يستعمل فيكل نظام أخلاقي مفهومان متضادان، الاول يدل علي الاخلاق الممدوحة، و الآخر يدل علي الاخلاق المذمومة، واللفظ المشترك بين هذه كلها هو ما يفيدالصالح و الطالح، غير أن هناك احياناً ألفاظاً ذوات معان أعمق و أدلّ من مجردالصالح والطالح او الحسن و السيّء، ففي هذه الآيات الشريفة نجد «الفجور» و «التقوي» مرة، و نجد «التزكية» و «التدسيس» مرة اخري للدلالة علي الصالح و الطالح. إن دلالة معني «الفجور» و «التقوي» أعمق من دلالة «الشر» و «الخير» فيالاخلاق، فاللفظ الاول يشير الي ما يدعو الي تجنب الشر، و ذلك لانه يكون السبب في ضياع الانسان و خروجه عن حدودالفطرة، في قبال القيام باعمال الخير و مالها قيم اخلاقية ايجابية، فإن ذلك فضلا عن كونه لا يضيع الانسان و لايخرجه عن فطرته، فانه يحافظ عليه ايضا.و في آية اخري ثمة تعبير آخر غير «الفجور» و «التقوي» اذتقول: «قَدْأَفْلَحَ مَنْ زَكّاها» (الشمس/ 9). و مفهوم «التزكية» هنا يحمل المعني ذاته، أقصد أن مصداقيهما واحد، علي الرغم من اختلاف مفهوميهما، إن ما هو «تقوي» يكون «تزكية» ايضا، و إن من «الفجور» ما هو «تدسية» النفس ايضأ، إلاأن لهذاالمفهوم معاني أوسع تكون قادرة علي تحريض المزكي علي العمل، و ذلك لأن القيام بألاعمال الصالحة الاخلاقية فضلا عن كونه تقوي و يقيالنفس من الاخطار و التلوث، فإنه كذلك يستوجب التطور والنمو ايضا. فالتزكية تفيد هذا المعني أكثر من «التقوي». أما القيام بالأعمال الطالحة السيئة فانه يؤدي الي نفوذ عنصر مضاد للفطرة الي ذات الانسان، و يكون كالسم الذي اذا مس الحلوي و نفذ فيها أفسدها و تسبب في خلق المشكلات.تقديم ذكر «الفجور» علي «التقوي»عند قراءة الآية «فَألْهَمَها فُجُورَها و تَقْواها» يتبادر للذهن السؤال التالي: لماذا جاء لفظ «الفجور» قبل «التقوي» (الشمس /8)ثم فيالآية التي بعدها «قَدْأفْلَحَ مَنْ زَكّاها و قَدْخابَ مَنْ دَسَّاها» (الشمس 9 ـ 10) حيث يرد ذكر «التزكية) قبل «التدسية» فلماذا؟ ان السياق الذي جاء فيالآية قبلها كان يقتضي ان يقال «قدخاب من دساها و قدافلح من زكاها» إذ إن ما يقابل «الفجور» هو «التدسية» فلماذا لم يراع هذا الترتيب فيالآية الثانية؟ لماذا استعمال المشوش بدلاً من اللف و النشرالمنظّمين؟ ماالنكتة الخفية فيهذا الأمر؟إن طبيعة الانسان العادي تستدعي أن تنمو فيه الغرائزالحيوانية اولاً فتكون الميول المادية و ما يمكن أن يكون مصدراً للشروالفساد والتدسية، بالطبع، أصل الغريزة الحيوانية ليس شراً. إن الحاجة الي الطعام و الي الجنس ليست فيحدذاتها شراً من حيث التكوين، إنماالافراط و التفريط فيها هوالشر و هوالمذموم، و إن استخدامها فيغير محلها يوجب التدسية، و هكذا نلاحظ أن الدوافع المادية تظهر فيالانسان قبل الدوافع المعنوية و الالهية. ففيالطفل هذه الغرائز هيالتي تظهر اولا، ثم تتسع شيئاً فشيئاً و أولي هذه الغرائز هي غريزة الأكل والشرب، ثم اللعب، و من ثم الميل نحوالجنس الآخر. فيهذه الفترة، التي تسمي مرحلة البلوغ، يظهر فيالانسان التوجه نحوالمعنويات و عبادة الله تعالي، إلا أن هذا الميل لا يتفتح ذاتياً، كالغرائزالحيوانية، بل إنها تحتاج الي التربية والعناية، فيالوقت الذي لاتحتاج فيه الغرائزالحيوانية الي مثل تلك التربية والعناية، و إنما هي سريعة التطور قبل غيرها من الغرائز و تنشط و تنمو و تتطلب الاشباع. فاذا لم تترب بالتزكية والتطهير فإنها قد تجرالانسان الي الفساد.و عليه لما كانت «الفجور» من نتائج الغرائزالحيوانية التي تظهر قبل الغرائزالاخري، فقد وردت بالترتيب نفسه فيالقرآن الكريم، علي الرغم من أن الغرائزالحيوانية لاتستلزم بالضرورة أن تكون هي وحدها المؤدية الي الفجور، و لكنها قد تكون من اسبابها قديتساءل سائل: لماذا يردالفطري والطبيعي مترادفين، مع ان الفطري يكون فيطريق الخير؟ فيالجواب يمكن القول إن ذلك يعود الي تعدد الاصطلاحات، فقد يستعمل الفطري فيقبال الاكتسابي، فعندما نقول هذا امر فطري فاننا نعني بذلك انه ليس اكتسابياً. و بناء علي ذلك فان الغرائز كلها فطرية، سواء أكانت من الامورالفطرية الانسانية أم من الغرائزالحيوانية. كما ان الغرائز، او الدوافع الباطنية، المتسامية التي تسمو علي الغرائزالحيوانية، توصف بالفطرية ايضا. كثيراً ما نلاحظ أن المرحوم الشهيد مرتضي المطهري(ره) يستعمل لفظ الفطرة بمعناها الثاني كاصطلاح خاص، وإلافان المعني الاول هوالاصل فيالفطرة. أما القول بأن الميل نحوالخير و الميل نحوالشر فكلاها فطري، انمايراد به انهما ليسا اكتسابيين، و ان الله قد جعلها فيطبيعة الانسان، الذي قد يميل نحوالخير او نحوالشر.