعم |
واستخدم الأيام في أوطاره | فليفن أبعد غاية المستخدم |
اليوم أغمدتُ المهندَ في الثرى | ودفنتُ هَضْبَ متالع ويلملم |
ـ وقوله الآخر :
إني وإن ضرب الحجابُ بطوده | أو حال دونك يذبلٌ ويلملمُ |
لأراك في مرآة جودك مثلما | يلقى العيانَ الناظر المتوسم |
ـ ومن قصيدة يهنئ بها الوزير أبا
منصور محمد بن الحسن بالمهرجان سنة 378هـ :
إلى كم تَصبّاني الغواني وبينها | وبيني عفاف مثلُ طود يلملم |