من أوراق الطفولة أوشكت سميرة أن تنتهي من بحث عن ((الحرف والخلود)) احتفاءً بالذكرى الألفية الخامسة لابتكار الكتابة ودخول البشرية مرحلة التأريخ.. حين رن جرس الهاتف.. كان المتكلم على الطرف الآخر مديرة روضة سعد.ـ أم سعد.. أتستطيعين المجيء إلى الروضة؟حين سمعت سميرة صوت المديرة، انتابها للتو، حتى قبل أن تنطق بكلمة واحدة، إحساس بأن ثمة ما هو سيء، مما حمل المديرة على الاتصال بها.. وأكد ذلك التوجس، سؤالها الذي بادرتها به.. "أتستطيعين المجيء إلى الروضة؟" ـ ولكن.. ما الأمر؟ ماذا حدث؟ هل أصاب سعد مكروه؟ـ لا.. لا تخافي يا أم سعد.. فقط سقط أثناء اللعب.أغلقت أم سعد الهاتف فوراً لأنها لا تريد أن تضيع الوقت في أسئلة وأجوبة لا طائل من ورائها.. ولن تزيح الستار عما حدث فعلاً، ودون أن تنبس بكلمة أخرى، استقلت سيارتها واتجهت مسرعة نحو الروضة.. وأسئلة مربكة تعصف برأسها.. ترى.. ماذا حدث له؟.. كيف سقط؟.. هل أصابه جرح؟ أكسرت يده أم ساقه؟هل.. هل.. وثمة طنين لم تعهده من قبل يئز في أذنها اليسرى.. خيل لها، وسط دوامة القلق المر.. إن أذنها قد استحالت صنبور ماء يخترقه تيار هزيل من الهواء مسبباً ذلك الصفير المتواصل.. آتياً معه بحالةٍ من الانزعاج تكاد تصل بها حد الانفجار حين يشتد الزحام.. وكان انزعاجها قد بلغ الذروة حين انتبهت أن شاباً سخيفاً ممن لا عمل لهم غير مضايقة النساء وخاصة من يقدن العربات، كان يضايقها ويحاول استباقها، حتى إنها كادت تتسبب بأكثر من حادث مروري.. لكن الله سلم.. ولم تكد تصل الروضة حتى اتجهت فوراً إلى غرفة المديرة.