تزويد الإنسان بها، شأن اللغوية ثانياً، ويُعرِّف خالق القدرة لاعباً ثالثاً، قال سبحانه:(*وَما
خَلَقنا السماء والأَرضَ وما بيْنَهُما لاعِبِين*).^(1)
إنّ التوحيد في الخالقية، من المعارف العليا القرآنية والتي لم يصل إليها حتى الأوحدي من الفلاسفة
إلاّ عن طريق التدبّر في آيات الذكر الحكيم، ومن خالفه من المعتزلة فإنّما خالفه بزعم انّه يخالف
عدلَه وتنزيهه سبحانه غير انّ الذي يخالف عدله، ويضاد تنزيهه، هو حصر الخالقية بالمعنى الذي تبنّاه
أهل الحديث والأشاعرة، فانّه يضاد كونه حكيماً، عادلاً، نزيهاً عن اللغو واللعب حيث خلق في الإنسان
القدرة التي لا دور لها في حياته في عاجله وآجله، وأمّا تفسيره على
ــــــــــــــــــــــــــــ
1-الأنبياء:16.
--------------------
*( 27 )*
النهج الذي عرفت وقد سار عليه أئمة أهل البيت فهو يدعم كونه سبحانه حكيماً، عادلاً، نزيهاً من اللغو
والعبث.
وكم من عائب قولاً صحيحاً * و آفتـه مــن الفهـم السقيـم
*الثالثة: كلّ فاعل مسؤول عن فعله*
إنّ العقلاء قاطبة ـ حتى أهل الحديث والأشاعرة ـ يرى الإنسان مسؤولاً عن فعله وعمله، وليس المحسِن
والمسيء عندهم سواسية، بل يُثاب الأوّل، ويُعاقب الثاني، كلّ وفقَ عمله، ومدى مسؤوليته، وهذا فرع
أن يكون للفاعل دور في فعله، وعمله، ولو أصاب رأسه حجر فأدماه، فيحمّل مسؤولية الإدماء على عاتق
الرامي، دون الحجر، وذلك لأنّ له شعوراً وارادة، دون الآخر، وعلى ضوء ذلك يصف الذكر الحكيم بأنّ
الإنسانَ مسؤول عن عمله ويقول: (*وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤولون*)^(1) بل يعد أدوات المعرفة أيضاً،
مسؤولة
ــــــــــــــــــــــــــــ
1-الصافات:24.
--------------------
*( 28 )*
ويقول (*إِنَّ السَّمعَ والبصرَ والفُؤادَ كُلُّ أُولئكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤولاً*)^(1) ، وذلك لأنّها
بيد الإنسان، أداة طيّعة يستخدمها كيف ما شاء.
فإذا كان هذا لسانَ العقل والعقلاء وصريحَ الذكر الحكيم فلو كانت أفعاله وأعماله، مخلوقة للّه، على
نحو تفقد صلتَها بالإنسان، فما معنى كونه مسؤولاً عن عمل، قام به غيره، أو مجزياً بفعل غيره، وليس
لجسمه أو روحه دور، سوى كونه ظرفاً و وعاءً لفعل الغير يخلقه فيه.
إذ كيف يثاب أو يعاقب على ما ليس له فيه شأن؟! وكيف يكون معاقباً وقد جنى غيره وفق قول القائل:
غيري جنى وأنا المعاقَبُ فيكم * فكأنني سبّابة المتندم
إنّ هذه التوالي الفاسدة التي يدركها كلّ إنسان واع ووجدان حرّ دفعت الشيخ الأشعري، ومن لفّ لفّه
إلى الخروج عن هذا المأزق باختراع «نظرية الكسب» حتّى
ــــــــــــــــــــــــــــ
1-الإسراء:36.
--------------------
*( 29 )*
يتخلّصوا ممّا يترتب على خلق الأعمال من التوالي الفاسدة، فإذا قيل لهم: كيف يُثاب المرء أو يُعاقب
على عمل لم يوجده هو؟ وكيف يتفق هذا مع ما هو مقرّر في عدالة اللّه وحكمته في تكليف خلقه؟
أجابوا: انّ العباد وإن لم يكونوا خالقين لأعمالهم لكنّهم كاسبون لها، وهذا الكسب هو مناط التكليف
ومدار الثواب والعقاب وبه يتحقّق عدل اللّه وحكمته فيما شرّع للمكلّفين.