فالعبد مصدر لهذه الجهة، وبذلك يسمّى كاسباً ـ.
ومع هذا التطويل فالإشكال باق بحاله، فإنّ وقوع الفعل مقارناً لقدرة العبد، لا يُصحّح نسبة الفعل
إلى العبد، ولا تحمّل مسؤوليته، فإنّ نسبة المقارن إلى المقارن كنسبة تكلم الإنسان إلى نزول المطر
في الصحراء، فإذا لم يكن لقدرة العبد تأثير في وقوع الفعل، كيف يصحّ في منطق العقل التفكيك بين
الحركة الاختيارية، والحركة الاضطرارية؟ والغزالي بكلامه هذا نقض ما ذكره في صدر البحث حيث ردّ على
المجبّرة بوجدان الفرق بين الحركتين، وهذا الفرق لا يتعقّل إلاّ في ظل تأثير قدرة العبد على الوقوع
والوجود.
وأضعف من ذلك تنزيل تعلّق قدرة العبد بتعلّق العلم على المعلوم، مع أنّ واقعية العلم وماهيته هي
الكشف التابع للمكشوف، فلا يصحّ أن يكون مؤثّراً في المعلوم وموجداً له، ولكن واقعية القدرة
والسلطة، واقعية الإفاضة والإيجاد، فلا يتصوّر خلعها عن التأثير مع فرضـه قـدرة كاملة وبصورة علّة
تامّة.
--------------------
*( 40 )*
*2. الكسب: توجه قدرة العبد صوب الفعل عند صدوره من اللّه*
قام التفتازاني(712ـ792هـ) في «شرح العقائد النسفية» بتفسير الكسب بالوجه التالي وهو: انّ صرف العبد
قدرته وإرادته إلى الفعل كسب، وإيجاد اللّه تعالى الفعلَ عقيب ذلك خلق. والمقدور الواحد داخل تحت
قدرتين، لكن بجهتين مختلفتين. فالفعل مقدور اللّه تعالى بجهة الإيجاد، ومقدور العبد بجهة الكسب،
وهذا القدر من المعنى ضروري وإن لم نقدر على أزيد من ذلك في تلخيص العبارة المفصحة عن تحقيق كون فعل
العبد بخلق اللّه تعالى وإيجاده، مع ما فيه للعبد من القدرة والاختيار.^(1)
ويقرب من ذلك ما في متن المواقف للعضدي وشرحه للشريف الجرجاني قالا: وأمّا التكليف والتأديب
والبعثة والدعوة فانّها قد تكون دواعي للعبد، إلى الفعل واختياره،
ــــــــــــــــــــــــــــ
1-شرح العقائد النسفية: 117.
--------------------
*( 41 )*
فيخلق اللّه الفعل عقيبها عادة وباعتبار ذلك الاختيار المترتب على الدواعي يصير الفعل طاعة إذا
وافق ما دعاه الشرع إليه ومعصية إذا خالفه ويصير علامة للثواب والعقاب.^(1)
ويرد على ما ذكروه انّ العزم والإرادة والاختيار من الأُمور الوجودية الممكنة فمن خالقها أهو اللّه
سبحانه، أم العبد؟ وعلى الأوّل يلزم الجبر وعلى الثاني ينتقص القاعدة، أعني :التوحيد في الخالقية.
ثمّ إنّ نظرية الكسب بلغت من الإبهام إلى حد أنّ القمة من مشايخ الأشاعرة كالتفتازاني يعترف بعجزه
عن تفسيرها حيث قال: «وإن لم نقدر على أزيد من ذلك في تلخيص العبارة المفصحة...».
إلى هنا تمت المرحلة الأُولى من المراحل^(2) التي مرّت
ــــــــــــــــــــــــــــ
1-شرح المواقف:8/155.
2-ولا يفوتنّك انّ هذه المراحل الثلاث لم تتكون حسب التسلسل الزمني بل تكوّنت عبر قرون لا تأبى أن
تكون بعضها في عرض الآخر.
--------------------
*( 42 )*
على نظرية الكسب، وهنا من سلك مسلك العلمين: الغزالي والتفتازاني في تفسير النظرية، أعرضنا عن نقله
روماً للاختصار، وحان وقت الانتقال إلى المرحلة الثانية، أعني: مرحلة التطوير والتكامل.
--------------------