العياشي ذكر طريق الهدا
81وقد خرجنا إليها بعد العشاء على طريق الحاج إلى منى ثم مزدلفة ثم إلى بسيط
عرفة ، . . .ثم ارتحلنا من هناك قرب طلوع الفجر سلكنا مع
طريق الساقية ، التي تأتي من أصل الجبل إلى عرفات ثم إلى المشاعر ثم إلى
مكة ، ومنها تأتي المياه إلى مكة ، وهذه من عمل بني
العباس . . وهي من صدقات زبيدة بنت جعفر المنصور ، هي صاعدة
مع وادي نعمان وهو وادي عظيم أفيح منحدر من جبل نجد ، فلم نزل نسايره
صاعدين إلى أن قربنا من جبل أكرى فعدلنا يمينا مع بعض تلك
الهضاب ، . . فلما زالت الشمس وتوضّأنا للصلاة ، أخذنا
في صعود الجبل العظيم ، الذي لا يماثله في عظمته جبل من جبال
تهامة . . . ورأينا القرود به تصيح وتثب في أعالي تلك
الصخور ، . . ثم ارتحلنا من ذلك المكان قرب صلاة الصبح وهبطنا
عقبة هناك هي درن التي طلعناها بكثير إلا أنها وعرة ، سلكنا في شعاب ذات
مياه غزيرة ونبت ملتف إلى أن خرجنا على قرن الثعالب الذي هو ميقات أهل
نجد . . .وإزاءها قرية ذات مزارع وأشجار . . .
جاوزناها قرب الطلوع سلكنا بين تلول هناك في صعود وهبوط واستواء إلى أن وصلنا
بلدة الطائف .
وقال82 : وخرجنا منه ليلة
السبت قريباً من نصف الليل على طريقنا ، التي مررنا عليها ذهاباً ،
ووصلنا قرن الثعالب الذي هو ميقات أهل نجد بعد طلوع الفجر ، ونزلنا حتى
توضّأنا وصلينا ، وأحرمت من هناك بعمرة . . . ثم صلينا
الصبح في الميقات وذهبنا ومررنا على القهوة ،التي بتنا بها قبل ،
وعند طلوع الشمس انحدرنا مع العقبة الكؤود عقبة أكرى وتعجبنا من صعود إبل أهل
ذلك البلد فيها وهبوطها بأحمال الفواكه الثقيلة . .وما وصلنا
القهوة التي بسفح الجبل حتى اشتد النهار وحمى وطيس
الهجير ، . . . وما وصلنا وادي نعمان الأراك إلا بعد
العصر ، وسايرناه مع العشي مسايرة الخل الرقيق . . .إلى
أن وصلنا القهوة التي هي على حدّ بسيط من عرفات بين العشائين ، ونزلنا
بها في أرغد عيش حول عين من الساقية تجري على وجه الأرض ، وصلينا صلاة
العشاء وتعشينا ثم أغفينا إغفاءة ، ثم ارتحلنا قريباً من ثلث الليل
الآخر ومررنا بنمرة ثم بالمأزمين ثم بجمع ثم ببطن محسر كلّ ذلك ليلا فطلع
الفجر ونحن بمنى . . . .
هذا الطريق هو طريق الهدا الذي يمرّ بوادي نعمان وجبل كرا وعرفات
ونمرة ، وهو كما ذكره الفاكهي والحربي لم يتغير ، إلا أنه ذكر
مروره بقرن الثعالب وقال : إنه ميقات أهل نجد . وهو اشتباه كما مرّ
في بيان قرن الثعالب أنه ليس الميقات ، وأن الميقات هو قرن المنازل
المار بالنخلة اليمانية ، وهذا الطريق الذي ذكره لا يمرّ بالنخلة
اليمانية ، كما أنه قد أخطأ في موارد أخرى ، منها أنه سمى جبل كرا
بـ (أكرى) ، وقال في زبيدة : إنها ابنة جعفر المنصور ،
وذكر الهدى ولم يذكر اسمها لعله لم يعرفها ، وسمى جبال السراة بجبال
نجد ، والسبب في ذلك أنه رجل مغربي غير عارف بأسماء الأماكن .
البلادي : وكان طريق الطائف القديم يأخذ حنيناً ثم يدعان ذات اليسار وهو
أيضاً طريق نجد ، كلّ هذا قبل فتح جبل كرا .
وقال83 : وبعد قليل يأتيه من
الجنوب الشرقي وادي كبير ذو روافد عديدة يسمى نخلة اليمانية ، وقد أطلق
عليه أخيرا اسم اليمانية ، وبه عينان جاريتان هما الزيمة التي يمرّ بها
طريق الطايف القديم ، وسولة أسفل منها .
وقال :84 فإذا انحدر سمي
السيل وهو ميقات أهل نجد والمرحلة الثانية من مكة على نظام القوافل القديمة
عن طريق نخلة اليمانية .
وقال85 : الشرائع عين في وادي
حنين تبعد عن المسجد الحرام 82 كيلو متراً وكانت أعمر منها الآن
عندما كان طريق الطائف يمرّ بها .
والبلادي ذكر طريق السيل الذي يمرّ على النخلة اليمانية ووادي حنين
ويدعان ، وقال : إنه الطريق القديم ، كما ذكر أنه طريق الطائف
ونجد قبل فتح طريق كرا .
الكردي86 : مدينة الطائف أعظم
مصيف في الحجاز ، وأهل مكة لا يستغنون عن الطائف في الصيف مطلقاً ،
وللطائف طريقان : طريق قديم وهي عن طريق السيل ، وهي طريق
اليمانية ، فبين مكة والطائف عن هذا الطريق بالجمال ثلاثة أيام ولا تزال
السيارات إلى اليوم تسير في هذا الطريق ، أما سير الجمال والدواب فقد
بطل سيرها .
وللطائف طريق قديم عن طريق الهدا بفتح أوله وثانيه ، وطريق الهدا يمرّ
من عرفات فشداد فالكر (بضم الكاف وتشديد الراء) فجبل كرا بفتح أوله وثانيه
فالهدا (بالفتح) فعلو وادي محرم فبجرة قرن بفتح أوله وسكون ثانية فجبجب فمسرة
فمعشى فالطائف .
فتكون المسافة بين مكة والطائف عن طريق كرا الجديد حوالى
85 كيلو متراً .
ثم إنّ الحكومة افتتحت طريقاً جديداً بين مكة والطائف عن طريق كرا ،
افتتحها الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود في اليوم الثالث من شهر صفر سنة
1385هـ ، وهذا الطريق الجديد يمرّ من عرفات فشداد فالكرا فالهدا فوادي
محرم فبحرة قرن فجباجب فمسرة فمعشى الطائف ، فطريق كرا الجديد هو المشي
في نفس جبل كرا ، وكلّ الجبل ملفات مسَفلة بالإسفلت .
وقد مر في التعليقة رقم (166) ما ذكره الجاسر في تعليقته على كتاب المناسك
للحربي : أنهما يلتقيان في وادي نعمان ، فالتغير حصل في بدايته من
جهة مكة فالطريق القديم يمرّ على عرفة من بطن نمرة ، والطريق الجديد أخذ
يمين اللآحجة حتى يمرّ بقرب الحسينية والعابدية .
ونستخلص من هذه الأقوال أموراً :
الأول : أنّ كلا الطريقين قديمان ومعروفان ، وما ورد في بعض كلمات
المتأخرين والمعاصرين من تعبيرهم عن طريق السيل بالطريق القديم; فلعله لكونه
قبل تعبيده وفتح طريق كرا الجديد كان مهمولا ، ثم بعد فتح الطريق أهمل
الأول وكثر سلوك الثاني لأنه طريق حديث معبد .
الثاني : أن الذين ذكروا الطريقين سواء كانوا من القدماء أو من
المتاخرين لم يشيروا إلى كون الهدا أو وادي محرم هو قرن المنازل ، حتى
ولا أنه ميقات أو موضع إحرام أو طريق للحاج .
الثالث : كنا قد عرفنا مما تقدم أن قرن المنازل يمرّ على النخلة
اليمانية وحنين ويدعان ، والطريق الذي يمرّ عليهما هو طريق السيل
الكبير ، وموضع الإحرام على هذا الطريق هو السيل
الكبير .
الرابع : تصريحهم أن قرن المنازل هو واقع على الطريق الأول وهو الطريق
المسمى بطريق السيل .
الخامس : أن الطريق الثاني يمرّ على وادي نعمان والهدا وجبل كرا ،
وهي مواضع معروفة قديماً ، ولم يشر أحد ممن ذكرها أنها من منازل الحاج
ولا واقعة في طريق الحاج ، ولم يذكر أحد ممن ذكر الهدا إنها الميقات ولا
واقعة في طريقه .
وسنذكر لك ما ذكره أصحاب المعاجم في الهدا ووادي نعمان وجبل كرا .