الرشوة حرام - إرشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

إرشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب - نسخه متنی

میرزاجواد تبریزی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الرشوة حرام

الرشوة حرام[1].

[1] وعليه إجماع المسلمين كما في جامع
المقاصد والمسالك ويدلّ عليه قوله عزّ من قائل:
«ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى
الحكّام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم
وأنتم تعلمون»(131) وظاهرها عدم
جواز إعطاء المال للحكّام لغاية أكل أموال الناس،
مع العلم بالحال، سواء كان الأكل المزبور غرضاً
أوّلياً، أو كان غاية الغاية، بأن كان الإعطاء لجلب
ميل الحاكم وحبّه إليه حتّى يحكم له ويتعدّى إلى ما
إذا كان الحكم له شرطاً في الإعطاء، أو كان المال
عوضاً عن ذلك الحكم بالفحوى. نعم لا دلالة فيها على
ما إذا كان الإعطاء لغاية الحكم بما هو الواقع، وما
هو على قوانين القضاء، بأن لا يميل نفس القاضي إلى
خصمه ويذهب بحقّه.

وفي المستفيضة[1].

[1] كموثقة سماعة عن أبي عبداللّه (ع) قال:
«الرشا في الحكم هو الكفر باللّه»(132)، وكصحيحة عمّار بن مروان قال: «سألت
أباجعفر (ع) ـ إلى أن قال (ع) ـ: فأمّا الرشا في الحكم،
فإنّ ذلك هو الكفر باللّه»(133)،
وفي صحيحة الأُخرى عن أبي عبداللّه (ع) «كلّ شيء غل
من الإمام فهو سحت، والسحت أنواع كثيرة: منها ما
أُصيب من أعمال الولاة الظلمة، ومنها أُجور القضاة
وأُجور الفواجر وثمن الخمر والنبيذ المسكر والربا
بعد البيّنة. وأمّا الرشا في الأحكام يا عمّار فهو
الكفر باللّه العظيم»(134) وقوله
«كل شيء غل من الإمام» أي أُخذ منه خيانة، وظاهر
التعبير بالكفر هي الحرمة تكليفاً، ويستفاد الوضع
من عدّ الرشوة من السحت.

وفي رواية الأصبغ بن نباتة[2].

[2] ضعيفة سنداً، والغلول بمعنى السرقة.
والخيانة والرشوة المذكورة فيها لا تناسب الرشا في
الحكم، حيث أنّ القضاء لا يكون من شأن الوالي، كما
لا يخفى.

وعن الخصال في الصحيح[3].

[3] هذه هي الصحيحة المتقدّمة عن أبي
عبداللّه (ع)، ومدلولها عدم جواز أخذ الأجر على
القضاء، سواء كان معطيه أحد المتخاصمين أو غيره ممن
يهمّه قضاؤه، كأخذ الأُجرة من الوالي، وكذا عدم
جواز أخذ الرشا بلا فرق بين كونه للحكم له باطلاً أو
للحكم بما هو الواقع أو للحكم له باطلاً كان أو
حقاً، وسواء كان ذلك غرضاً وداعياً إلى الإعطاء أو
شرطاً فيه.

وهذا المعنى هو ظاهر تفسير الرشوة[4].

[4] الاحتمالات في معنى الرشوة أربعة:

الأوّل: ما يعمّ مقابل الحكم الصحيح، سواء
جعل عوضاً عن نفس الحكم أو عن مقدّماته كالنظر في
أمر المترافعين وهو ظاهر القاموس ويساعده ظاهر
كلام المحقّق الثاني وصريح الحلّي، حيث ذكر أنّه لا
يجوز للقاضي أخذ الرشا مطلقاً، أي سواءً كان عوضاً
عن حكمه الصحيح أم لا. نعم لا يحرم على المعطى فيما
إذا كان عوضاً عن الحكم الصحيح، ويحرم في غيره.

الثاني: ما يعطى للقاضي للحكم له في
الواقع بالباطل، وبقضاء الجور، كما هو ظاهر مجمع
البحرين.

الثالث: إعطاء المال لغاية الوصول إلى
غرضه من الحكم له أو أمر آخر يفعله الغير له، كما عن
المصباح والنهاية.

الرابع: إعطاء المال للقاضي للحكم له
حقّاً أو باطلاً. وأمّا الاحتمال الأوّل فالظاهر
أنّ عوض الحكم وتعيين الأجر له لا يكون من الرشوة
فيما إذا كان ذلك الحكم هو الحكم على موازين باب
القضاء، ولذا جعل الرشوة في الحكم في صحيحة عمّار
ابن مروان مقابل أجر القضاة.

بعبارة أُخرى: لا يجوز للقاضي أخذ الجعل
والأُجرة على حكمه الصحيح أو على ما هو من
مقدّماته، كالنظر في أمر المترافعين إمّا مطلقاً،
كما هو الصحيح وعليه المشهور، بل في جامع المقاصد
دعوى الإجماع عليه، وهو مقتضى كون أجر القضاة
سحتاً، وإمّا مع تعيّن القضاء عليه كما هو ظاهر
المصنّف «ره» وجمع آخر، ولكن عدّ الرشا في الحكم في
مقابل أجر القاضي مقتضاه عدم شمول الرشا له، فلا
يجري عليه سائر أحكام الرشا، ككون إعطائه حراماً
تكليفاً، بل يكفي في عدم جريانها فيه الشكّ في كونه
داخلاً في معنى الرشا كما لا يخفى. وكذا لا يمكن
المساعدة على الاحتمال الثاني، فإنّه لا ينحصر به
الرشوة، بل يعمّ معناها ما إذا كان الغرض من
الإعطاء هو الحكم له، سواءً كان حقّاً أم باطلاً.
وأمّا إعطاء المال في غير موارد القضاء ففي كونه
رشوة حكماً أو موضوعاً فسيأتي التعرّض له. والصحيح
في معناها هو الاحتمال الرابع، وهو إعطاء المال
للحكم له مطلقاً حقّاً أو باطلاً.

أخذ الأجرة على القضاء

ثمّ انّ المعدود من السحت ـ في صحيحة
الخصال وهو أجر القضاة بظاهره ـ يعمّ ما إذا كان
العوض لنفس الحكم أو على مقدّماته. والالتزام ـ
بأنّ المحرّم هو العوض لنفس الحكم ـ لا وجه له،
فإنّه فرق بين كون السحت هو الأجر على القضاء أو أجر
القضاة، فالمناسب للالتزام المزبور هو الأوّل.
والمذكور في الصحيحة هو الثاني الشامل له وللآخر
على ما هو شؤون القضاء، كالنظر في أمر المترافعين
أو غيره من مقدّماته. نعم في البين رواية يوسف بن
جابر قال: «قال أبو جعفر (ع): لعن رسول اللّه (ص) من نظر إلى
فرج امرأة لا تحلّ له، ورجلاً خان أخاه في امرأته،
ورجلاً احتاج الناس إليه لتفقّهه فسألهم الرشوة»(135).

وربما يستظهر منها حرمة أخذ الأُجرة في
خصوص صورة تعيّن القضاء، حيث أنّ حمل الاحتياج فيها
على الحاجة إلى نوعه خلاف ظاهرها، بل ظاهرها
الاحتياج إلى الشخص، ولكن لا يخفى ما في الاستظهار،
لأنّ صدق الحاجة في مورد يكون الرجوع فيه إلى الشخص
من التخيير في الرجوع بين المجتهدين ظاهر، بل على
تقدير تسليم الظهور فلا تصلح ـ لضعف سندها ـ لرفع
اليد بها عن إطلاق الصحيحة المعدود فيها أجر القضاة
من السحت كما مرّ. نعم حملها على سؤال الرشا للحكم
للراشي حقّاً كان أو باطلاً خلاف ظاهرها. وظاهرها
سؤال الأجر على فقهه وقضائه وإطلاق الرشوة عليه
للتأكيد في حرمته.

وربّما يستدلّ على عدم جواز أخذ الأُجرة
على القضاء بصحيحة عبداللّه بن سنان قال: «سُئل أبو
عبداللّه (ع) عن قاض بين قريتين يأخذ من السلطان على
القضاء الرزق، فقال: ذلك السحت»(136)،
وأورد عليه المصنّف «ره» بأنّ الرواية غير ناظرة
إلى أخذ العوض والأجر، بل ظاهرها ارتزاق القاضي من
السلطان، فلابدّ من حملها على صورة عدم كونه أهلاً
للقضاء بقرينة كونه منصوباً من قبل السلطان
الجائر، وإلا فلا مناص من ارتزاق القاضي من بيت مال
المسلمين، سواء أخذه من السلطان العادل أو الجائر،
وفيه أنّ ذكر قيد على القضاء في الرواية قرينة على
كون المراد بالرزق هو الأجر على الحكم، وإلا كان
ذكر القيد لغواً، ولا حاجة أيضاً إلى حمل كونه من
غير بيت المال كما ذكر المصنّف «ره» في آخر كلامه.

خلافاً لظاهر المقنعة[1].

[1] ثمّ إنّ في أخذ الأجر على القضاء بالحقّ
قولين آخرين:

أحدهما: الجواز مطلقاً، كما هو ظاهر
المقنعة والمحكي عن القاضي، باعتبار أنّ القضاء
عمل محترم، فيصحّ أخذ المال عليه، كما هو مقتضى مثل
قوله سبحانه «أوفوا بالعقود»(137)
المعبّر عنه بالأصل ورواية حمزة بن حمران قال:
«سمعت أبا عبداللّه (ع) يقول: من استأكل بعلمه
افتقر، قلت: إنّ في شيعتك قوماً يتحملون علومكم
ويبثونها في شيعتكم، فلا يعدمون منهم البرّ والصلة
والإكرام، فقال: ليس أُولئك بمستأكلين، إنّما ذاك
الذي يفتي بغير علم ولا هدى ليبطل به الحقوق طمعاً
في الدنيا»(138)،

ولكنّها لضعف
سندها لا يمكن الاعتماد عليها، بل لا دلالة فيها
على جواز أخذ الأجر على القضاء بالحقّ والإفتاء به،
وغاية مدلولها حصر المستأكل بعلمه في من يفتي بغير
علم ويبطل حقوق الآخرين لغاية وصوله إلى مال الدنيا
وحطامها، فلا يكون من يفتي بعلم ولا يبطل حقوق
الآخرين مستأكلاً بعلمه بالصلة وبالبر والإكرام
لهم، وأمّا أخذهم الأجر على قضائهم وإفتائهم جائز
أم لا، فلا دلالة لها على ذلك وعلى تقدير الاطلاق في
جواز الاستيكال فتقيّد بمثل صحيحة عمّار بن مروان
المتقدّمة، وأمّا العمومات الدالّة على نفوذ العقد
أو صحّته فلا يمكن الأخذ بها في مقابل الخصوصات
الواردة في المقام، فلاحظ.

للغاية أو للعاقبة[1].

[1] بطلان الحقّ وذهابه على صاحبه يترتب
على القضاء بغير علم ولا هدى، ويكون البطلان غاية
له، كما أنّه يترتب على إعداد الشخص نفسه للقضاء
بغير علم بطور العاقبة، حيث أنّ عقابة هذا الإعداد
ذهاب الحقوق من أربابها، فاللام في قوله «ليبطل به
الحقوق» إمّا للغاية كما إذا كان متعلّقاً بقوله
يفتي المراد به الافتاء فعلاً، أو للعاقبة كما إذا
كان متعلّقاً به بمعنى إعداد نفسه للإفتاء، وعلى
الأوّل تكون الرواية دالّة على حرمة الإفتاء بغير
علم وأخذ المال عليه، وعلى الثاني تدلّ على حرمة
إعداد نفسه للإفتاء، بداعي أخذ المال مع عدم عرفانه
الحقّ وموازين الإفتاء والقضاء.

وفصل في المختلف[2].

[2] وهذا ثاني القولين الآخرين، وحاصله عدم
جواز أخذ الأُجرة على القضاء مع تعيّنه أو عدم
فقره، وجواز أخذها مع حاجة القاضي وعدم تعيّن
القضاء عليه، أمّا عدم جواز أخذها مع تعيّن القضاء
عليه فباعتبار عدم جواز أخذ الأُجرة على الواجبات،
وأمّا اعتبار فقره فيستظهر من روايتي يوسف وعمّار،
ولعلّ وجه الاستظهار أنّ المذكور في رواية عمّار
أجر القضاة، ومن الظاهر أنّ القضاة في ذلك الزمان
كانوا من المرتزقة من بيت مال المسلمين ومنصوبين من
قبل من كان يدّعي أنّ له ولاية على المسلمين، ولم
يكن لهم حاجة إلى أخذ المال من المترافعين كما أنّ
المذكور في رواية يوسف من يكون مرجعاً للناس في
فقهه، ويبعد فرض الحاجة في مثله.

ولكن لا يخفى ما فيه، فإنّ الحكم الوارد
في الصحيحة لا يختصّ بالقضاة المنصوبين في ذلك
الزمان ليقال بعدم الحاجة لهم وحاجة الناس إلى شخص
لفقهه لا تلازم غناه، خصوصاً فيما إذا كان الناس
المراجعون إليه جماعة من الفقراء.

فتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ الأظهر بحسب
الروايات عدم جواز أخذ الجعل والأجر على القضاء أو
ما هو من شؤونه بلا فرق بين حاجة القاضي وعدمها
وتعيّن القضاء عليه وعدمه، ويتعدّى إلى أخذ الجعل
والأجر على الإفتاء وبيان الأحكام الشرعية الكلّية
باعتبار عدم احتمال الفرق بينهما في ذلك.

وأمّا الهداية[1].

[1] قد ذكرنا دلالة الآية المباركة على عدم
جواز إعطاء المال للحكّام والقضاة لغاية أكل أموال
الناس، بلا فرق بين أنيكون هذا الأكل غرضاً أوّلياً
أو كان الغرض الأوّلي جلب مودّة الحاكم ومحبّته
إليه حتّى يحكم له، وكما أنّ الإعطاء على المعطى
والأخذ على الحاكم في الأول حرام وسحت، كذلك في
الفرض الثاني،

حيث أنّ النهي ـ عن إيصال المال إلى
الحاكم وسيلة إلى أكل أموال الناس في الآية
المباركة ـ يناسب التحريم فيهما، كما أنّ الروايات
ـ الدالّة على كون الرشا كفراً باللّه وعلى عدم
صيرورة الرشوة ملكاً للحاكم كما هو ظاهر السحت ـ
تعمّهما، وعلى ذلك فالهدية أي ما يهبه الشخص للقاضي
لغاية جلب مودّة القاضي إليه حتّى توجب الحكم له
حقّاً أو باطلاً داخلة في عنوان الرشوة، فلا يجوز
للمعطي الإعطاء ولا للقاضي أخذها، ولو نوقش في شمول
معناها لها، فلا ريب في أنّها لاحقة بها حكماً من
حيث الإعطاء وعدم صيروتها ملكاً للقاضي، باعتبار
عدم احتمال الفرق بينهما في هذه الجهة. وأمّا ما
استشهد به المصنّف «ره» من الروايات فهي لا ترتبط
بالهدية المعطاة للقاضي، كما لا يخفى.

وهل يحرم الرشوة في غير الحكم[2].

[2] المال المعطى للغير كالإعطاء لإصلاح
أمره عند الأمير أو قضاء حاجة له عنده له صور ثلاث:

الأُولى: إعطاؤه للأمر المحرّم.

الثانية: إعطاؤه لإصلاح أمره حلالاً أو
حراماً.

الثالثة: لإصلاح أمره حلالاً. وذكر
المصنّف «ره» أنّ المال في الصورتين الأولتين لا
يصير ملكاً للأخذ، لكونه من أكله بالباطل، ولكن ليس
فساده فيهما لأجل الرشا حتّى يحرم الإعطاء والأخذ
تكليفاً أيضاً، لأنّه ليس في البين ما يدلّ على
حرمة الرشا مطلقاً إلا بعض ما ينصرف إلى الرشا في الأحكام.
وأمّا الصورة الثالثة فلا بأس بها وضعاً وتكليفاً
كما هو مقتضى مثل أوفوا بالعقود.

ويدلّ عليه أيضاً ما ورد في الرجل يبذل
الرشوة ليتحرّك الآخر من منزله حتّى يسكن فيه
المعطي. والمراد المنزل المشترك كالمدرسة والسوق،
وكذا تدلّ عليه رواية الصيرفي، قال: «سمعت أبا
الحسن (ع) وسأله حفص الأعور، فقال: عمّال السلطان
يشترون منّا القرب والأدواة. فوكّلون الوكيل حتّى
يستوفيه منّا، فنرشوه حتّى لا يظلمنا، فقال: لا بأس
بما تصلح به مالك، ثمّ سكت ساعة، ثمّ قال: إذا أنت
رشوته يأخذ منك أقل من الشرط، قلت: نعم، قال: فسدت
رشوتك»(139).

أقول: لعلّ المراد بنفي البأس في هذه
الرواية بيان عدم حرمة الإعطاء على المعطى، حيث
أنّه يدفع بالإعطاء إلى الوكيل ظلمه عن أمواله،
ولكن ما يأخذه الوكيل على ارتداعه عن ظلمه أكل
للمال بالباطل فلا يجوز. وعلى الجملة انّ مضمون
الرواية غير مربوط بالصور الثلاثة.

لا يقال: إذا كان متعلّق الاجارة عملاً
يتحقّق حلالاً وحراماً، فما الوجه في كون الاجارة
باطلة، ولا تدخل الأُجرة في ملك الأجير كما هو ظاهر
المصنّف «ره».

فإنّه يقال: إذا كان متعلّق الاجارة عملاً
يتحقّق حلالاً وحراماً، فلابدّ من تقييد مورد
الاجارة في عقدها بتحقّقه حلالاً، لئلا يكون الأمر
بالوفاء بها منافياً لما دلّ على حرمة العمل،
ويعمّه وجوب الوفاء بها على كلّ قدير، ومع إطلاق
الاجارة فضلاً عن التصريح بالاطلاق لا يمكن أن
يعمّها، كما هو المقرّر في البحث عن اجتماع الأمر
والنهي. ولو استأجره على غسل ثيابه فغسلها في إناء
مغصوب بماء مغصوب لم يستحقّ أُجرة، بل يحكم بانحلال
الاجارة بانتفاء موردها، كما إذا آجره لقلع سنّه
فوقع السنّ،

وهذا إذا تعلّقت الاجارة بالغسل
المباح، وإلا كانت باطلة من الأوّل. وعلى تقدير
البطلان ففي صورة العمل مباحاً يستحقّ أُجرة المثل
لتضمن الاجارة الاذن في العمل الموجب للضمان. وعلى
تقدير العمل حراماً فلا يستحقّ شيئاً، فإنّ أخذ
المال في مقابل الحرام أكل له بالباطل. وأوضح من ذلك
ما إذا استأجره للجامع بين قراءة القرآن أو الغناء،
فعلى تقدير قراءة القرآن يستحقّ أُجرة المثل
لقاعدة الضمان المستفاد من الأمر بالعمل والاذن
فيه، وعلى تقدير التغنّي لا يستحقّ شيئاً. ولا يخفى
أنّه إذا أجريا العقد على عمل يحكم بصحّته وتعلّقه
بالفرد الحلال لفعلهما على الصحيح، وهذا غير ما
ذكرنا مما يعلم فيه تعلّق قصدهما بالفعل حلالاً
وحراماً.

لا يقال: كما إذا ورد الأمر بفعل في خطاب
مطلقاً وورد النهي عن بعض أفراده في خطاب آخر، يكون
الجمع بين الخطابين بتقييد متعلّق الأمر والالتزام
بتعيّن الإتيان به في ضمن فرده الحلال، كذلك فيما
كانت الاجارة على العمل مطلقاً، فإنّه يكون الجمع
بين الأمر بالوفاء بالعقود وبين النهي عن بعض
الأفراد هو الالتزام بتعيّن الوفاء بها في ضمن
الفرد الحلال.

فإنّه يقال: لا تنحلّ الاجارة بالإضافة
إلى متعلّقها حلالاً أو حراماً إلى اجارتين، ليقال
بشمول أوفوا بالعقود لإحداهما دون الأُخرى، بل هي
عقد واحد لا يمكن أن يعمّه عموم أوفوا بالعقود،
فلاحظ.

ويلحق بها المعاملة المشتملة على
المحاباة[1].

[1] أي يلحق بالرشوة المعاملة المشتملة على
المحاباة، وهو تنزيل الثمن عن القيمة السوقية
وجعله أقلّ منها، وقد ذكر المصنّف «ره» للمعاملة
كذلك مع القاضي صور ثلاث:

الأُولى: عدم تعلّق غرض البايع بأصل
البيع، بل يكون غرضه الأصلي هو حكم القاضي له
باطلاً أو مطلقاً حقّاً أو باطلاً، بحيث لولا ذلك
لم يقدم على بيع ماله أصلاً.

الثانية: أن يكون له في أصل البيع غرض
ويكون تقليل الثمن للقاضي بغرض حكمه له باطلاً أو
مطلقاً، بحيث لولا ذلك كان يبيع المال، ولكن بلا
تقليل الثمن.

الثالثة: أن يكون غرضه من البيع كذلك جلب
ميل القاضي وحبّه إليه حتّى يحكم له، والمعاملة في
جميع الصور محرّمة تكليفاً، ولكن ربّما يقال إنّها محكومة
بالصحّة على الاطلاق، أي سواءً قيل بفساد الشرط أو
لا، ففي الصورة الثالثة باعتبار عدم الشرط فيها على
القاضي وفي الصورتين الأولتين بناءً على عدم تقسيط
الثمن على الشرط، وأنّ المعاملة المحاباتية فيهما
ترجع إلى بيع الشيء للقاضي بثمن معيّن مع الاشتراط
عليه بالحكم للبايع، وهذا الشرط فاسد، لأنّ العمل
به بل اشتراطه كفر باللّه العظيم، ولكن بطلان الشرط
بناءً على عدم تقسيط الثمن عليه لا يضرّ بتمام
البيع المزبور، وبناء على التقسيط يحكم بالبطلان
بالإضافة إلى الشرط، نظير ما إذا باع الخلّ والخمر
بصفقة واحدة.

صور الرشاء في الحكم

أقول: الأظهر الحكم بالبطلان في جميع
الصور، فإنّ الرشوة في الحكم هو المال المعطى
للقاضي للحكم له، بحيث لا يعطى المال لو علم بعدم
الحكم له، بلا فرق بين إعطائه ذلك المال مجاناً أو
مع جعل عوض له. وما تقدم ـ من اعتبار كون الإعطاء
مقابل الحكم له باطلاً أو مطلقاً ـ يراد به الأعمّ
من جعل الحكم له شرطاً أو عوضاً أو داعياً إلى
الإعطاء. وبما أنّ إعطاء المبيع في الصور الثلاث
للقاضي بداعي الحكم له أو باشتراطه عليه، فيدخل في
عنوان الرشوة في الحكم ويكون سحتاً، بل إذا باعه من
القاضي بثمن المثل، ولكن كان البيع بداعي الحكم له،
بحيث لولا حكمه له أمسك على متاعه ولم يبعه لا منه
ولا من غيره، كما يتّفق ذلك في بعض أزمنة عزّة وجود
المبيع كان المبيع محرّماً وسحتاً.

كالجعل والاجرة[1].

[1] كما في المال المجعول عوضاً للحكم له
بنحو الجعالة، والثاني كما إذا كان عوضاً له في
الاجارة، ثمّ انّ ضمان اليد فيما إذا كان المال
جعلاً أو أجراً على الحكم واضح، وكذا ما إذا كان
الحكم له شرطاً في إعطائه بأن يكون الإعطاء المزبور
من الهبة المشروطة، حيث أنّ المال في صورة
الاشتراط،

وأن لا يكون عوضاً عن الحكم، إلا أنّ
المدرك لضمان تلف المال في اليد وهي السيرة الجارية
من العقلاء تعمّ موردها، كما يعمّه حديث على اليد
ما أخذت، ولكنّه لضعفه سنداً لا يصلح إلا للتأييد.
وأمّا إذا كان الحكم له داعياً إلى تمليك المال بلا
أخذه عوضاً أو شرطاً، يكون التمليك المزبور من
الهبة الفاسدة مجاناً، فلا ضمان فيها كما لا ضمان
في صحيحها.

ثمّ إنّ رضا صاحب المال بتصرّف القاضي في
الرشوة أو في الجعل والأُجرة لا يوجب جواز التصرّف
له، لأنّ رضا صاحبه بعنوان الرشوة، وهذا العنوان لا
يوجب جواز أكل المال ولا جواز التصرّف، ولم يرض
المالك بالتصرّف فيه بعنوان آخر كما هو الفرض.

في اختلاف الدافع والقابض[1].

[1] تعرّض «ره» لصور ثلاث من الصور
المفروضة في المقام:

الأُولى: أنّ يكون اتفاقهما على تمليك
المال بعنوان الهبة، واختلافهما في دعوى الدافع
بأنّها كانت بداعي الحكم له، فباعتبار كونها رشوة
فاسدة، ودعوى الآخذ أنّها كانت بداع آخر يكون الدفع
معه لازماً، كقصد التقرّب فيه، وفي مثل هذا يقدّم
قول مدّعي الصحة. ولا مجال لاحتمال الضمان، فإنّه
لا ضمان في الهبة صحيحة كانت أم فاسدة. نعم بناءً
على ما قيل من الضمان في الرشوة مطلقاً فمقتضى
قاعدة اليد ولو كان ثبوته، إلا أنّ أصالة الصحّة في
الهبة تنفي موضوع الضمان، باعتبار إثباتها التسليط
الذي لا يكون فيه ضمان.

الثانية: ما إذا لم يتّفقا على نوع
التمليك، كما إذا كانت دعوى الدافع أنّها بعنوان
الأُجرة على الحكم، والآخذ كانت دعواه الهبة
الصحيحة، وفي مثل ذلك لا مجال لأصالة الصحّة،
لأنّها مختصّة بما إذا كان الاتفاق على نوع خاصّ في
المعاملة. والخلاف في صحّتها وفسادها، بل الأصل في
الفرض عدم تحقّق الناقل أي الهبة الصحيحة، فيجوز
للدافع أخذ المال مع بقائه وبدله مع تلفه، لأصالة
الضمان، فإنّ الموضوع له تلف مال الغير في يده مع
عدم تسليطه مجاناً، وبضمّ الوجدان إلى أصالة عدم
التسليط كما ذكر يتمّ موضوع الضمان، وأصالة عدم
دفعه بعنوان الأُجرة لا تكون مثبتة للهبة
المجانية، ولا أثر آخر في البين لها، كما لا يخفى.

الثالثة: ما إذا كان اتفاقهما على فساد
التمليك، ودعوى الدافع أنّه كان بنحو يوجب الضمان،
والقابض نحواً آخر لا يوجبه، كما إذا كانت دعوى
الدافع كونها أُجرة على الحكم أو رشوة، بناءً على
الضمان في تلف الرشوة، ودعوى القابض أنها هدية
فاسدة، وتكون ثمرة خلافهما بعد تلف المال، فإنّه
قبله يكون للدافع أخذها، لاتفاقهما على فساد
التمليك، ومقتضى ما ذكرنا في الصورة الثانية هو
الضمان في الفرض، كما هو مقتضى ضمّ الأصل إلى
الوجدان.

حرمة سب المؤمن

سبّ المؤمنين حرام[1].

[1] لا يخفى أنّ الإذلال يكون بالتعدّي على
عرض الغير وكرامته، فيكون ظلماً. وأمّا الإيذاء فهو
أمر آخر، وربما يكون في مورد السب، كما إذا اطّلع
عليه المسبوب، وكان الساب قاصداً إدخال الأذى عليه
ولو بعلمه ببلوغ السبّ إليه، فيتأثّر به، وهذا
محرّم آخر يكون السابّ معه مستحقّاً لعقابين،
لحرمة كلّ من الظلم والإيذاء. وأمّا إذا لم يلتفت
إلى اطلاع المسبوب على سبه، يكون عقابه على سبه الذي هو
مرتبة من الظلم والعدوان.

ويستدلّ على حرمته من الكتاب بقوله عزّ من
قائل: «واجتنبوا قول الزور»(140)
بدعوى أنّ قول الزور هو الكلام القبيح. ومن أظهر
أفراده سبّ المؤمن، وفيه أنّ الزور ظاهره الباطل،
فيكون قول الزور هو الكلام الباطل، واتّصافه
بالبطلان يكون باعتبار معناه لا محالة، فينطبق على
الكذب وما هو متضمن له. وأمّا الانشاءات التي لا
تتضمن الأخبار الكاذبة فلا يكون فيها بطلان، كما
إذا قال ـ بمسمع من الناس ـ لإنسان غير حاذق (يا
حمار) فإنّ الكلام المزبور باعتبار كونه هدراً
لكراهمة ذلك الإنسان وتنقيصاً له سبّ، ولكن لا يكون
من الباطل، نظير ما إذا قال للشجاع أنّه أسد، فإنّه
مع فرض كونه شجاعاً لا يكون من الباطل، وقوله
سبحانه: «لا يحب اللّه الجهر بالسوء من القول»(141).

وفيه أنّ الظاهر ـ ولا أقلّ من الاحتمال ـ
أن يكون قوله سبحانه «من القول» بياناً للجهر
بالسوء لا للسوء، والمراد أنّه عند ارتكاب إنسان
سوءاً يكون اظهاره جهراً بالسوء، سواء كان المظهر
بالكسر هو المرتكب أم غيره، وأنّ اللّه لا يحبّ هذا
الإظهار والجهر إلا من المظلوم، فإنّه يجوز له
التظلّم، وإظهار ما فعله الغير في حقّه من السوء،
وهذا لا يرتبط بالسبّ أصلاً. وعلى ذلك فارتكاب
الشخص للحرام معصية، وإظهار ارتكابه الناس معصية
أُخرى.

ففي رواية أبي بصير[1].

[1] سندها معتبر، فإنّ الكليني رواها عن
العدّة عن أحمد بن محمد عن الحسين ابن سعيد عن فضالة
بن أيوب عن عبداللّه بن بكير عن أبي بصير عن أبي
جعفر (ع)، وسند رواية السكوني علي بن إبراهيم عن
أبيه عن النوفلي عن السكوني(142)
وفي بعض النسخ كالشرف على الهلكة، وعليه يكون
السباب مصدراً، كما في رواية أبي بصير. وأما على
نسخة «كالمشرف» فالسباب صيغة مبالغة.

وفي رواية أبي بصير[2].

[2] رواها أيضاً في الباب المزبور، وسندها
معتبر، ولكن لا دلالة فيها على خصوص سبّ المؤمن، بل
ظاهرها النهي عن السبّ مطلقاً، باعتبار أنّ السبّ
كسب لعداوة الناس، والمناسب للعاقبة كون النهي
إرشاديّاً.

وفي رواية ابن الحجاج[3].

[3] سندها معتبر، والرواية على ما في
الوسائل، والنسخة الموجودة عندي من الكافي «في
الرجلين يتسابّان، قال البادي منهما أظلم، ووزره
ووزر صاحبه عليه مالم يعتذر إلى المظلوم»، وذكر
«ره» أنّ معنى كونه أظلم أنّ مثل وزر صاحبه عليه.

وفيه أنّه ربما لا يكون على صاحبه وزر
وعقاب أصلاً، كما إذا كان سبّه ثانياً دفاعاً عن
عرضه وكرامته وجزاءاً على البادي بمثل ما اعتدى
عليه، فإنّ السبّ كذلك جائز كما هو مقتضى آية
الاعتداء(143)، والتعبير ـ في
الرواية عن البادي بالأظلم ـ لا يدلّ على أنّ الآخر
أيضاً ظالم،

فإنّه يمكن كونه أظلم بالإضافة إلى
الساب الذي لا يوجب سبّه إيقاع الغير في الجواب، أو
كان التعبير به لمجرد كون سبّه موجباً للعقاب عليه
مطلقاً، بخلاف سبّ الآخر، فإنّه قد لا يوجب عقاباً.
ويشير زلى ذلك ـ التعبير عنه بالمظلوم، نعم تقييد
الوزر في الرواية، بما إذا لم يعتذر إلى الآخر لا
يمكن الأخذ بظاهره، فإنّ الاعتذار ـ إلى المظلوم عن
سبّه وإيقاعه إيّاه في السبّ ـ لا يوجب ارتفاع
الوزر، بل ارتفاعه موقوف على التوبة، إلا أن يكون
الداعي إلى اعتذاره توبته.

وثالث أن تصف الشخص بما هو إزراء ونقص[1].

[1] الازراء هو ذكر العيب، ولم يظهر الفرق
بين هذا وما ذكره في جامع المقاصد، ليجعل هذا في
مقابل ذاك.

فالنسبة بينه وبين ا لغيبة عموم من وجه[2].

[2] أي إنّ النسبة بين قصد الإهانة والغيبة
عموم من وجه.

أقول: سيأتي إن شاء اللّه تعالى أنّ
الغيْبَة ـ على ما هو مقتضى الروايات ـ ذكر الشخص
وإظهار سوئه وعيبه الذي ستر اللّه عليه، فلا تعمّ
ما إذا ذكره بعيوبه الظاهرة، كما إذا ذكر زيداً
وأراد رفع الإبهام عن فوصفه بالأعمى، فإنّ مثل هذا
الذكر إذا لم يكن بقصد التنقيص والتحقير لا بأس به.
نعم إذا كان بقصدهما كان محرّماً من جهة حرمة
الإهانة والسبّ، وإذا أظهر عيبه المستور بلا قصد
الإهانة كان غيبة، ويجتمعان فيما إذا كان إظهاره
للإهانة.

ثمّ إنّ حرمة السبّ أي سبّ المؤمن للتحفّظ
على كرامته، فلا يكون حراماً فيما إذا لم يكن
للمسبوب كرامة واحترام، كالمتجاهر بالفسق على ما
سيأتي في الغيبة، فإنّ مقتضى جواز اغتيابه جواز
سبّه. وأمّا وجوبه من جهة الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر فمشروط بشروطه المذكورة في ذلك الباب،

ويلحق بالمتجاهر بالفسق المبدع، بل الجواز فيه
أولى. ويكفي أيضاً في ذلك مثل صحيحة داود بن سرهان
عن أبي عبداللّه (ع) قال: «قال رسول اللّه (ص): إذا
رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي، فأظهروا البراءة
منهم وأكثروا من سبّهم والقول فيهم والوقيعة،
وباهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام،
ويحذّرهم الناس ولا يتعلّمون من بدعهم، يكتب اللّه
لكم بذلك الحسنات، ويرفع لكم به الدرجات في
الآخرة»(144).

ويمكن أن يستثنى من ذلك ما إذا لم
يتأثّر[1].

[1] يجوز للسيد ضرب عبده للتأديب، وفحواه
جواز سبّه تأديباً. وأمّا في غير ذلك المقام،
فمقتضى موثّقة أبي بصير المتقدّمة عدم الجواز،
وكذا الحال بالإضافة إلى الوارد وولده، فإنّه يجوز
له سبّه تأديباً، كما يجوز له ضربه لذلك، وأمّا في
غير مقام التأديب فلا، إلا إذا لم يعد الكلام
المزبور من المولى أو الأب سبّاً وإهانةً، كما إذا
تكلّم به حبّاً لولده، فيكون نظير ما إذا قال
للزوجة ما يستقبح ذكره للغير في عدم كونه هدراً
للكرامة، والتمسّك ـ في جواز سبّ الوالد ولده
مطلقاً، حتّى فيما إذا لم يكن للتأديب،

بقوله (ص):
«أنت ومالك لأبيك» ـ لا يخفى ما فيه، فإنّ الولد لا
يحكم شرعاً بأنّه مملوك والده، نظير ملك العبد أو
الحيوان للمولى، والمالك ليجري على الولد ما يجري
على مال الوالد، ولذا لو لم يكن للوالد حاجة لما جاز
له الأخذ من مال ولده بلا رضاه، وكذا لا يجوز ترتيب
سائر أحكام الملك، والحكم الوارد في الرواية
أخلاقي ذكره (ص) لئلا يتصدّى الابن لمخاصمة أبيه في
المحاكم الشرعية لأجل ماله، بل على تقدير كونه
مالاً لوالده كالعبد بالإضافة إلى مولاه، فلا يثبت
جواز ضربه مطلقاً كما لم يثبت ذلك في العبد. وأمّا
المعلّم والمتعلّم، فلا يجوز للأوّل سبّ الثاني في
مورد الهتك والتنقيص، كما لا يجوز ذلك في مورد
الإيذاء وتأثّر المتعلّم.

وبعبارة أُخرى: كما لا يجوز للمعلّم سبّه
مع التفاته إلى أنّ سبّه نقص للمتعلّم في أنظار
الناس، كذلك لا يجوز له مع التفاته إلى أنّ سبّه
موجب لتأثّره. وتوهّم جوازه بالسيرة الموهومة ضعيف.
نعم يجوز للمعلّم سبّ الولد الصغير إذا كان ذلك
تأديباً، مع فرض كونه مأذوناً في تأديبه عن وليّه.

في السحر وحكمه

وكان آخر عهده بربه[1].

[1] أي أنّ اللّه يبرأ منه بعد تعلّمه السحر
والرواية(145) سندها معتبر
ومثلها الأُخرى.

هو ما لطف مأخذه ودقّ[2].

[2] المراد باللطيف والدقيق هو الخفي أي
أنّ السحر هو ما يكون سببه ومأخذه خفيّاً. وهذا
كتعريف الزرافة مثلاً بأنّه حيوان شرح أسمي، وبيان
للمعنى بالوجه العام، وإلا لصحّ إطلاق السحر على
كلّ ما يكون سببه خفياً كالرؤيا الصادقة التي لا
نعرف منشأها.

ثمّ إنّ هذا التعريف لا ينافي أن يكون
للسحر حقيقة، كما عن بعض، بخلاف التفاسير المذكورة
عن أهل اللغة بعد هذا التعريف، فإنّ مقتضاها عدم
ثبوت الحقيقة له، كما عن بعض آخر، منهم المحقّق
الايرواني. ويستدلّ عليه بقوله سبحانه في قضية سحرة
فرعون: «فإذا حبالهم وعصيّهم يخيّل إليه من سحرهم
أنّها تسعى»(146)، وقوله: «فلمّا
ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم»(147)، وبما أنّ السحر أمر خيالي لا حقيقة
له، فعبّر سبحانه عن السحر بالكيد في قوله: «فتولّى
فرعون وجمع كيده»(148)، نعم لا
يلتفت الغير غالباً إلى فعل الساحر، وأنّه أمر
خيالي، فيرتّب عليه أثر الواقع، فيركض بعد خياله
أنّ في أطرافه ناراً تحرقه بالمكث، ويفترق عن زوجته
بعد تخيّله أنّها عدوّته الأُولى والأخيرة، وهكذا.

ولكن لا يخفى أنّه لا دلالة في الآية على
أنّ السحر على الاطلاق أمر خيالي، بل الحلّ والعقد
يكونان بالسحر، ويبعد كونهما بالخيال. هذا مع ما
ورد في سحر بعض الناس على النبي (ص) والالتزام ـ
بالتخيّل بالإضافة إلى الرسول الأكرم ـ كما ترى.

لا يقال: ما الفرق بين السحر وبين
المعجزة، بناءاً على القول بأنّ للسحر حقيقة ولو في
الجملة.

فإنّه يقال: يكون في المورد الذي للسحر
حقيقة تحقّق الشيء بالسبب، ولكنّ السبب خفيّ لا
يدركه عامّة الناس، وهذا بخلاف المعجزة، فإنّه
يكون فيها تحقّق الشيء بلا سبب عادي كالإرادة، كما
يفصح عن ذلك الكتاب المجيد «إذ قال اللّه يا عيسى بن
مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيّدتك بروح
القدس تكلِّمُ النّاس في المهد وكهلاً وإذ علّمناك
الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من
الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيراً
بإذني وتبرىء الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج
الموتى بإذني»(149)

والمراد
بالإذن هو التكويني أي إعطاء السلطنة نظير قوله
سبحانه: «وما قطعتم من لينة أو تركتموها على
أُصولها فبإذن اللّه»(150) حيث
لا معنى للإباحة والترخيص الشرعي في مثل المقام.
وعلى الجملة فالأفعال المنسوبة إلى عيسى على
نبيّنا وآله وعليه الصلاة والسلام، نظير الأفعال
المنسوبة إلينا صادرة منه كصدورها منّا، غاية
الأمر السلطنة عليها بإرادة اللّه ومشيّته على ما
ذكرنا تفصيل ذلك في بحث الطلب والإرادة.

أو رقية[1].

[1] المراد بها العوذة كالتي تعلّق على
الرقبة أو يشدّ على اليد أو غيرها للوقاية من
الإغماء والصداع أو غيرهما من العاهات.

يؤثّر في بدن المسحور[2].

[2] قيد لجميع ما تقدّم من قوله كلام يتكلّم
به“

وفي محكي الدروس أنّ المعتبر في السحر
الإضرار[3].

[3] وهل يعتبر في تحقّق عنوان السحر أو
حرمته الاضرار بالنفس أو بالغير أو لا يعتبر، وأنّه
حرام مطلقاً؟ ظاهر الآية الواردة في قضية هاروت
وماروت أنّه كان الحرام هو المضرّ فقط، مع كون
النافع أيضاً سحراً، ولكن لا دلالة فيها على بقاء
النافع على الجواز في غير ذلك الزمان والروايات
الواردة في حرمة السحر بعضها مطلقة تعمّ المضرّ
وغيره، كموثقة إسحاق بن عمّار عن جعفر عن أبيه أنّ
علياً (ع) كان يقول: «من تعلّم شيئاً من السحر كان
آخر عهده بربّه وحدّه القتل إلا أن يتوب»(151)،

وليس في البين ما يوجب رفع اليد عن
إطلاقها. ومرسلة إبراهيم بن هاشم وإن كانت ظاهرة في
جواز النافع، لكنّ إرسالها مانع عن الاعتماد عليها
فإنّه روى علي بن إبراهيم عن أبيه عن شيخ من أصحابنا
الكوفيين قال: «دخل عيسى بن ثقفي على أبي عبداللّه
(ع)، وكان ساحراً يأتيه الناس ويأخذ على ذلك الأجر،
فقال له: جعلت فداك، أنا رجل كانت صناعي
السحر وكنت آخذ عليه
الأجر وكان معاشي، وقد حججت منه، ومنّ اللّه عليَّ
بلقائك، وقد تبت إلى اللّه عزّ وجلّ، فهل لي في شيء
من ذلك مخرج؟ فقال أبو عبداللّه (ع): حل ولا تعقد»(152).

والصحيح أن يقال: العمل الذي أحرز أنّه
سحر يحكم بحرمة تعليمه وتعلّمه وعمله، سواءً كان
ضارّاً أم لا، أخذاً بإطلاق مثل موثّقة إسحاق بن
عمّار. وأمّا ما لم يحرز كونه سحراً كالتسخيرات
والعزائم فإن كان مضرّاً، بحيث يكون ذلك الإضرار
محرّماً، سواء كان بالنفس أم بالغير، فلا يجوز مع
خوفه، وإلا فلا يمكن الحكم بحرمته، لعدم إحراز عموم
السحر له،
ومجرّد ذكر العزائم أو التسخيرات في بعض الكلمات من
أقسام السحر لا يثبته، خصوصاً بملاحظة أنّه عدّ
أيضاً منها النميمة. ودعوى الشخص بأنّه يعلم علم
الكيميا لجلب قلوب الناس إليه.

ورواية الاحتجاج الحاكية لقصّة زنديق لا
تزيد على الرواية المرسلة، وذلك للجهل بطريق
الطبرسي كما لا يخفى. وما في كلام بعض الأصحاب ـ من
جواز دفع السحر بالسحر حتّى نسب إلى الصدوق «ره» من
أنّ توبة الساحر أن يحل ولا يعقد ـ لا يخلو عن تأمّل.

نعم، مرسلة إبراهيم بن هاشم ظاهرة
بإطلاقها في جواز إبطال السحر والحلّ ولو بالسحر،
ولكنّها كما ذكرنا لا يمكن الاعتماد عليها، ولكن لا
بأس بتعلّم السحر والعمل به لإبطال مثل الدعوى من
المدّعي للنبوّة، ونحوه ممن يكون غرضه إفساد عقائد
الناس بالسحر أو غيره، بل لا يبعد وجوب ذلك كفائياً.

ثمّ إنّ ظاهر بعض الروايات كرواية
السكوني جواز قتل الساحر حتّى فيما إذا لم يكن
مستحلاً له، قال جعفر بن محمد (ع) فيها: «قال رسول
اللّه (ص): ساحر المسلمين يقتل وساحر الكفّار لا
يقتل»(153)، ومثلها إطلاق غيرها،
كموثّقة إسحاق بن عمّار المتقدّمة، وحملها ـ على
صورة الاستحلال كما هو ظاهر جمع ـ لا يمكن المساعدة
عليه.

نعم، توبته توجب سقوط حدّ القتل، كما ذكر
في الموثّقة، وبها يرفع اليد عن إطلاق غيرها، ولا
بُعد في جواز قتله، بل وجوبه تحفّظاً على مصالح
المسلمين ليكونوا على أمن من كيده. ودعوى أنّ
السحرة في عصر الأئمة (ع) كانوا غالباً من الكفّار
ويعتقدون تأثير الكواكب والأجرام العلوية لا يخفى
ما فيه، مع أنّ رواية السكوني دالّة على قتل خصوص
الساحر من المسلمين، فكيف تحمل على صورة كونه
كافراً؟

ثمّ انّ الشهيدين عدّا من السحر[1].

[1] أي انّ الشهيدين جعلا تسخير الملائكة
والشياطين والأجنّة وإحضارهم من أقسام السحر ويكون
استخدام الملائكة والشياطين وتسخيرهم في مثل كشف
الغائبات وعلاج المصاب، كما يكون إحضارهم لغاية
الكشف عن الغائبات بتلبيسهم ببدن صبي أو امرأة.
وبعبارة أُخرى: تسليطهم على بدنهما بحيث يكون تكلّم
الصبي أو المرأة بتلقين الملائكة والشياطين.

والظاهر أنّ المسحور فيما ذكراه[1].

[1] كأنّ مراده بيان أنّ التسخير أو
الإحضار يكون من السحر حتّى بناءاً على أخذ الإضرار
في تحقّق عنوان السحر، وذلك فإنّ المعتبر في السحر
الإضرار بالمسحور، والمسحور في التسخيرات
والاحضارات هي الملائكة والجن والشياطين،
والإضرار بهم يحصل بتسخيرهم وتعجيزهم عن المخالفة
وإلجائهم إلى الخدمة والطاعة.

وقال في الإيضاح إنّه استحداث الخوارق[2].

[2] أي انّ السحر هو إيجاد ما يعدّ خرقاً
للعادة، ويكون إيجاده(154)
بمجرّد تأثير نفس الساحر(155) أو
باستعانة الساحر بالفلكيّات بدعوتهم، ويسمّى
بدعوة الكواكب(156) أو بتمزيج
الساحر القوى السماوية بالقوى الأرضية، كأن يلاحظ
أنّ الكوكب الفلاني في أيّ برج ويعمل في ذلك الزمان
في الصفر أو غيره من الفلزات عملاً يوجب حدوث ذلك
الخارق للعادة ويسمى بالطلسمات(157)،
أو يستعين الساحر بالأرواح الساذجة في إيجاد ذلك
الأمر، واستعانته يكون باستخدامهم ويدخل فيه
النيرنجات.

أقول: لعلّ المراد بالنيرنجات تسخير
الشياطين والأجنّة، ولكن فسّرها في الدروس بدعوة
الكواكب والطلسمات، ويبقى على الإيضاح بيان الفرق
بين المعجزة والقسم الأوّل من السحر.

وأمّا ما كان على سبيل الاستعانة[3].

[3] المراد أنّ ما يحدث بالاستعانة بخواص
الأجسام السفلية فقط، كما في الأثرات الحادثة من
تناول الأدوية من المبلدة وغيرها، فإنّه لا يسمّى
سحراً، كما لا يسمّى به ما يحدث بالاستعانة بالنسب
الرياضية، كما إذا جعل قطعة حديد بحيث يرفع بها
ثقيلاً، ويسمى بعلم الحيل وجرّ الأثقال.

روى الصدوق في الفقيه في باب عقاب
المرأة[4].

[4] الرواية لا تخلو عن المناقشة لوقوع
النوفلي في سندها، بل لو كانت في أعلى مراتب الصحّة
لكانت أيضاً مطروحة، باعتبار مخالفتها للكتاب
العزيز، فإنّ ظاهر عدم قبول توبة الساحر، ومن
المقطوع به أنّ السحر ليس بأعظم من الكبائر ومن
الارتداد مع قبول التوبة من المرتد ومرتكبها. ودعوى
عدم فرض التوبة في الرواية يدفعها قوله: «فصامت
المرأة نهارها، وقامت ليلها، وحلقت رأسها ولبست
المسوخ» حيث أنّ ظهوره في التوبة غير قابل للإنكار.

ويدخل في ذلك تسخير الحيوانات[1].

[1] لم يظهر كون مجرّد التسخير سحراً،
وعليه فلا بأس به حتّى فيما إذا كان ذلك إضراراً
بالحيوان، فإنّ إضراره لايزيد على ضرب الحيوان
والركوب أو حمل الثقل عليه كما لا يخفى، بل لا دليل
على حرمة الاضرار بالأجنّة فضلاً عن الشياطين.

الشعبدة حرام[2].

[2] فيه تأمّل بل منع، حيث لا دليل على حرمة
مطلق اللهو، بل دخول الشعبذة في اللهو ممنوع أيضاً،
والشعبذة إيجاد الشيء بأسبابه العادية، ولكن بما
أنّ الإيجاد سريع تكون السرعة موجبة لتخيّل وجوده
بلا سبب عادي.

الغش حرام[3].

[3] الغش بالفتح مصدر، وبالكسر إسم.

فعن النبي[4].

[4] كما في صحيحة هشام بن سالم(158).

قوله «ره» وفي رواية العيون بأسانيد[5].

[5] تعرّض لتلك الأسانيد في الوسائل في باب
إسباغ الوضوء، وهي ثلاثة طرق عن الرضا (ع) كلّها
ضعاف لما فيها عدّة مجاهيل فراجعها.

وفي عقاب الأعمال[6].

[6] تعرّض لسنده في الوسائل في باب استحباب
عيادة المريض وفيه أيضاً مجاهيل.

وفي مرسلة هشام عن أبي عبداللّه[7].

[7] بل مرسلة عبيس بن هشام، ورواها الشيخ عن
عبيس عن أبي عبداللّه (ع)، والظاهر أنّه أيضاً
اشتباه، فإنّ عبيس ـ على ما ذكر ـ تاريخ وفاته سنة 220
وتاريخ وفاة أبي عبداللّه (ع) سنة 148 مع أنّ الشيخ
«ره» عدّ الرجل في فهرسته ممن لم يرو عن الإمام (ع).

في حرمة الغش

وفيه غش جملة ابتدائية[1].

[1] أي انّ الدينار لا يباع بشيء، ويتعيّن
أن تكون جملة فيه غشّ ابتدائية موضع التعليل،
ويحتمل رجوع الضمير في «لا يباع» إلى سائر الأموال.
والمراد بشيء هو الدينار وفيه غش (وصف للشيء)، أي: لا
يباع أموال الناس بشيء مغشوش. ولكنّ الظاهر هو
الأوّل، لأنّ إرجاع الضمير إلى غير المذكور في
الكلام مع وجود ما يصلح له في الكلام خلاف الظاهر،
وليس المراد من البيع بناءاً على الجملة
الابتدائية هو الاشتراء ليقال أنّه أيضاً خلاف
الظاهر، بل المراد البيع وتعلّقه بالدراهم ـ كما في
بيع الصرف ـ متعارف.

ثم إنّ ظاهر الأخبار[2].

[2] فرّق «قدس سره» أوّلاً بين الغشّ في مثل
مزج اللبن بالماء، ومزج الدهن الجيد بالرديء، ووضع
الحرير في الكان البارد لكسب الثقل، مما يكون العيب
والنقص فيه خفيّاً لا يعرف غالباً، إلا من قبل
بايعه، وبين النقص الذي لا يخفى على من يلاحظ
المبيع ولا يتسامح في التعرّف على حاله، كما في مثل
خلط الحنطة الجيدة بالرديئة. وذكر أنّ مثل هذا
الخلط جائز كما يشهد له صحيحة محمد بن مسلم عن
أحدهما (ع): «أنّه سُئل عن الطعام يخلط بعضه ببعض،
وبعضه أجود من بعض؟ قال: إذا رؤيا جميعاً فلا بأس
مالم يغط الجيّد الرديء»(159)،
ومثلها صحيحة الحلبي الثاني عن أبي عبداللّه (ع)
قال: «سألته عن الرجل يكون عنده لونان من طعام واحد
سعرهما بشيء، وأحدهما أجود من الآخر فيخلطهما
جميعاً، ثمّ يبيعهما بسعر واحد؟ فقال: لا يصلح له أن
يغشّ المسلمين حتّى يبيّنه»(160).

وظاهرهما وإن كان جواز الخلط، ولكن عدم
بيان ذلك للمشتري الغافل غشّ محرّم، فيجب الإعلام
به. ويستفاد ذلك من رواية سعد الاسكاف(161) فإنّ النقص في موردها وإن كان يظهر
بملاحظة المبيع وعدم التسامح في معرفته، إلا أنّ
عدم الإظهار عدّ فيها غشّاً. ويمكن حمل هذه
الروايات الظاهرة في الغشّ بالنقص

غير الخفي على
صورة كونه بفعل البايع، بقصد تلبيس الأمر على
المشتري، فلا يجب عليه الإعلام إلا في هذه الصورة.
وأمّا إذا كان بداع آخر أو بفعل شخص آخر، كما إذا
اشترى طعاماً مختلطاً من الجيد والرديء، وأراد
بيعه من آخر ثانياً، فلا يجب عليه الإعلام. وأمّا
المخفي وإن كانت الحرمة فيه أيضاً ببيع المغشوش مع
جهل المشتري بالحال، إلا أنّه لا فرق فيه بين كون
الغش بفعله أو بفعل آخر أو لغرض آخر، ففي جميع ذلك
يجب الإعلام.

ثمّ إنّه «ره» ساوى بين النقصين، وذكر
أنّه لا يجب عليه الإعلام إلا في مورد قصد التلبيس.
وأمّا ما هو ملتبس في نفسه فلا يجب. نعم لا يجوز
إظهار سلامة المبيع وعدم وجود النقص فيه، بلا فرق
في ذلك بين النقص الخفي وغيره، فالعبرة في حرمة
الغش بقصد التلبيس على المشتري.

وقال «ره»: «إنّ في التفصيل الوارد في
صحيحة الحلبي الأُولىشهادة لذلك» قال: «سألت أبا
عبداللّه (ع) عن الرجل يشتري طعاماً، فيكون أحسن له
وأنفق أن يبلّه، من غير أن يلتمس زيادته، فقال: إن
كان بيعاً لا يصلحه إلا ذلك ولا ينفقه غيره، من غير
أن يلتمس فيه زيادة، فلا بأس، وإن كان إنّما يغشّ به
المسلمين، فلا يصحّ»(162) فإنّه
(ع) جوّز بلّ الطعام بدون الإعلام مع عدم قصد
الزيادة، لأنّ الرواية لو كانت ناظرة إلى صورة
الإعلام لم يكن وجه للتفصيل في الجواب بين قصد
الزيادة وعدمه، فإنّه مع الإعلام يجوز البلّ
مطلقاً.

أقول: لم يظهر من صحيحة الحلبي جواز
السكوت، فيما إذا كان في المبيع ما لا يعرف إلا من
قبل البايع، ولو لم يكن ذلك بفعل كحيوان أكل ما يوجب
موته، بل يكون ترك الإعلام في بيعه غشّاً، فيعمّه
ما دلّ على حرمة الغش.

لا يقال: النقص في المبيع إذا كان من قبيل
العيب فعلى البايع الإعلام به مطلقاً سواء كان
العيب خفياً أم لا، لأنّ بيعه بالتزام الصحة مع
علمه بالعيب يعدّ غشّاً، كما لو صرّح بأنّه يبيعه
على شرط الصحّة، والحيوان الذي أكل ما يوجب موته من
بيع المعيوب على شرط السلامة.

فإنّه يقال: الموجب لصدق الغش عدم إعلام
البايع بالعيب مع علمه به، حتّى فيما لو تبرّأ من
عيوب المبيع، حيث يعدّ بيع الحيوان المزبور غشّاً،
حتّى مع التبري منها، وإلا فليس الالتزام بالصحّة
إخباراً عنها ليقال انّ الالتزام بها مع العلم
بالعيب غشّ، بل معناه جعل الخيار للمشتري على تقدير
العيب، كما سيأتي في بحث الخيارات إن شاء اللّه
تعالى.

نعم إذا كان النقص مما يعرفه الناظر في
المبيع، فلا يجب إعلام المشتري بالحال إلا فيما إذا
كان فعله بقصد التلبيس، لعدم صدق الغش على ترك
الإعلام، حيث إنّ الغش بمعناه المصدري ضدّ النصيحة
لا ترك النصيحة مطلقاً ليتحقّق بمجرّد ترك الإعلام.
نعم إذا أظهر ما يكون إغراءاً أو موجباً لوقوع
الآخر في خلاف الواقع كان ذلك غشّاً في المعاملة.

ثم إنّ في جامع المقاصد ذكر في الغش بما
يخفى[1].

[1] يقع الكلام في حكم المعاملة، فنقول:
الغشّ إمّا بإخفاء الأدنى من الأعلى، كمزج الجيّد
بالرديء، أو بإخفاء غير المراد في المراد، ونعني
بالمراد ما ينطبق عليه عنوان المبيع، ومن غيره ما
لا ينطبق عليه، أو بإظهار الصفة الجيّدة في المبيع
مع عدمها واقعاً، ويعبّر عنه بالتدليس، أو بإظهار
ما لا ينطبق عليه عنوان المبيع بصورة ما ينطبق
عليه، كمبيع المموّه وما يكون مصبوغاً بماء الذهب بعنوان أنّه
ذهب.

ثمّ انّ الغش وإن كان محرّماً، لكنّ النهي
عنه لا يقتضي فساد المعاملة فيما إذا لم يخرج
المغشوش بالغش عن عنوان المبيع، كما في مزج الماء
باللّبن، مع استهلاك الماء باعتبار قلّته، فيكون
البيع صحيحاً، غاية الأمر يثبت للمشتري خيار العيب
مع جهله بالحال، ونظيره ما إذا كثر التراب في
الحنطة، فإنّ كثرة التراب فيها لا يخرج المبيع عن
عنوان الحنطة، بل تعدّ معيوبة. وما ذكره المصنّف
«ره» في الفرق بين المثالين لا يرجع إلى محصّل،
وإذا خرج المبيع بالغشّ عن عنوان المبيع، بحيث لم
يصدق ذلك العنوان على الموجود،

كما في بيع المموّه
كان البيع باطلاً، باعتبار أنّ عنوان المبيع يكون
بنظر العرف مقوّماً للبيع، ومع فقده لا يكون بيع،
وهذا بخلاف ما إذا صدق عليه عنوانه، ولكن خرج بالغش
عن الوصف الملحوظ فيه، فإنّه مع فقد الوصف يكون
المورد تارةً من تخلّف الوصف المشترط، ومن تخلّف
الداعي أُخرى، وإذا لم يستهلك غير المراد في
المراد، بأن كان الموجود هو المبيع وغيره، فيتبعّض
البيع، ويكون بالإضافة إلى المراد صحيحاً، كما إذا
خلط دهن النبات بدهن الحيوان بلا استهلاك أحدهما في
الآخر، وباعه بعنوان دهن الحيوان وبالإضافة إلى
غيره باطلاً
باعتبار عدم القصد إلى بيعه.

وما ذكر من وجهي الصحة والفساد[1].

[1] أي انّ ما ذكره في جامع المقاصد ـ في وجه
الصحّة في بيع اللبن الممزوج بالماء وفي وجه فساده
ـ يجري في سائر موارد عيب المبيع، فيتردّد أمر
البيع فيها بين الصحّة والفساد، حيث أنّ المبيع
فيها أيضاً عين متموّل. وهذا وجه الصحّة وكون
المقصود فيها هو الصحيح، كإرادة البصير في بيع
العبد، وهو غير متحقّق، وهذا وجه الفساد، مع أنّه
لا ينبغي الريب في أنّ العيب في المبيع لا يوجب
بطلان البيع، بل يثبت معه خيار العيب، وذلك فإنّ
أوصاف الصحّة ـ حتّى في مثل شوب اللبن بالماء ـ ليست
مقوّمة للمبيع عرفاً. ويتعلّق البيع بالموجود
الخارجي بعنوان أنّه يطلق عليه اللبن، ويكون خلوصه
شرطاً، بمعنى أنّه يثبت للآخر الخيار على تقدير
شوبه. وعليه، فلا يكون في البين وجه لبطلان البيع.

نعم إذا كان العنوان مقوّماً للمبيع، كما
إذا كان مثل عنوان الفرس وباع الحيوان بعنوانه،
فبان حماراً حكم ببطلان البيع، لأنّ قصد البيع
يتعلّق بعنوان الفرس، ولذا قالوا في بيع الصرف أنّه
لو ظهر أحد العوضين معيباً، ولكن من غير الجنس
المذكور في العقد بطل البيع.

وأمّا وجه تشبيه مسألة الاقتداء[1].

[1] وأمّا الصلاة في مسألة الاقتداء
فمحكومة بالصحّة، حتّى فيما إذا كان ناويلاً لأحد
الشخصين بنحو التقييد، حيث أنّ الفراداى لا تنقص عن
صلاة ا لجماعة إلا في القراءة الساقطة حال العذر،
كما هو مقتضى حديث لا تعاد، والمفروض أنّ تركها كان
لتوهّم أنّه مأموم. نعم لو كان المراد من التفصيل
بين التقييد وغيره هو الحكم ببطلان الجماعة في
الأوّل لا في الثاني، فهو صحيح، ولكن لا يساعد على
ذلك ظاهر كلماتهم.

ثم انّه قد يستدلّ على الفساد[2].

[2] قد تقدّم أنّ المعاملة ـ بلحاظ النهي عن
غشّ المؤمن فيها لا تفسد وقد ذكر في محلّه أنّ النهي
عن معاملة تكليفاً لا يقتضي فسادها، ولم يرد في
خطاب ـ النهي عن بيع المغشوش بهذا العنوان ليقال
بظهور النهي في فساده، على ما ذكرنا سابقاً من كون
الفساد هو الظهور الأوّلي للنهي عن المعاملة. وأمّا
النهي عن بيع الدرهم المغشوش في مرسلة موسى بن بكر(163) فمحمول على صورة عدم المالية،
وكون بيع الدرهم من التمويه في الجنس، بقرينة الأمر
بإلقاه في البالوعة، فإنّه لو كان مالاً كما إذا
كان الغش في سكّته فقط، لكان الإلقاء المزبور
تبذيراً خصوصاً بعد كسره.

بقي في المقام أمران:

الأوّل: أنّ ما ذكره الشهيد «ره» من
التردّد في صحّة بيع هذا بعنوان الفرس فبان حماراً،
وأنّه يبتني على تقديم الإشارة على العنوان فهو
أيضاً غير صحيح، فإنّ مثل عنوان الفرس من العناوين
المقوّمة للمبيع، فيكون مقدّماً على الإشارة بلا
ريب، حيث
أنّ البيع يتعلّق بالعين الخارجية بما أنّه ينطبق
عليها ذلك العنوان ويقصد المشتري شراء الفرس
والبايع يريد بيعه. وإسناد البيع إلى المشار إليه
باعتبار اعتقادهما أنّه فرس وهذا بخلاف مسألة
الاقتداء، فإنّه يمكن فيها أن يقصد المأموم
الاقتداء بزيد، وإشارته إلى الحاضر باعتبار
اعتقاده أنّه زيد، وهذا معنى تقديم الوصف، ويمكن أن
يقصد الاقتداء بالحاضر زيداً كان أو غيره، ولكنّ
توصيفه بزيد باعتبار اعتقاده أنّ الحاضر فعلاً هو
لا عمرو، كما هو تقديم الإشارة، وبما أنّ القصد من
الأُمور الوجدانية، ولا يمكن فيها الشكّ حال
حصولها، فيمكن للمأموم حصول التردّد بعد فراغه عن
العمل.

الثاني: ذكر المحقّق الأيرواني «ره» أنّ
الذي يظهر لي من الأخبار أنّ الغشّ بعنوانه لا يكون
محرّماً، بل هو محرّم بعنوان الكذب. وفيه أنّه لم
يعلم وجه هذا الظهور، سواء كان الغش في المعاملات
أو غيرها، بعد ما ذكرنا من أنّ أخذ عنوان ـ موضوعاً
في خطاب الشرع، وإن احتمل كونه مشيراً إلى عنوان
آخر ـ يكون هو الموضوع واقعاً إلا أنّ هذا خلاف ظاهر
الخطاب، فإنّ مقتضى أصالة تطابق مقام الإثبات مع
مقام الثبوت أن يكون الموضوع في خطاب هو الموضوع
للحكم واقعاً، بل القرينة ـ في المقام على أنّ
الغشّ بعنوانه موضوع للحكم لا بعنوان الكذب ـ ظاهرة
، حيث أنّ الأحكام المتقدّمة من التكليف والوضع
تترتّب، حتّى فيما إذا كان غشّ البايع مثلاً بعنوان
التورية لا الكذب، ولذا يتعدّد العقاب في فرض الغش
بالكذب، فلاحظ وتدبّر.

في حرمة الغناء

الغناء لا خلاف في حرمته في الجملة[1].

[1] لا خلاف في حرمة الغناء في الجملة،
ويستدلّ عليه بالروايات المستفيضة الواردة(164) في تفسير قول الزور من قوله
سبحانه: «واجتنبوا قول الزور» والواردة في تفسير
لهو الحديث، من قوله سبحانه: «ومن الناس من يشتري
لهو الحديث ليضلّ به عن سبيل اللّه بغير علم»
والواردة في تفسير الزور من قوله سبحانه: «والذين
لا يشهدون الزور» وذكر المصنّف «ره» بما حاصله أنّ
المطلوب في المقام إثبات حرمة الغناء بمعناه
الظاهر المتعارف الذي هو عبارة عن كيفية الصوت الذي
يكون بها مطرباً.

وما ورد تفسير قول الزور لا يدلّ
على حرمة ذلك حيث أنّ تطبيق قول الزور على الغناء
قرينة على كون المراد به الكلام الباطل لا الكيفية
في الصوت مطلقاً، ويؤيّد كون المراد بالغناء فيها
هو الكلام الباطل، صحيحة حماد بن عثمان عن أبي
عبداللّه (ع) قال: «سألته عن قول الزور؟ قال: منه قول
الرجل للذي يغني أحسنت»(165)،
فإنّ قوله «أحسنت» باعتبار تضمّنه مدح الفاعل على
فعله الحرام باطل، اللّهمّ إلا أن يقال: إنّ قول
الزور في قوله سبحانه عامّ يعمّ الباطل في معناه أو
في جهة قراءته، ولعلّه لذلك عدّه تأييداً.

نعم في
مرسلة الصدوق، قال: «سأل رجل علي بن الحسين (ع) عن
شراء جارية لها صوت، فقال: ما عليك لو اشتريتها،
فذكرتك الجنّة بقراءة القرآن والزهد والفضائل التي
ليست بغناء وأمّا الغناء فمحظور»(166)،
فإنّ التعبير ـ عن الكلام الصحيح والفضائل الحقّة
بعدم الغناء ـ دليل على كون المراد بالغناء ولو في
بعض استعمالاته هو الكلام الباطل، وكذا ناقش «ره»
في ما ورد في تفسير لهو الحديث، بناءاً على كون
إضافة اللهو إلى الحديث من إضافة الصفة إلى
موصوفها،

حيث أنّ كون الحديث لهواً عبارة أُخرى عن
بطلان معناه، نعم لو كانت إضافته إليه من إضافة
المظروف إلى ظرفه المعبّر عن ذلك في علم الأدب بكون
الإضافة بمعنى «في» فيعمّ الغناء في الكلام
الصحيح، بل أجرى «ره» المناقشة فيما ورد في تفسير
الزور في قوله سبحانه: «والّذين لا يشهدون الزور»
وذكر أنّ المدح فيه لمن لا يحضر مجالس التغنّي يعني
الأباطيل من الكلام.

أقول: لم يظهر وجه صحيح للخدشة فيما ورد في
تفسير الزور، فإنّه لا قرينة في البين على أنّ
تطبيق الإمام (ع) عنوان الزور على الغناء باعتبار
الكلام، كما كانت في الوارد في تفسير الآية
الأُولى، بل الثانية أيضاً. وبعبارة أُخرى: صحيحة
أبي الصباح عن أبي عبداللّه (ع)(167)
دالّة على كون الغناء بنفسه زوراً وباطلاً، وظاهر
الغناء هي الكيفية في الكلام الحقّ أو الباطل. وما
ذكر «ره» أيضاً من دلالة المرسلة على استعمال
الغناء في الكلام الباطل ضعيف ، لاحتمال أن يكون
قوله فيها والتي ليست بغناء راجعة إلى القراءة لا
قيداً للفضائل. نعم مجرّد المدح على الحضور في مجلس
اللهو والباطل المستفاد من قوله سبحانه «والذين لا
يشهدون الزور» لا يكفي في الحكم بالحرمة كما لا
يخفى.

وفيها ابن فضال[1].

[1] كأنّ مراده أنّ وجود بني فضال في سند
الرواية كاف في اعتبارها للأمر بالأخذ برواياتهم،
وقد روى محمد بن الحسن في كتاب الغيبة عن أبي الحسين
التمام عن عبداللّه الكوفي خادم الحسين بن روح عن
الحسين بن روح عن أبي محمد الحسن بن علي (ع) أنّه
«سُئل عن كتب بني فضال؟ فقال: خذوا ما رووا وذروا ما
رأوا»(168)، وفيه أنّه لا سبيل
لنا إلى إحراز أنّ رواية عبدالأعلى مروية عن كتب
بني فضال، بل على تقديره أيضاً لا يكون الرواية
معتبرة، فإنّ الأمر بالعمل برواياتهم إرشاد إلى
أنّ مجرّد

فساد اعتقادهم لا يوجب طرح رواياتهم بأن
لا يصحّ الاعتماد على رواية يكون أحد منهم في سندها
لا أنّ وجودهم في سند رواية يكون تمام الموضوع
لاعتبارها، بحيث لا تضرّ جهالة باقي رواتها حتّى مع
كون بعضهم كذّاباً وجعّالاً. ولذا لا يصحّ عند
معارضة رواية صحيحة مع رواية أُخرى في سندها منهم
طرح الصحيحة والأخذ بالرواية بدعوى أنّه مقتضى
الأمر بالأخذ بكتبهم. هذا مع أنّ الأمر بالأخذ غير
ثابت، ومنشأه الرواية التي نقلناها كما لا يخفى.

نعم، دلالة الرواية ـ وظهورها في كون
الغناء المحرّم عبارة عن الكيفية في الصوت ـ واضحة،
فإنّ الكلام الذي يزعم فيه ترخيص رسول اللّه (ص) ليس
من الباطل من جهة المعنى، ولعلّ وجه الاستشهاد
بالآية كون المحكي عن رسول اللّه (ص) هو تجويزه
القول المزبور مطلقاً، بأن يقال عنده (ص) أيضاً.
وهذا نوع من اتخاذه (ص) اللهو أو أنّ حكاية تجويز
القول المزبور عنه (ص) كانت افتراءاً عليه (ص) نظير
افتراء الكفّار على اللّه سبحانه من أخذه تعالى
مريم وابنها صاحبةً وولداً، فيعمّ الحاكين لترخيصه
ما ذكر في حقّ هؤلاء الكفّار من الويل.

ثمّ إنّ الظاهر كون الرواية موثّقة، لأنّ
عبدالأعلى هو ابن أعين وقد وثّقه المفيد في رسالته
الإعدادية، كما يعمّه التوثيق العام من علي بن
إبراهيم، حيث روى في تفسيره عنه. ووجه كونه في هذه
الرواية هو ابن أعين رواية يونس بن يعقوب الذي روى
بعض الروايات الأُخر عنه بعنوان ابن أعين، فلاحظ.

مما يصف[1].

[1] يعني مما ذكر ويحكى، وقوله ـ رجل بدل عن
فلان ولم يحضر المجلس ـ وصف للرجل، أي: ويل للذي لم
يحضر مجلس رسول اللّه (ص) ولم يسمع ترخيصه من حكايته
عنه (ص).

ورواية يونس[2].

[2] لا يخفى أنّه ليس في الرواية تعيين
المراد من الغناء، وقد طبّق عليه فيها عنوان
الباطل، نظير الرواية الواردة في تفسير قوله
سبحانه «والذين لا يشهدون الزور» وعلى المصنّف
«ره» بعد إشكاله ـ في دلالة ما ورد في تفسيره
واستظهاره أنّ المراد به الكلام الباطل
ـ بيان الفرق بينهما
وبين رواية يونس، ووجه قبوله دلالة هذه على حرمة
الكيفية للصوت، سواء كانت في كلام باطل أو صحيح.
وعلى كلٍّ فالرواية لا بأس بالاعتماد عليها،
فإنّها مروية في قرب الإسناد عن الريّان بن صلت عن
الرضا (ع) بل وهذه هي العمدة في الحكم بحرمة الغناء،
وإلا فما ذكره المصنّف «ره» من إشعار الروايات
المتقدّمة بأنّ المحرّم هو عنوان اللهو والباطل
وإن كان ذلك في كيفية الصوت ـ لا يمكن المساعدة
عليه، فإنّ الاعتبار بالظهور لا بالإشعار، مع أنّ
لازم ما ذكر كون مطلق اللهو والباطل محرّماً حتّى
مالم يكن في البين غناء، كما إذا قرأ الأشعار
الراجعة إلى العشق ونحوها بلا ترجيع صوت أصلاً.

ورواية محمد بن أبي عباد[1].

[1] ولكن مضافاً إلى ضعف سندها لا دلالة لها
على الحرمة، لما تقدّم من أنّ المدح لفعل لا يكشف عن
كونه واجباً.

وفي رواية الأعمش[2].

[2] وباعتبار ضعف سندها لا يمكن الاعتماد
عليها.

وقوله (ع) قد سئل عن الجارية[3].

[3] وفي رواية الحسن بن علي الوشا، قال:
«سُئل أبوالحسن الرضا (ع) عن شراء المغنّية؟ قال: قد
يكون للرجل الجارية تلهيه، وما ثمنها إلا ثمن
الكلب، وثمن الكلب سحت»(169)،
وفي صحيحة إبراهيم بن أبي البلاد «ثمن الكلب
والمغنّية سحت»(170)، ومثل هذا
كاشف عن حرمة الغناء، فإنّه لا يكون بطلان المعاملة
على الجارية بما أنّها مغنّية إلا مع حرمته، وإلا
فكونها مغنّية ككونها خيّاطة أو كاتبة من الأوصاف
التي توجب زيادة ماليّتها.

لا يقال: نعم، ولكن لا يكون مثلهما كاشفاً
عن حرمة الغناء مطلقاً، حتّى فيما إذا كان في
الكلام الصحيح.

فإنّه يقال: بطلان بيعها كاشف عن حرمة
الغناء، حتّى فيما إذا كان في الكلام المزبور، وإلا
فكونها مغنّية ككونها كاتبة من الأوصاف التي تكون
منشأً للحلال والحرام، ولا يوجب مثلها بطلان
البيع، فتدبّر.

ونظيرها ما ورد في حرمة الاستماع إلى
الغناء، فإنّه كاشف عن حرمة نفس الغناء حيث لا
يحتمل حرمة الاستماع والجلوس إلى الحلال، وفي
صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال:
«سألته عن الرجل يتعمّد الغناء يجلس إليه، قال: لا»(171).

فقد ظهر مما ذكرنا أنّ الغناء وإن كان
بإطلاقه محرّماً إلا أنّه لا يمكن الحكم بكونه من
الكبائر، إلا فيما إذا كان في ضمن كلام باطل كالكذب.
وما يوجب إضلال الناس عن الدِّين الحقّ وإفساد
عقيدتهم، وفي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع)
قال: «سمعته يقول: الغناء مما أوعد اللّه عليه
النار»(172)، وتلا هذه الآية
«ومن الناس من يشتري لهو الحديث“» إلخ، فإنّ
الآية ناظرة إلى شراء لهو الحديث الموجب لإضلال
الناس. وما في رواية الأعمش أيضاً لا يدلّ على أنّه
بإطلاقه من الكبائر، حيث أنّ المذكور فيها الملاهي
التي تصدّ عن ذكر اللّه، والملاهي جمع ملهى بمعنى
اللهو، بقرينة التمثيل بالفعل، ومدلولها كون
الغناء الموجب لنسيان اللّه كبيرة، فلا تعمّ ما
يكون في ضمن الأشعار المتضمّنة للوعظ والإرشاد
ونحوهما.

أنّه مدّ الصوت[1].

[1] لا ينبغي التأمّل في كون الغناء عرفاً
هي الكيفية للصوت، ولا دخل في صدقه لبطلان معنى
الكلام وعدمه، ولذا من سمع من بعيد صوتاً يكون فيه
الترجيع الخاص المناسب للرقص وضرب الأوتار يحكم
بأنّه غناء، وإن لم يتميّز عنده مواد الكلام، ولعلّ
هذا هو المراد من قولهم بأنّه مدّ الصوت المشتمل
على الترجيع المطلوب، بأن يكون مرادهم تطويل الصوت
بنحو خاص أي تطويله بترجعيه وترديده في الحلق، بنحو
يقتضي الطرب أي يناسبه، والطرب حالة تعرض النفس من
شدّة الفرح أو الحزن وحقيقته خروج النفس عن
اعتدالها، ولذا ربّما يفعل الإنسان في ذلك الحال ما
لا يفعله في غيره، وعلى كلّ فإن أحرز في مورد كون
الكيفية غناء فهو، وإلا فمقتضى الأصل الإباحة،
ويكون الشكّ في المقام من الشبهة المفهومية، حيث
يكون المفهوم مجهولاً من حيث سعة دائرته وضيقه، كما
لا يخفى.

ويشهد على ما ذكرنا ـ من كون الغناء هي
كيفية الصوت من غير دخل لمعنى الكلام فيه ـ موثّقة
عبدالأعلى المتقدّمة، حيث أنّ الكلام المنكر
الوارد فيها ليس باطلاً، من جهة المعنى.

انّ الرحل المتستّر[1].

[1] أي الرجل الجالس مكان الخلوة.

وربّما يبكي من خلال ذلك[2].

[2] ويظهر ذلك بملاحظة مثل الأب الذي مات
ولده الشاب المحبوب له، فإنّه يقرأ عنده تعزية
سيدالشهداء وولده الأكبر (ع)، ويبكي أشدّ البكاء،
مع أنّه لم يكن يبكي من قبل بمثل هذه التعزية، فإنّ
بكاءه حقيقة لموت ولده، ثمّ انّ الوجه في هلاك
الرجل المتستر المفروض ما أشرنا إليه من أنّ الجهل
بحرمة هذا النحو من كيفية القراءة في التعزية أو
غيرها شبهة حكمية منشأها الجهل بعموم مفهوم الغناء
وشموله لها، والجهل في تلك الشبهة لا يكون عذراً
إلا بعد الفحص وعدم الظفر بما يكون دليلاً على حرمة
تلك الكيفية، كما لا يخفى.

أما الأول فلأنّه حكي عن المحدِّث
الكاشاني[3].

[3] المنسوب إلى المحدّث الكاشاني وصاحب
الكفاية جواز الغناء وأنّ الحرام ما يقترن به من
المزمار، ودخول الرجال على النساء ونحوهما، وأنّ
الأخبار الناهية عن الغناء ناظرة إلى المتعارف في
ذلك الزمان، وهو الغناء المقترن بالأباطيل
والمحرّمات، ولعلّه يشير إلى ذلك قوله (ع) في صحيحة
أبي بصير «أجر المغنّية التي تزفّ العرائس ليس به
بأس، وليست بالتي يدخل عليه الرجال»(173)، ويمكن دعوى ظهور الجواز من بعض
الروايات الأُخرى، كخبر أبي بصير قال: «سألت أبا
عبداللّه (ع) عن كسب المغنّيات؟

فقال: التي يدخل
عليها الرجال حرام، والتي تدعى إلى الأعراس ليس به
بأس، وهو قول اللّه عزّ وجلّ»(174)،
وخبر علي بن جعفر عن قرب الإسناد عن عبداللّه بن
الحسن قال: «سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر
والأضحى والفرح؟ قال: لا بأس به مالم يعص به»(175)، ورواه علي بن جعفر في كتابه
إلا أنّه قال: مالم يزمر به، وفي بعض النسخ: مالم
يؤمر به، والصحيح هو الأول. وظاهر هذه أيضاً جواز
الغناء في نفسه، حيث لا يحتمل جوازه في الأعياد
والأفراح كلّها وحرمته في غير ذلك.

أقول: ما ذكر من نظر الأخبار الناهية إلى
الغناء المتعارف في ذلك الزمان وكان مقارناً
بالأباطيل والمحرّمات الأُخر فاسد، فإنّه ـ مضافاً
إلى أنّ النهي عن عنوان ظاهره كونه المنهي عنه، لا
كونه إشارة إلى عنوان آخر يكون مقارناً له أو
متّحداً معه بعضاً أو غالباً ـ أنّ إنكار الترخيص
راجع في موثقة عبدالأعلى إلى نفس القول والغناء، لا
إلى استعمال الملاهي أو غيره من المحرّمات. وأمّا
صحيحة أبي بصير فلابدّ من حمل قوله (ع) بالتي يدخل
عليها الرجال على العنوان المشير، يعني إلى التي
تغنّي في غير الزفاف، ولعلّ دخول الرجال عليها كان
متعارف في غنائها في غير الزفاف. ويحتمل أن يكون
قوله: «وليست “ إلخ» حالاً، أي التي تزفّ العرائس
لا بأس بكسبها حال عدم دخول الأجانب عليها، وعدم
دخولهم من باب المثال والمراد عدم ارتكاب محرّم
آخر. ولا بأس بالالتزام بجواز الغناء في الأعراس
مالم يقترن بمحرّم آخر، حيث أنّ حلّ الكسب بعمل
يلازم جواز ذلكا لعمل.

ويدلّ عليه روايتان لأبي بصير أيضاً، وفي
إحداهما ـ ولا يبعد كونها معتبرة فإنّه ليس في
سندها غير حكم الخيّاط، والظاهر أنّه ثقة باعتبار
كونه من مشايخ ابن أبي عمير ـ «قال أبو عبداللّه (ع):
المغنّية التي تزفّ العرائس لا بأس بكسبها» والوجه
في اعتبار عدم الاقتران بحرام آخر مضافاً إلى ما
استظهرناه من صحيحته المتقدّمة إطلاق أدلّة حرمة
استعمال الملاهي ونحوه، فإنّها تعمّ الزفاف وغيره.
وظاهر الرواية المجوّزة تجويز الغناء دون المحرّم
الآخر. ودعوى أنّ المتعارف من الغناء في الزفاف كان
مقترناً باستعمال الملاهي لم تثبت، بل هذه نظير
دعوى أنّ المتعارف من الغناء في الزفاف كان مقترناً
بشرب الخمور كما لا يخفى. وأمّا ما رواه في قرب
الإسناد ـ عن علي بن جعفر فلضعف سنده ـ ساقط عن
الاعتبار، فإنّ في سنده عبداللّه بن الحسن ولم يثبت
له توثيق.

نعم، روايته عن كتابه معتبر، ولكن دلالته
على جواز الغناء الذي لا يمزر به قابل للخدشة،
فإنّه يحتمل أن يكون المراد بالغناء مطلق مدّ
الصوت، وقيد مالم يزمر به إشارة إلى عدم البلوغ إلى
حدّ الغناء المعروف. وهذا الاحتمال وإن كان خلاف
الظاهر إلا أنّه لا بأس به في مقام الجمع، ولو فرض
عدم تمامية ما ذكرنا في هذه الصحيحة وصحيحة أبي
بصير المتقدّمة ووقعت المعارضة بين هذه الطائفة
الموافقة للعامة والطائفة المانعة المخالفة لهم،
فالمتعيّن الأخذ بالمانعة باعتبار أنّ مخالفة
العامّة هو المرجع الثاني في باب المعارضة، فتدبّر.

حكم اللهو والباطل

ثمّ إنّه لا يسعنا الحكم بحرمة الباطل
واللهو مالم يدخل في عنوان الغناء أو غيره من
المحرّمات، ولكن نسب التحريم إلى بعض الأصحاب.
ويستدلّ عليه تارةً بمثل قوله سبحانه: «والّذين هم
عن اللغو معرضون»(176) وفيه ما
تقدّم، من أنّ المدح بفعل لا يدلّ على وجوب ذلك
الفعل، وأُخرى بروايات واردة في وجوب التمام في سفر
الصيد تنزّهاً، وفي موثقة أبي بكير «سألت أبا
عبداللّه (ع) عن الرجل يتصيّد اليوم واليومين
والثلاثة، أيقصر الصلاة؟ قال: لا، إلا أن يشيع
الرجل أخاه في الدِّين، فإنّ الصيد مسير باطل لا
تقصر الصلاة فيه»(177)،

وفي
موثقة زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: «سألته عمّن يخرج
عن أهله بالصقورة والبزاة والكلاب يتنزّه الليلة
والليلتين والثلاثة، هل يقصر في صلاته أم لا؟ قال:
إنّما خرج في لهو لا يقصر»(178)،
ولكن لا يخفى عدم دلالتهما على حرمة اللهو والباطل
بالسفر فضلاً عن غيره أيضاً، بل مدلولهما عدم تشريع
القصر في ذلكالسفر المقصود به اللهو والتنزّه
والباطل. والمراد بالباطل عدم غرض مطلوب فيه،
كالتكسّب وتشييع الأخ، وغاية الأمر الالتزام
بالتمام في السفر كذلك، مع عدم كونه من أفراد السفر
للمعصية. ويناسب ذلك عطف سفر الصيد تنزّها في كلام
الأصحاب على السفر للمعصية، فلاحظ.

وأمّا موثّقة عبدالأعلى، فقد تقدّم أنّ
مدلولها عدم اتخاذ اللّه تعالى أو رسوله لنفسه
اللهو. وأمّا أنّ اللهو بإطلاقه محرّم على الإنسان
المكلّف، فلا دلالة لها على ذلك أصلاً، بل ذكرنا
احتمال أن يكون الاستشهاد بالآية باعتبار ما في
ذيلها من الويل للمفتري، وفي صحيحة الريان بن صلت،
قال: «سألت الرضا (ع) عن الغناء وأنّ العباسي ذكر منك
أنّك ترخّص في الغناء؟ فقال: كذب الزنديق ما هكذا
قلت له، سألني عن الغناء، فقلت: إنّ رجلاً أتى أبا
جعفر (ع) فسأله عن الغناء فقال: إذا ميّز اللّه بين
الحقّ والباطل، فأين يكون الغناء؟ فقال:

مع الباطل،
فقال: قد حكمت» فإنّ صدرها ظاهر في نفس الترخيص في
الغناء لا أنّه حرام، وقول أبي جعفر (ع) لا يدلّ على
خصوص الحرمة، كما لا يدلّ على الجواز بنحو الكراهة،
حيث أنّ الباطل جامع بينهما، ويناسب كلاً منهما،
وبهذا الاعتبار ذكر (ع) كذب الزنديق. وبهذا يظهر
الحال في موثقة زرارة عن أبي عبداللّه (ع)، أنّه
«سُئل عن الشطرنج وعن لعبة شيث التي يقال لها لعبة
الأمير، وعن لعبة الثلث، فقال: أرأيتك إذا ميّز
اللّه الحقّ والباطل مع أيّهما تكون؟ قال: مع
الباطل، قال: فلا خير فيه»(179)،
حيث أنّ نفي الخير لا يدلّ على الحرمة، بل يناسب
الكراهة أيضاً، وإن كان المراد منه بالإضافة إلى
بعض مورد السؤال أو كلّه الحرمة، ولكنّها بقرينة
خارجية، ولو كنّا وهذه الرواية لما أمكن الحكم
بالحرمة حتّى في مورد السؤال، وكيف كان فلا دلالة
في الروايتين على حرمة الباطل أصلاً.

فإنّ مرجع أدلّة الاستحباب[1].

[1] وحاصله أنّ المحرّم قد يكون له وجود آخر
ويحسب مقدّمة للمستحب أو المكروه أو المباح، وقد
يكون متحداً مع العنوان المستحب أو المكروه أو
المباح في الوجود، ولا بدّ في كلا القسمين من تقديم
خطاب التحريم ولو مع كون النسبة بين الخطابين
العموم من وجه، فإنّ هذا التقديم مقتضى الجمع
العرفي بين الخطابين،

حيث أنّ المستفاد عرفاً من
خطاب استحباب الشيء مع ملاحظة كون بعض سببه محرّماً
استحباب إيجاده بسبب مباح، كما أنّ المستفاد من
خطابه مع ملاحظة خطاب النهي في مورد اتحاد
العنوانين كون الاستحباب اقتضائياً بالإضافة إلى
العنوان المحرّم بمعنى أنّه يثبت الاستحباب لو لم
يكن في البين ذلك العنوان الحرام. وكذا الحال في
مورد اتحاد العنوان المحكوم بالإباحة مع العنوان
المحرّم، ولذا لا يستفاد من خطاب حلّ أكل لحم مثل
الغنم حلّه حتّى فيما إذا كان الغنم مغصوباً أو
موطوءاً، ولعلّ الوجه في هذاالجمع العرفي هي
القرينة العامّة، وهي ملاحظة الفاعل الجهة الأهم
والملاك الملزوم في مورد مزاحمته بغيره.

/ 12