بيع الكلب - إرشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

إرشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب - نسخه متنی

میرزاجواد تبریزی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

بيع الكلب

من غير ظاهر اطلاق المقنعة والنهاية[1].

[1] أي: أنّ بيع كلب الصيد من غير السلوقي
جائز إلا في ظاهر الكتابين، فإنّ المستفاد منهما
عدم جواز بيع غير الكلب السلوقي، وهذا بإطلاقه يعمّ
كلب الصيد غير السلوقي، ثمّ انّ الاطلاقات الدالّة
على بطلان بيع الكلب وكون ثمنه سحتاً تامّة، ولابدّ
في رفع اليد عنها من ثبوت الحجّة على تقييدها

والصحيح ثبوتها بالإضافة إلى كلب الصيد سلوقياً
كان أو غيرها، كصحيحة عبدالرحمن بن أبي عبداللّه
ومحمد بن مسم معاً عن أبي عبداللّه (ع) قال: «ثمن
الكلب الذي لا يصيد سحت»(41)،
فإنّ مقتضى التقييد بالذي لا يصيد جواز بيع كلب
الصيد، وبمثلها يرفع اليد عن إطلاق مثل صحيحة
إبراهيم بن أبي البلاد، قال: «قلت لأبي الحسن
الأوّل (ع): جعلت فداك، إنّ رجلاً من مواليك عنده
جوار مغنيات قيمتهن أربعة عشر ألف دينار، وقد جعل
لك ثلثها، فقال: لا حاجة لي فيها، إنّ ثمن الكلب
والمغنية سحت»(42)، ونحوها
غيرها.

لا يقال: إنّ ما دلّ على جواز بيع كلب
الصيد منصرف إلى السلوقي.

فإنّه يقال: لا موجب لتوهّم الانصراف إلا
غلبة الاصطياد به خارجاً، والغلبة ممنوعة أوّلاً،
ولا توجب الانصراف ثانياً، بل الموجب له كثرة
الاستعمال وغلبته، بحيث توجب أنس الأذهان من
المطلق به.

وذكر المصنّف «ره» أنّه على تقدير
الانصراف بغلبة الوجود، فلا تتمّ دعوى الانصراف في
مثل قوله (ع) في الصحيحة «ثمن الكلب الذي لا يصيد أو
ليس بكلب الصيد» مما يكون الموضوع للفساد هو الكلب
الذي يصلح سلب مبدأ الاصطياد عنه، فإنّه لا يصحّ
سلب المبدأ عن كلب الصيد، ولو كان من غير السلوقي،
وهذا بخلاف ما يكون فيه الموضوع لصحّة بيعه هو
الكلب الموصوف بالاصطياد به أو المضاف إلى عنوان
الصيد، فإنّ توهمّ الانصراف فيهما باعتبار غلبة
الوجود ممكن.

ولكن لا يخفى ما فيه، فإنّه لا فرق بين
إثبات المبدأ والوصف وبين نفيهما، وذلك فإنّه لو
كان الوصف أو المبدأ في طرف الإثبات منصرفاً إلى
نوعه الغالب يكون في نفيه أيضاً كذلك، بمعنى أنّه
يكون المسلوب ذلك النوع الخاص، والحاصل أنّه لا
يصحّ نفي كلب الصيد عن غير السلوقي إذا كان في طرف
إثباته منصرفاً إلى السلوقي.

ويؤيّد بما عن المنتهى[1].

[1] ذكر في المنتهى ما حاصله أنّ الموجود في
كلام المفيد والشيخ «ره» جواز بيع الكلب السلوقي،
ومرادهما بالسلوقي مطلق كلب الصيد، وذلك فإنّ غالب
كلام السلوق وهي قرية في اليمن صيود، وبهذا
الاعتبار ينسب كلب الصيد إلى تلك القرية، ويطلق على
كلب الصيد أنّه سلوقي، ويحتمل أن يكون مراد المنتهى
أنّ المذكور في كلام المفيد والشيخ وإن كان مطلق
السلوقي، إلا أنّ مرادهما الصيود منه لا مطلق كلاب
تلك القرية، وأطلق في العبارة ولم يقيّد السلوقي
بالصيود باعتبار التغليب، حيث أنّ أكثر كلاب تلك
القرية معلّمة، وهذا الاحتمال في عبارة المنتهى
ضعيف، ولذا ذكر المصنّف «ره» أنّ الأظهر في عبارته
هو الأوّل، والوجه في ضعفه أنّ الأنسب ـ على ذلك
الاحتمال ـ أن يكون التفريع الموجود هكذا، فنسب
الكلب إليها أي نسب كلب الصيد إليها. وبعبارة أُخرى
عبّر عن مطلق كلب الصيد بالكلب السلوقي.

ثمّ إنّ مقتضى الاطلاقات عدم جواز بيع
الصغار من الكلاب التي لا تصلح فعلاً للصيد وتصلح
له بعد كبرها وتعليمها، والوجه في ذلك ظهور الوصف
في الروايات المقيّدة في الصالح للصيد فعلاً،
وأمّا الصالح بالإمكان ومعلّقاً على الكبر
والتعليم، فباق في الاطلاقات المانعة والقاضية
بأنّ ثمن الكلب سحت.

وظاهر الفقرة الأخيرة[1].

[1] المراد بالفقرة الأُولى (قوله لا بأس
بشراء الكلب الصائد والحارس للماشية والزرع) كما
أنّ المراد بالفقرة الأخيرة (قوله لا خير في الكلب
فيما عدا الصيود والحارس) فإن كان مراد ابن الجنيد
من الحارس في هذه الفقرة الأخيرة عين ما ذكره في
الفقرة الأُولى فلازم ذلك اختصاص جواز البيع
بالحارس للماشية والزرع، وعدم شموله الحارس لغيرهما، وإن كان مراده
معناه المطلق، فيعمّ الجواز جميع أقسام الحارس.

لكون المنقول مضمون الرواية[2].

[2] يريد بيان قصور دلالة المرسلة. وتقريره
أنّ المروي عن تقدير كونه منقولاً باللفظ أو بما
يرادفه أو ترجمته ولو بلغة أُخرى يكون النقل مع ثقة
الناقل حجّة، لأنّ احتمال الاشتباه في الترجمة أو
الإتيان بغير المرادف مدفوع بسيرة العقلاء الجارية
في الاعتناء بأخبار الثقات حتّى في مثل هذه
الموارد، بخلاف ما إذا كان المنقول مضمون الكلام
وحاصله، فإنّه لا يخلو من إظهار الرأي في كلام
الغير، ولذا لو كان المخبر بالمضمون ثقة كمال الثقة
لم يكن اعتبار قوله إلا من باب حجّية الرأي، ونقل
الشيخ «ره» في المقام من هذا القبيل، فإنّ قوله
«إنّه روي ذلك» لا يحتمل كونه متن الرواية، وعلى
ذلك يكون فتوى المشهور بالجواز جائزة لقصور
المرسلة في جهة دلالتها أيضاً حيث يظهر من إفتائهم
أنّ تلك الرواية كانت ظاهرة في الجواز، وهذا بعد
إحراز أنّ مستند حكمهم تلك الرواية بعينها.

بل ظهور الاتفاق[3].

[3] يعني قصور سند المرسلة ودلالتها منجبر
بالإجماع الظاهر من قول الشيخ «ره» في كتاب الاجارة
وهو أنّ أحداً لم يفرّق بين بيع هذه الكلاب
وإجارتها مع ملاحظة الاتفاق على صحّة إجارتها،
والظاهر من قول العلامة «ره» في التذكرة من أنّه
يجوز بيع هذه الكلاب عندنا، والظاهر من الكلام
المحكي عن الشهيد «ره» في الحواشي حيث ذكر فيها أنّ
أحداً لم يفرّق بين الكلاب الأربعة.

أقول: قد ظهر مما ذكرنا إلى هنا أنّ مقتضى
الأدلة الالتزام بعدم جواز بيع غير الكلب الصالح
فعلاً للصيد وما تقدّم من مرسلة الشيخ «ره» لا يزيد
على سائر المرسلات التي لا يمكن الاعتماد عليها.

لا يقال: لا يمكن التمسّك في إثبات بطلان
بيع الكلب مطلقاً بمثل صحيحة إبراهيم بن أبي
البلاد، لعدم الاطلاق فيها باعتبار عدم ورودها في
مقام بيان حكم بيع الكلب، بل في مقام تحقير الجارية
المغنّية وتسوية ثمنها مع ثمن الكلب، وكذا لا يمكن
التمسّك برواية السكوني عن أبي عبداللّه (ع) قال:
«السحت ثمن الميتة وثمن الكلب وثمن الخمر ومهر
البغي والرشوة في الحكم وأجر الكاهن»(43). والوجه في ذلك عدم الاطلاق لها أيضاً
باعتبار أنّه لم ترد في بيان الحكم لثمن الكلب حتّى
يؤخذ بإطلاقه، بل في مقام تعداد السحت نظير ما ورد
في تعداد الحرام من الكذب والغيبة والتهمة والربا
وغير ذلك، أو في تعداد الواجب من أنّها الصلاة
والصوم والحج والزكاة إلى غير ذلك.

والحاصل أنّه كما لا دلالة فيما ورد في
تعداد الحرام على كون الربا مثلاً بإطلاقه حراماً
أو أنّ الحرام قسم خاصّ منه ولا دلالة فيما ورد في
تعداد الواجب على وجوب الحجّ بإطلاقه أو أنّ له
شرطاً، ولذا لا يمكن التمسّك عند الشكّ في جزئية
شيء أو شرطيّته للصلاة مثلاً بالاطلاق المزبور في
نفي جزئية ذلك المشكوك فيه أو شرطيته، كذلك لا
دلالة فيما ورد في تعداد السحت، على أنّ السحت ثمن
مطلق الكلب أو ثمن كلب خاص. وعى ذلك فلا يصحّ الحكم
ببطلان بيع كلب الزرع أو الماشية

أو الحارس أخذاً
بالاطلاقات المزبورة، وأيضاً لا يمكن الحكم بفساد
بيعها أخذاً بمفهوم الوصف في مثل صحيحة عبدالرحمن
ومحمد بن مسلم معاً، وذلك فإنّ المراد بالذي يصيد
ليس هو خصوص الكلب المعلّم للصيد حتّى يكون المراد
بالذي لا يصيد غير المعلّم للصيد، بل المراد به
معناه اللغوي وهو الذي يأخذ الحيوان الممتنع، سواء
كان مأكول اللحم أو لا، حتّى إذا كان الأخذ المزبور
من الكلب بمقتضى طبعه الذي من السباع، فالكلب الذي
لا يصيد هو ما يكون مهملاً وعاطلاً عن مقتضى طبعه
بالمرّة بحيث لا يأخذ الحيوان الممتنع، والحاصل
أنّ الكلاب الأربعة كلّها من كلاب الصيد ويصحّ
بيعها كما هو مقتضى وجوب الوفاء بالعقود وإطلاق
دليل حلّ البيع، والفاسد بيعه هو الكلب الهراش
العاطل عن مقتضى طبعه بالمرّة والساقط عن درجة كونه
سبعاً.

فإنّه يقال: لابدّ من الحكم ببطلان بيع
كلب الماشية أو الزرع أو الحارس ونحوهما بمقتضى
الاطلاق فيما ورد في كون ثمن الكلب سحتاً وبمقتضى
التقييد فيما ورد من عموم جواز بيع الكلب الذي لا
يصيد، وذلك فإنّ الخطاب الدالّ على الحكم لموضوع
يحمل على كون المتكلّم به في مقام البيان من جهة
القيود المحتملة للحكم وموضوعه إلا مع القرينة على
الخلاف، ومن القرينة على الخلاف ما إذا تعلّق
الوجوب أو الحرمة بأفعال مختلفة ثمّ ورد خطاب آخر
في تعداد تلك الواجبات والمحرّمات المبيّنة في
الخطابات السابقة: وأمّا إذا كان بيان وجوبها أو
حرمتها بذلك الخطاب الجامع فلا بأس بالأخذ
بالاطلاق فيه في ناحية الحكم وموضوعه.

مثلاً إذا ورد في الخطاب أنّ من الحرام
الرشاء في الحكم والغيبة والكذب والغناء حمل على
كونه بياناً لحرمة تلك الأفعال، فيؤخذ بالاطلاق في
ناحية الحرمة ومتعلّقها، لما تقدّم من أنّ الأصل في
الخطاب الدالّ على الحكم وموضوعه صدوره في مقام
بيان ذلك الحكم من جهة تمام قيوده وقيود موضوعه،
ويمكن أيضاً قيام القرينة على عدم كونه في مقام
البيان من جهة متعلّق الحكم، فيؤخذ بإطلاقه من سائر
الجهات، كما إذا كان متعلّق الحكم في الخطاب من
الأُمور التي لا يعرفها العرف كالعبادات، مثل ما
ورد في بناء

الإسلام على الخمس: «الصلاة والزكاة
والصوم والحج والولاية» حيث أنّ عدم معرفة العرف
بتلك العبادات قرينة على أنّها ليست في مقام بيانها
من جهة أجزائها وشرائطها، بل في مقام بيان أهميتها
بالإضافة إلى أنّها ليست في مقام بيانها من جهة
أجزائها وشرائطها، بل في مقام بين أهمّيتها
بالإضافة إلى سائر الوظائف والواجبات، ولذا يمكن
التمسّك في إثبات كون الأهم كلّ الفرائض اليومية
بلا فرق بين صلاة وأُخرى بإطلاق المتعلّق من هذه
الجهة، كما لا يخفى.

والحاصل أنّه لا قرينة على أن مثل رواية
السكوني الواردة في أنّ ثمن الميتة أو الخمر أو
الكلب وغيرهما من السحت في مقام تعداد ما ثبت كونه
سحتاً بالخطابات الأُخرى لنحتاج في تعيين ما هو
السحت سعةً وضيقاً إلى ملاحظة تلك الخطابات، بل
الظاهر أنّ الرواية في مقام بيان أنّ المذكورات
محكومة بكونها سحتاً، فيؤخذ بالاطلاق في ناحية
الخمر والكلب والميتة وغيرها، كما أنّ صحيحة
إبراهيم بن أبي البلاد ورودها في مقام الجواب عن
سؤال ثمن الجارية المغنّية لا ينافي كونها في مقام
بيان حكم ثمن الكلب أيضاً،

وأيضاً ليس المراد
بالصيد في مثل قوله (الكلب الذي لا يصيد أو يصيد)
مطلق صيد الحيوان، فإنّه لا يقع البيع والشراء
خارجاً على الكلاب المهملة السابطة عن مقتضى طبعها
بالمرّة ليحتاج في المنع عن بيعها في الروايات
المتعدّدة إلى التقييد المزبور، بل المراد بالذي
يصيد هو الصالح لإرساله للصيد فعلاً، نظير ما يقال
عن الحيوان الصالح فعلاً للركوب أنّه يركب، وفي مثل
هذا يحتاج المنع عن بيع غيره إلى التقييد، فلاحظ.

بأنّ الدية لو لم تدل[1].

[1] الصحيح أنّه لا دلالة لتعيين الديّة
على المالية ولا على عدمها وذلك لثبوت الدية في قتل
العبد مع كونه مالاً وفي الحرّ مع عدم كونه ملكاً أو
مالاً، نعم في الماليات مقتضى قاعدة الاتلاف ضمان
القيمة في مورد لم تثبت فيه الدية، هذا مع أنّ في
ثبوت الديّة في غير السلوقي تأمّلاً، لضعف الرواية
الدالّة عليها، وأمّا الدالّة على أنّ ديّة
السلوقي أربعون درهماً فرواية معتبرة(44).

وأمّا كلام ابن زهرة فهو مختل[1].

[1] وبيانه أنّ المصنّف «ره» قد صحّح فيما
تقدّم كلام ابن زهرة بحمل الكلب المعلّم للصيد فيه
على المثال ووجه التصحيح أنّ ابن زهرة ذكر في وجه
عدم جواز بيع النجس عدم جواز الانتفاع به واستثنى
عن حرمة بيعه شيئين (أحدهما) الكلب المعلّم للصيد،
و(ثانيهما) الزيت، وقال بورود الترخيص في الانتفاع
بالزيت المتنجس للاستصباح،

وبما أنّ الانتفاع بكلب
الماشية ونحوها ككلب الصيد جائز، فيكون مقتضى ذلك
جواز بيعها أيضاً، فيحمل الكلب المعلّم للصيد في
كلامه على المثال، ويذكر المصنّف فعلاً أنّ
التصحيح غير مفيد، وكلان ابن زهرة مختلّ على كلّ
حال، أي سواء حمل الكلب المعلّم للصيد فيه على
المثال أو لا، فإنّه إذا لم يحمل على المثال فيرد
عليه أنّه لا وجه لتخصيص جواز البيع بكلب الصيد مع
جريان وجه الجواز عنده في كلب الماشية وغيرها
أيضاً، وإن حمل على المثال بما يجوز بيعه من الكلاب
فلا وجه لإهمال العبد الكافر والاقتصار في
الاستثناء على كلب الصيد والزيت المتنجس.

اللهمّ إلا أن يدفع هذا الخلل بحمل كلب
الصيد في كلامه على المثال لمطلق النجس الذي يجوز
الانتفاع به، بحيث يعمّ العبد الكافر أيضاً ويكون
ذكر الزيت بعد ذلك لورود النصّ الخاصّ في جواز
الانتفاع به.

أقول: يمكن أن يكون ذكر كلب الصيد للمثال
للكلاب الأربعة، وإهماله العبد الكافر لعدم قوله
«ره» بنجاسته، فلابدّ من ملاحظة ما ذكره في مسألة
نجاسة الكافر.

والمتحصّل في المقام أنّه لا يجوز بيع غير
كلب الصيد من سائر الكلاب أخذاً بالاطلاق السابق
وبمقتضى التقييد في مثل صحيحة عبدالرحمن
المتقدّمة. نعم لا بأس بإجارتها أو هبتها إلى غير
ذلك من المعاملات التي لا تندرج في عنوان البيع كما
هو مقتضى عموم الوفاء بالعقود ونفوذ الصلح والهبة
أو نحوها كما لا يخفى، بقي في المقام أمر وهو أنّه
ليس المراد بالصيود والذي يصيد تلبّس الكلب فعلاً
بالصيد بأن يكون حال البيع مرسلاً إلى الصيد للقطع
بعدم اعتبار هذا التلبّس في جواز بيعه بل المراد هو
الصالح للاستعمال في الصيد

في مقابل ما لا يصيد،
والمراد بكلب الصيد إمّا الكلب الذي يستعمل فعلاً
في الصيد بحيث يكون شغله الفعلي هو الصيد نظير كلب
الماشية أو الزرع حيث يكون ظاهرهما ما شغله حراسة
الزرع أو الماشية، فيكون الصيود أو الذي يصيد أعمّ
مطلقاً من كلب الصيد، ويكون المراد بكلب الصيد عين
المراد من الصيود، وبينهما تساو، وعلى كلٍّ فموضوع
عدم الجواز في صحيحة عبدالرحمن هو الكلب الذي لا
يصيد أي لا يصلح لاستعماله في الصيد. وأمّا الصالح
له فيجوز بيعه، سواء كان مع صلاحه له حارساً للزرع

ونحوه أيضاً أو لا، والذي لا يجوز بيعه من كلب
الماشية أو الزرع أو الحائط ما لا يكون صالحاً
فعلاً لاستعماله في الصيد، وأيضاً الكلاب القابلة
للصيد، بعد كبرها وتعليمها، باعتبار أنّ عدم
فعليّة الصلاح فيها داخلة في المطلقات القاضية
بأنّ ثمن الكلب سحت، بل يصحّ أن يقال إنّها لا تصيد،
فيعمّها قوله (ع): «ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت»
واحتمال ـ كون المراد بالصيود معنى يعمّ ما له
الاستعداد للصيد ولو لم يكن فعلاً صالحاً له ـ ضعيف.
وعلى تقدير الاغماض يكون معنى الصيود أو الذي يصيد
أو لا يصيد مجملاً مردّداً بين الأقلّ والأكثر،
فيرجع في غير الصالح فعلاً إلى إطلاق ما دلّ على كون
ثمن الكلب سحتاً.

المعاوضة على العصير العنبي

الأقوى جواز المعاوضة على العصير
العنبي[1].

[1] لا يخفى أنّه لا يحكم بنجاسة العصير
العنبي بنشيشه أو غليانه، سواء كان ذلك بالنار أو
بالشمس أو بنفسه، وإنّما يحكم بنجاسته، فيما إذا
صار خمراً، والحكم بالطهارة مقتضى الأصل في
الأشياء، ولكن المنسوب إلى المشهور نجاسته بنشيشه
أو غليانه، وذلك لصحيحتين:

الاولى: صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج عن أبي
عبداللّه (ع) قال: قال رسول اللّه (ص): «الخمر من خمسة:
العصير من الكرم، والنقيع من الزبيب، والبتع من
العصل، والمرز من الشعير، والنبيذ من التمر»(45).

وفيه أنّه ليس مفادها أن عصير الكرم
بإطلاقه خمر، بل أنّ الخمر المحكوم بالنجاسة وحرمة
الشرب وعدم جواز بيعها تحصل منه كحصولها من الأربعة
الباقية، ولذا لا يمكن الالتزام بدلالتها على كون
عصير العنب خمراً حتّى مع عدم غليانه، وكذا الحال
في الزبيب وأنّه خمر فيما إذا ألقى في الماء حتّى
يدخل الماء في جوفه ويصير نقيعاً.

والحاصل أنّ مفاد الرواية أنّ المأخوذ
منغير الخمسة لا يكون خمراً ولا يختصّ الخمر
بالمأخوذ من بعض هذه الخمسة، كما كان عليه فتاوى
العامّة على ما قيل.

الثانية: صحيحة معاوية بن عمّار قال:
«سألت أبا عبداللّه (ع) عن الرجل من أهل المعرفة
يأتيني بالبختج، ويقول قد طبخ على الثلث وأنا أعرفه
أنّه يشربه على النصف أفأشربه بقوله وهو يشربه على
النصف؟ قال: خمر لا تشربه»(46)
حيث أنّ الحكم بكون العصير خمراً مقتضاه ثبوت جميع
أحكامها له ومنها نجاستها وعدم جواز بيعها، وفيه:
أوّلاً أنّ الموجود في رواية الكليني (فقال لا
تشربه) بلا ذكر لفظ خمر، بل الظاهر أنّ نسخ التهذيب
كانت مختلفة وكانت الزيادة في بعضها، ولذا نقل في
الوسائل الرواية عن الكافي أولاً، ثمّ قال ورواه
الشيخ «ره» بلا تعرّض منه لزيادة لفظ خمر في رواية
التهذيب.

والحاصل أنّه لم تثبت لفظة خمر في رواية
الشيخ «ره»، بل على تقديره يكون خلوّ رواية الكافي
موجباً لعدم ثبوته لا لترجيح رواية الكافي، وكون
رواياته أضبط حتّى لا يقال لا دليل على الترجيح،
بعد كون كلّ منهما خبر عدل يدخل في دليل اعتبار خبر
العدل لولا الآخر، بل باعتبار أنّ عدم اللفظ في أحد
النقلين في المقام ليس من اختلافهما بالأقلّ
والأكثر في النقل حتّى يؤخذ بالثاني، ويقال أنّ راوي الأقلّ
لا ينفي الزايد فإنّ الظاهر في مثل المقام مما يوجب
وجود للفظ في أحدهما اختلاف المضمون أنّ الراوي بلا
زيادة ينفي وجودها.

أضف إلى ذلك أنّه على تقدير ثبوت لفظ
الخمر في النقلين لا يصحّ الحكم بنجاسة العصير قبل
ذهاب ثلثيه، وذلك فإنّ قوله خمر لا تشربه ليس
بياناً للحكم الواقعي للعصي، بل الحكم الواقعي له
كان معلوماً لدى السائل، وإنّما سأل الإمام (ع) عن
الشبهة الموضوعية واعتبار إخبار ذي اليد فيها.

والحاصل أنّ الرواية غير ناظرة إلى بيان
الحكم الواقعي للعصير بعد غليانه حتّى يؤخذ بإطلاق
التنزيل وكونه خمراً، بل هي ناظرة إلى بيان الحكم
الظاهري، وأنّه عند الجهل بحال العصير لا يعتني
بإخبار ذي اليد الذي لا يعتقد حل العصير بذهاب
ثلثيه. ومن الظاهر أنّ الحكم الظاهري تابع للحكم
الواقعي، فإن كان التنزيل في خطاب الحكم الواقعي من
جميع الجهات، كان الحكما لظاهري أيضاً كذلك، ولو
كان من جهة حرمة شربه فقط، فلا يمكن كون الحكم
الظاهري تنزيلاً مطلقاً، فلابدّ من ملاحظة خطاب
الحكم الواقعي لا التمسّك بإطلاق خطاب الحكم
الظاهري، فتدبّر.

بيع العصير العنبي

وجب عليه غرامة الثلثين[1].

[1] بل الأصحّ ضمان تفاوت قيمتي العصير
بلحاظ قبل غليانه وبعده، وذلك فإنّ الأوصاف ـ ومنها
غليان العصير وعدمه، وإن لم يكن بالنسبة إليها ضمان
المعاوضة بمعنى أنّه لا يقع بعض الثمن في مقابل وصف
المبيع وبهذا ـ يفترق الوصف عن جزء المبيع، إلا
أنّها تدخل في ضمان اليد أو الاتلاف، وبعبارة أُخرى
كما أنّ تلف الشيء أو بعضه في يده أو إتلافهما على
الآخر يوجب ضمان المثل أو القيمة، كذلك النقص في
الأوصاف. وقد اعترف المصنّف «ره» بأنّ غليان العصير
في يد الغاصب ليس من تلف العين كانقلاب الخلّ خمراً
حتى يكون ضامناً لأصل المال، وعليه يكون التالف هو
وصف عدم الغليان، فيرجع إلى التفاوت بين القيمتين
لا إلى غرامة الثلثين وأُجرة إذهابهما.

مثل قوله (ع) وإن غلى فلا يحلّ بيعه[1].

[1] كما في رواية أبي كهمس قال: «سأل رجل أبا
عبداللّه (ع) عن العصير، فقال: لي كرم وأنا أعصره كلّ
سنة وأجعله في الدنان وأبيعه قبل أن يغلي، قال: «لا
بأس به، وإن غلا فلا يحلّ بيعه» ثمّ قال: «هو ذا نحن
نبيع تمرنا ممن نعلم أنّه يصنعه خمراً»(46). وهذه
لضعف سندها بعدم ثبوت توثيق لأبي كهمس لا يمكن
الاعتماد عليها،

مع أنّ ظاهرها بقرينة ما في ذيلها
من قوله (ع): «نحن نبيع تمرنا ممن نعلم أنّه يصنعه
خمراً» أنّ جهة سؤال الراوي إنّما هو بيع العصير
ممن يجعله خمراً، والمذكور في الجواب التفصيل بين
بيعه قبل غليانه وبيعه بعده بالجواز في الأوّل وعدم
الجواز في الثاني، ومقتضى قوله: «فلا يحل» عدم
الجواز حتى مع إعلام الحال للمشتري، ودعوى المصنّف
«ره» ـ أنّها لا تشمل ما إذا كان البيع بقصد التطهير
مع إعلام المشتري بالحال ـ لا يمكن المساعدة عليها.

وبهذا يظهر الحال في رواية أبي بصير قال:
«سألت أبا عبداللّه (ع) عن ثمن العصير قبل أن يغلي
لمن يبتاعه ليطبخه أو يجعله خمراً! قال: إذا بعته
قبل أن يكون خمراً وهو حلال، فلا بأس»(47) مع أنّ في سندها قاسم بن محمد الجوهري
عن علي بن أبي حمزة، والظاهر أنّه البطائني،وذكر
السيد الخوئي طال بقاه أنّ أبابصير في نظير الرواية
مردّد بين ابن البختري وبين ليث المرادي وكلاهما
كوفي ولم يكن في الكوفة في ذلك الزمان عنب كثير حتّى
يباع عصيره ممن يجعله خمراً أو يطبخه دبساً،
فالظاهر أنّ مراد السائل هو عصير التمر ولا ريب في
جواز بيعه حتّى بعد غليانه وقبل كونه خمراً،
فالرواية أجنبية عن المقام.

أقول: لا يخفى ما فيه: (أوّلاً) كون الراوي
كوفيّاً بحسب الأصل لا يدلّ على أنّ سؤاله راجع إلى
ما يكون في بلده. و(ثانياً) أنّه لا علم لنا بحال
الكوفة في ذلك الزمان من قلّة العنب أو كثرته فيها.
و(ثالثاً) أنّ تقييد الجواب بقوله «وهو حلال» ظاهر
في اعتبار عدم الغليان، وإلا كان تأكيداً وإطلاق
العصير ينصرف إلى عصير العنب. ويظهر ذلك بمراجعة ما
ورد في حكم العصير. وأمّا مرسلة محمد بن الهيثم عن
أبي عبداللّه (ع) قال: «سألته عن العصير يطبخ بالنار
حتّى يغلى من ساعته أيشربه صاحبه؟

قال: إذا تغيّر عن
حاله وغلى فلا خير فيه حتّى يذهب ثلثاه، ويبقى
ثلثه»(48)، فمع ضعفها بالإرسال
وغيره ظاهرها السؤال عن شرب العصير، وظاهر الجواب
بنفي الخير غايته عدم جواز الشرب لا عدم جواز بيعه،
فلا نظر في الرواية إلى المعاملة على العصير أصلاً.

والحاصل أنّ مقتضى القاعدة جواز بيع
العصير بعد غليانه أخذاً بمقتضى اطلاق حلّية البيع
ونفوذه حتّى فيما إذا قيل باعتبار حديث تحف العقول
الوارد فيه النهي عن بيع وجوه النجس، أو باعتبار
النبوي الدالّ على أنّ تحريم الشيء يلازم حرمة ثمنه
وفساد بيعه، وذلك فإنّ النجاسة في العصير أو الحرمة
طارئة ترتفع بذهاب الثلثين، وهذه النجاسة المعبّر
عنها بقبول الشيء للطهارة غير داخلة في مدلول
الحديث كسائر الأعيان المتنجسة القابلة لها، كما
أنّ مثل الحرمة المزبورة غير داخلة في مدلول
النبوي، ولذا يصحّ بيع ما يحرم في حال خاص كحال
الاحرام، والحاصل أنّ ظاهر النبوي هو أنّ النهي عن
شيء مطلقاً بحيث يعمّ جميع أحواله يلازم فساد بيعه.

ثمّ إنّه لا بأس بالإشارة في المقام إلى
حكم العصير العنبي والزبيبي والتمري بعد الغليان
من حيث الحلّ والحرمة، فنقول: لا ينبغي الريب في
حرمة شرب العصير العنبي بعد غليانه سواء كان غليانه
بالنار أو بنفسه أو بغير ذلك، بل لا أعرف خلافاً في
ذلك. والأظهر حلّه حتّى فيما إذا كان غليانه بنفسه بذهاب
ثلثيه؛ سواء كان الذهاب بالشمس أو بالهواء أو
بالنار.

لا يقال: العصير إذا غلى بنفسه يصير خمراً
ومسكراً فينحصر حلّه بانقلابه خلاً.

فإنّه يقال: مجرّد غليانه بنفسه لا يوجب
كونه خمراً، ولو فرض بقاء العصير بعد غليانه بنفسه
أو بغيره على حاله حتّى صار مسكراً فهو خارج عن
مفروض الكلام.

شرب العصير بعد غليانه

وكيف كان فيشهد لما ذكرنا مثل صحيحة حماد
بن عثمان عن أبي عبداللّه (ع) قال: «لا يحرم العصير
حتّى يغلي»(49)، وفي معتبرته
الأُخرى عنه (ع) قال: «سألته عن شرب العصير فقال:
تشرب مالم يغل وإذا غلى فلا تشربه، قلت: وأيّ شيء
الغليان؟ قال: القلب»(50)،

وفي
صحيحة عبداللّه بن سنان عن أبي عبداللّه (ع): «كلّ
عصير أصابته النار فهو حرام حتّى يذهب ثلثاه ويبقى
ثلثه»(51) والمراد بإصابة النار
الغليان بقرينة ما سبق، وفي موثّقة ذريح، قال:
«سمعت أبا عبداللّه (ع) يقول: إذا نش العصير أو غلى
حرم»(52)، والمراد بالغليان
فيها هو القلب بالنار، وبالنشيش ما لا يكون فيه
القلب عادةً كالغليان بنفسه، فيكون حاصل الموثقة
أنّه إذا غلى العصير بنفسه أو كان غليانه بالنار
بنحو القلب فقد حرم، ويقتضي ذلك عطف الغليان على
النشيش مع ملاحظة أنّ ما دلّ على اعتبار القلب
ظاهره المورد الذي يمكن فيه وهو الغليان بالنار.

وما قيل من أنّ المراد بالنشيش هو الصوت
الحاصل قبل الغليان غير ثابت، بل ظاهره هو الصوت
الحاصل عند غليان الشيء بنفسه، ويؤيّد ذلك ما في
موثّقة عمّار من قوله (ع): «فإذا كان أيّام الصيف
وخشيت أن ينش“»(53) وذكرنا
أنّه إذا ذهب ثلثا العصير بعد غليانه يصير حلالاً،
سواء كان الذهاب بالنار أو بغيرها، ويقتضي ذلك قوله
(ع) في صحيحة عبداللّه بن سنان المتقدمة: «حتّى يذهب
ثلثاه ويبقى ثلثه» فإنّه ليس في البين ما يقتضي
تقييد الذهاب بكون بالنار، نعم في صحيحته الأُخرى
قال:

«ذكر أبو عبداللّه (ع) أنّ العصير إذا طبخ حتّى
يذهب ثلثاه ويبقى ثلثاه فهو حلال»(54)، ولكن بما أنّ ذهاب الثلثين يكون
بالطبخ غالباً فلا يمنع ذلك عن الأخذ بإطلاق صحيحته
الأُولى، كما هو الحال في جميع القيود الغالبية
التي لا توجب رفع اليد عن المطلقات.

ولا يخفى أنّ المراد بالعصير في هذه
الروايات العصير العنبي فلا يشمل العصير الزبيبي
فضلاً عن التمري، والوجه في ذلك (أوّلاً) أنّ العصير
يطلق على مايخرج من الشيء، أي على الماء المتكوّن
في داخلالشيء بعد إخراجه، فلا يشمل المخرج من
الزبيب والتمر مما لا يتكوّن في داخلهما، ولذا ذكّر
في صحيحة عبدالرحمن ابن الحجاج في أقسام الخمر
العصير من الكرم والنقيع من الزبيب والنبيذ من
التمر(55)، وثانياً أنّ حمله على
العموم غير ممكن حيث لا يصحّ لأحد الالتزام بحرمة
كلّ عصير حتّى مثل عصير الجزر والبطيخ بالغليان،
وحمله ـ على خصوص الثلاثة، أي: عصير العنب والزبيب
والتمر بلا قرينة ـ غير ممكن، بل المتيقّن منه
العصير العنبي والعموم باعتبار أفراده كما لا يخفى.

والحاصل أنّه لا يمكن التعدّي عن عصير
العنب إلى ماء الزبيب والتمر، بل الأظهر فيهما
حلهما حتّى بعد غليانهما، وليس في البين ما يقتضي
حرمتهما بعد غليانهما، نعم ورد في الزبيب ما ربّما
يقال بظهوره في حرمة مائه بعد غليانه كموثّقتي
عمّار(56) ولكن بما أنّ المذكور
فيهما من الأُمور الكثيرة غير دخيل في حلّ ماء
الزبيب قطعاً، ولا مجال فيها لاحتمال استحباب
رعايتها، فلابدّ من كون المراد دخالتها في حلّه مع
بقائه مدّة طويلة، بحيث لا ينقلب فيها إلى الخمر.
ويؤيّد ذلك رواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي التي
مثلهما في ذكر تلك الأُمور، وذكر في ذيلها وهو شراب
طيّب لا يتغيّر إذا بقي إن شاء اللّه تعالى.

وأمّا رواية زيد النرسي في أصله، قال:
«سُئل أبو عبداللّه (ع) عن الزبيب يدقّ ويُلقى في
القدر ثمّ يصبّ عليه الماء ويوقد تحته؟ قال: لا
تأكله حتّى يذهب الثلثان وبقى الثلث، فإنّ النار
أصابته، قلت: فالزبيب كما هو في القدر ويصبّ عليه
الماء ثمّ يطبخ ويصفّى عنه الماء، فقال: كذلك هو
سواء إذا أدّت الحلاوة إلى الماء فصار حلواً بمنزلة
العصير، ثمّ نشّ من غير أن تصيبه النار فقد حرم،
وكذلك إذا أصابته النار فأغلاه فقد فسد» رواها في
المستدرك فدلالتها على جريان حكم العصير العنبي في
ماء الزبيب واضحة،

إلا أنّها لا تصلح للاعتماد
عليها، حتّى ما لو قيل بأنّ زيد النرسي موثّق،
باعتبار أنّ الراوي عنه هو محمد بن أبي عمير، وذكر
الشيخ في عدّته أنّه لا يروي إلا عن ثقة، وهذا توثيق
عام لمشايخ محمد بن أبي عمير، ويرفع اليد عنه في
مورد ثبوت الخلاف لا مع عدمه كما في المقام، وحتّى
ما لو قيل بأنّ أصل زيد النرسي معتبر كما عن النجاشي
وغيره، ووجه عدم صلوحها عدم إحراز أنّ ما نقل عنه
هذه الرواية وهي النسخة التي كانت بيد المجلسي «ره»
هي أصل النرسي المعتبر، بل من المحتمل أنّها كانت
مجعولة مدسوسة، ومجرّد اشتمالها على بعض الروايات
التي ثبت أنّها لزيد لا يدلّ على أنّها بتمامها
رواياته.

وبعبارة أُخرى النسخة التي كانت بيد
المجلسي «ره» ونقل عنها هذه الرواية وكانت مصححة
بخط الشيخ منصور بن الحسن الآبي لم يظهر لنا
وسائطها إلى زيد، كما هو المألوف بين أصحاب الحديث
لنعتمد عليها مع إحراز حال تلك الوسائط، ويزيد
الشبهة ما عن الصدوق «ره» من أنّ أصل زيد النرسي
وأصل زيد الزرّاد موضوعان وضعهما محمد بن موسى
الهمداني ذكر ذلك محمد بن الحسن الوليد «ره».

لا يقال: قد ذكر المجلسي في البحار أنّه
وجد في أوّل النسخة هكذا حدّثنا الشيخ أبو محمد
هرون بن موسى التلعكبري أيّده اللّه، قال: حدّثنا
أبوالعباس أحمد بن سعيد الهمداني، قال: حدّثنا جعفر
بن عبداللّه العلوي أبو عبداللّه المحمدي، قال:
حدّثنا محمد بن أبي عمير عن زيد النرسي والنسخة
المزبورة كانت مصحّحة بخطّ الشيخ منصور بن الحسن
الآبي، وهو نقله من خطّ الشيخ الجليل محمد بن الحسن
القمي وكانت كتابتها سنة أربع وسبعين وثلاثمائة،
وعلى ذلك فالنسخة مسندة بطريق مألوف.

فإنّه يقال: لم يظهر لنا حال منصور بن
الحسن الآبي حتّى يثبت بنقله النسخة وإسنادها إلى
زيد، وما حكي عن منتجب الدين أنّه عالم فاضل قرأ على
الشيخ الطوسي غير المصحح للنسخة كما يشهد بذلك
تاريخ التصحيح، مع أنّ شهادة صاحب البحار بكتابة
منصور بن الحسن ليست بطريق قد وصل إلينا وسائطه،
كما لا يخفى.

بيع الدهن المتنجس

وجعل هذا مستثنى[1].

[1] يعني عدّ الدهن المتنجس في المستثنى
لعدم جواز بيع الأعيان النجسة مبني على كون الحكم
المزبور للأعيان النجسة والمتنجسة بنحو العموم،
كما إذا قيل بحرمة الانتفاع بالمتنجس، فيكون بيعه
فاسداً باعتبار عدم ثبوت المنفعة المحلّلة له، أو
قيل بجواز الانتفاع بهما، ولكن لا يجوز المعاملة
عليهما، فإنّ الحكم بجواز بيع الدهن المتنجس يكون
استثناء عن ذلك الحكم العام، وهذا بخلاف ما إذا قيل
بعدم حرمة الانتفاع وعدم بطلان بيعهما إلا فيما
يحرم كلّ الانتفاع المقصود منهما، فإنّه على ذلك لا
يعمّ الحكم المذكور في طرف المستثنى منه الدهن
المتنجس باعتبار خروجه عن موضوع ذلك الحكم من
الأوّل.

أقول: لم يظهر وجه تخصيص انتفاع الاستثناء
أو اتصاله بالدهن المتنجس، بل يجري ذلك في الكافر
أيضاً، وحتّى في كلب الصيد، فإنّ جواز بيعه وإن كان
من قبيل التقييد فيما دلّ على أنّ: ثمن الكلب سحت،
إلا أنّ جواز بيعه استثناء من عدم جواز بيع الأعيان
النجسة المستفاد من حديث تحف العقول يكون بنحو
الانقطاع كما مرّ.

وهو ظاهر غيره ممن عبّر بقوله جاز بيعه
للاستصباح[1].

[1] وجه الظهور أنّ قولهم للاستصباح
باعتبار صحّة تعلّقه بالبيع لا يتعلّق بالجواز كما
هو مقتضى قولهم: (القريب يمنع البعيد)، نعم لو كان
متعلّقاً بالجواز كما هو تأويل المحقّق الثاني
لكان مقتضاه القول الثالث وهو جواز بيع الدهن
المتنجس مطلقاً بمعنى أنّه لا يعتبر اشتراط
الاستصباح ولا قصده.

ويمكن أن يقال باعتبار قصد الاستصباح[2].

[2] ظاهره التفصيل بين الدهن الذي يكون
الاستصباح بالإضافة إليه من المنفعة النادرة التي
لا تكون ملاكاً للمالية في الأشياء، وبين الدهن
الذي يكون الاستصباح به من المنفعة المتعارفة، وفي
الأوّل يعتبر قصد الاستصباح في بيعه دون الثاني،
ووجه الفرق هو أنّ الموجب للمالية في الأوّل وهي
المنفعة الشايعة باعتبار نجاسة الدهن تكون محرّمة،
وأخذ المال في مقابله بلحاظ تلك المنفعة أكلاً له
بالباطل، كما أنّ أخذه بلحاظ منفعته النادرة
المحلّلة كذلك، حيث أنّ المنفعة النادرة لا توجب
المالية حتّى يخرج المأخوذ من عنوان الأكل
بالباطل،

نعم إذا ورد دليل على جواز أخذ المال
بإزاء ذلك الدهن ليصرفه في منفعته المحلّلة
النادرة يكون هذا حاكماً على خطاب حرمة أكل المال
بالباطل، حيث أنّه بعد تجويز الشارع الأخذ لا يكون
بيعه بإزاء الثمن من تملّك المال بالباطل، وهذا
بخلاف القسم الثاني من الدهن المتنجس، فإنّ أخذ
المال بإزائه حتّى بدون قصد المنفعة المحلّلة
جائز، ولا يدخل في العنوان المنهي عنه، باعتبار أنّ
الاسراج من المنفعة المحلّلة المقصودة الغالبة على
منفعة الأكل أو المساوية له يوجب المالية للدهن
المزبور. نعم، لو اشترطا استعماله للأكل يكون بيعه
باطلاً،

لا لأنّ الشرط الفاسد مفسد للمعاملة حتّى
يمنع عنه، بل البطلان يعمّ ما كان استعماله في
المحرّم من قصد المتبايعين فإنّه بقصد المزبور
يكون تملّك الثمن بإزائه من أكله بالباطل، كما يشعر
بذلك ما ورد من أنّ ثمن الجارية المغنّية سحت، فإنّ
الجارية مع كونها ذات منفعة محلّلة مقصودة
كالاستمتاع بها أو استخدامها لا وجه لفساد ثمنها،
إلا إذا كان قصد استيفاء منفعة الغناء موجباً له،
كما لا يخفى.

وتعاملا من غير قصد[1].

[1] وظاهر ذلك التسوية في الدهنين وعدم
الفرق بينهما في مقام الثبوت بل الفرق بينهما في
مقام المعاملة فقط، فيما إذا التفتا إلى منافعهما،
ففي الأوّل مع عدم قصد المنفعة النادرة المحلّلة
ينصرف العقد إلى لحاظ منفعته المحرّمة، فيحكم
بفساده، بخلفا الثاني، وأمّا مع عدم التفاتهما إلى
منفعتهما المحلّلة والمحرّمة، فيمكن تصحيح
المعاملة في القسمين حتّى في الأوّل، باعتبار أنّ
الدهن المزبور مال شرعاً وقع مورد المعاملة ولم
يقصد منفعته المحرّمة حتّى يحكم بفساد بيعه
استظهاراً مما ورد في ثمن الجارية المغنّية.

أقول: وفي كلامه موارد للنظر.

أوّلاً: أنّ المنفعة النادرة التي لا توجب
المالية للشيء هي التي لا يلاحظها العقلاء حتّى مع
عدم إمكان صرف ذلك الشيء في الجهة الأُخرى، مثلاً
قطعات الكوز المكسور لا مالية لها، فإنّه لا يلاحظ
استعمالها في البناء نظير استعمال قطعات اللبنة،
حتّى مع عدم إمكان صرفها في منفعتها الغالبة أي خزن
الماء فيها، وهذا بخلاف الدهن المتنجس، فإنّ مع عدم
إمكان صرفه في الأكل مثلاً يلاحظ فيه جهة الاسراج
به.

وبعبارة أُخرى: عدم لحاظ الاسراج به بلحاظ
منفعته الأُخرى الأهمّ والأكمل وهي الأكل، ومثل
ذلك لا يوجب سلب المالية عنه.

وثانياً: أنّه مع قيام الدليل على جواز
البيع في القسم الأوّل يكون الدليل المزبور كاشفاً
عن كون المنفعة النادرة عندنا من الغالبة عند
الشارع، كما هو مقتضى حكومته على دليل حرمة الأكل
بالباطل، فيكون للدهن المزبور مالية وباعتبارها
يصحّ بيعه كما في القسم الثاني، من دون انصراف
العقد إلى لحاظ منفعته المحرّمة وجعل العوض
بلحاظها، فإنّ انصراف العقد إلى جعل العوض بلحاظ
المنفعة المحرّمة بلا قصد من المتعاقدين غير معقول.

وثالثاً: أنّ مجرّد قصد المنفعة المحرّمة
لا يوجب فساد البيع فيما إذا كان للشيء مالية
باعتبار منفعته المحلّلة، فإنّ الثمن في المعاملة
يقع بإزاء نفس الشيء لا منافعه. نعم ربّما يكون لحاظ
بعض الأوصاف في تسعير الشيء موجباً لفساد بيعه،
فيما إذا كان المترتب على تلك الصفة هو الحرام دائماً أو
غالباً، كما في الجارية المغنّية، وهذا غير داخل في
مورد الكلام، فإنّ المفروض في المقام مجرّد قصد صرف
الشيء من منفعته المحرّمة، والدخيل في تسعير الشيء
أوصافه لا استعماله في إحدى منفعتيه.

وربما يتوهم من قوله(ع)[1].

[1] وجه الوهم أنّ قوله (ع) «فيبتاع للسراج»
تفريع على علم المشتري بحال الدهن، وأنّ مع تبين
نجاسته له يشتريه للسراج، فتكون الجملة بمنزلة
قوله (فلا تبعه إلا لمن يبتاعه للسراج) وظاهر ذلك
اعتبار قصد الاسراج في جواز شرائه، وبهذا تفترق هذه
الرواية ـ المذكور فيها حكم واحد وهو تجويز بيعه من
المشتري المزبور ـ عن رواية معاوية بن وهب المذكور
فيها حكمان: أحدهما جواز البيع، وثانيهما وجوب
إعلام المشتري بنجاسة الدهن ولو بعد البيع ليصرفه
في الاستصباح، وهذه تكون قرينة على أنّ الوارد في
رواية الأعرج من الابتياع للسراج غاية للإعلام
أيضاً، لا أنّه دخيل في صحّة البيع. والحاصل اعتبار
المشتري المزبور باعتبار عدم لزوم محذور التسبيب
إلى الحرام بصرف المشتري ذلك الدهن في الأكل بسبب
جهله بحال الدهن كما نذكر توضيحه في الموضع الثاني.

وجوب الاعلام بنجاسة الدهن

فهل يجب مطلقاً[1].

[1] يجب الإعلام مطلقاً، أي سواءً قيل بكون
البيع مشروطاً بالاستصباح أو بقصده أو غير مشروط
بشيء منهما.

لا إشكال في وجوب الاعلام[2].

[2] لا يخفى أنّ قصد المشتري الاصباح
بالدهن المزبور لا يلازمه إعلام البايع، بل النسبة
بينهما عموم من وجه، فقد يظهر البايع حال الدهن
ونجاسته ومع ذلك يكون المشتري قاصداً صرفه في
الأكل، وقد يترك الإعلام ولكنّ المشتري يقصد شرائه
لمثل الاسراج، وظاهر الروايات كون الإعلام تكليفاً
على البايع لئلا يكون جهل المشتري بحال الدهن
ونجاسته منشأ لصرفه في الأكل، قال (ع) في موثقة أبي
بصير: «وإن كان
ذائباً فأسرج به وأعلمهم إذا بعته»(57).

مثل ما دلّ على أنّ من أفتى[3].

[3] ما دلّ على ذلك أجنبي عن مسألة عدم جواز
التسبيب إلى فعل الحرام أو ترك الواجب فإنّ الإفتاء
بغير علم حرام حيث أنّه من الافتراء والكذب على
اللّه سبحانه عمل بها أحد أو لم يعمل، وتحديد
العقوبة بوزر من عمل بها على تقدير العمل لا يدلّ
على أنّ حرمة الافتاء بغير علم لأجل التسبيب، فإنّ
مثل الخبر يعمّ ما إذا لم يكن تسبيب، كما إذا كان
العامل بها عالماً بأنّ المفتي ليست له أهلية
الافتاء ومع ذلك أخذ بفتواه بداع من الدواعي
النفسانية.

وأمّا ما ورد في تحمّل الإمام مع أنّه
معارض بما يدلّ على عدم ضمانه بشيء وفي صحيحة زرارة
قال: «سألته أحدهما (ع) عن الإمام يضمن صلاة
المأموم؟ قال: لا»(58)، فلا
يرتبط بالمقام، فإنّه لو فرض عدم نقص صلاة المأموم
عن الصلاة الفريضة إلا في ترك القراءة فلا ينبغي
الريب في عدم بطلان تلك الصلاة بذلك، فإنّ مقتضى
حديث لا تعاد وغيره عدم بطلان الصلاة بترك القراءة
فيها عن عذر، والتسبيب ـ في مثل ذلك مما يكون للعلم
والاحراز دخل في حرمة الشيء تكليفاً أو عدم جوازه
وضعاً ـ لا بأس به،

ولذا لا يجب على البايع إعلام
الغير بنجاسة الثوب الذي يشتريه، بخلاف نجاسة
المبيع المأكول، والفرق أنّ نجاسة الثوبة لا تكون
مانعة عن صحّة الصلاة إلا مع احرازها، بخلاف نجاسة
المأكول، فإنّها موضوع لحرمة أكله، غاية الأمر
ربما يكون الجهل عذراً في مخالفة التكليف الواقعي،
نعم لو أحرز الإمام أنّ مأمومه يأتي في صلاته بما
يكون مبطلاً لها حتّى مع العذر، كتعدّد الركوع في
الركعة الواحدة الذي يكون عدم فساد الصلاة به في
خصوص صلاة الجماعة في بعض الموارد، فمع علمه بهذا
لا يجوز له التصدّي للإمامة مع فقده شرائطها.

والعمدة في حرمة التسبيب هو الفهم العرفي
من خطابات المحرّمات وغيرها، فإنّه إذا ورد في خطاب
حرمة أكل الميتة فأهل العرف لا يفهمون الفرق بين
أكلها بالمباشرة أو أكل الغير بتسبيبه جهلاً أو
إكراهاً، وهكذا ما ورد في نهي الجنب عن دخول
المسجد، فانّهم لا يفرّقون بين الدخول والادخال
إلى غير ذلك.

فقد ظهر مما ذكرنا انّ الكلام في عدم
جوازالتسبيب إلى الحرام فيما إذا كان ذلك الحرام
مطلقاً بحيث يكون مع الجهل مورد الاحتياط، وأمّا
مدلول رواية أبي بصير فأجنبي عن ذلك، فإنّه لا تكون
كراهة لأكل البهيمة أو الطفل حتّى يكون سقيهما أو
إطعامهما من التسبيب إلى الكراهة، بل مدلولها حكم السقي
أو الاطعام بما هو هو.

والحاصل أنّ هنا أُموراً أربعة[1].

[1] الفرق بين إكراه الغير على المحرم وبين
تقديم الطعام المتنجس إلى الغير الجاهل بأنّ
الأوّل من قبيل العلّة التامّة لصدور الحرام عن
الغير، والثاني من قبيل السبب فيه ما لا يخفى.
والصحيح أنّ كلاً من الإكلاه وتقديم الطعام
المتنجس مثلاً إلى الجاهل المريد للأكل لا يكون
موجباً لخروج الفعل عن كونه اختيارياً للمكرَه ـ
بالفتح ـ أو المقدم زليه، وأنّ حرمة الإكراه أو
التقديم لا تكون إلا من جهة التسبيب إلى الحرام،
فإنّ العمدة في دليل حرمته كما مرّ هو الفهم
العرفي، بأنّ المنهي عنه يعم إصدار الفعل عن الغير
بالإكراه أو الإغراء، بل ولو بمثل صبّ الخمر في
حلقه.

وأمّا القسم الثالث فإن كان ترغيباً
للآخر إلى ارتكاب المحرّم وتحبيباً إليه لينقدح في
نفسه الداعي إلى ارتكابه فيكفي في إثبات حرمته فحوى
ما دلّ على وجوب نهي الغير عن المنكر، وكذا ما إذا
كان موجباً للعناد كسبّ آلهة الكفّار الموجب
لإلقائهم في سبّ الحق، وأمّا بيع مثل العنب ممن
يعلم أنّه يعمله خمراً فسيأتي الكلام فيه مفصّلاً،
وأمّا إرشاد الجاهل وإعلامه في غير موارد التسبيب
فلا يجب إلا في الأحكام الشرعية الكلّية كما هو
مقتضى ما دلّ على وجوب تبليغها إلى الجاهلين بها،
وفي الجهل بالموضوعات فيما إذا وجب على المرشد
التحفّظ فيها على الواقع، كالتحفّظ على دم مؤمن أو
عرضه في مورد يريد الجاهل بإيمانه قتله أو هتكه
ونحو ذلك.

التسبيب إلى الحرام

لأنّ استناد الفعل إلى السبب أقوى[1].

[1] لا يخفى أنّ وجه استقرار الضمان على من
قدم الطعام المملوك للغير إلى الجاهل هي قاعدة
الغرور لا مجرّد التسبيب، ولذا يكون لمالك الطعام
الرجوع إلى الجاهل المتلف ولو كان من باب استناد
الفعل إلى السبب لم يكن له الرجوع إلا إلى المقدم،
والحاصل أنّ مقتضى تلكالقاعدة رجوع المغرور إلى
غارّه ولا تجري هذه القاعدة في مورد الاكراه على
إتلاف مال الغير، بل يكون الضمان فيه ابتداءاً على
المكره ـ بالكسر ـ، الوجه في ذلك أنّه يستفاد من مثل
ما ورد في ضمان الشاهد ما أتلف على المشهود عليه
بشهادته الزور ضمان المكره بالكسر أيضاً، ومقتضى
حديث الرفع نفي الضمان عن المكرَه ـ بالفتح ـ،
ونفيه عنه مع فرض ثبوته للمكره ـ بالكسر ـ لا ينافي
الامتنان.

فالمتحصل أنّ في مورد كون السبب أقوى يكون
الضمان على ذلك الأقوى ابتداءً، كما إذا وضع قارورة
تحت رجل نائم فانكسرت بتحريكه رجله في النوم، فإنّ
الضمان في الفرض على واضعها لا على النائم، باعتبار
أنّ الاتلاف يستند إليه لا إلى النائم، وهذا بخلاف
مورد تقديم الطعام، فإنّ الاتلاف يكون من المباشر
وعليه ضمانه والمقدِّم ـ بالكسر ـ ضامن أيضاً بضمان
اليد، فللمالك الرجوع إلى كلٍّ منهما، وإذا رجع إلى
المباشر فيرجع إلى غارّه كما مرّ، ولعلّه لذلك ذكر
أنّ الإكراه علّة تامّة وتقديم الطعام سبب .

بأنّ النجاسة عيب خفي[1].

[1] ظاهر الروايات المتقدّمة وجوب الإعلام
حتّى فيما لا يجب فيه بيان العيب كما إذا تبرّأ
البايع من عيوب المبيع، حيث انّه يجب اظهار العيب
الخفي، باعتبار أنّ عدم ذكره غش، ومع التبري لا غش.
وأيضاً لا فرق كما يذكر المصنّف «ره» في وجوب
الإعلام بنجاسة المأكول أو المشروب بين كونهما
موردين للمعاوضة أو للهبة،

ولو كان وجوبه باعتبار
أنّ إخفاء نجاسته غشّ في المعاملة لاختصّ وجوبه
بموارد المعاوضة، ولذا لا يجب بيان العيب للمتهب،
هذا مع أنّ تناول المتنجس منكر واقعي شرعاً، فيجب
إعلامه للجاهل الذي يريد تناول حتّى لو لم نقل
بوجوب إظهار عيب المبيع، ووجه وجوبه حرمة التسبيب
إلى الحرام وإلقاء الغير فيه، ولو اختصّ كون الشيء
منكراً بصورة العلم بنجاسته، كما في لبس الثوب
النجس في الصلاة لا يجب الإعلام، بل لا تكون نجاسته
عيباً.

بيع الدهن المتنجس للاستصباح

عدا ما يدعى من مرسلة الشيخ «ره»[2].

[2] مرسلة الشيخ «ره» هي التي ذكرها في
مبسوطه بقوله: روى أصحابنا أنّه يستصبح به تحت
السماء، وهذه المرسلة مؤيّدة بشهرة الفتوى
بمضمونها، وبالإجماع المذكور في كلام ابن ادريس،
وإذا انجبر ضعفها بما ذكر يكون المقام من الموراد
التي يرد فيها في مقابل خطاب المطلق خطاب آخر يدور
أمر ذلك الخطاب الآخر بين كونه مقيّداً للمطلق أو
محمولاً على الاستحباب أي أفضل الأفراد، وفي
المقام يدور أمر المرسلة بين كونها مقيّدة للاطلاق
في الروايات التي رخّص فيها في صرف الزيت المتنجس

في الاستصباح وبين أن يكون التقييد الوارد فيها
محمولاً على الاستحباب، بأن يكون المستحب في
الاستصباح بالدهن المتنجس الاستصباح به تحت السماء
أو يكون الأمر المستفاد من الجملة الخبرية محمولاً
على الارشاد، وأنّ الاستصباح تحت السماء بلحاظ أن
لا يتأثّر السقف بالدخان المتصاعد الذي يكون نجساً
على ما ذكره الشيخ الطوسي «ره» باعتبار اشتماله على
أجزاء دهنية متصاعدة معه.

ثمّ انّحمل الأمر بالاستصباح تحت السماء
على الارشاد وبأن لا يتأثّر السقف أولى من تقييد
الاطلاقات الكثيرة الواردة في مقام البيان، خصوصاً
انّ تقييد تلك الاطلاقات واعتبار كون الاستصباح
تحت السماء لا يكون إلا بالالتزام بعدم جواز تنجيس
السقف أو كونه تعبداً محضاً، والأوّل مخالف لما
عليه المشهور من طهارة دخان النجس أو المتنجس،
والثاني بعيد جدّاً. ولعلّه لذلك أفتى الشيخ «ره»
في مبسوطه مع نقله المرسلة بكراهة الإسراج تحت
السقف.

والإنصاف أنّ الحكم في المقام لا يخلو عن
إشكال لورود المطلقات في مقام البيان وعدم كون
المرسلة صالحة لتقييدها، وفي مقابل ما ذكر من
الشهرة المحقّقة والإجماع المنقول على اعتبار كون
الاستصباح تحت السماء يكون الرجوع إلى أصالة
البراءة عن اعتبار كون الاستصباح تحت السماء
بعيداً عن الاحتياط، وجرأة على مخالفة المشهور.

وعن العلاّمة التفصيل بين صورة العلم
بتصاعد أجزاء الدهن مع الدخان وعدمه واعتبر كون
الاستصباح تحت السماء في الأول دون الثاني. وهذا
التفصيل مبنيّ على حرمة تنجيس السقف ولكن لم يظهر
له دليل، نعم من ذكر في ردّه بأنّ الاستصباح تحت
السماء تعبّد محض لا لتنجيس السقف لأنّ الدخان
المتصاعد طاهر، ظاهره قبوله حرمة التنجيس وإلا
لذكر في الرد أنّ تنجيس السقف لا بأس به، انتهى
تقرير كلامه في المقام.

أقول: استعمال الدهن المتنجس في
الاستصباح لا يكون حكماً مولوياً حتّى يتكلّم في
التقييد الوارد في مثل المرسلة التي لا يمكن
الاعتماد عليها، على ما ذكرناه في بحث الأُصول، بل الأمر
بالاستصباح به في الروايات للارشاد إلى عدم جواز
استعماله في الأكل كما مرّ، وعلى تقدير كونه
مولوياً فهو ترخيص لا حكم إلزامي واحد ليكون المقام
من موارد لزوم حمل المطلق على المقيّد، ولا منافاة
بين الترخيص في الإسراج بالدهن المتنجس مطلقاً
وبين الترخيص في إسراجه تحت السماء، كما إذا أورد
في خطاب الترخيص في شرب الخلّ مطلقاً وفي خطاب آخر
الترخيص في شرب الخل في المساجد، وقد ذكر في باب
المفاهيم أنّه لا مفهوم للوصف حتّى يوجب ذلك
المفهوم تقييداً في خطاب المطلق.

ومنها قوله تعالى: «إنما الخمر
والميسر»[1].

[1] كأن المستدلّ بالآية أراد أنّ الرجس
فيها ينطبق على المتنجس أيضاً وأنّ الأمر
بالاجتناب عنه يعمّه فالحكم بجواز الانتفاع به في
مورد يحتاج إلى دليل خاص وذكر المصنّف «ره» في
الجواب أنّ الرجس ما يكون كذلك في ذاته لا ما عرضت
له النجاسة، فيختصّ بالأعيان النجسة ولا يعمّ
المتنجّسات وإلا لزم تخصيص الأكثر باعتبار جواز
الانتفاع بأكثر المتنجسات، هذا أوّلاً. وثانياً:
أنّ المذكور في الآية كون الرجس من عمل الشيطان أي:
من صنعه فيختصّ وجوب الاجتناب بمخترعات الشيطان
ومبتدعاته سواء كان قذراً مادّياً كالخمر أو
معنوياً كالميسر.

والحاصل أنّ مجرّد كون عين نجسة فضلاً عن
المتنجس لا يوجب دخوله في صنع الشيطان ومخترعاته،
وإن أُريد من عمل الشيطان هو الصادر عن المكلف
بإغوائه ليكون الرجس عنواناً لنفس تلك الأعمال
فكون الانتفاع بالمتنجسات رجساً وعملاً بإغواء
الشيطان أوّل الكلام.

أقول: لفظ الرجس بمعنى النجس في مثل قوله
سبحانه «إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم
خنزير فإنّه رجس» وإن كان ممكناً إلا أنّه لا يمكن
في المقام. وذلك بقرينة حمله على الميسر، حيث انّه
فعل ولا يتصّف بالنجاسة، فلابدّ من حمله على معنى
غير النجاسة المصطلحة. وصدق ذلك المعنى على مطلق
المتنجس بل النجس أيضاً ممنوع.

وثانياً: أنّ الأمر بالاجتناب عن الرجس
حتّى بمعنى يعمّ المتنجص ظاهره الاجتناب عن
استعماله المتعارف ولا يعمّ جميع الانتفاعات، ومن
هنا يظهر الحال في قوله عزّ من قائل «والرجز فاهجر»(59) بناءً على أنّه بمعنى الرجس
كما قيل.

جواز الانتفاع بالمتنجس

انّ المراد هنا حرمة الأكل[1].

[1] لا دلالة في الآية على كون المراد
بالخبائث الأعيان حتّى يقال إنّها تعمّ المتنجّس
أيضاً، بل الظاهر منها ـ ولا أقلّ من الاحتمال كما
مرّ سابقاً ـ كون المراد الأفعال المنكرة، كما ورد
ذلك في قضية قوم لوط، قال عزّ من قائل: «ونجّيناه من
القرية التي كانت تعمل الخبائث»(60)،
وعلى تقدير كون المراد بها الأعيان، فلا ريب في أنّ
ظهور تحريمها ـ بمناسبة الحكم والموضوع ـ حرمة
الانتفاع المناسب للعين لا حرمة كلّ انتفاع، وما
ذكره المصنّف «ره» من كون المراد من تحريم الخبائث
حرمة أكلها بقرينة مقابلته لحلّ الطيبات، ففيه ما
لا يخفى. قال سبحانه في وصف النبي الذي يؤمن به
المتّقون «الرسول النبيُّ الأُمّي الذي يجدونه
مكتوباً في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف
وينهاهم عن المنكر ويحلّ لهم الطيبات ويحرم عليهم
الخبائث ويضع عنهم إصرهم»(61)
وظاهرها بقرينة المقام تحريم الأفعال المنكرة
وتحليل المستحسنة منها، ولا يناسب مدحه مجرّد أنّه
أحلّ المأكولات الطاهرة وحرّم أكل الأشياء النجسة.

غاية الأمر التعدي من حيث غاية البيع[2].

[2] أي: لا يعتبر في صحّة بيع الدهن المتنجس
قصد الاستصباح فقط، بل يجوز بيعه لغاية أُخرى من
قصد طلي الأجرب أو صنع الصابون ونحوهما.

من ظهور الاستثناء[3].

[3] هذا وجه لعدم جواز بيع سائر المتنجسات،
والمراد الظهور الاطلاقي، أي عدم عطف متنجّس آخر
على الدهن في كلماتهم حيث انّ مقتضاه عدم التزامهم
بجواز البيع في سائر المتنجسات حتّى مع تحقّق النفع
لها.

ومما تقدّم في مسألة جلد الميتة[1].

[1] هذا وجه لجواز بيع سائر المتنجّسات
التي لها منفعة محلّلة كالدهن، حيث يظهر من كلماتهم
في تلك المسألة أنّ جواز البيع دائر مدار تحقّق
المنفعة المحلّلة، إلا أن يقوم دليل خاص على عدم
جواز البيع حتّى مع تلك المنفعة كما في الإليات
المقطوعة من الغنم، فإنّه لا يجوز بيعها مع جواز
الإسراج بها أو عملها صابوناً، وكذا لا يجوز بيع
مطلق نجس العين على كلام يأتي حتّى مع جواز
الانتفاع بها، ويقتضي أيضاً جواز بيع سائر
المتنجسات استصحاب الحكم الثابت لها قبل التنجس،
حيث كان بيعها جائزاً وبعد التنجس الأصل بقاؤها على
حالها، والجواز قبل التنجّس مقتضى القاعدة
المستفادة من رواية تحف العقول وغيرها، وهي كون
المناط في جواز بيع الشيء حصول الصلاح فيه.

جواز بيع الأعيان المتنجسة

ويمكن حمل كلام من أطلق المنع[2].

[2] هذا جواب عن الوجه المتقدّم لعدم جواز
بيع سائر المتنجسات، وحاصله أنّ قولهم (لفائدة
الاستصباح) تعليل للاستثناء لا قيد لبيع الدهن
المتنجس، بمعنى أنّه يجوز ـ لتحقّق المنفعة
المحلّلة وهي الاستصباح ـ بيع الدهن المتنجّس،
نظير ما يقال: يجوز لتحقّق الاستشفاء ببول الإبل
بيعه، نعم يحتمل أن يكون لفائدة الاستصباح في
كلامهم قيداً وغاية للبيع، وحيث أنّ الغاية تكون في
القصد مقدّماً وفي الحصول مؤخّراً يكون معنى
كلامهم جواز بيع الدهن المتنجّس لغاية الاستصباح
وقصده ولكن يؤيّد أنّ قولهم للاستصباح

تعليل
للاستثناء لا غاية وقيد لبيع الدهن ما ذكر في جامع
المقاصد في شرح قول العلاّمة، ما حاصله أنّ قول
العلاّمة للاستصباح تحت السماء خاصّة تعليل
للاستثناء، لا قيد للبيع، لتكون في كلامه دلالة على
حصر جواز البيع بفائدة الاستصباح، وأنّ قول
العلاّمة خاصّة راجع إلى اعتبار كون الاستصباح تحت
السماء، فلا يجوز تحت السقوف، لا أنّه لا يجوز بيع
الدهن لسائر المنافع.

وكيف كان فالحكم بعموم كلمات هؤلاء[1].

[1] يعني استثنى جماعة ـ كما مرّ ـ الدهن
المتنجّس لفائدة الاستصباح من عدم جواز بيع النجس،
والحكم بأنّ مقتضى اقتصارهم في الاستثناء على
الدهن هو عدم جواز بيع سائر المايعات النجسة حتّى
مع حلّ الانتفاع المعتد به بها محلّ تأمّل، وإن ذكر
ذلك في المسالك وقال: إنّ القوم لم يفرّقوا في عدم
جواز بيع النجس بين ما يكون له نفع أو لا. ووجه
التأمّل هي الملازمة بين حلّ الانتفاع المزبور
وجواز البيع وباعتبار هذه الملازمة أورد المحقّق
الثاني في حاشية الإرشاد على كلام العلاّمة أي على
قوله

(ولا بأس ببيع ما عرض له التنجس مع قبوله
الطهارة بمثل الأصباغ المتنجسة)، فإنّها لا تقبل
التطهير ومع ذلك يجوز بيعها باعتبار عدم توقّف
الانتفاع بها على طهارتها، والمحقّق وإن أجاب عن
إيراده بأنّ الأصباغ بعد جفافها قابلة للتطهير،
إلا أنّه لو لم تكن ملازمة بين جواز الانتفاع وجواز
البيع لما صحّ الإيراد والجواب، اللهمّ إلا أن يقال
إنّ إيراد المحقّق الثاني على العلاّمة مبنيّ على
مختاره وهو قبول الملازمة بين الجوازين، وليس
مراده أنّ الحكم الذي ذكره العلاّمة مشكل حتّى عند
العلاّمة.

فهي نفس المنفعة لا الانتفاع[2].

[2] يعني مراد العلاّمة من المتنجس الذي
يقبل التطهير قبوله للطهارة قبل الانتفاع به ولا
يقبل الصبغ الطهارة قبل الانتفاع به، حيث أنّ اللون
الباقي بعد غسل الثوب منفعة لا انتفاع، والمنفعة
اسم مصدر والانتفاع مصدر. والحاصل أنّ الأصباغ
قابلة للطهارة بعد الانتفاع بها، بل أنّها لا تقبل
التطهير حتّى بعد الانتفاع، حيث أنّ القابل
للطهارة هو الثوب الذي كان متنجساً بملاقاة ذلك
الصبغ لا أجزاء ذلك الصبغ.

مع احتمال أن يراد من جميع التقلب[3].

[3] أي جميع أنواع التناول كالأكل أو الشرب
بلا طبخ أو معه ومع خلطه بشيء آخر وعدمه إلى غير
ذلك، كما أنّ المراد من إمساكه إمساكه للأكل أو
الشرب.

لكن مع تفصيل لا يرجع إلى مخالفة[1].

[1] أي: لا يكون تفصيله تحريماً للانتفاع
بالنجس رأساً.

ولذا قيّد هو «قده»[2].

[2] أي: حيث أنّ الممنوع في النصوص الانتفاع
بالميتة ذكر في كلامه الانتفاع أوّلاً ثمّ قيّده
بما يسمّى استعمالاً، وإلا كان المناسب أن يقول
كالميتة التي لا يجوز استعمالها.

ثمّ انّ الانتفاع المنفي في الميتة[3].

[3] أي: ما ورد من أنّ الميتة لا ينتفع بها
لا يعمّ جعل الميتة وقوداً أو سداً لساقية الماء،
وليس وجه عدم العموم انصراف الانتفاع بالميتة إلى
الانتفاع بها في المنافعة المقصودة منها كالأكل في
المأكول والشرب في المشروب ونحوهما حتّى يقال إنّ
مثل النكرة الواقعة في حيز النفي أو النهي لا ينصرف
إلى بعض أفراده، بل وجه عدم العموم عدم عدّ مثل سدّ
ساقية الماء بها انتفاعاً بها لا أنّه انتفاع
ولكنّه غير مقصود كالإسراج بدهن اللوز، حيث أنّه
إذا ورد في خطاب أنّه لا ينتفع بدهن اللوز المتنجس
فلا وجه لدعوى أنّه لا يعمّ الاسراج به.

وفي رواية اشعار بالتقرير[4].

[4] أي: إشعار برضا الإمام (ع) باستعمال
العذرة وعظام الموتى في بعض المنافع كإحراق الجصّ.

ويمكن أن ينزل[5].

[5] وحاصله أنّ ما ورد من أنّ الميتة أو
غيرها من النجس لا ينتفع بها يراد استعمالها
كاستعمال الطاهر حتّى مع البناء على تطهير ما
أصابها من اليد والثياب للصلاة، ولا بُعد في
الالتزام بحرمة هذا الاستعمال تكليفاً في الأعيان
النجسة، كما يظهر ذلك من رواية الوشا، ويشير إليه
قوله سبحانه «والرجز فاهجر». نعم، لا بأس بمثل هذا
الاستعمال في المتنجّسات كاستعمال الدهن المتنجس
بنحو يوجب تلويث الثوب والبدن.

والظاهر ثبوت[6].

[6] وحاصل ما ذكره «ره» في المقام أنّ من
الأعيان النجسة ما ينتفع بها ولكن باعتبار عدم كون
ذلك الانتفاع مقصوداً للعقلاء أصلاً لا يوجب
ماليتها، وفي هذا القسم يثبت حقّ القاصص، ومنشأ
ثبوت هذا الحقّ كون العين في السابق مالاً للمالك
كما في الخلّ المنقلب إلى الخمر، أو حيازة تلك
الأعيان وأخذها كما فيما إذا جمع العذرة حتّى صارت
من الكثرة بحيث ينتفع بها في المزارع والبساتين.
وكيف كان فلا بأس بالمصالحة على ذلك الحقّ بعوض ولا
يعدّ ذلك العوض ثمناً لعين النجس حتّى يكون سحتاً.

وأولى منها أخذ المال لرفع يده عن تلك العين، وبعد
الاعراض يحوزها باذل المال، ومن هذا النحو بذل
المال لمن يسبق إلى الأمكنة المشتركة، كما إذا جلس
في مكان من المسجد أو السوق، أو يسبق إلى غرفة في
المدرسة فللآخر بذل مال له ليرفع يده عن المكان أو
الغرفة حتّى يسبق إليهما الباذل، وأولى من ذلك ما
إذا جمع العذرة في مكانه المملوك وأخذ المال حتّى
يأذن للباذل بدخول ذلك المكان لأخذ العذرة مجّاناً.

ثمّ انّه يعتبر في ثبوت حقّ الاختصاص
بالحيازة أن يكون قصد الحائز الانتفاع بتلك العين
كما يعتبر في ثبوت الحقّ بالسبق إلى المشتركات
الانتفاع بذلك المكان بما يناسبه، ففي السوق
الانتفاع به بالكسب فيه، وفي المدرسة الانتفاع بها
بالكسنى، وفي المساجد والمشاهد الانتفاع بها
للعبادة ونحوها، وأمّا إذا كان قصده إشغال المكان
في المسجد أو السوق أو المدرسة حتّى يأخذ من الغير
مالاً ليرفع يده عنه، فلا يوجب سبقه حقّاً، وعلى
ذلك فإن لم يكن قصد من جمع العذرة الانتفاع بها
بالبساتين مثلاً، فلا يثبت له حقّ الاختصاص،
فالمتعيّن في حقّه ما ذكر أخيراً من جمع العذرة في
مكانه المملوك وأخذ المال لاذنه في الدخول فيه.

أقول: يمكن أن يقال: إنّ النهي عن المعاملة
على الشيء أو عدّ ثمنه سحتاً مقتضاه سقوط ذلك الشيء
عن المالية شرعاً، لا سقوطه عن كونه ملكاً أيضاً،
والملك أعمّ من المال، حيث يكون الملك من غير كونه
مالاً كما في الحبّة والحبّتين من الحنطة أو قليل
من التراب ونحوه، فيترتب عليه آثار الملك من عدم
جواز التصرّف فيه بلا رضا مالكه، ولا يثبت مثل ضمان
التلف في اليد أو الاتلاف فإنّه من آثار كون الشيء
مالاً.

والحاصل أنّه لم يعلم الفرق بين الحبّة
والحبّات من مثل الحنطة وبين الخمر الممكن انقلابه
إلى الخلّ في كون الأوّل ملكاً والثابت في الثاني
حقّاً ليقال لا دليل على حدوث هذا الحقّ بعد زوال
الملك والمالية، بل الظاهر ولا أقلّ من أنّ مقتضى
الاستصحاب كون الموجود فعلاً هو ملك من كان له في
السابق، وعلى ذلك فلا بأس في مثل الخمر المزبور
بالمصالحة على عوض أو أخذ المال للاعراض عنها، حتّى
يملكها بإذن المال بالحيازة، حيث انّ المنهي عنه
بيعها والسحت ثمنها والمصالحة والإعراض لا يكونان
بيعاً، والعوض فيهما لا يكون ثمناً.

اللهمّ إلا أن يقال مقتضى سقوط الشيء عن
المالية شرعاً كونه كسائر ما لا تكون له مالية في
اعتبار العقلاء، وأنّ أخذ المال ولو بعنوان
المصالحة عليه أو الإعراض عنه أكل لذلك المال
بالباطل، وأيضاً لا بأس بالالتزام بحدوث الملك
بالحيازة في المباحات القابلة للنقل أو المملوكة
بعد إعراض مالكها عنها، وأنّ الأخذ في مثل ذلك يكون
موجباً لدخولها في ملك آخذها، وعلى ذلك سيرة
العقلاء، بل ربما يمكن أن يقال باستفادة ذلك من
صحيحة عبداللّه بن سنان عن أبي عبداللّه (ع).

قال: «من أصاب مالاً أو بعيراً في فلاة من
الأرض قد كلت وقامت وسيّبها صاحبها مما لم يتبعه،
فأخذه غيره، فأقام عليها وأنفق نفقته حتّى أحياها
من الكلال ومن الموت فهي له ولا سبيل له عليها
وإنّما هي مثل الشيء المباح»(62)
ولكنّ مفادها التملّك بالإحياء لا بمجرّد الأخذ،
وهذه الرواية نظير ما ورد في الأراضي الميتة من كون إحيائها
مملكاً، كما لا يخفى.

فتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ الاستيلاء
على العذرة وجمعها بقصد تملّكها موجب لكونها ملكاً
فيجوز المصالحة عليها أو الاعراض عنها بعوض، حتّى
إذا كان الغرض من جمعها ذلك، وحتّى فيما إذا لم نقل
بجواز بيعها. هذا إن لم نقل بما أشرنا إليه من أنّ
مقتضى الغاء المالية عنها كون أكل المال ولو بعنوان
المصالحة عليها أو الاعراض عنها من أكله بالباطل
كما في سائر ما لا يكون مالاً في اعتبار العقلاء كما
لا يخفى.

النوع الثاني مما يحرم التكسب به ما
يحرم[1].

[1] الكلام في النوع الأول كان في أنّ نجاسة
الشيء بالأصالة أو بالعرض هل تكون موجبة لعدم جواز
الاكتساب به بحيث يكون الحكم بجواز البيع في مورد
محتاجاً إلى قيام دليل عليه كما هو منسوب إلى
المشهور، بل نسب إليهم عدم جواز الانتفاع إلا مع نص
خاص فيه كالاسراج بالأدهان المتنجسة، أو أن مجرد
نجاسة الشيء أو تنجسه في موارد ثبوت المنفعة
المقصودة لا يمنع عن الاكتساب به، بل يحتاج المنع
إلى دليل خاص، والكلام في هذا النوع في أن ترتب
المنفعة المحرّمة على شيء يكون موجباً لعدم جواز
الاكتساب به، وهذا على أقسام أشار إليها:

الأوّل: أن لا تكون المنفعة المترتبة عليه
بما هو هو إلا الحرام، ولا يكون فيه بما هو غرض محلل
آخر، كما في هياك العبادة وآلات القمار وغيره، ولو
لم يكن في هذا القسم للشيء مالية بحسب مادّته
أيضاً، كما في الصنم المصنوع من الجص أو الطين، حيث
انّ الطين والجص الميت لا قيمة لهما فلا إشكال في
بطلان المعاملة وعدم جواز أخذ المال بازائه، لأنّ
انحصار المنفعة المقصودة منه بالمحرّم يكون موجباً
لدخول أخذ المال بإزائه في عنوان أكل المال
بالباطل، وإذا كانت لمادّته مالية كما في الصنم
المصنوع من الخشب،

فالمعاملة عليه بما هو صنم أيضاً
باطلة، وذلك فإنّ الهيئة المزبورة في نظر العرف
مقومة للمبيع، وإن كانت بنظر العقل من أوصافه، ولذا
لو باع الشيء بعنوان السرير، فبان منبراً يحكم
ببطلان البيع من غير أن يثبت للمشتري خيار تخلف
الوصف، فالهيئة في المقام كسائر الأوصاف المقوّمة
للمبيع داخلة في المعاملة، وبما أنّه ليس لها في مورد
الكلام مالية شرعاً تكون المعاملة محكومة بالبطلان
باعتبار أنّ تملّك العوض معه داخل في عنوان الأكل
بالباطل.

ثمّ انّ المعاملة المزبورة لا تكون
منحلّة إلى معاملتين بالاضافة إلى المادة والهيئة
بأن المعاملة عليه في نظر العرف نظير بيع شيئين
بصفقة واحدةحتّى يحكم بفسادها بالإضافة إلى الهيئة
وبصحتها بالاضافة إلى المادة، ولذا لا تكون المادة
ملكاً لأحد والهيئة ملكاً لآخر، وإذا صنع خشب الغير
سريراً فإن كان ذلك بإذن منه فيستحقّ عليه اجرة
المثل، ولا يملك هيئة السرير، فإن لم يأذن فيه بل
صنعه من عنده فلا يستحقّ عليه شيئاً ولاا يملك
هيئته، وهذا بخلاف موارد بيع شيئين بصفقة واحدة،
فإنّه يمكن كون أحدهما ملكاً لشخص والآخر ملكاً
لآخر، نعم في هذه الصورة تكون المعاملة عليه بعنوان
المادة بلا دخل للهيئة في أخذ العوض محكومة
بالصحّة، فإنّ كون المادة مالاً شرعاً وعرفاً يكون
موجباً لدخول المعاملة عليها تحت الاطلاقات
المقتضية لنفوذها، نظير ما إذا باع مقداراً من
الحطب فظهر بعضه صنماً مصنوعاً من الخشب أو مقداراً
من النحاس، فظهر بعضه آلة قمار مصنوعة منه وهكذا.

بطلان بيع الصنم والصليب

وذكر السيد اليزدي «ره» في تعليقته وجهاً
آخر لبطلان المعاملة في صورة وقوعها على الصنم بما
هم صنم، سواء كانت لمادته مالية أو لا وهو قوله
سبحانه «فاجتنبوا الرجس من الأوثان»(63) فإنّ بيعها ينافي الاجتناب عنها،
انتهى.

لا يقال: ظاهر الاجتناب في الأوثان
عبادتها ولا يعمّ ترك بيعها أو ترك إمساكها مع
أنّالأمر بالاجتناب في الأوثان ترك عبادتها ولا
يعمّ تلك بيعها أو ترك إمساكها مع أنّ الأمر
بالاجتناب تكليف لا وضع، وغاية دلالة الآية أنّه لو
باع الوثن فعل حراماً وأمّا فساد البيع فلا دلالة
لها عليه.

فإنّه يقال: قد تقدّم سابقاً انّ الأمر
بالاجتناب عن الخمر يعمّ ترك بيعها وشرائها
لعدّهما من مقدمات شربها خصوصاً إذا كان الشراء
بقصد شربها، وعليه فلا يبعد كون الأمر بالاجتناب عن
الأوثان أيضاً كذلك، فيعمّ الأمر به ترك بيعها
وشرائها خصوصاً إذا كان الشراء بقصد عبادتها، ثم
بما أنّ النهي عن المعاملة ظاهر في فسادها يكون الأمر بالاجتناب
بالإضافة إلى غير المعاملة من سائر الأفعال
تكليفاً وبالإضافة إلى البيع وسائر المعاملة وضعاً
ولا مانع من الجمع بين التكليف والوضع في استعمال
واحد، كما لا يخفى.

وذكر السيد الخوئي طال بقاؤه في وجه بطلان
المعاملة في موارد دخل الهيئة فيها أنّ الهيئة
باعتبار كون المترتب عليها هو الحرام فقط ليست بشيء
عند الشارع، فتكون المعاملة عليها من بيع المعدوم.

أقول: هذا منه طال بقاؤه التزام باعتبار
المالية في المبيع، وذلك فإنّه إن كان المراد بنفي
الشيء عن الهيئة عدم تحققها خارجاً فالمفروض أنّها
موجودة، وإن كان المراد أنّه لا نفع محلّل في تلك
الهيئة فلا يكون مالاً عند الشارع، فهذا التزام
باعتبار المالية حتى لا يكون أخذ المال بازاء تلك
الهيئة من أكله بالباطل، هذا.

ويمكن الاستدلال على بطلان بيع الصنم
والصليب بفحوى صحيحة عمر بن أُذينة، قال: «كتبت إلى
أبي عبداللّه (ع) أسأله عن رجل له خشب، فباعه ممن
يتّخذه برابط، فقال: لا بأس به، وعن رجل له خشب
فباعه ممن يتخذه صلباناً، فقال: لا»(64). حيث إنّ ظهور النهي في المعاملة
فسادها، وإذا كان بيع الخشب للمشتري المزبور
باطلاً فكيف يكون بيع الصنم أو الصليب منه صحيحاً،
ونحوهما معتبرة عمور بن حريث(65)،
ولكن سيأتي أنّ مقتضى مناسبة الحكم والموضوع هو كون
النهي عن بيع الخشب من المشتري المزبور تكليفاً
وبملاك دفع فساد الشرك وسدّ الطريق إليه، كما لا
يخفى.

بقي في المقام أمر ، وهو أنّه قد التزم
المحقّق الأيرواني بالصحّة فيما إذا كانت لمادّة
الصنم مالية حتّى مع فرض بيعها بعنوان الصنم، وذكر
في وجهها أنّ المنفعة المحرّمة لا توجب بطلان البيع
فيما إذا كان في المبيع منفعة محلّلة مقصودة أيضاً،
ولا فرق بين أن يكون كلتا المنفعتين مترتبتين على
الهيئة فقط أو تترتب إحداهما على المادة والأُخرى
على الهيئة كما في المقام، فإنّ لمثل الصنم المصنوع
من الصفر أو الخشب منفعة محلّلة باعتبار مادّته
ومحرّمة باعتبار هيئته، ولا يخفى ما فيه فإنّه يصحّ
البيع فيما إذا كانت المنفعتان مترتبتين على
الهيئة،

ولا يصحّ فيما إذا كان المترتب عليها هو
المحرّم فقط، وذلك فإنّ مع ترتّب المنفعتين على
الهيئة تكون لها مالية شرعاً، فلا يكون أخذ المال
بازائها من أكله بالباطل، بخلاف ما إذا لم يكن
المترتّب عليها إلا الحرام فقط حيث لا يكون لها في
هذا الفرض مالية، فأخذ المال بإزائها أكل له
بالباطل، والثمن وإن لم يقع بإزاء الهيئة فقط بل
بإزاء مجموع المادة والهيئة، إلا أنّ عدم انحلال
البيع بالاضافة إليهما يوجب بطلان البيع رأساً،
نظير الثمن في مثل الحيوان، فإنّه وإن وقع في مقابل
المجموع إلا أنّه لا يكون البيع بالإضافة إلى
الأجزاء الخارجية للحيوان انحلالياً.

ويمكن الاستدلال على البطلان فيما كان
لمادة الصنم بعد محو صورتها مالية بفحوى ما دلّ على
بطلان بيع الجارية المغنية، حيث انّ كون الجارية
مغنّية إذا أوجب بطلان بيعها باعتبار أنّ الوصف
المزبور مادّة ومنشأ في الغالب للّهو الذي فساده
دون فساد الشرك والوصف كما سيأتي لا يقابله الثمن،
بل يكون داعياً إلى زيادته، فكيف يصحّ بيع الصنم
الذي يقابل فيه الثمن الهيئة التي منشأ فساد عظيم.
واستعماله بين قوم في أمر مباح لا يخرجه عن كونه إله
المشركين ومعبودهم، فلا يجوز بيعه وشراؤه حتّى
فيما إذا عدّوه من الأشياء العتيقة وادّخروه في مثل
المتاحف لهذا الغرض، ولا يبعد ـ باعتبار كونه مادّة
لهذا الفساد العظيم ـ الالتزام بوجوب محو صورته كما
يظهر من كلماتهم.

وحمله على الاتلاف[1].

[1] بأن يزيل الغاصب هيئتها أولاً ويتلف
مادتها بعد ذلك، وهذا الحمل تمحّل، أي تكلّف بلا
موجب.

ولعلّ التقييد في كلام العلاّمة[2].

[2] وجه المصنّف «ره» تقييد جواز بيع
المادة قبل إزالة هيئتها في كلام العلاّمة بكون
المشتري ثقة في دينه ـ بأن دفع هيكل العبادة إلى
المشتري مع عدم الوثوق بديانته تقويةً لوجه من وجوه
المعصية، وظاهر حديث تحف العقول بطلان البيع معه،
ثمّ أورد على ذلك بأنّ بيع المادّة ودفع الهيكل قبل
إزالة هيئته إلى المشتري لا يزيد على الإعانة على
الإثم التي بمجرّدها لا تكفي في الحكم ببطلان
المعاملة، فإنّ انطباق العنوان المحرّم على
المعاملة لا يكون موجباً لبطلانها، مع أنّ الإعانة
إنّما تكون بدفعه إلى المشتري قبل إزالة الهيئة لا
ببيع مادّته، ولو قبل إزالة الهيئة ثمّ يكسر ويدفع
إلى المشتري، ولا بأس أيضاً بالكسر المزبور بعد
البيع وبعد فرض دخوله في ملك المشتري، فإنّ المشتري
لا يملك الهيئة ولا تكون مالاً، بل لا يبعد أن يقال
بوجوب إزالة الهيئة كفائياً حسماً لمادّة الفساد،
وإذا قام به المشتري سقط عن البايع وإلا يباشر بها
قبل الدفع مع عدم الثقة.

لا يقال: لعلّ التقييد في كلام العلاّمة
بكون المشتري موثوقاً في ديانته باعتبار عدم جواز
بيع المادّة قبل إزالة الهيئة تكليفاً لا وضعاً،
فلا يرد عليه ما ذكره المصنّف «ره».

فإنّه يقال: ظاهر قول العلاّمة «يجوز
بيعها من المشتري المزبور» هو صحّته ونفوذه،
فينتفي فيما إذا لم يكن المشتري موثوقاً في دينه،
وهذا ظاهر الجواز أو عدم الجواز المضاف إلى
المعاملات، مع أنّ الحرمة تكليفاً في دفع الهيكل
إلى المشتري قبل إزالة هيئته لا في نفس البيع.

أقول: لو تمّ الدليل على بطلان بيع الخشب
فيما إذا أحرز بايعه أنّ المشتري يصنعه صنماً أو
صليباً لكان مقتضاه بطلان بيع مادّة الصنم، مع
العلم بأنّ المشتري لا يزيل الهيئة، ولكن سيأتي أنّ
عدم جواز بيعه تكليف فقط.

ويدل عليه جميع ما تقدّم في هياكل
العبادة[3].

[3] أقول: يأتي في آلات القمار بأنواعها
فيما إذا بيعت بعنوان أنّها آلة القمار ما تقدّم من
كون أكل المال في مقابلها من أكله بالباطل، فيكون
بيعها فاسداً حتّى فيما إذا كانت لموادها بعد إزالة
هيئاتها مالى، وذلك لما تقدّم من عدم انحلال البيع
بالإضافة إلى المادّة والصورة إلى بيعين حتّى يحكم
بصحّة أحدهما وبفساد الآخر، وأمّا سائر الوجوه
المتقدّمة فلا مجرى لها في المقام.

نعم، لا يبعد دعوى العلم فيها أيضاً بوجوب
إزالة هيئتها حسماً لمادّة الفساد، وبما أنّ وجوب
الإزالة في آلات القمار مجرّد تكليف فلا يوجب عدم
إزالتها فساد البيع حتّى فيما إذا علم بأنّ مشتريها
لا يزيل الهيئة، ولو باع قبل إزالتها ودفعها إلى
المشتري المزبور كما هي فعل حراماً، بخلاف ما إذا
أزالها قبل دفعها إليها أو دفع إلى المشتري الذي
يثق بأنّه يزيلها، لأنّ وجوب الإزالة على تقديره
واجب كفائي يكون قيام المشتري به كافياً في سقوط
التكليف.

ثمّ إنّ هذا لا يجري في مثل أواني الذهب
والفضة حتّى لو قيل بحرمة صنعهما وبفساد بيعهما،
وأنّه لا تختصّ الحرمة بالأكل والشرب فيهما، ووجه
عدم الجريان عدم الدليل على وجوب إزالة هيئتهما،
ولو باع أحدهما بعنوان الذهب أو الفضة ودفعه إلى
المشتري قبل إزالة الهيئة، فلا بأس حتى مع علمه
بأنّ مشتريه لا يزيلها، فما في كلام جملة من
الأصحاب من تسوية حكمهما مع حكم آلات القمار بل مع
حكم الصنم والصليب فيه ما لا يخفى، بل الأظهر جواز
بيعهما بما هي آنية ذهب أو فضة وجواز صنعهما وأخذ
الاجرة عليه، لأنّ المحرّم استعمالهما في الأكل
والشرب والطهارة لا الاقتناء والتزيين بهما.
والحاصل أنّ لهما منفعة مقصودة محلّلة وباعتبارها
تكونان من الأموال ولتمام الكلام فيهما محلّ آخر.

وقوّى في التذكرة الجواز مع زوال الصفة[1].

[1] إن كان المراد بزوال الصفة زوالها عند
البايع بأن يبيع الآلات بعد زوال هيئتها فالأمر كما
يذكر المصنف «ره» من عدم قائل بعدم الجواز في
الفرض، ولا ينبغي جعله مورد الخلاف بين العلاّمة
وغيره، وإن أراد زوالها عند المشتري بأن يكسرها
المشتري فكسرها غير معتبر في صحّة بيعها بعنوان
مكسورها كما تقدّم، والظاهر مراده الكسر عند
المشتري واستفاد ذلك من كلام العلاّمة بحمل الثقة
فيه على الطريقية.

/ 12