هذه الآية دالة على عصمة الملائكة ونظيرها قوله: (وما نتنزل إلا بأمر ربك) وقوله: (لا يسبقونه بالقول) وفيها دقيقة وهي أنه تعالى لم يقل: مأذونين بل قال: (بإذن ربهم) وهو إشارة إلى أنهم لا يتصرفون تصرفا ما إلا بإذنه، ومن ذلك قول الرجل لامرأته إن خرجت إلا بإذني، فإنه يعتبر الإذن في كل خرجة.
المسألة الثالثة
قوله: (ربهم) يفيد تعظيما للملائكة وتحقيرا للعصاة، كأنه تعالى قال: كانوا لي فكنت لهم، ونظيره في حقنا: (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض) وقال لمحمد عليه السلام: (وإذ قال ربك) ونظيره ما روى أن داود لما مرض مرض الموت قال: إلهي كن لسليمان كما كنت لي، فنزل الوحي وقال: قل لسليمان فليكن لي كما كنت لي، وروى عن إبراهيم الخليل عليه السلام أنه فقد الضيف أياما فخرج بالسفرة ليلتمس ضيفا فإذا بخيمة، فنادى أتريدون الضيف؟ فقيل: نعم، فقال للمضيف: أيوجد عندك إدام لبن أو عسل؟ فرفع الرجل صخرتين فضرب إحداهما بالأخرى فانشقا فخرج من إحداهما اللبن ومن الأخرى العسل، فتعجب إبراهيم وقال: إلهي أنا خليلك ولم أجد مثل ذلك الإكرام، فماله؟ فنزل الوحي يا خليلي كان لنا فكنا له.أما قوله تعالى: (من كل أمر) فمعناه تنزل الملائكة والروح فيها من أجل كل أمر، والمعنى أن كل واحد منهم إنما نزل لمهم آخر، ثم ذكروا فيه وجوها أحدها: أنهم كانوا في أشغال كثيرة فبعضهم للركوع وبعضهم للسجود، وبعضهم بالدعاء، وكذا القول في التفكر والتعليم، وإبلاغ الوحي، وبعضهم لإدراك فضيلة الليلة أو ليسلموا على المؤمنين وثانيها: وهو قول الأكثرين