في صورة دون صورة. نعم ليس لغيره من الطبائع إلاّ طريق واحد وتجلّ فارد.
وأظن أنّ الشهرستاني لو وقف على الفرق بين الفاعلين، لما اعترض على كلام إمام الحرمين ـ بأنّه ليس
من مذهب الإسلاميين ـ نعم هو ليس من مذاهب الحنابلة والأشاعرة، وأمّا العدلية بعامة طوائفها فهم
قائلون بذلك، وقد عرفت قضاء القرآن والعقل في ذاك المجال.
*2. أحمد بن تيمية(662ـ 728هـ) يعترف بتأثر قدرة العبد*
إنّ أحمد بن تيمية من دعاة السلفية في القرن الثامن، وهو الذي أحيا مذهب السلف، بعد اندراسه، ودعا
إليه بحماس وخالف الرأي العام في مسائل عديدة في العقائد
--------------------
*( 63 )*
والفقه، وأخذ برأي أهل الحديث في عامّة الموارد، حتّى في إجلاسه سبحانه فوق عرشه، ووصفه بأنّ له
أطيطاً كأطيط الرحل، إلاّ أنّه خالفهم في تأثير العلل الطبيعية وقدرة العبد واستطاعته، وأنّما عدل
عن آرائهم في هذا الموضوع وأخذ برأي العدلية من الإمامية والمعتزلة لأجل قوة البراهين التي أقامها
العلاّمة الحلي رداً على قول الأشاعرة بأنّه لا دور للعبد في أفعاله، وذلك لأنّ مقالة مثل هذه
تستلزم أشياء شنيعة.
فلم يجد ابن تيمية محيصاً إلاّ العدول عن رأي أهل الحديث والانسلاك في صفوف العدلية، وممّا يقضى به
العجب انّه نسب مختاره إلى جمهور أهل السنّة المثبتين للقدر، وكأنّ الإمام أحمد أو الإمام الأشعري
ليسا من أئمة أهل السنّة.
وعلى كلّ تقدير، فهذا نصّ كلامه:
إنّ جمهور أهل السنّة المثبتين للقدر، لا يقولون بما ذكره، بل جمهورهم يقولون بأنّ العبد فاعل
حقيقة، وأنّ له قدرة حقيقية واستطاعة حقيقية، وهم لا ينكرون تأثير
--------------------
*( 64 )*
الأسباب الطبيعية بل يقرّون بما دلّ عليه العقل من أنّ اللّه تعالى يخلق السحاب بالرياح، ويُنزّل
الماء بالسحاب ويُنبِت النباتَ بالماء، ولا يقولون بأنّ قوى الطبائع الموجودة في المخلوقات لا
تأثير لها، بل يقرون أنّ لها تأثيراً لفظاً ومعنى.
ولكن هذا القول الذي حكاه هو (العلاّمة الحلّي) قول بعض المثبتة للقدر كالأشعري ومن وافقه من
الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وأحمد، حيث لا يثبتون في المخلوقات قوى الطبائع ويقولون: إنّ اللّه
فعل عندها لا بها، ويقولون: إنّ قدرة العبد لا تأثير لها في الفعل، وأبلغ من ذلك قول الأشعري بأنّ
اللّه فاعل فعل العبد، وأنّ عمل العبد ليس فعلاً للعبد، بل كسب له، وإنّما هو فعل اللّه، وجمهور
الناس من أهل السنّة من جميع الطوائف على خلاف ذلك، وأنّ العبد فاعل لفعله حقيقة.^(1)
أقول: إنّ الإمام في العقائد لدى أهل السنّة، هو الإمام أحمد، وبعده الإمام الأشعري، والمفروض
أنّهم لا يقولون
ــــــــــــــــــــــــــــ
1-منهاج السنة:1/266.
--------------------
*( 65 )*
بتأثير قدرة العبد في فعله، ومعه: كيف يمكن أن ينسب إلى أهل السنّة غيره؟!
والحقّ أنّ ابن تيمية من رماة القول على عواهنه فيقضي ويبرم وينقض من دون أن يصدر من مصدر صحيح.
والعجب انّه ينسب إلى أهل السنّة بأنّهم لا ينكرون تأثير الأسباب الطبيعية!!
كيف يقول ذلك والأزهر والأزهريون يردّدون في ألسنتهم قول القائل:
ومن يقل بالطبع أو بالعلة * فذاك كفر عند أهـل الملـة
*3. نظرية الشعراني(911ـ973هـ) وتأثير قدرة العبد في فعله*