المراهنة بغير الآلات - إرشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

إرشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب - نسخه متنی

میرزاجواد تبریزی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

المراهنة بغير الآلات

لا معنى لاستحباب الوفاء به[1].

[1] أي إذا كانت المعاملة فاسدة، فالعهد
الذي قطعه العاقد على نفسه لا يستحب الوفاء به، فان
استحبابه ينافي فسادها، فان الوفاء في المقام
عبارة عن تسليم العوض المفروض في المراهنة إلى
الغالب بعنوان أنّه ماله، ومع الفساد لا يكون مالاً
له. نعم لو أريد صورة الوفاء بأن يملكه المال بتمليك
جديد مجاناً، ومع الاغماض عن تلك المعاملة فلا فرق
في جوازه بين القمار المحرم واللعب الفاسد، غاية
الأمر يكون التمليك الجديد مستحباً مع فساد اللعب.
ولا يستحب في القمار المحرم (اقول) لا فرق في الوفاء
الصوري بين الصورتين، والفرق باستحباب التمليك
الجديد في اللعب
الفاسد وعدم استحبابه في القمار بلا وجه(214).

نعم عن الكافي والتهذيب بسندهما عن محمد
بن قيس[1].

[1] سندها صحيح(*) وكلمه (آكل) في قوله (رجل
آكل) من باب المفاعلة بمعنى المعاهدة على الأكل،
وربّما يقال بظهورها في جواز المعاهدة المزبورة
تكليفاً من جهة سكوت الإمام (ع)، وعدم ردعه، ومن
الظاهر أنّ المعاهدة على الأكل من قبيل الرهن على
اللعب بغير الآلات، كالمراهنة على رفع الحجر
الثقيل والمصارعة والطفرة، نعم دلالتها على فسادها
تامة، كما هو مقتضى منع الغرامة المفروضة في صورة
عدم أكل الشاة بتمامها، ولكن لا يخفى أنّ دلالتها
على الجواز بالاطلاق والسكوت في مقام البيان،

ومع
ورود النهي في سائر الروايات لا يتم الاطلاق، وأجاب
المصنف «ره» عن ا لاطلاق بأنّ الإشكال في الرواية
بعدم ردع الإمام (ع) حتى على تقدير جواز المعاهدة
المزبورة تكليفاً، وذلك فإن أكل الشاة بالمعاهدة
الفاسدة كتصرف الطرف في مال صاحبه في سائر
المعاملات الفاسدة محرم، مع أنّه لم يذكر في
الرواية ردعه (ع) عن أكلها. ثمّ أمر في آخر كلامه
بالتأمل، ولعله لأجل الفرق بين المقام وسائر
المعاملات الفاسدة، فان التصرف في مثل المقام من
قبيل إذن المالك في ماله، فان أكل الشاة المفروضة

باعتبار اباحة المالك وإذنه فيه حلال، حتى مع فساد
المؤاكلة، حيث إنّ معنى فسادها عدم ترتّب الضمان
المزبور، وهذا بخلاف سائر المعاملات التي يكون
تصرف الطرف فيها بعنوان كونه مالكاً وليس يملك مع
فسادها حتى يجوز له التصرف. وأمّا الضمان فالظاهر
أنّ أكل الشاة بتمامها شرط في إذن مالكها في أكلها
مجاناً، ولو بنحو الشرط المتأخّر، فيكون أكلها
ناقصاً موجباً لضمانها بالقيمة كسائر القيميات،
وعلى ذلك فالمراد في الرواية من نفي الغرامة هي
الغرامة المعينة في المؤاكلة كما هو معنى فسادها.

ثم انّ حكم العوض من حيث الفساد[1].

[1] ويجب رد عين العوض مع بقائه، وبدله مع
تلفه، كما في جميع المعاملات الفاسدة المفروض فيها
ضمان المال. وأمّا ما ورد من قييء الإمام (ع) البيض
عند ما قيل له: إنّ الغلام قامر به، فهو لا ينافي ما
ذكرنا من ضمان البدل مع التلف، فان القيء لأجل أن لا
يصير البيض المزبور جزءاً من بدنه الشريف، لا من
جهة رده إلى مالكه. وهذه الرواية في سندها
عبدالحميد بن سعيد وهو من مشايخ صفوان بن يحيى. وقد
ثقهم الشيخ «ره» في عدته، قال: بعث ابو الحسن (ع)
غلاماً يشتري له بيضاً فأخذ الغلام البيضة أو
بيضتين فقامر بها، فلما أتي به أكله، فقال له مولى
له إنّ فيه من القمار، قال فدعا بطشت فتقيأ فقاءه»(215).

وفيها إشكال من جهة ارتكاب المعصوم (ع) ما
هو حرام واقعاً، لكنه ضعيف فان الإمام (ع) لا يمكن
غفلته أو جهله بالأحكام المجعولة، في الشريعة حيث
إنّ ذلك ينافي كونه هادياً ودليلاً على الحق
ومبيناً لأحكام الشرع. وأمّا الموضوعات الخارجية
فعلمه (ع) بجميعها مطلقاً أو عند ارادته الاطلاع
عليها فلا سبيل لنا إلى الجزم بشيء حتى نجعله منشأ
الإشكال في مثل الرواية، وذكر السيد الخوئي طال
بقاؤه أنّ الاشكال على أكله (ع) البيض المفروض يتم
بتسليم أمرين: (أحدهما) عدم امكان جهله (ع)
بالموضوعات أصلاً. (ثانيهما) كونه (ع) مكلفاً بالعمل
حتى بعلمه الحاصل له بالإمامة. وأمّا إذا قيل بكونه
مكلفاً بالعمل بالحجة المتعارفة عند الناس من
قاعدة اليد وأصالة الصحة وأصالة الحل وغيرها، فلا
بأس بالأكل المزبور أخذاً بالحجة الشرعية.

ثمّ إنّه إذا علم (ع) الحال بالطريق
المتعارف يعني أخبار مولى له بكون البيض من الحرام،
تقيأ تنزهاً لئلاّ يصير الحرام الواقعي جزءاً من
بدنه الشريف، مع عدم كون هذا حكماً الزامياً. وفيه
أنّه لا يمكن اجراؤه (ع) أصالة الصحة أو غيرها في
عمله مع علمه بالواقع، فانّ المقوم لموضوع الحكم
الظاهري الجهل بالواقع والمفروض انتفاؤه في حقه
(ع)، فدعوى كونه (ع) مكلفاً بمقتضى الحجج الظاهرية
الثابتة للجاهل بالواقع، مع علمه (ع) بالواقع كما
ترى، فانّه من قبيل ثبوت الحكم بدون موضوعه.

إلا أن يقال بأنّ مجرّد التصرّف من
المحرمات العلمية[1].

[1] كيف لا تثبت الحرمة للأكل مع الجهل، مع
أنّ الموضوع لها مال الغير من غير تجارة أو من غير
رضاه. وبعبارة أخرى مفسدة أكل الحرام وترتبها عليه
حتى حال الجهل به يوجب انشاء الحرمة حتى مع الجهل،
غاية الأمر الجهل بكونه مال الغير عذر في مخالفة
الحرمة الواقعية، كما فى جميع المحرمات الواقعية،
فانّه تثبت عند الجهل بها أحكام ظاهرية، بخلافها،
حيث إنّ الحكم الظاهري لا ينافي الحرمة الواقعية
حتى يوجب تقييداً في إطلاق خطاب تلك الحرمة.
والحاصل أنّه لو كانت العصمة منافية لارتكاب
الحرام الواقعى ولو مع عدم تنجزه، لما كان ما ذكره
المصنف «ره» صالحاً لدفع المنافاة.

حكم المغالبة بلا عوض

الرابعة المغالبة بغير عوض[2].

[2] الصورة الرابعة المغالبة بغير الآلات
بلا عوض، ولا ينبغي التأمل في جوازها، فانّه مقتضى
الأصل، بعد عدم شمول ما دلّ على حرمة القمار
والرهان للفرض، حيث إنّ المأخوذ في معناها بحسب
المتفاهم العرفى العوض. ويطلق عليها المراهنة بهذا
الإعتبار، كما أنّه لم يقم دليل على حرمة مطلق
اللهو والباطل، حتى تدخل فيه المغالبة في هذه
الصورة. ولا يمكن أيضاً استظهار الحرمة من حسنة حفص
عن أبي عبداللّه (ع)، قال: «لا سبق إلاّ في خف أو حافر
أو نصل»(216) أي النضال، حيث إنّ
من المحتمل كون السبق بفتح الباء

ـ كما نسبه في
المسالك إلى المشهور ـ بمعنى العوض، ونفيه في غير
الثلاثة عبارة أخرى عن عدم صيرورة العوض ملكاً
للغالب في المسابقة، بل على تقدير كونه بسكون
الباء، فيحتمل أن يكون المراد نفي استحباب
المسابقة في غير الثلاثة. نعم ما ذكره المصنف «ره»
من انصراف السبق بسكون الباء إلى صورة الرهن، ويكون
ظاهر نفيه، فساده كما هو مقتضى النهي عن المعاملة ـ
لا يمكن المساعدة عليه، فانّه لا وجه للانصارف بعد
كونه بمعناه المصدري عاما يشمل المسابقة مع الرهن
وبدونه، والمسابقة بلا رهن كثيرة لا نادرة حتى
يتوهم أنّ ندرتها موجبة له.

كما يدل عليه ما تقدّم من اطلاق الرواية
بكون اللعب بالنرد أو الشطرنج بدون العوض

قماراً[1].

[1] ذكر في بعض الروايات أنّ الشطرنج
والنرد ميسر وقمار، وظاهره كون اللعب بهما ميسراً،
حتى فيما لم يكن في البين عوض، لأنّ كونهما مع العوض
قماراً لا يحتاج إلى البيان، إلاّ أنّ هذا الحكم
تعبدي. والغرض بيان حرمة اللعب بهما ولو بلا عوض،
وامّا لأنّ القمار بمعناه العرفي يصدق عليهما بدون
العوض، فلا معين له، ولا يمكن التمسك بأصالة
الحقيقة، لاثبات عدم دخالة العوض، لأنّه لا اعتبار
بها مع العلم بالمراد كما لا يخفى.

ويشهد له اطلاق آلة القمار[2].

[2] قد ذكرنا سابقاً أنّ لفظ القمار بمعناه
المصدري لا يزيد على سائر الألفاظ الدالة على
المعاني الحدثية في أنّ الآلة لا تكون مقومة وداخلة
في مفاهيمها، بخلاف العوض، فانّه داخل في مفهومها.
والشاهد لذلك الاستعمالات العرفية. وأمّا ما ذكره
المصنف «ره» ـ من أنّ اطلاق آلة القمار عليها موقوف
على عدم دخول الآلة في مفهوم القمار، أو ما ذكره
السيد الخوئي طال بقاؤه من أنّ لازم دخول الآلة في
معنى القمار عدم صدقه على المراهنة بالآلات
المخترعة جديداً ولزوم الدور ـ فلا يمكن المساعدة
على شيء من ذلك، فانّه يمكن أن لا يكون المأخوذ في
معنى القمار خصوص الآلات في ذلك الزمان، بل الأعمّ
منها بحيث يعم الآلة المخترعة فعلا، و ـ أخذ الآلة
بها داخلا ـ لا يوجب أي محذور لا الدور ولا غيره،
فانّه على ذلك يكون معنى لفظ القمار الحصة من
المراهنة لا مطلقا، وإضافة تلك الآلات إلى القمار
تكون بمعنى في، كما في قولنا، العوض والرهن في
القمار.

حكم المبارات المتعارفة في عصرنا

وحكم شراء أوراق اليانصيب

بقي في المقام أمران: (الأول) إنّ حكم
المباراة المتعارفة المسماة بكرة القدم والطائرة
أو السلة) وغيرها التي يعين فيها الجائزة من
الحكومات أو الأندية للفائزين، ولا يكون اللعب
فيها بآلات القمار، والأظهر جوازها تكليفاً
ووضعاً، فتكون الجائزة للفائز كأساً كانت أو غيره،
وذلك فانّ المحكوم عليه بالحرمة هو القمار
والمراهنة واللعب بالالآت المعدة للقمار. والمفروض
عدم كون المباراة لعبا بآلات القمار، كما أنّ عنوان
القمار أو المراهنة لا ينطبق عليها، حيث إنّ
المعتبر فيهما كون المال من المغلوب، ولا يعمان ما
إذا كانت هبة من شخص ثالث للفائز، كما صرح بذلك بعض
أهل اللغة، ويظهر أيضاً بمراجعة الاستعمالات
العرفية، وإن لم يكن هذا جزمياً، فلا أقل من
احتماله، وهذا يمنع عن الرجوع إلى اطلاق خطاب حرمة
القمار أو المراهنة، وإذا جاز اللعب صح تملك
الجائزة أخذاً باطلاق دليل الهبة أو الجعالة أو
غيرهما.

(الثاني): في حكم شراء الأوراق المرسومة في
عصرنا المسمّاة بأوراق اليانصيب (بليط بخت آزمائى)
ولا ينبغي الريب في بطلان بيعها وشرائها، حيث إنّ
الأوراق لا تكون بنفسها أموالاً، نطير الأوراق
النقدية والطوابع المالية والبريدية، ليكون أخذها
من شراء الشيء المحكوم عليه بالحلية تكليفاً
ووضعاً، بل يكون اعطاء المال وبذله باعتبار الرقم
الموجود في كل ورقة، لاحتمال وقوع الجائزة على ذلك
الرقم، ولذا لو تلفت الورقة بأن احترقت عند من
يحتجزها، وثبت ذلك عند المؤسسة، فانّها ربّما تعطي
الجائزة للشخص المزبور بوقوعها على ذلك الرقم.
والحاصل أنّ المبادلة واقعاً بين المال وتلك
الجائزة المحتمل وقوعها على الرقم، والورقة سند
لها، وهذا لا يكون بيعاً صحيحاً، فانّ المعتبر فيه
وجود المبيع والعلم به، فيكون المقام نظير الشبكة
المطروحة المحتمل وقوع الصيد فيها، فانّه لا يصح
تملك العوض بازاء الصيد المحتمل، بل هذا أشبه
بالقمار، ويكون نظير القطعات من الخشب أو غيرها
التي يكون في كل منها رقم، ويعين لبعض تلك الأرقام
بعض الأموال وتطرح في الكيس، ويعطي إنسان درهماً أو
أكثر ويخرج منها قطعة بداعي وقوع المال على الرقم
فيها.

والحاصل أنّ شراء الأوراق مندرج في البيع
الفاسد فلا تكون الجائزة به ملكاً لمشتري الورقة،
ولو أخذها وجب المعاملة معها معاملة الأموال
المجهول مالكها. نعم مجرد شراء تلك أوراق لا يكون
محرماً تكليفاً، لاعتبار اللعب في صدق القمار
قطعاً أو احتمالاً، ومعه لا يمكن الجزم بانطباق
عنوان القمار عليه. هذا إذا لم يكن بذل المال لو
كلاء المؤسسة بداعي التعاون في بناء المستشفيات
والجسور وغير ذلك من المصالح العامة، وإلاّ فلا
إشكال في جواز الاعطاء تكليفاً واللّه سبحانه هو
العالم.

في القيادة وحكمها

القيادة حرام[1].

[1] لا ريب في حرمة الوساطة والسعي بين
الشخصين لجمعهما على الوطء المحرم، ويكون أخذ
المال بذلك أكله بالباطل، كما لا ينبغي الريب في
كونها من الكبائر في الجملة، لقوله سبحانه «إنّ
الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا“»
وأنّ للحاكم تعزير الساعي بما يراه مصلحة لنظام
البلاد، ومناسباً لتأديبه. وأمّا ثبوت الحد الشرعي
ـ ونفيه عن المصر الذي هو فيه فضلاً عن حلق رأسه
واشهاره ـ فلم يثبت. نعم ذكر الحد والنفي في رواية
الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن
سليمان عن عبداللّه بن سنان، إلاّ أنّ الرواية ـ
لضعفها سنداً ـ لا يمكن الاعتماد عليها، وإن وصفها
المصنف «ره» بالصحيحة، فانّ الراوي عن عبداللّه بن
سنان لو لم يكن محمد بن سليمان الديلمي الضعيف،

فلا
أقل من كونه محتملاً، ثمّ إنّه على تقدير اعتبار
الرواية فلا يختص المذكور فيها بالرجل، بل يعم
المرأة أيضاً، لظهورها في كون المراد بالقواد فيها
الجنس الشامل لها. وقد ذكرنا نظير ذلك في بعض ما ورد
في محظورات الاحرام، وقلنا إنّ المحرم في الرواية
باعتبار ظهوره في الجنس يعم المرأه قال: «قلت لأبي
عبداللّه (ع): أخبرني عن القواد ما حده؟ قال: لا حد
على القواد، أليس انّما يعطي الأجر على أن يقود؟
قلت: جعلت فداك إنّما يجمع بين الذكر والأنثى
حراماً: قال: ذاك المؤلف بين الذكر والأنثى حراماً
فقلت هو ذاك، قال يضرب ثلاثة ارباع حد الزاني خمسة
وسبعين سوطا وينفي من المصر الذي هو فيه»(217).

وفي المصباح هو الذي يعرف ا لآثار[1].

[1] يعني القائف من يعرف آثار الإنسان
وعلاماته كما إذا نظر إلى آثار القدم الباقية على
الأرض بعد المشي، فيعرف أنّها منسوبة إلى أي شخص،
وزاد في مجمع البحرين وأنّه يعرف شبه الإنسان بأخيه
وأبيه إلى غير ذلك، واقتصر في الايضاح والميسية على
الثاني، وذكرا أنّها عبارة عن الحاق بعض الناس
ببعض. وكيف كان فيقيد حرمتها بما إذا رتب عليها الأثر الحرام،
وإلاّ فلا حرمة بالظنّ بنسب شخص أو العلم به، ولذا
نهي في الأخبار عن الإتيان والأخذ بقول القائف.
وظاهر الأخذ هو ترتيب الأثر، كما أنّ ظاهر الإتيان
ذلك كما لا يخفي.

(اقول) نذكر في التعليقة الآتية فساد هذا
الاستشهاد، وان تعلق النهي بالإتيان والأخذ
باعتبار كون النهي طريقيا لا حكماً نفسياً، ومع
الاغماض فغاية ما يستفاد هو اعتبار ترتيب الأثر لا
ترتيب الأثر المحرم كما هو المدعى.

وفي المحكي عن الخصال[2].

[2] ما ذكره «ره» في وجه حرمتها من رواية
الخصال(218) لا يمكن الاعتماد
عليه، فانّه رواها عن أبيه عن سعد بن عبداللّه عن
يعقوب بن يزيد عن محمد بن أبي حمزة البطائني ضعيف،
ومع ذلك لا دلالة على الحرمة، فانّ عدم الحبّ لا
يلازمها ما لم يكن في البين قرينة عليها من مناسبة
الحكم والموضوع ونحوها. وكذا ما ذكره عن مجمع
البحرين، مع أنّه لا يزيد على الرواية المرسلة. نعم
في صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) «كان
أميرالمؤمنين (ع) يقول: لا تأخذ بقول عراف ولا قائف
ولا لص ولا اقبل شهادة فاسق إلاّ على نفسه»(219) ولكن النهي في أمثال ذلك ظاهر
في الطريقي المقتضى لعدم اعتبار قول القائف، فلا
يكون ممّا يحرز به نسب الشخص شرعاً، ولا يكون
موجباً لرفع اليد عن مثل قاعدة (الولد للفراش
وللعاهر الحجر) أو غير ذلك. وأمّا فعل القيافة
باخبار القائف، فإن كان اعتقاده جزمياً، فلا يكون
الاخبار موجباً لفسقه على فرض عدم حصول حرام آخر،
كالقذف، وإن كان اعتقاده ظنياً كان اخباره الجزمي
عن نسبه كذباً وقولاً بغير علم، وهذا الحرام لا
يوجب حرمة القيافة أيضاً بأن يكون اعتقاده الظنّي
حراماً آخر.

ثمّ إنّ المصنف «ره» حكى عن العامة
افتراءهم على رسول اللّه بأخذه بقول القافة، وذكر
أنّ ذلك قد أنكر عليهم في الاخبار بشهادة ما عن
الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه وعلي بن محمد
القاساني جميعاً عن زكريا بن يحيى بن النعمان
الصيرفي قال: «سمعت علي بن جعفر“» وزكريا بن يحيى
مجهول، ومع ذلك لا دلالة فيها على نفي رجوع النبي (ص)
إلى قول القائف، اضف إليه أنّ الرواية لا تخلو عن
شيء وهو رد مثل علي بن جعفر على إمامه (ع) في نفي
ولده، حتى على تقدير عدم كون النفي من القذف، وكذا
اشتمال الرواية لكشف اخوات الإمام (ع) وجوههن
للقافة، ولا اظنّ تصديق أحد بمناسبة ذلك لمنزلتهن.

في حرمة الكذب وأنه من الكبائر

الكذب حرام[1].

[1] لا يكون الاجماع التعبدي في مثل المقام
ممّا يعلم فيه مدرك المجمعين، بل يكون الاجماع
مدركياً، وهو ليس أحد الأدله. وأمّا الفعل فلا
استقلال له بقبح مطلق الكذب، وحتى مع عدم ترتب فساد
عليه من تلف عرض أو مال أو غيره من المفاسد ليكون
حكمه به كاشفاً بقاعة الملازمة عن حرمته. نعم حرمته
مطلقاً مستفادة من الكتاب العزيز والاخبار.

وكيف كان فالكلام فيه يقع في جهتين:
(الأولى) في كونه من الكبائر مطلقاً أو في الجملة
(الثانية) في مسوغاته امّا الجهة الأولى، فقد ذكر في
وجه كونه من الكبائر أمور:

(الأول) ـ رواية الصدوق «ره» في عيونه عن
عبدالواحد بن محمد بن عبدوس النيشابوري العطار، عن
أبي الحسن علي بن محمد بن قتيبة، عن الفضل بن شاذان،
عن الرضا (ع) ورواه أيضاً عن الحاكم أبي جعفر محمد بن
نعيم بن شاذان عن عمه أبي عبداللّه محمد بن شاذان،
قال: «قال الفضل
بن شاذان“».

(الثاني) رواية الاعمش(220)
ولكن رواية الأعمش ضعيفة باعتبار جهالة سند الصدوق
«ره» إليه، وفي سند رواية العيون أيضاً ضعيف
باعتبار عدم ثبوت التوثيق لعبدالواحد، ونقل الصدوق
«ره» عنه مترضياً لا يدلّ على توثيقه، وذلك فانّ
الصدوق لا ينحصر مشايخه بالثقات والعدول، والدعاء
لا دلالة له على التوثيق، وكذا لم يثبت توثيق
للحاكم محمد ابن نعيم.

(الثالث) موثقة محمد بن مسلم عن أبي جعفر
(ع)، قال: إنّ اللّه عزّ وجلّ جعل للشر أقفالاً، وجعل
مفاتيح تلك الأقفال الشراب، والكذب شرّ من الشراب(221) وكونها موثقة باعتبار وقوع
عثمان بن عيسى في سندها وهو واقفي، ومقتضى كون
الكذب شراً من شرب الخمر المعدود من الكبائر،
وتعيين الحد على شاربها كون الكذب أيضاً مثله.

(اقول) لازم كون الكذب كذلك اختيار شرب
الخمر عند دوران الأمر بينهما بالإكراه عليه أو على
الكذب، اللّهمّ إلاّ أن يقال بجواز الكذب في هذا
الحال، لأنّه يدفع به الضرر، ولا يكون من مورد
التزاحم ليكون جواز دفع الإكراه به دليلاً على عدم
كونه أهمّ من شرب الخمر ولا مثله. وممّا ذكرنا يظهر
الحال في المرسل الوارد فيه أنّ الكذب يعادل سبعين
زنية أهونها كمن يزني بأمه، وقد تقدم الكلام في مثل
هذه الروايات المعلوم عدم مطابقة ظاهرها للواقع،
وانّ اللازم الاغماض عنها على تقدير صحة اسنادها،
فضلاً عن المرسلة ونحوها.

(الرابع) قوله عزّ من قائل: «انّما يفترى
الكذب الذين لا يؤمنون بآيات اللّه» باعتبار أنّ
نفي الإيمان عن المفتري وجعله بمنزلة الكافر
مقتضاه كون الكذب كبيرة (اقول) لا دلالة في الاية
على كون مطلق الكذب كذلك، فانّ الافتراء أخص منه،
نعم دعوى اختصاص الآية بالافتراء في أصول الدين لا
وجه لها، فانّ مورد النزول لا يكون مخصصاً أو
مقيداً لعموم الحكم أو إطلاق الآية.

ويمكن الاستدلال على حرمة الكذب وكونه
كبيرة بقوله سبحانه: «واجتنبوا قول الزور» ووجه
الاستدلال على الحرمة ما ذكرنا سابقاً من ظهور
الزور في البطلان واتصاف القول بالباطل يكون
باعتبار بطلان معناه، وعدم تطابقه مع الخارج كما هو
المراد بالكذب. وظاهر الأمر بالاجتناب عن فعل
حرمته، كما في الأمر بالاجتناب عن الخمر والميسر
وعبادة الأوثان إلى غير ذلك. وأمّا كونه كبيرة،
فلأنّ الإمام (ع) استشهد في صحيحة عبدالعظيم الحسني(222) لكون شرب الخمر كبيرة بأنّ
اللّه عزّ وجل نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان.
ومقتضى الاستشهاد المزبور أن يكون الكذب أيضاً من
الكبائر لأنّ اللّه نهى عنه كما نهى عن عبادة
الأوثان بقوله عزّ من قائل «فاجتنبوا الرجس من
الأوثان واجتنبوا قول الزور».

والحاصل أنّ المتفاهم العرفي من الصحيحة
المباركة أنّ الموجب لكون شرب الخمر كبيرة نهى
اللّه عزّ وجل عنه في الكتاب المجيد، نظير النهي عن
عبادة الأوثان. وهذا التنظير في التعبير يجري في
الكذب أيضاً كما لا يخفى. وممّا ذكرنا يظهر وجه كون
القمار كبيرة وأنّ ذلك باعتبار النهي عنه في الكتاب
المجيد نظير النهي عن عبادة الأوثان.

وبعبارة أخرى الاستشهاد الوارد في
الصحيحة بيان لكون الكذب والقمار كبيرة فلا يصح
التمسك بالاطلاق المقامي لسائر الروايات، لنفي
كونهما كبيرتين، حيث إنّه لا يتمّ الاطلاق فيها بعد
ورود البيان والقيد، كما أنّه لا يصح الأخذ باطلاق
هذه الصحيحة لنفي بعض ما ورد في سائر الروايات
أنّها كبيرة. والحاصل أنّ الاطلاق بمعنى السكوت في
مقام البيان لا يدلّ على شيء، مع ورود البيان في
رواية أخرى أو خطاب آخر.

ويؤيّده ما روي عن النبي (ص)[1].

[1] أي أنّه يؤيد كون الكذب على الاطلاق
كبيرة سواء ترتب عليه فساد أم لا، المروى عن النبي
(ص) في وصيته لأبي ذر(223) ووجه
التأييدان الأكاذيب المضحكة لا يترتب عليها مفسدة
كبيرة، بل لا يترتب على بعضها أي مفسدة.

نعم في الأخبار ما يظهر منه عدم كونه على
الاطلاق كبيرة[2].

[2] وسندها(224) لا يخلو
عن ضعف. وما ذكر المصنف «ره» من حملها على كون الخاص
من الكبائر الشديدة ـ لا يمكن المساعدة عليه، فانّ
اعتبار هذا النحو من الحمل ابطال لقانون حمل المطلق
والمقيد. والصحيح أن يقال إنّه لا يجرى التقييد في
موارد استغراق الحكم وانحلاله مع توافق المطلق
والمقيد وعدم اختلافهما في النفي والاثبات، كما في
المقام، بل يؤخذ بكل من المطلق على المقيد. نعم لو
قيل بمفهوم الوصف لكان المورد من موارد حمل المطلق
والمقيد. ودعوى دلالتها على المفهوم بالعدد لا يخفى
ما فيها، فانّ المذكور في الرواية من قبيل التعداد
لا ذكر العدد، مع أنّ في دلالة العدد على المفهوم
تأملاً بل منعاً.

فإنّ قوله ما من أحد يدلّ على أنّ الكذب[1].

[1] لم يظهر منه كون مجرد الكذب لمماً أو
صغيرة حتى يوجب التقييد في اطلاق ما دلّ على كونه من
الكبائر، بل ظاهره أنّ مجرد الكذب أمر يبتلي به
عامة الناس، فلا يجرى على الإنسان بمجرده ما ذكر في
حق الكذاب في مثل قوله سبحانه: «إنّ اللّه لا يهدى
من هو مسرف كذاب» حيث إنّ اعراض اللّه عن انسان
واضلاله مجازاة لا يترتب على مجرد الكذب، بل على من
يكون مطبوعاً عليه، بحيث لو أراد أن يخبر فيكذب،
وهذا لا ينافي كون الكذب مطلقاً من الكبائر.

وعن الحارث الأعور عن علي (ع)[2].

[2] وظاهره عدم حرمة الكذب في نفسه، بل
الحرمة للفجور، وهو الاستمرار على الكذب، كما هو
ظاهر قوله: (وما يزال أحدكم يكذب حتى يقال كذب وفجر،
وإذا استمر على الكذب حتى يغلب الكذب على حكاياته
واخباراته، يقال عند اللّه أنّه كذاب)(225) والظهور المزبور خلاف المتسالم عليه
من حرمة الكذب في نفسه، أضف إلى ذلك ضعف السند.

في أقسام الوعد وحكمها

لابد أن يراد به النهي عن الوعد مع إضمار
عدم الوفاء[3].

[3] أقول ربّما يحكي المتكلم عن عزمه
الموجود حال تكلمه، فيكون المحكي قصده المتعلق
بفعله الاستقبالي، كما إذا قال مخاطباً يا زيد،
انّي عازم على بناء مسكن لك في الشهر الآتي، وكلامه
هذا اخبار عن أمر نفساني يكون صدقه وكذبه باعتبار
ذلك الأمر. وهذا كما لا يكون إنشاءاً لا يكون
متضمناً له أيضاً، ومن يرى وجوب الوفاء بالوعد الذي
هو من قسم الإنشاء لا يعم عنده الوجوب لهذا الفرض،
وربّما يحكي عن نفس فعله الاستقبالي، ويكون اخباره
عن الحصول فيما بعد كالاخبار عما مضى، وفي هذه
الصورة يكون صدق خبره أو كذبه دائراً مدار تحقق ذلك
الأمر في المستقبل وعدمه، ولو كان معتقداً بفعله
استقبالاً، وأخبر بوقوعه، فلا بأس به. ولا يجب عليه
جعل خبره صادقاً بفعله في المستقبل.

فإنّ مع ترك الفعل وأن يتّصف خبره السابق
بالكذب إلاّ أنّ دليل حرمة الكذب لا يعمه.

فإنّ ظاهره حرمة جعل الكذب وايجاده بمفاد
كان التامة لا جعل الخبر الصادر سابقاً كاذباً،
ولذا ذكرنا في باب موانع الصلاة أنّ المبطل لها من
الزيادة جعل الزائد بمفاد كان التامة لا جعل ما كان
من الصلاة زايداً كما في العدول من سورة أو ذكر أو
غيرهما إلى سورة أو ذكر أو غيرهما، حيث إنّه بعدوله
يحصل وصف الزيادة للمعدول عنه، وهذا لا دليل على
مانعيته.

والحاصل أنّ هذه الصورة أيضاً خارجة عن
الوعد الذي هو قسم من الإنشاء فلا يجب الفعل فيها لو
قيل باختصاص وجوب الوفاء بالوعد الذي هو من قسم
الإنشاء. نعم لو انشأ العهد والالتزام بالفعل للغير
كان العهد المزبور بانشائه واظهاره من حقيقة
الوعد، ويمكن أن يقال بوجوب الوفاء به للآية
والرواية.

والمراد بالآية قوله سبحانه «كبر مقتاً
عند اللّه أن تقولوا ما لا تفعلون»(226) ولكن ظاهرها حرمة القول بلا عمل، لا
وجوب العمل بالقول، فلا يجوز الوعد لمن لا يفى
بوعده، لا أنّه بعد الوعد يجب الوفاء به، ولا يلتزم
القائل بوجوب الوفاء بحرمة نفس الوعد مع عدم
الوفاء، فالمراد بالآية صورة الاخبار عن فعله
الاستقبالي، مع عدم قصد الفعل أو أمر الناس
وترغيبهم إلى ما يفعله، من قبيل قوله سبحانه:
«أتأمرون النّاس بالبرّ وتنسون أنفسكم»(227) وعلى تقدير دلالتها على ذلك فلا يختص
الوجوب بالوعد الذي هو من قسم الإنشاء بل تعم
الصورة الثانية من الاخبار.

وأمّا الروايات فظهورها في لزوم الوفاء
بالوعد كالسند في بعضها تام إلاّ أنّه لابدّ من رفع
اليد عنها، فانّ مثل الوعد ممّا يبتلي به عامة
الناس، ولو كان وجوب الوفاء به ثابتاً لكان من
الواضحات، والمتسالم عليه، مع أنّه المعروف عند
العلماء عدم وجوب الوفاء به، ولذا عنوان الباب في
الوسائل بالاستحباب، وفي حسنة هشام بن سالم قال:
«سمعت أبا عبداللّه (ع) يقول عدة المؤمن أخاه نذر لا
كفارة له، فمن اخلف فبخلف اللّه بدء، ولمقته تعرض،
وذلك قوله تعالى «يا أيّها الذين آمنوا لِمَ تقولون
ما لا تفعلون كبر

مقتاً عند اللّه أن تقولوا ما لا
تفعلون»(228) وظاهر تنزيل الوعد
منزلة النذر وجوب الوفاء بالأول أيضاً، غاية الأمر
أنّه ليس في مخالفتها كفارة (أي كفارة مخالفة النذر)
وفي حسنة شعيب العقرقوفي عن أبي عبداللّه (ع)، قال
قال رسول اللّه (ص): «من كان يؤمن باللّه واليوم
الآخر فليف إذا وعد»(229) ثمّ إنّ
ما ذكرنا من الأقسام في الوعد يجرى في الوعيد
أيضاً، غير أنّه لا يستحب الوفاء به، بل لا يجوز في
بعض الموارد.

ثمّ انّ ظاهر الخبرين الآخرين خصوصاً
المرسلة حرمة الكذب حتى في الهزل[1].

[1] خلاصة الكلام في المقام أنّه لو كان
الهازل قاصداً للحكاية وكان غرضه من تلك الحكاية
اضحاك الناس، فكلامه كذب حقيقة، حيث إنّ الداعي لا
دخل له في حرمته، وظاهر كذب الهزل في الخبرين أي في
مرسلة سيف بن عميرة ورواية حارث الأعور(230) هو هذا. وأمّا إذا كان تكلمه بلا قصد
الحكاية، بل من ترديد الفاظ لها صور ومعان في
الأذهان، وكان غرضه من ترديدها اضحاكهم، فهذا غير
داخل في الكذب، ولا يعمه ما ورد في كذب الهزل، حيث
إنّه لا يكون اخباراً حتى يكون كذباً هزلاً أو جداً
(وبعبارة أخرى) ذكر الكذب في الخبرين وفي النبوي
الوارد في وصيته (ص) لأبي ذر قرينة على كون المراد من
الهزل واضحاك الناس صورة الحكاية، وكذا الحال في
الخبرين. نعم لا بأس بالالتزام بكراهة الهزل في غير
صورة الحكاية، باعتبار أنّ المؤمن لا يشتغل بالهزل
والباطل.

في التورية وحكمها

ثم انّه لا ينبغي الإشكال[1].

[1] إذا كان غرض المتكلم من ذكر الاستعارة
اظهار ما في المستعار له من الوصف كالحسن والقبح
وغيرهما من الخصوصيات والاعتبارات، بأن يكون غرضه
حكايتها، كان صدق كلامه أو كذبه دائراً مدار تلك
الخصوصيات أو عدمها، وكذا في المبالغة في الكلم
والمقدار، بأن كان غرضه من ذكر العدد بيان القلة أو
الكثرة دون خصوصية ذلك العدد، فصدق كلامه أو كذبه
دائر مدار حصول تلك القلة أو الكثرة وعدمهما.

واعترض جامع المقاصد على قول العلاّمة[2].

[2] قال العلامة في القواعد في مسألة
الوديعة (إذا طالبها ظالم بأنّه يجوز الحلف كاذباً،
ويجب التورية على المعارف بها) انتهى. وظاهر ذلك
وجوب التورية مع الحلف كاذباً على العارف بها. وهذا
بظاهره التزام باجتماع الكذب والتورية، ولذا ذكر
في جامع المقاصد عند شرح العبارة أنّ العبارة لا
تخلو عن مناقشة، حيث تقتضي ثبوت الكذب مع التورية.

والحاصل أنّ المناقشة مبينة على عدم كون
التورية كذباً كما هو الصحيح، فلا يعمها ما دلّ على
حرمة الحذب، وذلك فانّ المتكلم لا يكون في مواردها
قاصداً لحكاية أمر على خلاف الواقع، بل يكون قصده
إلى ما هو حاصل في الواقع، ولكن السامع لا ينتقل
إليه من كلامه، بل ينتقل إلى ما هو ظاهره، ويتخيل
أنّه بصدد حكاية حصول ذلك الظاهر، ومن هنا أنّه لا
يكون من التورية ما إذا أراد المتكلم ظاهر كلامه،
وكان ذلك الظاهر مطابقاً للواقع، ولكن لم يفهم
السامع الظاهر، وتخيل أمراً آخر لا يطابق الخارج،

كما إذا قال للسائل: ليس عندي مال، وفهم السائل أنّه
فقير لا يملك مالاً. ووجه عدم كون ذلك تورية أنّه
يعتبر في التورية كون المراد المتكلم خلاف ظاهر
الكلام، وما ربّما يقال من ان مناط حرمة الكذب وهو
اغراء السامع موجود في التورية أيضاً ـ لا يمكن
المساعدة عليه، فانّه لم يعلم أنّ تمام ملاك حرمته
هو الاغراء. نعم لو انطبق على التورية عنوان محرم
آخر كعنوان غش المؤمن في المعاملة ونحوها تكون
محرمة بذلك العنوان.

ويدلّ على سلب الكذب عن التورية[1].

[1] وربّما يورد على ما ورد في قضية إبراهيم
على نبيّنا وعلى آله وعليه السلام أنّ التعليق
المزبور لا يخرجه إلى التورية حتى يكون صادقاً، حيث
إنّ قوله (بل فعله كبيرهم إن كانوا ينطقون»(231) جملة شرطية يكون الصدق والكذب
فيها دائرين مدار ترتب الجزاء على الشرط لا على
حصول الطرفين خارجاً أو عدمه، والترتب في الكلام
المزبور مفقود، فانّه لو كان الأوثان تنطق فرضاً،
لما كان أيضاً الكسر مستنداً إلى كبيرهم، فالقضية
الشرطية غير صادقة.

وأجاب عن ذلك السيد الخوئي طال بقاه بأنّ
الشرط في القضية قيد للحكاية لا لاستناد الكسر إلى
كبيرهم، والمفهوم أنّه حكايتي عن استناد الكسر إلى
كبيرهم معلقة تكلم الأوثان. والمفهوم أنّه على
تقدير عدم تكلمهم لا حكاية لي عن استناد الكسر
إليهم حتى تتصف بالصدق أو الكذب. وفيه ما لا يخفى،
فانّ مفاد القضية الشرطية ترتب مضمون الجزاء على
حصول مضمون الشرط، وكما أنّ حصول النهار ـ في قولنا
إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود ـ بنفسه معلق
على طلوع الشمس لا أنّ حكاية وجودها معلق على
طلوعها، بأن لا يكون للمتكلم حكاية على تقدير عدم
طلوعها، كذلك في المقام نفس استناد الكسر إلى
كبيرهم معلق على تكلم الأوثان.

في حقيقة الكذب

هذا أولاً و (ثانياً) أنّه لا يخرج الكلام
المزبور عن الكذب بارجاع الشرط إلى الادعاء
والحكاية، حيث إنّ مقتضى التعليق المزبور أنّه على
تقدير تكلم الأوثان فرضاً، فالكسر منتسب إلى
كبيرهم، مع أنّه على تقدير النطق أيضاً لم يكن في
البين ذلك الانتساب. و(ثالثاً) أنّه قد ورد ما يظهر
منه أنّ نفي الكذب عن قول إبراهيم ويوسف على نبيّنا
وآله وعليهما السلام من قبيل الحكومة والادعاء.
والمراد نفي حرمته حيث وقع في مقام الاصلاح
والهداية، فيكون من قبيل نفي الربا بين الوالد
والولد، فراجع روايتي الحسن الصيقل وعطا(232).

والظاهر أنّه على تقدير صحة رواية
الاحتجاج وصدورها عن المعصوم (ع) يراد من الشرطية
الشرطية الاتفاقية لا الحقيقية، ويكون الغرض من
تلك الاتفاقية مجرد نفي المقدم لانتفاء التالي،
ولهذه القضية الشرطية نظائر في العرف فلاحظها،
مثلاً يقول أحد الفاسقين للآخر في مقام تذكية نفسه
إنّي إنسان خير لا مورد في، للقدح، ويقول ذلك الآخر
إن كنت عادلاً فأنا معصوم، فإنّه ليس غرضه اثبات
العصمة لنفسه حتى على تقدير كون المادح عادلاً، بل
غرضه نفى عدالته بنفى عصمة نفسه. وقد يقال: إنّ
التورية كذب،

حيث إنّ العبرة في كون الكلام كذباً
بظهوره لا بمراد المتكلم. وفيه أنّ الصدق والكذب من
أوصاف الأخبار والحكاية، ولا قوام للحكاية إلاّ
بالقصد، كما هو الحال في جميع الأُمور الإنشائية
والقصدية. نعم يكون ظاهر الكلام عند الجهل بمراد
المتكلم طريقاً إليه، فينسب السامع إلى المتكلم
الكذب بهذا اللحاظ، حيث يرى مراده المكشوف بأصالة
الظهور غير مطابق للواقع، فيقول إنّه قد كذب، كما
قد يقال إنّ الكذب عبارة عن عدم مطابقة المراد
لاعتقاد المتكلم، والصدق مطابقته له، كما نسب ذلك
إلى النظام ومال إليه بعض الأعاظم.

ويستدلّ على ذلك بمثل قوله سبحانه: «إذا
جائك المنافقون قالوا نشهد أنّك لرسول اللّه
واللّه يعلم أنّك لرسوله واللّه يشهد أنّ
المنافقين لكاذبون»(233) حيث لو
كانت العبرة في الصدق والكذب مطابقة مضمون الكلام
للخارج وعدمها، لما كان ما قال المنافقون كذباً،
وبأنّه لا ينسب الكذب إلى مثل ما يذكره الفقيه في
رسالته العملية من الأحكام حتى فيما إذا كان
المذكور فيها اشتباهاً ومخالفاً للأحكام الواقعية.
فلا يقال إنّ اخباراته كذب، وأنّه قد كذب، بل يقال
إنّه أخطأ واشتبه، وذلك باعتبار أنّ ما يذكره

فيها
مطابق لما يعتقده إلى غير ذلك ولكن لا يخفى ما فيه
حيث إنّ الشهادة اظهار للعلم بالشيء والافتاء
عبارة عن اظهار نظره واجتهاده في الواقعة، فقول
القائل اشهد بذلك هو بمنزلة قوله ان لي علماً
ويقيناً به، فيكون الخارج الذي يقاس إليه مطابقة
المراد وعدمها هو الاعتقاد والعلم فمع تطابقهما
يكون كلامه صادقاً وفي عدمه كاذباً، وكذا قول
المفتي بأنّ الواقعة الفلانية حكمها كذا، اظهار
لفتواه ونظره في تلك الواقعة، ويكون خبره صادقاً مع
كون خبره مطابقاً لنظره واجتهاده، حتى فيما إذا
اشتبه وأدى إلى خلاف الحكم الواقعي وهكذا وهكذا.

بقى في المقام أمر، وهو أنّ الواقع إذا
كان من الأُمور الراجعة إلى الدين اعتقادياً أو
عملياً، فالاخبار به من غير علم محرم كما يستفاد
ذلك من قوله سبحانه «اللّه أذن لكم أم على اللّه
تفترون»(234) وبعبارة أخرى لا
ينحصر المحرم بما كان الاخبار به على خلاف الواقع،
بل يعم إسناد شيء إلى اللّه سبحانه من غير حجة على
انتسابه إليه تعالى بل إذا أظهر نظره في حكم
الواقعة من غير حجة عليه يكون اظهاره افتاء من غير
علم فهو في نفسه محرم حتى فيما إذا أصاب الواقع
اتفاقاً. ويدلّ عليه غير واحد من الروايات: (منها) ـ
صحيحة أبي عبيدة قال قال أبو جعفر (ع): «من أفتى
الناس بغير علم ولا هدى من اللّه لعنته ملائكته
الرحمة والعذاب ولحقه وزر من عمل بفتياه»(235)

ونحوها غيرها وأمّا إذا كان الواقع من
غير تلك الأُمور فالأخبار به مع الشك، من الشبة
المصداقية للكذب، لما تقدم من أنّ الميزان في اتصاف
الخبر بالكذب مخالفة مضمونة للواقع، لا مجرد عدم
العلم بمطابقته له. ولا يمكن الحكم بحرمة الاخبار
مع الشك واستظهارها ممّا ورد في حرمة الافتراء على
اللّه ورسوله، فان حرمة الثاني لا تلازم حرمة
الأول، ولكن مع ذلك لا تصل النوبة عند الشك إلى
أصالة الحلية، لدلالة بعض الروايات على حرمته،
كرواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر

عن آبائه
في حديث قال: «ليس لك أن تتكلم بما شئت، لأنّ اللّه
عزّ وجل يقول: «لا تقف ما ليس لك به علم»»(236) فانّ ظاهرها عدم جواز الاخبار بشيء مع
عدم العلم به، ولا يبعد اعتبارها سنداً. وفي صحيحة
هشام بن سالم، قال: «قلت لأبي عبداللّه (ع): ما حقّ
اللّه على خلقه؟ قال: أن يقولوا ما يعلمون ويكفوا
عما لا يعلمون، فإذا فعلوا ذلك أدّوا إلى اللّه
حقّه»(237) وظاهرها أيضاً لزوم
كف الإنسان عما ليس له به علم، بل لو لم تكن في البين
مثل الروايتين لكان مقتضى استصحاب عدم حدوث الشيء
عدم جواز الاخبار بحدوثه.

مجوزات الكذب

(لو قيل): على ذلك فيجوز مع الشك في الحدوث
الاخبار بعدم حدوثه أخذاً بالاستصحاب المزبور
(قلنا) ـ نعم ولذا ذكروا في بحث تعارض البينة على
طهارة شيء مع اخبار ذي اليد بنجاسته، تقديم البينة
على أخباره، إلاّ إذا كانت البينة مستندة إلى
الأصل، ثمّ
إنّ باستصحاب عدم حدوثه ينحل العلم الاجمالي بحرمة
الاخبار إمّا عن ثبوته أو عن عدمه، لما تقرر في محله
من أنّ جريان الاصلين المثبت والنافي في طرفي العلم
يوجب انحلاله، فلا يكون بالاخبار عن النفي بأس.

أحدهما الضرورة إليه[1].

[1] لا ينبغي الريب في كون الكذب كسائر
المحرمات في ارتفاع حرمته بالاكراه والاضطرار، كما
هو مقتضى حديث رفع الاكراه والاضطرار، وقوله (ع) ما
من شيء إلاّ وقد أحله اللّه لمن اضطر إليه. وذكر
المصنف «ره» في جوازه للضرورة قوله سبحانه «إلاّ من
أكره وقلبه مطمئن بالايمان»(238)
فإنّ مقتضاه عدم البأس بانكار الحق واظهار خلافه
عند الاكراه ولكن دلالة الآية على ارتفاع حرمة
الكذب عند الاكراه بالفحوى فإنّ عدم جواز الإنكار
في موردها باعتبار حرمة الشهادة بالكفر ووجوب
الإقرار والشهادة باللّه ورسوله لا باعتبار حرمة
الكذب وبهذا يظهر الحال في قوله سبحانه «لا يتّخذ
المؤمنون الكافرين أولياء»(239)
فانّ عدم جواز أخذ الكافر ولياً ليس من حرمة الكذب،
بل هو محرم آخر يرتفع حرمته بالإكراه.

الكذب لدفع الضرر

ثمّ إنّه وإن اعتبر في تحقق الاضطرار إلى
الكذب عدم التمكن من التورية، فانّ الاضطرار إلى
الجامع بين الكذب والتورية من قبيل الاضطرار إلى
شرب أحد ما يعين لرفع عطشه المهلك، وأحدهما متنجس
والآخر طاهر في أنّ الاضطرار إلى الجامع ـ باعتبار
إمكان ايجاده في ضمن فرده الحلال ـ لا يكون من
الاضطرار إلى الحرام، إلاّ أنّه في المقام روايات
يستفاد منها عدم اعتبار العجز عن التورية في جواز
الكذب.

(منها) ـ صحيحة اسماعيل بن سعد الأشعري عن
أبي الحسن (ع) (عن رجل يخاف على ماله من السلطان،
فيحلف لينجو به منه، قال: لا جناح عليه، وسألته هل
يحلف الرجل على مال أخيه كما يحلف على ماله؟ قال:
نعم»(240) وموثقة زرارة قال قلت
لأبي جعفر (ع): «نمر بالمال على العشار، فيطلبون
منّا أن نحلف لهم ويخلون سبيلنا، ولا يرضون منّا
إلاّ بذلك؟ قال: فاحلف لهم فإنّه أحل من التمر
والزبد»(241) فإنّه وإن لم يذكر
كذب الحلف فيهما، إلاّ أنّه المراد، فانّ السؤال عن
جواز الحلف صادقاً لدفع الضرر بعيد، خصوصاً بقرينة
الجواب بأنّه أحل من التمر والزبد، وفي رواية
السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي (ع)، قال
قال رسول اللّه (ص): «احلف باللّه كاذباً ونج أخاك من
القتل»(242) إلى غير ذلك.

ومقتضى اطلاق مثل هذه عدم الفرق في جواز
الحلف لدفع الضرر، بين التمكن من التورية وعدمه،
وفي مقابل ذلك رواية سماعة عن أبي عبداللّه (ع) قال:
«إذا حلف الرجل تقية لم يضره إذا هو أكره أو اضطر
إليه، وليس شيء ممّا حرم اللّه إلاّ وقد أحله لمن
اضطر إليه»(243) فإنّ مقتضى
مفهومها عدم جواز الكذب مع عدم الاضطرار والاكراه،
كان في البين دفع ضرر أو لا، والنسبة ـ بينهما وبين
الروايات المجوزة للكذب لدفع الضرر ـ العموم من
وجه، فانّه يشمل مفهوم هذه ما إذا لم يكن في الكذب
دفع الضرر، كما تشمل تلك الروايات ما إذا كان دفع
الضرر منحصراً بالكذب كما في فرض الغفلة عن
التورية، ويجتمعان فيما إذا لم ينحصر دفع الضرر
بالكذب كما في فرض التمكن من التورية، فانّ مقتضى
المفهوم عدم جوازه لعدم الاضطرار إليه، ومقتضى تلك
الروايات جوازه وبما انّ دلالة كل منهما بالاطلاق
فيسقط الاطلاق من الجانبين، ويرجع إلى اطلاق دليل
حرمة الكذب.

(لا يقال) لا وجه لسقوط الاطلاق منهما فيما
إذا كانت في البين قرينة على دخول مورد الاجتماع في
مدلول أحدهما، فانّ لزوم حمل الروايات المجوزة على
الصورة النادرة وهي عدم التمكن من التورية قرينة
على التحفظ باطلاقها، (فانّه يقال) لا يكون عدم
التمكن من التورية ولو باعتبار غفلة المتكلم عنها
نادراً. اللّهمّ إلاّ يقال: إنّ مفهوم رواية سماعة
اخص مطلق بالاضافة إلى الروايات المتقدمة، فانّ
قوله (ع) فيها (إذا حلف الرجل تقية) لا يعم غير موارد
دفع الضرر، فيكون تعليق جواز الكذب فيه على
الاضطرار بالقضية الشرطية ظاهراً في عدم جواز دفعه
به، مع عدم الاضطرار، ويقيد به اطلاق الروايات
السابقة، ولعله لذلك أمر المصنف «ره» بالتأمّل،
ولكن الأظهر عدم اعتبار العجز عن التورية في جواز
الكذب،

فانّ بعض روايات الحلف كاذباً قد وردت في
دفع الضرر المالي عن الغير، كما في صحيحة اسماعيل
المتقدمة، ومثل هذه لا تكون من مورد الاضطرار، لأنّ
دفع هذا الضرر عن الغير لا يكون واجباً ليتحقق
عنوان الاضطرار إليه. ومقتضى اطلاق الصحيحة جواز
هذا الحلف مع التمكن من التورية وعدمه، وبهذا يرفع
اليد عن اطلاق مفهوم رواية سماعة، فيقال: لا يجوز
الكذب من غير اضطرار إلاّ الكذب لدفع الضرر المالي
عن الغير، فانّه جائز مع التمكن من التورية وعدمه،
وإذا جاز الكذب لدفع الضرر المالي عن الغير مع
التمكن منها جاز لدفع الضرر عن نفسه أيضاً، لعدم
احتمال الفرق في الجواز وعدمه بين دفع الضرر عن
نفسه وغيره.

هذا مع أنّ رواية سماعة ضعيفة سنداً لا
يمكن الاعتقاد عليها. وذكر الايرواني «ره» في وجه
جواز الكذب لدفع الضرر مع التمكن من التورية وعدم
انّ الكذب عبارة عن التلفظ بالفاظ والقصد إلى معنى
منها لا يطابق الواقع والاكراه على الكل كما يكون
رافعاً لحرمة الكل كذلك الاكراه على الجزء يكون
رافعاً لحرمته التبعية، وبما أنّ الألفاظ المزبورة
جزء من
الكذب بل عمدته، وباعتباره الاكراه أو الاضطرار
إليها ترفع حرمتها التبعية فيجوز قصد المعنى منها
لأنّ مجرد قصد المعنى بدون التلفظ ليس بحرام،
والتلفظ في الفرض باعتبار ارتفاع حرمته كالعدم،
فيكون الفرض كما إذا كان في البين القصد المجرد.

ولكن لا يخفى ما فيه، فأنّ مجرد التلفظ
بالألفاظ لا يكون محرماً ولو تبعاً حتى ترتفع حرمته
بالاكراه أو الاضطرار، كما هو حال الجزء في سائر
الموضوعات المحرمة المركبة وإنّما يكون الجزء
حراماً ضمناً مع حصول الكل، فتكون الألفاظ محرمة في
خصوص فرض قصد معنى منها لا يطابق ذلك المعنى
الواقع، ومع التمكن من التورية يكون الاضطرار أو
الاكراه على الجامع بين الحلال والحرام، فيعود
الكلام السابق.

ثم انّ أكثر الأصحاب مع تقييدهم جواز
الكذب[1].

[1] هذا اشكال على أكثر الأصحاب المعتبرين
في جواز الكذب العجز عن التورية. وحاصله أنّهم
فرقوا بين الكذب في الحلف والخبر، وبين المعاملات
وسائر الأقوال المحرمة كالسب والتبري، حيث اعتبروا
العجز عن التورية في جواز الأول دون الثاني، فانّه
لا تصح المعاملات المكره عليها، ولا يكون السب أو
التبري محرماً مع الاكراه حتى مع التمكن من
التورية، فيقال عليهم بأنّ المكره بالفتح على
البيع مثلاً مكره على التلفظ لا على إرادته، فإذا
أراده مع تمكنه على التورية يكون البيع باختياره
ورضاه،

فاللازم الحكم بصحته ودافع عنهم المصنف
«ره» بأنّ المجوز للكذب في الحلف أو في الاخبار طرو
عنوان الاضطرار، وتحقق هذا العنوان موقوف على
العجز عن التورية، بخلاف المعاملات وسائر الأقوال،
فأنّ الطاري عليها عنوان الاكراه، ولا يعتبر في
تحققه العجز عنها، كما إذا أمره الجائر ببيع ماله
أو بالتبري عن دينه فباع أو تبرء للتخلص من وعيده،
يكون فعله مكرها عليه ومحكوماً في الأول بالفساد
وفي الثاني بالجواز.

(أقول) لازم ما ذكره «ره» الحكم بجواز شرب
الخمر فيما إذا أمر به الجائر مع تمكنه على التفصي
من شربها بالتورية، ولو بشرب مايع يوهم الجائر أنّه
خمر ولا احتمل الالتزام بذلك منه «ره» أو من غيره.
والصحيح عدم الفرق بين الاضطرار والاكراه في عدم
تحقق عنوانهما، مع إمكان التفصي بالتورية أو بسائر
المحللات، بلا فرق بين المعاملات وغيرها، وأنّه لا
يرتفع بمجرد الاكراه، الرضا المعتبر في المعاملات،
كما لا يرتفع ذلك الرضا في موارد الاضطرار، وأنّ
الوجه في صحة المعامله مع الاضطرار إليها والحكم
ببطلانها مع الاكراه عليها، هو أنّ الحكم بفسادها
في مورد الاضطرار خلاف الامتنان، فلا يشملها حديث
الرفع بخلاف مورد الاكراه، فأنّ الرفع فيه موافق له
فيعمها حديث الرفع،

وإذا أمره الجائر بالمعاملة
وأمكن التفصي عنها بالتورية أو بغيرها، ومع ذلك
أنشأ المعاملة بقصدها حكم بصحتها أخذاً باطلاق
دليل نفوذها، ولا يكون في البين حكومة لحديث الرفع،
وهذا بخلاف الحلف أو الاخبار كذباً، فانّه جائز في
مورد دفع الضرر حتى مع امكان التورية أو امكان
التفصي بغيرها، لما تقدم من دلالة الروايات الخاصة
على هذا الجواز، ويترتب على ذلك أنّه لو أراد
الذهاب إلى بلد يكون له طريقان، وعلم أنّه لو سلك
الطريق الفلاني يتعرض له الجائر، فلابدّ في التخلص
عن ضرره من الحلف كذباً دون ما إذا سلك الطريق
الآخر، فلا يتعرض له، فانّه يجوز سلوك الطريق الأول
والحلف له كذباً. وما في الكلام المصنف «ره» ـ من
اعتبار العجز عن التفصي بغير التورية في جواز الكذب
ـ لا يمكن المساعدة عليه.

ويستحبّ تحمّل الضرر المالي الذي لا
يجحف[1].

[1] يطلق الضرر على النقص في المال أو العرض
أو النفس، وعلى عدم النفع وظاهر الروايات المتقدمة
وحديث رفع الاكراه جواز الكذب في مورد الضرر
بالمعنى الأول دون الثاني، فانّه لا مقتضى لارتفاع
حرمة الكذب فيه. والضرر في كلام مولانا
أميرالمؤمنين (ع): (علامة الإيمان أن تؤثر الصدق حيث
يضرك على الكذب حيث ينفعك) بالمعنى الثاني بقرينة
مقابلته للنفع، مع أنّ الروايات المرخصة في دفع ضرر
الغير بالكذب أخص مطلق بالاضافة إلى هذا الكلام
الشامل لمطلق الضرر فيرفع اليد بها عن اطلاقه على
تقدير تماميته.

نعم يمكن الاستدلال على استحباب تحمل
الضرر المالي بما ورد في الحلف باللّه صادقاً من
استحباب تحمل الضرر والاغماض عن الحلف، وإذا كان
تحمله وترك الحلف الصادق مستحباً يكون تحمله
والاغماض عن الحلف الكاذب كذلك بالأُولوية، إلاّ
أن التعدي إلى مطلق الاخبار كذباً مشكل، لما يظهر
من بعض الروايات من كون ملاك الاستحباب اجلال اللّه
سبحانه بترك الحلف باسمه صادقاً أو كاذباً، وفي
رواية الكسوني عن أبي عبداللّه (ع) قال: «قال رسول
اللّه (ص): من أجل اللّه أن يحلف به أعطاه خيراً ممّا
ذهب منه»(244) ونحوها غيرها.

ثمّ إنّه لا يخفى أنّ جواز الكذب لدفع
الضرر مختص بما إذا كان الضرر من الظلم والتعدي
عليه، ولا يجوز لمطلق كالضرر في المعاملة، فإذا
توقف بيع ماله بلا خسارة على كذبه في رأس المال، فلا
يجوز الكذب، لأنّ جوازه إمّا لرفع الاضطرار أو
الاكراه، والمفروض انتفاؤهما، حيث إنّ الاضطرار
يتوقف على وجوب دفع الضرر المزبور، والضرر المالي
يجوز تحمله، وحديث لا ضرر لوروده مورد الامتنان لا
يعم المقام، بل يختص بما إذا كان في رفع التكليف
الضرري امتناناً، ولا امتنان في تجويز الكذب لمؤمن
الموجب لاغراء المؤمن الآخر، بل لا يجوز التورية في
مثل اخباره برأس المال باعتبار كونه غشا كما مرّ
سابقاً.

ثم انّ الأقوال الصادرة عن أئمّتنا[1].

[1] (أقول) لا بأس بالحمل على الاستحباب لو
كان الحمل عليه أخذاً بالظهور كما إذا أورد في
رواية اغتسل الجمعة، وعلمنا أنّ غسل الجمعة غير
واجب، ودار أمر الرواية بين الحمل على مثل التقية
أو الاستحباب، فتحمل على الاستحباب، وذكرنا في
الأُصول من أنّ خصوصية الاستحباب أو الوجوب غير
داخلة في مدلول الصيغة، بل مدلولها البعث نحو الفعل
وينتزع الوجوب من عدم ثبوت الترخيص في الترك، كما
ينتزع الاستحباب من ثبوت ذلك الترخيص. وإذا انضم
المستفاد من الصيغة أي البعث إلى الاغتسال إلى ما
هو معلوم من الخارج من جواز تركه ثبت الاستحباب.

وأمّا إذا لم يكن الحمل على الاستحباب
أخذاً بالظهور، كما إذا ورد في رواية انّ المذي
ناقض، ودار أمرها بين أن يراد بالناقض فيها ما هو
ظاهره من بطلان الوضوء بالمذي للتقية، وبين
استحباب الوضوء بعد خروجه، فلا يكون مجرد الأسب
بشأنهم قرينة عرفية على إرادة الاستحباب، ويترتّب
على ذلك أنّه لا يتيسر لنا الحكم باستحباب الوضوء
بعد خروج المذي بمجرد العلم بأنّ ظاهر الكلام
المزبور غير مطابق للحكم الواقعي، مع أنّه إذا جاز
الأخبار عن خلاف الواقع لرعاية التقية كما هو
الفرض، فلا تكون ارادة مثل الاستحباب اليق بحالهم
وما ورد في بعض الموارد لا يدلّ على الضابط لما يصدر
عنهم (ع) في جميع موارد التقية، ولا يبعد أن يكون
الأمر بالوضوء بعد خروج المذي من هذا القبيل، حيث
إنّ ظاهر ذلك الأمر الإرشاد إلى ناقضية المذي،
ومجرد العلم بعدم كونه ناقضاً لا يكون قرينة على
حمل ذلك الأمر على الاستحباب.

الثاني من مسوغات الكذب إرادة الإصلاح[1].

[1] يدلّ عليه غير واحد من الروايات (منها)
صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبداللّه (ع)، قال:
«المصلح ليس بكذاب»(245) ورواية
المحاربي عن جعفر بن محمد عن آبائه عن النبي (ص)،
قال: «ثلاثة يحسن فيهنّ الكذب، المكيدة من الحرب،
وعدتك زوجتك، والاصلاح بين النّاس»(246) إلى غير ذلك. ومقتضى اطلاقها عدم الفرق
بين التمكن من التورية وعدمه، فيكون هذا تخصيصاً
آخر في أدلة حرمة الكذب على قرار تخصيص الكذب لدفع
الضرر، وبعض الاخبار ـ ومنها رواية المحاربي ـ
متضمنة لجواز الكذب في الوعد للزوجة أو الأهل،
ولكنّها بحسب الظاهر ضعيفة سنداً، فلا يمكن
الاعتماد عليها في رفع اليد عن اطلاق دليل حرمة
الكذب، بل عن السيد الخوئي (طال بقاه) عدم دلالة تلك
الاخبار على جواز الكذب

في الوعد الذي يكون من قبيل
الاخبار، كالاخبار عن فعله الاستقبالي مع علمه
بتركه في ذلك الزمان، وإنّما مدلولها ترك الوفاء
بوعده الإنشائي يعني التعهد للعيال أو الزوجة
بالفعل، وهذا لا يتصف بالصدق أو الكذب ليكون
حراماً، ولا بأس بالتعهد وترك الوفاء به ما لم يكن
في ضمن المعاملة. نعم لو قيل بوجوب الوفاء بالعهد
الابتدائي يكون الوعد للزوجة أو العيال مستثنى.
وفيه أنّ عد الوعد للأهل في الرواية من افراد الكذب
قرينة على كون المراد به الوعد الاخباري، وحمل
الكذب فيها على البناء على عدم الوفاء بالوعد
الانشائي خلاف ظاهرها، خصوصاً بملاحظة أنّ جواز
الخلف في الوعد الإنشائي الإبتدائي لا يختص بالوعد
للزوجة أو الأهل كما تقدم.

الكهانة وحكمها

الكهانة حرام[1].

[1] يقع الكلام أولاً في حكم الكهافة وأخرى
في اخبار الكاهن عن الحوادث وثالثة في رجوع الغير
إلى الكاهن في الاطلاع على الحادثة. أمّا الكهانة
فهو الاعتقاد بالحوادث في الكون المستقبلة منها
والماضية بالقاء جن يكون تابعاً للكاهن أو اطلاع
الكاهن عليها من مقدمات يكون الاستدلال بها على تلك
الحوادث محتاجاً إلى فطنة النفس وزكائها كالانتقال
إليها من كلام السائل أو حاله أو فعله. وقد يطلق على
المطلع عليها من نحو هذه المقدمات اسم العراف، كما
يطلق على التابع من الجن اسم الرأي بفتح الراء، وقد
يكسر اتباعا للهمزة مأخوذ من الرأي أي النظر
والاعتقاد، فيقال فلأنّ رأي القوم أي صاحب رأيهم.

ولعله يظهر واقع الكهانة وحقيقتها من
رواية الطبرسي في الاحتجاج في جملة الأسئلة التي
سئلها الزنديق أبا عبداللّه (ع)، قال الزنديق: «فمن
أين أصل الكهانة؟ من أين يخبر الناس بما يحدث؟ قال
(ع): إنّ الكهانة كانت في الجاهلية في كل حين فترة من
الرسل، كان الكاهن بمنزلة الحاكم يحتكمون إليه
فيما يشتبه عليهم من الأُمور بينهم، فيخبرهم
بأشياء تحدث، وذلك من وجوه شتى فراسة العين، وذكاء
القلب، ووسوسة النفس، وفطنة الروح، مع قذف في قلبه،
لأنّ ما يحدث في الأرض من الحوادث الظاهرة فذلك
يعلم الشيطان ويؤديه

إلى الكاهن ويخبره بما يحدث في
المنازل والأطراف. وأمّا اخبار السماء، فانّ
الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع، إذ ذلك،
وهي لا تحجب ولا ترجم بالنجوم، وإنّما منعت من
استراق السمع لئلاّ يقع في الأرض سيب تشاكل الوحي
من خبر السماء، فيلبس على أهل الأرض ما جاءهم عن
اللّه تعالى لاثبات الحجة ونفي الشبهة، وكان
الشيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر السماء بما
يحدث اللّه في خلقه، فيختطفها، ثمّ يهبط بها إلى
الأرض، فيقذفها إلى الكاهن، فإذا قد زاد كلمات من
عنده، فيخلط الحق بالباطل،

فما أصاب الكاهن من خبر
ممّا كان يخبر به هو ما أداه إليه شيطانه ممّا سمعه،
وما أخطأ فيه فهو من الباطل ما زاد فيه، فمنذ منعت
الشياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة، واليوم
إنّما تؤدي الشياطين إلى كهانها اخبار الناس بما
يتحدثون، والشياطين تؤدي إلى الشياطين ما يحدث في
البعد من الحوادث من سارق سرق، ومن قاتل قتل، وهم
بمنزلة الناس صدوق وكذوب.

ذكر المصنف «ره» احتمالين في قوله مع قذف
في قلبه: (الأول) ـ كونه قيداً لفطنة الروح، فيكون
الحاصل أنّ المنشأ لخبر الكاهن عن الحوادث أمور
شتى، (منها) ما يرجع إلى نفسه فقط، كفراسة عينه
وذكاء قلبه ووسوسة نفسه، و(منها) ما يرجع إلى
المجموع من فطنة روحه وقذف الشيطان في قلبه، ويساعد
هذا الاحتمال ما عن النهاية من قوله وقد كان في
العرب كهنة، فمنهم من كان يزعم أنّ له تابعاً من
الجنّ يلقي إليه الاخبار، ومنهم ومن كان يزعم أنّه
يعرف الأُمور (الحوادث) بمقدمات وأسباب يستدلّ بها
(بالمقدمات) على مواقعها (على موارد الحوادث
ومواضعها) من كلام من سأله أو فعله أو حاله (بيان
للمقدمات) فانّ ظاهر هذا الكلام امكان كون المنشأ
في اخبار الكاهن الأمر الراجع إلى نفسه فقط.

(الاحتمال الثاني) كونه قيداً لجميع ما
ذكر فيكون الحاصل أنّ منشأ اخبار الكاهن هو المجموع
من الأمر الراجع إلى نفسه وقذف الشيطان، وجعل «ره»
قوله ـ فيما بعد (فإذا قد زاد كلمات من عنده فيخلط
الحق بالباطل) ـ قرينة على هذا الاحتمال، وكان هذا
باعتبار أنّ المستفاد من قوله (فإذا قد زاد) أنّ
الكاهن يزيد في خبره كلمات من عنده، فيكون الخطاء
فيه باعتبار هذا الخلط.

ولكن لا يخفى أنّ ظاهر قوله: (فإذا قد زاد)
ظاهره بيان وجه خطأ خبر الكاهن بالحوادث
المستقبلة، وأنّ الخطأ فيه باعتبار ما زاده الكاهن
من عنده، لا الكلمة التي القاها إليه شيطانه من خبر
السماء، ولا يرجع إلى بيان وجه خطائه في مطلق
اخباره حتى بالحوادث الماضية التي يمكن أن يكون
منشأ خبره بها فراسة عينه أو ذكاء قلبه، ويكون
اطلاق الكاهن عليه باعتبار أنّ الاخبار بتلك
الحوادث فقط مرتبة من الكهانة في مقابل الكهانة
الكامله المنتفية، بعد منع الشياطين عن استراق
السمع، لأنّ وقوع الخطأ في اخباره بهذه الحوادث
يمكن أن يكون لكذب الشياطين، فانّهم بمنزلة الناس
منهم صدوق وكذوب.

وكيف كان فقد يذكر في المقام عدم الخلاف
في حرمة الكهانة بمعنى تحصيل الاعتقاد أو الاطلاع
على الحوادث بما تقدم، كما لا خلاف في حرمة الاخبار
بها والرجوع فيها إلى الكاهن، وفي رواية أبي بصير
عن أبي عبداللّه (ع)، قال: «من تكهن أو تكهن له فقد
بري من دين محمد (ص)»(247) وفي
سندها علي بن أبي حمزة البطائني وهو ضعيف، ومع ذلك
لا دلالة لها على حرمة مجرد اخباره بالحوادث
احتمالاً أو ظنّاً، مع عدم عنوان آخر معه، كاتهام
مؤمن و نحوه وفي رواية ابن ادريس في مستطرفات
السرائر نقلاً عن كتاب المشيخة للحسن ابن محبوب عن
الهيثم، قال: «قلت لأبي عبداللّه (ع): إنّ عندنا
بالجزيرة رجلاً ربّما أخبر من يأتيه يسأله عن الشيء
يسرق أو شبه ذلك، فقال قال رسول اللّه (ع): من مشى إلى
ساحر أو كاهن أو كذاب يصدقه بما يقول فقد كفر بما
أنزل اللّه من كتاب» وذكر المصنف «ره» ظاهر هذه
الصحيحة حرمة الاخبار عن الغائبات بالجزم سواء كان
بالكهانة أو بغيرها لدلالتها على أنّ المخبر بها
ساحر أو كاهن أو كذاب والكل حرام.

وفيه أنّ الرواية ضعيفة لا صحيحة، فانّ
رواة كتاب الحسن بن محبوب لابن ادريس مجهولون لنا،
(ثانياً) إنّ ظاهرها حرمة تصديق قول الكاهن،
والتصديق في الأمارات الموهومة أو المعتبرة ظاهره
التصديق العملي أي ترتيب الأثر على قوله، كاتهام
شخص بالسرقة أو بالقتل ونحوهما. وأمّا نفس اخبار
الكاهن فلا دلالة للرواية على حكمه أصلاً.

والحاصل أنّه لا اعتبار باخبار الكاهن
ولا يثبت به كون فلان سارقاً أو كون شيء ملكاً
لفلان، أو غير ذلك ولا يجوز اتهام مؤمن به. وأمّا
غير ذلك كالاخبار بحادثة ماضياً أو مستقبلاً فإن
حصل الاعتماد بها جزماً أو ظناً فيصح الاخبار بها
جزماً تقدم، من غير فرق بين كون المنشأ للاعتقاد
الحدس أو الرمل أو الجفر أو غير ذلك. وما يظهر من
المصنف «ره» ـ من حرمة النظر والتأمّل لاستظهار
الحوادث في غير الرمل والجفر ـ كما ترى.

اللهو حرام[1].

[1] يظهر من جماعة حرمة اللهو مطلقا،
ويستدل على ذلك بوجوه: (الأول) ايجاب التمام على من
يكون سفره للصيد تنزهاً، وقد ذكر في بعض ما يدلّ
عليه من الروايات (إنّما خرج في لهو لا يقصر) ولكن
هذا الوجه غير تام، لعدم الملازمة بين وجوب التمام
وحرمة السفر. وقد تقدم الكلام في ذلك سابقاً، وقلنا
إنّه يظهر من بعض الاصحاب أنّ السفر للصيد تنزهاً
وبطراً من أفراد السفر للمعصية، ولكنّه غير صحيح.

(الوجه الثاني) رواية الاعمش الواردة في
الكبائر(248) فان من الوارد فيها
الملاهي التي تصد عن ذكر اللّه عزّ وجلّ كالغناء
وضرب الاوتار، وذكر الغناء مثالاً للملاهي قرينة
على أنّها جمع الملهي مصدر ميمي أو الملهي وصف من
باب الافعال، لا جمع الملهاة اسم الآلة فتكون ظاهرة
في حرمة اللهو، وحملها ـ على جمع اسم الآلة وتقييد
الغناء بكونه مقارناً باستعمال تلك الآلات حتى يصح
مثالاً للجمع من اسم الآلة بلا قرينة ـ غير ممكن.
نعم الرواية ضعيفة سنداً، فلا يمكن الاعتماد عليها.

(الوجه الثالث) رواية العيون(249) حيث عد فيها من الكبائر الاشتغال
بالملاهي وفيه أنّ ظاهر الملاهي بلا قرينة هو الجمع
من اسم الآلة، والاشتغال بها عبارة عن اللهو بها،
ولا شبهة في حرمة استعمال تلك الآلات. وإنّما
الكلام في المقام في حرمة مطلق اللهو، هذا مع أنّ في سند الرواية
ضعف كما تقدم سابقاً.

(الوجه الرابع) ما ورد في بعض روايات حرمة
القمار من قوله كل ما الهى عن ذكر اللّه فهو الميسر)
ولكن هذا العموم بظاهره لا يمكن الأخذ به، فان
لازمه حرمة الاشتغال بالافعال التي لا يكون
الانسان مع الاشتغال بها متذكراً للّه تعالى وحمله
على غير ظاهره يحتاج إلى قرينة معينة، وكذا لا
دلالة فيما ورد في أنّ لهو المؤمن من الباطل، فانّه
لا ظهور للباطل في الحرمة.

والمتحصل أنّه ليس في البين ما يمكن
الاعتماد عليه في تحريم مطلق اللهو نعم لا كلام في
حرمة اللهو باستعمال الآلات المعدة له من ضرب
الاوتار وغيرها. هذا بالاضافة إلى اللهو وأمّا
اللعب فقد تقدم أنّه أيضاً باطلاقه غير محرم، بل
المحرم اللعب بالآلات المعدة للقماء أو بغير تلك
الآلات. ولكن مع الرهن. ولا يبعدان يعم اللعب مثل
أفعال الاطفال الناشئة عن غير القوى الشهوية،
بخلاف اللهو، فانّه يختص بالافعال التي يكون
الداعي إليها تلك القوى، ولذا ذكر سبحانه في قوله
«انّما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم
وتكاثر في الأموال» اللعب أولاً واللهو ثانياً
والزينة والتفاخر بالأموال والأولاد ثالثاً،
ونظير اللهو اللغو، بل لا يبعد ترادفها، وأنّه لا
حرمة فيه حتى يندرج في أحد العناوين المحرمة
كالغناء والقمار ونحوهما كما لا يخفى.

حكم المدح لغير مستحقه

مدح من لا يستحقّ المدح[1].

[1] ذكر العلامة في المكاسب المحرمة مدح من
لا يستحق المدح، وذكر المصنف «ره» في وجه حرمته حكم
العقل بقبح المستكشف منه حرمته شرعاً بقاعدة
الملازمة.

(أقول) لم يحرز حكم العقل بالقبح على مجرد
المدح، كما لا دلالة على حرمته في آية النهي عن
الركون إلى الظالم، لأنّ مجرد المدح ليس من الركون
إليه، وإن كان يظهر ذلك من صاحب الوسائل «ره»، حيث
أورد في باب حرمة مدح الظالم ما يكون متضمناً
للآية، بل لو كان مجرد المدح ركوناً لكان محرماً
ولو كان الجائر مستحقّاً له ببعض أعماله، وأما
النبوي «من عظم صاحب الدنيا وأحبه طمعاً في دنياه
سخط اللّه عليه وكان في درجته مع قارون في التابوت
الأسفل من النار»(250) فضعيف
سنداً وباطل مضمونا لجواز تعظيم المزبور وعدم كونه
موجباً لعقاب فضلاً عن العقاب الوارد فيه. وامّا
النبوي الآخر «من مدح سلطاناً جائراً وتخفف أو
تضعضع له طمعاً فيه كان قرينة في النار»(251) فمدلوله حرمة التواضع والتخاذل
للسلطان الجائر طمعأ فيه وأن كان مستحقاً للمدح
ببعض اعماله وعلل حرمته باعتبار كون التواضع له
ترويجاً له وتشييداً لسلطانه.

وكيف كان فلو انطبق على مدح من لا يستحق
مدحاً عنوان محرم كعنوان الكذب، كما إذا سردله
اشعاراً تتضمن مدايح على خلاف الواقع كان محرما
وأخذ المال بها اكلا له بالباطل، وكذا فيما انطبق
عليه عنوان ترويج الباطل ونحوه كما لا يخفى.

في حرمة معونة الظالم

ومعونة الظالمين على ظلمهم حرام[1].

[1] ذكر «ره» في المقام أموراً ثلاثة:
(الأول) اعانة الظالم على ظلمه (الثاني) كون الشخص من
اعوان الظلمة، وكل منهما محكوم بالحرمة، بل قيل إنّ
اعانة الظالم على ظلمه من الكبائر، كما هو ظاهر
رواية ورام بن أبي فراس، قال «قال (ع): من مشى إلى
ظالم ليعينه وهو يعلم أنّه ظالم، فقد خرج عن
الإسلام»(252) ولكن ضعفها
بالارسال، وعدم دلالتها على خصوص الاعانة على
الظلم، وشمولها لاعانة الظالم ـ ولو على فعله
المباح ـ مانع على الاعتماد عليها نعم ورد كونها
كبيرة في روايتي الاعمش والفضل بن شاذان الواردتين
تعداد الكبائر(253) وفيهما أيضاً
ضعف كما تقدم، ولكن حرمتها مسلمة وتدلّ عليها
الروايات الكثيرة.

(منها) صحيحة عبداللّه بن سنان، قال: «سمعت
أبا عبداللّه (ع) يقول: من أعان ظالماً على مظلوم
لميزل اللّه عليه ساخطاً حتى ينزع من معونة»(254) وقريب منها غيرها. وما ذكرناه
ـ في مسألة بيع العنب ممّن يعلم أنّه يصنعه خمراً من
عدم الحرمة لمجرد اعانة الغير على الحرام الصادر
منه، بل المحرم هو التعاون على الحرام، بأن يجتمع
اثنان أو أكثر على ايجاد الحرام بان، يصدر ذلك
الحرام عن مجموعهم، بخلاف الاعانة التي لا يقصد
المعين إلاّ عمله الذي يمكن للغير التوصل به إلى
الحرام.

وبعبارة أخرى الحرام يصدر عن ذلك الغير،
والصادر عن المعين مقدمة من مقدمات ذلك العمل ـ لا
يجري في اعانة الغير على ظلمه، فانّ الاعانة هذه
بنفسها محرمة كمن وضع سوطاً بين يدي ظالم يريد ضرب
الآخر، وفي النبوي «ومن علق سوطاً بين يدي سلطان
جائر جعلهه اللّه حية طولها سبعون الف ذراع فيسلطه
اللّه عليه في نار جهنّم خالداً فيها مخلداً»(255) وكذا لا ينبغي الريب في حرمة
كون الشخص من أعوان الظلمة على تفصيل يأتي في بحث
الولاية من قبل الجائر.

(الأمر الثالث) اعانة الظالم على فعله
المباح وقد يظهر من بعض الاخيار حرمتها، كرواية
يونس بن يعقوب، قال: «قال لي أبو عبداللّه (ع) لا
تعنهم على بناء مسجد»(256) وفي
معتبرة ابن أبي يعفور عن أبي عبداللّه (ع) قال: «إذ
دخل عليه رجل فقال: جعلت فداك إنّه ربما أصاب الرجل
منا الضيق أو الشدة، فيدعى إلى البناء يبنيه أو
النهر يكريه أو المسناة يصلحها فما تقول في ذلك؟
قال: ما أحب انّي عقدت لهم عقدة أو وكيت لهم وكاءاً
وأن لي ما بين لابيتها ولا مدة بقلم، إن اعوان
الظلمة يوم القيمة في سرادق من نار حتى يحكم اللّه
بين العباد»(257)

ووجه اعتبارها
سنداً أن بشيراً من مشايخ ابن أبي عمير، فيعمه
التوثيق العام المذكور في عدة الشيخ «ره» والمسناة
ما يبنى على وجه السيل ويقال له السد، والوكاء ما
يشد به رأس القربة، فقوله ووكيت لهم وكاء، أي أشد
لهم رباط القربة والواو ـ في قوله: (وان لي ما بين
لابتيها) ـ حالية بمعنى أنّي لا أحب ما ذكر وإن كان
لي في مقابله ما بين لابتي المدينة، واللابتين
تثنية اللابة، وهي أرض ذات أحجار سود، وكأنّ المراد بهما الجبلان في
ناحيتي المدينة. وقوله: (ولا مدة بقلم) أي لا أحب أخذ
المداد بالقلم لهم مرة، والسرادق الخيمة.

والحاصل أنّ المذكور في الرواية من قبيل
إعانة الظالم على الفعل المباح أو على ما يعمه. وفي
معتبرة السكوني عن جعفر بن محمد بن آبائه، قال: «قال
رسول اللّه (ص): إذا كان يوم القيمته فنادى مناد أين
أعوان الظلمة، ومن لاق لهم دواتاً، أو ربط كيساً،
أو مد لهم مدة قلم؟ فاحشروهم معهم»(258).

ورواية محمد بن عذافر عن أبيه قال: «قال
أبو عبداللّه (ع): يا عذافر نبئت أنّك تعامل أبا أيوب
والربيع، فما حالك إذا نودي بك في أعوان الظلمة؟
قال: فوجم أبي، فقال أبو عبداللّه (ع) ـ لما رأى ما
أصابه ـ: أي عذافر إنّما خوفتك بما خوفني اللّه عزّ
وجل، قال محمد فقدم أبي، فما زال مغموماً مكروباً
حتى مات».

ورواية صفوان بن مهران الجمال، ولا يبعد
كونها موثقة، قال: «دخلت على أبي الحسن الأول (ع)،
فقال لي: يا صفوان كل شيء منك حسن جميل ماخلا شيئاً
واحداً، قلت جعلت فداك أي شيء؟ قال: اكراؤك جمالك من
هذا الرجل، يعني هارون، فقال: واللّه ما اكريته
أشرا ولا بطراً ولا للصيد ولا للهو، ولكنّي اكريته
لهذا الطريق، أي طريق مكة، ولا أتولاه بنفسي، ولكن
أبعث معه غلماني، فقال لي: يا صفوان أيقع كرأوك
عليهم؟ قلت: نعم جعلت فداك، قال فقال لي: أتحب
بقاءهم حتى يخرج كراؤك؟ قلت: نعم، قال من أحب بقاءهم
فهو منهم، ومن كان منهم ورد النار“».

ولكن ظاهر هذه جواز المعاملة وإعانتهم
على الفعل المباح، وذلك فانّه لو كانت معامة الجائر
حراماً، لم يكن وجه لقوله (ع) أيقع كراؤك عليهم
وأتحب بقاءهم حتى يخرج كراؤك، بل كان المتعين أن
يقول (ع): إنّ الاكراء منهم حرام حتى فيما إذا لم يكن
للهو والبطر، وعدوله (ع) ـ عن ذلك إلى ما في الرواية
ـ قرينة واضحة على أنّ وجه النهي عن المعاملة هو حب
الشخص بقاءهم. ومن الظاهر أنّ هذا النحو من الحب ـ
الذي هو في الحقيقة حب لاستيفاء حقه منه ـ لا يكون
محرماً، خصوصاً فيما إذا علم أنّه على تقدير ذهاب
هذا الظالم يخلفه ظاهر آخر مثله أو أخبث منه وكيف
كان فالمستفاد من الرواية كون التجنب عن الجائر
اولى.

(لا يقال) ينافيه قوله (ع): «ومن أحب بقاءهم
فهو منهم، ومن كان منهم فقد ورد النار» حيث إنّ
مقتضاه كون هذا القسم من الحب أيضاً محرماً (فانّه
يقال) ذكر ذلك في الرواية باعتبار إمكان كون الحب
المفروض فيها منشاءاً للحب الذي يسلك الشخص به في
عداد الجائرين، فيدخل النار. ومثل ذلك ما في معتبرة
ابن أبي يعفور، حيث إنّ التعبير فيها بقوله (ع): «ما
احب» لا دلالة فيه على الحرمة، وما فى ذيلها ـ من
أنّ أعوان الظلمة يوم القيمة في سرادق من النار ـ لا
يصلح أن يكون قرينة على الحرمة،

لأنّ الشخص لا يدخل
بالمفروض في الرواية في عنوان اعوان الظلمة، فيكون
ذكره باعتبار أنّه ربّما يترتب ـ على التقرب إلى
أبوابهم بمثل ما ذكر من الأعمال ـ الدخول في ذلك
العنوان الموجب لاستحقاق النار. وما في معتبرة
السكوني: «إذا كان يوم القيمة نادى مناد أين اعوان
الظلمة ومن لاق لهم دواتأ أو ربط كيساً» محمول
بقرينة رواية صفوان وغيرها على كون ربط الكيس ونحوه
من إعانتهم على الظلم، كما إذا كان ما في الكيس من
أموال الجور: ويحمل مثل رواية يونس بن يعقوب الوارد
فيها النهي عن اعانتهم على بناء المسجد على صورة
ترويج أمرهم وتشييد سلطانهم، فلا يمكن التعدي إلى
مثل بيع الطعام منه لسد جوعه وجوع عياله، فان جواز
مثل هذه المعاملة والاعانة لعله من الضروريات.

النَّجْش بالنون المفتوحة[1].

[1] النجش ـ بفتح النون وسكون الجيم أو
فتحها أيضاً ـ هي الزيادة في ثمن المتاع ممّن لا
يريد شراءه لغرض ايهام السامع المريد لشرائه حتى
يزيد بزيادته، كان ذلك بالمواطاة مع البايع أو
بدونها. وذكر المصنف «ره» أنّ حرمته مقتضى حكم
العقل والنقل، فانّه قد ورد النهي عنه بقوله (ص):
«ولا تناجشوا» كما ورد اللعن في النبوي الآخر على
الناجس والمنجوش له. واستقلال العقل بقبحه باعتبار
كونه غشا وتلبيساً واضراراً. فتتم حرمته بالملازمة.

وفيه أنّه لا دليل على حرمة مجرد التلبيس
ما لم يكن غشا في المعاملة أو كذباً. وأمّا الاضرار
فلا يكون إلاّ بشراء المشتري لا بفعل الناجش. نعم
فعله يوجب غفلة المشتري عن قيمة المبيع، فيوقع نفسه
في الضرر بشرائه، فيكون فعله غشاً، وتختص حرمته بما
إذا كان المشتري مسلماً. وبذلك يظهر أنّه لا مجال
لدعوى الاجماع، فانّه على تقديره يمكن أن يكون
مدركه ما دلّ على حرمة الغش، لا النبوي، كي يدعي
أنّه جابر لضعفه، هذا مع أنّ النبوي مختص بصورة
المواطاة بقرينة اللعن فيه على المنجوش له، حيث
إنّه لا موجب له إلاّ مواطاته مع الناجش.

ثمّ إنّ حرمة النجش حتى في صورة المواطاة
لا توجب بطلان المعاملة، لعدم اقتضاء النهي عن
المعاملة تكليفاً فسادها، وكذا الحال في مدح
السلعة كذباً أو لا يقاع الغير في الضرر من جهة
الغش، فان هذا وإن كان محرماً، الا أنّه لا يوجب
بطلان المعاملة وأمّا إذا كان المدح صدقاً فلا وجه
لحرمته، خصوصاً فيما إذا لم تكن في البين مواطاة،
بل لو اغمض عن سند النبوي، فشمول معنى النجش لذلك
غير محرز كما لا يخفى.

النميمة وحرمتها

النميمة محرّمة بالأدلّة الأربعة[1].

[1] ذكر «ره» أنّ النميمة من الكبائر، كما
هو مقتضى ورود اللعن والوعيد عليه بالعذاب في
الكتاب المجيد، قال عزّ من قائل: «ويقطعون ما أمر
اللّه به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم
اللعنة ولهم سوء الدار»(259).
والنمام قاطع لما أمر اللّه به أن يوصل من تأليف
قلوب المؤمنين وبسط المحبة فيما بينهم. وفيه أنّ
ظاهر أمر اللّه بصلته وجوبها. ومن الظاهر عدم وجوب
الصلة مطلقا، فلا دلالة للآية على حرمة النميمة في
غير مورد الصلة الواجبة.

وبعبارة أخرى غاية ما يستفاد من الآية
حرمة النميمة بين شخصين أو أشخاص يكون كل منهما أو
منهم مكلفاً بالصلة مع الآخر أو الآخرين، بل يمكن
أن يقال: ظاهر الآية حرمة قطع الصلة بأن يترك الصلة
مع ذي رحمه، ولا نظر لها إلى النميمة أصلاً، كما أنّ
مجرد النميمة لا تكون فساداً في الأرض،

كما إذا
أوقع الخلاف بين المتحابين من غير أن يترتب على
التفرقة بينهما فساد آخر، فان هذا الايقاع نميمة،
ولكن لا يصدق عليه أنّه فساد في الارض، وكذا الحال
في الآية الثانية، فان ظاهرها ـ بملاحظة صدرها ـ
ايقاع الفتنة بين المؤمنين وتفريق صفوفهم في مقاب
الكفار، فان هذا أكبر من قتل المؤمن. ولا يترتب ذلك
على كل نميمة حتى تقتضي حرمتها مطلقا، قال عزّ من
قائل: «يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال
فيه كبير وصد عن سبيل اللّه وكفر به والمسجد الحرام
واخراج أهله منه أكبر عند اللّه والفتنة أكبر من
القتل»(260).

وبتعبير ثالث لا يكون مطلق ايقاع الخلاف
بين اثنين أكبر من قتل المؤمن والتعبير بأنّها أكبر
من القتل قرينة واضحة على أنّ المراد بها الفتنة
الخاصة، وهي ايقاع الخلاف والتشتت في صفوف
المسلمين، بداعي تضعيفهم في مقابل الكفار.

ويستدل أيضاً على حرمتها بقوله سبحانه:
«هما زمشاء بنميم»(261) وعن
السيد الخوئي طال بقاه أنّ مدلولها حرمة المبالغة
ولا بدونها، بل هي واردة في بيان حكم آخر، وهو عدم
جواز الاتباع والطاعة للحلاف الهماز المشاء بنميم
مناع للخير معتد أثيم.

نعم لا ينبغي الريب في حرمتها مطلقا ويكفي
في اثباتها الروايات: كصحيحة علي بن جعفر عن أبي
الحسن (ع)، قال: «حرمت الجنة على ثلاثة مدمن خمر،
والنمام، والديوث وهو الفاجر»(262)
وصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع)، قال: «الجنة
محرمة على القتاتين المشائين بالنميمة»(263).

وقيل إنّ حد النميمة[1].

[1] لا عبرة في صدق النميمة بكراهة الكشف،
بل المعيار في صدقه نقل ما يكون وقيعة بين المنقول
عنه والمنقول إليه.

/ 12