قوله: (ألهاكم) يحتمل أن يكون إخبارا عنهم، ويحتمل أن يكون استفهاما بمعنى التوبيخ والتقريع أي أألهاكم، كما قرىء أنذرتهم وأأنذرتهم، وإذا كنا عظاما وأئذا كنا عظاما.
المسألة الرابعة
الآية دلت على أن التكاثر والتفاخر مذموم والعقل دل على إن التكاثر والتفاخر في السعادات الحقيقية غير مذموم، ومن ذلك ما روى من تفاخر العباس بأن السقاية بيده، وتفاخر شيبة بأن المفتاح بيده إلى أن قال علي عليه السلام: وأنا قطعت خرطوم الكفر بسيفي فصار الكفر مثلة فأسلمتم فشق ذلك عليهم فنزل قوله تعالى: (أجعلتم سقاية الحاج) الآية وذكرنا في تفسير قوله تعالى: (وأما بنعمة ربك فحدث) أنه يجوز للإنسان أن يفتخر بطاعاته ومحاسن أخلاقه إذا كان يظن أن غيره يقتدي به، فثبت أن مطلق التكاثر ليس بمذموم، بل التكاثر في العلم والطاعة والأخلاق الحميدة، هو المحمود، وهو أصل الخيرات، فالألف واللام في التكاثر ليسا للاستغراق، بل للمعهود السابق، وهو التكاثر في الدنيا ولذاتها وعلائقها، فإنه هو الذي يمنع عن طاعة الله تعالى وعبوديته، ولما كان ذلك مقررا في العقول ومتفقا عليه في الأديان، لا جرم حسن إدخال حرف التعريف عليه.
المسألة الخامسة
في تفسير الآية وجوه أحدها: (ألهاكم التكاثر) بالعدد روى أنها نزلت في بني سهم وبني عبد مناف تفاخروا أيهم أكثر فكان بنو عبد مناف أكثر فقال: بنو سهم عدوا مجموع أحيائنا وأمواتنا مع مجموع أحيائكم وأمواتكم، ففعلوا فزاد بنو سهم، فنزلت الآية وهذه الرواية مطابقة لظاهر القرآن، لأن قوله: (حتى زرتم المقابر) يدل على أنه أمر مضى. فكأنه تعالى يعجبهم من أنفسهم، ويقول هب أنكم أكثر منهم عددا فماذا ينفع، والزيارة إتيان الموضع، وذلك يكون لأغراض كثيرة، وأهمها وأولاها بالرعاية ترقيق القلب وإزالة حب الدنيا