واعلم أن حظ الوعظ منه أن يقال: إنك تستعد فيما لا فائدة لك فيه، فتبني المقابرة وتشتري
التابوت، وتفصل الكفن، وتغزل العجوز الكفن، فيقال: هذا كله للديدان، فأين حظ الرحمن! بل المرأة إذا كانت حاملا فإنها تعد للطفل ثيابا، فإذا قلت لها: لا طفل لك فما هذا الاستعداد؟ فتقول: أليس يبعثر ما في بطني؟ فيقول الرب لك: ألا يبعثر ما في بطن الأرض، فأين الاستعداد، وقرئ وحصل بالفتح والتخفيف بمعنى ظهر.
إن ربهم بهم يومئذ لخبير
ثم قال: (إن ربهم بهم يومئذ لخبير)اعلم أن فيه سؤالات
الأول
أنه يوهم أن علمه بهم في ذلك اليوم إنما حصل بسبب الخبرة، وذلك يقتضي سبق الجهل وهو على الله تعالى محال: (الجواب) من وجهين أحدهما: كأنه تعالى يقول: إن من لم يكن عالما، فإنه يصير بسبب الاختبار عالما، فمن كان لم يزل عالما أن يكون خبيرا بأحوالك! وثانيهما: أن فائدة تخصيص ذلك الوقت في قوله: (يومئذ) مع كونه عالما لم يزل أنه وقت الجزاء، وتقريره لمن الملك كأنه يقول: لا حاكم يروج حكمه ولا عالم تروج فتواه يومئذ إلا هو، وكم عالم لا يعرف الجواب وقت الواقعة ثم يتذكره بعد ذلك، فكأنه تعالى يقول: لست كذلك.السؤال الثاني
لم خص أعمال القلوب بالذكر في قوله: (وحصل ما في الصدور) وأهمل ذكر أعمال الجوارح؟الجواب: لأن أعمال الجوارح تابعة لأعمال القلب. فإنه لولا البواعث والإرادات في القلوب لما حصلت أفعال الجوارح، ولذلك إنه تعالى جعلها الأصل في الذم، فقال: (آثم قلبه) والأصل في المدح، فقال: (وجلت قلوبهم).
السؤال الثالث
لم قال: (وحصل ما في الصدور) ولم يقل: وحصل ما في القلوب؟الجواب: لأن القلب مطية الروح وهو بالطبع محب لمعرفة الله وخدمته، إنما المنازع في هذا الباب هو النفس ومجلسها ما يقرب من الصدر، ولذلك قال: (يوسوس في صدور الناس) وقال: (أفمن شرح الله صدره للإسلام) فجعل الصدر موضعا للإسلام.
السؤال الرابع
الضمير في قوله: (إن ربهم بهم) عائد إلى الإنسان وهو واحد؟والجواب: الإنسان في معنى الجمع كقوله تعالى: (إن الإنسان لفي خسر) ثم قال: (إلا الذين آمنوا)
ولولا أنه للجمع وإلا لما صح ذلك. واعلم أنه بقي من مباحث هذه الآية مسألتان: