(إن شانئك هو
الأبتر) أي الذي قالوه فيك كلام فاسد يضمحل ويفنى، وأما المدح الذي ذكرناه فيك، فإنه باق على وجه الدهر وسادسها: أن رجلا قام إلى الحسن بن علي عليهما السلام، وقال: سودت وجوه المؤمنين بأن تركت الإمامة لمعاوية، فقال: لا تؤذيني يرحمك الله، فإن رسول الله رأى بني أمية في المنام يصعدون منبره رجلا فرجلا فساءه ذلك، فأنزل الله تعالى: (إنا أعطيناك الكوثر) (إنا أنزلناه في ليلة القدر) فكان ملك بني أمية كذلك، ثم انقطعوا وصاروا مبتورين.
المسألة الثالثة
الكفار لما شتموه، فهو تعالى أجاب عنه من غير واسطة، فقال: (إن شانئك هو الأبتر) وهكذا سنة الأحباب، فإن الحبيب إذا سمع من يشتم حبيبه تولى بنفسه جوابه، فههنا تولى الحق سبحانه جوابهم، وذكر مثل ذلك في مواضع حين قالوا: (هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد، افترى على الله كذبا أم به جنة) فقال سبحانه: (بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد) وحين قالوا: هو مجنون أقسم ثلاثا، ثم قال: (ما أنت بنعمة ربك بمجنون) ولما قالوا: (لست مرسلا) أجاب فقال: (يس، والقرآن الحكيم، إنك لمن المرسلين) وحين قالوا: (أئنا لتاركوا آلهتنالشاعر مجنون) رد عليهم وقال: (بل جاء بالحق وصدق المرسلين) فصدقه، ثم ذكر وعيد خصمائه، وقال: (إنكم لذائقوا العذاب الأليم) وحين قال حاكيا: (أم يقولون شاعر) قال: (وما علمناه الشعر) ولما حكى عنهم قوله: (إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون) سماهم كاذبين بقوله: (فقد جاؤوا ظلما وزورا) ولما قالوا: (ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق) أجابهم فقال: (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق) فما أجل هذه الكرامة.